|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
01-04-2008, 11:01 AM | #1 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Mar 2003
البلد: !!!!
المشاركات: 961
|
220 فائدة منتقاة من شرح الشيخ سليمان العلوان على تجريد التوحيد المفيد
الفوائد المنتقاة
مِنْ شرح تجريد التوحيد للمقريزي لفضيلة الشيخ العلامة : سليمان بن ناصر العلوان " حفظه الله " انتقاء أبو المهنـد القصيمي Saleh1427@hotmail.com غفر الله له ولوالديه ولمشايخه ولجميع المسلمين بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إنَّ الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ(102)} [آل عمران]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً(1)} [النساء]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(71)} [الأحزاب]. أما بعد: فهذه فوائد منتقاة من شرح فضيلة الشيخ سليمان العلوان على كتاب شرح تجريد التوحيد المفيد للعلامة المقريزي وقد بلغت 220 فائدة والشرح يحتمل أكثر من هذا ولكن هذا جهد المقل ،، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا ،،، ملاحظة : إذا ظهرت علامة فهي إما صلاةً على النبي صلى الله عليه وسلم أو ترضياً عن أحد الصحابة ولم تظهر لأني كتبته بمعالج النصوص ... والله اعلم . قبل طرح الفوائد هذا رابط لقراءة الأحاديث المتكلم فيها في هذا الشرح http://www.buraydahcity.net/vb/showthread.php?t=108786 [ الشريط الأول ] 1- كتاب تجريد التوحيد المفيد للعلامة أحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي يُكنى بأبي العباس وقيل : بأبي محمد البعلبكي الأصل و قد ولد بمصر بعد الستين وسبعمائة بِسُنَيّات وقد قيل أنه ولد سنة ستٍ وستين وسبعمائة ، تمذهب على الفقه الحنفي ثم تحول عنه إلى الفقه الشافعي وقد ذكر عنه الحافظ ابن حجر – رحمه الله – بأنه كان إماماً بارعاً متقناً ضابطاً ديناً وقد محباً لأهل السنة والجماعة وقد كان يميل إلى الحديث والعمل به حتى نسب إلى أهل الظاهر وقد أثنى عليه غير واحدٍ من أهل العلم ويمكن مراجعة ذلك في التراجم. فلا نطيل الحديث عنه ففي أوائل الكتاب ترجمةٌ كافيةٌ له وقد توفي سنة خمسٍ وأربعين وثمانمائة . 2- قال غير واحد بأنه أول كتاب أفرد في توحيد الإلهية . 3- وصفة الكفر بالطاغوت كما قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: ( أن تعتقد بطلان عبادة غير الله وأن تتركها وأن تبغضها وأن تكفر أهلها وأن وتعاديهم ) . 4- ففي صحيح الإمام مسلم من طريق الفزاري عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه أن النبي قال : ( من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حَرُمَ مالهُ ودمهُ وحسابهُ على الله عز وجل ) . قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله - في مسائل كتاب التوحيد ( وهذا من أعظم ما يبين معنى لا إله إلا الله فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصماً للدم والمال بل ولا معرفة معناها مع لفظها بل ولا الإقرار بذلك بل ولا كونه لا يدعوا إلا الله وحده لا شريك له بل لا يحرم دمه ولا ماله حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله ، فإن شك أو توقف لم يحرم دمه ولا ماله فيا لها من مسائل ما أعظمها ، وأجلها ، ويا له من بيان ما أوضحه وحجة ما أقطعها للمنازع ) . 5- حديث ( كل أمرٍ ذي بال لا يبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع ) وهذا الخبر ضعيف بالاتفاق وقد رواه الخطيب في الجامع والسُبكي في طبقات الشافعية وفي إسناده ابن الجَنَدي وهو ضعيف الحديث ، وفي الخبر اضطراب أيضاً . والمحفوظ في هذا الخبر حديث : ( كل أمرٍ ذي بال لا يبدأ بالحمد ) . على إرساله وهو المحفوظ ، أما الأول فهو منكرٌ جدا ولا يصح . 6- حديث عاصم ابن كُلَيب عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي قال : ( كُل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليدِ الجَذْمًاء ) رواه أبو عيسى الترمذي وأبو داودٍ وفي صحته اختلاف . 7- حديث أبي إسحاق السَبيعي عن أبي الأحوص عن ابن مسعود قال : ( كان رسول يعلمنا خطبة الحاجة كما يعلمنا السورة من القرآن (( إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله )) وفي رواية (( وأشهد أن محمداً عبده ورسوله )) رواه أهل السنن وغيرهم وإسناده صحيح. 8- قوله تعالى : ليس كمثله شيء وهو السميع البصير : وقد شرح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله تعالى هذه الآية في مجلد ، ذكر ذلك غيرُ واحدٍ ممن ترجم لأبي العباس - رحمه الله - والموجود في كلامه من المطبوع شيء كثير في تفسير هذه الآية وفي توضيح معناها وكثرة ما فيها من الفوائد وبديع الفرائد . 9- التوحيد مصدر وحَدَ يُوحدُ توحيداً فهو موحد ، ولا يسمى العبدُ موحداً إلا إذا أفرد الله بأفعاله . فلواحـدٍ كـن واحـداً في واحدٍ أعـني سـبيل الحـق والإيـمـان 10- إن قال قائل من أين أخذنا توحيد الإلهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات ؟ كما قال ذلك بعض متأخري المعتزلة والأشاعرة ؟ فالجواب : هذا كله مأخوذٌ من القرآن الكريم ، وفي فاتحة الكتاب التي استفتح الله جل بها كتابة جميع أنواع التوحيد . قوله تعالى : الحمد لله رب العالمين إذا قلنا هنا الرب بمعنى المربي أو المالك فهذا توحيد الربوبية ، وإذا قلنا الرب بمعنى المعبود فهذا توحيد الإلهية ، قوله : الرحمن الرحيم هذا توحيد الأسماء والصفات. 11- قال الشاعر : إذا انقطعت أطماع عبدٍ عن الورى تعلـق بالـرب الكـريم رجــاءهُ فأصبـحَ حـراً عـزةً وقـناعـةً علـى وجهـه أنـواره وضـيـاِءهُ وإن علقـت في الخلق أطماع نفسه تباعـد ما يرجـوا وطـال عـناءهُ فلا ترجوا إلا الله في الخطب وحده ولـو صح في خـل الصفاء صـفاءهُ 12- إذا قال أنا لا أسأل الرسول الله ولكن أريد أن يقربني إلى الرب وأن يشفع لي عند الرب ، فلا أقول يا رسول الله اشفع لي ، ولكن أقول : يا رسول الله أشفع لي عند ربك ، ويا رسول الله سَلْ الله لي المغفرة ، أو سَلْ الله لي الشفاء . فبعض أهل العلم قال : هذا ليس بالشرك الأكبر بل هو من البدع العظيمة ، ولا يصل إلى حد الشرك الأكبر ، لأنه لم يسأل الميت ولكن أعتقد أن هذا الميت حيٌّ في قبره ، فأراد منه أن يسأل الله ولم يسأله . وهذا رأى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ذكره في المجلد الأول من الفتاوى . القول الثاني : انه شركٌ أكبر فإنه لا فرق بين كون المرء يسأل الميت ويطلب الحاجة منه أو يطلب منه أن يقضي حاجته عند ربه ، قال تعالى : إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم وقوله : ولا تدعوا من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك هل ينفع ؟ لا يستطيع النفع . هل يضر؟ لا يستطيع أن يملك ضرك: فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين أي المشركين . وظاهر هذه الآية وما قبلها تفيد أن سؤال الأموات شركٌ أكبر ولو قال أنا ما أطلب منه ، ولكن أطلب منه أن يشفع لي عند ربه ، أو يسأل الله لي قضاء الحاجات وتفريج الملمات ، ولو قلنا بأنه ليس بشرك أكبر ، فهو من البدع العظيمة ومن الشرك الذي لا ينزل عن الشرك الأصغر . ويجب إنكاره والتغليظ فيه وإعلام الناس بما أوجب الله عليهم وتحذيرهم عما نهاهم الله عنه فلا ينبغي الجهل بذلك . 13- لا يرد ذكر الشر إلا على أحد ثلاثة وجوه ، كما أفاد بذلك شيخ الإسلام وغيره من أكابر المحققين نقول : أولاً : دخوله في عموم المخلوقات كما قال تعالى : الله خالق كل شيء . ثانيا : إضافته إلى السبب كقوله تعالى : من شر ما خلق . ثالثاً : أن يحذف فاعله كقوله تعالى: وأنا لا ندري أشرٌّ أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً 14- المنتقم ليس اسما من أسماء الله ، ومن جعل المنتقم اسماً من أسماء الله فقد غلط ، وإن قالته بعض الطوائف . فإن المنتقم لم يرد في كتاب الله إلا على وجه الإثبات ، قال جل وعلا : عزيزُ ذو انتقام لم يرد اسماً ولا يصح جعله اسماً كما ذكر ذلك أكابر المحققين . 15- وأسماء الله تحتها صفات ، وتحتها معاني . أسمـائه أو صـاف مـدحٍ كلها مشتقـةٌ قـدْ حمـلـت لمـعـانِ إيـاك والإلحـاد فـيـها إنــه كـفـرٌ معـاذَ اللهِ مـن كفـرانِ وحـقـيـقـةُ الإلحـاد فـيها الميل بالإشـراك والتعطيل والنكـرانِ 16- قال ابن عقيل رحمه الله : ( أنا ما أقيس إيماني عند الازدحام عند أبواب المساجد ولا في الحج (( لبيك اللهم لبيك )) انظر إيماني وأقيسه أين يفزع قلبي عند حدوث النكبات والشدائد ) . 17- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ترك الأسباب بالكلية قدح في مقام التوحيد والاعتماد على الأسباب دون الله شرك في التوحيد. 18- ( فإن أول ما خلق الله القلم قال له أكتب ، قال ما أكتب ؟ قال أكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ) رواه أحمد وغيره بسند قوي . 19- قوله : إلا ليعبدون إلا ليوحدون كما قاله ابن عباس ومجاهد وجماعة وقيل : إلا لآمرهم وأنهاهم . [ الشريط الثاني ] 20- اختلفت عبارات الأئمة في تعريف التوحيد : قال صاحب المنازل : (( التوحيد تنزيه الله عن المحُدَث )) وهذا ليس بشيء ، ولا يدل هذا على التوحيد الذي بُعثت به الرسل وأنزلت من أجله الكتب ومن أجله شرع الجهاد وافترق الناس به إلى شقي وإلى سعيد . فإن تنزيه الله عن المحدثات هو نوع من أنواع توحيد الربوبية الذي أقر به كثيرٌ من المشركين ، فالتوحيد الذي ذكره صاحب المنازل ليس هو التوحيد الذي بعثت به الرسل . وحينئذٍ يصبح هذا التعريف غير صحيح . وقال الجُنَيد : (( التوحيد إفراد القديم عن المحُدَث )) وهذا تعريفٌ يحتاج إلى زيادة شرح وتوضيح . فإن هذا الإفراد نوعان ، لأنه يقول إفراد القديم عن المحدث وهذا الإفراد نوعان : النوع الأول : إفرادٌ في الاعتقاد بحيث يثبت أسماء الله وصفاته ولا يشبّه ولا يمثل ، فإن تمثيل صفات الله بصفات خلقه قدحٌ وطعنٌ في هذا الإفراد . النوع الثاني : إفراد القديم من المحدث في العبادة من التأله والحب والخضوع والإنابة والتوكل والخوف والنذر والذبح ونحو ذلك . وبهذا التفصيل يكون المعنى واضحا ، غير أن اللفظ قد لا يعيه البعض وبما أن التوحيد هو الذي أرسلت به الرسل وأنزلت من أجله الكتب ينبغي أن يكون تعريفه واضحاً لكل أحد . فإن الحاجة كلما اشتدت في معرفة شيء وكلما دعت إليه الضرورة واستجابت له الفطرة ينبغي أن يكون واضحاً لا لبس فيه . التوحيد : هو إفراد الله بالعبادة ، قال تعالى : أن اعبدوا الله مالكم من إله غيره وقوله: أن اعبدوا الله أي وحدوا الله قوله: مالكم من إله غيره هذا هو التوحيد ، وقال تعالى: يا أيها الناس اعبدوا ربكم أي وحدوا ربكم . وقال تعالى: أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت قوله : أن اعبدوا الله أي أفردوه بالعبادة والعبادة : هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة )) هذا تعريف شيخ الإسلام وجماعة من أهل العلم لمعنى العبادة . 21- ( غير أن التوحيد له قشران ) هذا الكلام كله لأبي حامد الغزالي في الإحياء في أوائله ، قد رجعت إليه فإذا المؤلف قد نقله بحروفه ، قد تصرف في بعض العبارات تصرفاً يسيراً لا يخل بالمعنى ، ولم أرى هذه العبارة لأحد من الأئمة السابقين ولا استقاها أحدٌ من الأئمة المحققين أمثال ابن تيمية وابن القيم عليهما رحمه الله لأن المؤلف حين قال إن التوحيد له قشران جعل القشر الأول هو القول باللسان ، والقشر الثاني هو اعتقاد القلب وجعل شيء وراء ذلك وفوقه هو اللباب ، وإن كان قصدُ المؤلف واضحاً والمعنى الذي يريد أن يوصله إلى أفهام الناس هو معنى واضح ، إلا أن في قوله نظراً ، لأننا حين نرجع معنى القشر في اللغة هو غشاء الشيء نجد أن عقيدة القلب ليست من الغشاء بخلاف لفظ اللسان هذا الأمر الأول . والأمر الثاني : أن الأصل الذي دعت إليه الرسل هو ما سماه المؤلف بالقشرة . 22- جاء في مسند الإمام أحمد رحمه الله من طريق شيبان النحوي عن أشعث ابن أبي الشعثاء عن رجل من بني مالك قال رأيت رسول الله بسوق ذي المجاز يتخللها ويقول : ( يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ) وإذا رجل يتبعه ويقول يا أيها الناس : لا تسمعوا لهذا الصابئ وهو أبو لهب هذا الرجل . النبي كان يخاطب الأمم والشعوب بهذه الكلمة وتلقائياً يفهمون المقصود من معناها ما قال يا محمد هذه الكلمة هل تعني ترك عبادة الأوثان ؟ وهل هذه الكلمة تعني إفراد الله بالحكم ؟ وهل هذه الكلمة تعني إفراد الله بالحب والخضوع والرهبة والعبادة ؟ يعلمون تلقائياً أن هذه الكلمة بما وضعت له تقضي إفراد الله بالعبادة . 23- ذكر الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله سبعة شروط لهذه الكلمة – أي لا إاله إلا الله - يمكن تداخل بعضها ، وفي بعضها تفصيل أيضاً ليس على الإطلاق لكن أذكر قوله الشرط الأول : العلم . بمعناها وما دلت عليها من النفي والإثبات لأن الله جل وعلا يقول: (( فاعلم أنه لا إله إلا الله )) فإن الإنسان إذا قال لا إله إلا الله وهو لا يعلم معناها ولا يعلم البراءة من الشرك ولا من المشركين ولا يتبرأ من عبدة القبور ولا عبدة الأوثان ولا يعرف أن الله وحده لا شريك له لا يعرفه لا بتوحيد الإلهية ولا بتوحيد الربوبية ولا بتوحيد الأسماء والصفات ، إذاً أي معنى قال ؟ ما استفدنا شياً من مجرد اللفظ الذي لا يجعل عقيدة ومعنى ، هو أكبر من الدنيا وما فيها . الشرط الثاني : اليقين . الشرط الثالث: الصدق . الشرط الرابع : الإخلاص . الشرط الخامس : المحبة . الشرط السادس : الانقياد . الشرط السابع : القبول . وزاد بعض أهل العلم شرطاً ثامناً : وهو الكفر بما يعبد من دون الله جل وعلا ، مع أنه يمكن إضافة ذلك إلى القبول . فإن من قبل هذه الكلمة تبرأ من غيرها ، فإذا قلت " لا إله " تقتضي هذه الكلمة بما وضعت فيه البراءة من كل معبود سوى الله يدل على ذلك الحديث السابق أن النبي حين قال لعمه : ( يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله ) عرفها أبو جهل وهو على الكفر وابن أبي أمية ، أن هذه الكلمة براءة من كل معبود سوى الله جل وعلا . 24- قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى فيما نقله عنه ابن القيم رحمه الله تعالى في المدارج قال: ( كمال التوحيد هو أن لا يبقى في القلب شيء لغير الله أصلا ). 25- قال المؤلف : ( فكل من اتبع هواه فقد اتخذ هواه معبوده قال تعالى: أفرءيت من اتخذ إلهه هواه ) : قال الشيخ سليمان : في هذا الإطلاق نظر ، لأن ليس كل من يهوى شيئاً يعبده واستدلاله بالآية أفرءيت من اتخذ إلهه هواه يقال : إن معنى الآية على الصحيح أن الله جعل المعبود الذي يعبده هو ما يهواه ، ولم يجعل ما يهواه يعبده . ففرق بين العبارتين . والمؤلف أخطأ في عبارته حين قال: فكل من اتبع هواه فقد اتخذ هواه معبوداً . بل يقال: كل من اتخذ معبوداً فهو ما يهواه فنقول حينئذٍ في معنى قوله تعالى : أفرءيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة إن معنى هذه الآية أي أن المخلوق جعل المعبود الذي يعبده هو ما يهواه ، ولم يجعل ما يهوى معبوداً ، حينئذٍ يتضح غلط المؤلف في تعميمه العبارة . [ الشريط الثالث ] 25- الأثر المشهور في قصة إلقاء إبراهيم في النار (( أن جبريل أعترض له في الهواء فقال : ألك حاجة قال : أما إليك فلا )) هذا الأثر لا أصل له والصوفية يحتجون به على ترك الأسباب مع أنه يمكن أن يحتج به على تعلق إبراهيم بالله ولكن لا أصل له . 26-بعض التعلق كفر أكبر كالتعلق بالأوثان والأصنام والأحجار والتعلق بالصور بحيث تصده عن الله وقد يعبدها دون الله . فهذا يُعذّب بها في الحياة الدنيا وسوف يجد في الآخرة ما هو أشد وأنكى قال تعالى: ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لا تستعجب أن يوجد من يعبد الصورة فهناك من يتخيل الشيطان ويعبده دون الله ، وهناك من يعبد الأشجار والأحجار ، وهناك من يعبد الصور دون الله ويعشق صور النساء والمردان ويؤلهها ويخضع لها ويستعد للتنازل عن كل شيء دون هذه الصور ، هذا التعلق بغير الله نتج من خلو القلب عن محبة الله كما قيل : أتاني هـواها قبل أن أعرف الهوى فصـادف قـلباً خـالياً فتمكــنا إذ لو صادف قلباً معموراً بالتقوى معموراً بالإيمان لأوقفه مكانه ولما استطاع أن ينفذ إلى قلبه لأن هذا القلب معمور بالتقوى والقلب المعمور بالتقوى لا يمكن أن يمتزج بغيره من عشق الصور أو عشق المردان أو التعلق بغير الله ونحو ذلك . 27- وجد عن أناس ينكرون توحيد الربوبية كما قال فرعون : أنا ربكم الأعلى فهو ينازع في توحيد الربوبية ولكنه في الجملة يعلمون أن الله هو رب كل شيء ومالكه وخالقه وأنه المحي المميت ، وقد قيل إن فرعون كان مقراً بذلك ولكنه يكابر ، يعلم أنه ليس بخالق ،من الذي أوجده ؟ هل هو أوجد نفسه ؟ فيقين أنه يعلم أن له رباً ولكنه مستكبر ، كما قال الله عنه وعن أمثاله: وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوا . إذاً كانوا مستيقنين بأن الله رب كل شيء وخالقه بدليل أن فرعون حين أدركه الغرق أدعى الإيمان بالله حين لا ينفعه الإيمان،وقد قيل في قول الله جل وعلا ويذرك وآلِهتك قيل:وإلاهتك فإن فرعون كان يعبد عجلاً في السر فهو يعلم أنه ليس بإله .وهو حقيقة يعتقد ليس بإله بدليل كيف يُقَتَّل بعض أصحابه وأتباعه ولا يستطيع إحياءهم ولا الدفاع عنهم هل هذا إله!! 28- من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فله حالتان : الحالة الأولى: أن يعتقد أن النوء مؤثر دون الله وفيه من يعتقد ذلك وهذا كفر أكبر بالاتفاق . الحالة الثانية : أن يقول مطرنا بنوء كذا وكذا أي بسبب هذا النوء وهو يعتقد أن إنزال المطر من قِبَل الله ، ولكن يجعل هذا سبب في نزول المطر فهذا لا يصل إلى الشرك الأكبر ، غير أنه جعل سبباً ما ليس بسبب فصار شركاً أصغر . 29- قول المصنف: (( قد حكى الله عنهم )) هذا يكثر في كلام أهل السنة والجماعة كما أشار إلي هذا البخاري في صحيحة قال: كما حكى الله عن يعقوب كما يرد هذا في كلام ابن تيمية وكلام ابن القيم وليس هذا من مذهب الأشاعرة في شيء ، الذين يجعلون القرآن حكايةً عن كلام الله ، لأنه حين يقول المؤلف وغيره (( وقد حكى الله عنهم )) أي تكلم الله حكاية عنهم فالله هو المتكلم ففيه إثبات صفة الكلام لله ولكن فيما يخبره عنهم أما الأشاعرة فلا يثبتون صفة الكلام لله جل وعلا . بل يجعلون القرآن حكاية وهذا يؤول إلى القول بخلق القرآن كما صرح بذلك طوائف من الأشاعرة حيث يقولون بأن القرآن مخلوق ، يريدون بذلك نفي صفة الكلام عن الله ، إذ لو قالوا: بأن القرآن هو كلام الله لأثبتوا صفة الكلام ولكن حين قالوا بأن القرآن حكاية عن كلام الله ، قالوا بأن الله لم يتكلم . حينئذٍ نفوا صفة الكلام عن الله ووصفوا الله بالخرس تعالى الله عن قولهم علواً كبيرا . 30- لِمَ لم يكفر أهل السنة والجماعة الأشاعرة وهم يقولون بنفي صفة الكلام عن الله ، ونفي صفة الغضب عن الله ونفي صفة الرضا عن الله ، ونفي صفة المحبة عن الله ، ويقولون بأن القرآن حكاية عن كلام الله وهذا يعني أن القرآن مخلوق ؟ فالجواب: أن أهل السنة مختلفون في كفر الأشاعرة . خلافاً لمن ذكر من المتأخرين بأن أهل السنة لا يكفرون الأشاعرة فهذا النقل مغلوط . صحيحٌ أن أكثر أهل السنة والجماعة لا يكفرون الأشاعرة لكن هناك طوائف تكفر الأشاعرة لأمور : الأمر الأول : أنهم لا يثبتون علو الله على خلقه وهذا كفر لأن النقل والعقل يثبتان ذلك . والأدلة في هذا قطعية .وحين حكى ابن القيم مقالات العلماء في كفر من أنكر علوا الله على خلقه قال فيما بعد يحكى قول النعمان وجماعة قال : وكذلك النعمان قـال وبـعـده يعـقـوب والألـفـاظ للنعمـان مـن لم يقرَّ بعـرشـه سبحانـه فـوق السماء وفـوق كل مـكان ويقـرَّ بأن الله فـوق العـرش لا تخفـى عليه هـو اجـس الأذهـان فهو الذي لا شـك في تكـفـيره لله درك مــن إمــام زمـــان وينكرون أخبار الآحاد وهذا في الجملة كفر ، ويلحدون في كثير أسمائه وصفاته ، ويقولون عن القرآن بأنه مخلوق ، ولا يثبتون صفة الكلام لله , ولهم غير ذلك مما يُكَفَرون به . الذين لم يقولوا بتكفيرهم قالوا: لأن لهم شبهةً أقوى من شبهة غيرهم وتأويلا ، فلا يُكفرون إلا بعد مناظرتهم وإقامة الحجة عليهم والبيان لهم . فإن قال قائل : لماذا لا نكفرهم في الجملة ولا نحكم على أعيانهم إلا بعد إقامة الحجة عليهم ؟ نقول: لأنهم مراتب متفاوتة ، فبعض الأشاعرة ينكر علو الله على خلقه وطوائف من الأشاعرة تثبت علو الله على خلقه وفيه طوائف لا يصرحون بإنكار العلو فيقولون نثبت العلو في الجملة ثم يفوضون . فالسبب وجود شبه لهم امتنعت طوائف من أهل العلم عن تكفيرهم لكن لو ناقشنا أشعرياً وقال أنا لا أثبت علو الله على خلقه وأقول بأن القرآن مخلوق وأقول بأن الله لم يتكلم وأقمنا الحجة عليه وأزلنا عنه الشبهة ، ولم يبقى له شبهة ولا تأويل سائغ فحينئذٍ يكفر بذلك لأن أهل السنة في الجملة يقولون بكفر من أنكر العلو والأشاعرة ينكرون العلو . ويقولون بكفر من قال القرآن مخلوق ، كما هو قول الجهمية والأشاعرة تقول بذلك ، ويقولون بكفر من أنكر أخبار الآحاد وجملة والأشاعرة تقول بذلك ويقولون بكفر من أنكر أو نفى صفة عن الله كما قاله أحمد ومالك وجماعة والأشاعرة ينفون عشرات الصفات عن الله جل وعلا ، ولكن لهم تأويل باعتبار أنها أخبار الآحاد وباعتبار أنها يستلزم كذا ويقتضي كذا فلهذا توقف جماعات بل أكثر أهل السنة عن تكفيرهم . 31- قوله تعالى : قوله ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداد يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله قوله تعالى : يحبونهم قيل: يحبونهم أي يحبون أندادهم وأوثانهم كما يحبون الله فحينئذٍ يكون قد أثبت الله جل وعلا لهم محبة فتكون محبة الله ثابتة لهم لكن في هذه المحبة شركاً .القول الثاني : يحبون أندادهم كما يحب المؤمنون ربهم هذا التقدير الثاني لهذه الآية . وقد رجح شيخ الإسلام وطوائف من المحققين القول الأول لأنهم إنما ذُموا حين سوَّوا محبة الأوثان والأنداد والمخلوقين بمحبة الله جل وعلا. وقوله تعالى : والذين آمنوا أشد حباً لله في تفسيرها قولان لأهل العلم أيضاً: القول الأول: والذين آمنوا أشد حباً لله من أصحاب الأنداد لأندادهم وآلهتهم التي يحبونها ويعظمونها دون الله تعالى . القول الثاني : والذين آمنوا أشد حباً لله من محبة المشركين للأنداد لله . 