بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » أخـــبـــار بــريــــدة » موســـــــــــــــــــــــــــــوعه الفوائد الرمضانيه

أخـــبـــار بــريــــدة كل ما يهم مدينة بريدة

 
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 31-10-2002, 10:20 AM   #11
راشد الراشد
عـضـو
 
صورة راشد الراشد الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2001
البلد: الدمــــ AL-DAMMAM ـــام
المشاركات: 3,293
تابع موضوع رقم 23


و قد صمت عن لذات دهري كلها و يوم لقاكم ذاك فطر صيامي

و كان بعضهم يصوم، و يكثر من الصوم، و لا يفطر إلا مع المساكين، و إذا منعه أهله أن يفطر مع المساكين لم يتعش تلك الليلة.

و كان بعضهم يطعم أصحابه أنواع الأطعمة و يقف يروحهم و هو صائم.

فهؤلاء هم الذين يتمنون أن يطول وقت الصوم، و ما يزيدهم رمضان إلا اجتهاداً في الطاعة و العبادة عما كانوا عليه في رجب، و في شعبان و ما بعده و في سائر السنة، فأعمالهم كلها متقاربة.

أما من لم تصل حقيقة هذا الصوم إلى نفوسهم و لم تتأثر به قلوبهم، و لم يتربوا التربية السليمة، فإنهم يستثقلونه، و يتمنون انقضاءه في أسرع وقت، و أن تنتهي أيامه، و يفرحون بكل يوم يقطعونه منه، فما هكذا الصوم الصحيح بل الصائم المؤمن التقي هو الذي يتمنى بقاء هذه الأيام. فكثير ما نسمع من بعض ضعفاء النفوس أنه يتمنى أن يذهب رمضان، و إذا ما هلّ هلال شوال فرحوا و استبشروا، كأنهم ألقوا عنهم ثقلاً.

و معلوم أنهم قد فارقوا مواسم الخير، فارقوا الأوقات الشريفة، فارقوا هذه الأيام الغر، و هذه الليالي الزُّهر التي تفتح فيها أبواب الجنان و تغلق فيها أبواب النيران، و تصفد فيها الشياطين و مردة الجن، و هي التي بشر الله فيها عباده بالخيرات و المسرات، و ما علم هؤلاء الفارغون اللاهون أنَّهم يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير.

فنحن نوصي إخواننا أن يقيسوا أنفسهم، و ينظروا مدى تأثرهم بهذه العبادة، فإذا رأوا أن نفوسهم قد ألفتها، و قد أحبتها، و انهم قد استفادوا منها فائدة مستمرة في ليلهم و نهارهم، و في شهرهم و شهورهم، فإن ذلك دليل على حسن آثاره على هذا العبد، و إذا لم يتأثروا، بل رجعوا بعد رمضان إلى تفريطهم و إهمالهم رجعوا إلى المعاصي و الذنوب التي كانوا يقترفونها قبل رمضان، فإن هؤلاء لم يستفيدوا من صيامهم، و يوشك أن يكون صومهم مردوداً عليهم.

و لهذا كان السلف رحمهم الله يهتمون اهتماماً كبيراً في قبول صيامهم؛ فقد اشتهر عنهم أنهم كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يقبله منهم. يحرصون على العمل فيعملونه، فإذا ما عملوه و أتموه، وقع عليهم الهمّ، هل قبل منهم أو لم يقبل منهم؟

و رأى بعضهم قوماً يضحكون في يوم عيد، فقال: إن كان هؤلاء من المقبولين، فما هذا فعل الشاكرين، و إن كانوا من المردودين، فما هذا فعل الخائفين.


--------------------------------------------------------------------------------

الخاطرة الرابعة : الصوم الصحيح

كثير من عامة الناس يحافظون على العبادات في أيام رمضان، و كأنهم يستنكرون أن يتركوا العبادتين: الصوم و الصلاة، أو يفعلوا عبادة دون عبادة.

فتراهم يستنكرون أن يتركوا الصوم و الصلاة، و يستنكرون أن يؤدوا الصوم دون الصلاة، أو يفعلوا شيئاً من المحرمات.

