بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » ما جاءَ (جوجل) إلا بعد انفجار الأسوار !

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 08-12-2009, 12:48 PM   #1
ناصرالكاتب
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2002
المشاركات: 377
ما جاءَ (جوجل) إلا بعد انفجار الأسوار !

بسم الله الرحمن الرحيم

قال كاتِبٌ مخاطبًا دُنيا الكتَّاب ساعةَ نشوة: «الآن محرك البحث قوقل يحمل كماً هائلا من البيانات أتخافون أن تزيدوا من بياناته لينفجر !!
دعوه ينفجر من الإبداع والرقي والتميز دعوا من يتصفح يستمتع بالتنقل بين الأقلام وكأنه نحلة بين الزهور !»اهـ.

وأقول: لم يكن ليحمل «جوجل» ما حمَل إلا بعد الانفجار الهائل الذي ذهبَ بسُورٍ عظيم كان مانعا للكثير من الناس عن مقاعد الصدارة ومنابر التصدير.

وقد هُدِمَتْ قبلَ هذا السور -وزمن الإنترنت- أسوار...!

قال الشاعر عبد الرحمن يوسف -في لقاءٍ قريب معه في أحد القنوات- عن ساسَةَ أحزابٍ فشلوا في استغلال أزمةٍ حصلت قريبا: «لقد دخل هؤلاء من الأبواب الواسعة للسياسة!»اهـ.
فليسوا -كما أومأ القائلُ- بأهلٍ لخوضِ ما خاضَه الدهاقنة!

وما صدَقَ -هنا- على طلاب الانتخاباتِ يصدُق على غيرِهم من طلاب الصدارة في الفنِّ، أو الفكر، أو العلوم، أو التأثير.

فقد اتَّسَعَتْ مجالات التدوين ومنابر النشر، وفشَتْ الكتابةُ فشوا لم يُعهد من قبل. وكان الحري باجتماع الكتَّاب في ساحة القلم أن تتسع الإجادةُ ويكثرَ الورود على منابع المعرفة وتربية العقل وتقويم اللسان واليد...
[poem="font="traditional arabic,7,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=1 line=0 align=center use=ex num="0,black""]إنَّ السماء إذا لم تَبْكِ مقلتُها = لم تَضحَكِ الأرضُ عن شيءٍ من الخُضُرِ
والزَّهْرُ لا تنجلِي أحدَاقُه أبدًا = إلا إذا مَرِضَتْ من كثْرَةِ المطَرِ[/poem]
[ديوان البحتري: 1/ 491، ط: دار الكتاب العربي]

لكنَّ الرأيَ الذي عمَّ جمهرَةَ الساحاتِ سمحٌ، ونحن في عصرِ السرعة «فأسرعن علينا يا ضيفَ ساحتِنا بتُحَفِك، ولا تخجَل، ولا توجَل.. فلن تكون بضاعتُك أزجى مما فشَى وانتشَرْ»(!).

وأنتَ حينَ تطالع المنتديات تجد من المخدوعين عن حقيقة أنفسِهم من يُخاطِبَ غيرَه -من الكتَبَة- مخاطبة الكبير للصغير، لحسنِ ظنه بأداتِه «الكتابيَّة»، ولن تجده مقيما الحدَّ الأدنى من شرائط الكتابة الصحفية؛ فضلا عن الأدبيَّة! فاللحن في نثرِه كلثغة الألثغ في كلامه لا ينفك عنه، والخطأ الإملائي سمتٌ حاضرٌ في معظم سطورِ رسمه، وحظُّه من البلاغة كحظِّ الطفل القابض طبقا يجول به في فناء البيت: من قيادة السيارة!
غيرَ أنه يُسْرِفُ في الكلام، وقد يخترع ما شدَّ الجاهلَ وإن سمُج، أو يكرر ما نطق به العارفون وإن استُهلِكَ وشاعَ في عامة الألسن. ويطيلُ مزاحمة الكتّاب، ومجاراتهم، ولقد قيل في الطفيلي: «... ثم إذا طال المدَى تكرَّرت الألحاظ عليه فعُرِف، وأَنِسَت النفوسُ به فأُلِف؛ ونال من المَحَالِّ المُجتَمَعِ عليها منالَ مَنْ حُشِمَ وسُئِلَ الذهابَ إليها» [المختار من صبح الأعشى: 1/ 459، وانظر ص/ 460].قلتُ: وكذا الطفيلي من الكتَّاب يزاحم الكتبَةَ حتى يؤلَف، كما يألف العمِيُّ عماه! وقد يصل (اجتماعيا!) إلى طبقة علية فيهابه من هم دونها (وليسوا دونَه)...!
وليس غرضي من هذا الوصف أن أصعد على أكتاف من أصف؛ بل أنا أرصد ظاهرة عجيبة، فقد نُعِتَ من كتاب المنتديات -وكذا الصحف- بأوصاف كبيرة لا يستحقها بعض الأكابر!