32- روى عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن طاووس عن أبيه عن عباس في قوله الله جل وعلا : ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون قال : هي كفر . أي أن الآية على إطلاقها . فإن الحاكم بغير شرع الله كافر بترك الحكم بما أنزل الله ، وكافر بالتشريع ، وكافر بالحكم بهذا التشريع ، وكفره بتوحيد الإلهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات حيث يعتاض عن شرع الله بالقوانين الوضعية وآراء اليهود والنصارى . ويمكن أن نقسم الحكم بغير ما أنزل الله إلى مراتب : المرتبة الأولى: أن يعتقد أن حكم القانون أفضل من حكم الله ، أو أن يجحد حكم الله ، هذا كافر بالإجماع حتى المرجئة يوافقون على هذا الكفر ولكنَّ حصر الكفر بهذا هو مذهب غلاة الجهمية والمرجئة. المرتبة الثانية : أن يستحل ذلك وهذا كسابقه كفر حتى عند المرجئة وكفر بالإجماع . المرتبة الثالثة : أن يقاتل على هذا الأمر ، أن يحكم بغير شرع الله ويقاتل على هذا الأمر فهذا كفر أكبر ، ويوافق على هذا الكفر بعض طوائف أهل الإرجاء ، لأن القتال يقولون علامة على الاستحلال . المرتبة الرابعة : أن يحكم بغير شرع الله مع اعتقاده أن شرع الله أفضل وأن حكم الله أفضل ولكن لشهوة غلبته فحينئذٍ نحَّى شرع الله إما موافقةً لداعي الهوى والشيطان أو موافقة لأنظمة ومواثيق هيئة الأمم الجاهلية أو لغير ذلك وحينئذٍ يلغي شرع الله يعطل الجهاد ويلغي العقوبات المترتبة على السارق والزاني ويلغي التحاكم إلى الشرع في الشؤون الإدارية والاقتصادية ، فيجعلون التحاكم إلى الغرف التجارية وشبهها ويلغون التحاكم في شؤون العمل والعمال إلى شرع الله ويجعلون التحاكم إلى نظام العمل والعمال وهو نظام جاهلي في أكثر مواده . هذا كفر أكبر بإجماع أهل العلم كما نقل الإجماع على ذلك إسحاق والإمام ابن حزم والحافظ ابن كثير رحمه الله في المجلد الثالث من البداية والنهاية في ترجمة جنكيز خان لعموم قول الله جل وعلا: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون . والمروي عن ابن عباس (( كفر دون كفر )) هذا لا يصح عنه رواه الحاكم في المستدرك من طريق هشام بن حُجير عن طاووس عن ابن عباس . وهشام ابن حجير ضعيف ضَّعفه ابن أحمد ويحيى وطوائف ، وقد خُولف في الإسناد فرواه عبد الله بن طاووس عن أبيه في غير ما رواه هشام . وعبد الله بن طاووس أوثق من هشام فرواية هشام منكرة لا يحتج بها . على أنه لو صح هذا الأثر قد نزله جماعة من أهل العلم على قضايا خاصة ليست من قضايا التشريع وليست في قضايا الاستبدال ، إنما هي في بعض قضايا الترك بدافع الهوى لا في قضايا التشريع لأن التشريع بحد ذاته كفر . وهذا النوع ينازع فيه كثير من المتأخرين ويقولون: كفر دون كفر ويجعلون هذا القول أي أنه كفر من أقوال الخوارج ويحامون عن الحكام المشرعين ويعذِّرون عنهم بما لا يعذِّرون عن أهل العلم وحماة التوحيد ، ولهذا أسباب منها : الأمر الأول: قد يكون الدافع هو الهوى والشياطين . الأمر الثاني : قد يكون الدافع هو الجهل بحقيقة المسألة وعدم تصورها على الوجه الأكمل . الأمر الثالث : قد يكون الدافع هو الإرجاء فإن بعض الطوائف المنحرفة عن شرع الله لا تكفر في ترك جنس العمل مطلقاً . وهذا هو مذهب غلاة الجهمية والمرجئة . الأمر الرابع : قد يكون الدافع هو التأويل . أي أنهم متأولون في هذه القضية هذا الذي بلغ ووصل إليه علمهم واجتهادهم ، فحينئذٍ يعذرون بذلك إذا كان عن محض اجتهاد وعن محض تأويل ، ولكن ليس لهم حق رمي الآخرين بمذهب الخوارج وهم معتصمون بكتاب الله وبالإجماع المنقول عن أكابر أهل العلم. [ الشريط الرابع ] 34- قوله تعالى: الحمد لله رب العالمين قيل الرب هنا بمعنى المالك وقيل الرب هنا بمعنى مربي العالمين وقيل بمعنى الخالق وهذه الأمور كلها من توحيد الربوبية وقيل بمعنى المعبود : الحمد لله رب العالمين أي معبود العالمين وهذا توحيد الإلهية . 35- قال مالك وغيره من أزال صفة عن الله فقد كفر ، أي من جحد صفة من صفات الله وأنكرها فهو كافر ، فالجهمية ينكرون ، علو الله ، على خلقه وهذه الصفة جاءت الأدلة النقلية بتقريرها والأدلة العقلية على الإيمان بها ، وهم لا يتوقفون عند إنكار علو الله على خلقه فهم ينكرون استواء الله على العرش ولا يثبتون لله جل وعلا الصفات مطلقا بل يحرفونها فهم قد عطلوا الله جل وعلا عن أسمائه وصفاته . كما أن هناك طوائف أخرى تمثل صفات الله بصفات المخلوقين ، وقد قال نعيم بن حماد الخزاعي وغيره (( من شبه الله بخلقه فقد كفر )) ونظم هذا الإمام ابن القيم رحمه الله في النونية : لسنا نشبه وصفه بصفاتنا إن المشبهِ عابدُ الأوثانِ كلا ولا نخليه من أوصافه إن المعطلَ عابدُ البهتانِ من شبه الرحمن العظيم بخلقه فهو الشبيه لمشرك نصراني أو عطل الرحمن عن أوصافه فهو الكفور وليس ذا الإيمانِ 36- قال تعالى: وإذا غشيهم موجٌ كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور الله جل وعلا أخبر أنهم إذا غشيهم موج من البحر وإذا غشيتهم الظلمات وإذا ماجت بهم البحار وإذا وقعوا في الملمات والشدائد دعوا الله مخلصين له الدين في هذا دليل أنهم يعلمون أن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل ولكنهم يعتقدون إما كَذِبَ الرسل ، من أسباب كفرهم أنهم يعتقدون كذب الرسل ، وأن الله ما بعث إليهم بشراً يدعوهم إلى الله ، وأنا لا نعلم صدقه وأنه يفترى على الله الكذب ، أو أنهم يقولون: هذه وسائط مع الله كما قال عنهم: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى غير أن هذا التوحيد لا يدخلهم في الإسلام ولا ينفعهم ولا يخلصهم من عذاب الله جل وعلا وإن كانوا يعتقدون بأن الله هو المعبود الحق ولكن يعبدون معه غيره . فإن قال قائل: لو كانوا فعلاً يعلمون أن الله هو المعبود الحق لماذا يعبدون معه غيره ؟ فنقول إذاً ما الجواب: أنهم يخلصون لله في زمن الشدة لو لم يكن هذا الاعتقاد مستقر في نفوسهم ما أخلصوا لله في زمن الشدة ، لأنهم ما جاءتهم رسل في زمن الشدة بالذات : ثم دعوهم إلى الله فآمنوا ثم تغيروا فيما بعد ، لكن هذا كان مستقراً في نفوسهم ومستقراً في قلوبهم ، ولكن الذي يمنعهم من إفراد الله بالعبادة هي أمور: الأمر الأول: اعتقاد كَذِبَ الرسل وهذا لا ينفعهم وليس عذراً لهم بل هم كفار لا شك في ذلك . الأمر الثاني: الأطماع الدنيوية . الأمر الثالث : الحسد كما صنعت يهود لأنهم يعملون أن النبي هو الحق وأنه رسول من قِبَلِ الله ويعلمون ما هم عليه من الباطل ولكن لا يمنعهم من الانقياد سوى الحسد فقط . ومن ذلك أيضاً حب الرياسة ، ومن ذلك أيضاً المكابرة والإعراض كما قال الله عنهم والذين كفروا عما أنذروا معرضون 37- لا يصح وصف المشرك بالعاقل ولا وصف الضال بالعقل إذ لو كان هذا فعلا عاقلاً لوحد الله وأفرده وآمن بالله ، فإن حقيقة العقل الإيمان بما جاءت به الرسل ، ولهذا سمى النبي أبا الحكم سماه أبا جهل ، لو كان عنده شيء من الحكمة وشيء من العقل لآمن بالله وأي فرق بين الإيمان بالله وعبادة الآلهة ، وأي مماثلة بين الأمرين فدل هذا أنهم ليس بعقَّال أصلاً كما قال الله جل وعلا بل هم أضل سبيلا أي من البهائم ولا يمكن وصف المشرك بالعقل أبداً . عقل معيشي يمكن وصفه بالعقل المعيشي ؟ أما وصفه بالعقل المطلق فهذا لا يصح حتى العاصي بحسب عصيانه للرب بنقص عقله ، لأنه لا يمكن يوصف رجل بالعقل ووفرة العقل وكمال العقل وهو يعلم أن هذا الطريق غلط ومع ذلك يفعل ، فلا يعصي العبد ربه إلا لنقص في العقل فلو رأينا رجلاً يقتحم النار هل يمكن وصفه بالعقل كلٌ منا يتفق أو تتفق آرائنا مع آراء غيرنا أن الإنسان حين يرى ماء ويرى نار وينغمس في النار أن هذا يوصف بالجنون ، كذلك الذي يسلك طريق أصحاب السعير لا يمكن أن يوصف بالعقل وكل بحسبه فالذي يقتحم طريق أهل السعير بالكفر والشرك والإعراض عن الله فهذا ليس فيه شيء من العقل . والذي يؤمن بالله ويوحده غير أنه يعصي الله في الليل والنهار فبحسب عصيانه ينقص عقله ، إذاً أكمل الناس عقلاً أكثرهم توحيداً . 38- غلا بعض جهلة العباد الذين يعتقدون في التوحيد أنه هو توحيد الربوبية وفي معنى كلمة الإخلاص أنه لا موجود إلا الله فقالوا : لا هوَ إلا هوَ ، ومنهم من يقول : لا وجود إلا لله أو لا موجود إلا الله ويجعلون هذا غاية التوحيد الذي نزل به القرآن وجاءت به الرسل . بل فيه طوائف من الاتحادية يقولون :أن لا هو إلا هو . ولا موجود إلا الله أحسن من لا إله إلا الله وهذا في الحقيقة مذهب الاتحادية الفراعنة وقد وقفت على مصنف لهؤلاء الجهال يقولون فيه (( لا إله إلا الله )) ذِكرُ العابدين و (( الله الله )) ذِكرُ العارفين .و (( هوَ هوَ )) ذِكرُ المحققين فجعل كلمة الإخلاص التي جاءت به الرسل وأنزلت من أجلها الكتب هذا من ذكر العابدين ، وجعل ذكر المحققين (( هو هو )) الذي هو ذكر الصوفية والملاحدة والمعرضين عما جاءت به الرسل ، ولهذا ترى طوائف من المنحرفين عن شرع الله ومن المنحرفين عما جاءت به الرسل يرددون في ذكرهم (( هوَ هوَ )) ومنهم من يقول (( إلا هو هو )) فإذا سألته قال أخشى أن أموت على النفي دون الإثبات وهذا جهل محض . وذكر هذا القول عن هؤلاء الجهلة الأغبياء المعرضين عما جاءت به الرسل كافٍ عن ردِّه ، فإن مثل هذا مناقضة لما أجمع عليه المسلمون ، ولما اتفق عليه عقلاء البشرية. 39- من مات على لا إله إلا الله دخل الجنة كما في سنن أبي داود من حديث صالح ابن أبي عَريب عن كثير بن مرة عن معاذ بن جبل أن النبي قال: ( من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة ). 40- ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في التحفة العراقية عن بعض السلف أن الله جل وعلا جمع علم الأولين والآخرين في القرآن بالنسبة للتوحيد ، وجمع الله جل وعلا علم القرآن في فاتحة الكتاب وجمع الله جل وعلا ذلك في قوله تعالى إياك نعبد وإياك نستعين * . توضيح هذا أنه لا يمكن أن يخرج شيء عن هذه العبودية ولا يصح شيء إلا في هذه العبودية فلا يصح توحيد الربوبية ولا توحيد الأسماء والصفات إلا بتوحيد الإلهية. 41- عن الحميري عن ابن زياد عن أبي أمامة أن النبي قال: ( من قرأ آية الكرسي دبر كلا صلاة لا يمنعه دخول الجنة إلا الموت ) حديث صحيح رواه النسائي في عمل اليوم والليلة صححه ابن حبان وابن عبد الهادي وجماعة من أهل العلم. 42- أكابر أئمة السلف يكفرون الجهمية القائلين بنفي علو الله على خلقه وبنفي صفة الكلام عن الله و بدعوى أن القرآن مخلوق والذين لا يثبتون لله صفة الرحمن ولا صفة المحبة ولا صفة الغضب ولا صفة الرضا، أئمة أهل السنة يكفرونهم لذلك أشار إلى هذه القضية الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في نونيته فقال : ولقد تقلد كفرهم خمسون في عشر من العلماء في البلدان واللالكائي الإمام حكاه عنهم بل قد حكاه قبله الطبراني وكما بين هذا أهل السنة كما تراه في كتاب اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ، وفي الإبانة لابن بطه وفي كتاب خلق أفعال العباد للإمام البخاري وفي كتاب السنة للخلال ، وفي كتاب الشريعة للآجري ، وفي مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم على الجميع رحمة الله تعالى . 43- يقال أن البدوي هذا الذي يُعبد الآن من دون الله ، ويخلص له بعض الناس ما لا يخلص لله ، وإذا أراد أن يجتهد في الدعاء أو يجتهد في اليمين قال: " والبدوي " هذا البدوي تعرفون حكايته أوقصته يقال أنه أعرابي جلف بال في المسجد وكان بعض الناس يعتقد أن من بال في المسجد ولم يصبه شيء أنه ولي من أولياء الله ، يتصورون أن الولي يجوز أن يبول في المسجد ، فهنا جهلوا أن الولي لا يبول في المسجد لا ولي ولا غيره ، لا يجوز أن يبول في المسجد ، فهم يعتقدون أن الرجل إذا بال في المسجد ولم تصبه العقوبة ، ونحن نقول لو كان ولياً ما بال في المسجد ، ولو بال هذا الولي في المسجد لكان آثما كان عاصياً لله وعاصياً للرسول الله . 44- الإله إذا عّرف بالألف واللام لا ينقدح الذهن إلا إلى الله جل وعلا وإذا قيل إله بالتنكير يدخل فيه الآلهة وغيرها ، وإذا قيل الإله عرّف بالألف واللام فالذي استقر عليه الأمر أن هذا لا يطلق إلا على الله جل وعلا ولهذا يجوز التسمي بعبد الإله عند طوائف من أهل العلم . وقد قرأت لبعض المتأخرين لا يرى التسمي بعبد الإله لأن الإله ليس اسما من أسماء الله جل وعلا والله جل وعلا يقول: وإلهكم إله واحد ولا سيّما أنه استقر إذا عُرِّف بالألف واللام لا يطلق إلا على الله جل وعلا فإذا قيل: الإله إذاً هو المألوه المعبود بحق فهو من صفات الله جل وعلا بل الإله من أخص صفات الله جل وعلا لأنه هو الذي تألهه القلوب محبةً وتعظيماً وإجلالاً وكما فسر غير واحد من أهل العلم الله بالإله وهذا واضح ولذلك لا أرى أي مانعاً من التسمية بعبد الإله لأن الذهن لا ينقدح إلا إلى الله والاشتراك يقع في التنكير أإله مع الله التنكير ، وإذا عرف بالألف واللام فقيل: الآلهة (( أجعل الآلة إلها واحداً )) فلا يقال الإله ولا يطلق الإله إلا على الله فإذا أردت أن تعبّر عن الآلهة تقول: إله . 45- قوله تعالى: أإله مع الله ؟ الصحيح في معنى هذه الآية أي أإله مع الله يفعل كفعله ، فإذا لم يكن معه إله يفعل كفعله أي يخلق كخلقه ، ويوجد كإيجاده ، ويصنع كصنعه وينزل من السماء ماء ، وبينت به حدائق ذات بهجة كيف تعبدون معه آلةً أخرى ؟ قوله: بل هم قومٌ يعدلون أي يشركون هذا دليل على فساد عقولهم وحساكل قلوبهم نسأل الله العفو والعافية . ومن قال في معنى الآية أي (( أإله مع الله )) أي هل مع الله آله آخر من غير تقييد بالفعل فلم يأتي بشيء ولم يأتي بكبير علم ، بل أتى بما يُقربه المشركون ، ولا أقام الحجة على أحد ، فلو كان المعنى على ما زعم هذا القائل (( أإله مع الله )) أي هل مع الله إله آخر دون أن يُقَيِّد هذا بالفعل ، يفعل كفعله فما أتى بشيء ، هم مُسَلِّمُونَ هم مقرون بهذا ، إذاً لو قال هل مع الله إله آخر يفعل كفعله لكان حينئذٍ مصيباً . 