تجدهم في رمضان يتوبون و لكن توبة مؤقتة، فهم في أنفسهم عازمون على العودة إلى المعاصي. ففي رمضان يحافظون على الصلاة، و يتوبون عن الخمر أو عن الدخان مثلاً، أو عن الاستماع إلى الأغاني و الملهيات و نحو ذلك، أو عن بعض الشعارات الباطلة أو عن الصور الخليعة، أو ما أشبه ذلك، و لكن يحدثون أنفسهم أنهم بعد شهر رمضان سيعودون إلى ما كانوا عليه و لهذا يتمنون انقضاء هذه الأيام و إذا أقبل رمضان حثوا أنفسهم، و تناولوا ما قدروا عليه من الخمر و من غيرها حتى قال بعضهم:

دعاني شهر الصوم لا كان من شهر و لا صمت شهراً بعده آخر الدهر

و العياذ بالله… فهؤلاء ربما يفرقون بين رمضان و ما بعد رمضان؛ فيستكثرون من تناول الحرام و فعله قبل أن يأتي شهر رمضان؛ لأنهم سيتركونه مدة هذا الشهر فقط، ثم يعودون إليه، حتى قال بعضهم:

إذا العشرون من شعبان ولّت فبادر بالشراب إلى النـــهارِ

و لا تشرب بأقداحٍ صغـارٍ فإن الوقتَ ضاق على الصغارِ

فمثل هؤلاء لم يتأثروا بصومهم، فالإنسان يستعيذ بالله أن يكون من هؤلاء الذين ما نفعهم صومهم و لا زجرهم عن المحرمات، و إذا فعلوا شيئاً من العبادات فعلوها بنية الترك و إذا تركوا شيئاً من المعاصي تركوها بنية الفعل بعد أن ينفصل الشهر‍، كما قال شاعرهم و أميرهم:

رمضان ولّى هاتها يا ساقي مشتاقة تسعى إلى مشتاقِ

فهو ينادي ساقي الخمر بأن يأتي إليه بالشراب مسرعاً؛ لأن رمضان قد انقضى و ولَّى و كأن الخمر حرام في رمضان حلال في غيره.

فالصوم الصحيح هو الذي يحفظ فيه الصائم صيامه؛ فيحفظ البطن و ما حوى، و الرأس و ما وعى، و يذكر الموت و البلى، و يستعد للآخرة بترك زينة الحياة الدنيا، و يترك الشهوات التي أساسها شهوة البطن و الفرج، و يذكر بعد ذلك ما نهاه الله عنه من الشهوات المحرمة في كل وقت. و يذكر أيضاً أن الصوم هو في ترك هذه الشهوات، فما شرع الله الصوم إلا لتقويم النفوس و تأديبها.


--------------------------------------------------------------------------------

الخاطرة الخامسة: من فوائد الصيام

ذكر الأطباء و العلماء قديماً و حديثاً أن الصوم يهذب النفوس، و أنه يزكيها و يقويها و أنه يكسب الأجسام ملاحة و صحة و قوة، حتى قال بعضهم: (سافروا تغنموا، و صوموا تصحوا)("صوموا تصحوا". يروى هذا اللفظ ضمن حديث رواه ابن عدي في الكامل: 7/2521 من طريق نهشل بن سعد عن الضحاك عن ابن عباس. و نهشل متروك كان يكذب، و الضحاك لم يسمع من ابن عباس).

فمعنى ذلك أن الصوم حماية للنفس، من الأخلاق المؤذية الضارة التي قد تفسد النفس و توقعها فيما يضرها.

كما أن فيه أيضاً تمرين النفس على الصبر و التحمل و المجاهدة، و أنت تحس بذلك إذا ما فاجأك أمر يحتاج منك إلى شيء من ذلك.

* فالإنسان الذي تعوَّد على الجوع، و صبر عليه مدة طويلة و صبر على الظمأ، إذا جاءه أمر مفاجئ، بأن وقع مثلاً في جوع شديد أو إذا ظمئ و لا يوجد ماء و هو في سفر، أو انقطع عنه الشراب كما يكون في الأسفار أحياناً، فإذا كان قد مرّن نفسه على هذا العمل، لم يحس بذلك و لم يتأثر به، بخلاف من عوّد نفسه على تناول الشهوات في كل الأوقات، فإنه إذا افتقدها في وقت من الأوقات حصل عليه تأثر كبير، و أصيب بالأمراض و ربما أتى إليه الهلاك بسرعة؛ و ذلك لأنه لم يتعود هذا الأمر و لم يمرن نفسه عليه.

