بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » البنية السلوكية والفقه الاجتماعي !

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

 
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 30-11-2007, 07:26 PM   #1
ثائر بن ثائر
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
المشاركات: 63
البنية السلوكية والفقه الاجتماعي !

البنية السلوكية والفقه الاجتماعي

هذا المخلوق البشري وجد في هذه الحياة ليعيش مع غيره ، فلا تستقر له حياة بل لا يستطيع مواصلة دربه فيها وحيدا عن أبناء جنسه ، ولذا كان من قواعد علم الاجتماع بأن ( الإنسان مدني بطبعه ) ، هذه الحاجة الفطرية الملحة لدى الإنسان هي في مجمل أمرها تعود عليه بالنفع ولغيره منه كذلك ، فتجد احتياج الناس لما يصنعه الصانع وما يزرعه المزارع وما يخيطه الحائك وغير ذلك من أمور الحياة الضرورية لا تتحصل إلا بالمخالطة والتعامل وتبادل المنافع مع الآخرين ، من لوازم هذه المخالطة وكنتيجة من نتائجها الضرورية وجود قدر من التنازع والاختلاف بل والبغي من قبل البعض على الآخرين ، هذا النفَس العدواني لا تكاد تخلو من نفس بشرية اكتسبته من الصفة الطينية التي هي جزء من أصل التكوين البشري ولذا كان مهمة الجانب الروحي في النفس هو مقاومته ودفعه ، يقول شيخ الإسلام ( ما خلا جسد من حسد لكن الكريم يخفيه واللئيم يظهره ) .

هذه الشريعة الربانية الخاتمة إذا تأملناها تأملا استقرائيا في أصولها أو فروعها تحصل لدينا فقهاً اجتماعياً وبناءاً سلوكياً راقيا أتى لبناء مجتمع تسوده الألفة والتواد والرحمة فيغدو بذلك رصينا قويا ، فإذا تأملنا الجانب العقدي من هذه الشريعة وجدنا أن من أخص ثوابتها عقيدة الولاء للمسلمين ، وهذا الجانب كاد يغيب في خطابنا المعاصر بسبب تحاشد وفود الدعاة والكتاب من أهل الفضل على الجانب الآخر وهو البراء من المشركين ، فصرنا لا نعي من هذه العقيدة الراسخة إلا هذا الجانب مع أن ترسيخ الولاء للمسلمين يتحقق منه كنتيجة عكسية البراء من الكافرين ، هذا الأصل العقدي هو بمثابة الأصل الكلي للفقه الاجتماعي ، فإحياء التآلف والمودة والتراحم بين المسلمين ونصرتهم وتقديم العون لهم كل ذلك مما هو من القضايا الشمولية ينصب في تحقيق هذا الأصل وهو نشر مفهوم الولاء للمسلمين المتمثل في قول الباري جل شأنه ( رحماء بينهم ).

إذا رأينا الجانب الفقهي وما سطره لنا فقهائنا من مخزون فقهي متكامل لجميع مناحي الحياة وجدنا جملة من الفروع أتت لتحقيق هذا الأصل العظيم ، فتجد العبادات بداية بشريعة الصلاة فتجد أن أدائها يكون على هيئة من اجتماع الناس فيتحقق التآلف والتواد ، وكذلك الزكاة وما فيها من روح الرحمة على فئة من المجتمع قد اضطرتهم الحاجة ، والجهاد أتى لتحقيق السلام الاجتماعي بين شعوب الأرض ، وتجد المعاملات فترى أن من أخص مقاصدها دفع الغرر بين المتعاقدين المؤدي إلى التباغض والشحناء ، وكذا الجانب القضائي فقد أتى لرفع ما وقع من اختلاف بين الناس ونشر للمودة والرحمة فيما بينهم ، وهكذا فقد كان الفقه الاجتماعي منثورا بجزئياته التي أتت لتحقيق المقصد الكلي وهو نشر عقيدة الولاء بين المسلمين .