ولستُ أشترط العسيرَ في خوض الكتابة؛ بل حسب الكاتب أن يكتب ما يحسن، وأن يُقيمَ لغتَه على القواعد الضرورية في الإعراب، والإملاء.

فقد بلغ بنا الأمر إلى أن فشَى تشكيلٌ ظريف بغيض في الحروف، فتجد كلمة «أحمد» -مثلا- هكذا: (أٌحِمًدٍ). هذا لعب شاع، وشيوعُه فيمن درسوا شيئا يسمى (النحو) نقيصة فينا ولون من ألوان التخلف.
فكيف إن قيل في حق صفحة كاملة شوهها كاتبُها بهذا العبث: «إبداع ليس له مثيل!»، وقد تُنقَل إلى منتدياتٍ أُخَر، أو تُسرَق!

عيبٌ والله يا شباب أن تجعلوا الركاكةَ مثلا يحتذى!

فإنَّ اختيارَ المرء قطعة من عقله.

قال الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله: «أفليس عجيبا أن نكون أيام حكم الفرنسيين أقوى في العربية مما عليه الطلاب الآن وقد زال حكم الأجنبي (أعني الحكمَ المباشر) عن بلادنا؟ بل إنَّ منها ما لم يحكمْه أجنبي قط وتحقق فيه مع ذلك (من ضعفِ الدين والعربيَّة) ما يتمناه المستعمر»اهـ[ذكريات علي الطنطاوي: 2/ 21].

ولا أريد أن أستطرد لكني فتحت بابَ مأساة حاضرة، لكل منا له منها نصيب قلَّ أو كثُر إلا من منَّ الله عليه بالريِّ من لغة الكتاب العزيز، والله المستعان!

وإن مما رَصدتُ في هذه الأكتوبة (وهي في شئون وشجون متفرِّقة) ما خفَّ ضرره، ومنه ما جرُمَ خطرُه.

(يتبع...)
__________________
[mark=FFFFFF][align=right]قال الشيخ عبد الرحمن السَّعدي -رحمه الله-: «على كلِّ عبدٍ ... أن يكون في أقواله وأفعاله واعتقاداته وأصول دينه وفروعه متابعًا لرسول الله متلقيًّا عنه جميعَ دينِه، وأن يعرِض جميع المقالات والمذاهب على ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فما وافقَهُ قبلَهُ، وما خالَفَهُ ردَّه، وما أشكل أمره توقف فيه».
[/center]
[توضيح الكافية الشافيَة].
[/mark]
صفحة ناشر الفصيح

آخر من قام بالتعديل ناصرالكاتب; بتاريخ 08-12-2009 الساعة 12:55 PM.
ناصرالكاتب غير متصل  


قديم(ـة) 08-12-2009, 12:53 PM   #2
ناصرالكاتب
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2002
المشاركات: 377
- 2 -


تحدَّثَ العقادُ في أمرِ طوائف غَشِيَها الجهلُ والغرورُ فصارت -كما يقول-: «تظنُّ أنَّ المساواة في حريَّة الرأي معناها أن الجاهِلَ يساوي العارِفَ في القدرةِ على تكوين الآراء، والحُكْمِ عليها»اهـ[يوميات: 2/ 116، ط: نهضة مصر].
فأنتَ -أخي القارئ- ترى وتسمع ما يُطرَح من قضايا على طاولة النقاش في الصحفِ، والإذاعات، والمنتديات مما لا يفرِّق كثير من المحاورِين بين الحكم فيه والحكم في مقدار حلاوة كوب الشاي!
ومن ذلك: استقبال المكالمات من عوام الناس ليطرحوا آراءَهم في قضية «تعدد الزوجات» -مثلا- أهو من الظواهر الصحية في مجتمعنا أم لا؟

