[الطيــــر]

حادثة جهيمان رحمه الله درس لا بد من الاستفادة منه

لا شك أن أخانا جهيمان قد أخطأ رحمه الله فيما صدر عنه هو ومن معه ، ولكن كان في لجوءه إلى البيت الحرام متأولاً أقصد مجتهدا فهو نظر في الأحاديث الواردة في صحيح مسلم وفيها يقول عليه السلام يعوذ عائذ بالبيت . . . إلخ الحديث فهو كما يرى كثير من أهل العلم قد عاذ بالبيت أي لجأ واعتصم به وكان من المفترض أن لا تقوم الدولة بما قامت به ، والذي لا يعرفه الكثير من الناس أن الحكومة استعانت في عملها ذلك بالقوات الفرنسية وكانت هناك فرقة من الكوماندوز الفرنسي الذين استخدموا قنابل سامة أودت بحياة مالا يقل عن 3000 مسلم كانوا موجودين في البيت الحرام .
لا شك أن القحطاني ليس هو المهدي لأنه قحطاني والمهدي قرشي هاشمي من آل البيت من ولد الحسن ابن علي رضي الله عنهم جميعا ولكن كيف حصل هذا الخطأ في تنزيل نصوص الوحي المتعلقة بالمهدي على شخصية محمد بن عبد الله القحطاني ؟
الجواب : بسبب الخطأ في فهم الرؤى وعدم الرجوع إلى أهل الذكر في هذا الشأن أي شأن تعبير الرؤى . هناك رواية تقول أن ثلاثة عشر من الأصحاب رأو في القحطاني رؤى تدل على أنه هوالمهدي ، وهناك رواية ثانية تدل على أن 40 من أصحابه رأو فيه ذلك . ولا شك أن هذا العدد 13 والعدد 40 من أعداد التواتر وقد قرر أهل العلم أن الرؤى إذا تواترت دل ذلك على أنها صادقة وصحيحة ، كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله في فوائد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أرى رؤياكم قد تواطئت على السبع الأواخر . . . الحديث ) ولكن أهل العلم اشترطوا أن لا تخالف هذه الرؤى ما دل عليه الشرع ، والشرع قد دل بل أجمع أهل السنة والجماعة على أن المهدي من آل البيت .
وعندما نرجع الأمر إلى المتخصصين نسلم من تكرار هذه الحادثة مرة اخرى ، ونحن لا نعرف ماهي الرؤى التي رآها هؤلاء الأصحاب ولم ينقل لنا أنهم عرضوا رؤاهم على شخص معبر موثوق بعلمه في هذا الشأن ، بل إن المعروف أن الشيخ يوسف المطلق حفظه الله كان قد سؤل قبل هذه الحادثة عن رؤيا مفادها : أن الرائي رأى دابا (ثعبان) خرج من نجد متجها إلى مكة وأن ذيله قد ضرب وقطع ، فعبرها الشيخ بقوله : هذه فتنة يسعى بها رجل أعرابي وسوف تخمد وانطبقت هذه الرؤيا على حادثة جهيمان يرحمه الله .
أقول لا بد من ارجاع الأمر إلى المتخصصين لأنهم أدرى وأعلم بالرؤى هل هي حديث نفس أو شيطانية أو من الله هل هي فتنة أو رحمة وبالمثال يتضح المقال : سأل أحدهم الشيخ يوسف وقال يا شيخ رأيت في المنام هاتفا يهتف ويقول أنت المهدي ، فعبرها الشيخ فقال : إنك سوف تستدرك ماعندك من نقص في امور الدين .
فليس كل من رأى في المنام أنه يقال له ذلك يفهم أن المقصود من هذه الكلمة هو المهدي المنتظر بل كما رأينا في تعبير الشيخ هنا تكون الرؤيا بشارة له بأن الله سوف يهديه ، وهذه الرؤيا قد وقع تعبير الشيخ لها والرائي ولله الحمد الآن على استقامة وخلق ودين ولا نزكي على الله احدا .
