|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
![]() |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
|
![]() |
#1 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Aug 2006
المشاركات: 51
|
- الإسلام والقبيلة(6)
د. عبدالله محمد الغذامي (سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أمن العصبية أن يحب الرجل قومه؟ قال لا، ولكن من العصبية أن يعين الرجل قومه على الظلم) ابن ماجة رقم "3997".. ؟ كنت أزمع مواصلة الحديث عن مفهوم القبيلة وعن بنيتها الثقافية غير ان تعليقاً لأحد القراء في موقع الرياض على الإنترنت جعلني أغير في ترتيب مقالاتي، وقد طلب مني القارئ الكريم إلاّ أتوقف على قوله تعالى: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" دون سائر الآية، وكأنه بهذا يريد ان يقول لي ان ورود كلمة القبائل في الآية يجعل المعنى مختلفاً، وكأنه أيضاً يريد ان يقول ان الاقتصار على جزء من الآية يقطع الدلالة ويحولها وليس لي إلاّ ان أشكر القارئ وأشكر المعلقين في الموقع جميعهم والحق ان التعليقات تؤثر كثيراً على مسار مقالاتي هذه ومسار تفكيري إذ من الضروري معرفة ردود فعل الناس على هذه الأفكار وانه لشرط منهجي ان نقرأ المجتمع عبر ما يفصح به المجتمع عن نفسه من دون رقيب وليس كالإنترنت وسيلة حرة للتعبير والكشف وهذا مبدأ مهم في النقد الثقافي إذ ان ردود الفعل تمثل أبرز سمات التعرف على حركة الانساق وصيغ تعبير النسق عن نفسه وعن مضمراته التي لا تظهر في الخطاب المؤسساتي وتتقن لعبة التخفي والتستر. وكما طلب القارئ العزيز فإني سأقف على الآية الكريمة، وهي وقفة قد تأخذ مني ثلاث مقالات أو أكثر وفيها ساستعرض معطيات جوهرية تتعلق في صدر المقال بين ان تحب قومك وتنتسب إليهم وتقيم حقوق النسب وصلة الرحم وهذا كله خير وشرط في المروءة، ولكن الذي ليس خيراً ولا مروءة ان يتحول حبك لقومك وحبك لثقافتك وعرقك ان يتحول إلى حس تمييزي تعتقد معه ان الشرف لك ولأهلك دون غيرك ممن لا يماثلك لغة أو عرقاً أو طبقة أو موقعاً، وهناك فرق دقيق بين الانتماء وبين العصبية ثم بين المحبة من جهة والكراهية من جهة أخرى، أو بين التقوى وهي قيمة دينية وأخلاقية عليا وبين الانحيازات القطعية وهي داء ذهني وثقافي. ان القبيلة قيمة ثقافية واجتماعية ولا شك غير أننا يجب ان نعلم ونحن نقول ذلك أنها صيغة تشبه صيغاً أخرى في التكوينات الاجتماعية وكما أنها صيغة ايجابية في ضمان وجود أفرادها فإن الصيغ الأخرى أيضاً هي مكونات إيجابية تحمي الأفراد وتعينهم ومن ذلك مؤسسة (العائلة) بصيغتها الصغيرة أو الممتدة وبين صيغة العائلة وصيغة القبيلة تماثل كبير في جوانبهما الايجابية وكذا السلبية، وكم من حس عائلي طغى وميز ورأى ان هذه العائلة هي أسمى وأرقى من غيرها مما هو حس نسقي يصاب به كل البشر وتصاب به كل الثقافات. ولو عاش أحد منا مع الإنجليز مثلاً وعاشرهم في بيوتهم ومع عجائزهم وبسطائهم مثلما كبارهم لرأى أنهم يقولون عن أنفسهم وعن لغتهم وعن نموذج معاشهم إنه الأفضل في الوجود ولرآهم يحتقرون غيرهم لمجرد اختلافهم معهم في اللون أو اللغة أو الدين ولقد عشت شيئاً من هذا ولمسته حتى لقد تعرضت مرة لحجارة أتتني من الخلف وأنا أسير في أحد شوارع مدينة أدنبرة في اسكتلندا عائداً من الجامعة قرب الخامسة مساء وفي يدي حقيبة كتبي وفي رأسي التعب بعد يوم من العمل وما وعيت إلاّ والحجارة من خلفي وأطفال يصرخون بي قائلين: عد إلى وطنك يا باكي، وكلمة باكي هي مختصر لكلمة باكستاني، وقد ظنوني باكستانياً من لون بشرتي، وهذه صورة واحدة من آلاف الصور عشناها مباشرة مثلما قرأنا عنها وكلها ناتج لطبع بشري ينفر من المختلف بسبب تصوره للذات على أنها الأفضل والأنقى وان المختلف عنها يهدد صفاءها إذا خالطها وفي الوقت ذاته فالمختلف غريب ومن هنا فهو أقل من الذات وعند كل قوم شيء من هذا وذاك. ولكن مسألتنا هنا هي عن أمة تملك ثقافة مثالية عالية في مثاليتها وهي الدين الإسلامي الذي يقوم على مبادئ جوهرية في المفاضلة بين البشر وهي مبادئ عملية وأخلاقية وليست عرقية ولا قومية ومع هذا فإننا نجد ان هؤلاء القوم - وهم يملكون ديناً مثالياً - نجدهم يتخذون لأنفسهم نماذج أخرى للمفاضلة الثقافية وهي نماذج لا تختلف عن المثالية الدينية فحسب بل انها تناقضها. ولسوف نرى ان الآية الكريمة التي طلب مني القارئ الكريم الوقوف عليها تؤسس هي وآيات معها في السورة نفسها وفي السياق نفسه تؤسس لنظام أخلاقي واجتماعي مثالي يعطي القيمة للفرد بما انه فرد صالح وإيجابي وبناء. ونص الآية كاملاً هو: " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم ان الله عليم خبير". ومع ان الآية واضحة في دلالاتها إلاّ أنني قد عدت إلى ثلاثة كتب في التفاسير وهي تفسير ابن كثير والكشاف للزمخشري وتفسير عبدالرحمن بن سعدي وكذلك عدت إلى معاجم اللغة وكتب الحديث من أجل تتبع معاني الآية الكريمة، واخترت التفاسير الثلاثة لأن ابن كثير يغني نصه بالاستطراد العريض النافع فيأتي بالأحاديث والنقولات مما يوسع مجال النظر بينما يهتم الزمخشري بالأسرار اللغوية والتلميحات الدلالية، أما ابن سعدي فهو يوجز ويختصر ويعطي الخاصة بتكثيف شديد كما ان في كتب الحديث وكتب اللغة مجالاً لتوسيع الموضوع وكشف كافة احتمالاته. كل هذا مع وضوح الآية وجلاء دلالتها. ثم ان الآية مسبوقة بآيات أخرى فيها بيان أخلاقي وسلوكي مثالي وفيها صياغة لنموذج الإنسان التقي وهذا سياق مهم في تشكيل دلالة الآية، وأنا هنا لا أقتصر على جزء من الآية كما ألمح القارئ العزيز بل انني أتناول السياق كله، وكلامي هذا في جميعه هو مقدمة أولى لقراءة الآية والوقوف عليها وهذا ما سأفعله في مقالات تتوالى - إن شاء الله - في القادم. ولكن من المهم التركيز على معنى الحديث الوارد في صدر المقال بين ان تحب وتنتمي وبين ان تكره وتميز أو تتعالى، على انه من غير الطبيعي ان تحمل في قلبك النقيضين: الحب والكره، ولو اجتمعا عند أحد منا فلا بد انه قد تعرض لما نسميه بالفيروس النسقي حيث ينطوي على مضمر سلبي ينقض ايجابياته الظاهرية. 