نماذج من تاريخ المتفائلين والمتشائمين وأثر التفاؤل على الفرد والجماعة :
وحين تأهب السلطان الغوري لقتال العثمانيين تفاءلوا له بالهزيمة لأن هلال عمامته انكسر نصفين على حد قول ابن إياس, وحين وصل الغوري بحملته تلك إلى الشام توقف في دمشق وذهب للترحيب به أعيانها ومن بينهم المؤرخ ابن طولون الذي يقول في تاريخه عن الوفد القادم للترحيب بالغوري : " فلما وصلوا إلى قربه وجلس الأضراء ـ أي العميان ـ يقرأون القرآن له فأمر مماليكه فضربوهم بالعصي وقالوا لهم:أعندنا ميت حتى تجيئوا تقرأون عليه " !! والذي لم يفهمه المؤرخ ابن طولون أن الغوري ومماليكه تشاءموا من قراءة العميان القرآن بين يديه وفهموها دليلاً على أنه سيموت في هذه المعركة..
وأبرز مظاهر التفاؤل والتشاؤم كانت تدور حول السلطة المملوكية وتقلباتها السياسية, فإذا أصدر السلطان عملة معدنية وجعل اسمه داخل دائرة في تلك العملة قالوا عنه أنه ستدور عليه الدوائر, أي " تفاءلوا" له بالشر , والمقريزي ينقل ما حدث في شهر المحرم سنة 789 هـ حين سك السلطان فلوساً وجعل اسمه في دائرة , يقول المقريزي : "فتطير الناس بذلك وقالوا هذا يؤذِن بأن السلطان تدور عليه الدوائر ويحبس , فبطل ذلك ولم يتم" أي أبطلوا تلك العملة حين تشاءم الناس منها . وجاء ابن إياس في القرن العاشر يكتب تاريخ مصر وينقل أحداثها السابقة على عصره وينقل تلك الواقعة نفسها في تاريخه إلا أنه يعلق عليها من واقع عقليته وتشاؤمه واعتقاده البالغ في التفاؤل والتشاؤم.
* وإذا خسف القمر " تفاءل" الناس بزوال السلطان خصوصا إذا كان مريضاً, وإذا سقط جزء من بناء أقامه السلطان اعتقد الناس أن دولته ستزول, وذلك ما حدث حين سقطت منارة جامع السلطان حسن, يقول المقريزي في الخطط " ولما سقطت المنارة المذكورة لهجت عامة مصر والقاهرة بان ذلك منذر بزوال الدولة" مما دعا الشيخ بهاء الدين السبكي إلى نظم قصيدة للسلطان يبدد فيها مخاوفه ويعلل سقوط المنارة بأنها سمعت القرآن فهبطت من خشية الله. وقد أورد المقريزي هذه القصيدة ولكنه قال بعدها "فاتفق قتل السلطان بعد سقوط المنارة بثلاثة وثلاثين يوما " أي أنه يصدق ما لهجت به الناس, مع أن سلاطين كثيرين كان مصيرهم القتل, وكان ذلك شيئاً شائعاً خصوصاً في ذرية المنصور قلاوون, ولكن يبدو أن المقريزي كان ينقل مشاعر عصره..
وقد أدرك المقريزي وهو طفلً حادثاً مشابها ذكره في تاريخ السلوك سنة 778هـ في أواخر سلطنة الأشرف شعبان حين تدهور نفوذه, إذ حدث ليلة الاثنين 15 رمضان أن سقطت نار احترق بها حاصل مدرسة السلطان شعبان, يقول المقريزي: "وتفاءل الناس بذلك على السلطان, وكان كذلك وقتل "!! .
* ويبدو أن الناس كانت تتشاءم بأي شئ يحدث للسلطان في أواخر أيامه أو حين ينهار نفوذه فتتوالى "إرهاصات " التفاؤل على" السلطان, والأشرف شعبان سالف الذكر حدث أن وقع من على فرسه في نهاية أيامه فأصدر الناس فتوى تشاؤمية جديدة قالوا فيها عنه أنه "لا يقيم إلا قليلاً".وصارت تلك الفتوى حجة سارية المفعول في القرن التاسع حتى لو كان السلطان في أوج قوته
|