* كما أن للصيام أيضاً فائدة أخرى و هي: أن الصائم إذا أحس بالجوع تذكر أهل الجوع الدائم؛ تذكر الفقراء، و المساكين، و المستضعفين، الذين يمسهم الجوع في أغلب الأوقات في أكثر البلاد الإسلامية تذكر أن له إخوة يجمعهم و إياه دين واحد، دين الإسلام، يدينون بما يدين به و يعتقدون ما يعتقده، و أنهم في جهد و في جوع، و في ضنك من المعيشة، فيحملك هذا الذي أحسست به من هذا النوع على أن ترحمهم و تعطف عليهم و تواسيهم و تعطيهم مما آتاك الله، و تمدهم بما يخفف عنهم آلامهم التي يقاسونها. فإذا قاسيت هذه الآلام في وقت من الأوقات تذكرت من يقاسيها في جميع الأوقات.

فهذه من الحكم العظيمة في الصيام أن يتذكر الغني الفقراء، و أن يرحمهم و يعطف عليهم بما أعطاه الله تعالى.


--------------------------------------------------------------------------------

الخاطرة السادسة: القرآن في رمضان

معلوم أن رمضان شهر له خصوصية بالقرآن. قال الله تعالى: ((شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس و بينات من الهدى و الفرقان))(البقرة:185).

فقد أنزل الله القرآن في هذا الشهر، و في ليلة منه هي ليلة القدر، لذا كان لهذا الشهر مزية بهذا القرآن.

و كان النبي صلى الله عليه و سلم يعرض القرآن في رمضان على جبريل عليه السلام، فكان يدارسه القرآن.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أجود الناس و كان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن"(سبق تخريجه).

فكونه يخص ليالي رمضان بمدارسته، دليل على أهمية قراءة القرآن في رمضان.

و معلوم أن الكثير من الناس يغفلون عن قراءة القرآن في غير رمضان، فنجدهم طوال السنة لا يكاد أحدهم يختم القرآن إلا ختمة واحدة، أو ختمتين، أو ربما نصف ختمة في أحد عشر شهراً. فإذا جاء رمضان أقبل عليه و أتم تلاوته.

و نحن نقول: إنه على أجر، و له خير كبير، و لكن ينبغي ألا يهجر القرآن طوال وقته؛ لأن الله تعالى ذمّ الذين يهجرونه، قال تعالى: ((و قال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً))(الفرقان).

* و من هجران القرآن ألا يكون الإنسان مهتماً به طوال العام إلا قليلاً.
* و من هجرانه كذلك أنه إذا قرأه لم يتدبره، و لم يتعقله.
* و من هجرانه أن القارئ يقرأه لكنه لا يطبقه، و لا يعمل بتعاليمه.

و أما الذين يقرؤون القرآن طوال عامهم، فهم أهل القرآن، الذين هم أهل الله و خاصته.

و يجب على المسلم أن يكون مهتماً بالقرآن، و يكون من الذين يتلونه حق تلاوته، و من الذين يحللون حلاله و يحرمون حرامه، و يعملون بمحكمه، و يؤمنون بمتشابهه و يقفون عند عجائبه، و يعتبرون بأمثاله، و يعتبرون بقصصه و ما فيه، و يطبقون تعاليمه؛ لأن القرآن أنزل لأجل أن يعمل به و يطبق، و إن كانت تلاوته تعتبر عملاً و فيها أجر.

و فضائل التلاوة كثيرة و مشهورة، و لو لم يكن منها إلا قول النبي صلى الله عليه و سلم: "من قرأ حرفاً من القرآن فله حسنة، و الحسنة بعشر أمثالها، لا أقول آلم حرف، و لكن ألف حرف، و لام حرف، و ميم حرف"(أخرجه الترمذي برقم 2910من حديث عبدالله بن مسعود مرفوعاً). فجعل في قراءة آلم ثلاثين حسنة.

و فضائل التلاوة كثيرة لا تخفى على مسلم، و في ليالي رمضان و أيامه تشتد الهمة له. كان بعض القراء الذين أدركناهم يقرؤون في كل ليلة ثلاثة أجزاء من القرآن على وجه الاجتماع؛ يجتمعون في بيت، أو مسجد، أو أي مكان، فيقرؤون في كل عشرة أيام مرة. و بعضهم يقرأ القرآن و يختمه وحده.

و قد أدركت من يختم القرآن كل يوم مرة أو يختم كل يومين مرة فقد يسره الله و سهله عليهم، و أشربت به قلوبهم، و صدق الله القائل: ((و لقد يسَّرنا القرآن للذكر فهل من مُدَّكر))(سورة القمر:17). و قال: ((فإنما يسَّرناه بلسانك لعلهم يتذكرون))(الدخان:58).

