|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
![]() |
#1 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Feb 2006
البلد: في مكتبتي
المشاركات: 1,537
|
الشـــعــر العـربي , وقيمته , ومختارات منه ..
( 1 ) الشعر ديوانُ العرب , وناقِلُ مآثرهم ومفاخرهم , ووسيلةُ إعلامهم الأولى , وقد قال عليه الصلاة والسلام : " إن من الشعر حِكْمَة " رواه البخاري , وفي راوية عند أحمد والترمذي : " حِكَماً " . وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري : " مُرْ مَنْ قِبَلَكَ بتعَلُّمِ الشِّعر , فإنه يدلُّ على معالي الأخلاق , وصواب الرأي , ومعرفة الأنساب " وقال علي رضي الله عنه : " الشعر ميزان القوم " . وقال معاوية بن أبي سفيان : " يجب على الرجل تأديبُ ولده , والشعر أعلى مراتب الأدب " . وقال النهشلي : " كم عسيرٍ كان الشعرُ فَرَجَ يُسْرِه , ومعروفٍ كانَ سببَ إسْدائِه , وحياةٍ كان سببَ استرجاعها , ورحمٍ كان سببَ وصلها , ونار حربٍ أطفأها , وغَضَبٍ برّدَه , وحقدٍ سَلَّه , وغناءٍ اجتلبَه " . وفي السيرة النبوية كان الشعر حاضرا في حياة الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم إما دفاعاً عن الدين وأهله كما كان يفعل حسان , وإما مدحا للرسول صلى الله عليه وسلم واعتذارا له كما فعل كعب بن زهير , وإما هجاء للكفار وتقريعا بهم كما يفعل كعب بن مالك وحسان وابن رواحة رضي الله عنهم , وإما رثاء للشهداء والموتى كما في رثاء أهل أحد , وإما تداولا لأشعار الجاهلية كما في حديث جابر بن سمرة عند أحمد والترمذي " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتذاكرون الشعر وحديث الجاهلية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينهاهم , وربما يبتسم " . بل كان النبي صلى الله عليه وسلم على معرفة بالشعر ولو لم يقله , ففي البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أصدق كلمة قالها الشاعر ، كلمة لبيد : ألا كل شيء ما خلا الله باطل ، وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم " وكان عليه الصلاة والسلام يُعجب بشعر أمية بن أبي الصلت , فعن الشريد بن سويد قال : ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما . فقال " هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيئا ؟ " قلت : نعم . قال " هيه " فأنشدته بيتا . فقال " هيه " ثم أنشدته بيتا . فقال " هيه " حتى أنشدته مائة بيت . رواه مسلم . وكان عمر رضي الله عنه يُعْجَبُ بشعر زهير بن أبي سُلمى , وكان ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما يحفظون من شعر العرب الكثير . وكان شعر شعراء الصحابة ( كحسان وعبد الله بن رواحة ) في هجاء قريش أشد عليهم من وقع النبال كما عند النسائي وغيره . كل هذه الآثار وغيرها تدل على قيمة الشعر وأهميته لدى العرب , وأن الإسلام لم يلغِ الشعر مِنَ الأدب , بل إن الآثار الواردة في النهي عن الشعر إنما هي في السيء منه إما عقيدة وإما سلوكا وفحشا في القول , كما نص على ذلك الأئمة " راجع فتح الباري : 10/556 , 564 , 565 . سقتُ ما سبق من حديث لأني رأيت عزوفاً عند كثير من الشباب عن الشعر وخاصة ممن أخذ بطرف من العلم الشرعي , فأصبحوا يأنفون من حفظ الشعر العربي الأصيل , وكأنه مذموم ممقوت عندهم , وإن حَفِظَ من الشعر شيئا فهي قصائد حديثة رسختها الأناشيد القديمة التي يغلب عليها طابع الحماس والعاطفة الجياشة , وهذا أمرٌ حسن , ولكن الاقتصار عليها قصور في تكوين شخصية طالب العلم والمثقف , فالشعر ركن ركيز من أركان الثقافة العربية لا يحسن بالإنسان أن يجهل فيه , فضلا عن طالب العلم , فضلا عن المتخصص في اللغة العربية . وقد يسأل سائل : ما أهمية حفظ الشعر العربي القديم ؟ وما الذي نكسبه من جراء ذلك ؟ فالجواب : أن قيمة الشعر العربي الأصيل ليس لها حد أو نهاية , ولكني أُجْمِلُ ذلك في عدة نقاط مما يحضرني : 1. أن حفظ الشعر يزيد من فصاحة اللسان , وقوة البيان لدى الحافظ , فحفظ الشعر الرصين يُكْسِبُ صاحِبَه جودة نحوية من حيث لا يشعر , فيكون أثر ذلك في كتاباته ومقالاته ولو لم يتعلم النحو والصرف , لأنه يكتب وينطق بسليقة عربية جيدة , وهذا مجرب . 2. أن الشعر يمنح حافِظَهُ ثروةً لغوية في المفردات والأساليب . 3. أن حفظ الشعر يعطي الحافظ مساحةً كبيرة من المعاني والتصاوير البليغة الجميلة . 4. أن الشعر يمنح ثقافة عالية في التاريخ والأدب , فكم من وقائع تاريخية سجلها الشعر وحفظها دون تزييف أو تغيير . 5. أن الشعر يهذب الطباع , ويرقق النفس . 6. أن الشعر يمنح الحكمة من القول , ويسعف عند الاستشهاد به . 7. أن حفظ الشعر يطرد القلق أحيانا عن الإنسان حين يتمثل بشعر غيره بما يناسب حالته النفسية أو الاجتماعية . 8. أن الشعر يعين على فهم النصوص الشرعية من القرآن والسنة , وما فتئ علماء التفسير والحديث يستشهدون بالشعر في تفاسيرهم وشروحهم عند كل غريب , وأكبر دليل على ذلك ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه مع نافع بن الأزرق حين بدأ الأخير يحاجِجُه ويُسائله عن آيات من القرآن , فكان الحبر رضي الله عنه يستشهد بالشعر في كل موطن , كما هو معروف في القصة التي روى بعضها السيوطي في كتابه الإتقان . 9. أن حفظ الشعر ينمي مَلَكة الشاعرية عند الموهوب , فمَنْ كانت لديه موهبة شعرية , فإنه يحتاج إلى حفظ كثير من القصائد والأبيات العربية الأصيلة التي تصقل موهبته , وهناك فئامٌ من الناس لديهم موهبة شعرية كامنة في أعماقهم , وحين تكْتَنِزُ ذاكرتهم بمخزون شعري جيد , فإن هذه الموهبة ما تلبث أن تنهضَ , وتخرجَ للنور . 10. أن حفظ الشعر ينمي ملكة معرفة أوزان الشعر سليقة , ولو لم تُعرف علماً وقانوناً , فحافِظُ الشعر يعرف البيت المستقيم وزنا من المُعْوَجّ , وقد قرأت ذات يوم للشاعر العشماوي أنه يقول الشعر وهو لا يعرف العروض , ومع أني متيقن أن هذا أمر مبالغ فيه عند الدكتور .. ولكنه يمثل جزءا من حقيقة موجودة . هذه بعض ما يحضرني من أهمية حفظ الشعر العربي الرصين بعيداً عن المستهلك السقيم مما ملأ الجو في هذا الزمن فأفسد الذائقة العربية , وأضْعَفَ اللسان العربي عند أهله . ومن هنا فإني أهيب بكل طالب علم وأدب وثقافة أن يجعل له نصيبا من شعر العربي الرصين قراءة وحفظاً وتأملا واطلاعاً , فنحن أمة الشعر والأدب , ولا يحسن بحامل هذا اللسان أن يكون جاهلا بأعظم أداة ملكتها العرب في لسانها . ونزولا عند رغبة بعض الإخوة والأصدقاء , فإني سأذكر في الجزء الثاني من هذا المقال بعض القصائد المختارة من الشعر العربي في مختلف عصوره , لتكون دليلا لحافظ , ومبتغًى لمتذوِّق , وتسهيلاً لباحث . والله يتولانا برحمته , إنه سميع كريم .
__________________
وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ [ محمود سامي البارودي ]
|
![]() |
الإشارات المرجعية |
أدوات الموضوع | |
طريقة العرض | |
|
|