11 تعليق 1 (أبوهم آدم والأم حواء) الناس من جهة التمثال أكفاء*أبوهم آدم والأم حواء فإن يكن لهم في أصلهم شرف*يفاخرون به فالطين والماء نعم تلك حقيقة نعلمها جميعا ولكن ليس بمقدور أحد أن يلغي ثوابت متوارثة ومن وجهة نظري الشخصية من الواجب الحفاظ على تلك العادات مع عدم التطاول والأستعلاء على أحد لصفة معينة وأن يكون ماجاء به الشرع من تمييز وتفضيل هو المقدم في الأمر رحم الله من قال: واخص محسن شوق ضافي الجديلين*لولاه قال كليمة وازعلنيا أستاذي الكريم د0عبد الله هذا الأمر جد شائك والخوض فيه مقلق وعسير0 لك ولقلمك الرائد تحياتي وتقديري0 عبد العزيز بن محمد اليحيان التميمي 07:01 صباحاً 2007/03/08 2 وروى أبو داود عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا بني بياضة أنكحوا أبا هند، وانكحوا إليه" (وكان حجامًا) قال في معالم السنن: " في هذا الحديث حجة لمالك ومن ذهب مذهبه في الكفاءة بالدين وحده دون غيره.. وأبو هند مولى بني بياضة، ليس من أنفسهم." والبياضة قبيلة من الأنصار. وخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش لزيد بن حارثة، فامتنعت، وامتنع أخوها عبد الله، لنسبها في قريش، وأنها كانت بنت عمة النبي صلى الله عليه وسلم أمها أميمة بنت عبد المطلب –وأن زيدًا كان عبدًا، فنزل قول الله عز وجل: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينًا) فقال أخوها لرسول الله صلى الله عليه وسلم: مرني بما شئت. فزوجها من زيد. وزوج أبو حذيفة سالمًا مولاه من هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة. وتزويج بلال بن رباح بأخت عبد الرحمن بن عوف. وسئل الإمام علي –رضي الله عنه- عن حكم زواج الأكفاء، فقال الناس بعضهم أكفاء لبعض، عربيهم وعجميهم، قرشيهم وهاشميهم إذا أسلموا وآمنوا. سعيد 07:22 صباحاً 2007/03/08 3 ونختم بقول نفيس للأمام الشوكاني رحمه الله إذ يقول : " واخرج البخاري وغيره عن عائشة ان أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وكان ممن شهد بدرا مع النبي تبنى سالما وأنكحه ابنة أخيه الوليد بن عتبة بن ربيعة وهو مولى امرأة من الأنصار واذا تقرر لك هذا عرفت أن المعتبر هو الكفاءة في الدين والخلق لا في النسب لكن لما اخبر بان حسب أهل الدنيا المال وأخبر كما ثبت في الصحيح عنه ان في أمته ثلاثا من أمر الجاهلية الفخر بالاحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة كان تزويج غير كفء في النسب والمال من أصعب ما ينزل بمن لا يؤمن بالله واليوم الآخر ومن هذا القبيل استثناء الفاطمية من قوله ويغتفر برضا الأعلى والولي وجعل بنات فاطمة رضي الله عنها أعظم شرفا وأرفع قدرا من بنات النبي لصلبه فيا عجبا كل العجب من هذه التعصبات الغريبة والتصلبات على أمر الجاهلية وأعجب من هذا كله ما وقع للجلال من نقل الأكاذيب المفتراة في شرحه لهذا الموضع وهو مصداق ما اخبر به رسول الله من ان تلك الخصال المذكورة في الحديث السابق كائنة في أمته وإنها لا تدعها امته في جاهلية ولا إسلام كما وقع في الصحيح وإذا لم يتركها من عرف أنها من أمور الجاهلية من اهل العلم فكيف يتركها من لم يعرف ذلك والخير كل الخير في الإنصاف والانقياد لما جاء به الشرع ولهذا اخرج الحاكم في المستدرك وصححه عن رسول الله انه قال اعلم الناس أبصرهم بالحق إذا اختلف الناس" انظر السيل الجرار ج2 ص295. فاطمة 07:25 صباحاً 2007/03/08 4 الجهل المركب أشكر الدكتور عبدالله على هذا المقال والذي هو محاولة لمعالجة الجهل المركب لدى الكثير ممن يجهل ويظن نفسه عالما. ومن هنا كثرت مشكلاتنا بين المتطرف والمفرط وضاع الحق الوسط. د. خالد بن حمد العنقري 08:23 صباحاً 2007/03/08 5 د. عبدالله محمد الغذامي صباح الخير إن الآية الكريمة تمقت التمييز بين الناس ووضعت التقوى مقياس لذلك لكن الانتماء للقبيلة كإنتماء الفرد للأسرة الصغيرة باقي وقد حثت الأحاديث على صلة الرحم وعدم قطعها. ابو سليمان 08:55 صباحاً 2007/03/08 6 واضح سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أمن العصبية أن يحب الرجل قومه؟ قال لا، ولكن من العصبية أن يعين الرجل قومه على الظلم) ابن ماجة رقم "3997".. قول واضح محمد الحسيني 09:16 صباحاً 2007/03/08 7 القبيلة متأصلة بطريقة أخرى لو كان المجتمع القبلي لدينا شبيه بالقبائلي البريطاني أو الاسكوتلندي لكانت المشكلة بسيطة. القبيلة هي نوع من الرابطة يظلم فيه الانسان لأنه لم يختاره بنفسه.. الدين يختاره بحريته المطلقة أما القبيلة فهي اختيار الأب أو الأم أو الاثنين معاً. حاولت مرارا أن أفهم تعريف الدم النقي عند أهل هذه القبائل: هل معناه مثلاً خلو تاريخ القبيلة من الزنا مثلاً؟ العرب في جاهليتهم مارسوا أفعال الفاحشة بتوسع، لذلك لايمكن أن يكون هذا صحيحاً، لماذا إذا ينظر البعض لآخرين على أنهم غرباء مع أنهم يقيمون في الأرض قبل قيام الدولة العثمانية! ألا يجب أن تكون القبيلة المعاصرة هي جنسية الدولة؟ ألا يلغي حكم قاضي بالتفريق بين زوجين هذه الرابطة الهشة أصلاً؟ وكيف تقبل الدولة التي اعترفت بشخص ما كمواطن بأنه ليس كذلك؟ ياسر أبو صفوان 10:48 صباحاً 2007/03/08 8 تحية وتقدير الأستاذ الغذامي شكرا لك على ملامسة هذا الموضوع المهم رغم أني أرى أنك لم تأتِ على شيء من المعاني العظيمة التي أتت بها الآية كاملا، سوى أنك جررتنا إلى حياتك في بريطانيا، ولو واصلت ولم تقف لكنا ربما وجدنا ما يفيد. أبو محسن العدناني 11:28 صباحاً 2007/03/08 9 أحسنت لا شك بأن العنصرية التي نعيشها يادكتور مقلقلة جدا وأنها من الابتلاء ليعلم الله بما في قلوب العباد ولكن المقلق أكثر السكوت المريب لطلبة العلم في بلادنا وهو سكوت ربما لا تبرأ به الذمة، وأنا أتعجب من الذي يحدث من رمي النقائص والرزايا من منثل ما تقول على فئة دون أخرى لأنها تختلف عنها عرقيا وإنني أخشى أن يبرز في خلال الزمن المتوسط انقسام فقهي جديد داخل التوجه الديني السائد يقوده التعصب العرقي ليبرز اتجاهين دينيين الأول المذهب القبلي الرافض والثاني المذهب المتسامح الداعي إلى التمازج على خلفية عدم التوافق بين من يرى عدم مشروعية التمايز وبين من يرى أن بخلق هذا التمايز نتقرب إلى الله لأن الله فضل العرب على كل الأمم.. لقد سنحت فرص كثيرة لقتل العنصرية العربية في شقها المقلق ولكن هناك من يقف معا لتبقى... والله أعلم. أبو أحمد 12:11 مساءً 2007/03/08 10 المجتمع , ايسو 9002 شكرا لسعادة الدكتور عبدالله على هذا الطرح القريب من احاسيسنا وعروقنا ولكن اليس من الاجدر ان ننظر الى منظومتنا الاجتماعيه بشكل اوسع واكبر وان نعطي اسماء وصفات للاكثريات في الوطن من حيث العلم والعمل فقط !!! اي اننا يجب ان نجدد توصيفاتنا لانفسنا بشكل جديد ومطور بحيث يشمل هذا الوصف على العلم والعمل وليس القبيله او العائلة !!! استاذ عبدلله , في المناطق الصناعية الكبرى بالمملكه وفي المؤسسات الصناعيه لاتجد رائحة لهذه العصبيه او التحسس من هذه القضيه على سبيل المثال البته !!! الكل يعمل والكل يتعلم بشكل مستمر وفي منظومة واحده هدفها العلم والعمل به !!! ولكن سرعان ما تتدفق تلك الدماء الزرقاء وعلى حين غرة حينما تتشابك الايدي تحت غيمة كثيفة المطر في (( طعوس الديرة )) في منظر متناقض لايوجد له تفسير حتى عند ابن كثير !!! يجب ابتداء ياسيدي ان تكون هناك نظم اجتماعيه لاتهدف الى ايدلوجيا او مناطقيه معينه او تجمعات هدفها خطف المجتمع الى فكر معين ومحدود !!! يجب ان توجد دساتير وقوانين علميه لتحديد الامر بحيث يكون البقاء للاصلح وليس للاقوى او للاكثر !!! وهنا فقط يستقيم الحديث وتستسهل الصعوبات في محاولاتنا لرقي مجتمعنا في سياق واحد يتفق عليه الاكثرين !!! اجمل المنى ,,, فضل الشمري 12:31 مساءً 2007/03/08 |
![]() |
![]() |
#2 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Aug 2006
المشاركات: 51
|
رابط المقال
|
![]() |
![]() |
#3 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Aug 2006
المشاركات: 51
|
الإسلام والقبيلة
