بين عبدالله بن حذافة وحي السفارات

ولد المريدسية · 21-11-2007, 10:27 PM

======(( 1 ))======

يُقال بأنّ عبدَالله بنَ حذافة السّهمي - رضي الله عنه – لمّـا أسرته الرومُ عَرَض عليه ملكُها التنصّـرَ مقابل مشاطرته نصفَ ملكه ، وتزويجه ابنتـه . فأبى عبدالله هذا العَرْض الترغيبي .
عندها قرّر ملكُ الروم استخدامَ العرض الترهيبي ؛ فأوقدَ الزيتَ بالنار وألقى فيها رجلاً من المسلمين ، فلم يتراجعْ عبدالله بنُ حذافة قيدَ أنملة ..
غيرَ أنّ ملكَ الروم أحبّ أنْ يُطلق سراحَ عبدالله بنَ حذافة ، فقال : قبّـلْ رأسي وأطلقك . فأبى عبدالله بن حذافة ، فقال ملكُ الروم : قبّـل رأسي وأطلقُ معك ثمانين مِن المسلمين . قال عبدالله : أما هذه فنعم . فقبّـل رأسه ، وأطلقه وأطلق معه ثمانين من المسلمين .
فلما قدموا على عُمرَ بن الخطاب – رضي الله عنه - قام فقبل رأسَ عبدالله ، وقال : حق على كلّ مسلمٍ أنْ يقبل رأسَ عبدالله بن حذافة .
** فائدة : ( يقال ) ، صيغـة تمريض ، والقصة فيها ما فيها .

======(( 2 ))======

كتبَ الله عليّ أنْ أذهبَ هذا اليومَ إلى حي السفاراتِ بالرياض .. تقودني خُطاي ، وَيغذّني المسير ..
هاجسي أنْ أحصُـلَ على تأشيرتين مِن السفارة الصينية في زيارةٍ قد تستغرق أسبوعاً واحداً .
وَلكي تصلَ إلى سفارة ( التنين العظيم ) يجبُ عليك أنْ تقطعَ الطريقَ المشؤوم ( خريص ) ، لتأتيَ بعده على حواجزَ خرسانيةٍ ، وأسلاكٍ شائكة ، ثم تقف في طابورٍ طويلٍ ينتهي برجل أمن ، قد يطلبُ منك الإثبات ، أو يأمرُك بفتـح شنطة السيّارة ، أو يسمحُ لك بالعبور دُونهما .
وعليك أنْ تقف – بعدها - لترتشفَ كأساً مِن الماء مع حبّـة مسكّن ؛ لأنه سَوف تُصاب بأمراضٍ مُزمنة قد سببتها لك كثرةُ الدوّارات في المنطقة . لتسـألَ هذا وذاك عن السفارة الصينية ، ليأتيَ الجواب مُتضارباً ومختلفاً ، تُقرّر بعدها الاعتمادَ على الحدسِ والتوقع ، لتكتشفَ أنّ السفارة في رُكنٍ قصيّ مِن مَبنى السفير الصيني !!

======(( 3 ))======

( سفارة جمهورية الصين الشعبية )
هُدوء يلفُّ المكان .. حفيفُ الأشجار التي تحيط بالمبنى يُداعب خيالك .. زقزقة الطيور تُشنّـف سمَعك .. ممـرّاتٌ خالية إلا مِن بعضِ الملصقاتِ الإرشادية ..
- السّلام عليكم .
- .................
- السّلام عليكم وَرحمةُ الله .
- ( شنق يو شنغاي دونق ) !!
ياه ..
أهـذا هُو مبنى سفارة بلد المليـار ونصف ؟!!
أهذهِ هيَ مكاتب بلد العجائبِ والغرائب ؟!!
أفركُ عينيّ .. أستجمعُ قواي .. أطالعُ في الغادين والرائحين ..
سفارةُ بلدٍ يفوق المليار لا يُوجد بها إلا سَبعة أشخاص !!
إيْ وَالله ..
ثلاثُ موظفات ، وَرجلان سعوديان ، وسادسٌ سودانيّ ، وأنا ..
لا طوابيرَ في مكتبِ التأشيراتِ ، ولا ازدحامَ على الكراسي ، ولا تدافعَ في استلامِ الأوراق ..
لقد قلتُ لكم قبلاً : ( هدوء يلفُّ المكان ) .
اللهمّ إلا مِن صريرِ الأقلام ، ورنينِ الجوالات ..