ومنه (لقافة) بعضِ الصحفيين واقتحامُهم كبير المسائل مُعرِضين في نقاشها عن الأصول المعتبرَة ومعارضين -في شغَبٍ- بآرائِهم تقريراتِ أهل العلم والبصيرة.
فصدق في الواحد منهم قولُ الشاعر:
[poem="font="traditional arabic,7,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=1 line=0 align=center use=ex num="0,black""]وإذا شهِدتَ بهِ مجالسَ ذي النُّهى=وَبَلَتْ سحابتُه بِنُوكٍ مُسْهِلِ[/poem]
[انظر: شرح الحماسة، للمرزوقي: 3/ 1550، ط: لجنة التأليف والترجمة والنشر- القاهرة].

ويا ليت وَبْلَه يؤذي السمعَ ويضيق به الصدر وحسب؛ لكن تجد من «خفافيش البصائر» من يرِد على واديه ويحتَفل بأوصابِه.


فلم نكتفِ من «الأبوابِ الواسعة» بفشو الدخلاء حتى بُلينا بازدحام المصفقين على كلِّ باب وطريق. وهذا -على أية حالٍ- أمر طبيعي؛ فـ«لكلِّ ساقطة لاقطة»، و«من جَلَسَ جُلِس إليه».

وأقول (عودا على قضية شغبِ الصحفيين): إنني إن رجعتُ بذاكرتي إلى زوايا في جريدَتَيْ «الرياض» و«الجزيرة» فقط: أقف على شيء من جهرِ بعضهم بسخافات عقولهم؛ إذ اتخذوا الحديث في أصول الدين كالحديث في تحليلات كرويَّة، ومخاطبةَ العلماء كمخاطبة حكام الملاعب؛ فلم يحشموا أنفسَهم في الدخول بما لا يعنيهم وإظهار نقص علمهم، حتى نسجوا من زخرف القول ركيكَ الفكر، ولن يضروا –إن شاء الله- إلا أنفسَهم ومن شابههم في قلة العقل وفساد الاعتقاد.

هذا الدخيل
كالأخطبوط
يبني بأرجلِه بيوتَ العنكبوت
يبني ويحسَب أنَّه
سيظل طاغيةَ الدهور
سيظل مرهوبا على مرِّ العصور
كلا، سيُسحَقُ بل يموت
فالحق أقوى من نسيجِ العنكبوت.

[ديوان: حسن عبد الله القرشي: 1/ 616، ط: دار العودة]


قال تعالى: {إنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81]. أي: ذاهبا [انظر: تفسير البغوي: 5/ 122، ط: دار طيبة].

وإنَّ شيوع هذا الضرب من السخف في منابرنا الإعلامية: بلوى، نسأل الله أن يعافينا منها، ويتوب عنا فلقد أسرفنا على أنفسنا إسرافا كبيرا.

ولي عودةٌ قريبَةٌ بإذن الله تعالى...
__________________
[mark=FFFFFF][align=right]قال الشيخ عبد الرحمن السَّعدي -رحمه الله-: «على كلِّ عبدٍ ... أن يكون في أقواله وأفعاله واعتقاداته وأصول دينه وفروعه متابعًا لرسول الله متلقيًّا عنه جميعَ دينِه، وأن يعرِض جميع المقالات والمذاهب على ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فما وافقَهُ قبلَهُ، وما خالَفَهُ ردَّه، وما أشكل أمره توقف فيه».
[/center]
[توضيح الكافية الشافيَة].
[/mark]
صفحة ناشر الفصيح
ناصرالكاتب غير متصل  
قديم(ـة) 08-12-2009, 01:03 PM   #3
الشيخ قوقل
كاتب مبدع
 