د. عبدالله محمد الغذامي إن الحديث عن الإسلام هو حديث في الصميم الثقافي، حيث يدور حوار حقيقي بين فئتين اجتماعيتين، تستند كل واحدة منهما على المرجعية الدينية والنصوصية، وتسعى كل فئة إلى الاستعانة بالنصوص المؤيدة لرأيها، وهو مسعى مزدوج حيث يصاحبه فعل جاد آخر يقوم على تأويل النصوص التي تخالف ما تذهب إليه، والحق أننا سنجد في النصوص الدينية وشواهد كثيرة تظهر فيها القبيلة والموقف منها، وتعدد هذه النصوص مع ما يصاحبها من تفسيرات مبكرة تغري كل باحث عن حجة تسند رأيه وتعطيه دافعا لمواصلة البحث، على أن المحرك الرئيس في هذا كله هو مايضمره الباحث من رغبات عقلية ونفسية تجعل القراءة في غالب أمرها بمثابة الاسقاط وتكون رغبة في الاستعانة بالنص لتعزيز الرأي، ولا تكون بحثا موضوعيا صادق النية في التسليم بمعطيات البحث ونتائجه، وهذا ما يجعل الأمر مهماً حيث سنرى عقول الناس في حججهم وفي ما يسوقونه من برهنة يرون أنها تعين على تفسير النصوص وفهمها، وفي هذا أدبيات كثيرة اجتماعيا وسياسيا وفكريا، ونحن كبشر نستعين بالنصوص التي تتفق مع تطلعاتنا العقلية والنفسية، ولا ننكر النصوص المخالفة لنا، بل نأخذ بتأويلها والالتفاف على معانيها، وهذا يحدث بنية صادقة ومخلصة ظاهريا، ولكنها تنطوي على مخاتلة نسقية فتاكة، وهو أمر يحدث بالضرورة علينا جميعنا، مهما زعمنا من حيادية وموضوعية. ومن أجل التعرف على صورة القبيلة في الإسلام سأبدأ من الآية الكريمة التي أشرت في المقابلة السابقة إلى سبب استحضارها بناء على مطالبة أحد القراء، والآية هي قوله تعالى: (ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) - الحجرات - 13.والآية الكريمة تشير إلى أربعة عناصر، كل واحد منها يمثل دلالة جوهرية في صياغة المعنى، وهي: 1- الناس، 2- شعوبا وقبائل، 3- التعارف، 4- الأكرم. ونبدأ من العنصر الأول حيث جرى توجيه النداء إلى الناس (ياأيها الناس) وستفهم مغازي هذا النداء اذا استحضرنا السياق الذي وردت فيه الآية حيث سبقت بأربع آيات ابتدأت كلها بالنداء: ياأيها الذين آمنوا، مع ورود هذه الآية في سورة الحجرات، وهي سورة ليست طويلة وتتكون من ثماني عشرة آية وفيها خمس نداءات، أربعة منها للذين آمنوا، وواحد للناس، وسنرى أن الآيات التي خاطبت الذين آمنوا إنما هي آيات ذات خصوصيات أخلاقية إيمانية، - وسنقف لاحقا عليها - بينما هذه الآية تحمل عمومية الخطاب (الناس) ولذا فإن ما فيها هو حكم كوني عام، وهي بهذا شاملة للبشر - كل البشر - وهذا هو المعنى الكامن في كلمة الناس حيث هو تعبير عام ولا يخص أحدا دون أحد. ولهذا أشارت الآية إلى سمة العموم في قوله تعالى: إنا خلقناكم، والله قد خلق الجميع وليس هناك أحد أو شيء ليس من خلق الله ، وهذه عمومية مطلقة. وهذا يقودنا الى العنصر الثاني، وهو (الشعوب والقبائل) ولست أرى هذه العبارة إلا من زاوية عمومها، وشمولها، غير أني وجدت في كتب التفاسير إشارات تميل إلى وصف العبارات وصفا يوحي بالقبائلية، فبعضهم يشير إلى القبائل الكبيرة والصغيرة كمعنى لكلمتي الشعوب والقبائل، ولكن ابن كثير أورد معنى آخر حيث أشار إلى أن كلمة شعوب تعني بطون العجم وكلمة قبائل تعني بطون العرب، وقد نفهم من كلام المفسرين ما نفهمه، ولكن الفهم الذي يمنع أي لبس هو المعاني العمومية في الآية نفسها، حيث نرى علامتي الناس والخلق، فالخطاب للناس وليس لعرب أو عجم محددين، وانتساب الخلق إلى الله يزيد من عمومية التعبير وشموليته، ولذا فليس على أحد منا أن يتجاوز معاني التخصيص وأن يأخذ بمعانى التعميم، والنص جلي في ذلك خاصة أن الآيات الأخرى في السياق نفسه تخص في حديثها وفي مخاطبتها كلما اقتضى الأمر التخصيص، وفي هذا ما يؤكد ان ترك التخصيص هو إشارة إلى تعميم قطعي وأكيد. ونأتي للعنصر الثالث وهو التعارف، وهو عنصر دلالي مركزي حيث يرد المعنى على سبيل الحصر، وتنص الآية حصرياً على أن سبب توزيع الله الناس إلى شعوب وقبائل إنما الغرض منه التعارف، أي بناء نظام من العلاقات الاجتماعية تقيم أواصر العيش بناء على معرفة كل فرد بجنسه الذي يماثله فيعرف حياته وظروفه حسب معرفته بجنسه وشبيهه ومماثله، مثلما هو حادث في مملكة الحيوان حيث تتآلف الحيوانات في مجاميع حسب أجناسها ويتعرف كل كائن إلى مماثليه ويشكل معهم خلية تحمي نفسها وتؤسس لشروط معاشها، ولقد خلق الله الجميع على هذه الغريزة التعارفية، حيث يتعارف المتماثلون ويتناكر المتخالفون، وهذاهو المعنى العملي والاجتماعي لنشوء التكوينات البشرية من شعوب أو من قبائل، وهذا ما يجعلنا ندرك أن نشوء القبيلة هو نشوء طبيعي يقوم على شروط إنسانية مصلحية واجتماعية بما إنها تكوين ظرفي له أسبابه العملية - كما أشرنا في المقال الخامس - . إن مفهوم التعارف كنقيض للتناكر يدل على شروط العيش البشري وشروط البقاء والأمان النفسي حيث صنعنا الله على هذه المكونات وأعطانا الأسباب المساعدة عليها ووصف لنا حالنا مع ظروفنا التي خلقنا عليها، ولذا جاءت اشارة الخطاب إلى الناس بعامة وإلى خلق الله لنا على هذه الصيغة وجرى حصر السبب على ذلك وهو (التعارف) حيث يعرف بعضنا بعضا بناء على حوافز خاصة ينتج عنها تنظيمات بشرية كالشعب والقبيلة وما يقاس عليهما من تكوينات بشرية. وهذه هي علة وسبب خلق الله لنا على صيغة تكوينات تنظيمية تكشفه الصيغة اللغوية في حرف التعليل (اللام): لتعارفوا، والتعارف معنى عريض وشامل يتسع لكل شروط المعاش وضروراته، على عكس التناكر، والتناكر معنى مضاد لشروط البقاء والأمان والقبول. ثم يأتي العنصر الرابع، وهو عنصر المفاضلة، ألا وهو صيغة (الأكرم) وهي صيغة لاحقة لشرط الخلق ولاحقة لشرط عموم الناس ولاحقة لشرط التعارف، حيث تتساوى في أننا ناس ونتساوى في أننا من خلق الله ونتساوى في أننا ننتسب ونتعارف حسب تكوينات منها الشعب ومنها القبيلة ولا يختلف هنا من هو فرد من شعب ولا من هو فرد من قبيلة، بما إن الجميع ناس وبما انهم من خلق الله وبما إن نظام معاشهم يقوم على مبدأ التعارف، وليس هنا من مفاضلة حيث إن هذه كلها شروط حياتية فطرية وكلية، ولكن التفاضل يأتي مع صيغة التفضيل النحوية، ولم ترد هذه الصيغة الا هنا (الأكرم) - إن أكرمكم عند الله أتقاكم - وهو الأكرم عند الله ولم يقل عند الناس أو عندكم، وفي هذا إشارة إلى أن ما عند الله غير ما عند الناس، لأن الناس فعليا وعلميا لا تلتزم دائماً بالمفاضلة على أساس التقوى، ولديهم سلم عريض من المفاضلات، ولكن ما عند الله لا تشوبه شائبة، وهو أن الأكرم هو الأتقى. هنا نرى الآية قد عمت في خطابها البشر كل البشر ووضعت قيمة مثالية عليا للمفاضلة، مع تحديد مواقع الناس من حيث هم شعوب أو قبائل وجعلت صفات الشعوب والقبائل هي صفات طبيعية وعمومية بما انها شرط اجتماعي للتعارف لا للتناكر، وهي شروط محروسة أخلاقيا بمفهوم الأكرم، ومن أراد أن يكون أفضل من غيره فله ذلك بأن يكون الأكرم وهي كرامة التقوى، والأكرم هنا هي صفة استحقاق مطلقة لأي أحد من الناس سواء من فريق القبائل أو من فريق الشعب، بل الشعوب كل الشعوب، وأنا هنا ملتزم بمصطلحات الآية الكريمة وهي آية تأسيسية ومبدئية. هذا أصل طبيعي من جهة وهو أصل أخلاقي من جهة ثانية، حسب معاني الآية في عمومها ثم في قانون المفاضلة فيها، وهذا الأصل لا يجعل أحدا أفضل من أحد لمجرد انتسابه لشعب أو لفئة فلا يكون الفارسي أفضل من العربي ولا التركي أفضل