|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
24-04-2010, 10:58 PM | #1 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Jan 2006
المشاركات: 289
|
أهم المواضيع التي شغلت الاعلام
منقول من منتدى الألوكة
حكم تقنين الشريعة الإسلامية تأليف عبد الرحمن بن سعد الشثري قدَّم له جماعة من كبار العلماء حفظهم الله راجعه وعلَّقَ عليه الشيخ العلاَّمة / عبد الرحمن بن ناصر البراك حفظه الله يليه مُلْحَقٌ فيه حكم تقنين تزويج الصغيرات وتحديد سِنِّ الزواج رحم اللهُ مَن طَبَعَ أو صوَّر أو ترجم أو أعاد تنضيد الكتاب كاملاً أو مُجَزأً، أو سجلَّه على أشرطة كاسيت، أو أدخله على الكمبيوتر أو برمجه على اسطوانات ضوئية - بدون نقصٍ أو زيادةٍ - ليوزِّعه مجَّاناً أو ليبيعه بسعرٍ مُعتدلٍ, وثبَّته اللهُ على الإسلام والسنة. آمين. الطبعة الثالثة مزيدة ومنقَّحة 1430 - 2009 م رقم الإيداع بدار الكتب والوثائق القوميَّة المصريَّة 6582/2009 مكتبة الرضوان للنشر والتوزيع ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 5 شارع الفقي – كوم حمادة – البحيرة – الرمز البريدي: 22821 مصر هاتف: 0020103932810 فاكس: 0020453695600 موقع المكتبة على شبكة الانترنت: WWW.radwn.com البريد الالكتروني: ccnasser.hotmail.com بسم الله الرحمن الرحيم مُقدِّمة الطبعة الثالثة الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه. أمَّا بعد: فهذه هي الطبعة الثالثة لرسالة (حكم تقنين الشريعة الإسلامية)، وفيها إضافات مفيدة، وزيادات عديدة. وجعلتُ في آخرها مُلحقاً في (حكم تقنين تزويج الصغيرات، وتحديد سِنِّ الزواج). أسألُ الله سبحانه أن يجزيَ مشايخي الأجلاَّء مِمَّن قدَّم وراجع الطبعة الأولى خيراً, ومَن حثَّ وساهمَ في نشرها. وأخصُّ بالشكر شيخنا العلاَّمة عبد الرحمن بن ناصر البراك - حفظه الله - على مراجعته لهذه الطبعة، باركَ اللهُ له في علمه وعمله وعُمُرهِ وذرِّيته، وأفدتُ منه تصحيحاتٍ عديدة، وتنبيهاتٍ قيِّمةٍ، أثبتُّ كثيراً منها في مواضعها، فأجزلَ اللهُ مثوبته، ورفَعَ درجته في الدَّارينِ. والحمدُ لله أولاً وآخراً. المؤلف عبد الرحمن بن سعد الشثري 17 رمضان 1430 بسم الله الرحمن الرحيم تقديم الشيخ العلاَّمة / صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله الحمدُ لله، والصلاة والسلام على نبيِّنا محمد وآله وصحبه، وبعد : فقد تصفَّحتُ ما كتبه الأخ الشيخ / عبد الرحمن بن سعد الشثري - وفقه الله - في موضوع تقنين الشريعة، تلكَ الفكرةِ التي ما زالَ النِّداءُ إليها يتكرَّرُ بينَ حينٍ وآخر، وقد ذكرَ - وفقه الله - ما يراه الدُّعاة إلى هذه الفكرة مِن مُبرِّراتٍ، وردَّ عليها، وخلُصَ إلى أنَّ هذا العملَ لا يجوزُ. وقد سبَقَهُ إلى القول بعدم جوازه كثيرٌ من العلماء في هذه البلاد وفي غيرها. فجزاه اللهُ خيراً على ما بيَّنَ ووضَّح، وهدى اللهُ مَن استساغ هذه الفكرة إلى الصواب. وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمد وآله وصحبه. كتبه صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء في 19 / 9 / 1426هـ بسم الله الرحمن الرحيم تقديم الشيخ العلاَّمة /عبد الرحمن بن عبد الله العجلان حفظه الله فضيلة الأخ الشيخ / عبد الرحمن بن سعد بن علي الشثري كاتب العدل بالمدينة المنورة حفظه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد : فقد اطلعتُ على كتابكم الْمُسمَّى: تقنين الشريعة بين التحليل والتحريم( )، فوجدته مُفيداً لطالب الحقِّ في موضوعه، حرياً بالنشرِ بينَ الناسِ، ليستفيدَ منه الباحثُ عن الحقِّ، ولإقامة الْحُجَّةِ على غيره، لعلَّه ينكفُّ عمَّا يدعو إليه من باطلٍ لَمْ يَرْضه علماءُ الشريعة قديماً وحديثاً. وفَّقكُم الله، وسدَّدَ خطاكم، ونفعَ بكتابكم هذا، وبجميع كتاباتكم في الدَّعوةِ إلى الحقِّ، وردِّ البدعة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. مُحبُّكم أخوكم عبد الرحمن بن عبد الله العجلان الْمُدرِّس بالمسجد الحرام 8 / 8 / 1426هـ بسم الله الرحمن الرحيم تقديم الشيخ العلاَّمة / عبد الله بن محمد الغنيمان حفظه الله الحمدُ لله ربِّ العالمين وصلَّى الله وسلَّم على عبده ورسوله نبيِّنا محمد. وبعد: فقد نظرتُ في هذه الورقاتِ التي كتبها فضيلة الشيخ عبد الرحمن ابن سعد الشثري وفقه الله في نظريةِ تقنينِ الشريعة، وعرَّف الموضوعَ، واختلاف مقاصد الدَّاعينَ إليه. ومما يجبُ اعتقادُهُ واعتمادُهُ: أنَّ شرعَ الله تعالى الحكيمِ العليمِ لا يجوزُ لأحدٍ أن يَستدركَ عليه، أو يَزعُمَ تعديلاً فيه. ومعلومٌ أنَّ معنى التقنين أن يجعل له موادَّ لا تُتجاوز، وهذا فيه قصورٌ عظيمٌ، مع ما يُفهم منه من التعديلِ، أو الاستدراك، وغير ذلك، وقد عُلمَ أنَّ نصوصَ الشرع جوامع تجمعُ الأحكامَ الكثيرة التي تتَّسعُ لِما يقعُ من الناس من الحوادث إلى آخر الدنيا، وقد فَاوَتَ اللهُ جلَّ وعلا بينَ فُهومَ الناس، والتقنينُ يحصرُ القضاة وغيرهم في شيء معيَّن، وقد عُلِمَ حكمُ هذا العمل. نسألُ الله تعالى أن يَمنَّ على المسلمينَ بتحكيمِ شرعهِ، واتباعِ سنةِ نبيِّه صلى الله عليه وسلَّم. كتبه عبد الله بن محمد الغنيمان تحريراً في 4 / 10 / 1426هـ بسم الله الرحمن الرحيم تقديم الشيخ العلاَّمة / عبد العزيز بن عبد الله الراجحي حفظه الله الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين والمرسلين وصفوته من الخلق أجمعين، وعلى آله وصحابته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أمَّا بعد: فقد قرأتُ هذه الرسالة الموسومة بـ " تقنين الشريعة بين التحليل والتحريم " تأليف فضيلة الشيخ/ عبد الرحمن بن سعد الشثري - وفقه الله - فألفيتها مفيدة ونافعة في بابها، استعرضَ فيها المؤلفُ شُبَهَ الدُّعاة إلى تقنين الشريعة وفنَّدها واحدة تلو الأخرى. واستدلَّ بالنقل والعقل، وبيَّن الآثار السيئة والسلبية لتقنين الشريعة. وأنَّ ذلك مدخلٌ لتغيير الشريعة بزيادة أو نقصان، أو تبديل أو تعديل. وأنه طريقٌ إلى الحكم بغير ما أنزل الله. ووسيلة إلى استبدال القوانين الوضعية بالنصوص الشرعية. فيجبُ منعُ هذه الوسيلة، وهي تقنين الشريعة. وقاعدة سدِّ الذريعة معلومة من النصوص عند أهل العلم. وذكرَ المؤلِّفُ - وفقه الله - عدداً من أكابر العلماء في عصرنا الذين ذهبوا إلى حرمة تقنين الشريعة. ولا شكَّ أنَّ ما قرَّره الشيخ عبد الرحمن من المنع من تقنين الشريعة هو الصوابُ الذي لا ينبغي العدولُ عنه. فأسألُ الله أن يُثيبَ المؤلِّف، وأن يرزقنا وإياه الإخلاص في العمل، والصدق في القول، وأن يجعلنا من دعاة الحقِّ وأنصاره، وحُماة شريعة الله، والذابِّين عن دينه، والمهتدين بهديه، والعاملين بكتابه، وسنة نبيه ، وأن يُثبِّتنا على دينه القويم وصراطه المستقيم، إنه جواد كريم. وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبد الله ورسوله وخيرته من خلقه، نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. كتبه عبد العزيز بن عبد الله الراجحي 1 / 2 / 1427هـ بسم الله الرحمن الرحيم تقديم الشيخ العلاَّمة / عبد الرحمن بن صالح المحمود حفظه الله الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فقد اطلعتُ على هذه الرسالة التي جاءت بعنوان: تقنين الشريعة بينَ التحليل والتحريم، والتي جمعها وكتبها الأخ الفاضل/ عبد الرحمن بن سعد الشثري، وقد ألفيتها رسالة مختصرة جامعة لِما ينبغي التنبيه إليه حيال هذه المسألة التي أثارت لَغَطَاً ونقاشاً، وهي مسألة تحويل الأحكام الشرعية إلى مواد مُشابهة للقوانين الغربية في صياغتها وطرائقها، ومن ثمَّ سُمِّيت: تقنين الشريعة، والتي كتبَ عن خطورتها الكثيرُ من العلماء. وقد أشارَ كاتبُ الرسالة إلى شيء من تاريخ المحاولات لتقنين الشريعة، ثمَّ أعقبَ ذلك ببيان شبهات الْمُجيزين لذلك ومناقشتها، ثمَّ ذكرَ بعض أقوال العلماء والأدلة على المنع من ذلك وعدم جوازه، مُبيِّناً آثار التقنين السيئة على الشريعة ذاتها، وعلى القضاة وقضائهم. ونصيحتنا للأمة: أن يتقوا الله في ذلك، وأن لا يَبتلوا الأمة بهذا التقليد الغربي خضوعاً لضغوطه وهجومه على شريعتنا وديننا. كما ننصحُ مَن أُشرب الإعجاب بها ممن ينتسبُ إلى العلم أن لا يتعجَّلوا، وأن يتأمَّلوا الأمر، وينظروا إلى سلبياته ومفاسده، ودرء المفسدة مُقدَّم على جلب المصلحة إن وُجدت أو توهَّمها مَن يدَّعيها. ونحنُ نخشى على مَن يقولُ بذلك ويُحبِّذه أن يكون ممن فتحَ على الأمة في دخول القوانين الوضعية بسبب ذلك كما وقع في بعض البلدان، والله المستعان. أسأل الله تعالى أن يُبارك في هذه الرسالة وأن ينفعَ بها، وأن يُجزلَ المثوبة لكاتبها، وصلَّى اللهُ على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم. د. عبد الرحمن الصالح المحمود 18 / 9 / 1426هـ بسم الله الرحمن الرحيم تقديم الشيخ المحدِّث / عبد الله بن عبد الرحمن السعد حفظه الله الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبيَّ بعده. أمَّا بعد: فقد اطَّلعتُ على ما كتبه الشيخ: عبد الرحمن بن سعد الشثري فيما يتعلَّق بقضيَّة تقنين الشريعة، فوجدته قد أجادَ وأفادَ، وقد بيَّنَ فسادَ الدَّعوة إلى ذلك بالأدلَّة من الكتاب والسنة. فجزاه الله تعالى خيراً، وبارك فيه. وكتب عبد الله بن عبد الرحمن آل سعد 5 / 9 / 1426 بسم الله الرحمن الرحيم المقدِّمة الحمدُ للهِ على جميعِ نِعَمِهِ بما هو أهلُهُ وكَمَا يَنبَغي له. وأشهَدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ محمداً عبدُهُ ورَسُولُهُ، بَعَثهُ بكتابٍ عزيزٍ، ﮋ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮊ، فَهَدَى بكتابهِ، ثُمَّ على لسانِ رسُولهِ ، ثُمَّ أنعَمَ عليه، وأقَامَ الْحُجَّةَ على خلقِهِ، ﮋ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ، وقال: ﮋ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﮊ، وقال: ﮋ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﮊ، وفَرَضَ علينا اتِّبَاعَ ما أُنزِلَ إليهم، وسَنَّ رسولُ اللهِ لهم، فقال: ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﮊ، فاعلم أنَّ مَعصيَتَهُ في تركِ أمره، وأمر رسولِ اللهِ ، ولم يَجعَلْ لهم إلاَّ اتِّبَاعَهُ, وكذلكَ قالَ لرسُولِ اللهِ : ﮋ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﮊ، مَعَ ما علَّمَ اللهُ نبيَّهُ . ثُمَّ فَرَضَ اتِّبَاعَ كتابهِ، فقال: ﮋ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮊ, وقال: ﮋ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﮊ. وأعلَمَهم أنَّهُ أكمَلَ لهم دينَهم، فقال عزَّ وجلَّ: ﮋ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮊ... ثُمَّ مَنَّ عليهم بما آتاهم من العلمِ، فأمَرَهم بالاقتصارِ عليه، وأن لا يقولوا غَيْرَهُ، إلاَّ ما عَلَّمَهم، فقال لنَبيِّهِ : ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﮊ( ). والصلاةُ والسلامُ على عبدِ الله ورسولِه القائلِ: (إنَّ الله لا يَقبضُ العِلمَ انتزاعاً يَنتزِعُه مِنَ العبادِ، ولكنْ يَقبضُ العِلمَ بقبضِ العلماءِ، حتَّى إذا لَمْ يُبْقِ عَالِمَاً اتَّخَذَ الناسُ رُؤساءَ جُهَّالاً، فَسُئِلُوا فأفتَوْا بغيرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وأَضَلُّوا)( ). والْمَرْوِيِّ عنه قولُه: (يَرثُ هذا العِلمَ مِنْ كلِّ خَلَفٍ عُدولُه، يَنفُونَ عنه تأويلَ الْجاهلينَ، وانتحالَ الْمُبطلينَ، وتحريفَ الغالين)( ). أمَّا بعد: فقد ظهرت الدَّعوةُ في الصحفِ إلى صياغة الأحكام الشرعية على هيئة مواد، وهو ما يُسمَّى بتقنينِ الأحكام الشرعيةِ، ومن بابِ بيانِ الحقِّ( )، وبراءةِ الذِّمةِ، والتعاونِ على البرِّ والتقوى، رأيتُ أن أكتبَ عن حُكمِ ذلك، وجعلتها في تمهيد وفُصولِ أربعة، وخاتمة، وهي على النحو الآتي : التمهيد وفيه مطلبان: المطلب الأول: الْمُرادُ بالتَّقنينِ. المطلب الثاني: تاريخُ الدَّعوةِ إلى تقنين الأحكام الشرعية. الفصلُ الأول: الأدلَّةُ على تحريمِ تقنينِ الأحكام الشرعيَّةِ. الفصلُ الثاني: أدلة القائلين بجواز التقنين والجواب عنها. الفصلُ الثالث: حلولٌ عمليةٌ للاستغناء عن التقنين. الفصلُ الرابع: أشهرُ العلماءِ المعاصرينَ القائلينَ بتحريم تقنين الأحكام الشرعيَّة. الخاتمة. هذا وليُعلم: أنَّ الدَّاعين إلى نظريَّة التقنينِ مُختلفونَ في مشاربهم. فمنهم المجتهدُ المأجورُ الذي هو من أهل العلم بالشريعة. ومنهم: الْمُتعالِمُ المأزورُ الذي هو من أبعد الناس عن العلم وأهله، فيَضلَّ ويُضلّ... الخ. والكلامُ في هذه الرِّسالةِ عن مجرَّدِ القولِ لا عن قائلهِ، بناءً على ما ظهرَ من الأدلةِ الشرعيَّةِ، والقواعدِ المرعيَّةِ. وأشكرُ بعدَ شُكرِ اللهِ تعالى مَشايخي الفضلاءَ الذينَ قرأوا هذه الرسالةَ، وأبدَوْا ملاحظاتِهم، وتَصويباتِهم، فجزاهُمُ الله عني وعنِ الإسلامِ خيراً. وأخصُّ بالشكرِ: الشيخ صالحَ بنَ محمد اللحيدان، والشيخَ صالحَ ابنَ فوزان الفوزان، والشيخَ عبدَ الرحمن بنَ عبدِ الله العجلانِ، والشيخَ عبدَ الله بنَ محمدٍ الغنيمان، والشيخَ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي، والشيخَ سعد بن عبد الرحمن الحصين، والشيخَ عبدَ الرحمن بنَ صالحٍ المحمود، والشيخَ عبدَ الله بنَ عبدِ الرحمن السعد، جزاهم الله خيراً. واللهَ تبارك وتعالى أسألُ: أن يجعلَ عملي كُلَّه صالحاً، وأن يجعله لوجهه خالصاً، ولا يجعل لأحدٍ فيه شيئاً، وأن يرزقني ووالديَّ وزوجي وأولادي ومشايخي وجميع المسلمين والمسلمات الثبات على الإسلام والسنة حتى الممات، ﮋ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﮊ. وصلَّى الله وسلَّم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه. المؤلف عبد الرحمن بن سعد الشثري 19 رمضان 1426 التمهيد وفيه مَطلبان المطلبُ الأول: الْمُراد بالتَّقنينِ الْمُرادُ بالتَّقنينِ كما قال الشيخ صالِحُ بنُ فوزان الفوزان وفَّقَه الله: (وَضْعُ مَوادَّ تشريعيةٍ يَحكُمُ بها القاضي ولا يتجاوَزُها)( ). وعرَّفه الأستاذ صبحي المحمصاني بقوله: (صياغةُ الأحكامِ الشرعيةِ في عباراتٍ إلزاميةٍ، لأجْلِ تنفيذها والعمل بموجبها)( ). المطلب الثاني: تاريخُ الدَّعوةِ إلى تقنينِ الأحكام الشرعيَّة إنَّ أوَّلَ مَنْ دَعَا إلى التقنينِ كما ذكره الباحثون: هو عبدُ الله بنُ الْمُقَفَّعِ( )، الذي حَكَمَ عليه بعضُ الأئمةِ: بالزَّنْدقةِ والكَذِبِ والتَّهاونِ بأمرِ الدينِ... الخ( ). حيثُ حاولَ عبد الله بنُ المقَفَّعِ إقناعَ أبي جعفرٍ المنصور ت 158 ~( ) بالتَّقنينِ في بدءِ العهدِ العباسي، في رسالة سمَّاها: رسالة الصحابة - أي صحابة الولاة والخلفاء - واقترحَ على الخليفة جمع الأحكام الفقهية، وإلزام القضاة بالحكم بها. وكان مما قاله في رسالته: (فلَوْ رأى أميرُ المؤمنينَ أن يأمرَ بهذه الأقضيةِ والسِّيَرِ المختلِفةِ، فتُرفع إليه في كتابٍ، ويُرفع معها ما يحتجُّ به كلُّ قومٍ من سُنَّةٍ، أو قياسٍ ثُمَّ نظرَ أميرُ المؤمنين في ذلك، وأمضى في كلِّ قضيةٍ رأيَهُ الذي يُلهمه الله، ويَعزِمُ له عليه، ويَنهَى عن القضاءِ بخلافهِ، وكتبَ بذلك كتاباً جامعاً...)( ). * ثُمَّ أراد الخليفةُ أبو جعفرٍ المنصور ~ عامَ (148) أن يُلزمَ الناسَ بموطأِ الإمامِ مالكِ بنِ أنسٍ ت179 ~، فامْتَنَعَ الإمامُ مالكٌ( ). وقال: (إنَّ الناس قد جمعوا واطَّلعوا على أشياء لَم نطَّلع عليها)( ). قال الزواوي مُعلِّقاً على موقف الإمام مالك ~: (فانظر إنصافَ مالكٍ وصحَّة دينه، وحسن نظره للمسلمين، ونصيحته لأمير المؤمنين ولو كان غيره من الأغبياء المقلِّدين، والعتاة المتعصِّبين، والحسَدَةِ المتديِّنين، لظنَّ أن الحقَّ فيما هو عليه، أو مقصورٌ على مَن يُنسبُ إليه، وأجاب أميرَ المؤمنين إلى ما أراد، وأثارَ بذلك الفتنة، وأدخل الفساد)( ). * ثُمَّ أعادَ أبو جعفر المنصور المحاولةَ مرَّةً أخرى في موسم الحج عام 163 فامتنعَ الإمامُ مالكٌ ~( ). * ثُمَّ دعا إليه الخليفةُ المهدي ت169( )، فامتنعَ أيضاً الإمامُ مالكُ بنُ أنسٍ( ). * ثُمَّ دعا إليه الخليفةُ هارونُ الرشيد ت193 ~، فامتنعَ أيضاً الإمامُ مالكُ بنُ أنسٍ ~( ). ولَمْ يُعرَفْ للإمام مالك ~ مُنازعٌ منَ العلماءِ. قال الشوكانيُّ ~: (وقد تواترت الرواية عن الإمام مالك، أنه قال له الرشيد: أنه يريدُ أن يحملَ الناس على مذهبه فنهاه عن ذلك، وهذا موجودٌ في كلِّ كتابٍ فيه ترجمة الإمام مالك ولا يخلو من ذلك إلاَّ النادر)( ). * ثُمَّ (في القرن الحادي عشر الهجري ألَّف السلطان محمد عالمكير 1038-1118، أحد ملوك الهند، لجنة من كبار مشاهير علماء الهند، برياسة الشيخ نظام، لتضع كتاباً جامعاً لظاهر الروايات التي اتفق عليها في المذهب الحنفي, فجمعوا ذلك في كتابٍ معروفٍ بالفتاوى الهندية، ومَعَ هذا لم يكن هذا الجمع شبه رسمي مُلزماً للمفتين أو القضاة)( ). * ثُمَّ خَمَدَتْ هذه الفتنةُ حتَّى أحْيَتْها الدولةُ العثمانيةُ في أواخرِ ملكِها، فأصدَرَتْ عام 1286هـ - 1869م: (مَجلَّة الأحكامِ العدليةِ)( )، مُتضمنةً جملةً من أحكامِ: البيوعِ، والدعاوى، والقضاءِ على هيئةِ قوانينَ تَتَلاءمُ كما يدَّعونَ معَ رُوحِ العصرِ ؟! على ما يختارونه من المذهبِ الحنفيِّ فقط، وبغَضِّ النظرِ إنْ كان راجحاً، أو مرجوحاً... ثُمَّ ألزَمَتْ المحاكمَ بها عام 1293( ). وصارَ هذا التقنينُ في الْمجلَّة المذكورةِ، دَرَكَةً أُولَى لِحُلُولِ القانونِ الفرنسيِّ( ). قال الشيخ عبد الله البسام ~: (والذي نعتقدُ أنَّ هذه الدِّعاية - أي الدِّعاية للتقنين - إحدى الدِّعايات التي يُكادُ بها الإسلام منذ زمن بعيد، وقد جُعلت الدَّركة الأولى لتعطيل أحكام ديننا)( ). * ثُمَّ اتَّجَهَت حكومةُ مصرَ عام (1334) إلى وضعِ قانونٍ للزَّواجِ والطلاقِ، وفي عام (1342) أصدروا قانوناً بوضعِ حدٍّ أدنى لسنِّ الزَّواج... إلخ، وهكذا إلى أنْ أصدروا قوانينَ لِمَا يُسَمُّونهُ: الأحوالَ الشخصية، مُستمَدَّةً مِنَ المذاهِبِ الأربعةِ وغيرِها، ثمَّ أصدروا في عام 1365 قانوناً لتعديلِ بعضِ أحكامِ الوقْفِ، ثمَّ أصدروا في عام 1371 قانوناً بإلغاءِ الوقفِ الأهليِّ كلِّه... !؟( ). ثُمَّ تبعَتْها جميعُ الدُّوَلِ العربيةِ إلاَّ المملكة العربية السعودية، وقد يكون هناك غيرها، وما بَيْنَ فترةٍ وأخرى يُصدِرونَ مُذكِّرَاتٍ تفسيريةً وإلغائيةً، واستبدالَها بآراءٍ أُخرى وهكذا، حتَّى عَمَّ إدخالُ القوانينِ الغربيةِ في غالبِ أنظمةِ محاكمِ هذه الدولِ ولا حولَ ولا قوةَ إلاَّ بالله العليِّ العظيمِ. * ثمَّ (إنَّ مُوحِّد الجزيرة العربية بعد فرقتها إمام المسلمين الملك: عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود ~، عَرَضَ أمرَ تلكَ الفكرةِ شُورى على علماء المملكة منذ نصف قرن تقريباً، فاجتمعَ رأيه مََعَ العلماء على ردِّها)( ). * ثمَّ دعا إلى التقنين بعض الناس عام 1393 فأصدرت هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية في دورتها الثالثة بأكثريتها قرارها رقم (8) في 16/4/1393 بعدم جواز تدوين الأحكام لإلزام القضاة الحكم به( ). * ثُمَّ دعا إلى التَّقنينِ عام 1426 بعضُ الكُتَّاب، فعُرضَ الأمرُ على أعضاء هيئة كبار العلماء مرَّة بعد مرَّة، وتمَّ ردُّه بناءً على القرار السابق الصادر من الهيئة عام 1393 والقاضي بمنعه. * ثمَّ أثاره في شهر شعبان عام 1430 بعضُ الناس فمالَ إليه كثير من أعضاء هيئة كبار العلماء. هدانا اللهُ وإيَّاهم لِمَا اختُلِفَ فيه من الحقِّ بإذنِه، إن ربِّي يهدي مَن يشاءُ إلى صراطٍ مستقيمٍ. الفصلُ الأول الأدِلَّةُ على تحريم تقنينِ الأحكام الشَّرعيَّةِ دلَّت الأدلة من القرآن، والسنة، وعمل الصحابة }، والإجماع، والنظر والاعتبار على تحريم تقنين الأحكام الشرعية وذلك على النحو الآتي : الأدلة من القرآن: 1 - قولُ الله: ﮋ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﮊ [ المائدة 42 ]، والقِسْطُ والعَدْلُ أنْ يَحكمَ القاضي بما يَدينُ اللهَ به مِنَ الحقِّ، لا بما أُلزِمَ به مِن تَقنينٍ قد يرى الحقَّ بخلافِه، قال الشافعي: (فأعلَمَ اللهُ نبيَّهُ أنَّ فَرْضاً عليه وعلى مَن قبلَهُ والنَّاسِ إذا حكَمُوا أنْ يَحكُمُوا بالعدلِ، والعدلُ اتباعُ حُكْمِهِ الْمُنزَّلِ)( ) ا.هـ. 2 - قولُ الله تعالى: ﮋ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒﮊ [ النساء 59 ]. (يأمرُ اللهُ سبحانَه في هذهِ الآيةِ بطاعَتهِ، وطاعَةِ رسولِهِ ، لأنَّ في ذلكَ خيرَ الدنيا والآخرةِ، وعِزَّ الدنيا والآخرةِ، والنجاةَ مِن عذابِ اللهِ يومَ القيامَةِ، ويأمرُ سبحانَه بطاعةِ أُولي الأمرِ عَطفاً على طاعةِ اللهِ والرسولِ ، مِن غيرِ أن يُعيدَ العامِلَ، لأنَّ أُولي الأمرِ إنما تجبُ طاعتُهُم فيما هو طاعةٌ للهِ تعالى ولرسولِه ، وأمَّا ما كان مَعصيةً للهِ تعالى ورسولِه فلا تجوزُ طاعةُ أحدٍ من الناسِ فيه كائناً مَن كانَ، لقولِ النبيِّ : « السمعُ والطاعةُ على الْمَرءِ الْمُسلمِ فيما أَحبَّ وكَرِهَ ما لَمْ يُؤمَرْ بمعصيةٍ، فإذا أُمِرَ بمعصيةٍ فلا سَمْعَ ولا طاعةَ ». ثُمَّ أمَرَنا اللهُ سبحانه أنْ نَرُدَّ ما تنازعْنا فيه إلى اللهِ والرسولِ ، فقالَ تعالى: ﮋ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﮊ، والرَّدُّ إلى اللهِ هو الردُّ إلى كتابهِ الكريمِ، والرَّدُّ إلى الرسولِ هو الرَّدُّ إليهِ في حياتهِ ، وإلى سُنَّتِهِ بعدَ وفاتِه. ثُمَّ قالَ سبحانه: ﮋ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒﮊ، يُرشِدُنا سبحانَه إلى أنَّ رَدَّ مشاكِلِنا كلِّها إلى اللهِ والرسولِ ، خَيرٌ لنا، وأحسنُ عاقبةً في العاجلِ والآجلِ)( ) ا.هـ. وقال الإمامُ ابنُ القيمِ ~: (فمَنَعَنا سبحانه من الرَّدِّ إلى غيرهِ وغيرِ رسولِه ، وهذا يُبطِلُ التَّقليدَ)( ) ا.هـ. وقال شيخنا عبد الرحمن البراك حفظه الله: (والتقنين إنما هو إلزامٌ بالتقليد، ويكون كثيراً في أقوال مرجوحة) ا.هـ. فما تنازع فيه العلماءُ يجبُ رَدُّه إلى الله والرسول ، والتقنين الْمُلْزِم لم يُردّ فيه النزاع إلى الله ولا إلى الرسول . 3 - قولُ الله تعالى: ﮋ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﮊ [ النساء 65 ]. (أقسمَ اللهُ سبحانه في هذه الآيةِ الكريمةِ: أنَّ العبادَ لا يُؤمنونَ حتى يُحكِّموا الرسولَ فيما شجرَ بينهم، وينقادوا لحكمهِ راغبينَ مُسلِّمينَ من غيرِ كراهةٍ ولا حَرَجٍ، وهذا يَعُمُّ مشاكِلَ الدِّينِ والدُّنيا فهو الذي يَحكمُ فيها بنفسِهِ في حياته، وبسُنَّتِه بعدَ وفاتهِ، ولا إيمانَ لِمَنْ أعرَضَ عن ذلكَ أو لَمْ يرضَ به)( ) ا.