فمن أحب أن يكون من أهل الذكر فعليه أن يكون من الذين يتلون كتاب الله حق تلاوته، و يقرأه في المسجد، و يقرأه في بيته، و يقرأه في مقر عمله، لا يغفل عن القرآن، و لا يخص شهر رمضان بذلك فقط.

فإذا قرأت القرآن فاجتهد فيه؛ كأن تختمه مثلاً كل خمسة أيام، أو في كل ثلاثة أيام، و الأفضل للإنسان أن يجعل له حزباً يومياً يقرأه بعد العشاء أو بعد الفجر أو بعد العصر، و هكذا. لابد أن تبقى معك آثار هذا القرآن بقية السنة و يحبب إليك كلام الله، فتجد له لذة، و حلاوة، و طلاوة، و هنا لن تمل من استماعه، كما لن تمل من تلاوته.

هذه سمات و صفات المؤمن الذي يجب أن يكون من أهل القرآن الذين هم أهل الله تعالى و خاصته.

أما قراءة القرآن في الصلاة، فقد ذكرنا أن السلف كانوا يقرؤون في الليل فرادى و مجتمعين قراءة كثيرة. فقد ذكروا أن الإمام الشافعي -رحمه الله- كان يختم في الليل ختمة، و في النهار ختمة، في غير الصلاة؛ لأنه يقرأ في الصلاة زيادة على ذلك.

و قد يستكثر بعض الناس ذلك و يستبعدونه، و أقول: إن هذا ليس ببعيد، فقد أدركت أناساً يقرؤون من أول النهار إلى أذان صلاة الجمعة أربعين جزءاً في مجلس واحد. يقرأ، ثم يعود فيقرأ، يختم القرآن ثم يعود فيختم ثلث القرآن، فليس من المستبعد أن يختم الشافعي في النهار ختمة، و في الليل ختمة.

و لا يستغرب ذلك أيضاً على الذين سهل القرآن في قلوبهم، و على ألسنتهم، فلا يستبعده إلا من لم يعرف قدر القرآن، أو لم يذق حلاوته في قلبه.

و على الإنسان إذا قرأ القرآن أن يتدبَّره، و الكفار كذلك مأمورون بذلك حتى يعترفوا أنه من عند الله، و أنه لو كان من عند غير الله لاختلفت أحكامه، و لاضطربت أوامره و نواهيه، فلما كان محكماً متقناً، لم يقع فيه أي مخالفة، و لا أي اضطرابات كان ذلك آية عظيمة، و معجزة باهرة.

فهذا هو القصد من هذه الآية، و لكن لا ينافي ذلك بأننا مأمورون أن نتدبر كل ما قرأنا كما أمرنا.


--------------------------------------------------------------------------------

الخاطرة السابعة : الذكر و الدعاء و الاستغفار في رمضان

يجب على المسلم أن يتعلم، و أن يعمل بما تيسر له من الأذكار و الأدعية، فالأذكار يضاعف أجرها في هذا الشهر، و يكون الأمل في قبولها أقرب، و يجب على المسلم أن يستصحبها في بقية السنة، ليكون من الذاكرين الله تعالى، و ممن يدعون الله تعالى و يرجون ثوابه و رضوانه و رحمته.

و ذكر الله بعد الصلوات مشروع، و كذلك عند النوم، و عند الصباح و المساء، و كذلك في سائر الأوقات. و أفضل الذكر التهليل و التسبيح، و التحميد، و الاستغفار، و الحوقلة، و ما أشبه ذلك، و يندب مع ذلك أن يُؤتي بها و قد فَهِمَ معناها حتى يكون لها تأثير، فيتعلم المسلم معاني هذه الكلمات التي هي من الباقيات الصالحات، و قد ورد في الحديث تفسير قول الله تعالى: ((و الباقيات الصالحات))(الكهف:46). أنها: سبحان الله، و الحمد لله، و لا إله إلا الله، و الله أكبر، و لا حول و لا قوة إلا بالله(أخرجه مالك في الموطأ ص:210. في كتاب القرآن، باب"7": "ما جاء في ذكر الله تبارك و تعالى".).

و ورد في حديث آخر: "أفضل الكلام بعد القرآن أربع، و هن من القرآن: سبحان الله، و الحمد لله، و لا إله إلا الله، و الله أكبر"(أخرجه مسلم برقم2137 في الآداب، باب: "كراهة التسمية بالأسماء القبيحة.."). أي أفضل الكلام الذي يؤتى به ذكراً.