46- قال الشاعر : من رام نيل العز فليصطبر على لقاء المنايا واقتحام المضايقِ فإن تكن الأيام رنقن مشربي وثلمن حدي بالخطوب الطوارقِ فما غيرتني محنةٌ عن خليقتي و لا حولتني خدعةٌ عن طرائقي لكنني باقٍ على ما يسرني ويغضب أعدائي ويرضي أصادقي [ الشريط الخامس ] 47- قُرِء مالك يوم الدين وقُرِءَ ملِكِ يوم الدين ، ملك جاءت في سنن أبي داود في كتاب صلاة الاستسقاء من طريق يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها عن النبي حين خطب الناس للاستسقاء ، قال أبو داود رحمه الله تعالى عقب هذا الخبر وهذا حديث غريب إسناده جيد ، وأهل المدينة يقرءون ملِكِ يوم الدين وإن هذا الحديث حجةٌ لهم . وهذه القراءة هي قراءةُ ابن كثير ونافع ، وأبي عمرو ، وابن عامر ، وحمزة .بينما قرأ عاصم والكسائي ماَلِك يوم الدين . والملك أبلغ من المالك فكل مَلِكٍ مالك ، وليس كل مالك ملكا . 48- أول أمر في القرآن هو الأمر بالتوحيد كما قال تعالى: يا أيها الناس اعبدوا ربكم والعبادة هنا بمعنى التوحيد ، اعبدوا: أي وحدوا ربكم. وأول نهي في القرآن هو النهي عن الشرك ، قال تعالى: فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون 49- الشرك الأصغر ، أحسن ما قيل في تعريفه: هو ما سماه الشارع شركاً ولم يصل إلى الأكبر وقد قيل في تعريفه: ما كان وسيلة إلى الأكبر ، ويمكن جمع التعريفين فيقال: الشرك الأصغر: ما سماه الشارع شركاً ولم يصل إلى الأكبر ، أو كان وسيلة إليه . 50- لا يخلد في النار إلا أصحاب الشرك الأكبر والكفر المخرج عن الملة فاليهود والنصارى والمشركون والدهريون والكفار مخلدون في النار . أما الشرك الأصغر فصاحبه لا يخلد في النار ، وقد قيل: إنه لابد من عذابه فإنه لا يُغفر له من أول وهلة ، كما هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله . وذهب الجمهور إلى أنه داخل في قوله الله جلا وعلا: ويغفر مادون ذلك لمن يشاء ، وهذا هو الأصح ، لأنه إذا ثبت دخوله في قوله الله تعالى: إن الله لا يغفر أن يُشرك به ، فليس ثَمَّ دليل في إخراجه ، فنحن لا ندخله أولاً في هذا الآية لأنها في سياق الشرك الأكبر ، فحينئذٍ يبقى داخلاً في قوله تعالى: ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء لأن الله حكم على المشرك بالخلود في النار . وهذا من الأمر المقطوع به ، ولم يرد لفظ الشرك في القرآن ، إلا ويراد به الأكبر ، وإنما جاء ذكر الشرك الأصغر في السنة والمتواترة عن رسول الله . 51- ذكر بعض أهل العلم نوعاً ثالثاً لأنواع الشرك فقال الشرك الخفي والصحيح أن الشرك نوعان: أكبر وأصغر ، والخفي منه ما هو أكبر ومنه ما هو أصغر ، فإن بعض أنواع الشرك الخفي كفر أكبر لا نزاع فيه . 52- قوله تعالى: ملك يوم الدين هذه الكلمة الواحدة ، وعلى القراءة الأخرى: مالك يوم الدين فيها جميع أنواع التوحيد ، ولكن هذا يحتاج منا إلى تأمل في معاني القرآن ، وتأمل في هذه الكلمات العظيمة والجمل الكبيرة ، حين نقول مَلِك ونقول بأن الملك هو الآمر الناهي إذاً هذا لا بد من توحيد الربوبية ، إذا لا يمكن أن نقول اسم بلا مسمى فهذا كفرٌ اتفاقا . وحين نقول بأن معنى الملك هو الآمر الناهي فهذا في توحيد الإلهية حيث يؤمرون بالتكاليف وينهون عما نهاهم الله عنه . وحين نقول (( يوم الدين )) وهو يوم الجزاء والحساب فهذا فيه توحيد الإلهية وتوحيد الربوبية معاً ، حيث أن الله جل وعلا حين قال مالك يوم الجزاء والحساب إذاً فيه جنة ونار فيه ثواب وعقاب ، وعلى أي أساس الجنة والنار ؟! على ما أمروا به من قبل ، ونهوا عنه من قبل وتوحيد الأسماء والصفات الملك فهذه الجمل اليسيرة فيها جميع أنواع التوحيد ، هي فيها التوحيد كله لمن تأمل . 53- قوله تعالى: ألا له الخلق والأمر في هذه الآية مئات الفوائد أذكر بعضها: فيه إثبات توحيد الربوبية ، وفيه إثبات توحيد الإلهية ، وفيه الرد على القدرية ، وفيه الرد على المجوس ، وفيها التفريق بين الخلق والأمر ، فيها الرد على الجهمية وسائر الطوائف المنحرفة التي لا تفرق بين الخلق والأمر فتجعل كلام الله مخلوقاً تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً ، فإن الله فرق بين الخلق وبين الأمر فالخلق خلق ، والأمر أمر ، وفيه أيضاً إثبات صفة الكلام لله جل وعلا ، قال تعالى: إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول وقال الله تعالى: وكلم الله موسى تكليماً ، وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ، منهم من كلم الله ، ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه الله . 54- الاستعاذة مشروعة في مئات المواطن ، فإن العبد حين يدخل الخلاء ، ماذا يقول ، كما في الصحيحين من حديث قتادة عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس أن النبي كان يقول: ( اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ) ، والاستعاذة مشروعة في حالات متعددة . إذاً هذا يتطلب منا إلى أن ندرس السنة ، وأن نقرأ الكتب المؤلفة في الأذكار لنصل من خلالها إلى معرفة سنة رسول الله . ومن أنفع هذه الكتب: كتاب الأذكار للإمام النووي . مع مراعاة التنبه لبعض الأحاديث الضعيفة التي يُوردها ، فإنه يورد بعض الأحاديث الضعيفة ، ويقول يعمل بالفضائل أو بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال وفي هذا نظر . ويطالع بعد ذلك كتاب الوابل الصيب للإمام ابن القيم رحمه الله تعالى وهو أنفع وأكثر فائدة من كتاب الأذكار النووي إلا أن كتاب الأذكار للنووي أشمل وأكثر أحاديث وأكمل معلومات وكتاب ابن القيم أكثر تحقيقاً وأعمق علماً وأقوى أسلوباً ، وأحسن طرحاً ، فرحم الله الجميع . 55- الذي سَحَرَ النبي هو لبيد بن الأعصم ، وقصة سحره جاءت في الصحيحين من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها وقد أنكر كثير من المتكلمين سحر النبي وقابلوه بالتكذيب ، وقالوا: إنه لا يجوز أن يُسحر النبي ، فإنه ذلك يكون تصديقاً لقول الكفار إن تتبعون إلا رجلاً مسحورا قالوا: وهذا كما قال فرعون لموسى: وإني لأظنك يا موسى مسحورا . والجواب عن ذلك بوجوه : الوجه الأول: أن الحديث في سحر النبي ثابتاً قد تلقاه أهل العلم بالقبول وقابلوه بالتسليم وقد خرّجه الشيخان في صحيحيهما من طرق كثيرة ، عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها . الوجه الثاني: أن سحر النبي لا يؤثر على تبليغ الرسالة ، وهذا من الأمر المتفق عليه بين أهل العلم كما قال الله تعالى: إن هو إلا وحيٌ يوحى . الوجه الثالث: أن قوله تعالى: إن تتبعون إلا رجلاً مسحورا ، يقولون ذلك على وجه الاستهزاء والتهكم ، وعلى وجه صد الناس عن إتباع الحق ، والتلبيس عليهم ، ولا شك أن كلامهم كذب ، لأن كون الإنسان يُسحر في لحظة من اللحظات لا يعني أنه مسحوراً على وجه الإطلاق ، ولا سيما أن سحر يختلف عن سحر غيره ، حين سحر النبي كان هذا على وجه الابتلاء والامتحان وهذا لا يؤثر على عقله ولا على التبليغ ولا على الرسالة لأن الله جل وعلا يقول: ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين وهذا لا يمكن أن يقع بخلل في التبليغ ، بخلاف سحر غيره فإنه ليس بمعصوم قد يهذي بما لا يدري وقد يقول ما لا يعتقد فإنه ليس بمعصوم . الوجه الرابع: أن السحر أنواع ، ومجرد سحر النبي فقط أنه كان يخيل إليه يفعل الشيء ولا يفعله . ولهذا لم يشعر بسحره كثيرون من الناس ولم يستفض هذا الأمر ، فعُلم أن هذا الأمر وقع على وجه الابتلاء والامتحان ، كما كُسِرت رباعيته وشج وجهه ، كما سقط عن الفرس وتألم من جراء ذلك وكما قال سعد بن وقاص للنبي أي الناس أشد بلاء ؟ قال: ( الأنبياء فالأمثل فالأمثل ، ويتبلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في بلاءه وإلا خفف عنه الابتلاء ) والحديث رواه أبو عيسى وقال هذا حديث حسن صحيح . 56- أقام النبي مسحوراً أربعين يوماً ، جاء هذا في رواية أبي ضمرة عند الإسماعيلي كما أشار ذلك الحافظ ابن حجر ، وفي صحة هذه اللفظة نظر . فقد جاء الخبر في الصحيحين من طُرق ، عن هشام بن عروة ، رواه عيسى بن يونس ، ورواه أبو شامة ، ورواه ابن نمير ، ولم يذكر واحد منهم أربعين يوماً ، وكذلك لم يذكر واحد منهم ستة أشهر كما ذكر ذلك وهيب في روايته عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ، جاء هذا في مسند الإمام أحمد وصحح هذه الرواية الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري ، وفي ذلك نظر . فلو دام سحره ستة أشهر ، لاستفاض الأمر ولتواتر ولجاء نقله عن جمعٍ عظيم من الصحابة ، فحين تفردت به النقل عائشة لقربها من النبي ، وتفرد بالنقل عن عائشة عروة وتفرد بالنقل عن عروة هشام ، عُلِمَ أن الأمر مادام كثيراً ، وإنما كانت فترته قصيرة ، الله أعلم بتحديدها . 57- قال المؤلف : ( وكانت عقد السحر إحدى عشرة عقدة ) : قال الشيخ سليمان : جاء هذا عند البيهقي في دلائل النبوة من حديث ابن عباس وجاء ذلك أيضاً عند ابن سعد في الطبقات ولا يصح من ذلك شيء . ثم قال ( فأنزل الله المعوذتين إحدى عشرة آية فانحلت بكل آية عقدة ) قال الشيخ أبو عبد الله : وفي ذلك نظر ، ففي الحديث السابق حديث جرير عن بيان المخرج في صحيح الإمام مسلم عن قيس بن أبي حازم عن عقبة أن النبي قال: ( ألم ترى آيات أنزلت الليلة لم يرى مثلهن قط ) ، قل أعوذ برب الفلق ، قل أعوذ برب الناس . وليس في شيء من طرق هذا الحديث تقييد ذلك بالسحر ، أو ربط ذلك بوقوع السحر والحديث الوارد حديث ابن عباس المتعلق بقضية أن الله حين أنزل هذه الآيات انحلت بكل آية عقدة هذا غير صحيح ولم يثبت في ذلك خبر يمكن الاعتماد عليه . [ الشريط السادس ] 58- قال تعالى: فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله أي إذا أردت قراءة القرآن على رأي أكثر أهل العلم . وهذه الاستعاذة مستحبة عند جمهور أهل العلم منهم الأئمة الأربعة . وقيل في قوله تعالى: فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله إي إذا شرعت في القراءة فاستعذ ، وهذا منقول عن طائفة من الصحابة والتابعين وبعض أهل العلم والصحيح القول الأول . كقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة أي إذا أردتم القيام ، ومثل قوله تعالى: إذ قلتم فاعدلوا أي قبل أن تقولوا يجب عليكم العدل وإذا تلفظتم يكون الكلام بعدل . فإذا قرأت القرآن أي إذا أردت قراءه القرآن ، ونظيره على الصحيح ما جاء في الصحيحين وغيرهما حديث شعبة عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس: أن النبي ( كان إذا دخل الخلاء قال: (( اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث )) ) أي إذا أراد أن يدخل الخلاء ولهذا نظائر .وقال بعض أهل العلم أيضاً: بأن الاستعاذة واجبة بينما حكى الطبري وغيره الإجماع على السنية ، وهذا الأظهر فإن الأمر في قول الله جل وعلا فاستعذ بالله للاستحباب للأدلة الدالة على ذلك وهي كثيرة . إذا تستحب الاستعاذة في بداية السور وفي أوساطها ، يستعيذ في بداية السور ثم يُبسمل وفي الأوساط يقتصر على الاستعاذة . وهي لجوءٌ إلى الله جل وعلا كي يعصمه من الشيطان الرجيم ، كي لا يشغل باله ولا يشوش على أفكاره . 59- جاء ذكر الصفات في حديث ( إنها صفة الرحمن ) والحديث متفق على صحته ، وفي حديث ابن عباس الأثر الذي رواه عبد الرزاق بسند صحيح حين سمع حديثاً في الصفات . وقد أنكر أبو محمد رحمه الله ، أي الإمام ابن حزم ، ورود لفظ الصفات في الكتاب أو السنة ، وهذا خلاف الإجماع المتفق عليه بين أهل السنة ، وهذا الإجماع مستمد من الكتاب والسنة وأقاويل الصحابة . والإمام ابن حزم لا يقصد من وراء ذلك إلا تعظيم الكتاب والسنة ولو ثبت عنده شيء من ذلك لَمَا عارضه ، وإن كان الشيء قد يثبت عنده فيتأوله على خلاف وجهه بدافع نصرة مذهب أهل الحديث ، ونصرة الحق ، ونحو ذلك ، وإنما نعتبر الرجل بأصوله التي ينتمي إليها ، وقد عُلِمَ عن أبي محمد رحمه الله تعظيم الكتاب والسنة وانتمائه إلى ذلك ، وإن زل قدمه في مواضع من الأسماء والصفات عفا الله عنه . 