صورة الشيخ قوقل الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
البلد: رؤوس الهضاب
المشاركات: 519
لا حول ولا قوّة إلا بالله ما هذا الموضوع ... إنه من العيار الثقيل وإنك لذو حظ عظيم على هذا الأسلوب
كلمات جميلة قرأتها حرف حرف ويعجبني القوي واستشهاده بالأقوياء وإن كانو أعداء لنا
أشكرك أخي ناصر وتحيّة لـ (( الشيخ قوقل ))
أخوك الصغير / الشيخ قوقل
__________________
(( قل لي من تجالس أقول لك من أنت ))

آخر من قام بالتعديل الشيخ قوقل; بتاريخ 08-12-2009 الساعة 01:06 PM.
الشيخ قوقل غير متصل  
قديم(ـة) 08-12-2009, 02:57 PM   #4
مكتب تحقيق
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
البلد: book
المشاركات: 265
ظاهرة تشييخ محركات البحث
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

فإن التقدم العلمي ما زال يتحفنا كل يوم بجديده، وبالرغم من أن صُنـَّاعه لم يقصدوا به خدمة الإسلام؛ إلا أن الله -عز وجل- يسَّر لنا ما قدَّمه الغربُ لاستخدامه في خدمة الدين، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ) متفق عليه.

وقد كانت محركات البحث إحدى تلك الوسائل التي استفاد منها المسلمون، سواء من خلال محركات البحث البرمجية كتلك الموجودة في البرامج المختلفة، أو من خلال محركات البحث على شبكة الإنترنت، والتي يكفي أن تكتب فيها الكلمة المطلوب البحث عنها، وبضغطة زرٍّ واحدة تأتي لك هذه الكلمة من الشرق ومن الغرب.

ولا شك أن تلك الوسائل وفـَّرت كثيرا من الجهود في البحث، وساعدت على تقدم حركة البحث العلمي، وتوفير الوقت المستغرق في ذلك، واتساع دائرة البحث، خاصة بعد أن صارت هذه الخدمات في متناول الجميع، إلا أن الجانب المظلم من التكنولوجيا -التي تـُنعَت دائما بأنها سلاح ذو حدَّين- قد عكـَّر صفو هذه الاستفادة من عدة جوانب، ولعل من أهمها مسألة:

"تشييخ محركات البحث"!

فقد كان السلف الصالح يحذِّرون من تشييخ الكتب والصُّحف، والاكتفاء بالقراءة فيها، واعتبار ذلك بديلا عن التتلمذ على أيدي العلماء، وثني الركب بين أيدي المشايخ، فقد قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: "من تفقـَّه من بطون الكتب ضيـَّع الأحكام".

وكان بعضهم يقول: "من أعظم البلية تشيخ الصحيفة"، وقال سليمان بن موسي -رحمه الله-: "كان يقال: لا تأخذوا القرآن من المصحفين، ولا العلم من الصَّحفيين"، وقال الإمام سعيد بن عبد العزيز التنوخي -رحمه الله-: "كان يقال: لا تحملوا العلم عن صحفي، ولا تأخذوا القرآن من مصحفي"، وقيل أيضا: "من كان شيخه كتابه؛ كان خطؤه أكثر من صوابه".

وما أحسن ما قاله أبو حيَّان النحوي -رحمه الله-:
يظن الغـُمر أن الكتب تجـدي***أخــا فــهـمٍ لإدراك الـعــلــومِ
وما يدري الجهولُ بأن فيــها***غـوامض حيرت عقل الفهيمِ
إذا رُمـت العلومَ بغير شيـــخ***ضللت عن الصراط المستقيمِ
وتلتـبس الأمور عليك حــتى***تكون أضل من توما الحكيمِ!
والمقارن بين تشييخ الكتب وتشييخ محركات البحث يجد أن الأمر في محركات البحث أشد خطورة؛ فإن مشيِّخ الكتب إذا أراد أن يقف على مسألة فإنه يلزمه في الغالب أن يقلـِّب الكتبَ وينقـِّب فيها ليقف على المسائل، بخلاف محركات البحث التي يقف مستخدمها على الكلمة التي يريدها بضغطة زر، فيقرأ كلمتين قبلها وكلمتين بعدها دون أن يمسك الكتاب بيديه ويبحث فيه.

