بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » الوقف الابتداء في كتاب الله ,, آداب وأحكام .

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 08-08-2011, 10:20 AM   #1
أبو سليمان الحامد
كاتب مميّز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2006
البلد: في مكتبتي
المشاركات: 1,537
الوقف الابتداء في كتاب الله ,, آداب وأحكام .







إن من أعظم أسباب البلاغة لدى المتكلم توخيه مقاطع الكلام , ومعرفة الوقف والابتداء في حديثه , كما قال معاوية رضي الله عنه لأحد خطبائه : " يا أشدقُ , قم عند قروم العرب وجَحَاجِحها , فَسَلِّ لسانَك ... وليكنْ التفقدُ لمقاطعِ الكلام منك على بال .." الصناعتين : 439 .
وكان يزيد بن معاوية يقول : " إياكم أن تجعلوا الفصل وصلاً , فإنه أشدُّ وأعْيَبُ من اللحن " الصناعتين : 440 .
وإن أعظم كلام يتوخى قارؤه الفصل والوقف فيه كلامُ الله تعالى , حيث تتوالى الآيات والسور بأسلوب القرآن المعجِز , وبلاغته المعروفة , لكنّ قراءتَه تحتاج إلى معرفة بعلم الفصل والوصل لتظهر المعاني جليةً واضحة ؛ إذ إن الوقف والابتداء الصحيحين يعطيان الآية جمالا فوق جمالها , وروعة فوق روعتها , لتمكُنِ المعنى حينئذٍ , ووقعه على القارئ والسامع أحسن موقع !
كيف لا ؟ وهو كلام الله تعالى التي بلغ النهاية في البلاغة والفصاحة والإعجاز .

قال أبو جعفر النحاس : " فقد صار في معرفة الوقف والائتناف التفريقُ بين المعاني , فينبغي لقارئ القرآن إذا قرأ أن يتفهّمَ ما يقرؤه ويُشغلُ قلبَه , ويتفقدَ القطع والائتناف , ويحرصَ على أن يُفهمَ المستمعين في الصلاة وغيرها , وأن يكون وقفه عند كلامٍ مستغنٍ أو شبيهٍ به , وأن يكون ابتداؤه حسناً ... " القطع والائتناف للنحاس .

وإنه من المؤسف أن تجد كثيرا من الأئمة في صلاة التراويح لا يحسنون هذا العلم في كتاب الله تعالى , فيقفون حيث يجب الوصل , ويَصِلُونَ حيث يحسن الوقف , فيُفسِدُ المعنى , ويُخِلُّ بجمال الآية وروعة أسلوبها .

والحديث عن علم الوقف والابتداء في كتاب الله يطول ويطول , وقد ألفت فيه الكتب أمثال : القطع والائتناف للنحاس , وإيضاح الوقف والابتداء لابن الأنباري وغيرها , ولكن لا يمنع أن يحاول الإمام معرفة وقوفه وابتداءاته في كتاب الله قدر طاقته , فلا يقف في منتصف قصة لم تكتمل أحداثها , ولا يقف وسط أحكام متلاحقة دون أن يتم المعنى كآيات الطلاق أو الحج أو اللعان أو المواريث ونحوها .

والوقف نوعان :

اضطراري : وذلك بسبب انقطاع نفس القارئ , فإن انقطع نَفَسُه عند معنى سليم , لم تلزمه الإعادة , وإن كان الانقطاع عند معنى غير سليم لزمه أن يعيد ليتمم المعنى .
وليحذر القارئ أن يعيد من الآية ما يكون سببا في فساد المعنى من حيث لا يشعر , كما في قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (19) سورة النــور
فقد ينقطع نفسه عند كلمة ( آمنوا ) فيعيد من أقرب موضع فيقرأ : " الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ " فيفسد المعنى من حيث ظن إصلاحَه !!
ووقف اختياري : وهذا ما نتحدث عنه , حيث يجب أن يكون متمما للمعنى .
والوقف الاختياري نوعان :