======(( 4 ))======

إذا كنتَ – كمثلي - لا تعرفُ اللغة الصينية فأنتَ غريبٌ كغُربة الشعرة البيضاء في شَعر الفتى اليَـافع ..
وإذا كنتَ لا تعرفُ اللغة الإنجليزية فأنتَ قد حكمتَ على نفسِك بالإعدام ، واخترتَ لنفسك نهايةً مأســاوية ، واختصرتَ المسافة لكي تُرمى في الشارع .
أوراقي جاهزة .. تواقيعي كاملة .. مَعلوماتي وافية شافية ..
حتى إنني جئتهم بآخرِ حِسَاباتي البنكية لـ 6 شهورٍ خلت ..
حينَ عرضتُ عليهم الأوراقَ وقلّبوها لدقائقَ ، قاموا بإرجاعها إليّ ..
ما السـر يا ترى ؟
هل هذا لأني مقاطعٌ للمنتجاتِ الصينية التي كادت تُحرق بيتنا ؟!
أمْ لأني اكتشفتُ أنّ بضاعتهم مزجاة ، وتجارتهم تقليدٌ للآخرين ؟!
أمْ لأنهم أسَـاؤوا لأهلنا في ( سينكيانغ ) فلمْ يتركوا وَليداً في مهده ، أو شيخاً في مَعبده ؟!!
ولكنّ الله أراد بي خيراً حينَ رزقني بأحدِ المراجعين ليكونَ همزة وَصلٍٍ بيني وبينهم ..
إذ استطـاع التحدّث إليهم بضعَ ثوانٍ كانت كافية لأنْ يقولَ بأنّ أوراقي ناقصة !!
يا صاحبي : وما النقصُ فيها ؟
قال : بطاقة تعريفٍ من العمل إذا كنتَ سائحاً ، ودعوة مِن إحدى الشركاتِ إذا كنتَ تاجراً ..
بعد أنْ شكرته .. لملمتُ أوراقي ، وقفلتُ راجعاً ، لأبدأ المشوارَ مِن الصفر ..

======(( 5 ))======

نعودُ ، والعَـودُ أحمد ..
ما سرُّ ارتباط الصحابي الجليل بـ ( حي السفارات ) ؟
لو كُتبَ لك بمرورٍ سريع على هذا الحي ستكتشفُ أنّ الشارع الذي يحمل اسم الصحابي هو أكبرُ شارعٍ يخترق الحي مِن أقصاهُ لأقصاه ، وأنّ جميع الدوّارات تُشير لاسمِه ، وأنّ السفاراتِ الغربية تقعُ على شارع هذا الصحابي ..
بلْ أجزمُ أنّ أحدَهم لوْ أرادَ توصيفَ سفارته الأمريكية أو الأوروبية لأوردَ اسمَ الصحابي طائعاً مختاراً !!
هذا الصحابي الذي دوّخ أجدادَهم مِنْ قبلُ ، هاهو يعودُ اليومَ مخترقاً حي السفارات ، تماماً كما اخترقَ صفوفهم في مَعركةِ القادسية ..
لا أستطيعُ أنْ أقولَ المزيد ؛ لأنّ ( الأرضَ مَسْكونة ) كما يقولُ العلامة الألباني رحمه الله .
.
.

