|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
31-12-2007, 04:42 PM | #1 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Jul 2006
البلد: بعيدًا عن "خبيب"!
المشاركات: 751
|
حَـــــكَـــــايَــــــا الأَلـَــــــــــمْ! [الجُزْءُ الأَوَّل].
وهاهنا ألم..!
للألم بقايا لا تختفي أبد الدهر، أقصد دهري ودهركم، وأبَدُه ينقطع بانقطاعكم عن هذه الدنية.. وغرغرة أرواحكم وأنتم حين إذٍ تنظرون، يا لهذه البقايا إن حُفِرت في فؤادك كقصص أليمة عايشتها والتصقت بكل ما تبثه أحداثها من رعب.. وألم.. ودمع.. وبكاء. مرحبا بكم في حقيقة الدنيا..، لا أمن هنا أبدًا، وإنما هو الخوف والحقيقة و اليقين، أمِنَّا فغفلنا، وخفنا فانتبهنا والتجأنا إلى مالك الملك ندعوه وكلنا خوف ورجاء.. وهكذا، يتخطف الناس قريبهم وبعيدهم من حولنا، ولعلنا اليوم لا نخاف إلا حين نفقد أقرب قريب. وها هنا بحار مظلمة من الألم عايشتها، وخوف فِيض علي من قنواته، لم تكن مجرّد مواقف عابرة، وأحداث أنقطع عنها تماما بانقطاع تأثيرها اللحظي.. إنما هي آلام صنعت أحداثًا مرّت علي فألقيت عليها مِزَقا من قلبي، وقِطعا من فؤادي، وارتَبَطتُ معها بحبال من الذكريات التي لا تنسى أبدا، وكيف تنسى وهذا القلب قد احتواها رغما عنه، فقد رُسمت آلامها عليه كالكي على صفحة الجلد، وكالنقش على الصخور الصلدة. يا لحقارة هذه الدنيا..! كنت -يوما- في جلسة مع اثنين من الأحبة، ولعلهم كانوا من الأحبة.. واليوم احترام وتقدير لا أكثر، ومن بعد عن العين بعد عن القلب كما يقولون، فكيف بمن بعد عن القلب وهو قريب؟!. حكى كل منا مصابه في فقد أحبته بالتفصيل، ما عدا الأخ الثالث الذي حمد الله تعالى، وقال: بحمد الله؛ لم تحدث مثل هذه الأمور معي. فرد الثاني: أنت في الدنيا يا صاحبي؛ ستفقد الحبيب رغما عنك. حينها انزعج الثالث، وقال: ما يدريك لعلي أنا أفقد قبلهم. فرد صاحبنا بسرعة بديهة: حينها.. ستكون مصيبتك في نفسك، وهي -والله- أعظم!. لله دره على هذا الرد الجميل. ومع قصص عايشتها، واحتوى قلبي خوفها ورعبها ومصابها بكل ما يعنيه الاحتواء من معنى، فقدت فيها حبيبا، أو عايشت فيها مأساة منها العبر تُستقى، والعظات تُجتبى، والله أسأل أن يهدينا لما فيه صلاح قلوبنا، وأن يتوب علينا توبة نموت عليها.آمين رحل الحبيب أمام عيني آخر اثنين من شهر شعبان لعام 1419هـ. انتهى الدوام الدراسي، فاتجهت إلى البيت مشيا على الأقدام؛ فالمدرسة قريبة بعض الشيء، والأمر الوحيد الذي يشغل بالي هو الرز الأبيض والمرق الأحمر والدجاج المحمر ألتهمها –كالعادة- أمام التلفاز. دخلت المنزل ثم اتجهت للمطبخ فوجدت الأكل مجهزا كالمعتاد، أخذت الصحن ووضعته أمام التلفاز.. واستغرقت في الأكل والمشاهدة.. . أجواء يومية معتادة تشعرني بالهدوء والاطمئنان.. لا جديد. في لحظة ما اختلطت الأصوات في أذني..، التفت بسرعة نحو التلفاز فإذا الصورة تشهد أن الصوت الذي انتهى إلى مسمعي لم يكن هو مصدره..!. لحظات مرت سريعة جدا أدركت خلالها أنني أسمع صراخا في مكان ما بالمنزل.. وكم من صرخة نسمعها في منازلنا لطفل أو لبنت صغيرة أو حتى لإحدى النساء والبنات عند الغضب.. ولم نبال بها، لأن القلب والفؤاد يدرك حقيقتها، والصرخة التي تنطلق لأمر جدي تخترق كل شيء.. كل شيء، لأنها صرخة نذير أو استنجاد.. وهذا ما أدركته حينما سمعت تلك الصرخة. قفزت من مكاني جريا للخارج، وكلي منشغل في تتبع مصدر تلك الصيحة، من الصالون الداخلي إلى الخارج من خلال إحدى الممرات الداخلية. في الفناء الداخلي أدركت أن الصياح يقترب، وأنه قادم من خلف البيت، الجهة التي فيها المدخل المؤدي إلى الدرج الذي يرتفع بك نحو الدور الثاني.. وهذا صوت ابنة عمي!! ركضت مسرعا نحوها فوجدتها مرعوبة تصرخ بنداء والدها، وفهمت منها أن عمي قد جرى له أمر ما، فجريت نحو الدرج وقد بلغ بي من التوتر ما الله به عليم، فقد أحسست بشعور الفاجعة، وهي المرة الأولى التي أشعر بها؛ فلم يسبق أن مررت بمثل هذا الموقف سابقا.. كنت آمنًا أحبتي، تمامًا كصاحبي الذي انزعج من ذكر الفقد. سريعا واجهت باب الدور الثاني، وفيه شقة عمي ثم فتحت الباب..!!! .. لا أذكر شعوري حينها نهائيا حين أبصرت ما أبصرت، صِدقًا.. لا أذكره أبدًا، لكن المشهد الذي لم أستوعبه في وقته واضحٌ جدا الآن.. . عمّي ساقط على الأرض أمامي تماما، ووجدت عمتي (أخته) واضعة رأسه على حجرها تمسح يديها بعد ترطيبهما بالماء على وجهه..، الشيء الذي سمعته واضحا هو غرغرةٌ تخرج مع أنفاسه، ثم صوت تنهيدة عميقة وكأنه ارتاح من همّ وألمٍ ما، ثم ارتفعت عيناه إلى الأعلى حتى اختفت المقلتين.. . نزلت جريا إلى الخارج واستنجدت بجارنا، ثم ذهبت إلى البقالة القريبة أستنجد بالهندي الذي يبيع فيها –رحمه الله تعالى-، عرفناه منذ عام 1413 وتوفي هذا الهندي 1425هـ، وسبحان الله! لعلكم لن تصدقوا أنه توفي في المطار بالهند أثناء استقبال أهله له. رجعت جريا بصحبة جارنا والهندي عبدالمجيد -رحمة الله عليه- ؛ فوجدت أن الأقارب الكبار من الشباب قد وصلوا، وفي لحظات سريعة أنزلوا عمي ببطانية حملوه عليها، ومروا من أمامي فأبصرت عمي فإذا هو ساكن تماما، ولعلي أحسست ولم أجزم أن الأمر خطير جدّ خطير. ذهبوا به إلى المستشفى، وبقيت أنا في المنزل أبكي من هذا الموقف حتى وصل والدي -الذي لم يكن موجودا ولم يعلم بما حصل-، فخبرته الخبر وصحبته إلى المستشفى.. وهناك وجدت الجميع. بعد لحظات انتظار طويلة، خرج الدكتور مرتبكا وأخذ يتكلم سريعا: أنتم أتيتم به وقلبه متوقف.. لقد حاولنا معه لكن لم يستجب.. كان قلبه متوقفا.. . وقف والدي حينها وقال له: راح؟!! أخذه الطبيب مع يده بعيدا عن الجميع، وما هي إلا لحظات حتى عاد أبي شاخصا ببصره ودموعه تنهمر.. حينها خرجت باكيا من المستشفى وقد هزتني هذه المصيبة، وأحسست بشعور لم أذقه في حياتي أبدا. لم أرغب بالذهاب إلى البيت فذهبت بالسيارة إلى منزل عمتي ووجدت ابنها وخبرته الخبر، وطلبت منه أن يذهب بعمتي إلى أمها (جدتي) التي كانت تنتظر بقلق في البيت، ثم اتجهت إلى منزل أقارب لي وخبرتهم الخبر وطلبت من نسائهم أن يسرعن إلى منزلنا ليكنّ بجانب جدتي في مصيبتها، وإلى منازل بعض الجارات القريبات من عائلتنا..، كان أكبر همٍّ طرأ علي وزاحم حزني وتوجعي هو أن جدي والد المتوفي -رحمة الله عليه- كان نائما، وعمي -رحمه الله- لم يكن يعاني من أي شيء؛ بل هو يوم الوداع ولقاء ملائكة الموت، لذلك ستكون صدمة كبيرة على رأس شيخ في الثمانين من عمره توقظه من نومه لتخبره أن فلذة كبده قد رحل عن الدنيا فجأة؛ لذلك توجهت إلى نسيب لنا من جماعة الأحباب، شيخ عابد زاهد وقور يحبه جدي كثيرا، فخبرته الخبر وطلبت منه أن يذهب معي ليخبر جدي؛ فذهب -جزاه الله خيرا-، وأيقظ جدي من النوم ونعى إليه ابنه الصغير.. عمي -رحمة الله تعالى عليه-؛ ولله الحمد كان جدي محتسبا صبورا لدرجة أغبطه عليها والله. والحمدلله أولا وآخر وظاهرا وباطنا.. . من الغريب أن عمي -رحمة الله عليه- أحس بوفاته قبلها بليلة؛ إذ طلبت زوجته منه أن يصلح "سخّانة المياه" في الغد، فرد عليها باللفظ: ما تدرين يا أم محسن لو ما ألحق على بكرا! أسال الله تعالى أن يغفر له، وأن يفسح في قبره، وأن يغسله من خطاياه بالماء والثلج والبرد، وأن يجعل له مالعباده الصالحين في القبر ويوم الحشر.آمين أبو عبدالله الثائر الأحمر يتبع بإذن الله تعالى آخر من قام بالتعديل الثائر الأحمر; بتاريخ 31-12-2007 الساعة 04:54 PM. السبب: الاثنين 22 / 12 / 1428هـ |
الإشارات المرجعية |
|
|