لاتعلم اليتيم البكاء(1-2)
في صبح يوم مشرق حيث السكون يخيم على المكان وهديل الطيور يحكي أمن تلك الأوطان وجد اليتيم يصارع الجوع والعطش وقد لف بخرقة قطنية يتلوى من قلة نومه ويشكو تغير وضعه ولما يشعر.غير أن فطرة بني البشر قد بلغت منذ أن وجدت في نفوس بني البشر .أبلغت الشرطة وحضر الإسعاف وكتب المحضر ليكون اليتيم متنقلا من بين الأحضان .في دار الحضانة وجد نفسه في بيت صخب ،الألعاب في غرف والكتب في غرفات والحليب في ثلاجات وفي القسم الرئيسي إدارات .براءته تنبع من نظراته يتساءل ماهذا المكان ؟!من هؤلاء؟!أدرك أن رابط القرابة لا يكون بهذا الشكل وتلك الصورة.لما بلغ الثالثة من عمره لم ينطلق لسانه( بماما)لأن روح الاتصال مفقود وتمتمات القلوب لاتكذبها الألسن بل قال )أبلا)..دخل الروضة حاملا كتبا مصورة يضمها إلى صدره ضمات متكررة ،يحس بفيض حنان من رحم الكتب ولا يزال يسير وحيدا في سنيه الأولى..دخل سن التمييز فجأة على اليتيم ليجد أنه في السابعة من عمره لقد تعرف على المكان إنها دار حضانة لكن القصة لم تبدأ والجواب لم يحن لانشغاله بلعبته وحلوته وبراءة الطفولة وسيلة مهمة لتجاوز الواقع..في أحد الأيام لاحظ أستاذه سوادا تحت عينيه وتعبا وإجهادا على وجنتيه لكن العادات والتقاليد والاحتجاج بالمسؤوليات الخاصة كانت لا تسمح بالتدخل في شؤون الآخرين ولسان المجتمع (من تدخل فيما لا يعنيه لقي مالا يرضيه )،إن أستاذه يعرف أن مصدر ذلك ألغاز وأحاجي فمجرد التعامل معها دون خدش أو خوف يعطي طريق الطمأنينة والسكينة لطالبه النجيب لكن قدر الله ماض وعزاؤه بمولاه.نجح في دراسته إلى الصف الثاني الابتدائي بعد جهد ونصب ..لقد زرع هذا النجاح في نفسه معاني الطموح ومعانقة المجد وحب الفلاح وإن فهمها غيره أنه علامة للكبر والاعتزاز بالذات والإعجاب بالنفس غير أن النظر بعين ثاقبة خبيرة خلاف ذلك كله والصواب من الجاهل خطأ ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يتذكر إلا أولوا الألباب..هدية النجاح كانت جميلة في مساء ذلك اليوم فحلقة من التشجيع الرائع وأنشودة من أناشيد الطفولة زينت حفل تكريم الأيتام الناجحين من الجنسين ..وطبقا للوائح المتعلقة بالأيتام التابعين لوزارة الشؤون الاجتماعية حان انتقال من بلغ الثامنة إلى دار التربية ولا زال الأيتام في حضن النساء لاكتساب أكبر قدر من الحنان ومعاني العطف والشفقة ..لكن الجلة من المشمولين بالقرار قد بلوا بدموعهم الصادقة تلك الذكريات مع حاضناتهم في دار الحضانة ..إنه وفاء الطفولة وحبل الأمومة ..إنه روح البشرية المتزنة يسري في عواطفهم خلافا للفدادين الحمقى الذين نفوا معاني الوفاء والبشرية من إخواننا الأيتام ويتشدق البعض منهم بمقولات ونظريات قد اجتزأت من مظانها ليختلف الحكم ويتغير المقصود ليشيع في أوساط المجتمع خصوصية الأيتام بطبائع الوحشية والكراهية تجاه غيرهم وليكرس في نفوس الأيتام صحة تلك الإفرازات وهذا كله على فرض صحة تلك النقولات والمحصلة النهائية توهم في الصدق وقتل للكرامة..