رحم الله الأصمعي – صغير الأذنين - , فقد أتحفنا بتلك القصيدة التي ملأها صوت صفير ذلك البلبل , وكيف كانت مدوية في رحاب الشعراء إن صدقت , فهي موضوعة إلا إن صدقت حادثة علي بن الجهم وعيون المها .
مشكلة الأدب أنه قلما يتحفظ الرواة فيما يوردون , فهو أدب , وليس فيه من قال الله وقال رسوله شيء , وإنما رغبة في التملق على الأغلب , وكيف يجوز للعرب أن يسلموا بعلمهم وقد ألقاه التتار في ذلك النهر .
مصيبة حين نأخذ بمسألة من مسائل الأدب فتكون مسلمة من المسلمات , فترى الدارس يتشدق بتلك المعلومة , ويحسب أنه ملك العلم , ولم يفطن إلى أن هناك علمًا لم يظهر بعد , أو ظهر ولكنه مكذوب موضوع , فلو تأمل في تحقيق كتاب الأغاني – مثلاً – لربما أوجس الريب من محققيه المستشرقين من غير العرب , كان الجاحظ في شكه حين اعتزاله , فكان الغزالي , ثم جاء ديكارت وغيره .
ضاع الأدب , وضاع العلم , وما وصلنا إلا أقله مصدوق , وكثيره ليس مما يعتد به , فشمروا عن سواعدكم أيها البحّاث وانظروا في العلم , وهاتوا بما لم تستطعه الأوائل .