[القِمطرة]

أردّتُ أنْ أُظهرَ (عضلاتي) ، ففكّرت مَليّاً فِي الفَريسةِ التي سَأنقضّ عَليهَا ، حتى تَبَادرَ إلى ذهني فِعلُ الأوباش مِن أهلِ البَقر فاتّخذتُهُم سخريّا . .

همْ أضعَف النّاس عُقولاً ، وأقبحهم خُلُقاً ، وأجهَلهم عِلماً ، فمَاذا يُريدون هَؤلاء الشّرذمة الحَقيرَة مِن سيّد وَلد آدم؟ ، مَاذا يُريدُونَ عبّاد العجْل الذينَ أضْحَكوا سَائر العُقلاء عَلى دَلوِهمْ المَغبون ، همْ الأقلّونَ الأذلّونَ الأرذَلونَ.

قيلَ لي : مَنْ جَهِلَ شَيئا عَاداهُ وعَادى أهلَهُ.

قُلت : أمّة الضّلال قدْ أجمَعوا عَلى مَسبّة ربّ العَالمينَ أقبَح مَسبّة حينَ زَعموا أنّ خالقَ السّمَاوات والأَرض نَزَل مِن عَرشهِ وكرسيّ عَظمَتِهِ ودَخلَ فِي بطنِ امرأةٍ فِي محلّ حيضِهَا عدّة شهور ، ثم خرجَ منْ فرجِهَا طِفلاً يمصّ الثديَ ويَبكي ويَأكل ويَشرَب ويبوّل ، حَتى كانَت نهايَته -الإله المزعوم ، إلى الصّلب!

فإنْ كانَت العُقُول تَحكُم ببُطلان وفَسَاد أقوالهم مِن أولِ وهلةٍ ، لمْ أستكثرُ على تلكَ العُقول السّخيفة أنْ تسبّ بشراً أرسلَهُ الله ، وتلعَنه وتُحاربَه ، لمْ يكن غريباً من أمّةٍ أطبقَتْ على صلبِ مَعبودِها ثمّ عمدتْ إلى الصّليبِ فعَبدته وعظّمَته ، وكانَ ينبغَي لهَا أنْ تُحرق كلّ صَليب تقدر على إحراقِهِ ، وتُهينه غَايةَ الإهانَة ، فصيّروا العاقل بأقوالِهم أخرَق ، والرّشيد سفيهاً ، والحَسَنَ قَبيحَاً ، لأنّ مَن جَرى نَشوؤه على الإساءةِ إلى الأخلاق والنّيلِ منهُ ، فأخلق بهِ أنْ يَستسهِلَ الإسَاءة إلى مَخلوق ، وأنْ يصفَهُ بمَا يغير صفَاته الجَميلَة المَذكورة عَنهُ بالتّواتِر المُحكم ، أرأيت عندهم حدّ على مَن زَنَى أو لاطَ أو سكر ؟! ، أبداً ، ولا حتّى عذاباً فِي الآخرةِ ، فمَا استقبحهُ العقل اسْتَحسَنوه ، ومَا اسْتَحسنَ العَقل استقبَحوه ، فيَا لشَرف قوم الخَنَازير ، وقدْ عرفتُ الآنَ لمَ حرّم أكلهُ ، ولولاَ حُرمَة هذا المُنتدى لَسَلكتُ طَريقَ السِّباب ، مُوقَداً ألواناً مِنَ قذارةِ الألفَاظِ التي يَستَسِغونَها.


لكَ الله يا خليلُ الله
بصائرُ أغشَاهَا النّهار بضوئِهِ * * ولائمها قطع مِن الليلِ مُظلم



القِمَطرُ