60- يمكن أن نُقَسِّم الأسماء إلى ثلاثة أقسام : القسم الأول: قسم لا يصح إطلاقه إلا على الله ، كاسم الله وكالخالق ونحو ذلك . القسم الثاني : قسم مشترك يصح إطلاقه على الله ويصح إطلاقه على المخلوق كالحكم . الحكم: اسم من أسماء الله جل وعلا ويصح إطلاقه على المخلوق فإن بعض الصحابة تَسَمَّى باسم الحَكَم كالحَكَم بن عَمْرو الغفاري ولم يغير النبي اسمه . فإن قيل في الحديث المشهور الذي رواه أحمد وغيره ( في الرجل الذي يتسمى بأبي الحكم ، قال له النبي : (( ما أحسن هذا )) حين قال له : (( إن قومي إذا اختلفوا في شيء فحكمت لهم فرضي كلا الفريقين )) قال: (( فما أحسن هذا )) فما لك من الولد ...) الحديث النبي قال: ( أنت أبو شريح ) الجواب: أن الرجل حين لوحظ فيه الوصف ، وأطلق عليه على معنى الوصف فكان يسمونه بالحكم ، لكونه يُرضى بحكمه ولاحظوا الوصف منعه النبي من ذلك . وحين لم يُلاحظ ذلك في الحكم بن عمرو الغفاري لم يغيره النبي ، حكيم أيضاً من أسماء الله جل وعلا والمخلوق يسمى بحكيم . القسم الثالث: الذي لا يصح إطلاقه إلا على المخلوق دون الله جل وعلا ، لأن الإجماع منعقد أن أسماء الله توقيفية ، فلا يصح تسمية الله باسم لم يسمي به نفسه ولم يثبت في السنة الصحيحة . والصحيح أن القياس لا يصح في الأسماء والصفات ، وبعض المتكلمين يُدخل القياس في الأسماء والصفات ، وفي هذا نظر . فإن هذا الباب باب توقيفي المقصود توضيحه ، أن هذا الاسم الله لا يصح التسمي به ، ولا ترى هذا الاسم العظيم مطلقاً على غير الله . حتى العرب الأُول الذين كانوا يعبدون الآلهة كانوا يسمون الأوثان آلهة ، ولا ترى في كلامهم شيئاً أنهم يسمونها (( الله )) حتى فرعون ما قال أنا الله . قال: (( أنا ربكم الأعلى )) قال (( ما علمت لكم من إله غيري )) . يطلق الإله ولا يطلق لفظ الله . 61- نفاة القدر نوعان : الطائفة الأولى: الذين أخرجوا أفعال العباد عن خلق الله تعالى وتقديره وهم الذين سماهم السلف مجوس هذه الأمة . وفي الباب أحاديث مرفوعة ولا يصح منها شيء . وسيأتي إن شاء الله تحقيق هذه المسألة حين يشير المؤلف رحمه الله تعالى إلى الأحاديث والآثار الواردة في هذا الباب . الطائفة الثانية : طائفة نفت تقدير الشر دون الخير ، فجعلوا الخير من الله دون الشر فإنه من العبد وهذا في الحقيقة نفي بأن يكون الله وحده هو المتفرد بالتصرف والخلق ، وهذا المذهب الخبيث راجع إلى مذهب المجوس القائلين بوجود خالقين خالق للخير وخالق للشر ، فإن من جعل العباد خالقين لأفعالهم فلا شك في كفره ، وأنه مثبت لخالق مع الله ، ومن جعل الخير من الله دون الشر فهذا لم يُثبت التصرف المطلق لله جل وعلا ، حيث يتصرف الله جل وعلا في شيء دون شيء وهذا كفرٌ أيضاً وهذا كفرٌ بالربوبية . 62- قوله : ( والشر ليس إليك ) ليس المعنى أن الشر ليس مخلوقاً لك . فإن الشر مخلوق لله بالإجماع لا نزاع ، وإنما المعنى الشر لا يدخل لا في أسمائك ولا في صفاتك . وقد تقدم نسبة هذا ، إلى شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وجماعة من أكابر المحققين . 63- بعض الناس حين جهل مقام التوحيد ، وشأن التوحيد يتخيل العبادة بعبادة الأوثان فحين لا توجد القبور في بلد ، يشيدون بمقام التوحيد ، ولو وُجد وثنيات أخرى وهذا يَنْتُج عن الجهل بمقام التوحيد . فإن نواقض الإسلام كثيرة وليست محصورة في عبادة القبور والأوثان ، التولي لأعداء الله ومظاهرة المشركين على المسلمين هذه ردة ، من نواقض الإسلام وهي موجودةٌ في كثير من البلاد . السحر كفرٌ أكبر في أصح قولي العلماء وهو موجود بكثرة . تحكيم غير شرع الله وإحلال القوانين الوضعية محل الشرع ، و استقطاب آراء اليهود والنصارى والحكم فيها بين الناس ، وتعطيل الحكم بما أنزل الله بل البطش بمن دعا إلى التحاكم إلى شرع الله هذا كفر أكبر. [ الشريط السابع ] 64- قوله جل وعلا يحبونهم كحب الله تقدم أن فيها قولين: القول الأول: يحبون أندادهم كما يحب المؤمنون ربهم وهذا قول أكثر المفسرين . القول الثاني: يحبون الأنداد كما يحبون الله وحينئذٍ تكون محبة الله ثابتة لهم ولكنهم يسوون الأوثان بمحبة الله وهذا القول هو الأظهر وهو قول الزجاج واستظهره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم . وقوله تعالى: والذين آمنوا أشد حباً لله هذا الآية . فيها أيضاً قولان ، وهما مركَّبان على القولين في الآية السابقة : الأول: والذين آمنوا أشد حباً لله من أصحاب الأنداد لأندادهم ، ومن أهل الأوثان لأوثانهم . الثاني : والذين آمنوا أشد حباً لله من المشركين به ، فالمؤمن يُخلِصُ المحبة لله ، والمشرك لله نصيب من هذه المحبة وللأنداد نصيب أكبر .. 65- ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه: (( الجواب الكافي )) قال هاهنا أربعة أنواع في الحب ، يجب التفريق بينها وإنما ضل من ضل بعدم التمييز بينها . الأول: محبة الله ، وهذه لا تكفي وحدها في النجاة من عذاب الله والفوز بثوابه ، فإن المشركين يحبون الله وكذلك اليهود والنصارى عُباد الصليب يحبون الله فهذه المحبة غير كافية في النجاة من عذاب الله والفوز بثوابه ، فلا بد أن يضيف إلى ذلك أموراً أخرى . النوع الثاني: محبة ما يحبه الله وهذه هي التي تدخله في الإسلام وتخرجه من الكفر حينئذٍ إذا حب ما يحبه الله ، فإن أعظم شيء يحبه الله ما هو ؟! هو التوحيد وهو إفراده وتعظيمه والتأله له ، وأعظم شيء يبغضه الشرك . وكلٌ يقول أنا أحب الله وأحب الرسول ، أنا أحب الله ، وأحب أولياء الله وهو مقيم على شركه وضلاله . أتحب أعـداء الحبيب وتـدَّعـي حـباً لـه مـا ذاك فـي إمـكانِ وكـذا تعادي جاهـداً أحـبابـه أيـن المحـبة يـا أخـا الشـيطانِ حقيقة المحبة أن تحب ما يحب الله ، وأن تبغض ما يبغضه الله النوع الثالث: الحَب لله وفيه ، وهي من لوازم محبه ما يحبه الله جل وعلا بحيث تحب زيداً لله وفي الله ، لا تحبه من أجل أطماع دنيويه ، لا تحبه إلا الله (( أن يحب المرء لا يحب إلا الله )) ، فإن أحب الرجل لمصلحة دنيوية أو لجماله أو لغير ذلك عُذب بقدر ذلك ولا بُدَ ، وكلٌ بحسبه على قدر ما تصرف شيء من الحب لغير الله يكون عذابك بهذا ولابد . فما في الأرض أشقـى مـن محبٍ وإن وجـد الهـوى حلـو المـذاقِ نحن نحب أولياء الله من أجل حبهم لله ، ونبغض أعداء الله من أجل عداوتهم لله أو لشرعه أو لأوليائه ، وكلٌ بحسبه ، ولهذا أوثق عُرى الإيمان الحب في الله والبغض .و من كان الناس عنده سواء فلا لعلته دواء ، الذي لا يفرق بين أولياء الله وبين أعداء الله فهذا لا يعرف الإيمان ولا يعرف التوحيد ، وهذا كالذي يريد أن يجمع بين الماء والنار ، والضب والحوت في مكان واحد . وفي سنن أبي داود من طريق يحيى بن حارث الذماري عن القاسم بن أبي عبد الرحمن عن أبي أمامة أن النبي : ( من أحب في الله وأبغض في الله ، وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان ) وفي البخاري وغيره يقول : ( أنا فرط بين هؤلاء وهؤلاء ) . النوع الرابع: المحبة مع الله ، وهي المحبة الشركية وهي تسوية المخلوق بالله في هذه المحبة . قال ابن القيم : وبقي قسم خامس: ليست مما نحن فيه وهي المحبة الطبيعية وهي ميل الإنسان إلى ما يلائمه أو ما يلائم طبعة كمحبة العطشان للماء ، والجائع للطعام ونحو ذلك. بالتفريق بين هذه الأنواع يفقه العبد التوحيد ، ويعرف كيف يُوحِّد ربه كيف يبتعد عن ما يغضب الله ويغضب رسول الله : يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم القلب السليم هذا هو قلب الموحد وهو القلب أيضاً الذي لا غل فيه ، ولا غش ولا حسد ولا بغي ولا عدوان ولا رياء . ولكن الذي يدخل به في الإسلام هو التوحيد والبراءة من الشرك وما دون ذلك مراتب . 66- ينبغي للإنسان أن يكثر من دعاء لله جل وعلا بالثبات أن يثبته الله على التوحيد وعلى العقيدة ويسأل الله السلامة والعافية وأن يعرف فضل الله عليه ، حيث جعله من أهل التوحيد ما جعله من أهل الإشراك المخلدين في النار ، ولكن أهم شيء الثبات: فاستقم كما أُمرت : اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ولهذا قال لبيد: الحمد لله إن لم يأتني أجلي حتى اكتسيت من الإسلام سربالا ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى: والله ما خوفي الذنوب فإنها لعلى سبيل العفو والغفرانِ لكنما أخشى انسلاخ القلب عن تحكيم هذا الوحي والقرآنِ ورضاً بآراء الرجال وخرصها لا كان ذاك بمنة المنانِ 67- الإنسان لو فَقُه معنى الاسم الشريف (( الله )) لاستدعى ذلك أن يستقبح الشرك ، وأن يوحد الله جل وعلا ، فالله أصله الإله ، والإله ما هو نرجع إلى معاجم اللغة ، نرجع إلى كتب العلماء ، نرجع إلى لغة العرب ما هو الإله ؟ هو الذي تألهه القلوب محبةً وتعظيماً ، فلو أحب الله وعظمه حق التعظيم ، لاستدعى ذلك إلى أن يبتعد عن تعظيم غير الله ، وعن الإشراك به . وهذا يستدعي أيضاً التأمل والتدبر ، فإن هذه المعاني قد تَمُرُّ على عباد القبور لكن يمرون عليها كمرورهم بوادي مُحَسر حين يقفلون ويرجعون من المزدلفة ، أو أعظم وأسرع فلا يعون ولا يتدبرون . نحن حين نتدبر القرآن نجد فيه كل شيء: فتدبر القرآن إن رمت الهدى فالعلم تحت تدبر القرآنِ ولكن كما قال الشاعر :- ومن العجائب والعجائبُ جمةٌ قرب الشفاء وما إليه وصول يقرأ القرآن ويشرك بالله !! كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول 68- قال الشاعر : وواعجباً كيف يُعصى الإله أم كيف يجحده الجاحدُ ولله في كل تحريكةٍ وتسكينةٍ أبداً شاهد وفي كل شيء له آيةٌ تدل على أنه واحدُ وهذا الأبيات تنسب لابن المعتز ، وقيل لأبي العتاهية . ومما يُذْكر أيضاً وينسب لأبي نواس: تأمل في رياض الأرض وانظر إلى آثار ما مصنع المليكُ عيونٌ من لجينٍ شاخصاتٌ بأحداقٍ هي الذهبُ السبيكُ على قُضُبِ الزبرجدِ شاهداتٌ بأن الله ليس له شريكُ أي لا في خلقه ولا في رزقه ولا في عبادته ، كما أنه ليس له شريك يخلق ويرزق . إذاً ينبغي أن لا يكون له شريك في العبادة وهذا واضح فليتأمل العبد هذا المقام فإنه مقام عظيم . [ الشريط الثامن ] 69- الشرك بمعنى الكفر عند طائفة من أهل العلم ، لقول الله جل وعلا: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء قالوا : بأن الكفر داخل في هذه وإلا الآية فيقتضي بأن الكفر دون الشرك ، واستدلوا أيضاً بأدلة من الكتاب والسنة ومن حيث النظر . والقول الثاني: أن كل شرك كفر ، وليس كل كفرٍ شركاً ، وذلك لقوله تعالى: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين فالعطف هنا يقتضي المغايرة ، لأن الله جل وعلا قال: من أهل الكتاب والمشركين فأهل الكتاب كفار وهم اليهود والنصارى ، عطف الله جل وعلا المشركين على أهل الكتاب فالعطف عندهم يقتضي المغايرة . قالوا فهذا دليل على مغايرة الشرك عن الكفر لأن الشرك هو تسوية غير الله بالله هو من خصائص الله ، قالوا: وأما الكفر فهو الديانة بديانة أخرى أو ترك الدين بالكلية حيث لا يعبد معه غيره . ولا يلزم من هذا أن يكون الشرك أعظم من الكفر ، فقد يكون الكفر أعظم من الشرك ، فالذي يدين بدبن بالإسلام ويعبد مع الله إله آخر هذا مشرك لكنه أخف كفراً ممن ليس له دين أصلاً . 