حين أستمع إلى شريط دعوي , أو أقرأ محاضرة لدعاتنا الفضلاء ؛ أجد أنني موكل بفضاء المجهول أذرعه , وأروح أسأل نفسي : ما بال هؤلاء يقفون ضد السنة الكونية ؟ !
إن من سنن الله في كونه الاختلاف , والصلاح والفساد , وخلق كل الأضداد في هذه الحياة , ليس فيما يصدر عن الإنسان من حزن وسعادة فحسب , وإنما في الجمادات كذلك , والحياة على كوكبنا لا تستمر إلا بالأضداد , لكنني أجد كثيرًا من الناس يشكون غفلة المسلمين عن دينهم , ولعمري ما هي بغفلة , وإنما إرادة السنة الكونية التي تجسد أن عصرًا سيأتي يكون فيه الماسك على دينه كما الماسك على جمرة .
يقول لنا الوحي النبوي إن الأمة ستفترق فرقًا شتى , وليست بناجية إلا واحدة , فمن ذا الذي يعلم سر تلك النجاة ؟ ! فليس أحد يعلم ما كان عليه النبي وصحابته , فقد تعددت الاختلافات , وكثرت الانحرافات , وتجدد العصر , ودخلت الحضارة من أوسع أبوابها , حتى أولئك الرافضين للتقنية الحديثة أطلق عليهم : المتشددون . . . بل يجب أن نذكر قوله متربصًا ومرهصًا عصره : أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم .
جهاد الدعاة سدى , وأحلامهم سراب بقيعة , وآمالهم متبخرة عند أول رائحة وبصيص تحقق , إذ تفشل ولا تصمد ضد تيار المجتمع الزاحف باشتماله على الملهيات , فلم يعد قرننا كما القرون الأولى .
ذهبت القرون , وكأن الزمان وقف عند قرننا الذي نحن نعاصره أو يعاصرنا , وما رأيت أشد من غفلة عصرنا رغم كثرة أولئك الدعاة , فكأنهم المال الذي ليس فيه بركة , بل كأنهم غثاء السيل .
أتراهم يرومون الحق وما دروا أنه لا يتحقق على أيدهم ؟ ! أم أنهم يعلمون تكالب الفتن على عصرهم فهم يصرخون في واد تعج فيه السباع بزئيرها ؟ ! إنهم يعلمون ولكنهم كما السجين المحكوم عليه بالمؤبد حين يسمع سجانه في منامه قائلاً : افراج .