من العربي، وفي أدبيات الفرس والترك ما يقول بأفضليتهم علينا، حتى إن كلمة عربي في التركية الشعبية تعنى معنى بذيئاً مثلما تعني كلمة عجمي عندنا معنى سلبياً، كما أن الشعب الإنجليزي والألماني يريان نفسيهما أفضل وأرقى، وهذا مقاس ثقافي يحرف معنى تقسيمات الشعوب - مثلما يحرف تقسيمات القبائل - من شرط التعارف الذي هو معنى عام يشمل شروط المعاش وضروراته كلها، يحرفه من شرط معاشي إلى شرط تفاضلي، وهذا ليس معنى الآية الكريمة وليس منطق ديننا كما أنه ليس منطق الفلسفة الإنسانية والمثالية، وإن كانت الفلسفة منتوجا بشريا تصيبه علل ثقافية نسقية مثل غيره من خطابات البشر، وفلسفة أفلاطون فلسفة عنصرية طبقية تفاضلية وانحيازية، وفينا مثلما فيهم عيوب وفينا مثلهم أمراض نسقية أولها العمى الثقافي، حيث يكون المضمر النسقي نقيضا للظاهر العقلاني، ولو قلنا بالتفاضل العرقي ورضينا به أساسا عقليا وأخلاقيا لوقعنا نحن ضحايا لهذا التمييز حينما يقول به الانجليز أو الألمان أو غيرهم فيرون أنفسهم أرقى منا عرقا ولونا، وهنا إما أن نأخذ بالأصل الأخلاقي الطبيعي الذي يجعل التفاضل بالقيم العملية أو لن يكون لنا حجة ضد العنصريين والفاشيين في أي ثقافة عالمية كانت أو خاصة. |
![]() |
![]() |
#4 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Aug 2006
المشاركات: 51
|
القبيلة والمجتمع (الشعب بوصفه قبيلة كبيرة)
د. عبدالله محمد الغذامي أشار عدد من المفسرين إلى ان معنى كلمة شعوب تعني القبائل الكبيرة، وذلك في تفسيرهم لقوله تعالى: (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، ولا شك ان لهذا المعنى وجهاً كبيراً من الصواب، إذا أخذناه بمعناه المفاهيمي والثقافي، فالشعب قبيلة كبيرة، وحين أقول هذا فإنني أشير إلى الأبعاد الدلالية لمفهوم التعارف البشري، فالناس إذا ما صاروا شعباً فإنما يكونون كذلك بناء على روابط اجتماعية أولها اللغة المشتركة مع منظومة المصالح البشرية الأساسية في المعاش والأمن ونظام العلاقات الداخلي، وهم إذا ما كانوا شعباً فإن مصالحهم ستوحد حسهم الوجداني مثلماً قد اتحدوا في شروط حياتهم وشرط بقائهم وصيانة وجودهم، وسيكون النظام الثقافي الناتج عن تفاعل هذا الشعب أو ذاك فيما بينه سيكون هوية له وعلامة عليه، وان يكن في أصله ناتجاً عن شرط وظيفي معاشي، لكنه يتحول مع تكرار الممارسة إلى ذائقة ووجدان نفسي وذهني يتجاوز شروط الحاجة وان ظل متجاوراً معها. والشعر مثال على ذلك فنحن نجد إشارات قديمة تكشف عن وظيفية الشعر بما انه خطاب عملي في تحميس الناس للحرب وفي الدفاع عن حياض القبيلة، ثم صار وسيلة لكسب المال، ولكنه مع هذا الجانب الوظيفي صار قيمة جمالية وذوقية، ومثله رقصات الحرب التي نشأت لأسباب عملية لحشد الهمم ثم تحولت مع الزمن والممارسة إلى فن وثقافة كالعرضة ولا عجب ان نرى مدنا معينة تتفوق على آخريات في فن العرضة لارتباطهم الأصلي مع الحرب أكثر من غيرهم، والعرضة فن حربي مرتبط بالمدينة وهي ثقافة مدنية ابتدأت لغرض عملي ثم صارت فناً ثقافياً احتفالياً وجمالياً. وان شاعت العرضة في كثير من المدن كرقصة حرب ثم رقصة ثقافة إلاّ أنها تترقى عند مدن أكثر من أخرى حسب علاقة كل منها بتواريخ الحروب وثقافة المعارك. وهي سمة مدنية شاعت لتصبح سمة شعبية عامة. والشعب - أي شعب - لا يقوم إلاّ على مفهوم (التعارف) الذي أشارت إليه الآية الكريمة بوصفه علة لتقسيم الخلق إلى مكونات فئوية، وهو معنى يؤسس لتصور مفاهيمي جوهري في نظرية العمران البشري ولقد أشار المفسرون إلى ان التعارف هو ان يعرف الناس بعضهم بعضاً فيقيمون حقوق التواصل بدءا من صلة الأرحام وهي الخلية الأولى لبناء العائلة وامتداداً إلى إقامة حقوق التكافل الاجتماعي والبنيوي الذي هو شرط لبقاء النوع وحمايته. إذا قلنا هذا وهو أمر لا مشاحة فيه فإننا سنقول معه ان الشعب هو نظام معاشي مثلما ان القبيلة نظام معاشي، وستنتظم الأمور بين المفهومين ولن يحدث تعارض أو تقاطع بينهما إذا ما تمثل فيهما شرط (التعارف)، وهو علة وجود هذا التنظيم وسببه، أما لو حصل تعارض بين شرط التعارف عند الشعب مع شرط التعارف عند القبيلة فنحن هنا أمام علتين لوجودين متناقضين، وسيكون التعارف هنا تناكراً وليس تعارفاً، وسمة التواصل والتعايش لن تكون في صيغتها الطبيعية التي تقتضيها حكمة تقسيم الخلق إلى فئات متعارفة. هذا يشبه حال الشعر، والشعر مظهر ثقافي ينطبق عليه صغة التعارف في أصل نشأته، ولكنه انحرف في بعض ممارساته ليكون نقيضاً لشرط التعارف، وجاء فن الهجاء ليكون خطاباً سلبياً من داخل خطاب ايجابي، وبذا صار نقيضاً ثقافياً يحرف الوظيفة الجمالية الأصلية، وكذا هو الشأن مع أي تكوين اجتماعي هو في أصله وجود طبيعي له مسبباته وله ظروفه الصحيحة، ولكنه يصاب في مرحلة من المراحل بعلة من العلل الثقافية ويصير خطاباً في الهجاء بعد ان كان شرطاً للبقاء. ونحن لو نظرنا في أدبيات أي تكوين قبائلي فإننا سنلاحظ بسهولة أنه تكوين لا يختلف عن أي تكوين اجتماعي آخر، والشبه بين العائلة الكبيرة مثلاً والقبيلة يكاد يكون في تطابق تام، وكذا فإن سلوك أي شعب سيكون مثل سلوك أي قبيلة، ثقافياً واجتماعياً، فالشعب يتسمى بمسمى واحد ويحكي لغة واحدة ويملك قضايا يتحد حولها الجميع، مثلما يملك نظام مشيخة من نوع ما، وهي في حالة الشعب تسمى حكومة، وكذا فإن له ثقافة مشتركة كما له حساسيات مشتركة، وله غضبة تميمية أو غير تميمية واحدة، ومن يراجع ملاحظاته فسيتذكر مثلاً طريقة الزعامات الفرنسية في ردة فعلهم على أي حادث خارجي، ولن يجد في ذلك فارقاً عن ردة فعل أي تشكيل قبائلي على غيرهم، وليس في حالة العدوان الحربي فحسب بل حتى في اللمز على الثقافة أو الماضي، ولقد ثارت ثائرة الأوروبيين حينما جرى وصف أوروبا بالقارة العجوز، وقد جرى ذلك على لسان بعض السياسيين الأمريكيين في لحظة صراع سياسي على بعض القرارات العالمية، وغضبة الأوروبيين من ذلك الوصف تشبه غضبة بني تميم كما أورثنا إياها جرير. والحمية الثقافية فيما بين الشعوب هي أمر مشهود تشهده مباريات كرة القدم ومنافسات المسابقات العالمية. ومن سمات الإعلام الإنجليزي الانتصار لأي بريطاني أو بريطانيا يمسك بجرم في بلد أجنبي ولقد دافعوا دفاعاً انفعالياً عن فتاة بريطانية مسكت في أمريكا بجريمة تعذيب طفلة كانت تحت رعايتها، ودافعوا عن شاب إنجليزي مسك في قضية مخدرات في سنغافورة، وهي حمية شعبية مثلها مثل أي حمية أخرى بما إنها خصائص في الطبع البشري في انتصار الذات لذاتها بغض النظر عن الحقيقة المثالية. وكما ان القبيلة تملك علاماتها الخاصة في الوشم مثلاً فإن الشعوب تملك علاماتها الخاصة في شكل العلم ولونه، وفي الشعار الرسمي، ولهم قصائدهم العصماء وهي بالمصطلح تسمى النشيد الوطني، وللنشيد الوطني منزلة خاصة ودستورية عليا، حتى ان اهانة الشعار عند الشعوب تصل إلى حد الخيانة الوطنية ولقد جرت محاسبة مطربة أمريكية لأنها بصقت أثناء أداء النشيد الوطني الأمريكي في احتفالات رياضية في لوس أنجلوس. تلك سمات ثقافية تجنح الشعوب إلى تمثلها وهي صناعة ثقافية بسيطة في أصلها، ولكن الأمم تمنح هذا البسيط قيمة عليا وتنسب نفسها لهذه