ثم هذه الكلمات قد تكون مُصحَّفة ومحرَّفة، فلا يخفى كثرةُ التصحيف في أغلب الكتب المنشورة إلكترونيًّا، فيتسبب هذا التصحيف في سوء الفهم من القارئ، وهذا إن كان موجودًا في الكتب المطبوعة؛ فإن وجوده في الكتب الإلكترونية، وفي نتائج محركات البحث أكثر.

ثم قد يكون الباحث قليل الخبرة بالإعراب فيسوء فهمه، أو يدمج من المقاطع ما شأنه الفصل، ويفصل ما شأنه الدمج، أو لا يفهم ألفاظ أهل الفن، فيصير المقروءُ عند هذا غير المقروء عند غيره، والمفهوم عنده بعيد كل البعد عن المقصود من الكلام.

أقول له عَمرًا فيسمعه سعدًا***ويكتبه حمدًا وينطقه زيدًا!
ولا نقصد بذلك نقد استخدام محركات البحث مطلقًا؛ فهي وسيلة يسَّرها الله -عز وجل- ويسَّر بها الكثير من جوانب العلم، كما أننا لا ننقد استخدام الكتب، ولكن المقصود في هذا المقام هو تشييخ محركات البحث والاعتماد عليها، كما هو الحال مع تشييخ الكتب والصحف الذي انتقده السلف.

وقد أفرز لنا تشييخ محركات البحث في السنوات الأخيرة الشَّوك، حتى امتد الأمر إلى المصنفات، فلا عجب اليوم أن ترى كتابًا في مسألة ما، يدَّعي مصنفه أنه بحث حديثي فقهي مقارن! فيبدأ بعرض المسألة، ثم يشرع في التقميش من هنا ومن هناك، فيذكر أقوال الفقهاء من كل مذهب من المذاهب الفقهية، وما أسهل ذلك باستخدام الموسوعات الفقهية الإلكترونية، ثم يعرض بحثه الحديثي الذي يجمع فيه الغث والسمين، ويختم بحثه بالترجيح وقد صدَّره بقوله: "ونحن نرى"، "وما نذهب إليه"، "ومذهبنا المختار"!!

وإن كانت مثل هذه الأبحاث والكتب المبنية على محرِّكات البحث لا تنطلي على صغار طلبة العلم فضلا عن أهل العلم الراسخين؛ إلا أن هناك قطاعا لا يُستهان به ممن ينخدعون بالأحجام وكثرة النقول غير المتجانسة، ولا ينكشف لهم عوار تلك التي يسميها أصحابها زورا بحوثا وكتبا.

وإذا نظرنا إلى هذه الظاهرة -خاصة مع انتشار أجهزة الحاسب واستخدام الشبكة العنكبوتية- نجد أن لها دوافع، ويترتب عليها مفاسد يجب أن توضع في الحسبان.

فمن دوافع تشييخ محركات البحث:

1- الكسل: فيستصعب المرء الذهاب إلى مجالس العلم، ويستثقل حضورها والتدرج في السلم العلمي المنطقي، فيلجأ -من باب إرضاء النفس- إلى وسيلة ترضي نفسه ولا تخدش كسله، فيستبدل بمجلس العلم شاشةَ الحاسب، وبالمدارسة والمذاكرة ضغطاتٍ على "الفأرة" فتنسخ من هنا وتلصق هنا، دون فقه، وربما دون قراءة أصلاً.

2- التربية على الوقوف على الخلاصة: فقد نشأ كثير من شباب اليوم على الملخصات والمذكِّرات وأهم الأسئلة المتوقعة، وصار تحصيل العلوم عند الكثيرين في عصر السرعة شأنه شأن الوجبات السريعة، فلم يتعلموا التأصيل في العلوم، والذي قد يستغرق كثيرا من الوقت والجهد، ولكنه في الحقيقة بَذرٌ له ثمرٌ، بخلاف تعلـُّم المسائل بصورة سطحية.

3- الثقة بالنفس: حيث يرى الواحد من هؤلاء في نفسه القدرة على أخذ العلم مكتوبا دون الرجوع إلى أهل العلم في توضيح العبارات وحل المشكلات.

