|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
17-05-2008, 12:11 AM | #1 |
Registered User
تاريخ التسجيل: May 2008
المشاركات: 11
|
الرواية في بلادنا و اللهث خلف الفن ! !
يكاد الشعر يضمحل حين عرف الناس أنه لا يعدو أن يكون بوقًا للقبيلة حين غابت القوة المركزية , ثم تحول بعد مجيء تلك القوة إلى السلطان , حيث جاز لنا أن نسميه بالشعر السلطاني , ولا يزال حتى اليوم بهذه التسمية ! جاءت الرواية , وتمسك بها المبدعون , حيث إنها مجال رحب لعرض الفكرة تلو الفكرة , فلا قيود كما الوزن والقافية في الشعر , بل يضوع الأديب جيئة وروحة وهو منطلق كما الجواد المرخى العنان . أسفي على أولئك النقاد الذين يريدون من الرواية كما يريدون من الشعر , فقد سبق أن طالبوا بأن يكون الشعر مليئًا بالفن الأدبي , مليئًا بالصور والأخيلة التي لا يستفيد منها عامة الناس , بل يكون الشعر بهذه الصورة حصرًا على الأدباء المتذوقين , وليت شعري كيف ينفع المجتمع هذا الأدب حين يكون مستعصيًا على القراء من عامة الناس ؟ ! كل الفنون الجميلة وغيرها يجب أن تنفع الناس , وأخص بتلك الفئة التي لا تكاد تفك الخط إلا بعد لأي , إن المجتمع يجب أن يضخ فيه ما ينفعه بلا عنصرية , وبلا قصد لفئة دون أخرى , فرجل الشارع أحرى أن يفهم الأدب بأنواعه كما الشعر والرواية وغيرهما , فإذا تمنطق الأديب بأسلوبه وروغانه متباهيًا ؛ فلا فائدة من معانيه , ولا رواج لها إلا عند المخدوعين بالأسلوب الغامض . مشكلة أهل الأدب العربي أنهم حمدوا لعبد الحميد الكاتب غموضه وتزويقه لأسلوبه الذي لا يفهم إلا بقواميس , ثم راحوا يعجبون بالهمذاني صاحب التهذيب , ثم بالحريري صاحب المقامات العويصة , ثم بابن العميد الذي قالوا إن الكتابة قد خُتمت به ! لقد صارت اللغة ألغازًا وأحاجيًا ليست من الفائدة في شيء , فهَم الكاتب أن يزوّق كتاباته ويتمنطق بها , ثم لا يلبث كثيرًا حتى يأتي الجهّال قائلين : لله ما أبدعه ! ولو سألتهم هل فهمتم عنه شيئًا ؟ لقالوا : وهل نفهم عن مثل هذا الكاتب الكبير شيئًا ! ! لقد أصبح التفتيش في المعاجم عن معاني الكلمات هي التي تصبغ على الكاتب جودته , وتعطيه مكانًا مرموقًا لدى القراء الجهّال ! ! يطالب كثير من النقاد اليوم أن تكون الرواية لها فن لا يقل عن فن الشعر , حيث يريدون منها أن تكون لغتها رفيعة , حيث لا يفهمها إلا القارئ المتمرس , أما رجل الشارع وعامة الناس فسحقًا لهم ! يريدون منها أن تكون غامضة في أحداثها وشخوصها , فلا تفهم إلا بعد لأي , ولا تفهم إلا بالمعادوة وكثرة الاطلاع والتوقف عند هذا الفصل أو ذاك , إنهم ينزوعون إلى الغموض , فإذا رأوا كاتبًا يكتب بأسلوب مباشر سفهوه وحقروه , وقالوا ليس بذي شيء ! ! متى كان الأدب حصرًا على فئة دون فئة ؟ ومتى كانت اللذة الفنية مقدمة على الفائدة الاجتماعية التي تكرس المشاعب الحياتية ومشاربها ؟ إن كل فن من الفنون الأدبية يجب أن يخدم أكبر شريحة في المجتمع , إنها بالأحرى معنية برجل الشارع , ولا خير فيها إن كانت تلك الفنون دولة بين الذين يسمون أنفسهم بالأدباء . على الأعمال الأدبية أن تخدم التربية , وتخدم الدين , وتخدم حوائج الناس , ثم يأتي النظر إلى الفن أخيرًا , لكننا نرى النقاد يسلطون على الفن أولاً , بل نجدهم يشمئزون ممن يخرج رواية تتحدث عن الأوضاع الاجتماعية بكل صراحة وجرأة , وكأن مثل هذه الأحداث لا تحدث على أرضنا وإنما في كوكب آخر ! إنني أميل كل الميل إلى أن تكون الرواية نابعة من المجتمع الكبير كالإسلامي مثلاً , أو الأقل منه كالعربي , أو القطري كالدولة , فتتحدث عما يصطرع داخل المجتمع , فليس الأدب مادة استمتاعية فحسب , وإنما يصور المجتمع كما هو , بواقعه وأحداثه , وإن خرج عنها مبتعدًا عما يدور فيه ؛ فإنه أدب لا يخدم المجتمع , ولا يبصر الناس بما في مجتمعهم من خلل , فإذا اتجه الأدب بأنواعه إلى المجتمع عرف الناس ما لهم وما عليهم , وراحوا ينشدون من تلك الأعمال الفائدة , والعوامل المساعدة والمساندة على الحلول التي تطبب جروح المجتمعات كافة , على أن تكون اللغة سهلة قريبة من كل الناس , فلا تزويق فيها ولا مباهاة , فغاية الفن الانتفاع والرقي بالمجتمع الذي هو فيه . |
الإشارات المرجعية |
|
|