القيمة، وترى ان احترام هذه القيمة والمحافظة عليها والحرب من أجلها هي حقوق وطنية أولاً ثم هي شرف للشعب وواجب حتمي عليه. كما ان التماثل فيما بين مفهومي الشعب والقبيلة سيمتد إلى الصفات التي يمنحها كل منهما لذاته مثل صفتي الشجاعة والكرم وهما صفتان نجدهما في أدبيات الشعوب مثلما هي في أدبيات القبيلة والإنجليز مثلاً يطلقون النكات على الاسكتلنديين بصفة البخل، والبخل سمة سلبية وإذا اتصف بها شخص أو قبيلة أو شعب أو ثقافة صارت مادة للسخرية والتندر، كما فعل الجاحظ وكما هي نكت الإنجليز وسخرياتهم. أما صفة الشجاعة فتشهد عليها الأناشيد الوطنية للشعوب وهي قانون ثقافي يمثل شرف أي تجمع بشري بما انها شرط للحماية والبقاء. وهذا يعني ان ما ورد في القرآن الكريم من وضع الشعوب مع القبائل في صيغة لغوية واحدة يجمع بينهما فعل واحد وحرف عطف واحد وعلة وجودية واحدة يجعل التماثل تماثلاً تماماً حد التطابق والتوافق. وبذا فإن أي تكوين بشري هو تكوين عرفي - تعارفي، يختزن منظومة رمزية له ويحس بالانتماء إليها، وهذه سمة يشترك فيها البشر - كل البشر - . وهذا هو المعنى العميق للآية الكريمة بنصها الدقيق: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا)، وليست منظومة العلامات الثقافية من مثل الوشم عند البادية إلى العلم (الراية) وما يتبعها من علامات تمييزية لشعب عن شعب ولتكوين عن تكوين، ليست هذه كلها سوى تجليات لشرط التعارف، وأنت إذا رأيت وشماً أو رأيت راية فإنك ستعرف ما وراء هذه العلامة وستقيم حق التعارف. وان من مسميات الراية أو العلم البيرق، وذلك لأنه يبرق في الأفق مشهراً صفة التعارف بين المتعارفين. هذا - وهو حق وطبع - هو من المسلمات الثقافية العمومية وهو من طبع خلق الله ومن صفات الناس وعلاماتهم، وبما أننا نتساوى في هذا المسلك فإننا سنتساوى في سائر الأمور، خيرها وسلبيها، ولكل منا نوازعه الطبيعية للدخول في تكوين يتعارف معه ثم ينتمي إليه ثم يترابط معه على شروط الحياة كلها حتى السلبي منها، وان كان الشاعر الجاهلي يمدح قومه بأنهم يطيعون الداعي حتى لا يسألون على ما قال برهاناً فهذا هو نفسه القانون العسكري الذي يفرض على الجنود تنفيذ أوامر قادتهم دون نقاش، ولو سأل عسكري رئيسه عن الأسباب والمبررات وناقشه في الميدان لجرى تجريده من سلاحه وتأديبه تأديباً عسكرياً صارماً. هو - إذن - شأن النظام البشري، وهو شأن متماثل، وبما انه يتماثل عند الكل فإن الكل سواء بسواء، إن خيراً فخير وإن سلباً فسلب، ولن يفضل هنا أحداً أحداً، بما ان الجميع يمارسون سلوكاً واحداً وان تنوعت المسميات، وهي كلها أنساق ثقافية، تميل بعض الممارسات على تصور حالها أفضل من غيرها، ويرد قوم على قوم في لعبة تناسخ ليست غريبة لأنها سلوك ثقافي عام، ولقد جرى من ابن خلدون مثلاً ان مجد القبيلة مرة وان ذمها مرة أخرى في فارق من الصفحات بسيط، وهو قد ظلم القبيلة في موقع وأنصفها في موقع وللتناقض عنده أسبابه، وأترك المسألة هذه لمقال آخر - إن شاء الله - . |
![]() |
![]() |
#5 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Aug 2006
المشاركات: 51
|
الخميس 17ربيع الأول 1428هـ - 5أبريل 2007م - العدد 14164
-------------------------------------------------------------------------------- عودة الى ثقافة الخميس -------------------------------------------------------------------------------- القبيلة والمجتمع (قانون: الأفعل هوالأفعل) عبدالله محمد الغذامي هناك قانونان مهمان هما: قانون التعارف وقانون (الأفعل هو الأفعل). أحدهما وجداني (اجتماعي، والآخر عملي) عقلاني. وهما قانونان نأخذهما من الآية الكريمة، ففي قوله تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) في ذلك تحديد لعلة الخلق والتقسيم الفئوي، وهو قانون التعارف، ثم يليه قانون الأفعل هو الأفعل. وعلة التعارف هذه تقوم على مفهوم وجداني هو شرط للمعاش البشري بما إنه جوهر البنية الاجتماعية، وفي الثقافة العربية تأسيس قوي لهذا المفهوم فالشاعر الجاهلي (المثقب العبدي) يقول: أكرم الجار وأرعى حقه إن عرفان الفتى الحق كرم ومثله قال الحطيئة بيته المشهور: من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس وفيهما تأسيس دلالي على معنى التعارف حيث إن التعرف على الحق وعرفان الحقيقة الاجتماعية في التعامل الكريم مع الجار هو المعنى الأكيد الذي يطرحه الشاعر برعاية الحقوق وعرفانه بها، مثلما أن العرف - بضم العين - هو الجود وهو رابط اجتماعي له قداسة وقيمة تأصيلية تجعله خيط وصل أخلاقي بين الناس ويترقى بالصلة العليا مع رب الناس، ولقد جاء بيت الحطيئة وسط قصيدة هجاء أقذع فيها بسب الزبرقان، ولكن وسط قبح الهجاء وجد نفسه في مواجهة مع الحقيقة الكلية في قانون التعارف وجاء هذا القول الجميل من بين ركام القبح، وبذا يتغلب قانون الحق على نسق النفي. وفي قانون التعارف بناء اجتماعي وجداني وأخلاقي، ولذا تتقدم قيم السلوك حتى يصير الرجل المتوسم لسيماء التعارف والمعرفة بمقام الرأس ويسمى عريف القوم، وكلمة العريف هنا سمة قيمية تجعل حامل هذا اللقب في مقام رمزي لأنه يحمل معاني التعارف الاجتماعي ويتمثلها. وهي من أقوى معاني السمو الاجتماعي ولذا قال شاعرهم (طريف العنبري): أو كلما وردت عكاظ قبيلة بعثوا إلي عريفهم يتوسم فتوسموني إنني أنا ذاكم شاك سلاحي في الحوادث معلم والعريف هنا هو حامل المعرفة وعين الثقافة وممثل رمزية القيم، ومما يعطي هذه المعاني رفعة في الرمزية القيمية ما ورد في التراث عن سبب تسمية (عرفة) بهذا الاسم حيث تواترت الروايات عن أنها هي المكان الذي تقابل فيه آدم مع حواء فعرفها، وهناك ابتدأت مسيرة البشرية ونشأ نسل بني آدم من لحظة تعارف أزلية وصار المكان عرفة، وصار هذا المكان ذا قدسية خاصة ومحجة للمؤمنين يلبون فيه نداء ربهم وهو يوم الحج الأكبر، حيث يتجرد البشر من خطاياهم ويلبسون البياض ويتعرفون على مكامن أرواحهم وتتكشف لهم الحقيقة الذاتية بكل ما فيها من شوائب، ويسعى كل إلى تطهير ذاته في لحظة التعارف الكبرى هذه، وهناك يحدث التعارف الأكبر وفيه تتحقق صيغة القانون الثاني، وهي: الأكرم هو الأتقى، الأفعل هو الأفعل، أي أنها اللحظة والمكان الذي يصير فيه البشر على حد سواء ويكون التعارف على أقوى درجاته فالذي لا يعرف أحداً في ذلك المكان ولا يعرفه أحد يكون في حال من الضياع التام، بينما تكون المعرفة في ذلك الموقع وفي تلك اللحظة الزمنية بمثابة تكرار للحظة اللقاء الأولى بين آدم وحواء وهما الذكر والأنثى اللذان خلقنا الله منهما وقد تلاقيا بين يأس وخوف، واليأس والخوف شعور بشري عميق وشديد المعنى وهو حس يتكرر بصيغ متنوعة كلما وقف واحد من بنيهما وبناتهما في هذا المشعر العظيم وتتجلى لنا فيه القيم العميقة لمعنى التعارف في مكان التعارف الأول والأعمق الذي حمل معنى التعارف ورمزيته فصارت (عرفة). التعارف - إذن - قيمة وجدانية اجتماعية صار علة لنظام الخلق وتقسيمات الناس، ولذا فإن كلمة المعروف هي من أقوى كلمات اللغة مفعولية في وصف علاقات الناس بالناس، وكل ما هو خارج المعروف سيكون خارج إطار التبادل الاجتماعي ونظام