فلتتعلم -أخي المسلم- معنى التهليل، و معنى الاستغفار، و معنى الحوقلة، و معنى التسبيح، و التكبير، و الحمد لله، و ما أشبه ذلك، تعلم معناها حتى إذا أتيت بها، أتيت بها و أنت موقن بمضمونها، طالب لمستفادها.

و شهر رمضان موسم من مواسم الأعمال، و لا شك أن المواسم مظنة إجابة الدعاء، فإذا دعوت الله تعالى بالمغفرة، و بالرحمة، و بسؤال الجنة، و النجاة من النار، و بالعصمة من الخطأ، و بتكفير الذنوب، و برفع الدرجات، و ما أشبه ذلك و دعوت دعاءً عاماً بنصر الإسلام،و تمكين المسلمين، و إذلال الشرك و المشركين، و ما أشبه ذلك، رُجي بذلك أن تستجاب هذه الدعوة من مسلم مخلص، ناصح في قوله و عمله.

و قد أمر النبي صلى الله عليه و سلم بالدعاء و بسؤال الجنة، و بالنجاة من النار؛ و ذلك لأنها هي المآل.

أما الاستغفار فيقول الله تعالى: ((كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون * و بالأسحار هم يستغفرون))(الذاريات:17-18).

و قد تتعجب: من أي شيء يستغفرون؟
أيستغفرون من قيام الليل؟ هل قيام الليل ذنب؟
أيستغفرون من صلاة التهجد؟ هل التهجد ذنب؟

نقول: إنهم عمروا لياليهم بالصلاة، و شعروا بأنهم مقصِّرون فختموها بالاستغفار، كأنهم يقضون ليلهم كله في ذنوب. فهذا حال الخائفين؛ إنهم يستغفرون الله لتقصيرهم.

و يقول بعضهم:
أستغفر الله من صيامي طول زماني و من صلاتي
صوم يرى كله خروق و صلاة أيما صــــلاة

فيستغفر أحدهم من الأعمال الصالحة، حيث إنها لابد فيها من خلل، و لذلك يندب ختم الأعمال كلها بالاستغفار، بل بالأخص في مثل هذه الليالي.

و قد جاء قول النبي صلى الله عليه و سلم في حديث سلمان: "فأكثروا فيه من أربع خصال، خصلتين ترضون بهما ربكم، و خصلتين لا غنى لكم عنهما، أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فلا إله إلا الله، و الاستغفار. و أما الخصلتان اللتان لا غنى لكم عنهما: فتسألون الله الجنة، و تستعيذون من النار"(سبق تخريجه). رواه ابن خزيمة كما سبق.

فهذا و نحوه دليل على أنك متى وفقت لعمل فغاية أمنيتك العفو، و تختم عملك بالاستغفار. إذا قمت الليل كاملاً، فاستغفر بالأسحار، كما مدح الله المؤمنين بقوله: ((و بالأسحار هم يستغفرون))(الذاريات:18). فإذا وُفِّقت لقيام مثل هذه الليالي، فاطلب العفو، أي اطلب من ربك أن يعفو عنك، فإنه تعالى عفوّ يحب العفو.

و العفُوُّ من أسماء الله تعالى، و من صفاته و هو الصفح و التجاوز عن الخطايا و عن المخطئين.


--------------------------------------------------------------------------------

الخاطرة الثامنة : الفرح بالعيد لتخلصهم من رمضان

يعتقد كثير نم الناس أن شرعية العيد بعد رمضان عبارة عن الفرح بخروجه و التخلص منه، لأنه يحول بينهم و بين ملذاتهم و مشتهياتهم، و يفطمهم عن عاداتهم النفسية التي مرنت عليها نفوسهم، و اعتادتها أهواؤهم طوال العام، فهم يعتبرونه شهر جبس و حيلولة بينهم و بين ما يشتهون، و قد يستشهد بعضهم بقوله تعالى: ((و حيل بينهم و بين ما يشتهون))(سبأ:54).

