|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
![]() |
#13 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 59
|
_ 2 _ كان كتلة من الغموض تمشي على الأرض رجل يكاد يصافح الخمسين من العمر ، تميل بشرته إلى السمرة ، نحيل الجسم ، دقيق الملامح ، ذو عينين واسعتين ، يحمل بقايا شاب كان يجذب الأنظار ، ليس بالطويل ولكنه إلى الطول أقرب . منذ ما يقارب الخمس سنوات في شهر رجب من عام 1421 حينما وفد هذا الغريب وقطن حي المحمدية في الدمام في بيت مستقل صغير ، مسلح ولكنه قديم ، وأسئلة الفضول تكاد تقفز من رؤوس أصحابها عن سر هذا الكائن ، بعضهم قال أنه خارج من السجن ، والبعض الآخر قال أنه هارب من الديانة ، والبعض قالوا أنه مسحور ، وتبقى أبواب التخمينات مشرعة ، لكن ليس ثمة ما يرجح أحدها على أخيه ، حتى أبو مروان كبير مثقفي الحي ، والفيلسوف الذي لا يشق له غبار ، والذي يدعي بأنه لا تخفى عليه خافية فيه ، ظل صامتا طوال تلك المدة ، ولا يزيد عن قوله : ـ إن ورائه سرا عظيما وستظهره لنا الأيام فيهز الجميع رؤوسهم تأييدا كنت الوحيد من بينهم الذي استطاع أن يكشف عشر ما يخبأه أو أقل ، في مدة استغرقت ستة أشهر ، كان يخرج قبل صلاة الفجر بسيارته ، ولا يعود إلا حين يحين موعد النوم ، في الأيام التي سبقت ركوبه معي في السيارة لاحظته يخرج من بيته حاملا معه كيسا متوسط الحجم ، ثم يمشي في شوارع الحي بهدوء ، حتى يصل إلى الشارع العام ، فيستقل سيارة أجرة ويمضي إلى حيث لا يدري أحد وصوت آذان الفجر يعلو في أحد أيام الصيف توقفت عنده على ناصية الشارع العام قبل أن تسبقني إليه أية أجرة ، فتحت نافذة الراكب وسلمت عليه وطلبت منه الركوب ، رد التحية وقبل أن يركب قال : ـ أريد أن تقلني جهة البحر حيث مكان الصيد والصيادين ـ اركب ـ لم تقل لي بكم ؟ ـ اركب ، ولن نختلف ـ أنت كداد ؟ ـ نعم ، اركب أغلق الباب ، ووضع مايحمله في حجره ، وشرد بعينيه في الفضاء الحالك أمامه ، ومرت فترة صمت ، قلبت فيها الجمل المناسبة التي أستطيع من خلالها أن أستجره في الكلام ، لأول مرة أقف حائرا أمام شخص غريب علي ، فأنا كما ينعتني كثير من أصحابي وزملائي في العمل خبير الحلب ، أستطيع أن أحلب كل ما يسره الآخرون في فترة وجيزة ، ـ يبدو أنك لست من المنطقة ! ـ نعم . انتظرت زيادة في الكلام ، لكنه صمت ! ألا يستطيع القول ، نعم .. لست من المنطقة ، على أقل تقدير ! إجابة مقتضبة وثقيلة في نفس الوقت ، عندما يسألني أحد ما مثل هذا السؤال فإنني أفهمه بشكل آخر ليس من منطوقة وحسب فالمعنى : من أي البلدان أنت ؟ وألمح من خلال تقاسيم وجهه أنه ليس بذاك الغباء بحيث لا يفهم ما أريده وبدا لي أنه يرسل إشارته بأن أصمت ، لكن ! لا . لن أصمت ! ولن يقهرني هذا الغريب ! نظرت إليه وأنا أتجاوز الإشارة بعد أن أضاءت باللون الأخضر وقلت له ممازحا : ـ لازم أصير كداد ، من أجل أن تركب معي وأتعرف عليك . ابتسم ابتسامة لا معنى لها ـ لا أبدا ، لكنني لا أنتظر الإحسان من أحد . ـ ولا من جيرانك ؟ نظر إلي بضع ثوان فصرف نظره ، فأردفت بسرعة حتى لا تطول حيرته ـ نعم أنا من جيرانك في نفس الحي الذي سكنت فيه قبل بضعة أشهر وأردت أن أخرجه من هذا الموقف فقلت : ـ عسى ما هنا شر!! أين سيارتك ؟ فلقد كنت أرى معك سيارة قبل أيام . ـ فيها عطل بسيط وأدخلتها ورشة لإصلاحها . أنزلته حيث أراد ومضى بعد أن عرفت اسمه ومن أي البلاد هو، وفهمت منه أنه منذ قدومه وهو يزاول مهنة الصيد ، يتكسب منها يوميا ما يسد رمقه ويقضي على حاجته . ويغنيه عن الآخرين . وإن كان غير راض عنها تمام الرضا إلا أنها شغلة مؤقتة حتى يرى ما الله صانع فيه وهو يهم بالنزول عرضت عليه المجيء لأخذه مساءا ، لم يبد موافقة أو اعتراضا ، وأعطاني قفاه وانصرف . تمتمت في سري وأغرب منك لم تر قط عيني ـ جئتكم من الغريب بنبأ يقين قلت هذا وأنا أحدث الجيران بما حصل صبيحة ومساء الأمس القريب كانت أنفسهم متشوقة للسماع فالعيون متسمرة والأفواه فاغرة ، بما فيهم أبو مروان الذي كان يتشاغل بورقة أمامه ، وأذنه تكاد تقفز إلى فمي وإلى التقاط كل كلمة أتفوه بها ، لما انتهيت من كلامي ، ابتدر أبو مروان الجالسين بالكلام ، وقال بسخرية لاذعة ـ أي جديد في هذا ، هو من الرياض ، ويشتغل في الصيد ، وليس متزوجا ، وسيتزوج قريبا ، وعمره خمسون .كل هذه أخبار آنية ، أما لم هو بيننا ، لم يتهرب منا ، هل له أولاد ؟ فلم تجبنا على شيء من هذا ، وهو الذي كان من الأجدر أن تجيبنا عليه . هز الجميع رؤوسهم بالموافقة كالعادة . أيقنت بعد طول تأمل في حال الجيران مع أبي مروان ، أن القادة ... أي قادة ! ليسوا أكثر من شخوص تحمل رونقا وكاريزما ونكهة لها خاصية ما ، تجعل الآخرين يسنمونهم المناصب ، وتشرئب إليهم الأعناق وتهفوا لمنطقهم الأسماع ، وإلا فأفكارهم وآرائهم ليست بأفضل من غيرهم ، بل قد يتفوق الآخرون عليهم من هذه النواحي . انصرفت من المكان وقد أشعلت سخرية أبي مروان التحدي في نفسي . ****
*** ** *
__________________
عالم بنات ... بنات
|
![]() |
الإشارات المرجعية |
|
|