هـ. وقال شيخنا عبد الرحمن البراك حفظه الله: (والتقنين يَتضمَّنُ تحكيم آراء الرِّجال وإن كانت عند الحاكم أو القاضي مُخالفة للدليل) ا.هـ. 4 - قولُ الله تعالى: ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﮊ [ الأحزاب 36 ]. قال الإمامُ ابنُ القيم ~: (فقطعَ سبحانه وتعالى التخييرَ بعد أمرهِ وأمرِ رسولهِ ، فليسَ لمؤمنٍ أنْ يختارَ شيئاً بعدَ أمرهِ ، بلْ إذا أمرَ فأمْرُه حَتْمٌ، وإنما الْخِيَرةُ في قولِ غيره إذا خَفِيَ أمرُه ، وكان ذلكَ الغيرُ من أهلِ العلمِ به وبسُنَّته، فبهذه الشروطِ يكونُ قولُ غيرهِ سائغَ الاتِّباعِ، لا واجبَ الاتِّباعِ، فلا يجبُ على أحدٍ اتِّباعُ قولِ أحدٍ سواه ...)( ) ا.هـ. 5 - قول الله تعالى: ﮋ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮊ [ النساء 61 ]. فإنَّ اللهَ سبحانه ذمَّ مَن إذا دُعيَ إلى الله وإلى رسولهِ أعرضَ ورضيَ بالتحاكمِ إلى غيرهِ وهذا شأنُ أهلِ التقنينِ حيثُ ألزموا الحاكم برأيهم، وإن كان الحاكمُ يراه مُخالفاً للكتاب والسنة. فكلُّ مَن أعرضَ عن الدَّاعي له إلى ما أنزلَ اللهُ ورسولُه إلى غيره فله نصيبٌ من هذا الذمِّ، فمستكثرٌ ومُستقلٌّ( ). 6 - قول الله تعالى: ﮋ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﮊ [ النساء 105 ]. فإذا كان الرسولُ لا يحكم بما رآه، فكيف يُلْزَمُ الحاكمُ أن يحكم بما رآه المقنِّنون دون النظر إلى ما يُوافق الدليل. الدليل من السنة: 1 - عن بريدة قال: قال رسول الله : (القضاةُ ثلاثةٌ، واحدٌ في الجنةِ, واثنانِ في النارِ، فأمَّا الذي في الجنةِ: فَرَجُلٌ عَرَفَ الحقَّ فقَضَى به، ورجُلٌ عَرَفَ الحقَّ فجارَ في الحكمِ فَهُوَ في النارِ، ورجُلٌ قَضَى للناسِ على جَهْلٍ فَهُوَ في النَّارِ)( ). قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ ~: (وأجمَعَ العلماءُ على تحريم الحكم والفتيا بالهوى، وبقولٍ، أو وجهٍ، من غير نظرٍ في الترجيح، ويجبُ العملُ بمُوجبِ اعتقادِه فيما لَهُ وعليه إجماعاً)( ) ا.هـ. وعلى هذا فإنْ عَمِلَ الحاكم أو القاضي بالتَّقنينِ وهو يَرَى أنه خِلافُ الحقِّ دَخَلَ في هذا الوعيدِ، واللهُ تعالى أعلمُ. 2 - عن عدي بن حاتم قال: أتيتُ النبيَّ وفي عُنقي صليبٌ من ذهبٍ، فقال: (يا عديُّ اطرح عنك هذا الوثن، وسمعته يقرأ في سورة براءة ﮋ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﮊ أَمَا إنهم لم يكونوا يَعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلُّوا لهم شيئاً استحلُّوه، وإذا حرَّموا عليهم شيئاً حرَّموه)( ). فإذا حكم القاضي بالتقنين وهو يرى أنه خلاف الحق كان له نصيبٌ من هذا الحديث، والله أعلم. قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ ~: (إنَّ قَبُولَ قولِ الحاكمِ وغيرِهِ بلا حُجَّةٍ مَعَ مُخالفتهِ للسُّنةِ مُخالفٌ لإجماعِ المسلمينَ، وإنما هُوَ دينُ النَّصَارى الذين ﮋ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﮊ)( ) ا.هـ. وقال أيضاً: (ولَكنْ مَنْ عَلِمَ أنَّ هذا أخطأَ فيما جاءَ به الرسولُ ، ثُمَّ اتَّبَعَهُ على خَطَئِه، وعدَلَ عَنْ قولِ الرسولِ ، فهذا له نصيبٌ من هذا الشِّركِ الذي ذمَّه الله، لاسيَّما إن اتَّبَعَ في ذلكَ هَوَاهُ، ونصَرَه باللسانِ واليدِ، مَعَ عِلْمِهِ بأنه مُخالِفٌ للرسولِ ، فهذا شِرْكٌ يَستحِقُّ صاحبُه العقوبةَ عليه, ولهذا اتفقَ العلماءُ: على أنه إذا عرَفَ الحقَّ لا يجوزُ له تقليدُ أحدٍٍ في خلافِه...)( ) ا.هـ. الأدلة من عمل الصحابة } : 1 - لم يكن مِن هَدْي الصحابةِ } مَعَ مكانتهم في العلمِ، وكثرة مشاورة بعضِهم بعضاً: إلزامُ واحدٍ منهم للآخَرِ بقولِه، بل المعروفُ الْمعهودُ بالنقلِ عنهم خلافُ ذلك( ). 2 - (عن حفص بن عمر قال: كان عمر بن الخطاب إذا كَثُرَ عليه الخصوم صَرَفهم إلى زيد، فلقيَ رجلاً مِمَّن صَرَفه إلى زيد فقال له: « ما صنعتَ ؟ قال: قضى عليَّ يا أميرَ المؤمنين( )، قالَ : لو كنتُ أنا لقضيتُ لكَ، قال: فما يَمنَعُكَ وأنتَ أولى بالأمرِ ؟ قالَ: لو كنتُ أَرُدُّك إلى كتابِ الله، أو إلى سنةِ نبيِّه فعلتُ، ولكنِّي إنما أردُّكَ إلى رأيي، والرأيُ مُشترك( ) »)( ) ا.هـ. قال ابن عبد البر: (ولَمْ يَنقُض ما قالَ عليٌّ وزيدٌ {، وهو يرى خلاف ما ذهبا إليه، فهذا كثيرٌ لا يُحصى)( ) ا.هـ. فكان عمرُ (في مَسائلِ النِّزَاع مِثلَ: مَسَائلِ الفرائضِ، والطَّلاقِ، يَرَى رأْياً، ويَرَى عليُّ بنُ أبي طالبٍ رأياً، ويَرَى عبدُ اللهِ بنُ مسعُودٍ رأياً، ويَرَى زيدُ بنُ ثابتٍ رأياً ؛ فلم يُلْزِمْ أحداً أنْ يَأخُذَ بقولهِ، بل كُلٌّ منهُمْ يُفتي بقولهِ، وعُمَرُ إمامُ الأُمَّةِ كُلُّها، وأعلَمُهُم، وأدينهم، وأفضَلُهُم)( ) ا.هـ. فهل يكُونُ أهلُ التقنينِ خيراً مِن عُمَرَ حتى يُلزموا القضاة بتقنينهم ؟!. 3 - (عن عروة أنَّ عمر بن الخطاب أرادَ أنْ يكتبَ السُّنَن، فاستشارَ أصحابَ رسولِ الله في ذلكَ، فأشاروا عليه أن يكتبها. فطفقَ يَستخيرُ اللهَ فيها شهراً. ثمَّ أصبحَ يوماً وقد عَزَمَ اللهُ له، فقال: إني كنتُ أريدُ أنْ أكتبَ السُّنن وإني ذكرتُ قوماً كانوا قبلكم كتبوا كُتُباً، فأكبُّوا عليها وتركوا كتابَ الله، وإني واللهِ لا ألبسُ كتابَ اللهِ بشيءٍ أبداً)( ) ا.هـ. فهذا أميرُ المؤمنين استخارَ الله شهراً في كتابة السنن، ثمَّ ترَكَ ذلك مخافة تقديم الناس للسُّنةِ على كتاب الله، فكيفَ بما يدعوا إليه هؤلاء من إلزام القضاة بالحكم بتقنينهم وترك ما سواه !. 4 - عن أُسَيْد بن ظهيرٍ الأنصاري : (أنَّهُ كان عاملاً على اليمامةِ، وأنَّ مروانَ كَتَبَ إليه أنَّ مُعاويةَ كَتَبَ إليه: « أنَّ أيَّمَا رَجُلٍ سُرِقَ منه سَرِقَةٌ فهُوَ أحَقُّ بها حيثُ وجَدَهَا »، ثُمَّ كَتَبَ بذلكَ مروانُ إليَّ. فكتبتُ إلى مروانَ: « أنَّ النبيَّ قضى بأنهُ إذا كان الذي ابتاعها من الذي سَرَقَهَا غيرَ مُتَّهَمٍ يُخيَّرُ سَيِّدُهَا، فإنْ شاءَ أخَذَ الذي سُرِقَ منه بثمَنِهَا، وإنْ شاءَ اتَّبَعَ سَارِقَهُ، ثُمَّ قَضَى بذلكَ أبو بكرٍ وعُمَرُ وعثمانُ »، فبَعَثَ مروانُ بكتابي إلى معاويةَ, وكَتَبَ معاويةُ إلى مروانَ: « إنَّكَ لستَ أنتَ ولا أُسَيْدٌ تقضيانِ عليَّ ولكنِّي أقضي فيما وُلِّيتُ عليكُمَا، فأنفِذ لِمَا أمَرتُكَ بهِ »، فبَعَثَ مروانُ بكتابِ معاويةَ فقلتُ: لا أقضي بهِ ما وُلِّيتُ بما قال معاويةُ)( ) ا.هـ، فحكَمَ أُسيدٌ بما صحَّ عنده عن رسول الله ، ولم يحكم بما أمره به أمير المؤمنين ، وهذا خلاف ما يدعو إليه المقنِّنون من الإلزام بتقنينهم. الأدلة من الإجماع : 1 - إنَّ تقنين الأحكام الشرعية وإلزام القضاة بالحكم به هو خلافُ ما عليه الإجماع العملي للقرونِ الْمُفضَّلةِ( )، وقد صرَّح بحكايةِ الإجماعِ على ذلك غيرُ واحدٍ: كشيخِ الإسلامِ الإمام ابن تيميةَ( ) ~، وغيره. قال الإمامُ الشافعيُّ ~: (أجمعَ الناسُ على أنَّ مَن استبانتْ له سنةُ رسولِ اللهِ لَمْ يكنْ له أنْ يدَعَها لقولِ أحدٍ)( ). وقال الشيخ سليمان بن عبد الله ~: (بل الفرضُ والحتمُ على المؤمنِ إذا بلَغهُ كتابُ الله وسنةُ رسولهِ ، وعلمَ معنى ذلكَ في أيِّ شيءٍ كان، أنْ يَعملَ به ولو خالفه مَن خالفه، فبذلكَ أمَرَنا ربُّنا تباركَ وتعالى، ونبيُّنا وأجمعَ على ذلكَ العلماءُ قاطبةً، إلاَّ جُهَّالَ المقلِّدين وجفاتَهُم، ومثلُ هؤلاءِ ليسوا من أهل العلم، كما حكى الإجماعَ على أنهم ليسوا منهم: أبو عُمَرَ ابنُ عبد البرِّ، وغيرُه, قال اللهُ تعالى: ﮋ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﮊ، وقال تعالى: ﮋ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﮊ. فشهدَ تعالى لمن أطاعَ الرسولَ بالهدايةِ، وعندَ جُفاةِ المقلِّدين أنَّ مَن أطاعه ليسَ بمهتدٍ، إنما المهتدي مَن عَصَاهُ، وعدلَ عن أقوالهِ، ورَغِبَ عن سُنَّتهِ إلى مذهبٍ أو شيخ ونحوِ ذلك، وقد وَقَعَ في هذا التقليدِ المحرَّم خلقٌ كثيرٌ ممن يَدَّعي العلمَ والمعرفةَ بالعلوم، ويُصنِّفُ التصانيفَ في الحديثِ والسُّنن، ثمَّ بعدَ ذلكَ تجده جامداً على أحدِ هذه المذاهبِ، يرى الخروجَ عنها من العظائمِ)( ). وسُئلَ شيخُ الإسلامِ ابن تيمية ~: (عَمَّنْ وليَ أَمْراً مِنْ أُمُورِ المسلمينَ ومذهبُهُ لا يُجَوِّزُ شَرِكَةَ الأبدَانِ، فهلْ يَجُوزُ لهُ منعُ النَّاسِ ؟). فأجابَ: (لَيسَ لَهُ مَنْعُ النَّاسِ مِنْ مثلِ ذلكَ، ولا منْ نظَائرهِ مِمَّا يَسُوغُ فيهِ الاجتهَادُ، وليسَ مَعَهُ بالْمَنْع نَصٌّ مِنْ كتابٍ، ولا سُنَّةٍ، ولا إجْمَاعٍ، ولا مَا هُوَ في معنَى ذلكَ، لا سيَّمَا وأكثرُ العُلَمَاءِ علَى جَوَازِ مثلِ ذلكَ، وَهُوَ مِمَّا يَعْمَلُ بهِ عَامَّةُ المسلمينَ في عامَّةِ الأمصَارِ، وهذا كَمَا أَنَّ الحاكمَ ليسَ لَهُ أن يَنْقُضَ حُكْمَ غَيرهِ في مِثلِ هذهِ المسائلِ، ولا للعالمِ والمفتي أن يُلْزِمَ النَّاسَ باتِّبَاعهِ في مثلِ هذهِ المسائلِ، ولهذا لَمَّا استَشَارَ الرَّشيدُ مالكاً أن يَحْملَ الناسَ علَى مُوَطَّئهِ في مثلِ هذهِ المسائلِ مَنعَهُ من ذلكَ، وقالَ: « إنَّ أصحابَ رسولِ اللهِ تفرَّقُوا في الأمصارِ، وقَد أخذ كُلُّ قومٍ مِن العلمِ ما بَلَغهُمْ »، وصنَّفَ رَجُلٌ كتاباً في الاختلافِ، فقالَ أحمد: « لا تُسَمِّهِ كتابَ الاختلافِ ولكنْ سَمِّهِ كتابَ السَّعةِ »، ولهذا كانَ بعضُ العلماءِ يقولُ: « إجْمَاعُهُمْ حُجَّةٌ قاطعةٌ، واختلافُهُمْ رَحْمَةٌ واسعَةٌ »، وكانَ عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ يقولُ: « ما يَسُرُّني أنَّ أصحابَ رسولِ اللهِ لَمْ يَختلفُوا، لأنهُمْ إذا اجتمعُوا علَى قولٍ فخالَفَهُمْ رجلٌ كانَ ضالاً، وإذا اختلَفُوا فأخذَ رجلٌ بقولِ هذا، ورجلٌ بقولِ هذا كانَ في الأمرِ سَعَةٌ ». وكذلكَ قالَ غَيرُ مالكٍ من الأئمَّةِ: « ليسَ للفقيهِ أن يَحملَ الناسَ على مَذهبهِ » ولهذا قالَ العلماءُ المصنِّفُونَ في الأمرِ بالمعرُوفِ والنَّهيِ عن المنكرِ مِن أصحابِ الشافعيِّ وغيرهِ: « إنَّ مثلَ هذهِ المسائلِ الاجتهاديَّةِ لا تُنكَرُ باليدِ، وليسَ لأحدِ أن يُلْزِمَ الناسَ باتِّباعهِ فيها، ولكنْ يتكَلَّمُ فيها بالحججِ العلميَّةِ، فَمَنْ تَبيَّنَ لَهُ صحَّةُ أحدِ القولَيْنِ تَبعَهُ، وَمَنْ قَلَّدَ أهلَ القولِ الآخرِ فَلا إنكارَ عليهِ » ونظَائرُ هذهِ المسائلِ كثيرةٌ)( ). 2 - إنَّ ما تنازع فيه العلماءُ ليسَ لأهل التقنين أن يفصلوا النزاع فيه بحكم، وإذا لم يكن لهم أن يقولوا: حَكَمْنا وألزمنا القضاة بأن يحكموا بالأحكام الْمُقنَّنة لأنه هو الصحيح، وأن الأقوال الأخرى مردودة، بل قوانين المقنِّنين واجتهاداتهم فيما تنازع فيه العلماء أو أجمعوا عليه: كقول آحاد العلماء إن كان المقنِّنون علماء, وإن كانوا مُقلِّدين كانوا بمنزلة العامة المقلِّدين، قال الإمام ابن تيمية ~: (والْمَنْصبُ والوِلايةُ لا يَجعلُ مَن ليسَ عالِماً مُجتَهِداً: عالِماً مُجتَهِداً، ولو كانَ الكَلامُ في العلمِ والدِّينِ بالوِلايةِ والمنصبِ لكانَ الخليفَةُ والسُّلطانُ أحَقَّ بالكلامِ في العلمِ والدِّينِ، وبأنْ يَستفتيَهُ النَّاسُ، ويَرجعُوا إليهِ فيما أشكَلَ عليهمْ في العلمِ والدِّينِ، فإذا كانَ الخليفةُ والسلطانُ لا يَدَّعي ذلكَ لنفسهِ، ولا يُلْزِمُ الرَّعيَّةَ حُكمَهُ في ذلكَ بقولٍ دُونَ قولٍ إلاَّ بكتابِ اللهِ وسُنَّةِ رسُولهِ : فَمَن هُوَ دُونَ السلطانِ في الوِلايةِ أولى بأنْ لا يَتَعَدَّى طَوْرَهُ، ولا يُقيمَ نفسَهُ في مَنصبٍ لا يَستَحِقُّ القيَامَ فيهِ أبو بكرٍ وعُمَرُ وعُثمَانُ وعليٌّ - وهم الخُلَفَاءُ الرَّاشدُونَ - فضلاً عَمَّنْ هُوَ دُونهُم ؛ فإنهم } إنما كانُوا يُلْزِمُونَ النَّاسَ باتباعِ كتابِ رَبِّهِمْ وسُنَّةِ نبيِّهم ، وكان عُمَرُ يقُولُ: « إنما بَعَثت عُمَّالي - أي: نُوَّابي - إليكُم ليُعَلِّمُوكُم كتابَ ربِّكُم, وسُنَّةَ نبيِّكُم ، ويَقسمُوا بينكُم فَيأكُم » ؛ بل هذهِ يَتكَلَّمُ فيها من عُلَمَاءِ المسلمينَ مَن يَعلَمُ ما دلَّتْ عليهِ الأدلَّةُ الشَّرْعيَّةُ: الكتابُ والسُّنةُ. فكُلُّ مَن كانَ أعلَمَ بالكتابِ والسُّنةِ فهُوَ أولى بالكَلامِ فيهَا من غيرِهِ وإنْ لم يَكُن حاكماً، والحاكمُ ليسَ لهُ فيها كلامٌ لكونِهِ حاكماً ؛ بل إن كانَ عندَهُ علمٌ تَكلَّمَ فيها كآحادِ العلماءِ. فهؤُلاءِ حكَمُوا فيما ليسَ لهم فيهِ الحكمُ بالإجماعِ. وهذا من الحُكمِ الباطلِ بالإجماعِ)( ). 3 - أن القاضي لو حكم في مسألة بما هو قولي علماء المسلمين، واستدلَّ على ذلك بالكتاب والسنة، لم يكن لأحد أن يُلزمه بالقول الآخر بلا حُجَّة من كتاب أو سنة بالإجماع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ~ - في حكم منع المفتي أن يُفتي بما يراه الحق، والمفتي كالقاضي -: (إنَّ المفتيَ لو أفتى في المسائلِ الشَّرعيَّةِ - مَسائلِ الأحكَامِ - بما هُوَ أحَدُ قولَيْ عُلَمَاءِ المسلمينَ، واستدَلَّ على ذلكَ بالكتابِ والسُّنةِ، وذكَرَ أنَّ هذا القولَ هُوَ الذي يَدُلُّ عليهِ الكتابُ والسُّنةُ ؛ دُونَ القولِ الآخرِ: في أيِّ بابٍ كانَ ذلكَ: من مَسائلِ البُيُوعِ والنكاحِ والطَّلاقِ والحجِّ والزِّيارةِ وغيرِ ذلكَ: لَمْ يكُن لأحدٍ أن يُلْزِمَهُ بالقولِ الآخرِ بلا حُجَّةٍ من كتابٍ أو سُنَّةٍ ؛ ولا أنْ يَحكُمَ بلُزُومهِ، ولا مَنعِهِ من القولِ الآخرِ بالإجماعِ، فكيفَ إذا مَنَعَهُ منعاً عامَّاً، وحكَمَ بحبسهِ، فإنَّ هذا مِن أبطَل الأحكامِ بإجماعِ المسلمينَ)( ). 4 - إنَّ في العمل بالتقنين إعمالاً لأحد الأقوال، وحظراً لِما سواه من الأقوال وهذا خلاف إجماع السلف. قال الخطيب البغدادي ~: (إذا اختلفتِ الصحابةُ في مسألةٍ على قولين، وانقرضَ العصر عليه، لم يَجُز للتابعين أن يتفقوا على أحدِ القولين، فإن فعلوا ذلك لم يَزُل خلاف الصحابة, والدليل عليه أنَّ الصحابة أجمعت على جوازِ الأخذِ بكلِّ واحدٍ من القولين، وعلى بُطلانِ ما عدا ذلك، فإذا صارَ التابعون إلى القول بتحريم أحدهما، لم يَجُز ذلك، وكان خرقاً للإجماع. وهذا بمثابةِ ما لو اختلفت الصحابة في مسألة على قولين، وانقرضَ العصرُ عليه، فإنه لا يجوزُ للتابعين إحداثُ قول ثالثٍ، لأنَّ اختلافهم على قولين إجماعٌ على إبطال كلِّ قولٍ سواهما، كما أنَّ إجماعهم على قول: إجماعٌ على إبطال كلِّ قولٍ سواهُ. فكما لم يَجُز إحداث قول ثانٍ فيما أجمعوا فيه على قولٍ، لم يَجُز إحداثُ قولٍ ثالثٍ فيما أجمعوا فيه على قولين)( ). 5 - أنه لو كان الْمُلزِمُ بالتقنين عارفاً بمذاهب العلماء لم يكن له أنْ يُلزِمَ القضاة باجتهاده، ولو قال: يجبُ عليكم أن تحكموا به وأنَّ أيَّ حُكمٍ خالف اجتهادي كان باطلاً، لَكَان قولُه مردوداً عليه، قال الإمام ابن تيمية ~ في عدم جواز إلزام المفتي غيره بمذهبه، والمفتي كالقاضي: (أنهُ لو كانَ أحدُهُم عارفاً بمذهبهِ لم يَكُن لَهُ أنْ يُلْزِمَ عُلَمَاءَ المسلمينَ بمذهبهِ، ولا يَقُولَ: يَجبُ عليكُم أنكُم تُفتُونَ بمذهبيِّ، وأنهُ أيُّ مَذهَبٍ خَالَفَ مذهبي كان باطلاً مِن غيرِ استدلالٍ على مَذهبهِ بالكتابِ والسُّنةِ، ولو قالَ: مَن خالَفَ مَذهبي فقَولُهُ مَردُودٌ، ويَجبُ مَنعُ الْمُفتي بهِ وحَبْسُهُ لَكَانَ مَرْدُوداً عليهِ، وكَانَ مُستَحقَّاً العُقُوبَةَ على ذلكَ بالإجماعِ)( ). 6 - قال الإمام ابن تيمية ~: (أنَّ الحاكمَ لو ظَنَّ الإجماعَ فيما ليسَ فيهِ إجماعٌ، وألْزَمَ النَّاسَ بذلكَ القولِ لظنِّهِ أنهُ مُجمعٌ عليهِ، ولم يَستدِلَّ على ذلكَ بكتابِ أو سُنَّةٍ، وكانَ فيهِ نزاعٌ لم يَعْلَمْهُ لَكَانَ مُخطئاً في إلْزَامِ النَّاسِ بذلكَ بالإجماعِ ؛ إلاَّ أنْ يَدُلَّ عليهِ كتابٌ أو سُنَّةٌ)( )، وهذا في إلزام الناس بمسألة يظنُّها الْمُلزِمُ إجماعيَّة وليست كذلك، فكيف بالإلزام بمسائل دون ذلك بكثير ؟. 7 - قال الإمام ابن تيمية ~: (إنَّ الحاكمَ متى خالَفَ نصَّاً أو إجماعاً نُقِضَ حُكْمُهُ باتفاقِ الأئمَّةِ)( )، وعليه فإلزامُ القضاة بما يُخالف نصَّاً أو إجماعاً باطلٌ بالإجماع. 8 - أنَّ إلزام القضاة بالحكم بالتقنين هو إلزامٌ لهم بما لم يُلزمهم به الله، ولا رسوله ، قال الإمام ابن تيمية ~: (إنَّ إلزَامَ النَّاسِ بما لَمْ يُلزِمهُم بهِ اللهُ ورسُولُهُ, ومَنْعَهُمْ أنْ يَتَّبعُوا ما جاءَ بهِ الكتابُ والسُّنةُ حَرَامٌ بإجماعِ المسلمينَ، والحكمُ بهِ باطلٌ بإجماعِ المسلمينَ)( ). 9 - أنَّ في الإلزام بالتقنين منعاً للقاضي بالحكم بقولٍ آخر يراه صواباً، وهذا المنعُ حكمٌ بغير ما أنزل الله، وهو باطلٌ، قال شيخ الإسلام ~: (أنهُ لو قُدِّرَ أنَّ العالمَ الكثيرَ الفَتَاوَى أفتَى في عِدَّةِ مَسائلَ بخلافِ سُنَّةِ رسُولِ اللهِ الثابتةِ عنهُ, وخلافِ ما عليهِ الخُلَفَاءُ الرَّاشدُونَ: لم يَجُزْ مَنعُهُ من الفُتيا مُطلَقاً ؛ بل يُبيَّنُ لَهُ خَطَؤُهُ فيما خالَفَ فيهِ، فَمَا زالَ في كُلِّ عَصرٍ من أعصارِ الصَّحابةِ والتَّابعينَ وَمَن بَعْدَهُمْ من عُلَمَاءِ المسلمينَ مَن هُوَ كذلكَ، فابنُ عبَّاسٍ { كانَ يَقُولُ في الْمُتعَةِ والصَّرفِ بخلافِ السُّنَّةِ الصَّحيحَةِ، وقد أنكَرَ عليهِ الصَّحابةُ ذلكَ، ولَمْ يَمنَعُوهُ من الفُتيَا مُطلَقاً، بل بَيَّنُوا لَهُ سُنَّةَ رسُولِ اللَّهِ الْمُخالفَةَ لقولِهِ، فعَليٌّ > رَوَى لهُ عن النَّبيِّ أنهُ حَرَّمَ الْمُتعَةَ، وأبو سعيدٍ الخدري > وغيرُهُ رَوَوْا لهُ تَحريمَهُ لربا الفضلِ، ولم يَرُدُّوا فُتيَاهُ لِمُجَرَّدِ قولِهِم وحُكمِهِم ويَمنَعُوهُ من الفُتيا مُطلقاً، ومثلُ هذا كثيرٌ. فالْمَنعُ العَامُّ حُكْمٌ بغيرِ ما أنزلَ اللهُ، وهُوَ باطلٌ باتفاقِ المسلمينَ)( ). 10 - (إذا كان الاجتهاد مشروطاً في الحاكم والتقليد مذمومٌ له، وأقلّ ما يُطلبُ منه أن يكون مجتهداً في مذهب إمامه، فالحاكمُ بالتقنين أحطُّ حالاً منه لأنه لن يجتهد في قضيَّة، فهو مقصورٌ على التقنين، حيث قد انقطعَ بالتقنين الاجتهاد، كما انقطعت الرِّسالة بمحمد )( ). قال شيخ الإسلام ابن تيمية ~: (ولا يجوزُ التقليدُ مَعَ معرفة الحكم اتفاقاً)( ). وقال الإمام ابن القيم ~: (لا يجوزُ للمقلِّد أن يُفتيَ في دين الله بما هو مُقلِّدٌ فيه، وليسَ على بصيرةٍ فيه سوى أنه قولُ مَن قلَّده دينه، هذا إجماعٌ من السلف كلّهم)( ). الأدلة من النظر والاعتبار : 1 - إنَّ التَّقْنينَ ذريعةٌ لتَغييرِ الشَّريعةِ الإسلاميةِ، بزيادةٍ، أو نقصٍ، وتبديلٍ، وتعديلٍ( )، فَهُوَ طريقٌ إلى الحكمِ بغيرِ ما أنزلَ الله سبحانه وتعالى في كتابه، وسنة رسوله . قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ ~: (ووليُّ الأمرِ: إنْ عرَفَ ما جاءَ به الكتابُ والسنةُ حَكَمَ بين الناسِ به، وإنْ لَمْ يعرِفْه وأمْكَنَه أنْ يعلمَ ما يقولُ هذا، وما يقولُ هذا، حتًّى يعرفَ الحقَّ حكَمَ به، وإنْ لَمْ يمكنْه لا هذا ولا هذا ترَكَ المسلمينَ على ما هُمْ عليه، كلٌ يعبُدُ الله على حَسَبِ اجتهادِه، وليسَ له أنْ يُلْزِمَ أحداً بقبولِ قولِ غيرهِ وإنْ كانَ حاكِماً، وإذا خرَجَ ولاةُ الأمرِ عن هذا: فقد حكَموا بغيرِ ما أنزلَ اللهُ، ووقعَ بأسهُم بينَهم.. وهذا مِنْ أعظمِ أسبابِ تغيُّرِ الدُّوَلِ، كما قَدْ جرَى مثلَ هذا مرَّة بعدَ مرَّة في زمانِنا وغيرِ زمانِنا، ومَنْ أرادَ اللهُ سعادَته جعلَه يَعتبرُ بما أصابَ غيرَه، فيسلُكَ مسلَكَ مَنْ أَيَّدَه اللهُ ونصَرَهُ، ويجتَنِبَ مَسلَكَ مَنْ خَذَلَهُ اللهُ وأهانَه..)( ). وقال ~: (وإذا كانَ الرَّجُلُ مُتَّبعاً لأبي حَنيفَةَ، أو مَالكٍ، أو الشَّافِعيِّ، أو أَحْمَد: وَرأَى في بَعْضِ الْمَسَائِلِ أَنَّ مَذهَبَ غَيْرِهِ أَقْوَى فَاتَّبَعَهُ، كَانَ قَدْ أَحْسَنَ في ذلكَ، وَلَمْ يَقْدَحْ ذلكَ في دينهِ ولا عَدالَتهِ بلا نزَاعٍ، بَلْ هَذا أَولَى بالحقِّ وأَحَبُّ إلَى اللهِ ورَسُولهِ مِمَّنْ يَتعَصَّبُ لواحدٍ مُعيَّنٍ غَيرِ النَّبيِّ ، كَمَنْ يَتعَصَّبُ لمالكٍ، أو الشَّافعيِّ، أو أحمَد، أو أبي حَنيفَةَ، ويَرى أنَّ قَولَ هذا الْمُعيَّنِ هُوَ الصَّوَابُ الذي يَنبَغي اتِّبَاعُهُ دُونَ قولِ الإمامِ الذي خالَفهُ، فَمَنْ فَعَلَ هذا كانَ جَاهلاً ضَالاً، بَلْ قد يكُونُ كَافراً، فإنهُ مَتَى اعتقَدَ أنهُ يَجبُ علَى النَّاسِ اتِّبَاعُ واحدٍ بعَينهِ من هؤلاءِ الأئمَّةِ دون الإمامِ الآخَرِ، فإنهُ يَجبُ أَنْ يُسْتتَابَ، فإنْ تابَ وإلاَّ قُتلَ، بَلْ غايةُ مَا يُقَالُ: إنَّهُ يَسُوغُ أوْ يَنبَغي، أوْ يَجبُ علَى العامِّيِّ أنْ يُقَلِّدَ واحداً لا بعيْنهِ مِنْ غَيْرِ تَعْيينِ زَيدٍ ولا عَمْرٍو، وأمَّا أنْ يَقُولَ قائلٌ: إنَّهُ يَجبُ علَى العامَّةِ تَقْليدُ فلانٍ أو فلانٍ فهذا لا يَقُولُهُ مُسلمٌ)( ). وقال أيضاً ~: (ومَنْ أوجبَ تقليدَ إمامٍ بعينهِ استُتيبَ، فإنْ تابَ وإلاَّ قُتلَ، وإنْ قال ينبغي كانَ جاهلاً ضالاً)( ). 2 - قال شيخنا عبد الرحمن البراك حفظه الله: (إنَّ التقنين بدعةٌ في الدِّين، لأنه يَتضمَّن الاستدراك على صاحب الشرع، فإنَّ الرسول لم يأت بأحكام تفصيلية لجزئيات المسائل، وإنما أتى بأصول وقواعد كليَّة يرجع إليها العلماء من الحكَّام والمفتين، ويجتهدون في تطبيق هذه القواعد والنصوص العامة على الوقائع, فمن اجتهد وأصاب فله أجران، ومَن أخطأ فله أجرٌ واحدٌ، والخطأ مغفورٌ كما صحَّ بذلك الحديث، والله أعلم). 3 - إذا حكمَ القاضي بالتقنينِِ فهلْ سَيقولُ: إنَّ هذا هو دينُ اللهِ الذي أرسلَ به رسولَه ، وأنزلَ به كتابَهُ، وشرَعَهُ لعبادِه، ولا دينَ له سواهُ ؟. أو يقول: إنَّ دينَ اللهِ الذي شَرَعَهُ لعبادِه خلافُهُ ؟ أو يقول: لا أدري ؟. ولا بُدَّ للقاضي مِن قولٍ مِن هذه الأقوالِ، ولا سَبيلَ له إلى الأولِ قَطعاً، فإنَّ دينَ اللهِ الذي لا دينَ له سواهُ لا تَسوغُ مُخالفَتُه، وأقَلُّ درجاتِ مُخالِفِه أنْ يكونَ من الآثمينَ، والثاني لا يَدَّعيهِ، فليسَ له مَلجأٌ إلاَّ الثالثَ ؟ فيا لله العَجَب ! كيف تُستباحُ الفروجُ والدماءُ والأموالُ والحقوقُ وتُحلَّل وتُحرَّم بأمرٍ أحسنُ أحوالِه وأفضلُها: لا أدري ؟. فإنْ كنتَ لا تَدري فتِلكَ مُصيبةٌ وإنْ كنتَ تدري فالمصيبةُ أعظمُ( ). 4 - إذا كان الاشتراط على القاضي بالحكم بمذهب معين لا يجوز، فكيف بالتقنين، قال ابنُ قدامةَ ~: (ولا يجوزُ أن يُقلَّدَ القضاءَ لواحِدٍ على أنْ يَحكُمَ بمذهبٍ بعينِه، وهذا مذهبُ الشافعيِّ، ولم أعلمُ فيه خلافاً، لأنَّ الله تعالى قال: ﮋ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﮊ، والحقُّ لا يَتعيَّنُ في مذهبٍ، وقد يظهرُ له الحقُّ في غير ذلك المذهب، فإن قلَّدَه على ذلكَ الشرطِ، بَطَلَ الشرطُ)( ). وقال ابن القيِّم ~: (ولو اشترطَ الإمامُ على الحاكمِ أن يحكمَ بمذهبٍ مُعيَّنٍ لم يصحَّ شرطُهُ ولا توليتُهُ، ومنهم مَن صَحَّحَ التوليةَ وأبطلَ الشرط)( ). 