وقف على رؤوس الآيات , وهذه تحتاج إلى مهارة من القارئ لمعرفة تسلسل الآيات وأحداثها , فيقف للركوع موقفا جيداً وسليماً , بحث لا يقطع سياقا واحداً بالركوع , علما أن كثيرا من الأئمة يعتمد نهاية الوجه علامة على نهاية المقطع , وهذه غير صحيح , فكثيرٌ من الأوجه في المصحف لا تكتمل معناها إلا بالوجه الآخر , وانظر للأمثلة : الوجه رقم 6 – 7 , الوجه : 10 – 11 , الوجه : 11 – 12 , الوجه 15 – 16 , الوجه : 23 – 24 ... وغيرها كثير .
فيجب على الإمام أن يتوخى موطن ركوعه , بحيث لا يركع في صلاته إلا عند نهاية المعنى , وهذا يقتضي منه أن يقرأ حزبه في صلاة التراويح قبل الصلاة إن كان ممن يقرأ تلاوة , وإن كان حافظاً كان العزمُ عليه آكدَ وأولى , لأن الحافظ يتعلق قلبه بالمعاني أكثر من غيره .
النوع الثاني من الوقف الاختياري :
وقف في وسط الآية , وهذا شأنه عجيب , لا يتقنه إلا من وهبه الله علماً وإدراكاً , وفهماً لكلام العرب , وطريقة تعبيرها .
وإنك لتلذذ بسماع تلاوة إمام يحسن مثل هذه الوقفات , فيخرج لك المعنى من الآية وكأنه يفسرها أمامك .
ومن أمثلة ذلك قول الله تعالى : {قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} (110) سورة الإسراء.
فجرِّبْ أخي القارئ أن تقرأ هذه الآية بالوقفات الأربعِ التالية :
1. " قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ"
2. " أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى " .
3. " وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا "
4. " وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً " .
فهل رأيت جمال المعنى وروعته حينما فُصِّلَتِ الآيةُ تفصيلا بيَّنَ معناها وتفسيرها ؟
ومثل ذلك قوله تعالى : {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ} (154) سورة البقرة
فتأمل الآية وجمال المعنى حينما تقف عند كلمة ( أموات ) ثم تبتدئ : بل أحياءٌ ..
وقال تعالى : {قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} (28) سورة القصص.
ما رأيك أخي الكريم أن تقف عند قوله : بينك , ثم تستأنف : أيما الأجلين قضيت فلا عدوان عليّ ..؟
أليس المعنى هكذا أجمل وأبلغ من الوصل الكامل للآية ؟؟؟
والأمثلة على ذلك كثيرة جداً , وقد وضع في المصحف بحمد الله رموز للوقف تساعد القارئ على الوقفات السليمة , فليتوخاها كل ذي لُبّ .

وأحيانا يكون الوصل أجمل في المعنى ولو كان بين آيتين كما في قوله تعالى : " وبشر الصابرين ,, الذين إذا أصابتهم مصيبة .. " فلو وصل القارئ لكان أجمل في المعنى .
ومثله قوله تعالى : {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (162) {لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } (163) سورة الأنعام
فما رأيكم بالوصل بين : لله رب العالمين لا شريك له .
ثم الوقف وابتداء : وبذلك أمرت ..
أليس هذا أجمل وأبلغ في المعنى ؟
ومنه قوله تعالى : {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ} (55) {نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ } (56) سورة المؤمنون.
ماذا لو جرب القارئ أن يصل الآية الأولى بما بعدها ليقف عند قوله : الخيرات , ثم يستأنف : بل لا يشعرون , لينظر الفرق في المعنى !

ومن طرائف الوقف غير المحمود أني صليت مع إمام في التراويح ذات ليلة , وكان يقرأ تلاوة , فوصل إلى آخر وجه من الرعد , فركع عند نهاية الوجه عند قوله تعالى : {وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ} (42) سورة الرعد , ولم يعلم أن السورة لم تنتهِ بعدُ , وإنما بقي منها آية واحدة في بداية الوجه الذي بعده وهي قوله تعالى : {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} (43) سورة الرعد .
فأخبرته بعد نهاية الصلاة أن يعتني بتحضير القراءة ومعرفة الوقفات قبل الصلاة .


نسأل الله تعالى أن يرزقنا الفقهَ في دينه , والعلمَ في كتابه , والقبولَ في العمل .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد , وعلى آله وصحبه أجمعين .

كتبه : علي بن سليمان الحامد
8/9/1432 هـ .


__________________

وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ
يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ


[ محمود سامي البارودي ]
أبو سليمان الحامد غير متصل  


قديم(ـة) 11-08-2011, 07:57 AM   #2
شمعة حنين
عـضـو
 
صورة شمعة حنين الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
البلد: عابرة سبيل ..
المشاركات: 5,867

تعلمت الشيء الكثير هنا
ما أزيده مما تعلمته أثناء دراستي
"أن العرب لا تقف إلا على ساكن"

جزاك الله خير و جعل ذلك في ميزان حسناتكم
__________________
اللهم انصر سوريا و كل مغلوب يا رب
شمعة حنين غير متصل  
موضوع مغلق

الإشارات المرجعية

أدوات الموضوع
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 10:21 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)