4- التكبُّر عن طلب العلم على أيدي المشايخ: فإن الكِبر أحد أكبر عوائق طلب العلم، ومن رواسب الجاهلية المستفحلة أن يتكبر المرء عن الجلوس بين يدي شيخ قد ينهره مرة أو يعنفه أخرى، فيؤثر السلامة -زعم-، ويختار أن يشيِّخ محركات البحث التي لا تـُعنـِّف ولا تنهر ولا تعاقب، بل هي متى شاء أسكتها، ومتى شاء أعملها.

5- استعجال الثمر: فكثير ممن أهلكه حبُّ العلوِّ والصدارة يستعجل النتائج، بل يحسب في قرارة نفسه أنه بعد مضي بضع سنوات في طلب العلم سيصبح العالم الجهبذ الذي لا يُشَقُّ له غبار، فيستثقل أن يرقى في سُلـَّم الطلب كما هي سنة العلماء، وقد قال المأمون عن أمثال هؤلاء: "يطلب الحديث ثلاثة أيام، ثم يقول: أنا من أهل الحديث"!

ومن النتائج المترتبة على تشييخ محركات البحث:
1- تصدر صغار الأسنان: الذين لم ترسخ قدمهم في العلم في وجود من هم أكبر منهم سنـًّا وأرسخ قدما، وقد قال سفيان الثوري -رحمه الله-: "إذا ترأس الرجل سريعا أضر بكثير من العلم، وإذا طلب وطلب بلغ"، وقال عبد السلام برجس -رحمه الله-: "حقُّ الحدث النابغ أن يُنتفعَ به في المدارسة والمذاكرة والمباحثة، أما أن يُصدَّر للفتوى ويُكتب إليه بالأسئلة؛ فلا وألف لا؛ لأن ذلك قتل له وفتنة وتغرير".

2- ظهور جيل من مدعي العلم عديمي الأدب: لأن الأدب لا يمكن أن يُبحث عنه من خلال محركات البحث، ولا أن يُتعلم من الـ"جوجل" والـ"ياهو"، وإنما يُستقى من أهل العلم، ويُستفاد من أخلاقِهم التي قوَّمها العلم وقوَّمتها الخبرة، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "ولا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم وعن أمنائهم وعلمائهم".

قال ابن قتيبة -رحمه الله- تعليقًا على أثر ابن مسعود -رضي الله عنه-: "لأن الشيخ قد زالت عنه متعة الشباب وحِدته وعجلته وسفهه، واستصحب التجربة والخبرة، ولا يدخل عليه في علمه الشبهة، ولا يغلب عليه الهوى، ولا يميل به الطمع، ولا يستزله الشيطان استزلال الحدث، فمع السن: الوقار، والجلالة، والهيبة".

3- الشعور بالاكتفاء: فإن من آفات الاقتصار في العلوم على محركات البحث أن يشعر المرء بالاكتفاء، فهو كلما أراد أن يقف على مسألة أعمل حاسِبَه وبحث عنها، وكما قال سحنون -رحمه الله-: "يكون عند الرجل الباب الواحد من العلم فيظن أن الحق كله فيه".

4- الإعجاب: الذي هو نتيجة متوقعة للشعور بالاكتفاء، وقد قال علي بن ثابت -رحمه الله-: "العلم آفته: الإعجاب والغضب، والمال آفته: التبذير والنهب".

5- الاستبداد بالرأي: فهذا الذي ظن أنه قد أوتي العلم واكتفى بما بين يديه ستجده مستبدًّا برأيه كما قال ابن الجوزي -رحمه الله-: "أفضل الأشياء التزيد من العلم؛ فإنه من اقتصر على ما يعلمه فظنه كافيا استبد برأيه، فصار تعظيمه لنفسه مانعًا من الاستفادة"، وقال: "غير أن اقتصار الرجل على علمه إذا مازجه نوعُ رؤية للنفس حُبس عن إدراك الصواب، نعوذ بالله من ذلك".