5 - بالنَّظرِ إلى حالِ التَّقنينِ الْمُلْزَمِ به في الدُّوَلِ: نَجدُ أنه لَمْ يثبتْ على وَتيرةٍ واحدةٍ، بلْ مِن تَغييرٍ إلى تَغييرٍ، وتَبديلٍ إلى تبديلٍ ؟. ونتيجةً لهذا (فالفَرنسيونَ ومَنْ حَذا حذوَهم تركوا للمحاكِمِ حقَّ الاجتهادِ في تفسيرِ النصوصِ وفي تطبيقِها على القواعِدِ العمليةِ وعلى القضايا التي تُعرَضُ عليهِم)( ). قالَ العلاَّمةُ محمدُ الأمينِ الشنقيطي ~: (إنَّ التدوينَ المذكورَ سَنَّ به فاعلوه التغييرَ لِمَن يأتي بعدَهم، لأنهم بتدوينهم ألغَوْا أقوالَ أهلِ العلمِ الْمُخالِفَة لِما دوَّنوا. وذلكَ يدعو لصَرْفِ النظرِ عن أصولِها ومدارِكِها الشرعيةِ، فالذينَ يأتُونَ بعدَهم يُوشِكُ أنْ يقولوا: هؤلاءِ الذينَ دوَّنوا تركُوا أقوالاً قالَها مَن هو أعلمُ منهم وأقدمُ زماناً، وسنَفعلُ معهم مثلَ ما فَعَلوا معَ غيرِهم. فسيكونُ ذلكَ طريقاً إلى التغييرِ والتعديلِ ويُوشِكُ أنْ ينتهيَ ذلكَ إلى التَّبديلِ الكلِّيِّ - نَرجو الله أنْ لا يُقدِّرَ ذلك - والأُمَّتان اللَّتانِ دوَّنَتا بعضَ الأحكامِ الشرعيةِ - أعني الأتراكَ والْمصريينَ - انتهى أمرُهُما إلى التبديلِ الكُلِّي)( ). (فما دامَ أنَّ هذه الحقيقةَ الْمُرَّةَ ماثِلةٌ أمامَنا، فكيفَ نلجأُ إليها، وبالتالي نستَثمرُ مساوئَها، فاللهُمَّ إنا نضرَعُ إليك مِنْ أصابعِ التصنُّع)( ). (فليَتَدَبَّرْ العاقلُ، وليَعلَمْ أنَّهُ مَن خَرَجَ عَن القانونِ النَّبَوِيِّ الشَّرعيِّ المحمَّدِيِّ الذي دَلَّ عليهِ الكتابُ والسُّنَّةُ، وأجمعَ عليهِ سَلَفُ الأُمَّةِ وأئمَّتُهَا، احتاجَ إلى أنْ يَضَعَ قانوناً آخَرَ مُتَنَاقضاً يَرُدُّهُ العقلُ والدِّينُ ؛ لكنْ مَن كانَ مُجتهداً اُمْتُحِنَ بطاعةِ اللهِ ورَسُولِهِ، فإنَّ اللهَ يُثيبُهُ على اجتهادِهِ، ويَغْفِرُ لَهُ خَطَأَهُ: ﮋ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﮊ)( ). وقال الشيخ عبد الملك بن إبراهيم آل الشيخ ~: (إنَّ أصحابَ هذه القوانين لا يتمكَّنون من مفاجأتنا بها قبل سابق تمهيد وتوطيد، فلا بُدَّ إذاً من تمهيد الطريق أمامها بالدَّعوة إلى قانون يُدعى بغير اسمه، وتُستمدُّ أحكامه من الشريعة الإسلامية، فإذا تمَّ هذا فقد زالت العقبة الكأداء فما بعدها أيسر منها)( ). وحذَّرَ ~ من الدِّعايات المضلِّلة، ومنها: دعوة الدَّاعين للتقنين، وحثَّ (على محاربتها بكلِّ وسيلة لأنه من الجهاد في سبيل الله)( ). وقال شيخنا عبد الرحمن بن ناصر البراك حفظه الله: (إنَّ صياغة المسائل الفقهية على شكل مواد، وهو ما يُعبَّر عنه بتقنين الشريعة، هذا يرفع عنها الصبغة الشرعية والمنهج الفقهي، فإنَّ صياغة مسائل الأحكام بشكل موادّ يتضمَّن الإلزام بالأقوال المرجوحة التي رآها المقنِّن، يعني لجنة التقنين، وينبني عليه أنَّ هذا القانون قابلٌ للتعديل حسب المقتضيات، فإنه لا بُدَّ أن تكون لجان تشريعيَّة تنظر في مواد هذا القانون بين حين وآخر، وما يتصادم مع الواقع، فإنَّ الواقع الآن مراعىً في هذا التقنين، ثمَّ إنه مطلبٌ قديمٌ، وجلُّ المطالبين به ليس لهم لسانَ صدقٍ في الأُمَّة، وجمهور العلماء المشهود بإمامتهم قد عارضوه منذ عهد بعيد). 6 - لو سُلِّم بأنَّ هناك بعض المصالح العائدة على إلزام القضاة بالحكم بالتقنين، إلاَّ أنه بالنظر إلى ما يترتب عليه من مفاسد نجده أضعافاً مضاعفة بالنسبة لتلكم المصالح القليلة التي يرجوها مَن يدعو إليه، لأنَّ أخطاره ومفاسده قد بلغت من الكثرة والعموم ما لا يُنكره عاقل. وسدّ الذرائع المفضية إلى المفاسد، أو المؤدية إلى إهمال أوامر الشرع، أو التحايل عليها ولو بغير قصد، أصلٌ من أصول الشريعة الإسلامية. وحقيقتها: (كُلُّ عَمَلٍ ظَاهرِ الجَوَازِ يُتَوَصَّلُ بهِ إلى مَحْظُورٍ)( )، أو (الفعل الذي ظاهره أنه مباح وهو وسيلة إلى فعل المحرَّم)( ). و (لقد أفاض الإمامُ ابن القيم في الرَّدِّ على الْمُقلِّدة من واحدٍ وثمانين وجهاً في نحو تسعين صحيفة من كتاب إعلام الموقعين 2/189-260، وهي بجملتها تنسحب على مطلب إقامة الأدلة على المنع من إلزام القاضي بمذهب مُعيَّن أو قولٍ مُقنَّنٍ)( ). 7 - قال الشيخ عبد الله البسام ~ عن التقنين: (من الدِّعايات المغرضة التي دخلت علينا من أعدائنا، ليهدموا بها عنوان نهضتنا، وطريق عزِّنا، وهو ديننا المجيد، وعقيدتنا المقدسة)( ). وقد نقل الدكتور توفيق السديري وكيل وزارة الشؤون الإسلامية بالمملكة ما يُؤيِّد ما ذكره الشيخ البسام، حيثُ نقَلَ عن أحد الباحثين الغربيين ويُدعى ساندي: (في دراسته عن عملية تدوين الدستور في الدول الإسلامية: أن الحاجة إلى التقنين سواء في الميدان الدستوري، أو المجالات القانونية الأخرى، قد ظهرت في العالم الإسلامي نتيجة للنفوذ الغربي. ويُضيف: بأنَّ الحاجة إلى وضع الدستور في الدول الإسلامية قد نشأت من الرغبة في تقليد المعايير الغربية)( ). 8 - التَّقنينُ سَبيلٌ لِهَجْرِ الفِقهِ الشَّرعيِّ كلِّه، وعدمِ الرجوعِ إليه إلاَّ للموادِ الْمُقنَّنَةِ إنْ كانتْ من الفقهِ الإسلاميِّ. 9 - التَّقنينُ سببٌ رئيسٌ للقضاءِ على الفقه الإسلاميِّ قضاءً نهائياً في مجالِ البيانِ لأحكامِ المعاملاتِ والجنايات وغيرها اكتفاءً بالتقنينِ. الفصلُ الثاني أدلة القائلين بجواز التقنين والجواب عنها لقد ذكرَ الْمُجوِّزونَ عدداً من الْمُسوِّغات لتقنين الأحكام الشرعيَّة، وأهمُّها ما يأتي: 1 - أنه بتقنينِ الأحكام وإلزام القضاة بها تتحقَّقُ مصالِحٌ، وتندفعُ مفاسد ؟ من أهمِّها: أنَّ بالتقنين تتحقَّق العدالة حيث تكون الأحكام الشرعيَّة مُحدَّدة مُبيَّنةً معروفةً للقاضي والمتقاضي. والجوابُ: أنَّ رسالة محمد عامَّة، وهو خاتم النبيِّين، فشريعته باقية إلى قيام الساعة، فلا بُدَّ أن تكون شريعته صالحةٌ لكلِّ زمانٍ ومكانٍ، ولقد مَرَّتْ على الأمَّة الإسلامية عصورُ اتِّساعٍ كاتِّساعِ الدولةِ العباسيةِ في القاراتِ الثلاثِ، ومعَ ذلكَ تحقَّقتِ العدالةُ بتحكيمِ الشريعةِ، وانتشرَ اليُسْرُ، وارتفعَ الْحَرَجُ، ولْمَ يُعرَفْ - عَبْرَ التاريخِ عن واحدٍ من الأئمةِ الْمُعْتبَرِينَ - وجوبُ إلزامِ القُضاةِ في أحكامِهم بقولٍ واحدٍ، فضلاً عمَّا يدعو إليه بعض هؤلاءِ من تقنينِ الشّريعةِ (مع مُراعاة روح العصر)( ) ؟! وعلى قولهم هذا ففي كلِّ عَصْرٍ تَقنينٌ جَديدٌ، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله. 2 - أنه بالتَّقنينِ يَعرِفُ الناسُ والتُّجَّارُ منْ خارج بلادنا بما سيحكمُ به القضاةُ ؟. والجوابُ: بأنَّ القوانينَ الوضعيةَ مدَّونةٌ، ولَهَا لوائحُ تفسيريةٌ، وَمَعَ ذلك يَجهَلُها السوادُ الأعظمُ من الناسِ، وإنما يعرِفُها القليلُ من المتخصِّصينَ بدراسة القوانين، ولَهذا كَثُرَتْ مكاتبُ الْمُحَاماةِ في الدولِ التي تَحكُمُ بالقوانينِ، والواقعُ خيرُ شاهدٍ. وأيضاً: فهؤلاء القِلَّةُ الذينَ يعرِفونَ هذه القوانينَ، هُمْ في الغالبِ مُختلفونَ مع قُضَاتِهِم، فكلٌّ يُفَسِّرُ هذه القوانينَ على ما يرى، فكَثُرَتْ عندَهم الاعتراضاتُ على تنفيذِ أحكامِ قُضَاتِهِم، وأُنشِئَتْ ما يُسَمَّى بالمحاكمِ الاستئنافيةِ، وحتَّى القضاةُ مختلفونَ، فلم يَرْفَع التقنينُ اختلافَهم، ولَم ينفَعْهمْ حينئذٍ. 3 - أنَّ عدمَ وجود تقنينٍ للأحكام كان سَبَباً رئيساً في تأخُّر دخول الشركات الاستثمارية العالمية في بلادنا، حيثُ لا يعلمون بماذا ستحكمُ به المحاكم، ولذلك فالعدلُ غير مضمون، فيخافون من حكم الشريعة. والجوابُ: كما قال العلاَّمة الشنقيطي ~ ما ملخَّصه: لا شكَّ أنَّ مرادهم بالعدل الذي ليس بمضمون في هذا البلد المسلم هو التحاكم إلى الطاغوت، والذي هو عينُ الكفر وأعظم أنواع الظلم والجور والحيف، والحقائق لا تتغيَّر بتغيير العناويين فنفيُ العدل عن محاكم البلد المسلم مَدحٌ، وثناءٌ ﮋ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﮊ [ النساء 60 ]. ﮋ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﮊ [ البقرة 256 ]. فهم لا يرون في شرع الإسلام إنصافاً أصلاً، ولو كانوا يرونه فيه لاتَّبعُوه، ولَمَا سمَّوا إقامة الحدود وحشية، ولَمَا سمَّوا جلد الزاني البكر ورمي الْمُحْصَن: كبتاً للحُريَّة، فهؤلاء الذين فرُّوا من محاكمنا بدعوى أنَّ العدلَ ليسَ مضموناً فيها لعدم التقنين، ذهبوا يطلبون العدلَ في المحاكم الوضعيَّة، لأنهم لا يُريدون إلاَّ النظامَ الوضعيَّ الذي هو زبالاتُ أذهانِ الكفرةِ، ولكنْ صَدَقَ اللهُ: ﮋ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﮊ [ آل عمران 186 ]. ﮋ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﮊ [ النساء 51 ] ( ). 4 - أنَّ في التقنينِ منعاً للقاضي من الحكمِ بالتَّشَهِّي ؟. والجوابُ: أنَّ اتِّهامَ القاضي في حُكمِه لَمْ يَسْلَمْ منه أَحَدٌ، حتَّى خيْرُ الخلقِ ، فعن عبدِ الله بن مسعودٍ قالَ: (قَسَمَ النبيُّ قِسْمَةً كبعضِ ما كانَ يَقسِمُ، فقال رجلٌ من الأنصارِ: والله إنَّها لَقِسْمَةٌ مَا أُريدَ بهَا وَجْهُ اللهِ، قلتُ: أمَا لأَقُولَنَّ للنبيِّ ، فأتيتُه وَهُوَ في أصحابه فَسَارَرْتُهُ، فَشَقَّ ذلك على النبيِّ ، وتغيَّرَ وجهُهُ وغَضبَ، حتَّى وَدِدَتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أخبَرْتُه، ثُمَّ قالَ: قَدْ أُوذِيَ موسى بأكثرَ مِنْ ذلكَ فَصَبَرَ)( ). ثُمَّ إنَّ من شَرْطِ توليةِ القاضي للقضاءِ: العدالةَ باتفاقِ الأئمةِ. قال شيخ الإسلام ابن تيمية ~: (فإنَّ الأئمة متفقون على أنه لا بُدَّ في المتولِّي من أن يكون عدلاً أهلاً للشهادة)( ). ومِن المعلومِ: أنَّ حكمَ القاضي في الحضانةِ للأمِّ - كما مثَّلَ على ذلكَ أحدُهم( ) - لا يعمُّ جميعَ الأمهاتِ، وحكمُ القاضي يَنفذُ ظاهراً لا باطناً، وهو عُرضةٌ للخطأِ، دائرٌ بينَ الأجرِ والأجرَيْنِ، قال : (إذا حكَمَ الحاكِمُ فاجتَهَدَ، ثُمَّ أصَابَ فلَهُ أجرَانِ، وإذا حكَمَ فاجتَهَدَ، ثُمَّ أخطَأَ فَلَهُ أجرٌ)( ). وفي مثلِ ذلكَ قال عمرُ بنُ الخطابِ قولَتَه الْمشهورةَ: (تِلْكَ على ما قَضَيْنا يومئذٍ، وهذه على ما قضينا)( ). فلا تثريبَ على القاضي في الحكمِ في هذه القضيةِ بكذا، وعلى مثلِها بكذا مُبيِّناً وَجْهَ عُدولِهِ عن حكمهِ الأولِ حَسَب الأصول الشرعية. وأيضاً: فقد يتَوَفَّرُ في هذه القضيةِ مِنَ الوجوهِ والدَّلائلِ ما يكونُ حكمُها على خلافِ تلكَ القضيةِ التي يُظَنُّ مُشابَهتُها لها من كلِّ وجهٍ، ولا يَعرِفُ ذلك إلاَّ مَنْ تذوَّقَ القضاءَ، وترَوَّى بمعرفةِ ملابساتِ الخصوماتِ. وأيضاً: مِمَّا يدفعُ هذه التهمةَ أنَّ حكمَ القاضي في بلادنا لا يُعتبرُ مُلْزِماً للمحكومِ عليه إلاَّ بقناعتهِ، أو تمييزهِ من قبل ثلاثة قضاة بهيئة التمييز - والتي سُميِّت بمحكمة الاستئناف - وفي القضايا الخطيرة التي فيها إتلافٌ للمحكوم عليه أو بعضه ينظرها ثلاثةُ قضاةٍ في المحكمة، ويُدَقَّقُ في هيئة التمييز من قبلِ خمسةِ قضاة، فإذا لم يكتسب الحكمَ القطعيَّ من هيئة التمييز، فإنه يبقى خاضعاً لأكبرِ هيئةٍ قضائيةٍ في البلاد وهي المحكمة العليا، والحمد لله ربِّ العالمين. 5 - (إنَّ الفتوى تتغيَّرُ بتغيُّرِ الزمانِ والمكانِ)( ) !؟. والجواب: إنَّ التقنينَ يُعتبرُ حَجْرَاً على الأحكامِ الاجتهاديةِ، فيَمنَعُ تغيُّرَ الفتوى بتغيُّرِ الزمانِ. والقاعِدةُ الشرعيةُ: تغيُّرُ الفتوى بتغيُّرِ الأزمنةِ والأحوالِ( ). (والمراد منها: أنَّ الأحكام المبنية على العُرف، والعادة، يتغيَّر الحكم فيها عند تغيُّر العادة التي بُنيت عليها إلى ما يقتضيه العادة المتجدِّدة... والأحكام التي تتبدَّل بتبدُّل الزمان والمكان هي الأحكام الاجتهادية من قياسية ومصلحية، أي: التي قرَّرها الاجتهاد بناءً على القياس أو على دواعي المصلحة)( ). قال الإمام ابن القيم ~: (الأحكام نوعان: نوعٌ لا يتغيَّر عن حالة واحدة هو عليها، لا بحسب الأزمنة، ولا الأمكنة، ولا اجتهاد الأئمة، كوجوب الواجبات، وتحريم المحرَّمات، والحدود المقدَّرة بالشرع على الجرائم، ونحو ذلك فهذا لا يتطرَّق إليه تغيير، ولا اجتهاد يُخالف ما وُضع له. والنوع الثاني: ما يتغيَّر بحسب اقتضاء المصلحة له، زماناً، ومكاناً، وحالاً، كمقادير التعزيراتِ، وأجناسها، وصفاتها، فإنَّ الشارعَ يُنوِّعُ فيها بحسب المصلحة)( ). وقالَ الشيخُ محمدُ بنُ إبراهيمَ ~: (وحكمُ اللهِ ورسولهِ لا يختلفُ في ذاتِه باختلافِ الأزمانِ، وتطوُّرِ الأحوالِ، وتجدُّدِ الحوادثِ، فإنه مَا مِن قضيةٍ كائنةً ما كانت إلاَّ وحكمُها في كتابِ الله تعالى، وسنةِ رسولِه نصَّاً أو ظاهراً، أو استنباطاً، أو غير ذلك، عَلِمَ ذلك مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ، وليسَ معنى ما ذكَرَه العلماءُ مِنْ تغيُّر الفتوى بتغيُّرِ الأحوالِ: ما ظنَّه مَنْ قَلَّ نصيبُهم أو عُدِمَ، مِن معرفةِ مداركِ الأحكامِ وعِلَلها، حيث ظنُّوا أنَّ معنى ذلك بحَسَبِ ما يُلائِمُ إرادتَهم... فَـيُحرِّفونَ لذلكَ الكَلِمَ عَنْ مَوَاضعِه. وحينئذٍ: معنى تغيُّر الفتوى بتغيُّرِ الأحوالِ والأزمانِ: مُرادُ العلماء منه ما كانَ مُستَصْحَبَةٌ فيه الأصولُ الشرعيةُ، والعِلَلُ الْمَرْعِيَّة، والمصالِحُ التي جنسُها مرادٌ للهِ تعالى ورسولِه )( ). 6 - نُدرةُ وجودِ قاضٍ بلَغَ رتبةَ الاجتهادِ ؟. والجوابُ: أنَّ الجمهورَ على شرطيةِ توفُّرِ الاجتهادِ فيمَنْ يُولَّى القضاءَ، وذلك بأنْ يكونَ عارفاً بالأصولِ التي تَرجَعُ الأحكامُ إليها، لا أنْ يكونَ عالِماً بحكمِ كلِّ قضيةٍ بعَيْنها( ). وهكذا يُولَّى الأمثلُ فالأمثلُ، ولَمْ يذكرِ العلماءُ الإلزامَ بقول مُعيَّنٍ لا يجوزُ تعدِّيه، فكيفَ بما يدعو إليه هؤلاء من قوانين (وبالضوابطِ الشرعيةِ ؟). وأيضاً: ففي الإلزامِ بالتقنينِ قضاءٌ على هؤلاءِ الندرةِ من المجتهدينَ لقطعِ طريقِ العلمِ، والحرمانِ من استقلالِ النَّظَرِ. وهو أيضاً: مدعاةٌ لإخلاد المقلِّدين إلى التقليد وعدم تأهيل أنفسهم للاجتهاد. الفصلُ الثالث حلولٌ عمليَّةٌ للاستغناء عن التقنين لم يزل المسلمون في غنىً عن التقنين، وما قُنِّنت الأحكام في أكثر البلاد الإسلامية إلاَّ على إثر استيلاء الدُّول الكافرة على بلاد المسلمين، وهذه بعض الحلول العملية والأسباب التي تُعين على الاستغناء عن التقنين بعد توفيق الله تعالى, منها : (1 - إعداد القضاة، والعناية بهم، وتأهيلهم علمياً، وتدريبهم عملياً على أعمال القضاء، ولو بدورات دراسية وتدريبية لمن يحتاج لذلك ممن على رأس العمل. 2 - تقليل المحاكم وتركيزها في المدن وعواصم المناطق، ويُكتفى بتعيين مُتعلِّمين في القرى ؛ ليقوموا بشئون المساجد، وعقود الأنكحة، والوعظ والإرشاد، وكتابة الوثائق، وتلقِّي استخلافات القضاة ونحو ذلك، ويُساعد على هذا سهولة المواصلات اليوم، ووجود مرافق في المدن يستريح فيها الغريب، ويرتفق بها، ولو أقام أياماً، ويسهل ذلك على القضاة في المدن الاجتماع لدراسة القضايا وهضمها، ويمنع من الترافع في الأمور التافهة البسيطة، ويدعوا إلى الصلح بين الناس، وهو أنفع من التمادي في الخصومات حتى البت في القضايا. 3 - حُسن اختيار القضاة بمراعاة ما تحلَّوا به من قوة في العلم، ورجاحة في العقل، مع حلم وأناة، وبعد نظر، وصدق وأمانة، وابتعاد عن مظان الريبة.. إلى غير ذلك من الصفات التي ينبغي أن تتوفَّر في القاضي، وسيُساعد على سهولة الاختيار الاقتصار على تركيز المحاكم في المدن، كما أشرنا إليه سابقاً)( ). قال شيخنا عبد الرحمن بن ناصر البراك حفظه الله: (وعلى هذا فلا يُعيَّنُ في القضاء مَن طَلَبه، لقوله : « إنا لا نُولِّي هذا مَن سألَهُ ولا مَن حَرَصَ عليه »( ), وقوله : « يا عبدَ الرَّحمنِ بنَ سَمُرَةَ: لا تسأل الإمارةَ، فإن أُعطيتَهَا عَن مَسألَةٍ وُكِلْتَ إليها، وإن أُعطِيتَهَا عَن غيرِ مَسألَةٍ أُعِنْتَ عليهَا »، وهو عامٌ)( ). (4 - تأليف لجنة من العلماء ؛ لبحث المسائل القضائية الهامة التي ربما يشتبه الحكم فيها على بعض القضاة، فتبين بالأدلة وجه الحكم فيها، وتوضح تطبيقها بأمثلة، خاصة القضايا التي حدثت في عصرنا، وليس هذا لإلزام القضاة بما انتهى إليه البحث، بل ليكون عوناً لهم في القيام بمهمتهم، ونموذجاً لهم في دراسة القضايا وحلِّ مشكلها، والدِّقة في تطبيق الأحكام فيها، فبذلك تضيق شقة الخلاف، وتتحقق المصلحة المرجوَّة. أمَّا ارتفاع أصل الخلاف فلا سبيل إليه، ولو توحَّد المرجع العلمي للقضاة باختيار قول واحد وألزم القضاة الحكم به ؛ لِما تقدَّم بيانه)( ). 5 - زيادةُ أعدادِ القضاة مِمَّن تتوافرُ فيهم الشروطُ حسب الاستطاعةِ بغضِّ النظرِ عن تاريخِ تخرُّجهم من الكلياتِ الشرعية، ومُكاتبةُ علماءِ المناطقِ والْمُدنِ والقرى: لترشيحِ مَنْ يرونَه أهلاً لذلكَ مِن كبارِ طُلاَّبهم من مُعلِّمينَ أو موظفين، أو مُتفرِّغينَ. 6 - مراعاة أحوال القضاة في توزيع القضايا عليهم، أو تخصيص كُلٍّ منهم بنوعٍ منها، والاشتراك في القضايا المهمَّة، والتشاور فيما فيه التباس. 7 - عدمُ السماحِ للصحافَةِ بالتعرُّضِ لِمثلِ هذه القضايا مع طَلبةِ العلمِ، فضلاً عن الروابضِ والْمُتعالِمينَ، لأنَّ ذلك مما يُثير الفتن بين الناس، ويُلبِّسُ عليهم الحق. فعن أنس بن مالك قال: قالَ رسولُ اللهِ : (إنَّ أمَامَ الدَّجَّالِ سِنينَ خَدَّاعَةً، يُكَذَّبُ فيهَا الصَّادِقُ، ويُصَدَّقُ فيهَا الكَاذِبُ، ويُخَوَّنُ فيهَا الأمينُ، ويُؤْتَمَنُ فيهَا الخائِنُ، ويَتَكَلَّمُ فيهَا الرُّوَيْبضَةُ، قيلَ: ومَا الرُّوَيْبضَةُ ؟ قالَ: الْفُوَيْسِقُ يَتكَلَّمُ في أَمْرِ الْعَامَّةِ)( ). إلى غيرِ ذلكَ مِن الحلولِ التي لا يخفى مثلُها وغيرُها على كبار العلماء وكبارِ القضاةِ إن شاء اللهُ. الفصلُ الرابع أشهرُ العلماءِ المعاصرينَ القائلينَ بتحريمِ تقنينِ الأحكام الشرعيَّة لقد ذهبَ أكابرُ العلماءِ في عصرِنا هذا إلى تحريم تقنينِ الأحكام الشرعيَّةِ، ومِمَّن وقفتُ عليه منهم: محمدُ الأمين الشنقيطي، وعبدُ الله بنُ حُمَيد، وعبدُ العزيزِ بنُ بازٍ، وعبدُ الرزاقِ عفيفي، وإبراهيمُ بن محمد آل الشيخ، وعبدُ العزيز بنُ صالح، ومحمدُ الحركان، وسليمانُ العبيد( )، وعبد الملك بن إبراهيم آل الشيخ( )، ومحمد ناصر الدين الألباني( )، وعبد الله البسام( )، وعبدُ الله الجبرين( )، وبكرُ أبو زيد( ) رحمهم الله. وصالح بن محمد اللحيدان، وعبدُ الله بن عبد الرحمن الغديان( )، وصالح بن فوزان الفوزان( )، وعبدُ الرحمن بن ناصر البراك، وعبدُ الله بن محمد الغنيمان( ), وعبدُ المحسن بنُ حمد العبَّاد( ), وعبدُ الرحمنِ بن عبد الله العجلان( ), وعبدُ العزيزِ بن عبد الله الراجحيّ( ), وعبد الرحمن بن محمد السدحان( ), وعبد الكريم بن عبد الله الخضير( )، وسعد بن عبد الرحمن الحصيِّن، وعبد الرحمن بن صالح المحمود( )، وعبد الله بن عبد الرحمن السعد( )، وغيرهم. الخاتمة تبيَّنَ لنا مِمَّا مضى: أنَّ تقنينَ الأحكام الشرعيَّةِ لإلزام القضاة بالحكم به، والذي يُريدُ به مَنْ دَعَا إليه - مَعَ إحسانِ الظنِّ به - درءَ مَفْسَدَةِ اختلافِ القضاةِ ؟ يَستلزمُ مفاسدَ أعظمَ من ذلك: فهو خُطوةٌ إلى الانتقالِ عن الشريعةِ الإسلاميةِ إلى الأنظِمةِ الوضعيةِ. قال الشيخ بكر أبو زيد ~: (إنَّ إلزام القاضي بقولٍ مُقنَّن، أو مذهبٍ مُعيَّن مُمتنعٌ شرعاً وواقِعاً، فموقعُه مِنْ أحكامِ التكليفِ حَسَبَ الدلائلِ والوجوهِ الشرعيةِ أنه: مُحَرَّمٌ شرعاً، لا يجوزُ الإلزامُ به، ولا الالتزامُ به)( ). وقال العلاَّمةُ الشيخ محمدُ الأمين الشنقيطي ~: (إنَّ هذا التدوين الذي يُريدون به درء مفسدة اختلاف القضاة يستلزمُ مفسدة أعظم من ذلك، لأنه خطوة إيجابية إلى الانتقال عن النظام الشرعي إلى النظام الوضعي. وإيضاح ذلك: أنَّ النظام الوضعي تتركب حقيقته من شيئين: أحدهما: صورته التي هي شكله وهيئته في ترتيب موادِّه، والحرص على تقريب معانيها، وضبطها بالأرقام. والثانية: حقيقة روحه التي هي مشابكة لذلك الهيكل والصورة كمشابكة الرُّوح للبدن، وتلكَ الرُّوح هي حكم الطاغوت، فصار التدوين مشتملاً على أحدهما والواحد نصف الاثنين. ومما يُظنُّ ظناً قوياً ويُخشى خشية شديدة أنَّ وضع شكل وصورة النظام الوضعي بالتدوين، وضع حجر أساس لنفخ روح هذا الهيكل الأصلية فيه. ولا شكَّ أنَّ الظروف الراهنة، ومخايل الظروف الْمُستَقبلَة، تُؤكِّدُ أنَّ تيارات الإلحاد الجارفة في أقطار المعمورة الناظرة إلى الإسلام بعين الحطِّ والازدراء، يَغلبُ على الظنِّ، ويُخافُ خوفاً شديداً أنها بقوة مغناطيسها الجذَّابة التي جذبت غير هذه البلاد من الأقطار من نظامها الإسلامي التي توارثته عشرات القرون، إلى النظام الوضعي الذي شَرَعه الشيطان على ألسنة أوليائه، ستجذبُ هذه البلاد يوماً ما إلى ما جذبت إليه غيرها من الأقطار التي فيها مئات العلماء كمصر، لضعف الوازع الديني في الأغلبية الساحقة من شباب المسلمين، وكون الثقافة المعاصرة من أعظم الأسباب للانتقال إلى القوانين الوضعية، فجميعُ الْمُلابسات العالمية مُعينة على الشرِّ المحذور إلاَّ ما شاء الله. ولا سيما إنْ كانت هيئة كبار العلماء قد يُقال إنها ابتدأت وضع الحجر الأساسي لذلك بالرِّضا بالانتقال عمَّا توارثته الأمة جيلاً بعد جيل إلى وضع نظام شرعيٍّ دينيٍّ في مسلاخ نظام وضعيٍّ بشريٍّ شيطانيٍّ. وليسَ هذا من الأمور الدنيوية البحتة التي تُؤخذُ عن الكُفَّار ! لأنه أمرٌ قد يُقال: إنه ذريعةٌ إلى أعظمِ فسادٍ دينيٍّ، مع أنَّ اختلافَ القضاة في بعض المسائل المتماثلة أمرٌ موجودٌ من عهد الصحابة إلى اليوم، ولم يستلزم مفسدة عظيمة، والقضاة المختلفون في المسألة الواحدة في هذه البلاد، يلزمُ رفع اختلافهم إلى هيئة تمييز من أمثل مَن يُوثق بعلمه وعدالته، وربما رُفع بعد ذلك إلى هيئة قضائية عليا)( ). ﮋ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﮊ [ المائدة 8 ]. أسألُ اللهَ تعالى لي وللدَّاعينَ للتَّقنينِ ولعمومِ المسلمينَ الهدايةَ والرَّشادَ، والرجوعَ للعلماءِ الْمُعتبَرِينَ، وعلينا جميعاً أنْ نُولِّي حارَّها مَنْ تولَّى قارَّها. وهذا من سنةِ أميرِ المؤمنينَ عمرَ ، فعن محمد بنِ سيرينَ قال: (قالَ عُمَرُ لابنِ مسعودٍ: أَلَمْ أُنَبَّـأْ، أو أُنبئتُ أنَّكَ تُفتي ولَستَ بأميرٍ، وَلِّ حَارَّهَا مَنْ تَوَلَّى قارَّهَا)( ). وأختمُ هذه الرسالة بما رواه يزيدُ بنُ عميرةَ قالَ: (كانَ معاذُ لا يَجلِسُ مجلساً للذكرِ إلاَّ قال: الله حَكَمٌ قِسْطٌ، هلَكَ الْمُرتابون، إنَّ مِنْ ورائكم فِتَناً يَكثرُ فيها المالُ، ويُفتحُ فيها القرآنُ، حتَّى يَأخُذَهُ المؤمنُ والمنافقُ، والرَّجلُ والمرأةُ، والصغيرُ والكبيرُ، والعبدُ والْحُرُّ، فيوشِكُ قائلٌ أنْ يقولَ: ما للناسِ لا يَتَّبعونِي وقدْ قرأتُ القرآنَ، ما هُمْ بمُتَّبعيَّ حتَّى أبتدِعَ لَهم غيرَهُ، فإيَّاكم وما ابتُدِعَ، فإنَّ ما ابتُدِعَ ضلالةٌ، وأُحذِّركم زَيْغَةَ الحكيمِ، فإنَّ الشيطانَ قد يقولُ كلمةَ الضلالةِ على لسانِ الحكيمِ وقد يقولُ الْمُنافقُ كلمةَ الحقِّ، قالَ: قلتُ لمعاذٍ: ما يُدريني رحمكَ الله أنَّ الحكيمَ قد يقولُ كلمةَ الضلالةِ، وأنَّ الْمنافقَ قدْ يقولُ كلمةَ الحقِّ، قال: بلى اجتنبْ مِِِنْ كلامِ الحكيمِ المشتهِرَاتِ التي يُقالُ لها: ما هذه، ولا يَثْنِينَّكَ ذلكَ عنه فإنه لعلَّه أنْ يُراجعَ، وتلَّقَ الحقَّ إذا سَمعتَه، فإنَّ على الحقِّ نوراً)( ). وقال حذيفةُ : (كانَ الناسُ يَسألُونَ رسُولَ اللهِ عن الخيرِ وكُنتُ أسأَلُهُ عن الشَّرِّ مَخافَةَ أَنْ يُدْرِكَني، فقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ إنَّا كُنَّا في جاهلِيَّةٍ وشَرٍّ فَجَاءَنا اللهُ بهذا الخيرِ، فَهَل بعدَ هذا الخيرِ مِن شَرٍّ، قالَ: نعمْ، قُلتُ: وهلْ بعدَ ذلكَ الشَّرِّ مِن خيرٍ ؟ قالَ: نعَمْ وفيهِ دَخَنٌ، قُلتُ: ومَا دَخَنُهُ ؟ قالَ: قَوْمٌ يَهْدُونَ بغيرِ هَدْيي تَعْرِفُ منهُمْ وتُنكِرُ، قُلْتُ: فهل بعدَ ذلكَ الخيرِ مِن شَرٍّ ؟ قالَ: نعَمْ، دُعَاةٌ على أبوابِ جَهَنَّمَ مَن أَجَابَهُمْ إليهَا قَذفُوهُ فيها، قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ صِفْهُمْ لَنَا ؟ قالَ: هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتكَلَّمُونَ بألسِنَتِنَا، قُلْتُ: فَمَا تَأمُرُني إنْ أدركَني ذلكَ ؟ قالَ: تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المسلمينَ وإمَامَهُمْ، قُلْتُ: فإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ ولا إمَامٌ ؟ قالَ: فاعتَزِلْ تلكَ الفِرَقَ كُلَّهَا ولو أَنْ تَعَضَّ بأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الموتُ وأنتَ على ذلكَ)( ). وفَّقني الله وجميع القائمينَ على القضاءِ للصوابِ، والإخلاصِ، في الأقوالِ والأعمالِ، ونفعَ بهم البلادَ والعبادَ، وأعانهم على ذكرِه، وشكرِه، وخشيتهِ، وحُسنِ عبادته، ونُصرةِ كتابهِ، وسنةِ نبيِّه ، وعبادِه الصالحين، وهداني الله وإيَّاهم لِمَا اختُلِفَ فيه من الحقِّ بإذنِه، إنه سبحانه يهدي مَنْ يشاءُ إلى صراطٍ مستقيم، كما أسألُه سبحانه أنْ يُوفِّق ولاة أمورنا إلى كلِّ خير، وأن يُعينهم عليه، وأن يصرف عنَّا وعنهم كيد الكائدين، وأنْ يحفَظَنا وإياهم بالإسلامِ قائمينَ وقاعدينَ، وراقدينَ، وأن لا يُشْمِتَ بنا الأعداءَ ولا الحاسدينَ، إنَّ الله لسميعُ الدُّعاءِ، ﮋ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﮊ [ هود 88 ]. وصلَّى الله وسلَّم على عبدِه ورسولِه محمدٍ وآلِه وصحبه. المؤلف / عبد الرحمن بن سعد الشثري. الملحق وفيه حكم تقنين تزويج الصغيرات وتحديد سِنِّ الزواج 1 - تاريخ الدَّعوة إلى سَنِّ قوانين بمنع زواج الصغيرات، وتحديد سِنِّ الزواج. 2 - بيان الشيخ الإمام / عبد العزيز بن عبد الله بن باز. 3 - بيان الشيخ العلاَّمة / محمد بخيت المطيعي. 4 - بيان الشيخ العلاَّمة / أحمد بن محمد شاكر. 5 - بيان الشيخ العلامة / محمد الشاذلي ابن القاضي التونسي الحنفي. 6 - بيان الشيخ العلاَّمة / صالح بن فوزان الفوزان. 7 - بيان الشيخ العلاَّمة / عبد الرحمن بن ناصر البراك. 8 - بيان الشيخ العلاَّمة / عبد المحسن بن حمد العباد البدر. 9 - بيان الشيخ / عمر بن سليمان الأشقر الأردني. 10 - فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء في جواز تزويج غير البالغة. 11 - قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة حول المؤتمر الدولي للسكان والتنمية. تاريخ الدَّعوة إلى سَنِّ قوانين بمنع زواج الصغيرات وتحديد سِنِّ الزواج إنَّ من أوائل من سنَّ قانوناً بمنع زواج الصغيرات وتحديد سنٍّ للزواج: السلطان العثماني محمد رشاد، حيثُ أصدر عام 1336هـ 1917م قانون: حقوق العائلة في النكاح المدني والطلاق، وجاء فيه: (المادة 4- يُشترط في أهلية النكاح أن يكون الخاطب في سنِّ الثامنة عشرة فأكثر، والمخطوبة في سنِّ السابعة عشرة فأكثر)( ). * ثمَّ قامت قائدة الانحلال ونبذ العفاف: هدى شعراوي عام 1342هـ 1923م بدعوة الدول العربية لتحديد سن الزواج والالتزام به، (تقول أمينة السعيد: كوَّنت هدى شعراوي عام 1923م: الاتحاد النسائي المصري وقد كان تكوين الاتحاد النسائي مثار اهتمام كبير في الدوائر الأجنبية، حتى إنَّ الدكتورة « ريد » رئيسة الاتحاد النسائي الدولي قد حضرت المؤتمر، وأبرقت زوجة روزفلت إلى المؤتمر... ونتج من هذا المؤتمر وضع دستور للاتحادات النسائية العربية والتي تتنافى مع الإسلام. ومن أهمِّها:... تحديد السنّ الأدبي لزواج الفتاة مع جميع الأقطار العربية: بست عشرة سنة، والدِّقَّة في التنفيذ...)( ). فتتابعت الدول العربية للخضوع لدعوة المستغربين بإصدار القوانين التي تمنع زواج الصغيرات، وتحديد سِنٍّ أدنى لزواج الذكور والإناث، فمثلاً : * قامت مصر في نفس السنة عام 1342هـ 1923م بإضافة تحديد سنِّ الزواج على القانون رقم 56 ليُصبح كالتالي: (المادة الأولى: يُضاف على المادة 101 من القانون نمرة 31 سنة 1910 فقرة رابعة نصها: ولا تُسمع دعوى الزوجية، إذا كانت سن الزوجة تقل عن ستّ عشرة سنة، وسنّ الزوج تقل عن ثماني عشرة سنة وقت العقد إلاَّ بأمرٍ منَّا. المادة الثانية: يُضاف على المادة 366 من القانون سالف الذكر فقرة ثانية نصُّها: ولا يجوز مباشرة عقد الزواج ولا المصادقة على زواج مُسندٍ إلى ما قبل العمل بهذا القانون، ما لم تكن سن الزوجة ست عشرة، وسن الزوج ثماني عشرة سنة وقت العقد)( ). * وأصدرت سوريا قانون الأحوال الشخصية سنة 1953م، وفيه: (المادة 15: 1- يُشترط في أهلية الزواج العقل والبلوغ)، (المادة 16: تكمل أهلية الزواج في الفتى بتمام الثامنة عشرة، وفي الفتاة بتمام السابعة عشرة من العمر). * وأصدرت تونس مجلَّة الأحوال الشخصية عام 1956م وصَدَرَ الأمر بالعمل بها في تونس سنة 1957م، وجاء في الفصل 18: (تعدُّد الزوجات ممنوعٌ، كلّ مَن تزوَّج وهو في حالة الزوجية وقبل فكِّ عصمة الزواج السابق يُعاقبُ بالسجن لمدَّة عام، وبخطية قدرها مائتان وأربعون ألف فرنك، أو بإحدى العقوبتين، ولو أنَّ الزواج الجديد لم يُبرم طبق أحكام القانون)، و (نصّ الفصل الرابع عشر: على أنه يجبُ أن يكون كل من الزوجين بالغاً، ونصَّ الفصل الحادي والعشرون: المتعلِّق بفساد عقد الزواج بعد كون أحد الزوجين غير بالغ)( ). وارتفعَ في تونس (سنُّ الزواج لدى المرأة إلى ما يقرب من 30 عاماً، والأدهى من ذلك أن الكثيرين يفتخرون بهذا الإنجاز ويعتبرونه تطوراً إيجابياً)( ). * وفي المقابل: اجتمع رئيس النصارى بمصر (شنودة في 5/3/1973م مع القساوسة والأثرياء في الكنيسة المرقسية بالإسكندرية: طرحوا بعض المقرَّرات، وقد كان منها: تحريم تحديد النسل أو تنظيمه بين شعب الكنيسة، وتشجيع الإكثار من النسل بوضع الحوافز والمساعدات المادية والمعنوية، مَعَ تشجيع الزواج المبكِّر بين النصارى، وبالمقابل: تحديد النسل وتنظيمه بين المسلمين خاصة، علماً بأن أكثر من 65% من الأطباء وبعض القائمين على الخدمات الصحيَّة هم من شعب الكنيسة)( )، ﮋ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﮊ. * وأصدرت الأردن سنة 1976م قانون الأحوال الشخصية، وفيه: (المادة رقم 5: يُشترط في أهلية الزواج أن يكون الخاطب والمخطوبة عاقلين، وأن يكون كلٌّ منهما قد أتمَّ الثامنة عشرة سنة شمسية...)، (المادة 7: يُمنع إجراء العقد على امرأة لم تُكمل ثماني عشرة سنة إذا كان خاطبها يكبرها بأكثر من عشرين عاماً إلاَّ بعد أن يتحقَّق القاضي رضاءها واختيارها، وأنَّ مصلحتها متوفِّرة في ذلك). (المادة 34: يكون الزواج فاسداً في الحالات التالية: 1 - إذا كان الطرفان أو أحدهما غير حائز على شروط الأهلية حين العقد). ونصَّت المادة 43: أنَّ بقاء الزوجين إذا كان أحدهما أقل من 18 سنة ممنوعٌ، وأنهما (إذا لم يفترقا يُفرِّقُ القاضي بينهما عند ثبوت ذلك بالمحاكمة باسم الحقِّ العام الشرعي). * وأصدرت الكويت سنة 1984م: قانون الأحوال الشخصية رقم 51، وجاء فيه: (المادة رقم 24: أ - يُشترط في أهلية الزواج العقل والبلوغ)، (المادة رقم 26: يُمنع توثيق عقد الزواج، أو المصادقة عليه ما لم تتم الفتاة الخامسة عشرة، ويتمّ الفتى السابعة عشرة من العمر وقت التوثيق). * وأصدرت لبنان قانون الأحوال الشخصية: وفيه: تحديد سنّ الزواج للرجل بتمام الثامنة عشرة، والمرأة بتمام السادسة عشرة. * وأصدرت عُمَان سنة 1418هـ: قانون الأحوال الشخصية، وفيه: (المادة 7: تكمل أهلية الزواج بالعقل وإتمام الثامنة عشرة من العمر)، (المادة 10: ج: لا يُزوَّج مَن لم يُكمل الثامنة عشرة من عمره إلاَّ بإذن القاضي، وبعد التحقُّق من المصلحة). * وأصدرت المغرب في 19/3/1999م: الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية وفيه: رفع سن الزواج لدى الفتيات من 15 إلى 18، وإلغاء تعدُّد الزوجات( ). * وأصدرت الإمارات سنة 2005م قانون الأحوال الشخصية رقم 28/2005: (المادة رقم 30: 1- تكتمل أهلية الزواج بالعقل والبلوغ، وسنّ البلوغ تمام الثامنة عشرة من العمر لمن لم يبلغ شرعاً قبل ذلك. 2 - لا يتزوَّج مَن بلغ ولم يُكمل الثامنة عشرة من عمره إلاَّ بإذن القاضي بعد التحقُّق من المصلحة). * وأصدرت قطر سنة 2006م قانون الأسرة 22/2006، وجاء فيه: (المادة رقم 14: يُشترط في أهلية الزواج العقل والبلوغ)، (المادة رقم 17: لا يُوثَّق زواج الفتى قبل تمام ثماني عشرة سنة، والفتاة قبل تمام ست عشرة سنة، إلاَّ بعد موافقة الولي، والتأكُّد من رضاء طرفي العقد، وبإذن من القاضي المختص). * وفي البحرين: أصدر وزير العدل القرار رقم 45 لسنة 2007م، وجاء فيه: (لا يجوز إجراء عقد الزواج ولا المصادقة عليه ما لم يكن سن الزوجة 15 سنة، وسنِّ الزوج 18 سنة وقت العقد، ما لم يكن ثمة ضرورة تُبرِّر الزواج لمن هم أقل من هذه السن، ويُشترط الحصول في هذه الحالة على إذن من المحكمة المختصة). * وجرى التصويت من قبل البرلمان اليمني عام 2007م على تحديد سنّ تزويج الصغيرات بـ 17 عاماً. * وقامت حكومة بورما البوذية (برفع سنّ الزواج للفتيات المسلمات إلى 22 سنة، ومنع عقود الأنكحة إلاَّ بعد إجراءات طويلة وإذن من الشرطة، ومنع التعدُّد منعاً باتاً مهما كان السبب، ومنع الزواج مرَّة أُخرى للمطلِّق أو الأرملة إلاَّ بعد سنة وإجراءات طويلة، وأي مخالفة في ذلك تُعتبر جريمة، ربما يُعاقَبُ عليها بالسجن والغرامة الباهظة، أو الطرد من البلاد)( ). * وقال البروفيسور برنارد لويس في حوار مع صحيفة دي فيلت الألمانية: « أوروبا ستكون جزءاً من المغرب العربي »، وذكَرَ من العوامل المؤيِّدة لذلك: أن الأوروبيين يتأخرون في سنِّ الزواج ولا يُنجبون سوى عدد قليل من الأطفال ؛ لكن مسلمي أوروبا يتزوَّجون في سنٍّ مُبكِّرة وينجبون عدداً أكبر من الأطفال( ). وقد قامت المؤتمرات الدولية المنادية بتغريب المرأة والأسرة المسلمة بالدَّعوة إلى إصدار القوانين بمنع الزواج المبكِّر وتحديد سنِّ الزواج، ومنها : * قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 843 في الدورة 9 في 17 كانون الأول - ديسمبر 1954م: (أن بعض الأعراف والشرائع والعادات القديمة المتعلِّقة بالزواج وبالأسرة تتنافى مع المبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وإذ تؤكِّد من جديد: أن على كافة الدول، بما فيها تلك التي تقع عليها أو تتولى مسؤولية إدارة الأقاليم غير المتمتَّعة بالحكم الذاتي، أو المشمولة بالوصاية حتى نيلها الاستقلال، اتخاذ جميع التدابير المناسبة لإلغاء مثل تلك الأعراف والشرائع والعادات القديمة، وذلك بالعمل بصورة خاصة على تأمين الحرية التامة في اختيار الزواج، وبالإلغاء التام لزيجات الأطفال ولخطبة الصغيرات قبل سن البلوغ، وبتقرير العقوبات الملائمة عند اللزوم). وجاء في المادة رقم 2: (تقوم الدول الأطراف في هذه الاتفاقية باتخاذ التدابير التشريعية اللازمة لتعيين الحدّ الأدنى لسنِّ الزواج، ولا يجوز التزوُّج قانوناً لمن لم يبلغهما، ما لم تُعفه السلطة المختصَّة من شرط السنِّ لأسباب جديَّة، وتحقيقاً لمصلحة طالبي الزواج). * وذكرت اتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 1989م في المادة (1) بأنَّ الطفل هو: (كلُّ إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره). * وجاء في المؤتمر الدولي المعني بالسكان/ مكسيكو 1404هـ: (ينبغي أن تبذل الحكومات المعنية جهوداً لرفع سنِّ الزواج في البلدان التي ما زال سنُّ الزواج فيها منخفضاً جدَّاً)( ). * وجاء في المؤتمر العالمي لاستعراض وتقييم منجزات عقد الأمم المتحدة للمرأة: المساواة والتنمية والسلم/ نيروبي 1405هـ: (ينبغي للحكومات بذل الجهود لرفع سنِّ الزواج في البلدان التي ما زالت فيها هذه السنّ منخفضة جدَّاً)( ). * وجاء في المؤتمر الدولي للسكان والتنمية / القاهرة 1415هـ: (ينبغي على الحكومات أن تتوخَّى الدِّقَّة في إنفاذ القوانين المتعلِّقة بالسنّ الشرعي الأدنى لقبول الزواج، والسنّ الأدنى عند الزواج، وأن تزيد السن الأدنى عند الزواج حيثما اقتضى الأمر، وعلى الحكومات والمنظمات غير الحكومية توليد الدعم الاجتماعي اللازم لإنفاذ القوانين المتعلِّقة بالحدّ الأدنى القانوني لسنّ الزواج)( )، وجاء فيه أيضاً: (تشجيع الأطفال، والمراهقين، والشباب، وخاصة الشابات، على مواصلة تعليمهم، بغية تهيئتهم لحياة أفضل، وزيادة إمكاناتهم البشرية للمساعدة في الحيلولة دون حدوث الزيجات المبكرة)( ). * وجاء في المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة/ بكين 1416هـ: (سنّ القوانين المتعلِّقة بالحد القانوني الأدنى لسنّ الرشد، والحد الأدنى لسن الزواج، وإنفاذ تلك القوانين بصرامة، ورفع الحدِّ الأدنى لسن الزواج عند الاقتضاء)( ). وجاء فيه أيضاً: (توليد الدعم الاجتماعي من جانب الحكومات، والمنظمات الدولية، والمنظمات غير الحكومية، لإنفاذ القوانين المتعلِّقة بالحدِّ الأدنى القانوني لسنِّ الزواج، ولا سيِّما من خلال إتاحة الفُرَص التعليمية أمام البنات)( ). * وجاء في مؤتمر الأمم المتحدة للمرأة: المساواة والتنمية والسلام في القرن الحادي والعشرين / نيويورك 2000م: (الدَّعوة إلى الحرية الجنسية والإباحية للمراهقين والمراهقات والتبكير بها، مع تأخير سنِّ الزواج)( ). * ودَعَت المنظمة الدولية لرعاية الطفولة (يونيسيف) إلى مكافحة الزواج المبكِّر عالمياً( ). * وجاء في قمة الدول الثمان عام 2004م والتي تبنَّت فيه مبادرة الرئيس الأمريكي وخطته للشرق الأوسط الكبير: (تغيير وضع المرأة في المجتمعات العربية بمنحها مزيداً من الحرية، وخاصة في الشأن الاجتماعي والشخصي برفع سنِّ الزواج، وتشجيع العلاقات الجنسية خارج النطاق الشرعي، وإلغاء القوانين المقيِّدة لذلك، وتوفير مِنَحٍ للطلاب لاستكمال تعليمهم في الولايات المتحدة، وفي الجامعات الأمريكية الموجودة في المنطقة، وفقاً لمنظومة التعليم الأمريكية)( ). * وأقرَّت هيئة الأمم المتحدة في مؤتمراتها ومواثيقها الدولية: الزنا والإجهاض، بل: والشذوذ الجنسي، وتعُدُّ ذلك من الحريات التي يجبُ المطالبة بها والدفاع عنها، في الوقت الذي يُحاربون فيه الزواج الْمُبكِّر..!( ). ومما ساعد في انتشار الزنا بين الصغيرات في دول الكفر: تحديد سنِّ الزواج، ففي بريطانيا 50% من الصغيرات الحوامل غير متزوِّجات، هذا مع استعمال موانع الحمل ؟. * وجاء في تقرير لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز ضد المرأة التابع لمجلس حقوق الإنسان في 1 فبراير 2008م: ألا يطغى العمل بالشريعة الإسلامية في السعودية على معاهدة حقوق المرأة الدولية (السيداو) التي وقَّعتها الرياض عام 2000م، وأنَّ المعاهدات الدولية لها الأولوية على القوانين المحلية، وسنّ قانون للمساواة الشاملة بين الجنسين، وإنهاء نظام وصاية الذكور على النساء، وإقرار قانون للأسرة بشأن الزواج، والطلاق، والسنِّ الأدنى للزواج...( ). * وجاء في تقرير خبيرة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان المعنية بالعنف ضد المرأة: يكيين إرتوك بعد زيارتها إلى المملكة من 3 إلى 13 فبراير 2008 م، بناء على دعوة من المملكة، شملت عدة مدن: ومما وَرَدَ فيه: وضع إطار قانوني يرتكز على المعايير الدولية لحقوق الإنسان، ويشمل: (قانون للأسرة بشأن الزواج، والطلاق، والسنِّ الأدنى للزواج)( ). * وطالب تقرير لجنة السيداو عن المرأة في السعودية - أو ما يُسمَّى باللجنة الخاصة بالقضاء على التمييز ضد المرأة التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة - عام 2008م في نيويورك على هامش مؤتمر (بكين+5) باثنين وثلاثين مطلباً، منها: بيان الحد الأدنى للسنِّ القانوني للزواج بالنسبة للمرأة والرجل، وما إذا كان الحدّ الأدنى للسنِّ القانونية مُتساوياً بالنسبة للمرأة والرجل، ويتطابق مع سنِّ الرشد القانونية، على النحو المنصوص عليه في اتفاقية حقوق الطفل( )، الخ. وبعد: قال الشيخ العلاَّمة بكر أبو زيد ~: (إنَّ هذه المطالبُ المنحرفة، تُساق باسم: « تحرير المرأة » في إطار نظريتين هما: « حرية المرأة »، و « المساواة بين المرأة والرَّجل »، وهما نظريَّتان غربيتان باطلتان شرعاً وعقلاً، لا عهد للمسلمين بهما، وهما استجرار لجادَّة الأخسرين أعمالاً، الذين بغوا من قبل في أقطار العالم الإسلامي الأُخرى، فَسَعوا تحت إطارهما في فتنة المؤمنات في دينهنَّ، وإشاعة الفاحشة بينهنَّ، إذ نادوا بهذه المطالب المنحرفة عن سبيل المؤمنين... وهكذا يُساقُ الناسُ إلى الرذائل والتغريب بعصا القانون، حتى آلت حال كثير من نساء المؤمنين في العالم الإسلامي إلى حالٍ تُنافس الغرب الكافر في التبرُّج والخلاعة، والتحلُّل والإباحية، وفتح دور الزنى بأُذونٍ رسميَّة، حتى جعلوا للبغاء - فوق الإباحة - نظاماً رسميَّاً لتأمين الزاني والزانية !! وما تبعَ ذلك من إسقاط الحدود، وانتشار الزنى، وفقد المرأة بكارتها في سنٍّ مُبكِّر، بل صار الزِّنى بالقريبات، وزواج المرأة بالمرأة الأخرى، وتأجير الأرحام !!. وأعقبَ ذلك: بَذْلُ وسائل منع الحمل، وتكثيف الدِّعاية لها في الصحافة... وقد ارتفعت الجريمة بين النساء، وتعدَّدت حالات الانتحار في صفوفهنَّ، لِتحطُّم معنوياتهنَّ، كما أعقَبَ ذلك: تحديد النسل، ومنع تعدُّد الزوجات، وتبنِّي غير الرَّشَدَة - اللقطاء - واتخاذ الْخَدِينَات، حتى بلَغَت الحالُ اللعينة أنَّ مَن وُجدَت معه امرأةٌ فادَّعى أنها صديقته أُطْلِقَ سراحه، وإنَّ أقَرَّ أنها زوجة ثانية طُبِّقَ بحقِّه القانون اللعين ؟! فمَا شرَعَهُ الله من الزَّواج والنسل هو على التحديد في القانون، وما حرَّمه الله من اتخاذ الخدينات، وتبنِّي اللقطاء، على الإباحة المطلقة قانوناً ؟!. فأين هم من قول الله تعالى: ﮋ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﮊ ؟ وتصاعدَ لِقَاءَ هذه الإباحية، عددُ العوانس، وعدد المطلَّقات لأتفه الأسباب، وانخفض عدد المواليد الشرعيين لِما فيهم زعموا من إشغال الأُمِّ عن عملها خارج دارها، وارتفع عدد اللقطاء - المواليد سفاحاً - وانتشرت الأمراض المزمنة التي أعيا الأطباء علاجها. فغرَّبوا - حسيبُهم اللهُ - جماعة المسلمين، وأثخنوهم بجراح داميةٍ في العِرض والدِّين، وأشمتوا بأُمَّتهم الكافرين، وأثَّمُوهم، وأبعدوهم عن دينهم، وتولَّوا هم عن دينهم الحق، وخدموا الكفرة من اليهود والنصارى والملاحدة الشيوعيين وغيرهم. والتقت الدَّاران: دار الإسلام مع دار الكفر على هذه البهيمية الساقطة, حتى لا يكاد المسلم أن يُفرِّق في ذلك بين الدَّارين، فإنا لله وإنا إليه راجعون)( ). * وفي عام 1430 ظهرت الدَّعوة في الصحف من بعض الكُتَّاب ومن هيئة حقوق الإنسان بالمملكة لتقنين زواج الصغيرات، وتحديد سنِّ الزواج( ). وبعدُ مرَّة أخرى: فهذه الدَّعوة لسَنِّ قانونٍ يَمنعُ زواجَ الصغيرة، وتحديد سِنٍّ للزواج، دعوةٌ مُخالفةٌ للكتاب، والسنة، وعمل الصحابة }، وإجماع علماء الأمة. فإنَّ من محاسن الإسلام: الاهتمام بحقوق القاصرات، وحفظ حقوقهنَّ، ومن هذه الحقوق: إباحة تزويج الصغيرة قبل البلوغ من كفءٍ( )، إذا اقتضت مصلحتها ذلك، ولا سيما إذا كانت تحت ولاية أبيها. وقد دلَّ الكتابُ، والسنةُ، وعملُ الصحابةِ }، والإجماع، على إباحة تزويج الأب لابنته الصغيرة. فمن الكتاب: قول الله تعالى: واللئي يئسن من المحيض من نسائكم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن قال الإمام البخاري ~: (باب إنكاحِ الرَّجُلِ ولَدَهُ الصِّغَارَ، لقول الله تعالى: ﮋ ﯦ ﯧ ﯨواللئي يئسن من المحيض من نسائكم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضنﯩ ﮊ فَجَعَلَ عِدَّتهَا ثلاثةَ أشْهُرٍ قبل الْبُلُوغ)( ). وقال ابن جرير ~: (ﮋ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﮊ يقولُ: وكذلكَ عِدَدُ اللائي لم يَحِضنَ من الجواري لصغرهنَّ إذا طلَّقَهُنَّ أزواجُهنَّ بعدَ الدخول، وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قالَ أهلُ التأويل)( ). وقال أبو بكر الجصاص الحنفي: (فحكَمَ بصحَّة طلاق الصغيرة التي لم تحض والطلاقُ لا يقع إلاَّ في نكاح صحيح، فتضمَّنت الآية جواز تزويج الصغيرة)( ). وقال ابن بطال المالكي ~: (قال المهلَّب: أجمعَ العلماءُ على أنه يجوز للأب تزويج ابنته الصغيرة التي لا يُوطأُ مثلها، لعموم الآية: ﮋ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﮊ ، ويجوز نكاح من لم تحض من أول ما تخلق)( ). وقال الماوردي الشافعي: (قال الشافعيُّ: وإنْ طلَّق مَن لا تحيضُ من صغرٍ أو كبرٍ في أوَّلِ الشهرِ أو آخرهِ اعتدَّت شهرينِ بالأهلَّةِ، وإن كان تسعاً وعشرين وشهراً ثلاثينَ ليلةً حتى يأتي عليها تلك الساعةُ التي طلَّقها فيها من الشهر قال الماوردي: وهذا كما قال لأن عدَّة مَن لا تحيض بصغر أو إياس ثلاثة أشهر كما قال الله تعالى: ﯨﯩ ﮊ )(واللائي يئسن من المحيض من نسائكم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن ). وقال ابن حزم الظاهري ~: (فإن كانت الْمُطلَّقةُ لا تحيضُ لصغرٍ، أو كبرٍ, أو خلقةٍ، ولم تكن حاملاً، وكان قد وطئها: فعدَّتُها ثلاثةُ أشهرٍ من حين بلوغ الطلاق إليها، أو إلى أهلها إن كانت صغيرة، لقول الله تعالى: ﯨﯩ ﮊ )(واللئي يئسن من المحيض من نسائكم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن ). وقال السرخسي الحنفي ~: (بيَّن اللهُ تعالى عدَّة الصغيرة، وسبب العدَّة شرعاً هو النكاح، وذلك دليلُ تصوُّر نكاح الصغيرة)( ). وقال ابن قدامة الحنبلي ~: (قد دلَّ على جوازِ تزويج الصغيرةِ قولُ الله تعالى:واللائي يئسن من المحيض من نسائكم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن ﯨﯩ ﮊ فجعَلَ اللائي لم يحضن عدَّةَ ثلاثةِ أشهرٍ ولا تكونُ العدَّةُ ثلاثةَ أشهرٍ إلاَّ من طلاقٍ في نكاح أو فسخ، فدلَّ ذلك على أنها تُزوَّجُ، وتُطلَّقُ، ولا إذنَ لها فيُعتبرُ)( ). وقال النفراوي المالكي ~: (إنْ كانت الْمُطلَّقةُ مِمَّنْ لم تَحِضْ لصغرٍ، ولكنْ مُطيقَةً للوطءِ، أو كانت كبيرَةً لكنْ قد يَئسَتْ من المحيض بأنْ جاوزت السبعينَ، فثلاثةُ أشهُرٍ عِدَّتُهَا في حقِّ الحُرَّةِ، ومثلها الأمَةُ على الْمَشهُورِ، لقولهِ تعالى: ﯨواللئي يئسن من المحيض من نسائكم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضنﯩ ﮊ، أي: عِدَّتُهُنَّ كذلكَ)( ). ومن السُّنة : عن عائشةَ < قالت: (تزَوَّجَني رسولُ اللهِ لستِّ سنينَ، وبَنَى بي وأنا بنتُ تسع سنينَ، قالت: فَقَدِمنَا المدينةَ فَوُعِكْتُ شَهْراً، فَوَفَى شَعْرِي جُمَيْمَةً، فأتتني أُمُّ رُومانَ وأنا على أُرْجُوحَةٍ، ومعي صَوَاحبي، فَصَرَخَتْ بي فأتيتُهَا، ومَا أدرِي ما تُريدُ بي، فأخَذَتْ بيدي، فأوقَفَتني على البابِ، فقلتُ: هَهْ هَهْ، حتى ذهَبَ نفَسي، فأدْخَلَتني بيتاً، فإذا نِسوَةٌ من الأنصَارِ، فَقُلْنَ: على الخيرِ والبركَةِ وعلَى خيرِ طائرٍ، فأسلَمَتني إليهنَّ، فغسَلْنَ رأسي وأصلَحنَني، فلم يَرُعْني إلاَّ ورسولُ اللهِ ضُحىً، فأسلَمنني إليهِ)( ). قال ابنُ بطال المالكي: (أجمعَ العلماءُ على أنه يجوز للآباء تزويج الصِّغار من بناتهم وإن كُنَّ في المهدِ، إلا أنه لا يجوز لأزواجهنَّ البناءُ بهنَّ إلاَّ إذا صلحن للوطء واحتملن الرَِّجال، وأحوالهنَّ تختلفُ في ذلك على قدر خلْقهنَّ وطاقتهنَّ، وكانت عائشةُ حين تزوَّج بها النبيُّ بنت ستّ سنين، وبنى بها بنت تسع، وقد ذكره البخاري بعد هذا في باب نكاح الرجل ولده الصغار. قال ابنُ المنذرِ: « وفي هذا الحديثِ دليلٌ على أنَّ نهيه عن إنكاح البكر حتى تُستأذن أنها البالغ التي لها إذن إذ قد أجازت السنةُ أن يَعقدَ الأبُ النكاحَ على الصغيرةِ التي لا إذن لها »)( ). وقال ابنُ حزم ~: (الحُجَّةُ في إجازةِ إنكاحِ الأبِ ابنَتَهُ الصَّغيرَةَ البكْرَ: إنكاحُ أبي بكرٍ > النبيَّ من عائشةَ < وهيَ بنتُ سِتِّ سنينَ، وهذا أمرٌ مَشْهُورٌ غنينا عن إيرادِ الإسنادِ فيه، فَمَنْ ادَّعَى أنَّهُ خُصُوصٌ لم يُلْتَفَتْ قوله، لقولِ اللهِ عزَّ وجلَّ: ﮋ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﮊ, فكُلُّ ما فَعَلَهُ فَلَنَا أنْ نتأسَّى بهِ فيه، إلاَّ أنْ يأتيَ نصٌّ بأنهُ له خُصُوصٌ)( ). وفعلُه تشريعٌ، والطعنُ فيه طعنٌ في الْمُشرِّع نعوذ بالله من ذلك !!. وأمَّا عملُ الصحابة }: قال الشافعي: (زوَّج غيرُ واحدٍ من أصحاب النبيِّ ابنته صغيرةً)( ). فعن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: (دخل الزبير بن العوام على قدامة بن مظعون يَعودُه فبُشِّر زبيرٌ بجاريةٍ وهو عنده، فقال له قُدامةُ: زوجنيها، فقال له الزبيرُ بن العوام ما تصنعُ بجاريةٍ صغيرةٍ وأنتَ على هذه الحالُ ؟ قال: بلى إن عشتُ فابنة الزبير وإن مِتُّ فأحبُّ مَن وَرِثني، قال فزوَّجها إياه)( ). قال ابن الهمام الحنفي ~: (تزوّج قدامة بن مظعون بنت الزبير يوم وُلدت مع علم الصحابة }، نصٌّ في فهم الصحابة عدم الخصوصية في نكاح عائشة <)( ). و (عن عكرمة: أنَّ عليَّ بن أبي طالب أنكح ابنته جارية تلعبُ مع الجواري عمر بن الخطاب)( ). (وهاتان القصَّتان - أي زواج قدامة من ابنة الزبير، وزواج عمر من ابنة عليٍّ وهما صغيرتان - اشتُهرَ أمرهما بين الصحابة }، ولم يُنكرها أحدٌ فكان إجماعاً)( ). (وزوَّج ابن عمر > بنتاً له صغيرة من عروة بن الزبير >، وزوَّج عروة بن الزبير > بنت أخيه ابن أخته وهما صغيران، ووَهَبَ رجلٌ ابنته الصغيرة من عبد الله بن الحسن، فأجاز ذلك عليٌّ >، وزوَّجت امرأة ابن مسعود > بنتاً لها صغيرة ابناً للمسيَّب بن نخبة، فأجاز ذلك عبد الله >)( ). وأما الإجماع: قال الإمام أبو حنيفة ~: (إذا بلغت الصغيرة فلا يُزوِّجها أحدٌ إلاَّ برضاها لأنها بلغت حدَّ التكليف، فأمَّا إذا كانت صغيرة فإنه يُزوِّجها بغير رضاها، لأنه لا إذن لها ولا رضاء بغير خلاف)( ). وسُئل الإمام أحمد بن حنبل ~: (الجارية الصغيرة يُزوِّجها أبوها ؟ قال: ليسَ بين الناس في هذا اختلاف، ليس لها أن ترجع)( ). وقال الإمام أحمد ~: (لم يُعلم الناس اختلفوا إذا مات عنها وهي صغيرة لم تبلغ أنَّ عليها من العدَّة ما على الكبيرة)( ). وقال المروزي الشافعي: (وأجمعَ أهلُ العلمِ على أنَّ نكاح الأب جائزٌ على ابنه وابنته الصغيرين ولا خيار لهما إذا أدركا، لأنَّ النبيَّ تزوَّج عائشةَ < وهيَ بنتُ ستٍّ، وبنا بها وهيَ بنتُ تسعٍ، وأجازه غيرُ واحدٍ من أصحاب النبيِّ منهم: عمرُ، وعليٌّ، وابنُ عمر، والزبير، وقدامة بن مظعون، وعمَّار، وابن شبرمة)( ). وقال ابن المنذر الشافعي ~: (وأجمعوا أن نكاح الأب ابنته الصغيرة البكر جائز إذا زوجها بكفؤ، وأجمعوا أن نكاح الأب ابنه الصغير جائز)( ). وقال المهلَّبُ المالكي ت435 ~: (أجمعَ العلماءُ على أنه يجوزُ للأب تزويج ابنته الصغيرة التي لا يُوطأ مثلها، لعموم الآية: ﮋ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﮊ ، ويجوز نكاح من لم تحض من أول ما تخلق)( ). وقال ابن بطال المالكي: (أجمعَ العلماءُ على أنه يجوز للآباء تزويج الصِّغار من بناتهم وإن كُنَّ في المهدِ، إلا أنه لا يجوز لأزواجهنَّ البناءُ بهنَّ إلاَّ إذا صلحن للوطء واحتملن الرَِّجال، وأحوالهنَّ تختلفُ في ذلك على قدر خلْقهنَّ وطاقتهنَّ)( ). وقال ابن عبد البر المالكي: (أجمعَ العلماءُ على أنَّ للأبِ أنْ يُزوِّج ابنته الصغيرة ولا يُشاورها لتزويج رسول الله عائشة وهي بنت ستّ سنين)( ). وقال البغوي الشافعي: (اتفق أهل العلم على أنه يجوز للأب والجد تزويج البكر الصغيرة، لحديث عائشة < أنَّ النبيَّ تزوَّجها وهي بنت سبع)( ). وقال الكاساني الحنفي ~: (الجوازُ في البكرِ ثبَتَ بفعلِ النبيِّ ، وإجماع الصَّحابةِ })( ). وقال ابن هبيرة الحنبلي ~: (واتفقوا على أنَّ الأب يَملكُ تزويج البكر الصغيرة من بناته)( ). وقال ابن رشد المالكي: (أجمعوا على أنَّ الأب يُجبرُ البكر غير البالغ)( ). وقال الموفق ابن قدامة الحنبلي ~: (الأبُ يَملكُ تزويجَ ابنته الصغيرةِ البكرِ بغيرِ خلافٍ، لأنَّ أبا بكرٍ الصديقَ زوَّجَ عائشةَ للنبيِّ وهي ابنةُ ستٍّ ولم يَستأذنها. متفقٌ عليه)( ). وقال القرطبي المالكي ~: (إذا كانت صغيرة فإنه يُزوِّجها بغير رضاها، لأنه لا إذن لها ولا رضا بغير خلاف)( ). وقال النووي الشافعي ~: (« باب تزويج الأبِ البكرَ الصغيرةَ »، فيه حديثُ عائشة < قالت: « تزوَّجني رسول الله لستِّ سنين، وبنى بي وأنا بنتُّ تسع سنين »، وفي رواية: « تزوَّجها وهي بنتُّ سبع سنين ». هذا صريحٌ في جواز تزويج الأب الصغيرة بغير إذنها، لأنه لا إذن لها، والجدُّ كالأب عندنا... وأجمعَ المسلمون على جواز تزويجه بنته البكر الصغيرة لهذا الحديث، وإذا بلغت فلا خيارَ لها في فسخه عند مالك والشافعي وسائر فقهاء الحجاز)( ). وقال أبو الفرج بن قدامة الحنبلي ~: (فأمَّا الإناثُ فللأب تزويجُ ابنتهِ البكرِ الصغيرةِ التي لم تبلغ تسع سنين بغيرِ خلافٍ إذا وَضَعَها في كفاءةٍ)( ). وقال الطيبي: (أجمع المسلمون على جواز تزويج الأب بنته البكر الصغيرة)( ) وقال الزركشي الحنبلي ~: (لا نزاعَ بينَ أهلِ العلمِ فيما نعلُمه في أنَّ للأبِ تزويجَ ابنته البكر التي لم تستكمل تسعَ سنين وإن كرهت، بشرط أن يضعها في كفاية، وقد حكاه ابن المنذر إجماعاً)( ). وقال المرداوي الحنبلي ~: (ابنتُهُ البكْرُ التي لها دُونَ تسعِ سنينَ فَلَهُ تزويجُهَا بغيرِ إذنها ورِضَاهَا بلا نزاعٍ، وحكاهُ ابن المنذرِ إجماعاً)( ). وقال المنلا خسرو الحنفي ~: (فالبكْرُ الصَّغيرَةُ تُجبرُ اتِّفاقاً)( ). وقال الرملي الشافعي ~: (لخبر الدار قطني: « الثيِّبُ أحقُّ بنفسها من وليِّها، والبكرُ يُزوِّجها أبوها »، وهو مُجمعٌ عليه في الصغيرةِ، ويُشترطُ لصحَّةِ ذلك كفاءةُ الزوج ويَسارهِ بحال صداقها عليه)( ). وقال القاري الحنفي ~: (ذهبوا جميعاً إلى أنه لا يجوز تزويج الثيب البالغة العاقلة دون إذنها، ويجوز للأب والجد تزويج البكر الصغيرة)( ). وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ~: (وللأب تزويج ابنته التي لم تبلغ تسع سنين بغير خلاف إذا وضعها في كفاءة مع كراهتها وامتناعها. ودلَّ على تزويج الصغيرة قوله: ﮋ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﮊ ، وتزوَّجت عائشة وهي ابنة ستٍّ)( ). وقد أثبت الطبُّ الحديثُ فوائد طبيَّة لزواج الفتاة قبل السنّ الخامسة عشرة، منها: ما قام به الدكتور ديفيد هارتلي أخصائي أمراض النساء والولادة في مستشفى أبها العسكري، بإجراء بحثٍ قارَنَ فيه بين حالات حمل وولادة في سن 12 سنة إلى 17 سنة، وحالات حمل وولادة في سن 20 سنة إلى 25 سنة، فوَجَدَ أنَّ حالات الحمل من 12- 17 سنة كانت مشاكلها أقل من حالات الحمل من 20-25( ). وقد توصَّل الدكتور ستانوي (أن إنجاب المرأة لأول طفل من أطفالها في سنٍّ مُبكِّرة تحت العشرين هو أحد أهم وسائل الوقاية من سرطان الثدي)( ). وقال الطبيب: محمد توفيق صدقي ~ في مقالة له نُشرت في جريدة الأهرام عدد 10956 تاريخ 12 مارس سنة 1914م - 15 ربيع الآخر سنة 1332: (من المعلوم أن سِنَّ البلوغ تختلف باختلاف حرارة الجو والبيئة والوراثة، ففي الهند مثلاً كثيراً ما تبلغ الفتاة في السنة التاسعة من عمرها، ولكن في البلاد الباردة كإنجلترة تجد أنَّ سِنَّ البلوغ هو من 14- 16 سنة، وفي البلاد التي هي أشد برداً منها يحصل البلوغ في السنة السابعة عشرة أو الثامنة عشرة، أما في مصر فالغالب أن يكون في السنة الثانية عشرة إلى الرابعة عشرة، وذلك في مثل مديرية الجيزة لا في مديرية أسوان، وللبيئة أيضاً تأثير في زمن المحيض، فإنك ترى أن الفتيات اللاتي يُكثرن من الاختلاط بالشبَّان يُسرعُ مجيء المحيض إليهن، وكذلك اللاتي يُكثرن من قراءة الروايات الغرامية ونحوها ومشاهدة تمثيلها، أمَّا الوراثة فهي تُؤثِّرُ أيضاً في قرب زمن البلوغ، فإذا بلغت الأم وهي صغيرة جدَّاً كانت ابنتها مثلها في ذلك. وفي سنّ البلوغ يكبر الحوض، ويظهر شعر العانة، وتكبر أعضاء التناسل والثديان، وتستعدُّ المرأة للقيام بوظيفتها التناسلية.. وقد اتفقت كلمة علماء التشريح على أن نمو عظام الحوض الذي من شأنه أن يُؤثر في سعة أقطاره يتمُّ في زمن البلوغ أو بعده بقليل.. ويغلبُ العقم أيضاً فيمن يتأخرون عن الزواج. وقد وَجَدَ بعض الباحثين مثل: بروس ودنلوب، في بلاد الحبشة و البنغال أمهات لا يزيدُ عمر إحداهنَّ عن إحدى عشرة سنة، وكذلك وَجَد في أوربة - وإن كان ذلك قليلاً - أُمَّهات وَلَدن أولاداً أصحَّاء في السنة الثالثة عشرة من عمرهنَّ، حتى وَجَدوا بنتاً حاملاً في سويسرة في السنة التاسعة، وظهور الحيض في هذه السنة ليس نادراً في أوربة كما تقول كتبهم، لذلك كلَّه ولغيره اعتبَرَت.. الإنكليز مثلاً أن السن القانونية للزواج عندهم هو 14 للذكور و12 للإناث، أمَّا زواج الأطفال القاصرين فتعتبره صحيحاً بشرط أن لا يبدو من الطرفين إذا وصلا إلى سن البلوغ طعن في العقد السابق. فمن أعجب العجائب بعد ذلك أن يقوم بعضنا في هذه الأيام ويطلب تضييق شريعتنا الإسلامية الغرَّاء بما لم يفعله الإنكليز في بلادهم الباردة... أمَّا زعمُ هؤلاء المضيِّقين أن الفتاة إذا تزوَّجت قبل تمام نموها وقفَ هذا النمو فهو غير صحيح، بل تكذبه المشاهدة العامَّة، فإن الحملَ لا شكَّ يُسرعُ في تمام نمو الجسم كله ؛ ولذلك تجد الفتاة بعد الولادة يكبُرُ جسمها بأسرع من الفتاة التي لم تتزوَّج، أمَّا دعوى أن الفتاة إذا حملت وهي صغيرة ضَعُفَ جسمها عمَّا إذا حملت وهي كبيرة فهي غير مُسَلَّمة، ولا يُمكن إثباتها إثباتاً قطعيَّاً، وإنما هيَ دعوى يُردِّدها بعض الأطباء تقليداً لبعضٍ بلا بحثٍ ولا تمحيصٍ، فإنَّ الفتاة الكبيرة تكونُ ليُبسِ أعضائها أكثر عرضةً للعُقم وللإجهاض أو عُسر الولادة من الفتاة الصغيرة -كما سبق - ولا يخفى ما ينشأ عن الإجهاض وعسر الولادة من المضاعفات المرضيَّة كفقر الدم الشديد بسبب النزف الرحمي، والتمزُّقات العجانية, وما يتبعها كالنواصير، وسقوط المهبل، أو الرحم وغير ذلك، بل رُبَّما قضت المرأة نحبها في الإجهاض أو الولادة العسرة، نعم إن الطفل المولود من الفتاة الصغيرة يكون في أول الأمر أصغر جرماً من الذي وُلدَ من الفتاة الكبيرة ؛ ولكنه لا يكون أقلّ صحَّة منه، وصغر حجمه هذا لا يلبثُ طويلاً، بل يزولُ شيئاً فشيئاً. مدَّة التربية: أمَّا علم الوالدة بتربية الطفل فذلك يتوقف على مقدار ما اكتسبته في هذا الموضوع، ودرجة صلاحيته وسهولة تلقينه لها أثناء دراستها المدرسية أو البيتية، فإن كانت تلَّقت شيئاً نافعاً في هذا الأمر، ولو كان مختصراً أفادها أكثر من التي قَضَت سنين عديدة من حياتها الأولى في دراسة الجغرافيا مثلاً، والهندسة والجبر... أمَّا مضار تأخير زواج الفتاة بعد بلوغها في السنة الثانية عشرة أو الثالثة عشرة كما هو الغالب عندنا في مصر، فمنها: زيادة الشهوة عندها التي قد تُفسدُ أخلاقها أو تجرُّها إلى الفسق أو الألطاف - استمناء المرأة بيدها - أو السِّحاق، وكلُّها أشياء يشتدُّ الميل إليها في أول البلوغ ؛ ولذلك يكثرُ وجودها في البلاد التي تتأخَّر فيها البنات عن الزواج، ولا حاجة بي هنا للتكلُّم على ما ينشأُ عنها من المضار والمفاسد فإنها معروفة شهيرة، والإمساك عن الجماع مع فرط الشهوة مُضعف للجسم والأعصاب، مؤدٍّ إلى سوء الخلق، وضعف العقل، مورث للهستيريا، أو الجنون، والشقيقة، وعسر الطمث، وغير ذلك... فأيُّ عيب في هذه الشريعة حتى أردنا الخروج عنها، والاشمئزاز منها... وإذا علمت أن سنَّ البلوغ تختلف باختلاف البلاد، وأحوال أهلها، تبيَّنَ لك السبب في عدم تحديد الشريعة الإسلامية لهذه السن... وبسبب سرعة البلوغ في البلاد الحارة كالهند، وبلاد العرب فَشَت في الشرق عادة تزويج البنات الصغار كما هو معلوم، حتى أن عائشة < كانت خُطبت قبل رسول الله وعمرها سبع سنوات لجبير بن مطعم بن عدي، وهو يدلُّ على أنها كانت قد قاربت البلوغ في تلك السن ؛ ولذلك عَقَدَ عليها الرسول وقتئذٍ، ودخلَ عليها في التاسعة من عمرها، فالظاهر أنها كانت قد بلغت حينئذ كما هو الغالب في بنات العرب، وأهل الهند، وغيرهم من أهل الشرق كما سبق بيانه. أمَّا المضار التي يذكرها المضادُّون لذلك الزواج، فهي في الحقيقة ناشئة عن أحد أمرين أو عنهما معاً: الأول منهما: الدخول بالبنت قبل الإطاقة، أو قبل البلوغ. الثاني: طريقة المصريين الوحشية في افتضاض البكارة، حتى أني شاهدت مرَّة بنتاً كادت تموت بنزيف شديد من تمزُّق في مهبلها نشأ من إصبع زوجها الوحش القاسي ؛ ولكن العيب في ذلك ليسَ على الشريعة نفسها، بل العيب إنما نشأ من الجهل والقسوة وعدم التزام حدود هذه الشريعة الغرَّاء التي فيها الكفاية لتقويم المعوج. وهناك فوائد أخرى غير ما تقدَّم لتزويج الفتيات الصغيرات البالغات، منها: أنهنَّ يُحرِّضن الشهوة في ضعاف الرِّجال، حتى أنهنَّ يكنَّ سبباً في تقوية أجسامهم وعودة الحياة إليهم، فتزيدُ قوَّة الباه عندهم، ويتحسَّن نسلهم، وقد عَرَفَ ذلك الأقدمون... وقد جرَّبوا ذلك العلاج أيضاً في الروماتزم المزمن للشيوخ، فأفاد كثيراً بعد أن يئسوا من الطبِّ والدواء... وذكرَ بعضُ العلماء أنَّ من الشيوخ من اسوَدَّ شعرُه، ونبتت أسنانه مرَّة ثالثة بعد سقوطها بسبب معاشرة الفتيات الصغيرات، وعادت إليه قوَّة الجماع. ولا شكَّ أن صحَّة البنات في وقت البلوغ تكون أحسن منها في جميع الأوقات الأخرى ؛ فيؤثرون في الرَّجل تأثيراً قويَّاً مُصلحاً ؛ فينتفعُ هو ؛ وينتفعن هنَّ... وإذا تزوَّج رجلٌ مسنٌّ بعجوز مثله ساء نسلهما جدَّاً، بخلاف ما إذا كانت هي صبيَّة...)( ). ويقول د. فريدريك كهن: (كان البشر في الماضي يتزوَّجون باكراً وكان ذلك حلاًّ صحيحاً للمشكلة الجنسية، أمَّا اليوم فقد أخذ سنّ الزواج يتأخَّر، فالحكومات التي ستنجح في نصِّ قوانين تُسهِّل بها الزواج الباكر، ستكون الحكومات الجديرة بالتقدير، لأنها تكتشف بذلك أعظم حلٍّ لمشكلة الجنس في عصرنا هذا)( ). وقد صدرت بيانات من عدد من أهل العلم في الإنكار على من نفى مشروعية زواج الصغيرات، وفي الرَّد على مَن شرَّعَ قانوناً يمنعُ فيه زواج الصغيرات، ومن أهمِّ هذه البيانات : بيان الشيخ الإمام / عبد العزيز بن عبد الله بن باز ~ مفتي عام المملكة العربية السعودية سابقاً (الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد : فقد نشرت صحيفة الرياض بعددها الصادر برقم 4974 خبراً بعنوان: « مشروع قانون الأحوال الشخصية في الإمارات »، وقد تضمَّنَ الخبر أنَّ المشروع مُستمدٌ من الشريعة الإسلامية كما ورد فيه: « فبالنسبة لعقود الزواج يَشترطُ مشروع القانون: ألاَّ يَقلَّ عمرُ الفتى عن ثمانية عشر عاماً، وعمر الفتاة عن ستة عشر عاماً، ويفرض غرامة على كلِّ مَن يُخالفُ هذا الشرط لا تقل عن ألف درهم، ولا تزيد عن خمسة آلاف، ما لم تأخذ المحكمة بغير ذلك إذا رأت مُبرِّراً، مثل: ستر العرض، كما لا يجوز بالنسبة لمن تجاوز الستين عاماً عقد زواج إلاَّ بإذن المحكمة، خاصة عندما يكون فارق السنِّ بين الطرفين يَتجاوزُ نصف عمر الأكبر منهما ». ولَمَّا كان ذلكَ يُخالفُ مَا شَرَعَهُ اللهُ جلَّ وعلا أحببتُ التنبيه لبيانِ الحقِّ، فالسنُّ في الزواج لم يُقيَّد بحدٍّ مُعيَّنٍ لا في الكبر ولا في الصغر. والكتابُ والسُّنةُ يَدُلاَّن على ذلك، لأنَّ فيهما الحثّ على الزواج والترغيب فيه من دون تقييدٍ بسنٍّ مُعيَّنةٍ، قال الله تعالى: ﮋ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﮊ الآية، فأجازَ نكاحَ اليتيمةِ، وهي التي لَمْ تبلغ سنَّ البلوغ، وأعلاه خمسة عشر عاماً على الأرجح، وقد تبلغُ بأقلَّ من ذلك بغير السنِّ. وقال : « تُستأذنُ اليتيمةُ في نفسها، فإن سكتت فهو أذنها، وإن أبت فلا جَواز عليها ». وقد تزوَّجَ النبيُّ عائشة < ولها ستّ أو سبع سنين، ودَخَلَ بها وهي ابنة تسع، وفِعْلُه تشريعٌ لهذه الأُمَّة. كما أنَّ الصحابة } كانوا يَتزوَّجُون في الصغر، وفي الكبر دون تحديد سنٍّ مُعيَّنةٍ، فليسَ لأحدٍ أنْ يَشْرَعَ غير ما شَرَعَهُ اللهُ ورسولُه ، ولا أنْ يُغيِّر ما شََرَعَهُ اللهُ ورسولُه ؛ لأنَّ فيه الكفاية، ومَن رأى خلافَ ذلكَ فقد ظلَمَ نفسه, وشَرَعَ للناس ما لم يأذن به الله، وقد قال عزَّ وجلَّ ذامَّاً لهذا الصنفِ من الناس: ﮋ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﮊ الآية. وقال : « مَن أحدثَ في أمرنا هذا ما ليسَ منه فهو رَدٌّ » متفق عليه. وفي روايةِ مُسلمٍ: « مَن عملَ عملاً ليسَ عليه أمرنا فهو رَدٌّ » وعلَّقه البخاريُّ في الصحيح جازماً به. وإنني أُذكِّرُ القائمين على هذا الأمر بقول الله تعالى: ﮋ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮊ، فما يُصيبُ الأُمَّةَ أو الأفراد من فتنٍ أو صَدٍّ عن سبيلِ اللهِ أو أوبئةٍ أو حُروبٍ أو غيرِ ذلكَ من أنواع البلاء فأسبابُه ما كَسَبهُ العبادُ من أنواع المخالفات لشرع الله، كما قال تعالى: ﮋ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﮊ، وقد بيَّنَ اللهُ جلَّ وعلا ما حَصَلَ لبعض الأُمَم السابقة من العذاب والهلاك بسبب مُخالفتهم لأمره، ليتبيَّنهُ العاقلُ، ويأخُذ من ذلك عظة وعبرة. ولا يكفي دعوى الأخذ من الشريعة الإسلامية إذا وُجدَ ما يُخالفها، فقد عابَ اللهُ جلَّ وعلا ذلك على اليهود، حيث قال سبحانه: ﮋ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮊ. كما أُذكِّرُ العلماءَ بتقوى الله جلَّ وعلا، وأداءِ مَا وَجَبَ عليهم من النصح لولاة الأمر، ببيان الحقِّ، والدَّعوةِ لاتِّباعهِ، والتحذيرِ من مُخالفته، قال الله تعالى: ﮋ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﮊ. وفَّقنا اللهُ جميعاً لقول الحقِّ، وقبوله، والعمل به، وجمع شمل المسلمين على الهدى، وتحكيم شرعه الْمُطهَّر في كلِّ شيءٍ، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه، وصلَّى الله على نبيِّنا محمد وآله وصحبه وسلّم)( ). بيان الشيخ العلاَّمة / محمد بخيت المطيعي مفتي الدِّيار المصرية سابقاً (زواج الصغير والصغيرة) حيث استدلَّ الشيخ بالكتاب والسنة والإجماع على بطلان القانون الذي أصدرته الحكومة المصرية عام 1342هـ 1923م بشأن تحديد سِنِّ تزويج الفتاة بست عشرة سنة، والفتى بثمان عشرة سنة الصادر في مصر عام 1923م، وبيَّن عدم صحَّة ما يُحكى عن ابن شبرمة من خلافه لإجماع علماء المسلمين، فقال : (إني أعتقدُ أنَّ من البعيد أن يكون ذلك النقل صحيحاً وإنْ نسَبَهُ في المبسوط لهما، ولذلك قال صاحب البدائع: « يُحكى عن عثمان البتي، وابن شبرمة أنهما قالا: ليس لهما » ؛ أي: للأب والجد ولاية التزويج. ولم يستدل لهما بتلك الآية - أي قوله تعالى: ﮋ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﮊ - بل استدلَّ بالمعنى، فقول صاحب البدائع: « يُحكى » دليلٌ على ضعف النقل عن ابن شبرمة ومَن معه, وأنَّ صاحب المبسوط وغيره ممن نقلوا هذا المذهب عمَّن ذكروا إنما نقلوه لإبطاله، بقطع النظر عن صحَّة النقل وعدمه. وأيضاً: يبعدُ كلَّ البعد أن ابن شبرمة ومَن ذُكرَ مَعَهُ، يستدلُّون بهذه الآية على منع زواج الصغير والصغيرة وتزويجهما، ويقولون: إنه لو جاز لم يكن لهذا فائدة؛ وذلك لأن الآية إنما سيقت لِما يتعلَّقُ بأموال اليتامى الصغار، ولا دلالة فيها على منع تزويج الصغير والصغيرة، لا بطريق العبارة ولا بطريق الإشارة، ولا بطريق آخر من طرق الدلالات. وإلى كافة العلماء بيان ذلك فنقول: قال تعالى في أول سورة النساء: ﮋ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﮊ، قال الْمفسِّرون جميعاً فيما نعلم: الخطاب للأوصياء والأولياء، والمراد بإيتاء الأموال: إمَّا تركها سالمة غير مُتعرَّض لها بسوء، وإما الإيتاء بالفعل، والمراد باليتامى: إمَّا معناه اللغوي ؛ فيشملُ الكبار والصغار فهو حقيقةٌ في ذلك واردٌ على أصل اللغة، وإمَّا مجازٌ باعتبار ما كان ؛ لأنَّ إيتاء المال بالفعل إنما يكون بعد