الفهم الشمولي للفقه الاجتماعي يحتم علينا ألا نجعل دلالة الآداب وحسن الخلق على قدر واحد من اللزوم وعدمه ، بل إن بعض فروع الفقه الاجتماعي هو من الإيمان وهو الحياء ، وبعضها من قبيل الواجب اللازم كبر الوالدين والصدق ، وجملة من المذموم قد جعل في إطار المحرم كالحسد والحقد ، بل قد جاء قدر منها في شعب النفاق كالكذب وإخلاف الوعد ، مما يظهر به أن مدلول هذا المصطلح يفهم بالنظرة الشمولية لأوامر الشارع ونواهيه ، فتفقه الأوامر والنواهي في الجانب السلوكي على مراد الشارع ؛ إيجابا أو تحريما أو دخولا في شعب الإيمان منها أو النفاق .

ومن استقراء نصوص الشريعة وفقه مقاصدها في باب السلوك والآداب تتحصل لديه نتيجة ظاهرة في البناء السلوكي ؛ وهي تجمع جملة من أفراد الآداب تحتها وهي : أن مدار الخلق الحسن إنما يتحقق بمقامين ، الأول : كف الأذى عن الناس ، الثاني : بذل الإحسان لهم ، وكف الأذى يتحصل من جهة ما يخفي الإنسان ، فهو مطالب بكف الحقد والحسد وإساءة الظن عن عموم المسلمين ، ومن جهة كف الأذى الحسي سواء كان من اللسان أو الجوارح ؛ مما يكون نتيجة لازمة للأذى الداخلي تظهر على الجوارح ، ومقام بذل الإحسان للناس يأتي عادة بعد كف الأذى فهو أرفع مقاما وأظهر تأثيرا على النفس البشرية ولذا قال المصطفى صلى الله عليه وسلم ( ... وخيرهم من يبدأ بالسلام ) ، والإحسان إلى الناس إنما أطلق لدلالته الشمولية على مطلق أفراد البر بالناس ونصحهم وبذل الخير لهم على أي صورة أتت .

وإنا إذا أردنا النهوض بهذه الأمة والارتقاء بها فإن هذا منوط بتآلف أفرادها وتآخيهم ببث مفهوم الولاء للمؤمنين أسوة بذلك الجيل الفريد مع قائد هذه الأمة محمد صلى الله عليه وسلم إذ كان منطلق العهد المدني عهد الفتوح والتمكين والنصر بتحقيق الألفة بين المهاجرين والأنصار بعقد مطلق المولاة المستلزمة للتوارث والولاء ، فكانوا بذلك جيلا فريدا ضرب أروع الأمثلة لمجتمع أخوي تسوده قيم الرحمة والتآخي والتناصر ، فعودة هذه الأمة في زمننا للتمكين الحضاري تستلزم جهودا في بناء أفرادها بناءاً سلوكياً على معاني المحبة والتآخي والتآلف ، كي يتحقق بناء مجتمع متماسك يقود نهضة شمولية لهذه الأمة .

ولا يتحقق البناء السلوكي لعموم الأمة إلا بعد بناء خواصها بناء محكما في هذا المقام ، فيتعين على الأوساط العلمية والدعوية والتربوية وعموم الجماعات الإسلامية أن تسمو قدوة للناس في الجانب السلوكي الأخلاقي، بأن يكون هناك قدر من تصافي النفوس وترك الانتصار للذات ، وإعمال للإعذار قدر المستطاع ، وتربية النفس على توافق الظاهر والباطن ، وعلى وضوحها وعدم تكلفها ومجاملاتها ، فمتى أنشأنا جيلا قد سمت أخلاقه ، واعتلت همته ، وترابطت أواصر أفراده ؛ كان حقا على هذا الجيل قيادة الأمة والنهوض بها .


للتواصل : bmn383@hotmail.com
__________________
للتواصل : bmn383@hotmail.com
ثائر بن ثائر غير متصل  


 

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 03:02 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)