وكما وردتنا رؤى كثيرة من الداخل والخارج وذكرها لنا بعض الاخوة من جدة والشرقية ومن بلاد الجنوب أذكر نماذج منها : من ذلك أن أحد الاخوة من طلبة العلم المعروفين حدثنا بأنه كان قد ألقى محاضرة عن الرؤى في مركز اسلامي في عاصمة احدى الدول الاوربية في العام الماضي في رمضان وسأله بعد المحاضرة رجل من الأشراف .. . اعني من آل البيت وقال له كنت في ليلة من الليالي أجلس مع مجموعة من الشباب سكارى ومحششين فنمت ليلتها فرأيت في النوم هاتفا يهتف يقول لي قم حارب الظلم أنت المهدي ، قال الرائي أنا أظن يا شيخ أن أول الرؤيا صحيح وآخرها من الشيطان ، فقال له ذلك الشيخ وكان من المعبرين : بل الرؤيا كلها صحيحة ، أنت بعد هذه الرؤيا ألم يمن الله عليك بالهداية والاستقامة قال بلا وجاهدت مع اخواني في البوسنة والهرسك ، قال له : فهذا هو تأويلها أنت المهدي يعني يهديك الله وقد قمت وحاربت الظلم الواقع على اخوانك في البوسنة بالمشاركة في الجهاد معهم .

مثال آخر : هذه قصة سمعتها بنقل موثق عن أحد المشايخ الدعاة في جدة وعنده علم في تعبير الرؤى جاء إليه مجموعة من الشباب وقالوا ان هناك رؤى تدل على أن فلان الموجود في أبها وهو من آل البيت واسمه محمد عبدالله تدل على أنه هو المهدي ، فتواعد معهم وجلس معهم في جلسة مطولة ليسمع منهم هذه الرؤى التي رؤيت في هذا الشخص فكانت أقوى رؤيا رؤيت في هذا الشخص الذي يعتقدون أنه المهدي قال فيها الرائي إنه رأى كأنه جالس مع الشيخ سفر الحوالي حفظه الله ثم بعد ذلك سمع بأن المهدي قد خرج فذهب والتقى به فكان من جملة الكلام الذي قاله هذا المهدي للرائي في المنام إن أول ما يجب علينا فعله هو قتال أمريكا ، ثم ذكر الرائي أن الملك فهد وإخوانه سمعوا بخروج المهدي وأنه صار لهم كذا وكذا من الأحداث المؤسفة والمؤلمة لهم .. انتهت رؤيا الأخ ، فعبرها لهم ذلك الشيخ الداعية جزاه الله خيرا ونفع بعلمه وقال للرائي هل سافرت بعد هذه الرؤيا قال نعم سافرت إلى أفغانستان بعد اسبوعين منها .
وبمن التقيت هناك ، قال التقيت الشيخ اسامة بن لادن حفظه الله ، قال له وماذا دار بينكما من حديث ، قال في امور الجهاد . فقال له ذلك الشيخ _ وأنا أقول مثل ما قال – والله الذي لا اله إلا هو إن رؤياك لم تتجاوز هذه السفرة فهي تدل على أنك سوف تسافر وسوف تلتقي رجلا مهديا ( أي هداه الله ) وسوف يكون بينكما حديث في امور الجهاد .
وهذه الرؤيا كان قد رآها الرائي قبل ثلاث سنوات وذكر أن الشخص الذي رآه في المنام يشبه إلى حد كبير الشخص الذي رآه في أبها .
فانظروا يرحمني الله واياكم لو لم يتبصر هؤلاء ويسألوا رجلا مختصا في هذا الشأن لكانوا قد وقعوا في ضلال جديد في ما يتعلق بأمر المهدي .
أما الذي لا يريد أن يترحم على جهيمان فنقول له إن الكبائر لا يكفر الشخص بسببها وقد كان الرجل متأولا ، حيث التجأ واعتصم بالبيت ومن معه .
فنحن نلتمس العذر لاخواننا الذين كانوا مع جهيمان ونقول إن الرؤى التي رأوها في حق القحطاني لا غبار عليها في كونها تدل على أنه رجل مهدي هداه الله – وهو كذلك في ما نحسب ونظن ولا نزكي على الله أحدا – ولكنهم أخطئوا في فهم ما دلت عليه هذه الرؤى لأنهم لم يرجعوا الأمر إلى أهل الاختصاص ، فيا اخوة هذه دعوة مني حتى لا يتكرر هذا الخطأ ، لا نهمل جانب الرؤى والشرع قد دل على اعتبارها ولكن لا بد من الرجوع إلى المعبرين الموثوق بعلمهم في هذا الشأن إمتثالا لقوله تعالى ( فاسألوا اهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) وامتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم ( اذا رأى احدكم ما يحب فلا يحدث بها إلى عالما أو ناصحا ) قال أهل العلم المقصود بقوله عليه السلام عالما أي عالما بالتعبير ، ولا يلزم أن يكون العالم بالتعبير عالما بالشرع كما لا يلزم أن يكون العالم بالشرع عالما بالتعبير .