البلوغ، ثمَّ قال تعالى في تلك السورة: ﮋ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﮊ، قال المفسِّرون: هذا رجوعٌ إلى بيان بقية الأحكام المتعلِّقة بأموال اليتامى، وتفصيل ما أُجملَ فيما سَبَقَ من شرط إيتائها، وكيفيته إثر بيان الأحكام المتعلِّقة بالأنفس - أعني الزواج -، وبيان بعض الحقوق المتعلِّقة بالأجنبيات، من حيث النفس ومن حيث المال استطراداً ؛ إذ الخطاب كما يدلُّ عليه كلام عكرمة للأولياء، وصرَّح هو وابن جبير بأن المراد من ﮋ ﯖ ﮊ: اليتامى، ومن ﮋ ﯗ ﮊ: أموالهم. ثمَّ قال عزَّ من قائلٍ بعد ذلك: ﮋ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﮊ الآية. قال شيخ الإسلام: « إنَّ هذا شروعٌ في تعيين وقت تسليم أموال اليتامى إليهم وبيان شرطه بعد الأمر بإيتائها على الإطلاق، والنهي عنه عند كون أصحابها سفهاء »... وأيَّاً كان: فقد أطبقَ المفسِّرون على أن الابتلاء معناه الاختبار، وعلى أنَّ معنى الآية: واختبروا مَن عندكم من اليتامى بتتبُّع أحوالهم في الاهتداء إلى ضبط الأموال، وحسن التصرُّف فيها، وجرِّبوهم بما يليق بحالهم. غير أنَّ أبا حنيفة قد اقتصر في الاختبار على الاهتداء إلى ما ذكر. وزاد الشافعي على هذا الاهتداء: الاهتداء إلى الصلاح في الدين، واتفق الإمامان { على أنَّ هذا الاختبار يكون قبل البلوغ. وظاهر الآية يشهدُ لهما لِما تدلُّ عليه ﮋ ﯧ ﮊ التي هي للغاية، غير أنهما اختلفا في طريق الاختبار، فقال أبو حنيفة: يكون ذلك بإذن الولي أو الوصي لليتيم في أن يُباشر البيع والشراء مثلاً. وقال الشافعي: لا يكون بذلك بل يكون بدونه على حسب ما يليق بالحال بأن يُمرِّنه على كيفية البيع والشراء، حتى إذا جاءَ وقتُ البيع أو الشراء باشرَه الولي أو الوصي ؛ وذلك لأن الإذن في مباشرة البيع والشراء مثلاً يتوقَّف على دفع المال لليتيم، ودفع المال إليه لا يكون إلاَّ بعد البلوغ وإيناس الرُّشد، والغرض الاختبار قبل ذلك. وقال مالك: الاختبار يكون بعد البلوغ. وقوله تعالى: ﮋ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﮊ معناه - على ما اتفق عليه المفسرون - حتى إذا بلغوا الْحُلُم، وحدُّ البلوغ سواء كان ذلك بالحيض والاحتلام، أو بالسنِّ بالنظر إلى الصغيرة، أو بالسنِّ أو الاحتلام بالنظر إلى الصغير. ويستوي في ذلك المعنى أن يكون لفظ النكاح في الآية بمعنى العقد، أو بمعنى الوطء، وإن قال الحنفية: إنه حقيقة في الوطء. والشافعية: إنه حقيقة في العقد. وقد جاء بمعنى الوطء في قوله تعالى: ﮋ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﮊ الآية. فلا وَجه للقول بأنه لم يجئ في القرآن إلاَّ بمعنى العقد. وقالوا جميعاً: إنَّ معنى قوله تعالى: ﮋ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﮊ الآية، إنْ أحسنتم أو تبيَّنتم اهتداءً إلى ضبط الأموال، وحسن التصرُّف أو إلى ذلك، وصلاح في الدِّين على ما سَبَقَ من الخلاف، فادفعوا إلى اليتامى أموالهم عقب البلوغ بدون تأخير، فحتى للابتداء وللغاية، و ﮋ ﯨ ﯩ ﯪ ﮊ جملةٌ شرطيَّة، جُعلت غاية للابتلاء، وفعل الشرط ﮋ ﯩ ﮊ، وجوابه الشرطية الثانية، فكان دفع الأموال مُعلَّقاً على شرطين: الوصول إلى حدّ البلوغ، وإيناس الرُّشد، ولذلك قال الفخر الرازي: « لا شكَّ أن المراد من ابتلاء اليتامى المأمور به ابتلاؤهم فيما يتعلَّق بمصالح حفظ المال. وقد قال الله تعالى بعد ذلك الأمر: ﮋ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﮊ فيجبُ أن يكون المراد: ﮋ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﮊ في ضبط مصالحهم، فإنه إن لم يكن المراد ذلك تفكك النظم, ولم يبق للبعض تعلُّق بالبعض ». انتهى. إذا علمتَ هذا: تعلم أن الآية لا دلالة فيها على منع تزويج الصغير والصغيرة قبل البلوغ، حتى يُقال: لو جاز التزويج قبل البلوغ لم يكن لهذا فائدة، وما هو الشيء الذي لا تكون له فائدة في هذا الآية، إذا جاز التزويج قبل البلوغ ؟ وقد علمتَ معناها الذي أطبقَ عليه المفسِّرون. على أن هذا المذهب بعد كونه غير مُدوَّن، ولا أصحابٌ له يُعتمدُ عليهم في النقل مُصادمٌ لصريح قوله تعالى: ﮋ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﮊ قال صاحب المبسوط: « بيَّن اللهُ تعالى عدَّة الصغيرة وسبب العدَّة شرعاً هو النكاح، وذلك دليلٌ على تصوُّر زواج الصغيرة ». ومُصادمٌ أيضاً لقوله تعالى: ﮋ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮊ فإنَّ هذا القول إنما يتحقَّق إذا كان زواج اليتيمة جائزاً. وقد أخرج البخاري ومسلم و النسائي والبيهقي في سننه عن عروة ابن الزبير أنه سأل عائشة < عن هذه الآية فقالت: « يا ابن أختي، هذه اليتيمة تكون في حجر وليها، يشركها في مالها، ويُعجبه مالها وجمالها، فيُريدُ أن يتزوَّجها من غير أن يُقسط في صداقها، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنُهوا أن ينكحوهنَّ إلاَّ أن يُقسطوا لهنَّ ويبلغوا بهنَّ أعلى سنتهن في الصداق، وأُمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهنَّ ». فالمراد من اليتامى: المتزوَّج بهنَّ، والقرينة على ذلك الجواب، فإنه صريح فيه, والربط يقتضيه. والمراد من النساء: غير اليتامى، كما صرَّحت به الحميراء < بدلالة المعنى عليه، وإشارة لفظ النساء إليه. وقد روى ابن جرير و ابن المنذر و ابن حاتم عن عائشة < مثل ما رواه البخاري ومسلم والنسائي والبيهقي عن عروة، فهذا دليلٌ على جواز تزويج اليتيمة. وقد زوَّج رسول الله بنت عمِّه حمزة من عمر بن سلمة وهي صغيرة، وقد تزوَّج قدامة بن مظعون بنت الزبير يوم وُلِدَت، وقال: « إنْ متُّ فهيَ خيرُ وَرَثتي، وإنْ عشتُ فهي بنتُ الزبير »، وزوَّج ابن عمر بنتاً له صغيرة من عروة بن الزبير، وزوَّج عروة بن الزبير بنت أخيه، وهما صغيران، وَوَهَبَ رجلٌ ابنته الصغيرة من عبد الله بن الحسن فأجاز ذلك عليٌّ >، وزوَّجت امرأة ابن مسعود بنتاً لها صغيرة ابناً للمسيب بن نخبة، فأجاز ذلك عبد الله. قال في المبسوط: « ولكنَّ أبا بكر الأصم لم يسمع بهذه الأحاديث »، ثمَّ قال: والمعنى فيه: « إن النكاح من جملة المصالح وضعاً في حقِّ الذكور والإناث جميعاً, وهو يشتملُ على أغراض ومقاصد لا تتوفَّر إلاَّ بين الأكفاء، والكفء لا يتفق في كلِّ وقت، فكانت الحاجة ماسة إلى إثبات الولاية للولي في صغرها ؛ لأنه لو انتظر بلوغها لفات ذلك الكفء ولم يوجد مثله، ولَما كان هذا العقد يُعقد للعمر بتحقُّق الحاجة إلى ما هو من مقاصد هذا العقد، فتجعل تلك الحاجة كالمتحقّقة في الحال بإثبات الولاية للولي ». انتهى. وبعد أن حكى صاحب البدائع أن لا خلاف في تزويج الأب والجدّ إلاَّ بشيءٍ يُحكى عن عثمان البتي وابن شبرمة - بهذا اللفظ الذي يُفيد ضعف النقل عنهما كما ذكرنا - استدلَّ للقول بجواز تزويج الأب والجدِّ للصغير والصغيرة بقوله تعالى: ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﮊ وقال: « الأيمُّ اسمٌ للأنثى من بنات آدم ، كبيرة كانت أو صغيرة لا زوج لها، وكلمة: من، إن كانت للتبعيض يكون هذا خطاباً للآباء، وإن كانت للجنس يكون خطاباً لجنس المؤمنين، وعموم الخطاب يتناول الأب والجد، وأنكح الصديق > عائشة < وهي بنت ست سنين، وتزوَّجها رسول الله ، وزوج عليٌّ ابنته أم كلثوم وهي صغيرة من عمر بن الخطاب، وزوَّج عبد الله بن عمر ابنته وهي صغيرة عروة بن الزبير، وبه تبيَّن أن قولهما خرَجَ مُخالفاً لإجماع الصحابة، فكان مردوداً. وأمَّا قولهما: إن حكم النكاح بقيَ بعد البلوغ. فنعم، ولكن بالإنكاح السابق لا بإنكاح مبتدأ بعد البلوغ، وهذا جائزٌ كما في البيع فإن لهما ولاية بيع ما للصغير, وإن كان حكم البيع وهو الملك يبقى بعد البلوغ لما قلنا، فكذا هذا » ا هـ. وقال الكمال في فتح القدير بعد أن استدلَّ على جواز زواج الصغير والصغيرة بقوله تعالى: ﮋ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﮊ: « فبطلَ به منعُ ابن شبرمة وأبي بكر بن الأصم، وتزويج أبي بكر لعائشة < وهيَ بنتُ ستٍّ نصٌ قريبٌ من المتواتر ». اهـ. فكان هذا المذهب مذهباً باطلاً مردوداً مخالفاً لصريح الكتاب والسنة والإجماع فلا يجوز العمل به. سلَّمنا صحَّة النقل عمَّن ذكروا، وأنَّ المذهب مذهبٌ صحيحٌ يجوز العملُ به لكن أصحاب المذكرة والأستاذ الشيخ الخضري في مقاله لم يعملوا بهذا المذهب، ولا بغيره من مذاهب علماء المسلمين ؛ وذلك لأنَّ ابن شبرمة وعثمان وأبا بكر بن الأصم إنما خالفوا على فرض صحَّة النقل عنهم في تزويج الصغير والصغيرة قبل بلوغهما لا بالحيض ولا بالاحتلام ولا بالسنِّ، ولا يُوجد من علماء المسلمين قاطبة مَن يقول: بأنَّ بلوغ الصغير والصغيرة لا يكون إلاَّ بالسنِّ، بل الإجماع من العلماء سلفاً وخلفاً إلى يومنا هذا قائمٌ على أنَّ البلوغ في الصغيرة إما بالحبل أو بالحيض أو بالاحتلام، وفي الصغير إمَّا بالإحبال أو الاحتلام أو السنِّ، وأنه لا يُصار إلى اعتبار البلوغ بالسنِّ إلاَّ إذا انعدم الحبل والحيض والاحتلام في الصغيرة، وانعدم الإحبال والاحتلام في الصغير، وأمَّا إذا وُجدَ شيءٌ مما ذكر في الصغير أو الصغيرة، فقد بلغت هي وبلغ هو النكاح ؛ أي: حدّ بلوغ الحلم وصارا مُكلَّفين بإجماع المسلمين، فكان حصر بلوغ الصغير والصغيرة في كونه بالسنِّ ودعوى أنه أضبط: أمارة للبلوغ كما جاء في المذكرة، وفي مقال الأستاذ الشيخ الخضري مُخالفٌ لكتاب الله وسنة رسول الله وإجماع السلمين، فالقرآن دالٌ والإجماع قائمٌ على أن الصبيَّ والصبية متى بلغا الحلم، بأن حاضت الصبية أو احتلمت أو حبلت وكانت رشيدة وقت بلوغها، وَجَبَ تسليم أموالها إليها بدون تأخير، ولو كانت بنت تسع سنين، وكذلك الصبي إذا احتلم أو أحبل امرأته، وتبيَّن رشده وقت البلوغ وَجَبَ تسليم أمواله إليه، ولو كانت سنه ثنتي عشر سنة بدون تأخير، ولا اعتبار بالسن في هاتين الحالتين. وأمَّا إذا لم تحض الصبية ولم تحتلم ولم تحبل، ولم يحتلم الصبي ولم يحبل امرأته كان بلوغهما حينئذ بالسنّ، وهو خمس عشر سنة عند الشافعي وأبي يوسف ومحمد، وهي رواية عن أبي حنيفة، وعليها الفتوى عند الحنفية، كما أنَّ العادة الفاشية أن الصبيّ والصبية يصلحان للزواج وثمراته في هذه المدة ولا يتأخران عنها. وشاع عن الإمام الأعظم أن السنّ للصغير ثمان عشرة، وللصبية سبع عشرة سنة. وعلى كلِّ حال فاعتبار السنّ أمارة للبلوغ وحدّاً له متأخر بالإجماع عن اعتبار الحيض والاحتلام حدّاً للبلوغ وأمارة له، فلا يُصار إليه إلا عند عدمهما، لا فرق في ذلك بين أن يُزوج الإنسان نفسه، أو يُزوِّجه وليُّه بإذنه على اختلاف المذاهب في تفصيل ذلك، وبين أن يملك التصرُّف في ماله ومتى بلغ بالسن على اختلاف المذاهب، فإن كان رشيداً وَجَبَ تسليم ماله إليه عقب بلوغه هذه السن، وإن كان سفيهاً وَجَبَ الحجر عليه على قول الشافعي وأبي يوسف ومحمد ومن وافقهم، ولا يُحجر عليه عند أبي حنيفة بل يُؤخَّر ماله إليه إلى أن تبلغ سنه خمساً وعشرين سنة، فإنْ بلغ تلك السنّ سُلِّم إليه ماله على كلِّ حال. وأمَّا ما أجاب به الأستاذ الفاضل الشيخ الخضري عن السؤال الرابع الذي هو: ما الرأي فيمن يبلغ بعلامات البلوغ قبل هذه السنّ ؟ بأنه لا يعلم تفصيلاً لمذهب ابن شبرمة في ذلك. فنقول له: إذا كنتَ لا تعلمُ تفصيلاً لمذهب ابن شبرمة فيمن يبلغ بعلامات البلوغ قبل هذه السنّ، فلم يكن حدُّ البلوغ معلوماً عند ابن شبرمة، فلا يَعلم حدّ الصغر، فيكون مذهبه مجهولاً عندنا، فلا يجوز الأخذُ به، ومَعَ ذلك فمذهب ابن شبرمة وعثمان البتي وأبي بكر بن الأصم لم يكن مُدوَّناً، وليس له أصحاب نقلوه بطريق صحيح، وإنما علمناه مما ذكره بعض علماء المذاهب الأخرى، كصاحب المبسوط، وصاحب البدائع، وصاحب الفتح، وهؤلاء قد ذكروه مجملاً، ومَعَ ذلك فهؤلاء يُصرِّحون بأنَّ هؤلاء العلماء الثلاثة لم يُخالفوا إلاَّ في تزويج الصغير والصغيرة قبل البلوغ، وأطلقوا اعتماداً على ما هو متفقٌ عليه بين الجميع، من أنَّ البلوغ كما يكون بالسنِّ يكون بغيرها قبل هذه السنّ، على ما نطق به الكتاب والسنة، وعبارة المبسوط قال: « بخلاف ما يقوله ابن شبرمة، وأبو بكر الأصم أنه لا يُزوَّج الصغير والصغيرة حتى يبلغا ؛ لقوله تعالى: ﮋ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﮊ » ا هـ. فكان المنعُ في هذا المذهب مُقيَّداً بالبلوغ بأيِّ أمارة كانت، كما هو المراد من قوله تعالى: ﮋ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﮊ على ما فصلناه، وقال في البدائع: « جملة الكلام فيه: إنه لا خلاف في أنَّ للأب والجدّ ولاية النكاح، إلاَّ شيئاً يُحكى عن عثمان البتي وابن شبرمة أنهما قالا: ليس لهما ولاية التزويج. واستُدلَّ لهما بأن حكم الزواج إذا ثبت لا يقتصر على حال الصغر، بل يدوم ويبقى إلى ما بعد البلوغ ». إلى آخر ما استدلَّ به لهما مما هو صريحٌ في أن منعهما مقيَّد بحال الصغر، وأمَّا بعد البلوغ فلا خلاف لأحد في جواز التزويج والتزوُّج. وهل بمجرد عدم علم الأستاذ الشيخ الخضري بتفصيل هذا المذهب فيمن يبلغ بعلامات البلوغ قبل هذه السن، يثبت أن هناك خلافاً ومذهباً في عدم اعتبار علامات البلوغ في هذه السن ؟! وإن لم ينقل العلماء خلافاً في ذلك خصوصاً مع الإجماع على أن التكليف مرفوعٌ عن الصبيِّ حتى يحتلم، وعن الصبيَّة حتى تحيض. وأمَّا ما قاله في مقاله المنشور بجريدة الأهرام نمرة 14236، في يوم السبت 22 ديسمبر سنة 1923 من أن الأصوليين اشترطوا في العلل التي تناط بها الأحكام أن تكون أوصافاً ظاهرة منضبطة، وعلامات البلوغ، وإنْ تكن منضبطة ليست بظاهرة. إلى آخر ما قال. فنقول له: إن علامات البلوغ ظاهرة منضبطة، منها: الحيض والاحتلام والحبل والإحبال، وكما اعتبرَ الشارعُ هذه الأمارات في البلوغ, فقد اعتبر الحيض أمارة في العدَّة في ذوات الحيض ؛ لانقضائها وتعرف براءة الرحم, حتى على القول بأن عدَّة ذوات الحيض بالأطهار ؛ لأن الأطهار التي تنقضي بها العدَّة إنما تعرف بالحيض، وكما اعتبرَ الشارع الحيض فيما ذكر قد اعتبره واعتبر الاحتلام في توجه خطاب التكليف، وأجرى على كل بنت حاضت أو احتلمت، وابن احتلم أحكام البالغين والمكلَّفين، فإن كان لدى حضرة الأستاذ علم بأن في هذا خلافاً، فليدلنا على مذهب المخالف. وكذلك الشارع اعتبر الحبل علَّة ؛ لإيقاف نصيب الحمل في الميراث، ولوجوب الحدّ على مَن حملت من الزنا، على أن المثبت للحكم في مورد النص هو النصّ لا العلل. وأمَّا ما في دعوى الحيض من البلاء على الأزواج والزوجات، فهذا منشؤه عدم التزام الشرع والعمل به على فرض أن الدعاوى تُخالف الواقع، قال تعالى: ﮋ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮊ، وبالجملة فارتكاب مخالفة الحكم لا ينسخ الحكم. ومن هذا تعلم: أنه لا معنى لقول أصحاب المذكرة: « اتفق العلماء على بطلان العقد إذا باشره غير مميز » إلخ. بل هو لغوٌ من القول وخروج عن الموضوع، ولا علاقة له به ؛ لأن الكلام ليس في مباشرة غير المميِّز عقد الزواج، ولا في مباشرة المميِّز له، وإنما الكلام في مباشرة وليِّ الصغير والصغيرة تزويجهما حال الصغر بلا فرق بين مميِّز وغير مُميِّز. كما أنه لا معنى لقول أصحاب المذكرة: « اتفقت كلمة الحنفية أنه بعد البلوغ لا جبر لأحد في عقد الزواج ». فإنه خروجٌ عن الموضوع أيضاً؛ لأن الكلام ليس في الجبر وعدم الجبر، على أن قولهم فيها: « لأن البلوغ آية الرشد واستكمال العقل ». يهدم جميع ما قصدوه من المقدِّمات التي ذكروها في المذكرة، ويُبطل ما يريدون ترويجه بناء عليها من جواز تحديد السن للزواج ؛ وذلك لأنهم متى اعترفوا بأن البلوغ آية الرشد واستكمال العقل، وكان البلوغ بإجماع المسلمين كما يكون بالسن - على التفصيل الذي قدَّمناه عند عدم الحيض والاحتلام للصبية، وعدم الاحتلام للصبي - يكون بالحيض والاحتلام متى بلغت تسع سنين، والاحتلام للصبي إذا بلغ ثنتي عشرة سنة، ولو لم يبلغ كلٌّ منهما السن التي حدَّدوها لزواجه, فكان تحديد السن بما حدَّدوه للزواج مُخالفاً للكتاب والسنة والإجماع. كما أن ما ذكروه بالمذكرة من اختلاف العلماء على فرض صحَّة الخلاف في جواز تزويج الصغير والصغيرة قبل البلوغ، لا ينبني عليه جواز تحديد السن التي حددوها للزواج ؛ لأن الصغير أو الصغيرة إذا بلغا بغير السنّ، فقد بلغا الحلم، وملك تزويج نفسه، إن كان ذكراً، أو تزويجها وليها جبراً أو ندباً إن كانت أنثى بكراً أو ثيِّباً. كما أن قول أصحاب المذكرة: « إن من اللازم أن يُناط سنُّ الزواج بسنِّ الرشد بالنسبة لكلٍّ من الزوجين » إلخ. قولٌ باطلٌ ؛ لأنَّ ذلك يقتضي أن هناك شرعاً: سِنَّاً للزواج، وسِنَّاً للرُّشد، بل إنَّ الصبيَّ والصبية متى بلغا الحلم بأي أمارة من أمارات البلوغ، سواء كانت بأمارة السنّ أو بالأمارات الأخرى، التي تكون قبل السن إن كان رشيداً مهتدياً لضبط ماله ؛ سُلِّم إليه ما له، وإن لم يكن كذلك بأن كان سفيهاً يُحجر عليه أو لا يُحجر على الخلاف السابق، وأما حدُّ البلوغ فلا فرق فيه بين الزواج وغيره. وأما استدلال الأستاذ الخضري وأصحاب المذكرة لمذهب ابن شبرمة ومَن مَعَه بقوله : « لا تنكح اليتيمة حتى تستأمر »، وقوله عليه الصلاة والسلام: « لا يُتمَ بعد الحلم » ؟ فهو استدلال لا يرضاه صاحب المذهب المذكور، فإن الحديث الأول يدلُّ بمنطوقه على أنَّ اليتيمة وهي التي لا أب لها لا تنكح حتى تستأمر، على معنى: حتى تبلغ وتستأذن، كما يقول ذلك الشافعي. أو أن المراد باليتيمة باعتبار ما كان، كما يقول ذلك أبو حنيفة، ويدلُّ بمفهوم المخالفة على أن الصغيرة التي لها أبٌ يُنكحها أبوها، كما أنَّ الحديث الثاني يدلُّ بمنطوقه على أنَّ اليتم ينتفي بعد الحلم ولو بالحيض أو بالاحتلام، ولو لم تبلغ البنت ست عشرة سنة ولا الابن ثماني عشرة سنة، وقد ذكر صاحب المبسوط هذين الحديثين، وجعلهما دليلين للإمام الشافعي > على مذهبه من أنه لا يجوز لغير الأب والجد تزويج الصغير والصغيرة، وأمَّا الأب والجدُّ فلهما تزويجهما عملاً في ذلك بمنطوق الحديث ومفهومه المذكور. فكيف يُمكن الاستدلال بهذين الحديثين لمذهب ابن شبرمة ومَن مَعَه وهم يمنعون تزويج الصغير والصغيرة مطلقاً ؟ ولا أدري من أين نقلوا الاستدلال بهذين الحديثين لمذهب المانعين لتزويج الصغير والصغيرة ؟. وأمَّا ما اشتمل عليه مقال الأستاذ الشيخ الخضري والمذكرة، من التعاليل لهذا المذهب فليسَ شيء منها يصلح دليلاً ؛ وذلك لانحصار الدليل الشرعي في الكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح، وليس ما ذكروه من العلل واحداً منها. أمَّا أنه ليس من الكتاب والسنة والإجماع فظاهر. وأمَّا أنه ليس بقياس ؛ فلأنهم لم يذكروا الأصل المقيس عليه من الكتاب أو السنة أو الإجماع، وعلى فرض أنه قياس صحيح فهو في مقابلة الكتاب والسنة أو الإجماع، فلا يُعوَّل عليه ولا يُلتفت إليه. وأمَّا ما قالوه ترويجاً لتحديد سنِّ الزواج: من أن الزواج في الصغر يترتَّبُ عليه المفاسد التي ذكروها، ويضرُّ بصحَّة الصغير والصغيرة. فغيرُ مُسلَّم ؛ لأنه لم يقل أحد من المسلمين بأن الزواج فيه مفسدة لا في وقت الصغر ولا في وقت الكبر. والأطباء مختلفون في أن الأفضل التبكير بالزواج أو التأخير، واختلافهم يُوجب الشكَّ في أقوالهم، على أنه لا يُمكن لعاقل أن يقول: إن مجرَّد حصول عقد الزواج يحصل به ضرر لصحة الصغير أو الصغيرة. وإنما الذي يتوهَّم أن يُقال: إنما هو في الوطء، وأمَّا العقد فلا يترتب عليه شيء أصلاً، فلا وجه لتجديد السن له، على أنه لا وجه للقول لترتُّب الفساد أو الضرَر بالصحة إذا كانت الصغيرة تشتهي، وبلغت السن التي تُطيق فيه الوطء، ولو لم تبلغ حدَّ البلوغ في الشرع، فإنه لو كان في ذلك أدنى مفسدة ما أمر الله به في كتابه، ورسوله في سنته، وأجمعت الأمة على سنته أو إباحته ﮋ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﮊ، ﮋ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﮊ. مسألة تخصيص القضاء : وأما ما رتَّبه أصحاب المذكرة على تلك المقدِّمات، التي أطالوا فيها بلا طائل، من أن المنصوص عليه شرعاً أن لولي الأمر ولاية تخصيص القضاء إلخ. ففضلاً عن كون ذلك لا يتفرَّع على تلك المقدمات ولا ينبني عليها، ولا علاقة بينه وبينها ؛ لأن كون ولي الأمر يملك التخصيص، معلومٌ للخاص والعام، ومبناه على وجوه المصلحة التي تقتضيه على ما فصلناه بمحاضراتنا التي قرأناها بمدرسة الحقوق الملكية في أوائل ديسمبر سنة 1919، ونُشرت بمجلة الأحكام الشرعية في 21 ديسمبر من تلك السنة في عدد 3، وجرى على ذلك العمل. وأصحاب المذكرة لم يُبيِّنوا فيها وجه المصلحة العامة التي اقتضت هذا التخصيص، فإنه ليس معنى التخصيص هو ما فهموه، من أنَّ ولي الأمر يمنع جميع قضاته عن أن ينظروا حادثة يخرجها عن اختصاصهم جميعاً، ولا ينصب لها قاضياً يفصل الخصومات فيها، كما هو الشأن فيما قضت به المذكرة، فإن جميع حوادث الزواج الذي يقع قبل سن ست عشرة سنة للبنات أو ثماني عشرة سنة للبنين قد مُنع جميع قضاة مصر عن أن ينظروا فيها، وقولهم في المادة: إلاَّ بالأمر. لا يُغني شيئاً، ولا يقتضي نصب قاض بالفعل ينظر في تلك الحوادث. بل معنى تخصيص القضاء الذي تقضيه المصلحة أن يُقسم ولي الأمر جميع أماكن مملكته إلى دوائر متعددة، فيجعل لكل دائرة محكمة تحكم في قضايا القاطنين بها في حوادثهم، ويقسم الحوادث كذلك بين قضاة تلك المحاكم فيجعل ما يخرج من اختصاص هذا القاضي داخلاً في اختصاص ذلك القاضي. وعلى هذا لا يوجد مكان في المملكة، أو حادثة لرعايا ولي الأمر إلا ولها قاض يفصل فيها، خصوصاً إذا كانت تلك الحوادث في الحقوق المشتركة بين كونها حق الله سبحانه وكونها حق العبد، كالزواج والطلاق أو الحقوق الخالصة لله تعالى، فإن الزواج بما فيه من حقوق أحد الزوجين على الآخر حق العباد، ولما يترتب عليه من الحلّ والحرمة من حقوق الله تعالى، كما أن الطلاق من حقوق العباد من وجه, ومن حقوق الله من وجه آخر ؛ وذلك لأن الشأن في الحقوق المشتركة أو الخالصة لله تعالى، إنما هو للحاكم وولي الأمر، فيجبُ أن يكون لها قاض يفصل فيها أو يفصل فيها ولي الأمر بنفسه، على أن التخصيص على فرض وجود المصلحة - وإن لم تظهر - إنما هو فيما أُضيف على المادة نمرة 101 من قانون سنة 1910، وأمَّا ما أضيف على المادة نمرة 366 من ذلك القانون من أنه « لا يجوز مباشرة عقد الزواج ولا المصادقة على الزواج المسند إلى ما قبل العمل بهذا القانون »، فليس من التخصيص في شيءٍ بل هو نهيٌّ عن مباشرة عقد الزواج والمصادقة عليه مسنداً إلى ما قبل العمل بذلك القانون ؛ لأن كلاً من المباشرة والمصادقة ليس من عمل القاضي، بل إن الذي يُباشر عقد الزواج أو يتصادق عليه إمَّا الزوجان أو وكيلاهما, إن كانا بالغين بالسنِّ أو بغيره، أو وليهما إن كانا قاصرين، أو ولي القاصر ووكيل البالغ، وأمَّا المأذون فوظيفته تلقين صيغة العقد لمن يحتاج إلى التلقين, والكتابة في دفتر، وتحصيل ما فرضته الحكومة من الرسوم، فعقد الزواج متى كان مستوفياً أركانه وشروطه كان صحيحاً شرعاً، حضر المأذون أو لم يحضر, كتب أو لم يكتب. ففضلاً عن كون عقد الزواج أدنى مراتبه السنية المؤكدة، أو الإباحة التي ندب الشارع إلى فعلها فهو من الأمور الخاصة لا من الأمور العامة، ولا يجوز النهي عنه، كما لا يجوز نهي الإنسان عن بيع ملكه إذا كان عاقلاً بالغاً رشيداً، ولم يُحجر عليه لدين. فضلاً عن أنَّ تحديد سنّ الزواج، والنهي عن مباشرة عقده قبل هذه السن المحدّدة يقتضي تحريم الحلال، الذي ندب الشارع إليه وحضَّ الناس إليه, أو تحريم السنة المؤكدة، وكلا الأمرين معصيةٌ بإجماع المسلمين. أمَّا قول حضرة الأستاذ الشيخ الخضري: « أمَّا الاعتراض على ذلك بما يُوجد من تحريم حلال وإحلال حرام، فلا محلَّ له ما دامت هناك مذاهب مختلفة ». فنقول له: يا حضرة الأستاذ، إن الخلاف - على فرض أنه خلاف معتبر - إنما هو في الصغير والصغيرة قبل البلوغ، وأمَّا بعد البلوغ ولو قبل بلوغ السن المحدَّدة للصغير والصغيرة، فليس هناك مذاهب مختلفة، بل إجماع المسلمين وسنة سيِّد المرسلين كلُّها متفقةٌ على أن الصبية إذا بلغت، والصبي إذا بلغ الحلم بأي أمارة كانت كان كلٌّ منهما بالغاً شرعاً، لا يُخالف في زواجه أحد من العلماء، ولو لم تبلغ البنت ست عشرة سنة، والابن ثماني عشرة سنة. وقد صرَّح الفقهاء قاطبة: بأن البنت إذا بلغت تسع سنين، وادَّعت الحيض أو الاحتلام تُصدَّقُ في ذلك، وكانت بالغة شرعاً، وكذا الابن إذا بلغ ثنتي عشرة سنة وادَّعى الاحتلام صُدِّق في ذلك، وكان بالغاً شرعاً، وإن وَجَدتَ أحداً يُخالف فيما قلنا فعليك بالبيان. فلو فرضنا أن البنت إذا تزوَّجت بعد البلوغ زواجاً صحيحاً شرعاً، ولم تبلغ تلك السنَّ المحدَّدة، أليست تلك البنت تحلُّ شرعاً لهذا الزوج الذي تزوَّجها وتحرم على غيره، ولا يَحلُّ لأحد غير هذا الزوج أن يتزوَّجها ما دامت في عصمته، ووطؤها حلالٌ لهذا الزوج حرامٌ على غيره ؟. فلو فرضنا أنها مكثت مع هذا الزوج مدَّة، ثمَّ ادَّعى آخر بعد أن بلغت سنها ست عشرة سنة أنه تزوَّجها بنكاح صحيح شرعي وادَّعاها الأول كذلك، أليسَ الحكم الشرعي يقتضي أن يحكم لأسبقهما تاريخاً ولو كان زواجه بها قبل أن تبلغ السن المحدَّدة؟. فإذن ماذا يَصنعُ القاضي ؟ أيحكم بمقتضى الشرع للأول، وقد كان زواجه بها قبل أن تبلغ السن المحدَّدة المذكورة ويُخالف ما تحبذه من ذلك التخصيص أو ذلك النهي، وهو معزول بمقتضى ذلك التخصيص عن أن يحكم بالزواج قبل بلوغ هذه السن ؟. أو يحكم للزوج الثاني وقد أمره الله أن يحكم للزوج الأول لا للثاني ؛ لأن زواجه باطل بالإجماع ؟. أليس في ذلك تحريم الحلال، وإحلال الحرام ؟ وما قلناه في البنت إذا بلغت تسع سنين وحاضت أو احتلمت وتزوجت، يُقال أيضاً في الابن إذا بلغ ثنتي عشرة سنة واحتلم وتزوَّج وأحبل زوجته، ثم جاء آخر يَدَّعي أن تلك الزوجة زوجته، وكان المدَّعي تبلغ سنهُ ثماني عشرة سنة، والأول لم يبلغ تلك السن، ولم تبلغ الزوجة أيضاً سن ست عشرة سنة، بل بلغت بغير السن. فماذا يصنع القاضي ؟ أيحكم للسابق كما قضى به الشرع، أم يحكم للثاني كما قضى به الرأي المخالفُ للشرع ؟. إني أعتقد - والله على ما أقول وكيل - أنكَ وأصحاب المذكرة لا تقولون بجواز حكم القاضي للثاني، بل بوجوب الحكم للأول، وأنكم لا تُخالفون في هذا، ولا تستطيعون المخالفة فيه ؛ لِما في المخالفة من مخالفة الكتاب والسنة والإجماع، ولا يسعني إزاء ما وَقَعَ إلاَّ أن أقول كما قال صاحب الروض من أئمة الشافعية : مَن قلَّد العلما وأقدم أعذرا... وعلى الذي أفتى........ إلخ إلخ. هذه نصحيتنا نُقدِّمها لأولياء الأمور وعامة المسلمين، عسى الله أن يهدينا جميعاً إلى سواء السبيل، ويغفر لنا خطايانا وهو حسبنا ونعم الوكيل. محمد بخيت مفتي الديار المصرية سابقاً)( ). بيان الشيخ العلاَّمة / أحمد بن محمد شاكر ~ قال في ردِّه على عباس العقَّاد في إنكاره عقد النبي على عائشة < وهي بنت ست سنين ودخوله بها وهي بنت تسع سنين <: (ثمَّ ليعلم أيضاً: أن السنة النبوية « من قول وعمل وتقرير » مصدرٌ عظيمٌ للتشريع الإسلامي، وهي المصدرُ الثاني بعد القرآن وهي المفسِّرة له المبيِّنة، كما قال الله لنبيِّه: ﮋ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﮊ، وأنَّ هذه الأحاديث التي أنكرها بتحريفه وتأويله، وأثبتَ ضدّ ما ثبت فيها، « على رغم الأقاويل والسنين » فيها دلالةٌ على أحكام شرعية خطيرة الأثر منها: جواز تزويج الصغيرة للكبير، ومنها: أنَّ الصغيرة يلي أمر تزويجها وليُّها إذ هيَ لا تملكُ أمرَ نفسها، ومنها: أن البناء بالصغيرة جائزٌ حلال، إلى غير ذلك من الأحكام، وأنَّ إنكاره ما فيها إنكارٌ لكلِّ ما يُستنبط منها بالطريق العلمي في الاستنباط، ونسبة شيء إلى رسول الله لم يثبت بالطريق الصحيح للإثبات بل ثبت ضدّه ونقيضه فإن لم يدرك هذا كله فقد أبلغناه وما علينا من وزره من شيء... وبعدُ مرَّة أخرى: فإن شريعتنا شريعة الإسلام أباحت تزويج البنات الصغار، وجعلت تزويجهن للأولياء، بدليل زواج النبيِّ بعائشة < وبنائهِ بها وهيَ دُون العاشرة، وبدليل قول الله تعالى في سورة الطلاق: ﮋ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﮊ، فاللائي لم يحضنَ هنَّ الصغيرات اللائي لم يأتهنَّ الحيض وهنَّ دُون البلوغ، عليهنَّ عدَّة ثلاثة أشهر إذا طُلِّقن، ولا يكونُ طلاقٌ وعدَّةٌ إلاَّ بعد زواج، أليس كذلك ؟ فمن رضيَ هذه الشريعة لم يُنكرْ ولم يَعبأ بقول العائبين، المغرضين، ومَن أبى ﮋ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﮊ)( ). بيان الشيخ العلامة محمد الشاذلي ابن القاضي التونسي الحنفي ت1398 ~ في نقده مجلَّة الأحوال الشخصية التي صدر الأمر بالعمل بها في تونس سنة 1957م قال ~: (ينصُّ الفصل الرابع عشر: على أنه يجبُ أن يكون كلٌّ من الزوجين بالغاً. ونصَّ الفصل الحادي والعشرون: المتعلِّق بفساد عقد الزواج بعد كون أحد الزوجين غير بالغ. وهذا الوجوب يُخالف التشريع الإسلامي، فإنه لم يشترط بلوغ الزوجين في صحَّة العقد، قال تعالى: ﮋ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﮊ، عطف على قوله: ﮋ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﮊ، وفَرَضَ عليهما العدَّة: ﮋ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﮊ ، والمرأةُ لا تجبُ عليها العدَّة إلاَّ إذا كانت ذات زوج. والصبيان تتعلَّق بهم أحكام تخصُّ العقد في حال الصبا وتأخُّر البناء عنهم إلى ما بعد البلوغ، وأحكامٌ تخصُّ البناء على الزوجة في حال الصبا. فإطلاق المنع قبل البلوغ، والحكم بفساد عقد الصبي مطلقاً، مُخالفٌ للتشريع الإسلامي)( ). بيان الشيخ العلاَّمة / صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله (كَثُرَت في هذه الأيام الضجَّة في الصحف في استنكار تزويج الفتاة الصغيرة، وهيَ ضجَّة لا مُبرِّر لها، ومن أُناسٍ يَجهلون الأحكام الشرعيَّة أو يُعارضونها ؛ فقد ثبتَت صحَّة تزويج الصغيرة في الكتاب والسنة والإجماع. 1 - أمَّا الكتابُ: ففي قوله تعالى ذكر أنواع المعتدَّات من الطلاق، وأنَّ ذات الحيض تعتدُّ بثلاث حيض، والتي لا تحيضُ لصغرٍ أو إياسٍ تعتدُّ بثلاثة أشهر؛ قال تعالى: ﮋ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﮊ، ﮋ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﮊ، أي: فعدَّتُهنَّ ثلاثة أشهر، فدلَّت الآيةُ الكريمةُ على أنَّ الصغيرة تُزوَّجُ وتُطلَّق وتعتدُّ كالكبيرة. 2 - وأمَّا السُّنةُ: فقد ثبت في الصحيحين أنَّ أبا بكر > زوَّج ابنته عائشة < من رسول الله وهي بنتُ ستِّ سنين ؛ فدلَّ ذلكَ على صحَّة تزويج الصغيرة التي لها دون ستّ سنين، لكنْ قالَ العلماءُ: إنما يَجوزُ ذلكَ إذا وَضَعَها وليُّها في كُفءٍ صالح، لِما لها من الحظِّ في ذلك، وليسَ له أن يُزوِّجها بمن لا حظَّ لها فيه ؛ لأنه يَنظرُ في مصلحتها. قال الإمامُ ابنُ جرير ~ في تفسيره: (ﮋ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﮊ: « وكذلك عدد اللائي لم يَحضن من الجواري لصغرهنَّ إذا طلَّقَهنَّ أزواجُهنَّ بعد الدُّخول ». وقال الإمام ابن كثير ~ في قوله تعالى: ﮋ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﮊ « يقول تعالى مُبيِّناً لعدَّة الآيسة وهيَ التي قد انقطعَ عنها الحيضُ لكبرها: إنها ثلاثة أشهر عوضاً عن الثلاثة قُروء في حقِّ مَن تحيض كما دلَّت على ذلك آية البقرة. وكذا الصِّغارُ اللائي لم يبلغن سنَّ الحيض إنَّ عدَّتهنَّ كعدَّة الآيسة ثلاثة أشهر، فلهذا قال: ﮋ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﮊ » انتهى. 3 - الإجماع: قال ابنُ بطَّال في شرح البخاري - على قول البخاري: باب إنكاح الرجل ولده الصغار، لقوله: ﮋ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﮊ « فجَعَلَ عدَّتهن ثلاثة أشهر قبل البلوغ. فيه حديث عائشة < أنَّ النبيَّ تزوَّجها وهيَ بنتُ ستِّ سنين، ودخلت عليه وهيَ بنتُ تسع سنين. قال ابنُ بطَّال: قال المهلَّبُ: أجمعَ العلماءُ على أنه يَجوزُ للأب تزويج ابنته الصغيرة التي لا يُوطأُ مثلها لعموم الآية ﮋ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﮊ، ويجوزُ نكاحُ مَن لم تحض من أول ما تخلق » انتهى. وقال البخاريُّ أيضاً: « باب تزويج الصِّغار من الكبار ». قال ابنُ بطَّال في شرحه: « أجمعَ العلماءُ على أنه يجوز للآباءِ تزويج الصِّغار من بناتهم وإن كُنَّ في المهد. إلاَّ أنه لا يجوزُ لأزواجهنَّ البناءُ بهنَّ إلاَّ إذا صلحنَ للوطءِ واحتملنَ الرِّجال، وأحوالهنَّ تختلفُ في ذلك على قدر خلقهنَّ وطاقتهنَّ. وكانت عائشة < حين تزوَّج بها النبيُّ بنت ستّ سنين وبنى بها بنت تسع. وقد ذكره البخاريُّ بعد هذا في باب نكاح الرَّجُل ولده الصِّغار. قال ابنُ المنذر: وفي هذا الحديث دليلٌ على أنَّ نهيه عن إنكاح البكر حتى تُستأذن، أنها البالغ التي لها إذنٌ إذ قد أجازت السُّنةُ أن يعقد الأبُ النكاح على الصغيرة التي لا إذنَ لها ». انتهى. وقال الموفق في المغني على قول الخرقي: « وإذا زوَّج الرَّجُلُ ابنته البكر فوَضَعها في كفاية فالنكاحُ ثابتٌ، وإن كرهت كبيرة كانت أو صغيرة »، قال الموفق: « أمَّا البكرُ الصغيرةُ فلا خوف فيها. قال ابنُ المنذر: أجمعَ كلُّ مَن نحفظُ عنه من أهلِ العلم أنَّ نكاحَ الأبِ ابنته البكر الصغيرة جائزٌ إذا زوَّجها من كُفءٍ، ويجوزُ له تزويجها مَعَ كراهيتها وامتناعها. وقد دلَّ على جواز تزويج الصغيرة قول الله تعالى: ﮋ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﮊ، فجَعَلَ اللائي لم يحضن عدَّة ثلاثة أشهر، ولا تكون العدَّةُ إلاَّ من طلاق في نكاح، أو فسخ، فدلَّ ذلك على أنها تُزوَّج وتُطلَّقُ ولا إذن لها فيُعتبر. وقالت عائشة <: « تزوَّجني رسولُ الله وأنا ابنة ستّ سنين، وبنى بي وأنا ابنة تسع » متفقٌ عليه، ومعلومٌ أنها لم تكن في تلك الحالِ ممن يُعتبر إذنها » انتهى المقصود منه. وبهذا القدر كفايةٌ إن شاء الله، وردٌّ واضحٌ على مَن أثاروا هذه القضية، وصلَّى اللهُ وسلَّم على نبيِّنا محمد وآله وصحبه)( ). بيان الشيخ العلاَّمة / عبد الرحمن بن ناصر البرَّاك حفظه الله تعليقٌ وتعقيبٌ على تصريح نائب رئيس هيئة حقوق الإنسان بالمملكة في شأن تقنين زواج الصغيرات (الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أمَّا بعد: فقد اطلعتُ على ما نُشرَ في جريدة الجزيرة في تاريخ 10/8/1430 بعنوان: « حقوق الإنسان تنظيمٌ جديدٌ يُقنِّن زواج الصغيرات »، بناءً على ما صرَّح به نائب رئيس هيئة حقوق الإنسان: الدكتور زيد الحسين، في أنَّ الهيئة ووزارة العدل تُخضعان حالياً موضوع زواج القاصرات لدراسات متأنية، وذلك من قبل علماء شرعيين، وجاء في التصريح: أنَّ موقف هيئة حقوق الإنسان ثابتٌ في هذا الزواج ولن يتغيَّر، للأضرار المترتبة عليه، ومن ثمَّ الإعداد لنظام جديدٍ يُقنِّنُ زواج القاصرات في المملكة. وهذا التوجُّه من وزارة العدل وما يُسمَّى بهيئة حقوق الإنسان كما جاء في التصريح في أمر تزويج القاصرات والصغيرات، يعلمُ المتتبِّعُ أنه ليس جديداً، ولا وليد اجتهادٍ شرعي محض من علماء معروفين. بل الدَّعوةُ إلى منع تزويج الصغيرات، وتقنين ذلك بتحديد سنّ زواج الفتاة بستّ عشرة سنة أو فوق ذلك، دعوةٌ قديمةٌ بالبلاد العربية، أوَّلُ ذلك منذ تسعين سنة، وصدَرَ في ذلك عدَّة قرارات من عدد من المؤتمرات : كالمؤتمر الدولي المعني بالسكان - مكسيكو - عام 1404هـ. المؤتمر العالمي المساواة والتنمية والسلم - نيروبي - عام 1405هـ. المؤتمر الدولي للسكان والتنمية - القاهرة - عام 1415هـ. المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة - بكين - عام 1416هـ. وأخذ بهذا القانون أكثر البلاد العربية، وكانت هذه الدَّعوة مرفوضة في المملكة العربية السعودية، وصدَرَ بذلك فتاوى من علمائها، تتضمَّنُ إنكارَ تحديد سنِّ الزواج للصغار والكبار، ومن ذلك ما قاله الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز في تعليقه على قانون الأحوال الشخصية في الإمارات - كما جاء في جريدة الرياض عدد 4974 - قال ~: « ولَمَّا كان ذلك يُخالفُ ما شَرَعهُ اللهُ جلَّ وعلا أحببتُ التنبيه لبيان الحقِّ، فالسنُّ في الزواج لم يُقيَّد بحدٍّ مُعيَّنٍ لا في الكبر ولا في الصغر... »، إلى أن قال: « ولا يكفي دعوى الأخذ من الشريعة الإسلامية إذا وُجدَ ما يُخالفها، فقد عابَ اللهُ جلَّ وعلا ذلك على اليهود، حيث قال سبحانه: ﮋ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﮊ... » الخ. ومعلومٌ أن اسم هيئة حقوق الإنسان، مصطلحٌ غربيٌّ، يقومُ نظامه على رعاية حقوق الإنسان من حيث هو إنسان، دون اعتبارٍ لاختلافِ الدِّين، وهيئة حقوق الإنسان في المملكة نظامها مبنيٌّ على ما يتفق مع أنظمة حقوق الإنسان الدولية، كما نصَّ نظام الهيئة على ذلك : جاء في المادة الأولى: « وتهدفُ إلى حماية حقوق الإنسان وتعزيزيها، وِفقاً لمعايير حقوق الإنسان الدولية في جميع المجالات... » الخ. كيف وقد وقَّعت المملكة على وثيقة الأمم المتحدة في منع التمييز ضد المرأة، فتوجُّه الهيئة إلى منع زواج القاصرات، وتنظيم قانون في ذلك، ما هو إلاَّ امتداد وتنفيذ لِما دَرَجَت عليه البلاد العربية، فالأمرُ مُبيَّتٌ ومُخطَّطٌ له، وهو جزءٌ من التبعيَّة للغرب والبلاد العربية الْمُغرَّبة. ومعلومٌ أن هيئة حقوق الإنسان بالمملكة ليست معنيةً بتطبيق الأحكام الشرعية, ولا هي جهة شرعية، بل هي جهة قانونية، وما ذُكرَ في تصريح نائب هيئة حقوق الإنسان بأنَّ دراسة موضوع القاصرات من قبل علماء شرعيين، هو أشبه ما يكون بالكلمات التقليدية لإضفاء الشرعيَّة: [ بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة. أو وفق الضوابط الشرعية ] !. ولماذا إبهام هؤلاء العلماء ؟ فهم نكرة غير معروفين !. ثمَّ نقول: لماذا تُعلن هيئة حقوق الإنسان هذا التوجُّه، وتُعلنُ الإصرارَ عليه في هذا الوقت، كما جاء في تصريح نائب رئيس الهيئة: « أنَّ موقف هيئة حقوق الإنسان ثابتٌ في هذا الزواج ولن يَتغيَّر »، ولعلَّ المناسبة: ما استجدَّ حول تقنين الأحكام الشرعية. وبعدُ: فهذا التوجُّه من هيئة حقوق الإنسان ووزارة العدل، وسعيهما إلى إعداد نظامٍ جديدٍ يُقنِّنُ زواج القاصرات في المملكة، توجُّه غيرُ رشيدٍ، وسعي في باطل، فإنَّ سَنَّ قانونٍ يَمنعُ مِن تزويج الصغيرات، ويُحدِّدُ سِنَّاً لزواجهنَّ، أو زواج الكبيرات، مُخالفٌ لدلالة الكتاب، والسنة، ولِما أجمعَ عليه المسلمون من عهد الصحابة رضوان الله عليهم، كما قرَّر ذلك الأئمةُ في مُصنَّفاتهم في المذاهب الأربعة، وغيرها، وممن نقَلَ الإجماعَ على جواز زواج الصغيرة: ابن المنذر، والنووي، وابن عبد البر، والموفَّق ابن قدامة، والكاساني رحمهم الله. وهذا القانون الذي تسعى إليه هيئة حقوق الإنسان ووزارة العدل لمنع زواج القاصرات والصغيرات: تحقيقٌ لهدف الدَّعوة إلى منع الزواج الْمُبكِّر للبنين أو البنات، وهي دعوةٌ مُضادَّةٌ للمقصود الأعظم من النكاح في شريعة الإسلام، وهو الإعفاف عن الحرام بغضِّ البَصَر، وتحصين الفرج. ولَمَّا أمرَ اللهُ المؤمنين والمؤمنات بغضِّ أبصارهم، وحفظ فروجهم، أمَرَ بما يُحقِّقُ ذلك، وهو إنكاحُ الأيامى من الأحرار والعبيد والإماء، قال تعالى: ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﮊ، والأيِّمُ: كلّ مَن لا زوج له، وقال : « يا مَعْشرَ الشباب مَن استطاعَ منكم الباءة فليتزوَّج، فإنه أغضُّ للبصر وأحصنُ للفرج، ومَن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء » متفق عليه. وهذا الحديث وإن كان خطاباً للشباب وهم الذكور، فمعناه شاملٌ للإناث، فعلى البنين والبنات أن يُبادروا إلى الزواج عَمَلاً بهذه الوصيَّة النبويَّة، ولتحصيل ما في النكاح من المصالح الشرعيَّة. وكلُّ قانونٍ يُضادُّ حكم الشريعة ومقصودها: فهو من الحكم بغير ما أنزل الله. فإنَّ منعَ تزويج الصِّغار وتحديد سنّ النكاح هو من تحريم الحلال. وإذن فلا حُرمة لهذا القانون، وتجوز مخالفته، ولا يفسد النكاح بمخالفته. ومنعُ الزواج الْمُبكِّر من أعظم الأسباب للوقوع في الفواحش، ولا سيِّما في هذا العصر الذي زخَرَ بأسباب إثارة الغرائز، وإلهاب الشهوات، ولهذا جاءت الشريعةُ الكاملةُ بالترغيب في النكاح، تحصيلاً لمصالحه، ودرءاً لمفاسد تركه. وما يُذكر في تزويج الصغيرات أو الزواج الْمُبكِّر من مفاسد وأضرار، أو ظلم من بعض الأولياء، يَجبُ أن يُعالَج بالطرق الشرعيَّة، لا يُعالَجُ بسنِّ قوانينَ وضعيَّة، هي أعظمُ ضَرَراً وفساداً في العقيدة والسلوك، ولا يَرتفعُ بها الضَّررُ المحذور، فإنَّ أصحاب الأغراض يَحتالون على القوانين للتوصُّل إلى أغراضهم. ولِما تقدَّم : يَجبُ على الهيئة، ووزارة العدل: الرُّجوع عن هذا التوجُّه في شأن سِنِّ الزواج، وترك الأمر على ما مضى عليه المسلمون، مما لم ترد الشريعة فيه بتحديدٍ ولا تقييدٍ. ثمَّ ما يَقعُ من مشكلاتٍ يُعالَج من قبل المحاكم الشرعيَّة، كما هو الشأن في سائر القضايا. وفَّقَ اللهُ ولاة أمرنا للثبات على تحكيم الشريعة في جميع الأمور، وأعاذهم من شرِّ أعداء الإسلام، وحَفظَ هذه البلاد المباركة من كيد الكائدين، وصلَّى اللهُ وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أملاه عبد الرحمن بن ناصر البراك حرر في 6/9/1430هـ بيان الشيخ العلاَّمة / عبد المحسن بن حمد العباد البدر حفظه الله لا تحديد في الإسلام لبدء سِنِّ الزواج ولا لانتهائه (الحمد لله الذي خلق الناس من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً، وأكمل أقسام خلق الناس الأربعة بخلق عيسى عليه الصلاة والسلام من أُنثى وهو على كلِّ شيءٍ قدير، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، له ملك السموات والأرض، ﮋ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﮊ. وأشهدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله البشيرُ النذيرُ والسراجُ المنير، صلَّى اللهُ وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وكل مَن كان على هديه يسير. وبعد: فإنَّ الزَّواج سنة المرسلين، وقد أمر الله به في كتابه المبين، قال اللهُ عزَّ وجل: ﮋ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮊ، وقال: ﮋ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮊ. وقال: ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﮊ. وقصر النكاح على الزوجات وملك اليمين، ومَن تركه رغبةً عنه ولو كان انقطاعاً للعبادة فهو مذمومٌ ؛ لقوله : « فمَن رَغبَ عن سُنتي فليسَ مني » رواه البخاري 5063 ومسلم 1401. ومَن تجاوزه إلى غيره فهو عادٍ ملوم ؛ لقوله تعالى في سورتي المؤمنون والمعارج: ﮋ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﮊ. وجاء في السنة المطهَّرة الترغيب فيه والحث عليه. قال : « يا معشر الشباب ! مَن استطاع منكم الباءة فليتزوَّج ؛ فإنه أغضُّ للبصر، وأحصن للفرج، ومَن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجَاء » رواه البخاري 5066 ومسلم 3398. ولم يأت في الشرع تحديد سنّ الزواج ابتداءً وانتهاءً. فللرَّجُل أن يتزوَّج الصغيرة، وله أن يتزوَّج الكبيرة، ولو تباعد ما بينهما في السنّ. والرَّجال والنساء يتفاوتون في البلوغ سرعةً وتأخُّراً، ومَن بلغَ منهم خمس عشرة سنة فهو بالغ ؛ لحديث عبد الله بن عمر { في عَرْضه للجهاد وهو ابن أربع عشرة سنة، فلم يُجزه رسول الله ، وعَرَضه وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه. رواه البخاري 2664 ومسلم 4837. وفي صحيح البخاري عقب الحديث قال نافعٌ: « فقدمتُ على عمر بن عبد العزيز وهو خليفةٌ فحدَّثته هذا الحديث فقال: إنَّ هذا لحدٌّ بين الصغير والكبير، وكتبَ إلى عُمَّاله أن يفرضوا لمن بلغ خمس عشرة ». وكذا في صحيح مسلم وزاد: « ومَن كان دون ذلك فاجعلوه في العيال ». والمعنى: أن بلوغ خمس عشرة سنة علامة ظاهرة للبلوغ والحدّ بين الصغير والكبير، ولا ينافي ذلك أن يقع حدٌّ بين الصغير والكبير قبل ذلك بعلامات خفيَّة، وهي الاحتلام، ونبات شعر خشن حول القبل، والحيض كما سيأتي. ومَن كان دون الخامسة عشرة ونبتَ له شعرٌ خشنٌ حول قبله فهو بالغ ؛ لحديث قصَّة بني قريظة، والتفريق بنبات الشعر بين البالغ وغيره رواه أبو داود 4404 بإسناد صحيح على شرط الشيخين. وكذا مَن حَصَلَ له الاحتلام قبل هذه السنِّ فهو بالغ. قال الحافظ ابن حجر في الفتح 5/277: « وقد أجمعَ العلماءُ على أنَّ الاحتلام في الرِّجال والنساء يلزمُ به العبادات، والحدود، وسائر الأحكام، وهو إنزال الماء الدافق سواء كان بجماع، أو غيره، سواء كان في اليقظة، أو المنام، وأجمعوا على أن لا أثر للجماع في المنام إلاَّ مع الإنزال ». وتزيد المرأة علامة رابعة للبلوغ وهي الحيض. لقوله : « لا يَقبلُ اللهُ صلاة حائض إلاَّ بخمارٍ » رواه أبو داود 641 بإسناد صحيح على شرط مسلم. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح 5/277: « وقد أجمعَ العلماءُ على أن الحيض بلوغ في حق النساء ». ومن أمثلة حصول البلوغ المبكِّر بالاحتلام والحيض ما أورده البخاري في صحيحه قبل حديث 2664 عن المغيرة بن مقسم الضبي قال: « احتلمتُ وأنا ابن ثنتي عشرة سنة ». قال الحافظ في شرحه: « جاء مثله عن عمرو بن العاص، فإنهم ذكروا أنه لم يكن بينه وبين ابنه عبد الله بن عمرو في السن سوى اثنتي عشرة سنة »، وقال البخاري أيضاً: « وقال الحسن بن صالح: أدركتُ جارةً لنا جدَّةً بنت إحدى وعشرين سنة ». وقال الحافظ في شرحه: « وقد ذكر الشافعيُّ أيضاً أنه رأى جدَّةً بنت إحدى وعشرين سنة، وأنها حاضت لاستكمال تسع، ووضعت بنتاً لاستكمال عشر، ووقع لبنتها مثل ذلك ». وقد بلغني عن بعض مَن أعرفهم أنَّ من بناتهم مَن حََصَلَ لهنَّ الحيض وهنَّ في مرحلة الدراسة الابتدائية لم يتجاوزن سن الثانية عشرة، ومنهم مَن ذهَبَ بهنَّ لأداء فريضة الحج. وقد دلَّ كتابُ الله، وسنة رسوله ، وإجماع أهل العلم: على جواز نكاح الكبير الصغيرة، ولو كانت دون سنّ البلوغ، أو بلغت، وتباعد ما بينهما في السنِّ، ومن ذلك : 1) قول الله عزَّ وجلَّ: ﮋ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﮊ، أي: فعدتهن ثلاثة أشهر - وهذا من أمثلة حذف المبتدأ والخبر لدلالة السياق عليه - ففي الآية الكريمة: أنَّ المرأة التي لم تحض إذا طُلِّقت فعدتها ثلاثة أشهر، وهي دلالةٌ واضحةٌ على جواز تزويج البنت الصغيرة قبل حصول حيضها. 2) وقوله تعالى: ﮋ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﮊ، فقد دلَّت الآية على أنَّ من صفات النساء اللاتي يجعلهنَّ اللهُ بدلاً من أزواجه إنْ طلَّقهنَّ: الثيبات والأبكار، وهو دليلٌ على زواج الكبير بالصغيرة. 3) قوله تعالى: ﮋ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮊ الآية، وقوله تعالى: ﮋ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﮊ، روى البخاري في صحيحه 4574 عن عروة: « أنه سأل عائشة < عن قول الله تعالى: ﮋ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ، فقالت: يا ابن أختي ! هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله، ويُعجبه مالها وجمالها، فيريد وليها أن يتزوَّجها بغير أن يُقسط في صداقها، فيُعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنُهوا عن ذلك إلاَّ أن يُقسطوا لهنَّ، ويبلغوا لهنَّ أعلى سنتهنَّ في الصداق، فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهنَّ، قال عروة: قالت عائشة <: وأنَّ الناس استفتوا رسول الله بعد هذه الآية فأنزل الله: ﮋ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﮊ » الحديث، وفي ذلك دلالة على أنَّ ولي اليتيمة إذا أقسط لها في صداقها وأعطاها ما تستحقُّه كمثيلاتها جاز له زواجها، واليتيمة هي التي لم تبلغ، قال في القاموس المحيط: « وهو يتيم ويتمان: ما لم يبلغ الحلم ». 4) حديث عائشة <: « أن النبيَّ تزوَّجها وهي بنت ست سنين، وأُدخلَت عليه وهي بنت تسع، ومكثت عنده تسعاً » رواه البخاري 5133 ومسلم 3479، ولا يُقال: إنَّ هذا من خصائصه ؛ لأنَّ الأصل عدم الخصوصيَّة، بل يدلُّ لعموم الحكم الإطلاق في آية سورة الطلاق المتقدِّمة. 5) حديث جابر > في قصة زواجه بعد وفاة أبيه، وقد قال رسول الله : « هل تزوَّجتَ بكراً أم ثيباً ؟ فقلتُ: تزوَّجتُ ثيباً، فقال: هلاَّ تزوَّجتَ بكراً تُلاعبها وتلاعبك ؟ فقلتُ: يا رسول الله ! توفي والدي أو استُشهدَ وليَ أخواتٌ صغارٌ فكرهتُ أن أتزوَّج مثلهنَّ، فلا تُؤدِّبهنَّ ولا تقوم عليهنَّ، فتزوَّجتُ ثيباً لتقوم عليهنَّ وتُؤدِّبهنَّ » رواه البخاري 2967 ومسلم 3636، ففي الحديث تنبيه النبيِّ جابراً إلى أولوية زواجه من بكْرٍ، لكنه > لم يكن فَعَلَ ذلك إيثاراً لمصلحة أخواته على مصلحته. 6) أثر عمر > في عَرضه ابنته حفصة على أبي بكر وعثمان {، وهما أكبر منه سناً، رواه البخاري 5122. 7) قول عثمان بن عفان > في زمان خلافته لعبد الله بن مسعود >: « هل لكَ يا أبا عبد الرحمن في أن نُزوِّجكَ بكراً تُذكِّرك ما كنتَ تعهدُ ؟ » رواه البخاري 5065 ومسلم 3636، ففيه عرض عثمان على ابن مسعود - وهو كبيرٌ - الزواج من بكرٍ تُذكِّره ما كان يَعهدُ في شبابه. 8) زواج عمر > بأم كلثوم بنت علي من فاطمة } رغبة في مصاهرة أهل بيت رسول الله ، وهو أكبرُ من أبيها بسنين كثيرة، وقد كان عمره عام الهجرة أربعين سنة، وزواج عليٍّ بفاطمة إنما كان بعد الهجرة. وأما الإجماع على تزويج الأب ابنته الصغيرة: فقد حكاه جماعة من العلماء. قال محمد بن نصر المروزي في اختلاف الفقهاء ص125: « وأجمع أهل العلم على أنَّ نكاح الأب جائزٌ على ابنه وابنته الصغيرين، ولا خيار لهما إذا أدركا ». وقال ابن المنذر في الإجماع ص91: « وأجمعوا أن نكاح الأب ابنته الصغيرة جائز إذا زوَّجها بكفء ». وقال النووي في شرح مسلم 9/206: « وأجمع المسلمون على جواز تزويجه بنته الصغيرة لهذا الحديث »، يعني حديث زواج الرسول بعائشة <. وحكاه أيضاً ابن رشد في بداية المجتهد 2/6، وابن قدامة في المغني 9/398، وغيرهما. وكما دلَّت الأدلة المتقدِّمة على جواز نكاح الكبير الصغيرة ولو كانت دون سنّ البلوغ، أو بلغت، وتباعد ما بينهما في السنّ، فإنه الذي عليه عمل الناس قديماً وحديثاً، ومن أمثلة ذلك في عصرنا : أنَّ شيخ مشايخنا الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ~ مفتي المملكة العربية السعودية ورئيس قضاتها في زمانه، تزوَّج وهو في كبره اثنتين من الأبكار، إحداهما بعد الأخرى، وقد ماتَ عن الثانية منهما. وتزوَّج شيخنا الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ~ وهو كهلٌ في سنِّ الإمام الشافعي ~ زوجته الثانية، وولدت له ابنين وثلاث بنات. وفي ترجمة الشيخ فوزان السابق ~ في الأعلام للزركلي 5/162: أنه كان مُعتمَداً للملك عبد العزيز ~ في دمشق ثمَّ في القاهرة، وأنه رُزقَ بابنٍ وهو في نحو الثمانين من عمره، فأبرقَ له الملك عبد العزيز ~: « سبحان من يحيي العظام وهي رميم! »، وأنه وُلدَ سنة 1275هـ، وتوفِّي سنة 1373، وعلى هذا فعمره ثمانية وتسعون عاماً، والسنة التي توفِّي فيها هي السنة التي توفِّي فيها الملك عبد العزيز ~، وفي برقية الملك عبد العزيز له مُداعبة لطيفة. وقد حَصَلَ للملك عبد العزيز قريبٌ من هذا ؛ فقد وُلدَ له آخر أبنائه وهو في سنّ الرابعة والسبعين ~. ومن المعلوم أنَّ النساء يلدن قبل انقطاع الحيض عنهنَّ، وانقطاع الحيض عنهنَّ في الغالب عند بلوغ خمسين سنة. وفي تحديد سنِّ الزواج بحدٍّ لا تُزوَّجُ الفتاة إلاَّ بعد بلوغه كما حَصَلَ في بعض البلاد خارج المملكة محاذير، منها : 1) أنَّ فيه تفويت الكفء الخاطب على المخطوبة. 2) أنَّ فيه تعريضاً للوقوع في الكذب والتحايل على السلامة من هذا التقييد غير المشروع، وقد بلغني أن رجلاً خطب فتاة سنِّهُ أضعاف سنها، فعمل أهلها على استخراج بطاقة لها لم يكن فيها بينهما في السن سوى عقد واحد، وقد تزوَّجها وأنجبت منه. 3) أنَّ فيه تقييداً لما أطلقه الله في آية سورة الطلاق وتضييقاً لما وسَّعه الله، لا يُقال: إن مثل ذلك التقييد تنظيم في أمر مباح ؛ فإنَّ الزواج بأكثر من زوجة واحدة مثل ذلك، وليس لأحدٍ أن يُصدر تنظيماً يمنع من ذلك، أو يمنع من الزواج بالثانية أو الثالثة أو الرابعة ؛ لأن في ذلك اعتراضاً على شرع الله، وليس مع الذين يُنادون بما زعموه تنظيماً إلاَّ وجود بعض حالات شاذة من زواج الصغيرات لم يحالفها التوفيق، وانتهت بالطلاق، مع أن الزواج بالصغيرات قليلٌ، فلا تتخذ ذريعة إلى المنع من زواج الصغيرات، فإن فشل النكاح يُوجد بكثرة في نكاح غير الصغيرات. وأمَّا زواج الرَّجل ممن هيَ أكبر منه في السنِّ: فيدلُّ له زواج رسول الله بخديجة < ؛ لأنه تزوَّجها وهو في الخامسة والعشرين من عمره وهي في الأربعين من عمرها، وولدت له أولاده كلهم إلاَّ إبراهيم، ويدلُّ له أيضاً أمره فاطمة بنت قيس < بعد أن طلَّقها زوجها أبو حفص بن المغيرة آخر تطليقة لها أن تنكح أسامة بن زيد > - وهو دون العشرين من عمره - كما في صحيح مسلم 3702 - 3704. ولا عبرة بكون زواج الكبير من الصغيرة الذي دلَّ عليه الكتاب، والسنة، والإجماع لا يروق لهيئة حقوق الإنسان الأممية التي تستندُ إلى ديمقراطية الغرب الزائفة، ولا لمن قلَّدها تقليداً أعمى ؛ لأنَّ المسلمين يستندون في أحكام دينهم إلى كتاب ربِّهم، وسنة نبيهم ، وأمَّا ديمقراطية الغرب فهي تستندُ إلى اتباع الأهواء، والمسلمون مأمورون باتباع الكتاب، والسنة، ومنهيون عن اتباع الأهواء، قال الله عزَّ وجل: ﮋ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﮊ، وقال: ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﮊ، وقال: ﮋ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﮊ، وقال: ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮊ، وقال: ﮋ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﮊ ، وقال: ﮋ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﮊ، وقال: ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﮊ. وقد كتبتُ رسالةً بعنوان: العدل في شريعة الإسلام وليس في الديمقراطية المزعومة، طُبعت مفردة عام 1426هـ، وطُبعت ضمن مجموعة كتبي ورسائلي 6/329-377 عام 1428هـ، أوردتُ فيها مبحثاً بعنوان: شمول عدل الإسلام حقوق الإنسان. قلتُ في آخره: ومَعَ سبقَ الإسلام إلى بيان حقوق الإنسان وغيرها حتى حقوق الحيوان، فقد وُجدَ في هذا الزمان ممن لهم صولة وجولة من يتشدَّقون بتَبَنِّي حقوق الإنسان والدِّفاع عنها وكأنَّ ذلك من منجزات هذا العصر، وقد نصَّبوا أنفسَهم للدِّفاع عن هذه الحقوق ولكن على حسب أهوائهم، فيُهدرون ما يشاؤون إهداره من تلك الحقوق، ويُدافعون بزعمهم عمَّا يشاؤون الدفاع عنه منها، وهكذا يفعل القويُّ مع الضعيف، والمتسلِّطُ مَعَ مَن يتسلَّط عليه، وما وضعوه من حقوق للإنسان فهو ناقص لنقصهم، وما جاءت به الشريعة من حقوق الإنسان فهو كامل وافٍ لكمال الشريعة، ووفائها بكلِّ ما يحتاجه الناس ؛ لأنَّها تنزيلٌ من الحكيم العليم. وأسألُ اللهَ عزَّ وجلَّ أن يُوفِّق المسلمين للتمسك بكتاب ربِّهم وسنة نبيهم ، والسلامة من الأهواء المضلَّة، ومن كلِّ ما يعود عليهم ضرره في الدنيا والآخرة، وأن يحفظ على بلاد الحرمين أمنها وإيمانها وسلامتها وإسلامها، وأن يُوفِّقها حكومةً وشعباً لما فيه السعادة في الدنيا والآخرة. وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه. 3/9/1430هـ عبد المحسن بن حمد العباد البدر بيان الشيخ / عمر بن سليمان الأشقر الأردني (ذهب بعضُ الفقهاء المعاصرين إلى المنع من تزويج الأولياء الصغار، كما ذهب هذا المذهب قوانين الأحوال الشخصية في كثير من البلاد الإسلامية. وهذا التوجُّه ضعيف المستند، مُخالفٌ لقول جمهور أهل العلم، بل هو مُخالفٌ لإجماعهم، وهو قولٌ شاذ، لا يجوز اعتماده، وقد نقل جمعٌ من أهل التحقيق والعلم بالخلاف إجماع أهل العلم على جواز تزويج الولي الصغير والصغيرة، ومن هؤلاء ابن المنذر، وابن قدامة، وابن حجر، والذين لم يُجيزوا تزويج الولي للصغيرة لا يجوز أن توضع أقوالهم في مصافِّ العلماء الأفذاذ الذين يُعتدُّ بخلافهم، فممن قال بذلك أبو بكر الأصم من فقهاء المعتزلة، وخلاف المعتزلة لا يُعتدُّ به عند علماء أهل السنة حال اتفاق أهل السنة على قول. ولم يُعرف عن واحدٍ من أهل السنة أنه قال بعدم جواز تزويج الصغيرة إلاَّ قاض من قضاة الكوفة كان في عهد الخليفة المنصور يُدعى ابن شبرمة، والاعتماد على قول ابن شبرمة وترك المذهب الذي قال به الأئمة الأربعة وفقهاء الأمصار، خاصة وأن مذهب ابن شبرمة لم يُهذَّب ولم يُحقَّق، ومنه هذه المسألة، فقد نُقل عنه القول بالمنع مطلقاً، ونُقل عن ابن شبرمة أيضاً - فيما حكاه ابن حجر - أنه منع تزويج مَن لا تصلحُ للوطء، ولم يمنع تزويج الصغيرة. ونقل ابنُ قدامة عن ابن شبرمة أنه أجاز تزويج كلّ الأولياء أباً أو غيره من الصغار، ولهم الخيار إذا بلغوا، ومَعَ هذا الاضطراب في النقل عن ابن شبرمة فلا يجوز أن يُجزم بمذهبه من غير تحقيق)( ). فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية في جواز تزويج الصغيرة (السؤال الأول من الفتوى رقم 18734 س: هل صحيح أنَّ زواج الرسول لعائشة < وهي صغيرة خصوصية من خصوصياته، أم أنه تشريع للأمة ؟ ألا يجوز الدَّخُول على غير البالغة ؟ إذا كان لا يجوز الدخول فكيف تعتدّ ثلاثة أشهر ؟. ج: النبيُّ خطَبَ عائشة < وهيَ بنت ست سنين، ودخَلَ بها في المدينة وهي بنت تسع سنين، وليس هذا خاصَّاً به ، فيجوزُ العقدُ على الفتاة قبل بلوغها، ويجوز الدَّخُولُ بها ولو قبل البلوغ إذا كانت ممن يُوطأُ مثلها. أمَّا عدَّة غير البالغة فالله سبحانه وتعالى جَعَلَ عدَّة الآيسة من المحيض، والتي لم تحض لصغرها ثلاثة أشهر، قال تعالى: ﮋ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﮊ أي: كذلك عدَّتهن ثلاثة أشهر، وغير البالغة تدخل في قوله: ﮋ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﮊ. وبالله التوفيق، وصلَّى الله على نبيِّنا محمد وآله وصحبه وسلّم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء( ) عضو عضو عضو نائب الرئيس الرئيس بكر أبو زيد صالح الفوزان عبد الله بن غديان عبد العزيز آل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز قرار هيئة كبار العلماء رقم (179) وتاريخ 23/3/1415 (الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهداه. أمَّا بعد: فإنَّ مجلس هيئة كبار العلماء في دورته الاستثنائية الثامنة المنعقدة في مدينة الطائف في الفترة من 20/3/1415هـ إلى 23/3/1415هـ نظَرَ في برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية المرفق بمذكرة الأمانة العامة للأمم المتحدة، الذي سيُعقد في القاهرة بتاريخ 29/3/1415هـ إلى 8/4/1415هـ الموافق 5-13 سبتمبر عام 1994م واطَّلَعَ على ما صَدَرَ حولَ البرنامج من : 1 - الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي. 2 - الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي. 3 - مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة برئاسة سماحة شيخ الأزهر. 4 - المركز الدولي الإسلامي للدراسات والبحوث السكانية بجامعة الأزهر. كما اطَّلَعَ على الدِّراسة المقدَّمة من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية إلى المجلس. وبعد الدراسة، وتبادل الآراء، اتضح للمجلس ما يلي : 1 - تبنِّي هذا البرنامج في ظاهره المشكلة السكانية القادمة، والتي سببها في نظر معدِّي البرنامج تكاثر السكان لكثرة النسل أمام قلَّة الموارد، مما سيُؤدِّي إلى مشكلة الفقر العام حسب زعمهم. 2 - قُدِّم لهذا المؤتمر مسودة وثيقة كبرنامج عمل حسبما وافقت عليه اللجنة التحضيرية للمؤتمر المنعقدة في نيويورك من 20 إلى 22 نيسان - إبريل عام 1994م وهي تتكوَّن من 16 فصلاً في 121 صفحة بصياغة تعتمد التصريح حيناً، والمفهوم والتلويح حيناً آخر بما يُفضي إلى الإباحية. 3 - ركَّزت الوثيقة كعلاج لذلك على الدَّعوة إلى أمرين: الأول: الدَّعوة إلى الحريَّة والمساواة بين الرَّجُل والمرأة، والقضاء التام على أيِّ فوارقٍ بينهما، حتى فيما قرَّرته الشرائع السماوية واقتضته الفطرة، وحتَّمته طبيعة المرأة وتكوينها، وعقدت الوثيقة لذلك فصلاً كاملاً، هو الفصل الرابع بعنوان: المساواة بين الجنسين والإنصاف وتمكين المرأة. وفي مواضع أخرى من الوثيقة كما في الفصل الثاني: المبدأ / 2، والمبدأ / 7، والفصل الثالث: م / 18، م / 30، والفصل الحادي عشر: الأهداف / أ ب ح، والفصل الخامس عشر: المبدأ / 9. الثاني: الدَّعوة إلى فتح باب العلاقات الجنسية المحرَّمة شرعاً، واتخذت له من الوسائل الآتي : (أ) السماح بحرية الجنس وأنواع الاقتران الأخرى غير الزواج، والدَّعوة إلى الإجراءات الكفيلة بذلك: فصل 2/7، وفصل 5/5، وفصل 6/11 وفصل 6/15، وفصل 7/1، 7/2. (ب) التنفير من الزواج المبكر، ومعاقبة من يتزوج قبل السنِّ القانونية، وإتاحة بدائل تُغني عن الزواج المبكر، من قبيل توفير فرص التعليم والعمل كما في الفصل الرابع مبدأ /21 والفصل السادس مبدأ /7 فقرة ج ومبدأ /11. (ج) العمل على نشر وسائل منع الحمل، والحدِّ من خصوبة الرجال، وتحديد النسل، بدعوى تنظيم الأسرة. والسماح بالإجهاض المأمون، وإنشاء مستشفيات خاصة له، وحثّ الحكومات على ذلك وتكون التكاليف قليلة جداً، كما في الفصل 3/13، والفصل 4/ جـ27, والفصل 7/ 31، 7/ 37، والفصل 11/ 8، والفصل 12 / 14، والفصل 15/ 16. (د) التركيز على التعليم المختلط بين الجنسين وتطويره، لأنه من أعظم إزالة الفوارق بين الجنسين، وتعويق الزواج المبكر، وتنشيط الاتصال الجنسي كما في الفصل السادس، الهدف/ج، والفصل الحادي عشر / الإجراء /8. (هـ) التركيز على تقديم الثقافة الجنسية للجنسين بسنٍّ مبكر: سن الطفولة والمراهقة، كما في الفصل 4/ 29، والفصل 6/ 7، (ب) و6/15 والفصل 7/ 5، و 7/6. (و) تسخير الإعلام لتحقيق هذه الأهداف كما في الفصل 11/16. 4 - نتيجة لهذه الدَّعوة للإباحية، ولعلمهم المسبق بما يترتب على الانفلات الجنسي، ركَّزت الوثيقة على الخدمات الصحية التناسلية والجنسية، وكيفية معالجة ما يقع من الأمراض الجنسية، والحمل، وبخاصة: الإيدز. 5 - إهمال التعاليم الدينية، والقيم الإنسانية، والاعتبارات الأخلاقية، وعدم إقامة أيّ وزن لها. (6) إعلان الإباحية، والمحادة لله ولرسوله ، ولدينه وشرعه، وسلب قوامة الإسلام على العباد، وسلب ولاية الآباء على الأبناء، وقوامة الرِّجال على النساء، وإلغاء ما دلَّت عليه الشريعة الإسلامية من مقومات وضوابط وموانع في وجه الإباحية والتحلُّل، وفوضى الأخلاق، والتفسُّخ من الدين. ومن خلال توافر هذه المعلومات الموثقة من نصوص الوثيقة ومضامينها، فإنها تُؤدِّي إلى المنكرات والآثار السيئة التالية: 1 - نشر الإباحية، وتعقيم البشرية، وتحويلها إلى قطعان بهيمية مسحوبة الهوية من الفضيلة والخلق والعفة والطهارة التي تُؤكِّدُ عليها تعاليم الدين. 2 - هتك حُرُمات الشرع الإسلامي المطهَّر المعلومة منه بالضرورة، وهي حرمات: الدِّين، والنفس، والعرض، والنسل. فالإباحية هتكٌ لحرمة الدِّين، والإجهاض بوصفه المذكور في الوثيقة هتكٌ لحرمة النفس، وقتل للأبرياء، والعلاقات الجنسية من غير طريق الزواج الشرعي هتكٌ لحرمة العرض والنسل. 3 - جميع ذلك تحدٍّ لمشاعر المسلمين، ومصادرة لقيمهم ومثلهم الإسلامية. 4 - جميع ذلك أيضاً هجمة شرسة، ومواجهة عنيفة للمجتمع الإسلامي لتحويل ما فيه من عفَّة وطهارة عرض وحفظ نسل إلى واقع المجتمعات المصابة بأمراض الشذوذ الجنسي والانفلات في الأخلاق، وعليه فإنَّ مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية يُقرِّرُ بالإجماع ما يلي : أولاً: أنَّ ما دعت إليه هذه الوثيقة من المبادئ والإجراءات والأهداف الإباحية مخالفٌ للإسلام، ولجميع الشرائع التي جاءت بها الرُّسل عليهم الصلاة والسلام، وللفطر السليمة، والأخلاق القويمة، وكفرٌ وضلال. ثانياً: لا يجوزُ شرعاً للمسلمين حضور هذا المؤتمر الذي هذا من مضمون وثيقة عمله، ويجب عليهم مقاطعته وعدم الاشتراك فيه. ثالثاً: يجبُ على المسلمين حكومات وشعوباً وأفراداً وجماعات الوقوف صفاً واحداً في وجه أيّ دعوة للإباحية، وفوضى الأخلاق، ونشر الرذيلة. رابعاً: يجبُ على كلِّ مَنْ ولاَّه الله شيئاً من أمور المسلمين أن يتقي الله في نفسه وفي رعيَّته، وأن يسوسهم بالشرع الإسلامي المطهَّر، وأن يسدَّ عنهم أبواب الشر والفساد والفتنة، وألاَّ يكون سبباً في جرِّ شيء عليهم، وأن يُحكِّم شريعة الله في جميع شؤونهم. ونُذكِّرُ الجميع بقول الله سبحانه: ﮋ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﮊ. وبقوله عزَّ وجل: ﮋ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﮊ. واللهُ المسئول أن يوفق جميع المسلمين حكومات وشعوباً لِما فيه رضاه، وأن يُصلح أحوالهم، وأن يمنحهم الفقه في الدين، ويعيذهم جميعاً من مُضلات الفتن ونزغات الشيطان إنه على كلِّ شيء قدير. وصلَّى الله وسلَّم على عبده ورسوله نبينا محمد، وآله وأصحابه وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين. هيئة كبار العلماء الرئيس عبد العزيز بن عبد الله بن باز صالح بن محمد اللحيدان راشد بن صالح بن خنين محمد بن إبراهيم بن جبير عبد الله بن سليمان المنيع عبد الله بن غديان صالح بن فوزان الفوزان محمد بن صالح العثيمين عبد الله البسام حسن بن جعفر العتمي عبد العزيز آل الشيخ ناصر بن حمد الراشد محمد بن عبد الله السبيل عبد الله بن محمد آل الشيخ محمد بن سليمان البدر عبد الرحمن المرزوقي عبد الله التركي محمد بن زيد آل سليمان بكر بن عبد الله أبو زيد عبد الوهاب أبو سليمان صالح بن عبد الرحمن الأطرم)( ) فهرس الموضوعات مقدمة الطبعة الثالثة. تقديم الشيخ / صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله. 3 4 تقديم الشيخ / عبد الرحمن بن عبد الله العجلان حفظه الله. 5 تقديم الشيخ / عبد الله بن محمد الغنيمان حفظه الله. 6 تقديم الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله الراجحي حفظه الله. 7 تقديم الشيخ / عبد الرحمن بن صالح المحمود حفظه الله. 9 تقديم الشيخ / عبد الله بن عبد الرحمن السعد حفظه الله. 11 المقدمة. 12 التمهيد وفيه مطلبان : المطلب الأول: الْمُراد بالتَّقنينِ. المطلب الثاني: تاريخُ الدَّعوةِ إلى تقنينِ الأحكام الشرعيَّةِ. 16 16 الفصلُ الأول: الأدِلَّةُ على تحريم تقنينِ الأحكام الشَّرعيَّةِ. الفصلُ الثاني: أدلة القائلين بجواز التقنين والجواب عنها. الفصلُ الثالث: حلول عمليَّة للاستغناء عن التقنين. الفصلُ الرابع: أشهرُ العلماءِ القائلين بتحريم تقنين الأحكام الشرعيَّة. الخاتمةُ. الملحق وفيه: حكم تقنين تزويج الصغيرات وتحديد سنِّ الزواج. 1 - تاريخ الدَّعوة إلى سَنِّ قوانين بمنع زواج الصغيرات وتحديد سن الزواج نماذج من أقوال أهل الطب في زواج الصغيرة. 2 - بيان الشيخ الإمام / عبد العزيز بن عبد الله بن باز. 3 - بيان الشيخ العلاَّمة / محمد بخيت المطيعي مفتي الدِّيار المصرية. 4 - بيان الشيخ العلاَّمة / أحمد بن محمد شاكر. 5 - بيان الشيخ العلامة / محمد الشاذلي ابن القاضي التونسي. 6 - بيان الشيخ العلاَّمة / صالح بن فوزان الفوزان. 7 - بيان الشيخ العلاَّمة / عبد الرحمن بن ناصر البراك. 8 - بيان الشيخ العلاَّمة / عبد المحسن بن حمد العباد البدر. 9 - بيان الشيخ / عمر بن سليمان الأشقر الأردني. 10 - فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء في جواز تزويج الصغيرة. 11 - قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة حول المؤتمر الدولي للسكان والتنمية. فهرس الموضوعات. 22 43 49 52 54 58 59 77 82 85 101 102 103 106 111 120 121 122 127 |
الإشارات المرجعية |
أدوات الموضوع | |
طريقة العرض | |
|
|