العلاقات البشرية، وهو نظام دلالي عريض يشمل الجانب النفسي حيث العرف - بكسر العين - تدل على الصبر والقدرة على مكابدة الظروف بما إن ذلك تدريب تربوي على التعامل مع الحياة، مثلما تدل الكلمة على دلالات حسية جمالية، فالعرف بفتح العين هو الريح الطيبة، ويقال امرأة حسنة المعارف أي حسنة الوجه وكلمة المعارف تعني الوجوه بشكل عام، ويقولون حيا الله المعارف، أي الوجوه. هي كلمة مركزية في وصف علاقات البشر بالبشر وفي رسم سلوكهم الاجتماعي والوجداني ولذا صارت قانونا اجتماعياً يمثل علة بنيوية في تركيب الحياة الإنسانية وهذا ما يوضح لنا علة خلق الله لنا على شاكلة فئات وتقسيمات تحمل تسميات متعددة كالشعوب أو كالقبائل، وكل ذلك من أجل غاية تداولية هي التعارف بما يحمله من تجليات متنوعة، وهذا هو ما سميناه بقانون (التعارف). ونأتي إلى القانون الثاني، وهو قانون: الأفعل هو الأفعل، وهو ما نفهمه من قوله تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، ولقد أورد الزمخشري في الكشاف رواية لقراءة أخرى للآية بفتح الهمزة: أن أكرمكم عند الله أتقاكم، وقال في معناها، كأنما هي إجابة علِى سؤال مفترض عن التفاخر بالأنساب، إذ بعد أن تحددت علة جعلنا شعوبا وقبائل وهي التعارف كأن سائلاً سأل: ولم لا نتفاخر بالأنساب كان الجواب: أن أكرمكم عند الله أتقاكم، أي إن العلة هي لأن الأكرم هو الأتقى - الكشاف 569/3.وفي القراءتين سيكون المعنى دقيقاً وواضحاً، ولم يتجاور القول عن القبائل والشعوب مع القول بأصل الأكرم الأتقى إلا لتأكيد قانون العمل بعد أن تأكد القانون الوجداني في التعارف، وقانون العمل هو قانون عقلاني كلي، والذي يفعل وينتج ويكون عنصراً إيجابياً على المستوى الإنساني والبشري هو الأكرم. ولن يفوتنا المعنى العميق لاختيار كلمة الأكرم، حيث الكرم هو القيمة العليا في سلم الفضل الاجتماعي والناس تحب الكريم وتبجل قيمة الكرم وما من قبيلة أو شعب إلا وللكرم عندهم دلالة خاصة، وبما إن الكرم قيمة ثقافية بشرية عامة وشاملة فإن المفاضلة سوف تكون واحدة من مستلزماته، ونحن نعرف مدى تفاخر القبائل بكرمها ومدى تغني الأشعار والحكايات به، وما تعشق الناس أفراداً وجماعات بأن يوصفوا به، وهذه صفة هي من المعلوم عند الله العليم الخبير وهو يعلم حب خلقه لهذه الصفة ولذا اختارها هي على وجه التحديد ليجعلها قانونا للمفاضلة، وإن تفاضل الناس بها لأسباب تشوبها شوائب المباهاة الثقافية فإن الله جل وعلا قد جعل هذه الصفة تحديداً في جوهر السلم التفاضلي وجاءت الآية لتضع الشعوب والقبائل في مواجهة مع أهم قيمهم الثقافية ليروا أن هذه القيمة لا تسمو ولا تتم إلا إذا صارت قانونا في العمل والإنتاجية السلوكية والخلقية فتكون للتقوى وليس للمباهات، وتكون الأفعل بما انها منظومة عقلانية عملية وسلوكية، ويبقى للشعوب والقبائل حقها الطبيعي في تنظيم معاشها حسب قوانين بنيوية كضرورة حياتية مبدؤها التعارف، بكل معانيه وتجلياته، ولكن هذا بما إنه قانون وجداني (اجتماعي لا يكتمل إلا بقانون عملي) عقلاني، وهو أن الأفعل هو الأفعل. وهذا هو الثراء النفسي القيمي الذي هو بناء للنظام الأخلاقي وللنظام المعاشي للثقافات والأفراد قبائل وشعوبا. |
![]() |
![]() |
#6 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Aug 2006
المشاركات: 51
|
القبيلة والمجتمع (طبقات المدينة)
http://www.alriyadh.com/2007/05/03/article246529.html عبدالله محمد الغذامي كانت قريش قبيلة ومكانا حيث مكة دارهم وعصبة وجودهم، ولما جاء الإسلام تغير مسمى القرشيين تغيراً جذرياً حيث اكتسبوا اسما جديداً هو (المهاجرون)، وحدث مثل ذلك لقبيلتي الأوس والخزرج حيث صار لهما اسم جديد هو الانصار، وهذا تغير جذري من نسق ثقافي الى نسق ثقافي آخر، وكان السلوك هو العامل الجوهري في احداث هذا التغيير فالذي ترحل بدينه من مكة الى المدينة واحدث في نفسه وفي أسرته وغير مكانه وبيئته وربط معتقده بمجموع هذه الحركات هو شخص يتحول من حال كلية الى حال كلية أخرى، وهو تغيير نفسي واجتماعي واقتصادي وثقافي مثلما هو في الاصل تغيير ديني جذري، وهو اذ يدخل في الإسلام في تاريخ جديد له ولعائلته لوجوده كله، ومن هنا اكتسب اسما جديداً، وكلمة المهاجر هي كلمة مكتنزة المعنى فهو مسلم وهو من أهل مكة ثم صار من أهل المدينة وهو رجل تجرد من جسده الاول ولبس جسداً جديداً ولغة جديدة ووجها مختلفا ورضي بإدارة مركزية تحدد له معاشه ونظام تفكيره وذائقته مثلما تعيد صياغة لغته وتحالفاته وعصبته الامنية والثقافية، ومثله الأنصاري الذي يقابل هوية المهاجر بهوية مكملة فلا تتحقق هجرة المهاجر الا بنصرة الانصاري، ولا تتحقق صفة الانصاري الا بنظيره المهاجر، وهذه لحمة معنوية ولغوية مثلما هي لحمة اقتصادية واجتماعية ترتب عليها تغير جذري في مفهوم القبيلة وفي وظيفتها. فالمهاجر لم يعد قرشيا والانصاري لم يعد خزرجيا. ولم تكن القبيلة شرطا للحصول على هذه الصفة فكل من هاجر او نصر فهو كذلك سواء كان من قبيلة او غيرها، وفي هذي تساو بين الناس بناء على العمل في حين يتراجع النسب عن ان يكون أساس التقييم. من هنا تغير اسم المكان ذاته فاختفت يثرب وحل محلها مسمى المدينة، وهذه مفهومة بالنظرية الألسنية اذ ان تغير الشكل يغير المضمون بالضرورة، وهناك تغير شكل المكان بتغير شكل السكان فتغيرت المسميات وتغيرت الهويات الثقافية للأشياء مع تغير لغة الشارع وعلاقات الناس المستخدمين للمكان والعابرين من فوقه. هذا اول تغير ثقافي يمس علاقة المدينة كمكان من القبيلة كهوية وكمكان، وان كانت مكة محصورة من قبل بقبيلة تملك المكان وتسيطر على ثقافته وكذا الحال مع يثرب الا ان فاتحة الدين الجديد هي التي تولت تغيير سلوك المكان ليصبح هو الهوية بدلا من القبيلة وتولت تغيير المسميات فصار المهاجرون وصار الانصار، ونشأت طبقة ومعها طبقات هي الخلاصة السكانية للبيئة الإسلامية، ونجد علامة ذلك فيما نقله ابو يوسف في كتاب الخراج في وصية عمر رضي الله عنه وقوله: (أوصي الخليفة من بعدي بتقوى الله وأوصيه بالمهاجرين الأولين ان يعرف لهم حقهم وكرامتهم، واوصيه بالأنصار الذين تبوأوا الدار والايمان من قبل، ان يقبل من محسنهم وان يتجاوز عن مسيئهم، واوصيه بأهل الامصار فإنها ردء الإسلام وغيظ العدو وجباة المال ألا يأخذ منهم إلا فضلهم عن رضى منهم، واوصيه بالأعراب فإنهم اصل العرب ومادة الإسلام أن يأخذ من حواشي أموالهم فيرد على فقرائهم، وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله (ص) أن يوفي لهم بعهدهم وأن يقاتل من ورائهم، ولا يكفلوا فوق طاقتهم - ص 13، نقلا عن ناصر الدين الأسد: تحقيقات لغوية ص 91). في هذه الوصية نلاحظ اختفاء اسم القبيلة وحلول طبقات اجتماعية تشير الى المكون السكاني والمكون الاقتصادي ايضا، وهم خمس فئات: المهاجرون/ الأنصار/ أهل الأمصار/ الأعراب/ أهل الذمة. وأول ما نفقده هنا هو عنصر القبيلة فالأمة الآن لم تعد أمة قبائلية بل هي خليط سكاني من فئات اكتسبت مسميات جديدة، وهي مسميات عملية فالهجرة ليست نسبا وكلمة الأنصاري ليست سلالة كما ان اهل الأمصار هم سكان مدنيون وأهل الذمة كذلك، اما الاعراب فهم