لكن الشرع والحس والعقل يكذب تلك الترهات لأن لله مائة رحمة أنزل للخلق منها واحدة والأيتام من جملة الخلق ،وجمادات الكون كفيلة بإعطائه جرعات وجرعات من شذرات الرحمة ..فما بالكم بعالم الحيوان ؟! ما بالكم بعالم الإنسان؟! لكن اجتماع التبعية والجهل عامل هدم للمجتمع بأسره والعلم عزيز ولا يناله إلا عزيز.تغيرت حياة اليتيم ليدرك بذلك شيئا من واقعه الحقيقي إبان مرحلته الدراسية الجديدة حيث اللهو والعبث ومقارعة التلاميذ ومشاركة الأساتذة ..مرحلة الثالث الابتدائي التي يحتك فيها اليتيم بمجتمع متعدد الأشربة والثقافات متنوع السجايا والعادات ليسأله عن اسمه ونسبه وأصله وفصله كأولى أولويات مجتمع محافظ ..اليتيم لم يدر ما الخطب بيد أنه أحس ببداية مفهوم يفكر في كيفية احتوائه وتوظيفه على نحو صحيح وهذا شعور الكثير من الأيتام ولا يزال اليتيم يسير وحيدا .. يرجع إلى مأواه ليجد مدرسة مشابهة لمدرسته تلك ..الكثير ممن يشاكله الظروف ..خليطا من الثقافات ومشارب مختلفة من الرؤى والتصورات ..الحافلات هناك هي الحافلات هنا ..فصول الدراسة هي كما هي هناك ..أشكال الغرف ومحتويات المقصف ..الصورة واحدة بل حتى طريقة الأستاذية تلاحقه إلى غرفة نومه..ربما كان بعرف أنها (دار التربية )لكن الصورة لم تكتمل بعد..كان جدوله اليومي مضغوطا ففي العصر حلقة قرآنية في مسجد داره ومن ثم دراسته الأساس الذي يبني عليه مستقبله في عالم يلهث خلف المادة ويركض نحو إشباع الكماليات غير أنه مختلف تماما كونه يؤسس لحياتين حياة المال وحياة العلم والله ناصره ومعينه..على اختلاف بين الأيتام في نظرتهم للدراسة لقصور في الإرشاد ونقص في التوجيه ,مع ذلك فسمات النجابة والذكاء بادية على الكثير من أيتام الدور والمعاينة خير شاهد وبرهان شريطة أن يكون المشاهد صاحب بصيرة نقية لئلا يبصر القذى من مرآته فيحيف من حيث لايدري.إن أصحاب القرار لم يألوا جهدا في توفير متطلبات الحياة، ألباس الفخامة ومقتنيات أبناء الأثرياء كانت في أيدي إخواننا الأيتام لقد سيق لهم كل ألوان الترف والنعمة (شاشات براقة ..ألعاب إلكترونية ..مساحات خضراء واسعة..معدات رياضية متطورة..أصناف مختلفة من الطعام والشراب كل يوم صنف ولون ..كسوة فصلية ورياضية ومدرسية )فالشكر لأهل الشكر والحمد للمولى الكريم .ووقت المغرب حافل بنشاطات متعددة راجع إلى عمل كل أسرة ففي كل مغرب اصطفاف لأداء رياضات مختلفة ومن ثم تتوزع الأسر إلى مهامها من (رياضي و ثقافي واجتماعي وفني )ولم يستمر الوضع مع كثرة الملهيات وتزاحم الاجتهادات وتبلد الهمم..بعد صلاة العشاء يستعد الجميع للنوم في وقت واحد وهكذا دواليك ..حياة ماتعة وأوقات جميلة تختلف باختلاف الأشخاص والأعمال ..على أن ما ذكر من حسنات وتحسينات إنما هي بجهود شخصية من أفراد كتبوا بعروقهم (عشق العمل مع الأيتام يبقى للأبد)وسمحوا بكرمهم النبيل تتويج جهودهم بأسماء غيرهم رغبة في دفع عجلة العمل نحو تحقيق الأمل ودور التربية تختلف فيما بينها باختلاف السواعد الأمينة ونضوج الثمرة متوقف على فسحة الأرض وضوء الشمس .للحديث صلة
|