70- وقد اعترف عقلاء المتكلمين بفساد هذا المسلك وضلال هذا المذهب وقد قال بعض المتكلمين : نهاية إقدام العقول عقال وأكثر سعي العالمين ضلالُ وأرواحنا في وحشة من جسومنا وغاية دنيانا أذىً ووبالُ ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعن فيه قيل وقالوا وقال آخر : لعمري لقد طفت المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم فلم أرى إلا واضعاً كف حائرٍ على ذقنٍ أو قارعاً سن نادمِ وقال آخر (( يا ليتني أموت على عقيدة إحدى عجائز نيسابور )) ، لأن العجوز تموت على أصل الفطرة وهؤلاء خارجون عما جاءت به الرسل ومتناقضون في أقوالهم وأفعالهم . ويقول الرازي: (( لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً ، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن أقرأ في الإثبات الرحمن على العرش استوى و إليه يصعد الكلم الطيب وأقرأ في النفي ليس كمثله شيء ، ولا يحيطون به علما ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي )) 71- ولابن تيمية رحمه الله كلام جميل ذكره رحمه الله تعالى في الفتاوى حول هؤلاء القدرية الخائضين في هذا المقام بالضلال المتكلمين فيه بغير علم قال: (( إن أهل الضلال الخائضين في القدر انقسموا إلى ثلاث فرق ، مجوسية ومشركية وإبليسية . الفرقة الأولى المجوسية: الذين كذبوا بقدر الله ، وإن آمنوا بأمره ونهيه فغلاتهم أنكروا العلم والكتاب ومقتصدوهم أنكروا عموم مشيئته وخلقه وقدرته . الفرقة الثانية المشركية: الذين أقروا بالقضاء والقدر وأنكروا الأمر والنهي قال الله جل وعلا: وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء فمن أحتج على تعطيل الأمر والنهي بالقدر فهو من هؤلاء . الفرقة الثالثة الإبليسية: الذين أقروا بالأمرين ولكن جعلوا هذا متناقضاً من الرب ، وطعنوا في حكمته وعدله تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً . وأهل السنة والجماعة والفرقة الناجية يؤمنون بالقدر خيره وشره ، وذلك من مقتضى ما جاء في الكتاب وتواترت به النصوص عن النبي والإيمان بالقدر هو الإيمان بأن الله تعالى عليم بما الخلق عاملون بعلمه القديم الذي هو موصوف به أزلاً وأبداً . وأن الله جل وعلا كتب ذلك في اللوح المحفوظ ، ويؤمنون أيضاً بقدرته ومشيئته النافذة الشاملة . 72- قال المؤلف : (ولهذا شبههم الصحابة بالمجوس ، كما ثبت عن ابن عمر و ابن عباس . وقد روى أهل السنن فيهم ذلك مرفوعا أنهم مجوس هذه الأمة ) قال الشارح : قوله ( قد روى أهل السنن ) الصحيح أنه لم يروي هذا الحديث كل أهل السنن . وإنما رواه أبو داود من طريق عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن ابن عمر وفيه انقطاع ، سلمة ابن دينار لم يسمع من ابن عمر . قال علي بن المديني لم يسمع سلمة من أحد من الصحابة إلا جندبا ، والحديث أيضاً رواه أحمد من طريق عمر بن عبد الله مولى غفره عن ابن عمر مرفوعاً وفيه ضعف ، قال ابن معين عن عمر بأنه ضعيف وقد رجح الدارقطني رحمه الله تعالى في العلل وقفه على ابن عمر . ورواه ابن ماجة أيضاً من حديث جابر وفيه لين . والآثار الواردة بأن القدرية مجوس هذه الأمة لا يثبت في رفع شيء منها حديث ، وقد صحت عن الصحابة . وهي موجودة في دواوين أهل الإسلام المشهورة . ووجه المشابهه بين القدر به والمجوس ، أن المجوس أثبتوا خالقين خالقاً للشر وخالقاً للخير . والقدرية قالوا: بأن أفعال العباد خارجه عن خلق الله وعن تقديره ، وطائفة أخرى قالت . كما تقدم أن الخير من الله دون الشر ، وهذا مطابق لما تُقَرره المجوس . 73- قال ابن القيم في معاني العزة وهي ثلاث معاني:- وهو العزيز فلن يرام جنابه أنّى يرام جناب ذو السلطانِ وهو العزيز القاهر الغلاب لم يغلبه شيءٌ هذه صفتانِ وهو العزيز بقوةٍ هي وصفه فالعز حينئذٍ ثلاث معاني [ الشريط التاسع ] 74- كل شيء ثبت أنه عبادة فصرفه لغير الله شرك أكبر ، ولا وجه لربط ذلك ، بالجحود أو التكذيب أو الاعتقاد أو الاستخفاف أو العناد ، فالكفر يكون بالقول ويكون بالفعل ويكون بالاعتقاد وحصر الكفر بالأخير ليس له وجه وقد عُرف هذا عن غلاة الجهمية والمرجئة . وقد اتفق أهل السنة القائلون بأن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية . أن السجود للأصنام كفر أكبر سواء اعتقد أن الأصنام تنفع أو لم يعتقد، وأن الطواف حول القبور على وجه التعبد شرك أكبر ، وأن سب الله وسب رسول الله سباً صريحاً كفر أكبر دون ربط ذلك بالتكذيب أو الاستخفاف أو الاعتقاد ، فمجرد هذا القول كفر أكبر ما لم يكن جاهلاً أو مكرهاً . أهل الأرجاء ينكرون وجود شيء اسمه كفر الأفعال ، فلا يكفر بالفعل عند المرجئة سواء سجد للصنم أو طاف حول القبر حتى يعتقد وهذا باطل باتفاق أهل السنة والجماعة . وأهل الأرجاء أيضاً يقولون لا يكفر بترك جنس العمل مطلقاً ، وهذا باطل بإجماع أهل العلم كما نقل الإجماع الإمام الآجري في الشريعة ، والإمام ابن بطه في الإبانة ، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتاب الإيمان . 75- حلق الرأس أنواع: النوع الأول: حلقه عبودية لله ، كحلقه في مناسك الحج والعمرة ، هذا حلق واجب أمر الله جل وعلا به . النوع الثاني: حلقه على وجه التشبه بالخوارج ، وفي الصحيح أن النبي ذكر الخوارج ، وذكر من سيماهم حلق الرأس قال: (( سيماهم التحليق )) ، أي يحلقون روؤسهم ، والذي يحلق رأسه تشبهاً بالخوارج فهذا مبتدع ، وفعله محرم . النوع الثالث: حلق مباح، كأن يحلقه تأذياً بالشعر أو عدم قدرة على النظافة أو تبرداً هذا حلقٌ مباح . النوع الرابع: حلق كفر وشرك كأن يحلقه بين يدي شيخه توبة له وخضوعاً وعبودية ، وهذا الذي أشار إليه المؤلف رحمه الله تعالى بقوله: (( وحلق الرأس عبودية وخضوعاً لغيره )) وهذا موجود عند غلاة الصوفية . 76- ورد عند الإمام ابن عدي في الكامل ، والخطيب في تاريخ بغداد ، عن جابر بن عبد الله أن النبي قال: ( الحجر الأسود يمين الله في الأرض ) وهذا في إسناده إسحاق بن بشر الكاهلي وهو متهم بالوضع . وقد أحسن ابن العربي حين قال: هذا حديث باطل فلا يلتفت إليه. وقد أورده ابن الجوزي في العلل المتناهية . وقد جاء هذا الخبر موقوفاً عند ابن قتيبة من طريق إبراهيم الخوزي عن عطاء عن ابن عباس ، وإبراهيم الخوزي متروك الحديث قاله الإمام أحمد وغيره ، فالخبر لا يصح مطلقاً لا مرفوعاً ولا موقوفاً . وقد فسر جماعة من أهل العلم معنى قوله: (( هو يمينه )) بأن المراد منه أنه محل الاستلام والتقبيل ، وتارة يكون التفسير فرعاً على التصحيح وتارة يكون لبيان المشكل حتى لا يتوهمه جاهل أو آخر يعتقد صحته على خلاف وجهه الصحيح ، كما تعتقد الحلولية في هذا الحديث. 77- استلام الركنين الحجر الأسود والركن اليماني يحطان الخطايا حطا ، كما جاء في مسند أحمد بسند قوي . 78- تحري الدعاء عند قبور الصالحين فهذا بدعة ، يقولون: (( قبر فلان الترياق المجرب )) ، وقد يخيل إليهم الشيطان أن الدعاء عند القبر مستجاب ، وقد يفتنون فيستجاب حقيقةً إذا دعوا عند هذا القبر . ولا يعني أن هذا مشروع أو أن هذا مباح أو أن هذا ليس ببدعة ، هذا بدعة ووسيلة من وسائل الشرك . 79- صرح أكثر أهل العلم بتحريم اتخاذ القبور مساجد ، وبتحريم بناء المساجد على القبور لما في ذلك من الغلو والتدرج إلى الوقوع في الشرك . وقالت طائفة: بكراهية ذلك وهذه الكراهية محمولة على التحريم فإن الأحاديث متواترة عن رسول الله في تحريمه لذلك ، والظن بأهل العلم أنهم لا يكرهون ما حرمه النبي إلا إذا كان باعتبار كراهية التحريم ، ولا يخالفون ما تواترت به النصوص . 80- قال : ( إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد ). وهذا الخبر رواه البخاري معلقا دون (( آخره أيضاً )) .ورواه مسلم من طريق شعبة عن علي بن الأقمر عن أبي الأحوص عن عبد الله أن النبي قال: ( لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس ) ورواه الإمام أحمد في مسنده من طريق عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن ابن مسعود باللفظ الذي ذكره المؤلف: (( إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد )) . وقد حسن إسناده شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ الذهبي . 81- لا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر فأيهما طرأ على الآخر وجب إزالته ولهذا تحرم الصلاة في مسجد فيه قبر . واختلف الفقهاء فيمن صلى ، هل تبطل صلاته ويجب عليه الإعادة أم تصح مع الإثم ، قولان للفقهاء . القول الأول: أن الصلاة باطلة ويجب عليه إعادتها أبدا ، وهذا مذهب الإمام أحمد وأبي محمد ابن حزم عليهما رحمه الله . القول الثاني: ذهب الإمام الشافعي ومالك وطائفة من أهل العلم بل هو قول الجمهور إلى صحة الصلاة ، قالت طائفة بالكراهية وقالت طائفة مع التحريم وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى تصح مع التحريم . ولكن ينبغي للإنسان وإن قلنا بالقول الأول أو القول الثاني أن لا يصلي أصلاً ، لأن النزاع في صحة الصلاة وليس في ابتداء الصلاة . فهم لا يجوزِّون ابتداء أن تصلي في مسجد فيه قبر ، لكن لو صليت هل تصح أم لا تصح قولان ، لكن ابتداء لا تصلي أصلاً ولا تدخل هذا المسجد ، ولو صليت وحدك ، فصلاتك وحدك أولى من صلاتك في مسجد فيه قبر ولو مع جماعة . السبب في ذلك: حماية لمقام التوحيد . 82- قال : ( لعن الله زُوَّاراتِ القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج ). الحديث الذي فيه ( والمتخذين عليها المساجد والسرج ) جاء بلفظ ( لعن الله زائرات القبور ) والحديث الذي فيه (( لعن الله زوارات القبور )) جاء بغير الزيادة ( والمتخذين عليها المساجد والسرج ) . هذا الحديث: ( لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج ) رواه الإمام أحمد رحمه الله تعالى وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه . من طريق محمد بن جُحادة عن أبي صالح عن ابن عباس عن النبي ، وأبو صالح هو باذان قال عنه الإمام مسلم (( أبو صالح اتقى الناس حديثه ولا يثبت له سماع من ابن عباس )) . والشطر الأول: (( لعن الله زائرات القبور )) له شواهد سوف يأتي . والشطر الثاني: ((والمتخذين عليها المساجد والسرج )) قوله (( والمتخذين عليها المساجد )) هذه اللفظة متواترة ، تواترت النصوص عن النبي في تحريم اتخاذ القبور على المساجد والعكس . قوله: (( والسرج )) الاتفاق قائم على تحريم إيقاد المقابر وجعل السرج عليها . ولكن قالت طائفة: بالتحريم و قالت طائفة: بالكراهية ولم يرخص أحدٌ بالجواز مطلقاً . إنما رخص طائفة أهل العلم للحاجة والضرورة وهذا واضح من فعل النبي وفعل الصحابة ، كأن نريد أن ندفن الرجل ليلاً فلا مانع من أن نستصعب سراجاً لدلالة الطريق دون تنوير كل المقبرة . وإنما نُنَوِّر ما نحتاج إليه دون فتح المجال لتنوير كل المقبرة قوله: ( لعن الله زائرات القبور ) ، روى الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى عن قتيبة ابن سعيد قال حدثنا أبو عوانة عن عمر ابن أبي سلمه عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله ( لعن زوارات القبور ) قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح . ورواه ابن حبان في الصحيح بلفظ (( لعن الله زائرات القبور )) . 83- أهل العلم مختلفون في حكم زيارة النساء للقبور على ثلاثة أقوال: القول الأول: التحريم ،، لحديث أبي هريرة ولحديث أم عطية في الصحيحين (( نهينا عن اتباع الجنائز ولم يُعزم علينا )) . قالوا: إذا كانت المرأة منهية عن اتباع الجنائز فلأن تنهى عن زيارة المقابر من باب أولى . قولها: (( ولم يعزم علينا )) أجابوا عنه بوجهين: الوجه الأول: أن هذا ظنها . الوجه الثاني : (( ولم يعزم علينا )) أي :لم تُأكَّد النهي علينا . القول الثاني: الكراهية دون التحريم ، وهذه رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى القول الثالث : الجواز بدون كراهة ، إذا أُمنت الفتنة فإذا لم تؤمن الفتنة مُنع مطلقاً ، وهذا هو قول الجمهور . والقول الأول: أقوى وهو تحريم زيارة النساء للمقابر مطلقاً وهو اختيار الشيخين ابن تميمة وابن القيم رحمهما الله تعالى وينبغي التنبه لما قاله الجمهور ، حيث جوزوا زيارة النساء للمقابر قالوا: إذا أُمنت الفتنة ، والآن الفتنة ما أُمنت على بعض الرجال فكيف على النساء ، فنحن نرى كثيراً من الرجال والأغبياء في كثير من العالم الإسلامي يطوفون حول القبور ويعظمون القبور ، وإذا ذهبوا للمقابر جلسوا يدعون يعتقدون أن الدعاء مستجاب عند هذا القبر . 