قال ابن رجب في لطائف المعارف في الكلام على النهي عن صوم آخر شعبان قال: و لربما ظن بعض الجهال أن الفطر قبل رمضان يراد به اغتنام الأكل لتأخذ النفوس حظها من الشهوات قبل أن تمنع من ذلك بالصيام، و لهذا يقولون هي أيام توديع للأكل، و تسمى تنحيساً و اشتقاقه من الأيام النحسات.. و ذكر أن أصل ذلك من النصارى، فإنهم يفعلونه عند قرب صيامهم، و هذا كله خطأ و جهل ممن ظنه، و لربما لم يقتصر كثير منهم على الشهوات المباحة، بل يتعدى إلى المحرمات، و هذا هو الخسران المبين، و أنشد لبعضهم:

إذ العشرون من شعبان ولت فواصل شرب ليلك بالنهــار
و لا تشرب بأقداح صــغار فإن الوقت ضاق على الصغار

و قال آخر:
جاء شعبان منذراً بالصيام فاسقياني راحاً بماء الغمام

و من كانت هذه حاله فالبهائم أعقل منه، و له نصيب من قوله تعالى: ((و لقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن و الإنس لهم قلوب لا يفقهون بها))(الأعراف:170) الآية، و ربما تكره كثير منهم بصيام رمضان، حتى إن بعض السفهاء من الشعراء كان يسبه، و كان للرشيد ابن سفيه فقال مرة شعراً:
دعاني شهر الصوم لا كان من شهر و لا صمت شهراً بعده آخــر الدهـر
فلو كان يعديني الأنام بقــــدرة عن الشهر لاستعديت جهدي على الشهر

فأخذه داء الصرع فكان يصرع في كل يوم مرات متعددة، و مات قبل أن يدركه رمضان آخر.

و هؤلاء السفهاء يستثقلون رمضان لاستثقالهم العبادات فيه، فكثير منهم لا يصلون إلا في رمضان، و لا يجتنب كبائر الذنوب إلا فيه، فيشق على نفسه مفارقتها لمألوفها، فهو يعد الأيام و الليالي ليعود إلى المعصية، و منهم لا يقوى على الصبر عن المعاصي فهو يواقعها في رمضان أ.هـ. هكذا ذكر ابن رجب رحمه الله عن أهل زمانه و من قبلهم.

و لا شك أن الدين يزداد غربة و الأمر في شدة، و الكثير من هؤلاء الذين يتوقفون ظاهراً عن مألوفاتهم يفرحون بانقضاء الشهر و انصرافه، فالعيد عندهم يوم فرحتهم برجوعهم إلى دنياهم و ملاهيهم و مكاسبهم المحرمة أو المكروهة، فأين هؤلاء ممن يحزنون و يستاؤن لانقضاء الشهر؟، بل من الذين يجعلون السنة كلها صياماً و قياماً و عبادات وقربات، و يحمون أنفسهم عن جميع الملذات فضلاً عن المحرمات؟ فالله يرحمهم فما مثلنا و مثلهم إلا كما قال القائل:
نزلوا بمكة في قبائل هاشم و نزلت بالبيداء أبعد منزل


--------------------------------------------------------------------------------

الخاطرة التاسعة: يوم العيد

هناك من يجعل يوم العيد و الأيام بعده أيام لهو و لعب و غناء و طرب، و يجتمع الخلق الكثير و يعملون ولائم و ينفقون الأموال الطائلة في إصلاح الأطعمة، و يسرفون في ما يصرفونه من الأموال في اللحوم و الفواكه و أنواع المآكل التي يعدونها للمغنين و أهل الزمر و اللهو، و يستعملون الضرب بالطبول و إنشاد الأغاني الملحنة الفاتنة، و ما يصحبها من التمايل و الطرب، و يستمر بهم هذا الفعل بضعة أيام، حتى إنهم يسهرون أكثر الليل و يفوتون صلاة الصبح في وقتها و جماعتها.

و لا شك أن هذه الأفعال تدخل في التحريم، و تجر إلى مفاسد ما أنزل الله بها من سلطان، و تدخل في اللهو الذي عاب الله أهله بقوله تعالى: ((و من الناس من يشتري لهو الحديث))(لقمان:6). و في الوصف الذي ذم الله به أهل النار بقوله: ((الذين اتخذوا دينهم لهواً و لعباً و غرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا))(الأعراف:51).

فننصح من يريد نجاة نفسه أن يربأ بها عن هذه الملاهي، و أن يحرص على حفظ وقته فيما ينفعه، و أن يبتعد عن المعاصي و المخالفات، و أن لا يقلد أهل اللهو و الباطل و لو كثروا أو كبرت مكانتهم.

و قد تقدم إباحة التدرب على السلاح و تعلم الكر و الفر و ما يعين على الجهاد، كما فعل الحبشة في المسجد في يوم عيد لقصد حسن، و ليس معه غناء و لا ضرب طبول و لا قول محرم، و الله أعلم.
راشد الراشد غير متصل  
 

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 03:27 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)