تصدوا للظلم
الإمام أبو حنيفة
كانت شخصية أبي حنيفة اقوي واعظم من ان تخضع لطغيان, فقد وهب من عزة النفس ورصانة الخلق وشدة الإحساس بالكرامة والرجولة, ما جعله بين المناضلين قمة شماء..
الدكتور محمد رجب البيومي عميد كلية اللغة العربية بجامعة الازهر سابقا يقول: كان رضي الله عنه من اقوي المتكلمين مناظرة وحوارا وكان خصومه في الرأي الفقهي يدهشون لقوة سطوته وسرعة بديهته حتي ليخافوا ان يواجهوه في معترك النقاش. وكان الإمام ابو جنيفة اشد المخلصين ضيقا بالشر, وقد هال ابو جعفر المنصور ان يجد اعلام الشريعة يقفون منه موقفهم من الامويين.
فدعا ابو جعفر المنصور علماء العراق ليأخذ رأيهم في أهل الموصل حين اشترط عليهم ان يستحل دماءهم إذا انتفضوا علي حكمه.
فنظر إلي أبي حنيفة وسأل: ماذا تقول؟ ألسنا الآن في خلافة نبوة وأهل إيمان! فقال الإمام: إنهم اشترطوا لك مالايملكونه وشرطت عليهم ماليس لك, لأن دم المسلم لايحل وشروط الله احق ماتوفي به, فاضطرب ابو جعفر, ثم اذن للعلماء فانصرفوا واستبقي اباحنيفة, فخلا بهما المكان, وصاح ابو جعفر: لقد احرجتنا أمام الناس, فانصرف إلي بلادك ولاتفت بماهو شين علي إمامك. وتذكر الخليفة أن يزيد بن هبيرة عرض علي أبي حنيفة القضاء فرفض فكان نصيبه السجن والضرب بالسياط, فلماذا لايعرض عليه القضاء كما فعل يزيد, فاذا وقف موقفه السابق, فقد دنت ساعة القصاص. وأصر أمير المؤمنين, واصر الإمام علي موقفه الرافض وقال: إني لا أصلح للقضاء, فقال الربيع بن يونس وزير الخليفة: ألا تري أمير المؤمنين يحلف فرد أبو حنيفة في صراحة عنيدة: أمير المؤمنين اقدر علي كفارة أيمانه مني! فأمر به أبو جعفر, فقيد إلي السجن, واستدعاه بعد أيام وسأله: أترغب عما نحن فيه؟
فأجاب: أصلح الله أمير المؤمنين ــ لا أصلح للقضاء, وهنا صاح الخليفة منفعلا: كذبت فقال الإمام: لقد حكم علي أمير المؤمنين أني لا أصلح للقضاء لانه ينسبني إلي الكذب, فإن كنت كذابا فلا أصلح, وإن كنت صادقا فقد اخبرت أمير المؤمنين بعدم صلاحيتي للقضاء! واشتط النزق بالمنصور فأمر بالسياط أن تنهال علي جسد الشيخ الواهن تشويه في محبسه الرهيب حتي اكتملت مائة وثلاثين سوطا, فخرج عبد الرحمن بن علي عم الخليفة وصاح به: لقد سللت علي نفسك مائة ألف سيف, هذا فقيه أهل المشرق يضرب بالسياط في غير جرم دون أن تخشي انتقام السماء, فتراجع أبو جعفر وهدأت نفسه قليلا وامر بإطلاقه من السجن, وارسل إليه ثلاثين الف درهم فرفضها, فقيل له: لو تصدقت بها علي المحتاجين, فرد في استهانة: ومن يضمن لي انها جمعت من طريق حلال.
وبلغت الكلمة آذان المنصور فكانت عليه أشد وقعا من النصال! ثم جاءته الأنباء بوفاة أبي حنيفة متأثرا بجراحه.
|