هنا سكان الصحراء، وصاروا لذلك اعرابا واذا حل احدهم في بلد فسيكون من أهل الامصار وينتقل من أهل الاعراب. هذه مسميات ومصطلحات ثقافية تعود الى مرجعيات عملية ذات صلة بالمكان حيث ترك المهاجر مكانا وحل في مكان آخر ولذا صار مهاجرا، والانصاري هو من فتح المكان للفارين بدينهم، وأهل الامصار هم من أسس وبنى مدنا للإسلام في العراق والشام من مثل البصرة والكوفة وغيرهما، والبصرة والكوفة هما اول مشروع لتوطين البادية وهما الهجر الأولى في تاريخنا، ويظل المكان هو العامل الأصل في التسميات هنا بما ان أهل الذمة سكان مدن والاعراب سكان الصحراء، وهكذا فإن المكان هو المانح للمسمى والدال على الهوية. وفي التكوينات المدنية المختلطة (حسب تقسيمنا لها في المقالة السابقة) نلحظ، اول ما نلحظ ان الناس الذين خرجوا من قبائلهم وقرروا الاستقرار في مكان آهل او قاموا بتأهيل المكان يجنحون الى تحويل مسمياتهم من قبلية الى عائلية ويدخلون في تناسب تكاملي مع من هم معهم في المكان ذاته، فتتغير الاسماء ويجري نسيان القبيلة تبعا لذلك حتى لا يعلم الناس عن بعضهم بعضا من اي قبيلة هم في الاصل كانوا، وأنا شاهد على ذلك فكل علاقاتي وصداقاتي منذ صغري هي مع اناس اعرفهم بأسماء عائلاتهم ولا اعلم البتة عن قبائلهم ان كانوا من اصول قبلية ام لا، وما كنت قط معنيا بأن لا يكونوا كذلك او ان اعرف ذلك ولا حتى على مستوى السؤال المجرد، وهذا امر يعم كل جيلي ومن هم سابقون علي وتلك كانت ثقافتنا، ثقافة مدنية تآلفية والمدينة هي عصبتنا (واختلف الامر بعد ذلك لأسباب سآتي عليها في مقال لاحق - إن شاء الله -). على ان الاسماء كانت تأخذ لنفسها مسالك معينة فقد تقف عند اسم أحد الاجداد ليكون اسما عائليا لنسله، وقد تكون لقبا (معيارة)، وتلزم نسله، وقد تكون اسم حرفة او مهنة، مثل ان يكون امام مسجد او مؤذنا او خطيبا او صائغا وخياطا، فنجد اسماء عائلات هي مما يعود الى ذلك كالمطوع والريس وما سواها. ولقد جاء اسم عائلتنا بسبب كلمة كان جدنا البعيد يقولها وهي: اغذموا اولادكم، اي اطعموهم، وهي كلمة لها اصل تراثي قديم مثلما هي من مفردات محلية اندثرت الآن. وفي النصوص ان الغذم هو العطاء بسخاء، وفيها ورد نص في رسائل الجاحظ (347/2) ان أبا سفيان ذهب مع اثنين من ابنائه الى الشام لزيارة معاوية فكتبت اليه هند تقول: قد قدم اليك أبوك وأخواك فلا تغذم لهم فيعزلك عمر. ولقد شرح المعري هذا بقوله: غذم له من العطاء اذا اعطاه بكثرة (الفصول والغايات 169). وهناك انتساب للمكان وبعض انتساب للقبيلة، وهما قليلان في المدن المختلطة على عكس المدينة القبلية حيث تكون الاسماء كلها قبلية. ويميل المتحولون الى المدن الى تبني نظام العائلة في العصبة وفي المسمى وفي التصنيف الاجتماعي والاقتصادي. هذا ما يجري في المدن المختلطة (والتصنيف هنا من المقال السابق)، وتبقى المدن القبلية على نظام مسميات قبلية، ولقد ذكر ابن كثير في تفسيره ان حمير تنسب للمخاليف، اي للمكان، والحجاز للقبائل (217/4)، وهناك انتساب الى المذهب والطائفة والطبقة، وكلها أنظمة تشير الى قانون ثقافي واحد هو قانون (التعارف) الذي هو علة التقسيم البشري وسببه وعلة التواصل والصانع لشرط المعرفة والصلة وبناء الخلية الجوهرية للمعاش البشري. ولكن المسمى العائلي هو العلامة القوية على التحول الثقافي وعلى اعتماد بنية المدينة بما انها وحدة اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية، وذلك كمرحلة تسبق تأسيس الدولة وقيام المجتمع السياسي والمدني على أساس مفهوم الشعب، وتظل العائلة هي الوحدة المشتركة في كل الانظمة الاجتماعية، غير ان الفارق الجوهري يأتي عبر التسمية ذاتها بأن تتسمى العائلة باسم يخصها او تظل على نسبتها القبلية وهذا مؤشر مهم على التحول من ثقافة القبيلة الى ثقافة المدينة، واذا كبرت العائلة اكتسبت مسمى اضافيا هو (الحمولة) وهي تسمية ثقافية تعطي معنى طبقيا من مثل اولاد الحمايل ومن مثل قوله ان ذلك الشخص ابن حمولة وفي حالة الذم يقولون انه ليس من ابناء الحمايل وهي مماثلة لمعاني الذوات وابناء الذوات في افتراض التميز. والمدينة بالضرورة كيان مختلط يقوم على تقسيم داخلي هو الحارة، وقد اكتسبت الحارة في الثقافة التقليدية قيمة معنوية وتمييزية عالية الدلالة، وكل حارة هي شخصية ثقافية ترمز الى معاني طبقية واقتصادية حتى لقد كانت الحارة سابقا بمثابة العصبة وتحمل معنى في العصبية عالي القيمة، ولقد ادركت في صغري آخر علامات هذه العصبية وكنت ارى الاولاد الاكبر منا يحملون عصيهم ويركبون على سعف النخل المقطوع كما يركب الفارس على الفرس وذلك بأن يفرد الولد قدميه على السعفة وكأنما هي فرسه المدرب ثم يجري مسرعا ومعه جمع من ابناء حارته ويتجهون نحو حارات أخرى لكي يتحاربوا مع اولادها بالعصي وتجري معارك صلفة وخطرة على مشهد من الكبار وتشجيع منهم وفرح بالنتائج وكانوا يرون ذلك تدريبا على الرجولة وتهيئة لساعة الحاجة، وتسيل الدماء وكنا نسمع مديحا لمن كان جرحه على جبينه وليس على ظهر رأسه، وهي علامة على الاقدام فيمدح المقدم ويذم المدبر ويوبخه اهله ويظل خجلا من حاله حتى يتمكن من مسح هذه المذلة بحرب أخرى ينتظرها مع حارة أخرى ليبلي فيها بلاء ينسخ خيبته الاولى. تلك هي الحارة بما انها خلية اولى من خلايا المدينة ومعها الأسماء العائلية بما انها علامات اجتماعية تصنع ثقافة المكان، في حين انها تنتمي للمكان، والمهم هنا أؤكد ما هو واقعي وهو ان هذه الثقافة الموصوفة هنا هي ثقافة بيئية يتساوى فيها سكان المدينة والتمايز فيها هو بالصفات ولم يكن تمايزا قبليا قط، وفرسان المدينة وشعراؤها هم من أبنائها ولم تكن القبيلة معيارا في ذلك، وانما يكتسب الاسم قيمته بناء على افعال المنتسبين، وفي تلك البيئة تأتي الفروسية بوصفها انجازا وليس بوصفها علاقة نسبية، هذه في الاصل ثقافة المدينة، ولقد حدثت تغيرات جوهرية لصالح المدينة اكثر واكثر، ولكن وسط ذلك حدثت ردة فعل ثقافية عصية على التحول، وهي ما نحن بصدده وفي مزيد من القول - إن شاء الله -. |
![]() |
![]() |
#7 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Mar 2002
البلد: بريدة
المشاركات: 2,071
|
ردود على السريع :
1- اللي يحتج علينا بذاك القول الظريف : زوجوا الهنود والباكستانية , نقول له : أجل زوجوا العميان والمعوقين والمشوهين والسود القبيليين . هل عندك استعداد تزوج اختك أو بنتك قبيلي معوق أو مشوه أو قبيلي أسود البشرة ؟؟!! 2- اللي يدعي انه فيه فصل عنصري في كل مكان , فاقول له : أولاً : هذا مهوب مبرر , فالخطأ لا يبرر بخطأ .. يعني انت مثل اللي يسرق ويقول كل الناس يسرقون . ![]() ثانياً : الفصل العنصري الموجود بالغرب على الأقل تارك الحرية للجميع .. فالأبيض اللي وده يتزوج سوداء ما يمنعونه والأسود اللي وده يتزوج بيضاء ما يمنعونه . يعني النتيجة : لا يوجد عنصرية في الزواج بالغرب, بينما العنصرية الموجودة في مهد الإسلام تمنع حتى التزاوج بين المسلمين وأبناء الحي الواحد !!!!!!!!!!!!!!!!! وتقبلوا تحياتي 00 المتزن
__________________
في المجتمع المريض الاستشهاد بالرجال أولى من الاستشهاد بالأدلة والأفكار !!
