بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » جاء الحق وزهق الباطل .

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

 
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 10-10-2011, 05:11 PM   #14
عاشقة مكة
عـضـو
 
صورة عاشقة مكة الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jun 2011
البلد: في ظل الرحمن
المشاركات: 178
اقتباس
المشاركة الأساسية كتبها كبير المحايدين


قال الله تعالى : {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا , وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا , وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا , وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا , وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا} سورة الإسراء 78 – 82 .


قرأت هذه الآيات الكريمة بتأمُّلٍ , فرأيت فيها بشارة من الله تعالى لعباده المؤمنين قَلَّ مَنْ يفطَنُ لها , ولكنها بشارة مشروطة , وما أعْظَمَهُ من شرط!
فالآية الرابعة تبشرنا بنصرة الحق على الباطل , وأن الحق منتصر لا محالة , وجاء التعبير عن هذا الأمر بأمور :
1. دلالة الفعل الماضي : " جاء الحق .. زهق الباطل " , والفعل الماضي هنا يدل على أن الأمر منتهٍ ومفروغ منه كما لو كان ماضيا فائتا , وهذا كما قال تعالى : {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ } (68) سورة الزمر .

2. دلالة الجنس في كلمتي الحق والباطل , فـ ( أل ) في ( الحق , الباطل ) تدل على الجنس , والجنس هنا يدل على العموم , والمراد أن الحق بأنواعه قد جاء وحضَر , وأن الباطل بأنواعه وظلماتِه قد اضمحلّ وانتهى .

3. التضاد بين ( جاء – زهق ) فَلِلْوَهْلَةِ الأُولى يتبادر إلى الذهن أن ضد كلمة ( جاء ) هو ( ذهب أو انصرف .. ) ولكن التعبير القرآني العظيم أتى بكلمة أخرى وهي ( زهق ) والزَّهْقُ يعني الاضمحلال النهائي , والزوال الأكيد , ويؤكد ذلك أن الزهق جاء نتيجة حتمية لدمغِ الحق للباطل كما في قوله تعالى : " {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ } (18) سورة الأنبياء .

4. أسلوب التأكيد في قوله تعالى : " إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا " حيث صُدِّرَت الجملةُ بحرف التوكيد ( إنَّ ) , وجاء الفعل ( كان ) زيادة في توكيد الحدث وكينونته الأزلية .

5. جاء الإخبار عن الباطل بلفظ ( زَهُوقَا ) وهي صيغة مبالغة على وزن ( فَعُول ) مما يعني المبالغة باضمحلال الباطل وضعفِه أمام الحق وبرهانه ونورِه , وهو ما يؤكده قوله سبحانه في موضع آخر : {ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ} (18) سورة الأنفال وقوله سبحانه :{ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} (76) سورة النساء .

6. إضافة إلى ما في معنى كلمة ( زَهُوق ) من صفة الديمومة والاستمرار , ويؤكد هذا كثرة ورود لفظ ( فَعُول ) في القرآن للدلالة على المبالغة في الحدث وديمومته كما قال تعالى : {إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا } (19) سورة المعارج {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا} (20) سورة المعارج {وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} (21) سورة المعارج . {إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} (6) سورة العاديات ,

ولو قارنا بين هذه الآية في الإسراء وآية الأنبياء السابق ذكرها لوجدنا فرقا عظيما في التعبير , فآية الإسراء أعطت حكما قطعيا ثابتاً " إن الباطل كان زَهوقا " فناسب مجيء لفظ ( فَعُولٍ ) هنا , وأما في سورة الأنبياء فكانت تعني واقع الباطل حال الدمغ من الحق , فجاء التعبير باسم الفاعل " فإذا هو زاهِق " يعني الآن .

فهذه ستة أوجه جاء التعبير بها للدلالة على قوة الحق , وصلابته , وضعف الباطل وهشاشته , ولكن هذه الحقيقة القرآنية لا تكتمل إلا بتحقيق ما قبلها وما بعدها , فالآية جاءت في سياق التوجيه الرباني للرسول الكريم بإقامة الصلاة حق القيام ( الفرائض الخمس – وصلاة الليل ) , والدعاء والتضرع إلى الله بالثبات على المبدأ من حتى الوفاة ( أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق ) , والدعاء إلى الله أن يرزقه العلم والبرهان لمجابهة أعداء الله بسلاح الحق " واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا " , ثم الارتباط الوثيق بالقرآن الكريم استشفاء واستهداء لاستنزال الرحمة من الله تعالى : " وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ... " .

ثم إن هناك وجها آخر خفياً في الآيات الكريمة يرتبط بمسألة تاريخية مهمة , وهي أن الآيات مكية النزول , نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الإسراء والمعراج بمكة , والآية التي بها البشارة قد تلاها النبي صلى الله عليه وسلم أثناء دخوله مكة فاتحاً محطما الأصنام " وقل جاء الحق وزهق الباطل ... " , فما بين نزول الآية وما بين تلاوتها لبيان حقيقة النصر والتمكين سنوات طويلة في ذلك الزمن تقارب عشر سنين , مما يدل على أن الحق منتصر ولو طال الزمن بظلام الليل , وأن الدولة للحق ولو زُيِّن للناس الضلالُ والعمى .

ولكن أين المؤمنون بمعاني كتاب ربهم , الواثقون بنصر الله تعالى لعباده المؤمنين إذا التزموا بمثل ما التزم به أولئك الرعيل ؟
وتلك سنة الله تعالى " ولن تجد لسنة تبديلا , ولن تجد لسنة الله تحويلا " .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

كتبه : أبو سليمان
علي بن سليمان الحامد
10/11/1432هـ

ملحوظة : لا مانع عندي من نقلها والاستفادة منها بشرط ذكر المصدر .




( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا )

جزاك الله خيرا ع هذا البيان
عاشقة مكة غير متصل  
 

الإشارات المرجعية

أدوات الموضوع
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 02:39 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)