بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » لحى ...

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 15-03-2008, 02:06 PM   #1
أديب الواصل
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 59
_ 2 _


كان كتلة من الغموض تمشي على الأرض
رجل يكاد يصافح الخمسين من العمر ، تميل بشرته إلى السمرة ، نحيل الجسم ، دقيق الملامح ، ذو عينين واسعتين ، يحمل بقايا شاب كان يجذب الأنظار ، ليس بالطويل ولكنه إلى الطول أقرب .
منذ ما يقارب الخمس سنوات في شهر رجب من عام 1421 حينما وفد هذا الغريب وقطن حي المحمدية في الدمام في بيت مستقل صغير ، مسلح ولكنه قديم ، وأسئلة الفضول تكاد تقفز من رؤوس أصحابها عن سر هذا الكائن ، بعضهم قال أنه خارج من السجن ، والبعض الآخر قال أنه هارب من الديانة ، والبعض قالوا أنه مسحور ، وتبقى أبواب التخمينات مشرعة ، لكن ليس ثمة ما يرجح أحدها على أخيه ، حتى أبو مروان كبير مثقفي الحي ، والفيلسوف الذي لا يشق له غبار ، والذي يدعي بأنه لا تخفى عليه خافية فيه ، ظل صامتا طوال تلك المدة ، ولا يزيد عن قوله :
ـ إن ورائه سرا عظيما وستظهره لنا الأيام
فيهز الجميع رؤوسهم تأييدا

كنت الوحيد من بينهم الذي استطاع أن يكشف عشر ما يخبأه أو أقل ، في مدة استغرقت ستة أشهر ، كان يخرج قبل صلاة الفجر بسيارته ، ولا يعود إلا حين يحين موعد النوم ، في الأيام التي سبقت ركوبه معي في السيارة لاحظته يخرج من بيته حاملا معه كيسا متوسط الحجم ، ثم يمشي في شوارع الحي بهدوء ، حتى يصل إلى الشارع العام ، فيستقل سيارة أجرة ويمضي إلى حيث لا يدري أحد

وصوت آذان الفجر يعلو في أحد أيام الصيف توقفت عنده على ناصية الشارع العام قبل أن تسبقني إليه أية أجرة ، فتحت نافذة الراكب وسلمت عليه وطلبت منه الركوب ، رد التحية وقبل أن يركب قال :
ـ أريد أن تقلني جهة البحر حيث مكان الصيد والصيادين
ـ اركب
ـ لم تقل لي بكم ؟
ـ اركب ، ولن نختلف
ـ أنت كداد ؟
ـ نعم ، اركب
أغلق الباب ، ووضع مايحمله في حجره ، وشرد بعينيه في الفضاء الحالك أمامه ، ومرت فترة صمت ، قلبت فيها الجمل المناسبة التي أستطيع من خلالها أن أستجره في الكلام ، لأول مرة أقف حائرا أمام شخص غريب علي ، فأنا كما ينعتني كثير من أصحابي وزملائي في العمل خبير الحلب ، أستطيع أن أحلب كل ما يسره الآخرون في فترة وجيزة ،
ـ يبدو أنك لست من المنطقة !
ـ نعم .
انتظرت زيادة في الكلام ، لكنه صمت ! ألا يستطيع القول ، نعم .. لست من المنطقة ، على أقل تقدير !
إجابة مقتضبة وثقيلة في نفس الوقت ، عندما يسألني أحد ما مثل هذا السؤال فإنني أفهمه بشكل آخر ليس من منطوقة وحسب فالمعنى : من أي البلدان أنت ؟
وألمح من خلال تقاسيم وجهه أنه ليس بذاك الغباء بحيث لا يفهم ما أريده وبدا لي أنه يرسل إشارته بأن أصمت ، لكن ! لا . لن أصمت ! ولن يقهرني هذا الغريب !
نظرت إليه وأنا أتجاوز الإشارة بعد أن أضاءت باللون الأخضر وقلت له ممازحا :
ـ لازم أصير كداد ، من أجل أن تركب معي وأتعرف عليك .
ابتسم ابتسامة لا معنى لها
ـ لا أبدا ، لكنني لا أنتظر الإحسان من أحد .
ـ ولا من جيرانك ؟
نظر إلي بضع ثوان فصرف نظره ، فأردفت بسرعة حتى لا تطول حيرته
ـ نعم أنا من جيرانك في نفس الحي الذي سكنت فيه قبل بضعة أشهر
وأردت أن أخرجه من هذا الموقف فقلت :
ـ عسى ما هنا شر!! أين سيارتك ؟ فلقد كنت أرى معك سيارة قبل أيام .
ـ فيها عطل بسيط وأدخلتها ورشة لإصلاحها .

أنزلته حيث أراد ومضى بعد أن عرفت اسمه ومن أي البلاد هو، وفهمت منه أنه منذ قدومه وهو يزاول مهنة الصيد ، يتكسب منها يوميا ما يسد رمقه ويقضي على حاجته . ويغنيه عن الآخرين . وإن كان غير راض عنها تمام الرضا إلا أنها شغلة مؤقتة حتى يرى ما الله صانع فيه
وهو يهم بالنزول عرضت عليه المجيء لأخذه مساءا ، لم يبد موافقة أو اعتراضا ، وأعطاني قفاه وانصرف .
تمتمت في سري
وأغرب منك لم تر قط عيني

ـ جئتكم من الغريب بنبأ يقين
قلت هذا وأنا أحدث الجيران بما حصل صبيحة ومساء الأمس القريب
كانت أنفسهم متشوقة للسماع فالعيون متسمرة والأفواه فاغرة ، بما فيهم أبو مروان الذي كان يتشاغل بورقة أمامه ، وأذنه تكاد تقفز إلى فمي وإلى التقاط كل كلمة أتفوه بها ، لما انتهيت من كلامي ، ابتدر أبو مروان الجالسين بالكلام ، وقال بسخرية لاذعة
ـ أي جديد في هذا ، هو من الرياض ، ويشتغل في الصيد ، وليس متزوجا ، وسيتزوج قريبا ، وعمره خمسون .كل هذه أخبار آنية ، أما لم هو بيننا ، لم يتهرب منا ، هل له أولاد ؟ فلم تجبنا على شيء من هذا ، وهو الذي كان من الأجدر أن تجيبنا عليه .
هز الجميع رؤوسهم بالموافقة كالعادة .
أيقنت بعد طول تأمل في حال الجيران مع أبي مروان ، أن القادة ... أي قادة ! ليسوا أكثر من شخوص تحمل رونقا وكاريزما ونكهة لها خاصية ما ، تجعل الآخرين يسنمونهم المناصب ، وتشرئب إليهم الأعناق وتهفوا لمنطقهم الأسماع ، وإلا فأفكارهم وآرائهم ليست بأفضل من غيرهم ، بل قد يتفوق الآخرون عليهم من هذه النواحي .
انصرفت من المكان وقد أشعلت سخرية أبي مروان التحدي في نفسي .


****

***

**

*
أديب الواصل غير متصل  


موضوع مغلق

الإشارات المرجعية

أدوات الموضوع
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 07:02 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)