21-11-2007, 10:27 PM	#1
ولد المريدسية عـضـو تاريخ التسجيل: Apr 2003 المشاركات: 659	بين عبدالله بن حذافة وحي السفارات ======(( 1 ))====== يُقال بأنّ عبدَالله بنَ حذافة السّهمي - رضي الله عنه – لمّـا أسرته الرومُ عَرَض عليه ملكُها التنصّـرَ مقابل مشاطرته نصفَ ملكه ، وتزويجه ابنتـه . فأبى عبدالله هذا العَرْض الترغيبي . عندها قرّر ملكُ الروم استخدامَ العرض الترهيبي ؛ فأوقدَ الزيتَ بالنار وألقى فيها رجلاً من المسلمين ، فلم يتراجعْ عبدالله بنُ حذافة قيدَ أنملة .. غيرَ أنّ ملكَ الروم أحبّ أنْ يُطلق سراحَ عبدالله بنَ حذافة ، فقال : قبّـلْ رأسي وأطلقك . فأبى عبدالله بن حذافة ، فقال ملكُ الروم : قبّـل رأسي وأطلقُ معك ثمانين مِن المسلمين . قال عبدالله : أما هذه فنعم . فقبّـل رأسه ، وأطلقه وأطلق معه ثمانين من المسلمين . فلما قدموا على عُمرَ بن الخطاب – رضي الله عنه - قام فقبل رأسَ عبدالله ، وقال : حق على كلّ مسلمٍ أنْ يقبل رأسَ عبدالله بن حذافة . ** فائدة : ( يقال ) ، صيغـة تمريض ، والقصة فيها ما فيها . ======(( 2 ))====== كتبَ الله عليّ أنْ أذهبَ هذا اليومَ إلى حي السفاراتِ بالرياض .. تقودني خُطاي ، وَيغذّني المسير .. هاجسي أنْ أحصُـلَ على تأشيرتين مِن السفارة الصينية في زيارةٍ قد تستغرق أسبوعاً واحداً . وَلكي تصلَ إلى سفارة ( التنين العظيم ) يجبُ عليك أنْ تقطعَ الطريقَ المشؤوم ( خريص ) ، لتأتيَ بعده على حواجزَ خرسانيةٍ ، وأسلاكٍ شائكة ، ثم تقف في طابورٍ طويلٍ ينتهي برجل أمن ، قد يطلبُ منك الإثبات ، أو يأمرُك بفتـح شنطة السيّارة ، أو يسمحُ لك بالعبور دُونهما . وعليك أنْ تقف – بعدها - لترتشفَ كأساً مِن الماء مع حبّـة مسكّن ؛ لأنه سَوف تُصاب بأمراضٍ مُزمنة قد سببتها لك كثرةُ الدوّارات في المنطقة . لتسـألَ هذا وذاك عن السفارة الصينية ، ليأتيَ الجواب مُتضارباً ومختلفاً ، تُقرّر بعدها الاعتمادَ على الحدسِ والتوقع ، لتكتشفَ أنّ السفارة في رُكنٍ قصيّ مِن مَبنى السفير الصيني !! ======(( 3 ))====== ( سفارة جمهورية الصين الشعبية ) هُدوء يلفُّ المكان .. حفيفُ الأشجار التي تحيط بالمبنى يُداعب خيالك .. زقزقة الطيور تُشنّـف سمَعك .. ممـرّاتٌ خالية إلا مِن بعضِ الملصقاتِ الإرشادية .. - السّلام عليكم . - ................. - السّلام عليكم وَرحمةُ الله . - ( شنق يو شنغاي دونق ) !! ياه .. أهـذا هُو مبنى سفارة بلد المليـار ونصف ؟!! أهذهِ هيَ مكاتب بلد العجائبِ والغرائب ؟!! أفركُ عينيّ .. أستجمعُ قواي .. أطالعُ في الغادين والرائحين .. سفارةُ بلدٍ يفوق المليار لا يُوجد بها إلا سَبعة أشخاص !! إيْ وَالله .. ثلاثُ موظفات ، وَرجلان سعوديان ، وسادسٌ سودانيّ ، وأنا .. لا طوابيرَ في مكتبِ التأشيراتِ ، ولا ازدحامَ على الكراسي ، ولا تدافعَ في استلامِ الأوراق .. لقد قلتُ لكم قبلاً : ( هدوء يلفُّ المكان ) . اللهمّ إلا مِن صريرِ الأقلام ، ورنينِ الجوالات .. ======(( 4 ))====== إذا كنتَ – كمثلي - لا تعرفُ اللغة الصينية فأنتَ غريبٌ كغُربة الشعرة البيضاء في شَعر الفتى اليَـافع .. وإذا كنتَ لا تعرفُ اللغة الإنجليزية فأنتَ قد حكمتَ على نفسِك بالإعدام ، واخترتَ لنفسك نهايةً مأســاوية ، واختصرتَ المسافة لكي تُرمى في الشارع . أوراقي جاهزة .. تواقيعي كاملة .. مَعلوماتي وافية شافية .. حتى إنني جئتهم بآخرِ حِسَاباتي البنكية لـ 6 شهورٍ خلت .. حينَ عرضتُ عليهم الأوراقَ وقلّبوها لدقائقَ ، قاموا بإرجاعها إليّ .. ما السـر يا ترى ؟ هل هذا لأني مقاطعٌ للمنتجاتِ الصينية التي كادت تُحرق بيتنا ؟! أمْ لأني اكتشفتُ أنّ بضاعتهم مزجاة ، وتجارتهم تقليدٌ للآخرين ؟! أمْ لأنهم أسَـاؤوا لأهلنا في ( سينكيانغ ) فلمْ يتركوا وَليداً في مهده ، أو شيخاً في مَعبده ؟!! ولكنّ الله أراد بي خيراً حينَ رزقني بأحدِ المراجعين ليكونَ همزة وَصلٍٍ بيني وبينهم .. إذ استطـاع التحدّث إليهم بضعَ ثوانٍ كانت كافية لأنْ يقولَ بأنّ أوراقي ناقصة !! يا صاحبي : وما النقصُ فيها ؟ قال : بطاقة تعريفٍ من العمل إذا كنتَ سائحاً ، ودعوة مِن إحدى الشركاتِ إذا كنتَ تاجراً .. بعد أنْ شكرته .. لملمتُ أوراقي ، وقفلتُ راجعاً ، لأبدأ المشوارَ مِن الصفر .. ======(( 5 ))====== نعودُ ، والعَـودُ أحمد .. ما سرُّ ارتباط الصحابي الجليل بـ ( حي السفارات ) ؟ لو كُتبَ لك بمرورٍ سريع على هذا الحي ستكتشفُ أنّ الشارع الذي يحمل اسم الصحابي هو أكبرُ شارعٍ يخترق الحي مِن أقصاهُ لأقصاه ، وأنّ جميع الدوّارات تُشير لاسمِه ، وأنّ السفاراتِ الغربية تقعُ على شارع هذا الصحابي .. بلْ أجزمُ أنّ أحدَهم لوْ أرادَ توصيفَ سفارته الأمريكية أو الأوروبية لأوردَ اسمَ الصحابي طائعاً مختاراً !! هذا الصحابي الذي دوّخ أجدادَهم مِنْ قبلُ ، هاهو يعودُ اليومَ مخترقاً حي السفارات ، تماماً كما اخترقَ صفوفهم في مَعركةِ القادسية .. لا أستطيعُ أنْ أقولَ المزيد ؛ لأنّ ( الأرضَ مَسْكونة ) كما يقولُ العلامة الألباني رحمه الله . . .