6- استصغار طلبة العلم والعلماء: فمن رأى لنفسه مكانا عاليا لا يصل إليه أحد استصغر غيره، ومن استصغر غيره نسي فضلَه وسبقَه، فأوقعه الشيطان في انتقاصه والنيل منه ظنا منه أنه يتعبد لله بذلك، وما أُتي المسكين إلا من قبل جهله.

ولما كان الأمر بهذه الخطورة؛ فقد لزم أن يحرص المربُّون من الإخوة والدعاة على العمل على وقاية أبنائهم وتلاميذهم من هذا المرض، خاصة هؤلاء الذين تبدو عليهم أمارات النجابة ويُتوقع لهم مستقبل في طلب العلم، وأن تتم هذه الوقاية قبل أن تحدث الإصابة ويصعب العلاج، وكما قيل: "الوقاية خيرٌ من العلاج".

وأهم عناصر الوقاية تتمثل في:
1- التربية على إخلاص النية لله -تبارك وتعالى-:
فهو أول الأمر وأوسطه وآخره، وكذا هو العلاج لمعظم هذه الأسباب؛ فمن أخلص لله -تعالى- لم يبحث عن الثمرة العاجلة، بل سيظل مع العلم من المهد إلى اللحد، ومع المحبرة إلى المقبرة، ولن يبحث عن الشهرة وحب الصدارة والعلو، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من تعلم علما مما يُبتغى به وجه الله، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا؛ لم يجد عرف الجنة -يعني ريحها- يوم القيامة) رواه أبو داود وابن ماجه، وصححه الألباني.
وقال الحسن -رحمه الله-: "من طلب العلم ابتغاء الآخرة أدركها، ومن طلب العلم ابتغاء الدنيا فهو حظه منه".

2- التركيز على مسألة أن العلم لا يُنال بالراحة:
قال يحيى بن أبي كثير -رحمه الله-: "لا يُستطاع العلم براحة الجسد".
وقال ابن الحداد المالكي: "ما للعلم وملائمة المضاجع"!
وقال الإمام الشافعي: "لا يبلغ في هذا الشأن رجل حتى يضر به الفقر ويؤثره على كل شيء".
فمن أراد صدقًا أن يطلب العلم فعليه أن ينبذ الكسل والدعة، وأن يسعى سعيًا حثيثا حاذٍ حَذو سلفه؛ حتى يدرك غايته وينال بغيته، وكما قيل: "أعطِ للعلم كلـَّك يعطِكَ بعضه".

3- الاهتمام بمدارسة سير السلف الصالح:
ومواقفهم في طلب العلم، وبذلهم الجهد في الرحلة ونحو ذلك؛ ليكون للخلف قدوة فيمن سلف، ويُنصح حديثي الالتزام والمبتدئين في الطلب –بصفة خاصة- بالقراءة في كتاب "من أعلام السلف" للشيخ أحمد فريد، ثم كتاب "صفة الصفوة" لابن الجوزي -رحمه الله-، وينصح بمراجعة كتاب "علو الهمة" للشيخ محمد إسماعيل الفصل المتعلق بعلو الهمة في طلب العلم، وكذا كتاب "صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل" للشيخ عبد الفتاح أبي غدة.

3- التركيز على مسألة التخلص من رواسب الجاهلية:
كالكبر، ورؤية النفس والثقة بها، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) رواه مسلم.

4- التربية على توقير أهل العلم والسابقين بالخير:
ومعرفة مضار الاشتغال بعيوب الناس، وكذا منهج السلف في التعامل مع أخطاء الآخرين، والتربية على آداب طلب العلم.
نسأل الله أن يوفقنا لمراضيه، وأن يجعل مستقبل أيامنا خيرا من ماضيه.

المراجع:
اقتضاء العلم العمل - تذكرة السامع والمتكلم - جامع بيان العلم وفضله - حلية الأولياء - سير أعلام النبلاء - شرح إحياء علوم الدين للزبيدي - صيد الخاطر - عوائق الطلب.

ـــــــــــــــــــــــــــ

للكاتب الشهير : ابوالفرج
__________________
مكتب تحقيق غير متصل  
موضوع مغلق

الإشارات المرجعية

أدوات الموضوع
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 05:07 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)