يناديه أناس بالفقيه , ويقول آخرون هو عالم اجتماع , ويقول غيرهم هو علاّمة المدينة الحديثة , وما رأيت أصفق من تلك الآراء ولو اجتمعت أو حتى تفرقت , فما كنت أقبل بمن كان متفيهقًا بعلم الشرع حين عاب عليه أهل حلَّته في المغرب حين عينه أهل مصر قاضيًا عليهم .
تملقه لتيمورلنك , وحسرته على ضياع ملك أجداده في الأندلس صيره باحثًا عن ذلك النقص الذي أوجد فيه عقدة ملحة كيما يبين للناس أن الظروف لم تكن على ما يشتهي حين كان قدره في نفسه أن يكون صاحب عصبية , فيكون أميرًا على بلدة من بلدن المغرب .
غاية تاريخه بمقدمته وعلم عمرانه لم يكن إلا لتلك العقدة فيه , فكان أحرى بالعرب والمسلمين ألا يلتفتوا إلى ما جاء به , لكنهم اندهشوا من ترجمة الفرنسيين لتاريخه حين أرادوا احتلال بلاد المغرب لا سيما الجزائر وتونس وغيرها , ثم ترجمها العثمانيون لرأي ابن خلدون أن الخلافة تصح لغير القرشيين مؤولاً الحديث النبوي الشريف , فتهافت العرب عليها يحسبون فيها علمًا , فكان أن شغف بها الباحثون , وراحوا يمجدونها لتلك الترجمات دون العلم الذي فيها .
نحن العرب دائمًا ما نأخذ بالمثل العربي : زامر الحي لا يُطرب , ومغنية الحي لا تطرب , وفي الخليج يقولون : عنـز الفريج تهوى التيس الغريب . فحين ترجمها الغرب أخذناها عنهم , فكأنها ليست من عندنا , ولو لم تكن تلك الترجمة وذلك الاعتناء الغربي بغض النظر عن تلك المآرب لزهدنا في علم ابن خلدون ولما أسفنا على فهلوته .