وقد ذكر الشيخ محمد الرومي المعبر المعروف في أحد اشرطته أن الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ ابن عثيمين كانا يسألانه في بعض الرؤى .
نقطة أخيرة احب أن اضيفها أيها الأحبة أنه ينبغي أن نحذر من الرؤى التي تكون الكلمات فيها صريحة فإن هذه الرؤى قد تكون من باب حديث النفس حيث أن الشخص يكون قد تعلق بفلان أو فلان فيحصل في النوم مثل ذلك ، ولكن حينما تأتي الرؤى غير صريحة بل هي من قبيل الرموز ، فهذه تكون أبعد عن كونها حديث نفس أو عن كونها شيطانية ، اللهم إلا إذا رأى الرائي في المنام الله سبحانه وتعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم يذكران أن فلان هو المهدي فهنا اتفق أهل التعبير على أن الكلام في هذه الحالة الصادر عن الله أو عن رسوله – وبشرط أن تكون صفات الرسول هي الصفات المعروفة عنه في كتب السنة – ففي هذه الحال يكون الكلام حق ودلالته على أن هذا الشخص هوالمهدي حق كذلك .
ومن أمثلة رؤى الرموز مثلا ما ذكره الحازمي في كتابه من رأى رؤيا فكان كما رأى أن الملك عبد العزيز آل سعود رأى في المنام أنه جاء إلى الشريف حسين وكان جالسا على كرسي فأقامه وقعد مكانه ، فعبرها الشيخ محمد المصري في ذاك الوقت وقال يستولي الملك على الحجاز . . . . ، مثال آخر : ما ذكره نفس صاحب الكتاب أن مؤسس الدولة البويهية كان قد رأى في المنام أنه قد خرج من ذكره – أكرمكم الله – نار انقسمت إلى ثلاث شعب ، فسأل عنها معبرا فقال له المعبر اعبرها لك بشرط أن تعطيني مالا ،وكان هذا الرائي وقتها حطابا فقيرا ، قال ليس عندي مال فقال له المعبر ليس الآن ولكن إذا حصل تعبير الرؤيا فقال أفعل إنشاء الله ، فقال له تملك ويخرج من صلبك ثلاثة ملوك يحكمون من بعدك ، وبالفعل حصل التعبير ووفى الملك بالشرط وأكرم المعبر .
فالذكر ها هنا يرمز للذكر بكسر الذال . . . أي الصيت والشهرة وهذا لا يحصل إلا لمن حكم وملك وبخاصة أنه رأى النار تخرج من ذكره ، فلو فرض أن أحدا رأى في شخص ما رؤيا مماثلة أو قال رأيت كأن ذكره قد طال حتى أصبح يكنس به الأرض فعندها يجزم المعبر بأن هذا المرئي سوف يحكم .
وعائشة رضي الله عنها رأت فيما يرى النائم كأن ثلاثة أقمار سقطت في حجرها فعبرها أبو بكر بقوله أي بنية يدفن في بيتك ثلاثة من خير أهل الأرض ( انظر التمهيد ج24) ولما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفن في حجرة عائشة جاء إليها أبو بكر وقال لها هذا أحد أقمارك وهو خيرها .
فالقمر رمز لرجل عظيم له ظهور كظهور القمر إما ملك وإما عالم وانظر كيف فسر قولها (في حجري) بالحجرة التي دفنوا فيها ، فلو فرض أن أحدا رأى شخصا ما صورته في القمر وليس فوق القمر لكان ذلك دليلا على أن هذا المرئي الذي صورته في القمر سوف يحكم وبالتالي حينما تجتمع عندنا رؤى من قبيل الرموز في شخص معين وتتواطء أي تتواتر هذه الرؤى في حق هذا الشخص فإننا نجزم عندها أنه سوف يحكم ويملك . . . وهكذا ، لكن اكرر وأقول لا بد من الرجوع إلى أهل الاختصاص لأن الرؤى في بعض الأحيان يكون فيها شواهد تغير معنى الرؤيا خلافا لهذا المعنى الذي ذكرناه في الأمثلة السابقة .
وبالمناسبة فان من يطالع هذا الكتاب للحازمي بجزئيه الأول والثاني يجد أنه لا يكاد أحد حكم في هذهالدنيا إلا وقد رأى رؤى تدل على ذلك ، فاوصي الاخوة بقراءة هذا الكتاب .
هذا واسأل الله سبحانه وتعالى أن يبصرنا وإياكم بالحق ويجنبنا الزلل والوقوع في الباطل والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .

والسلام............ منقول