بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » غرائب أخلاق النفس

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

 
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 08-10-2002, 02:46 AM   #1
اللاجئ إلى الله
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: May 2002
البلد: السعودية
المشاركات: 276
غرائب أخلاق النفس

بسم الله الرحمن الرحيم

ينبغي للعاقل ألا يحكم بما يبدو له من استرحام الباكي المتظلم وتشكيه ، وشدة تلوِّيه وتقلبه وبكائه . فقد وقفت من بعض من يفعل هذا على يقين ، أنه الظالم المعتدي المفرط الظلم . ورأيت بعض المظلومين ساكن الكلام ، معدوم التشكي ، مظهرًا لقلة المبالاة ، فيسبق إلى نفس من لا يحقق النظر أنه ظالم ، وهذا مكان ينبغي التثبت فيه ، ولغالبة ميل النفس جملةً ، وأن لا يميل المرء مع الصفة التي ذكرنا ولا عليها ، ولكن يقصد الإنصاف بما يوجبه الحق على السواء .

من عجائب الأخلاق أن الغفلة مذمومة ، وأن استعمالها محمود ، وإنما ذلك لأن من هو مطبوع على الغفلة يستعملها في غير موضعها ، وفي حيث يجب التحفظ ، وهو مغيب عن فهم الحقيقة ، فدخلت تحت الجهل فذمت لذلك . وأما المتيقظ الطبع ، فإنه لا يضع الغفلة إلا في وضعها الذي يذم فيه البحث والتقصي والتغافل ، فهمًا للحقيقة ، وإضرابًا عن الطيش ، واستعمالاً للحلم ، وتسكينًا للمكروه ، فلذلك حمدت حالة التغافل وذمت الغفلة ، وكذلك القول في إظهار الجزع وإبطانه ، وفي إظهار الصبر وإبطانه ، فإن إظهار الجزع عند حلول المصائب مذموم لأنه عجز مُظْهره عن مِلْك نفسه ، فأظهر أمرًا لا فائدة فيه ، بل هو مذموم في الشريعة ، وقاطع عما يلزم من الأعمال ، وعن التأهب لما يتوقع حلوله مما لعله أشنع من الأمر الواقع الذي عنه حدث الجزع . فلما كان إظهار الجزع مذمومًا ، كان إظهاره ضده محمودًا ، وهو إظهار الصبر ؛ لأنه ملك للنفس ، واطَّراح لما لا فائدة فيه ، وإقبال على ما يعود وينتفع به في الحال ، وفي المستأنف . وأما استبطان الصبر فمذموم ، لأنه ضعف في الحس ، وقسوة في النفس ، وقلة رحمة ، وهذا أخلاق سوء لا تكون إلا في أهل الشر ، وخبث الطبيعة ، وفي النفوس السبعية الرديئة . فلما كان ما ذكرنا يقبح ، كان ضده محمودًا وهو استبطان الجزع لما في ذلك من الرحمة والشفقة والفهم بقدر الرزية ، فصح بهذا أن الاعتدال هو أن يكون المرء جزوع النفس صبور الجسد ، بمعنى أنه لا يظهر في وجهه ولا في جوارحه شيء من دلائل الجزع . ولو علم ذو الرأي الفاسد ما استضر به من فساد تدبيره في السالف لأنجح بتركه استعماله فيما يستأنف ، وبالله التوفيق .

* الأخلاق والسير في مداواة النفوس ، تأليف : أبو محمد علي بن أحمد بن حزم ، ص84،85 .
__________________
( اتق الله حيثما كنت )
من السهل جدًا أن نستخدم الإسلام ، ولكن من الصعب جدًا أن نخدم الإسلام
اللاجئ إلى الله غير متصل  


 

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 01:18 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)