[** الجامح **]

بسم الله الرحمن الرحيم ..
على صقيع برد قارس, وبين حطام بيت مهتك.. تتكئ الأرملة على أحد جدرانه في صراع مع الحياة وهمس مع الزمن... فمن هو الجدير بالبقاء ؟!

طفل رضيع..
عيناه قد غرقت دموع..
وبدى بوجه شاحبٍ..
في العمق.. في جوف الهجيع..
يبكي دماً..
يأبى رضاعة ثدي أمٍ..
جفَّ من برد الصقيع..
يبكي دماً.. أو قد يقول:
لقد مللت من السكوت..
مللت من صوت خفوت..
أُشرِبْتُ من ماء القذى..
وجعلت من ألمي أَقُوت..

* * * *
أمّاه..
كم كانت الدنيا ربيع ..
كم كان حقاً لا يضيع..
كم كانت البَسَمات تعلو..
في المحيَّى للجميع.. بلا دموع..

* * * *
أمّاه..
أين الصباح..
أتُرَيه أُظلِم بالجراح..
أتُرَيه هل ولَّى وراح..
أتُرَيْ سكون الليل..
بدِّل بالصياح.. وبالنياح ..

* * * *
أبنيَّ..
لا تجزع فقد ..
دخلوا المدينة ذات يومٍ بالظلام..
وتفرقوا ما بين أنحاء المدينة..
مثل قطعان الذئاب..
.. قتل .. ونهب .. واستلاب ..
فتوارت البسمات خلف الخوفِ..
من هول الزحام..
فهنا اصطدام..
وهنا احتدام..
فاليوم قد نحر السلام..
دُقَّت طبول الحرب..
فليحيى كفاح الإنتقام..
فلا سلام..
ولا كلام ..
ولا احترام ..

* * * *
أمّاه..
قد ضقت ذرعا بالمهاد..
قد ضقت حين أراك..
لابسةً ثيابا للحداد..
فكِّــي المهــاد..
لكي أنادي اليوم حيَّ على الجهاد..
اليوم حيَّ على الجهاد ..

* * * *
أمّاه..
قد كنتُ حين رأيتُ نورا للحياة..
وعرفت معنى الحب..
والأمل البعيد..
أن أمنح الناس السلام..
أتُريْهِ هذا اليوم ينفع أو يفيد..
كلا.. وربي..
لا يفيد..
فلا يفلُّ حديدهم إلا الحديد..
أوَمالنا ماضٍ تليد..
ماضٍ مجيد..
نحيي به ذكرى السنان..
ننسى به الزمن المهان..
أوَفجر ماضينا يطل..
ليعطر العبق المخبئ..
خلف قضبان الأمل..

* * * *
فيجيب قلب الأم.. في صمت كئيب..
أتراك تعقل ما تقول ..؟!
أم ذاك من هول الذهول ..؟!
......
أتسمعون ؟! ..
طفل يناديكم..
وفي عينيه شي من بريق..
يوحي بأن الفجر آتٍ.. في الطريق..

* * * *
يأتي الجواب من الرضيع..
أماه.. بل غُطِّي بأوحال الرقادِ..
فلا حياة لمن دعيتِ..
ولا حياة لمن تنادي..
فلا حياة لمن دعيتِ..
ولا حياة لمن تنادي..
....................................

.. الجامح