|
![]() |
![]() |
#8 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
هوية صامتة
تاريخ التسجيل: May 2003
البلد: Buraydah City
المشاركات: 12,458
|
أعتقد بالنقطة الثانية تقصد كلامي ، فلذلك راح أرد عليك ![]()
أنا ما أقول إنه مبرر ، لكن اللي أقوله أنه من طبيعة البشر ![]()
هل تدري أن الحرية وصلت عندهم إن الخال يتزوج بنت أخته !! هل تدري أن الأسود اللي تزوج بيضاء يحاربونه السود . والأبيض اللي يتزوج سوداء يحاربونه البيض .
غير صحيح . أخيراً: أنا أتحدث عن تجربة عشتها في بلاد الغرب ، ولا أتحدث عن كلام منقول ![]() يعني مانيب خراص أتكلم .
__________________
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() |
![]() |
#9 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Aug 2006
المشاركات: 51
|
سوف نبقى على قارعة الطريق يسفه بعضنا بعضا حتى نعود إلى أمر الله ومنها إليكم هذه القصة وبعدها قصة حتى تصحو العقول المخدرة التي احتلها العلو والغرور والتحقير ..... قصة جليبيب -رضي الله عنه - : زواج جليبيب قال أنس بن مالك رضي الله عنه : كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له جُليبيب ، كان في وجهه دمامة و كان فقيراً قصيرا ولا نسب له ويكثر الجلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ذاتيوم : يا جُليبيب ألا تتزوج يا جُليبيب؟ فقال : يا رسول الله ومن يزوجني يا رسول الله؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أزوجك يا جُليبيب. فالتفت جُليبيب إلى الرسول فقال: إذاً تجدُني كاسداً يا رسول الله .. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: غير أنك عند الله لست بكاسد ، ثم لميزل النبي صلى الله عليه وسلم يتحين الفرص حتى يزوج جُليبيا فجاء في يوم من الايام رجلٌ من لأنصار قد توفي زوج ابنته فجاء الى النبي صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ليتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي : نعم ولكن لا أتزوجها أنا !! فرد عليه الأب : لمن يا رسول الله !! فقال صلى الله عليه وسلم: أزوجها جُليبيبا .. فقال ذلك الرجل: يا رسول الله تزوجها لجُليبيب ، يارسول الله إنتظر حتى أستأمر أمها !! ثم مضى إلى أمها وقال لها أن النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إليك ابنتك قالت : نعم ونعمين برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يرد النبي صلى الله عليه وسلم .. فقال لها : إنه ليس يريدها لنفسه ...!! قالت : لمن ؟ قال : يريدها لجُليبيب !! قالت : لجُليبيب لا لعمر الله لا أزوج جُليبيب وقد منعناها فلان وفلان فاغتم أبوها لذلك ثم قام ليأتي النبي صلى الله عليه وسلم فصاحت الفتاة من خدرها وقالت لأبويها : من خطبني إليكما؟؟ قال الأب : خطبك رسول الله صلى الله عليه وسلم .. قالت : أفتردان على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. أمره ادفعاني إلى رسول الله فإنه لن يضيعني ! قال أبوها : نعم .. ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : يا رسول الله شئنك بها . فدعى النبي صلى الله عليه وسلم جُليبيبا ثم زوجه إياها ورفع النبي صلى الله عليه وسلم كفيه الشريفتين وقال: اللهم صب عليهما الخير صباً ولا تجعل عيشهما كداً كداً !! ثم لم يمضي على زواجهما أيام حتى خرج النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في غزوة وخرج معه جُليبيب فلما أنتهى القتال اجتمع الناس وبدأوا يتفقدون بعضهم بعضاً فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: هل تفقدون من أحد قالوا : نعم يا رسول الله نفقد فلان وفلان كل واحد منهم إنما فقد تاجر من التاجر أو فقد ابن عمه او أخاه ... فقال صلى الله عليه وسلم : نعم و من تفقدون قالوا : هؤلاء الذين فقدناهم يا رسول الله .. فقال صلى الله عليه وسلم: ولكنني أفقد جُليبيبا .. فقوموا نلتمس خبره فقال صلى الله عليه وسلم: ولكنني أفقد جُليبيبا .. فقوموا نلتمس خبره فقال صلى الله عليه وسلم: ولكنني أفقد جُليبيبا .. فقوموا نلتمس خبره فقال صلى الله عليه وسلم: ولكنني أفقد جُليبيبا .. فقوموا نلتمس خبره ثم قاموا وبحثوا عنه في ساحة القتال وطلبوه مع القتلى ثم مشوا فوجدوه في مكان قريب إلى جنب سبعة من المشركين قد قتلهم ثم غلبته الجراح فمات . فوقف النبي صلى الله عليه وسلم على جسده المقطع ثم قال : قتلتهم ثم قتلوك أنت مني وأنا منك ، أنت مني وأنا منك .. انت مني وانا منك انت مني وانا منك انت مني وانا منك ثم تربع النبي صلى الله عليه وسلم جالسا بجانب هذا الجسد ثم حمل هذا الجسد ووضعه على ساعديه صلى الله عليه وسلم وأمرهم أن يحفروا له قبراً .. قال أنس : فمكثنا والله نحفر القبر وجُليبيب ماله فراش غير ساعد النبي صلى الله عليه وسلم .. قال أنس : فعدنا إلى المدينة وما كادت تنتهي عدتها حتى تسابق إليهاالرجال يخطبونها .. ( انما كان قول المؤمنين اذا دعوا الى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم لمفلحون) . أما العنصرية فهي موجودة عندنا كما لم تكن موجودة عند أي أمة من الأمم ....حتى في نظام الباثريد العنصري المقيت الذي اندحر في جنوب افريقيا لا يوجد فيه ما لدينا ... هم التفريق مبني على اللون فقط أما نحن فالمسألة عندنا مردها إلى تفريق بين أناس متفقين في كل شيء باللون والدين واللغة والشكل والثقافة والمصير ومع ذلك جعلواأثنية المجتمع فريدة من نوعها تصيب أصحاب العقول بحيرة فالعنصرية لدينا أشبه ما تكون بالنازية القديمة التي تدعي نقاء العرق الآري الجيرمني ....يضاف لها مع ادعاء الأفضلية تحريم الاختلاط بالأمم الأخرى غير ان النازية ساوت بين الألمان جميعا غير ان العنصرية العربية فاوتت بين العرب وجعلت العرب قسمين عرب وضيعة وعرب رفيعة .... فلا حول ولا قوة إلا بالله ... آخر من قام بالتعديل ريبد; بتاريخ 03-05-2007 الساعة 09:10 PM. |
![]() |
![]() |
الإشارات المرجعية |
أدوات الموضوع | |
طريقة العرض | |
|
|