84- ترى بعض الأغبياء والجهلة يقرأ بعض سور من القرآن عند هذا القبر ولاسيما قراءة سورة يس ، ولا يصح في (( يس )) حديث صحيح ولا يثبت في (( يس )) حديث ، كل الأحاديث الواردة في (( يس )) ضعيفة مطلقاً بدون استثناء ، كل حديث ورد في فضل يس أو في قراءة (( يس )) عند الاحتضار أو في غير ذلك كلها ضعيفة لا يصح فيها حديث فكيف بقراءتها عند القبور . قراءة القرآن عند المقابر من البدع ، هذه عبادة ، والأصل في العبادة البطلان والتحريم حتى يثبت دليل ، فإذا لم يثبت دليل فالأصل البطلان . وفي الصحيحين من حديث القاسم بن محمد عن عائشة أن النبي قال: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) . البدعة هي الإحداث في الدين بدون دليل ، وأيُّ دليل عندهم حين يقرؤون القرآن عند المقابر . نحن نعلم أن النبي قال: ( لا تتخذوا قبري عيداً ولا بيوتكم قبورا ) فنحن نعلم إذا قرأنا القرآن في البيت ما اتخذنا البيت قبراً ، فَعُلِمَ النهي عن قراءة القرآن في المقابر فينبغي التنبه لهذه القضية . وإنما يجوز تلاوة بعض الآيات تبعاً للوعظ عند القبر لأن النبي حين وعظ عند القبر في حديث علي ، والحديث في الصحيحين ، تلا بعض الآيات (( وأما من أعطى وأتقى )) إلى آخر الآيات ، وبَوَّب على هذا البخاري قال: باب موعظة المحدث عند القبر وقعود أصحابه حوله . والموعظة عند القبر مشروعة في بعض الأحيان للعالم الذي ينظر لقوله ويستمع لرأيه ويجلسون وينصتون ، أما الاستمرار في ذلك والمداومة على الوعظ عند القبر فلا دليل عليه . لأننا نعلم علم اليقين أن النبي دخل مراراً المقابر مُتَّبِعاً لجنازة فلان والآخر والثاني والثالث . والعاشر ولم يعظ عند القبر ، فوعظ تارة وترك تارة ، ففعله سنة وتركه سنة . وكذلك لأهل العلم والفضل الذين ينظر لقولهم ليس لآحاد الناس الذي لا يلتفت إليه أحد ، الناس يتحدثون وهذا قائم وهذا جالس وهذا في شغل آخر ولا يلتفتون لرأيه ، إنما إذا وعظ العالم الذي ينظر لقوله كما كان النبي يفعل حينئذٍ ينصتون له ويستمعون لرأيه ويجلسون ويستفيدون من ذلك . وبعض أهل العلم ما يرى الوعظ عند القبر مطلقاً . يقول: لأن الصحابة ما فعلوا ذلك ، وفعلاً لم ينقل عن صحابي قط أنه كان يعظ عند القبر. 85- قال ( اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) هذا الحديث رواه مالك في الموطأ ، وابن سعد في الطبقات من طريق زيد ابن أسلم عن عطاء بن يسار عن النبي ، وعطاء بن يسار تابعي وليس بصحابي فالحديث مرسل صحيح . ورواه ابن عجلان عن زيد بن أسلم مرسلا ، ولم يذكر عطاء والأول اصح ، وللحديث شاهد رواه الإمام أحمد والحميدي في مسنده من طريق حمزة بن المغيرة الكوفي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي قال: ( اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد ، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) . وحمزة بن المغيرة قال عنه ابن معين ليس به بأس ، والحديث إسناده جيد . 86- قد قيل إن أول من بنى المساجد على القبور ووضع القباب على القبور ، وأشهر هذا الأمر هم العُبيديون في مصر بحدود سنة ثلاثمائة واثنتين وستين ، ومنهم انتشر الشرك في البلاد الإسلامية وعمت البدع وإلى زماننا هذا ونحن نرى آثار العبيدين الذين ينتسبون إلى فاطمة ظلماً وزوراً ، فلم يثبت لهم نسب ، بل هم روافض أعداء لله وأعداء لرسول الله ، وكانوا عُباداً للقبور وعباداً للأوثان . [ الشريط العاشر ] 87- المؤلف رحمه الله تعالى في بيان أحوال الناس بالنسبة لزيارة القبور اقتصر رحمه الله تعالى على ثلاثة أنواع :- النوع الأول: الذين يزورون المؤتى فيدعون لهم . النوع الثاني: كالذين يزورون الموتى يدعون بهم كأن يقول للميت: ادع الله لي . النوع الثالث: الذين يزورون الموتى فيدعونهم ، حيث يقولون يا فلان اغفر لي وارحمني وارزقني مالاً ونحو ذلك . والمؤلف رحمه الله تعالى لم يذكر القسم الرابع: وهو زيارة الموتى للدعاء عندهم ، لأن بعض الجهلة يعتقد أن الدعاء عند القبر الفلاني أولى من الدعاء بعيداً عنهم . وهذه الأقسام التي ذكرها المؤلف رحمه الله تعالى هي موجودة في فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في المجلد الأول وموجودة أيضاً في زاد المعاد لابن القيم في المجلد الأول ، وموجودة أيضاً في إغاثة اللهفان للإمام ابن القيم نقلاً عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، غير أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى غاير بين هذه الأقسام جعل بعضها شركاً أكبر وبعضها بدعة وبعضها مشروعاً . 88- الزيارة الشرعية للمقابر لها مقاصد : المقصد الأول: تذكر الآخرة والاتعاظ . المقصد الثاني: الإحسان إلى الميت بالدعاء والاستغفار له .المقصد الثالث : إحسان الزائر إلى نفسه بإتباع السنة لأن زيارة المقابر على الوجه المشروع سنة ، فإن النبي ندب إلى ذلك وأمر أمته أن يزوروا القبور ، ونهاهم أن يقولوا هجرا ، أي قولاً سيئا يتنافى ما جاء به ديننا . 89- زيارة القبور على ثلاثة أنواع:- النوع الأول: زيارة محرمة ، كالزيارة المتضمنة لمحرم من نياحة ونحوها ، أو متضمنة لبدعة ، أو شرك فهذه الزيارة لا ينازع مسلم في النهي عنها . النوع الثاني: المباحة ، كزيارة القريب وإن كان كافراً ، للرقة عليه لا للدعاء له كفعل النبي حين زار قبر أمه وبكى ، والحديث في صحيح الإمام مسلم . النوع الثالث: المشروعة ، وذلك للدعاء لهم والاستغفار ولكن لا يجوز شد الرحل لهذا الغرض للحديث المشهور المروي في الصحيحين من طريق سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي : ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجد الرسول والمسجد الأقصى ) . وجاء في الصحيحين أيضاً من طريق عبد الملك بن عمير عن قَزَعَةَ مولى زياد عن أبي سعيد الخدري عن النبي بنحو حديث أبي هريرة . 90- من يقول للميت ادعُ الله لي أو ادعُ لنا ربك هذا محرم بإجماع المسلمين .وقد جعله جماعة من العلماء شركاً أكبر لقوله تعالى: والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير * إن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم . ولقوله تعالى عن المشركين: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ولقوله تعالى: ومن يدع مع الله إله آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون ، وغير ذلك من الأدلة العامة .وكون هذا شرك أكبر هو ظاهر كلام المؤلف هنا .بينما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في المجلد الأول من الفتاوى وفي مواضع من مؤلفاته بأن هذا من البدع المحرمة بالإجماع ولم يجعله يصل إلى الشرك الأكبر لأنه لم يدع نفس الميت ولا طلب منه الفعل .وذكر هذا صاحب كتاب (( صيانة الإنسان )) وقد ذكر هذا في مواضع من كتابه ، وذكر أن هذا النوع من البدع التي لا تصل إلى حد الشرك الأكبر , وذكر هذا الإمام العالم أو عالم نجد عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل شيخ في مواضع من مؤلفاته من ذلك الرسائل والمسائل ، وأشار إلى ذلك غير واحد من أكابر المحققين . 91- قد يستدل بعض أغبيائهم وجهلتهم- أي عباد القبور - بحديث قد اختلقوه وهو مشهور في مصنفات عباد القبور والأوثان وهو: (( إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور )) أو بالآخر (( لو حَسَّن أحدكم ظنه بحجر لنفعه ذلك )) وهذان الخبران كذب على رسول الله وقد وُضعا لإحياء دين المشركين وملة عَمْرُو بن لُحي وبطلان هذا مما يُعلم بالضرورة من دين المسلمين . 92- قال المصنف : (( وسد الذريعة بأن منع من الصلاة بعد العصر والصبح )) قال الشارح : النهي عن الصلاة في هذين الوقتين جاء في حديث ابن عباس والخبر في الصحيحين ، وفي حديث أبي سعيد الخدري والخبر في الصحيحين ، وفي حديث أبي هريرة وهو في البخاري وغيره . ولكن يُستثنى من ذلك ذوات الأسباب يجوز صلاة تحية المسجد في هذين الوقتين ، ويجوز صلاة ماله سبب في هذين الوقتين كصلاة الكسوف وقضاء الفوائت وركعتي الوضوء وصلاة الاستخارة إذا كان يفوت وقتها وركعتي القدوم من سفر ونحو ذلك ، وهذا مذهب الإمام الشافعي رحمه الله تعالى ورواية عن أحمد رحمه الله تعالى واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى وجماعة من أهل العلم . لأن النبي نهى عن الصلاة في هذين الوقتين لكون ذلك ذريعة إلى التشبه بعباد الشمس ، وإذا فعلهما الإنسان لسبب زال هذا المحذور ، وفي الباب أحاديث كثيرة تدل على الجواز . وذهب بعض الفقهاء إلى منع ذوات الأسباب في هذين الوقتين كأبي حنيفة ومالك ورواية عن أحمد رحمهم الله وهؤلاء جوَّزوا بعض الصور كقضاء الفوائت ، وأجاز الإمام أحمد صلاة الكسوف دون تحية المسجد ، وقد اختلفوا في مسائل متعددة . فيه قول ثالث: أنه يجوز الصلاة بعد الفجر وبعد العصر ولا ينهى إلا عند الطلوع وعند الغروب كما هو مذهب طائفة من الصحابة وأهل الظاهر . فيه قول رابع: يحرم بعد الفجر ويجوز بعد العصر حتى تصفر الشمس والمقصود أن النبي سد الذريعة بأن منع من الصلاة أي فيما ليس له سبب بعد العصر والصبح . 93- روى الإمام أحمد من حديث عبد الرحمن بن ثوبان عن حسان بن عطية عن أبي منيب الجرشي عن ابن عمر أن النبي قال: ( من تشبَّه بقوم فهو منهم ) .قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في الاقتضاء: إسناده جيد ، وظاهره يقتضي كفر التشبه بهم ، وأقل أحواله التحريم. و إذا ورد الحديث عن النبي بأنه نهى عن كذا وكذا وفعله بعض المسلمين لا يتغير الحكم ، إنما قال جماعة من أهل العلم كمالك وغيره من الأكابر ، إذا اشتهر بين المسلمين زال التشبه ، مقصوده بذلك إذا لم يكن هذا مبنيٌ على دليل ، إنما بُنِيَ على واقعهم وعلى إلحاق النظير بنظيره أيضاً ليس مقصود مالك فسقة المسلمين إنما استفاض واشتهر بين خيارهم وعدولهم . 94- قوله : ( لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد إلا لله ) هذا الخبر رواه ابن حبان بنحوه وذلك في صحيحه من طريق أبي أسامة قال حدثنا محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي . ورواه الترمذي من طريق النظر بن شُمَيل عن محمد بن عمرو بلفظ ( لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ) قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه محمد بن عمرو صدوق ، إذا تفرد بأصل لم يوافقه غيره ففي حديثه نظر ، وقد وثقه جماعة ، وصحح له الترمذي وابن حبان وجماعة . ولكن لهذا الحديث شواهد تدل على أن له أصلا ، وأن محمد بن عمرو قد ضبطه ، من شواهده حديث معاذ عند أحمد وفيه ضعف ، وحديث قيس بن سعد عند أبي داود ، وحديث عائشة عند أحمد وابن ماجه ، وحديث أنس عند أحمد والنسائي في عِشْرَة النساء ، فهذه الشواهد يقوي بعضها بعضاً وتدل على أن للحديث أصلا . 95- ثبت عن النبي : أنه قال له رجل : ما شاء الله وشئت قال (( أجعلت لله ندا ؟ قل ما شاء الله وحده ) : والصحيح في هذا الخبر واللفظ في المسند (( أجعلتني لله عِدلا قل ما شاء الله وحد )) وهذا الحديث رواه الإمام أحمد عن طريق الأجلح بن عبد الله عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس ورواته ثقات. وفي الأجلح بن عبد الله خلاف ، وقد وثقه ابن معين والعجلي ، وقال أبو حاتم ليس بالقوي يكتب حديثه ولا يحتج به . وقال يحيى القطان: في نفسي منه شيء . وقال النسائي: ضعيف ليس بذلك . وتوسط فيه ابن عدي رحمه الله فقال: له أحاديث صالحة يروي عنه الكوفيون وغيرهم ، ولم أجد له حديثاً منكراً مجاوزاً للحد لا إسناداً ولا متناً ، وهو عندي مستقيم الحديث صدوق . وقد صحح هذا الحديث غير واحدٍ من أهل العلم . 96- نهى غير واحدٍ من أهل العلم لو قال: توكلت على الله ثم عليك ، لأن التوكل عمل قلبي لا ينفع فيه الإتيان بثم هذا قول طائفة من المحققين ، فكيف لو إذا أتى بالواو فإن المنع من باب أولى والمنع من قول: توكلت على الله وعليك أولى من المنع من قول ما شاء الله وشئت بوجود مشيئة للعبد ولأن التوكل عمل قلبي لا ينقسم . 97- لو قال هذا من بركاتك فقط لكان هذا جائزاً ، والدليل على ذلك أن أُسيد بن حضير قال: (( ما هي بأول بركاتكم يا آل أبي بكرٍ )) هذا الحديث متفق على صحته . ففيه أن المخلوق له بركة ، فلذلك لو قال هذا من بركتك يا فلان جاز ، لكن لو قال هذا من بركات الله وبركاتك مُنع لماذا ؟ لأن أتى بالواو المفيدة للمساواة فهذا يمتنع ، لكن لو أتى بها مفردة لكان هذا جائزاً ، فينبغي التفريق ومراعاة الألفاظ في ذلك . 98- تنقسم الألفاظ من حيث الصحة والفساد إلى أقسام: القسم الأول: اللفظ الفاسد شرعاً من كل وجه ، كالحلف بالنبي أو الحلف بأي مخلوق فهذا يمنع منه صاحبه ولو كان قصد صاحبه سليماً فلا عبرة بالمقاصد حينئذٍ . اللفظ الفاسد يجب النهي عنه وزجره عن ذلك كما لو حلف شخص وقال: ( بأمي وأبي ) يقصد الحلف بذلك وجب النهي عنه ولو قال أنا قصدي كذا وقصدي كذا يجب النهي عن ذلك ، ولو حلف شخص بالأمانة وجب النهي عن ذلك . القسم الثاني: اللفظ السليم شرعاً فهذا يُقَرون عليه ولا وجه لمن نهى عن ذلك مورداً احتمال أنه قد يقصد به كذا ويقصد به كذا فما دام أنه سليم شرعاً وجاء ذكره في الكتاب والسنة فلا وجه للنهي عن ذلك . القسم الثالث: اللفظ المتردد بينهما ، المحتمل للصحة والفساد فهذا يُراعي فيه كيفية الاستخدام . وقد يُقال: إذا كان يوصل إلى المحرم في الغالب فإنه يُمنع منه وإلا فلا ، وينبغي التفصيل في هذه القضية مع مراعاة المقاصد في الألفاظ المحتملة . 99- قال المصنف : لفي مسند الإمام أحمد ( أن رجلاً أتي به للنبي قد أذنب ذنباً ، فلما وقف بين يديه قال اللهم إني أتوب إليك ولا أتوب إلى محمد فقال : (( عرف الحق لأهله )) ) وخرجه الحاكم من حديث الحسن عن الأسود بن سَريع وقال حديث صحيح ..قال الشارح : هذا الحديث رواه الإمام أحمد والحاكم من طريق محمد بن مصعب قال حدثنا سَلاَّم بن مسكين والمبارك بن فضالة عن الحسن البصري عن الأسود بن سريع (( صحابي جليل )) . محمد بن مصعب الراوي عن ابن مسكين المبارك هو القُرقُساني قال عنه الإمام أحمد لا بأس به ، وقال ابن معين ليس بشيء . وقال النسائي: ضعيف وقال ابن خراش: منكر الحديث هذه العلة الأولى . العلة الثانية : قال على بن المديني وابن منده والبزار لم يسمع الحسن البصري من الأسود بن سريع ، ولكن جاء في التاريخ الكبير للبخاري ما يدل على سماع الحسن من الأسود في الجملة . ولهذا أثبت بعض أهل العلم سماعه. [ الشريط الحادي عشر ] 100- قال المؤلف : ( وأما الشرك في الإرادات والنيات ، فذلك البحر الذي لا ساحل له وقل من ينجو منه . ) قال الشارح : لأن تحقيق العبادة يمنع من الرياء ، كما أن تحقيق الاستعانة يمنع من الإعجاب ، ولاسيما إذا علم العبد أن مصير الرياء إلى النار أكسبه ذلك نُفْرَةً عن الرياء وبعداً عنه . 101- العمل لغير الله له حالات : الحالة الأولى: أن تكون أعماله مراداً بها مُرَاءة المخلوقين فهذا شرك ، ولا يصدر هذا من مسلم أصلاً حيث لا يعمل لله إنما يصلي ويصوم ويزكي ويحج ويتصدق ويقرأ ؟! من أجل الناس هذا لا يصدر من مسلم . الحالة الثانية: أن يعمل لله ثم يعرض له الرياء في أثناء العمل فإن دفعه فلا إشكال في هذا ، وإن استرسل معه فقد قال جماعة: يكون حكمه كحكم قطع النية في أثناء الصلاة ، فإن كانت العبادة لا يصح آخرها إلا بصحة أولها لزم حينئذٍ الإعادة وإلا فلا . وقالت طائفة من أهل العلم يجازى على أصل نيته ، هذا في العبادة التي يرتبط آخرها بأولها . فأما ما لا ارتباط فيه كالقراءة فإنه يجازي على الإخلاص وتنقطع النية الصالحة بوجود الرياء . الحالة الثالثة: عكس هذه المسألة وذلك أن تكون نيته لغير الله ثم يعرض له الإخلاص والعمل لله . الحالة الرابعة: مشاركة الرياء من أصل العمل إلى نهايته فهذا العمل حابط ، فقد جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي مولاهم عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي قال: ( قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري ـ أي صار العمل كله رياء وسمعة ـ تركته وشركه ) . 102- قاعدة الرياء في العبادات مغايرة لقضية التشريك في العبادات فإن بعض الناس يخلط بين الأمرين ولا سواء، كأن يفعل عبادة لله من أجل تحصيل عبادة أخرى من ذلك ما رواه الشيخان عن ابن مسعود أن النبي قال: ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) . فالأمر بالصيام هنا لأجل حفظ الفرج ولأجل حفظ المرء من الوقوع والولوغ في المعاصي . الحالة الثانية: أن يكون الباعث على العبادة ابتغاء ما عند الله والمنفعة الدنيوية فهذا مباح ، فمن ذلك قوله في حديث أنس في الصحيحين (( من أحب أن يبسط له في رزقُه وينسئ له في أثره فليصل رحمه )) ولكن الثواب لا يكون إلا على قدر النية الصالحة ولكن لو كانت إرادة العبد مقصورة على الدنيا دون الله والدار الآخرة كأن يجاهد من أجل المغنم أو لا يتعلم إلا من أجل الوظيفة فهذا مأزور غير مأجور . 103- المرائي لم يحقق قوله تعالى: إياك نعبد والمعجب بعمله لم يحقق قوله تعالى وإيَّاك نستعين .فإن تحقيق العبد للعبودية تُباعده عن الرياء ، وتحقيقه للإستعانة تباعده عن الإعجاب . فإن قيل ما الفرق بين الرياء والإعجاب ؟! فالجواب: أن الرياء من باب الإشراك بالخلق والعجب من باب الإشراك بالنفس ، فمن حقق قوله: إياك نعبد خرج عن الرياء ومن حقق قوله: إياك نستعين خرج عن الإعجاب . 104- أهل الوحدة: هم القائلون بأن الوجود واحد ، ويجعلون وجود الخالق هو عين وجود المخلوقات ، فكل ما يتصف به المخلوق من حُسن أو قُبْح فإنما هو المتصف به عندهم هو عين الخالق . ومن كلامهم: ليس إلا الله ، وعلى هذا عباد الأشجار والأوثان لم يعبدوا غير الله عندهم تعالى الله عن قولهم علواً كبيرا . وقد ذُكر عن المنتمين لهذا المذهب القول بأن عُبَّاد العجل مصيبون إذا كان لا ثمَّ إلا الله ، فإن عباد العجل مصيبون على اصطلاحهم يقولون ، وأن موسى أنكر على هارون ، إنكاره عليهم عباده العجل . وذكر عن جماعة عن هؤلاء القول: بأن فرعون من كبار المحققين ، وأنه مصيب في دعواه الربوبية ، هذا مذهب غلاة أهل الوجود . 105- ومن جميل ما نُقل عن الإمام حماد بن زيد رحمه الله تعالى في قوله عن الجهمية ، قال: (( مثل الجهمية مثل رجل قيل له: في دارك نخلة قال: نعم ، قيل له: فلها خُوص ؟! قال: لا ، قيل له: فلها سعف ؟! قال: لا قيل: فلها كرب ، قال: لا ، قيل: فلها جذع ؟! قال لا ، قيل له: فلها أصل ؟! قال: لا ، قيل له : لا نخلة في دارك )) . هؤلاء الجهمية قيل ألكم رب ؟! قالوا: نعم ، قيل له يد ؟! قالوا: لا قيل: يرضى ويغضب ؟! قالوا: لا ، قيل فلا رب لكم ، لأن الرب الذي ليس في العلو ولم يستوي على عرشه ولا يرضى ولا يغضب ولا يرحم ولا يحب وليس له شيء من الصفات هذا ليس برب . 106- القرامطة حركة باطنية تنسب إلى حمدان بن الأشعث ، يلقب بقرمط ، وحقيقة هذا المذهب الإلحاد ، ولا يؤمنون بالمعاد والعقاب ولا بالجنة ولا بالنار . وقد دخلوا مكة سنة ثلاثمائة وسبعة عشر ، واقتلعوا الحجر الأسود وقتلوا المسلمين ، ولم يسترد منهم إلا سنة ثلاثمائة وتسعة وثلاثين . ولهم معتقدات وأفكار كفرية يطول ذكرها. 107- المعتزلة بدء فكرهم في البصرة على يد واصل بن عطاء ، وقصته في اعتزال مجلس الحسن البصري مشهورة ويعتمد هذا المذهب على أصول خمسة تدور عليها عقائدهم:- الأصل الأول: التوحيد ، وهو في حقيقته تعطيل أسماء الله وصفاته والقول بخلق القرآن ونفي الرؤية في الآخرة ، هذا هو توحيد المعتزلة . إذا قيل التوحيد عند المعتزلة فالمقصود من ذلك نفي الأسماء والصفات عن الله والقول بخلق القرآن ، وأن الله لا يُرى في الآخرة هذا توحيد المعتزلة . الأصل الثاني: العدل ، العدل محمود ، لكن ما هو العدل ؟! العدل كلٌ يحبه ، الله أثنى على العدل ، وأمر بالعدل ، والفطر تحب العدل ، لكن ما هو العدل عند المعتزلة ؟! العدل عند المعتزلة يقصدون به نفي القدر وأن العباد خالقون لأفعالهم . والله جل وعلا يقول: الله خالق كل شيء وقال والله خلقكم وما تعملون لكن هؤلاء من الصم البكم الذين لا يعقلون ، وهذا واضح . الأصل الثالث: إنفاذ الوعد والوعيد الأصل الرابع: القول بمنزلة بين المنزلتين لأصحاب الكبائر ، هم يرون تخليد أصحاب الكبائر في النار . الأصل الخامس: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ويقصدون به الخروج على السلطان الجائر ، وينكرون شرط القرشية في الإمامة فهذه هي الأصول الخمسة للمعتزلة . [ الشريط الثاني عشر ] 108- عزيز قيل عنه: بأنه نبي وهذا المشهور عند الأكثر ، وأنه نبي من أنبياء بني إسرائيل كانت فترته بين داوود وسليمان وبين زكريا ويحيى . وقد قيل: إنه لم يكن يحفظ في بني إسرائيل أولما لم يبقى في بني إسرائيل من يحفظ التوراة ألهمه الله حفظها فسردها على بني إسرائيل ، وقيل: إنه ليس بنبي لأن النبوة لا تثبت إلا بدليل إما من الكتاب أو السنة أو ما أخذ منها كالإجماع قالوا: بل كان عبداً صالحاً حكيماً . 109- قال المؤلف : (ومنهم من يعبد أجزاء أرضية ) قال الشارح : وأعظم من ذلك ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في الفتاوى في المجلد الرابع ، أن منهم من يصنف في دين المشركين والردة عن الإسلام ، كما صنف الرازي كتابه في عبادة الكواكب والأصنام ، وأقام الأدلة على حُسن ذلك ومنفعته ورغب فيه . وقال الشيخ رحمه الله تعالى وهذه ردة عن الإسلام بإتفاق المسلمين ، وإن كان قد يكون تاب من ذلك وعاد إلى الإسلام . وقد استدل بقول شيخ الإسلام (( وهذه ردة )) ، بعض المتأخرين على تكفير الرازي وإصدار الحكم عليه بعينه وفي هذا نظر . فإن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى من أبعد الناس عن تكفير المعين الجاهل أو المتأول حتى تقوم عليه الحجة ، وقد صرح بذلك في مواضع من كتبه ، وصرح أيضاً في مواضع بإسلام الرازي ولكنه ذمه على اشتغاله بعلوم المتكلمين وبالفلسفة التي لا يجني صاحبها منها شيئاً . بل الرازي هو القائل: نهايـة إقـدام العقـول عِـقَـال وأكـثـر سـعـي العالمين ضـلال وأرواحـنا في وحشةٍ من جسومنا وغـايـة دنـيانـا أذى ووبــال ولم نستفد مـن بحثنا طـول عمرنا سـوى أن جمعـنا فيه قيل وقـالوا لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلاً ، ولا تُروي غليلاً ، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن أَقرأُ في الإثبات الرحمن على العرش استوى ، إليه يصعد الكلم الطيب وأَقرأُ في النفي ليس كمثله شيء ، ولا يحيطون به علما ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي )) . وحينئذٍ نقول يجب رد كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى الصريح إلى كلامه المحتمل فيزول الإشكال لأن تكفير النوع غير تكفير العين وهذا متفق عليه بين أهل السنة بخلاف الخوارج والمعتزلة ، الذين لا يفرِّقون بين النوعين . ولا يعني هذا أيضاً أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى لا يكفر المعين مطلقاً ، فهذا باطل أيضاً ، فالذي يعمل مكفراً أو يقوله وتقوم عليه الحجة فهذا كافر على التعيين فلا إفراط في هذا الباب ولا تفريط . لأن بعض المتأخرين يغلو في التكفير حتى آل بهم الأمر إلى تكفير جماعة من العلماء بسبب التأويل ، أمثال الإمام النووي والإمام العز بن عبد السلام ، والحافظ الذهبي ، والحافظ ابن حجر بسبب ما وقع لهم من بعض الأخطاء في المسائل العلمية والمسائل العملية . 110- وقد كان أئمة السلف يكفرون مقالات الجهمية ، وكان كثير منهم بما فيهم الإمام أحمد يتورع ويبتعد عن تكفير أعيانهم كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المجلد الثالث في الفتاوى ، وذكر ذلك في المنهاج ، وذكر ذلك في درء تعارض العقل والنقل . فكيف يمن يكفر أهل السنة بعدم تكفير الجهمية أو أصحاب المقالات والأخطاء الكفرية علمية أو عملية فلا يعرفون العذر بالتأويل ، لا يفرقون بين النوع والعين ، ويُخَيَّل إليهم أن ما جاء عن السلف بأن من قال كذا فقد كفر ، أو أجمع العلماء على من فعل كذا فقد كفر ، أن هذا يصدق على العين من كل وجه . 111- الجهل نوعان:- النوع الأول: الذي يكون منشئ جهله الإعراض عما جاءت به الرسل والإعراض عما جاء في الكتاب والسنة فلا يرفع بذلك رأسا ، ولا يصغي لحجج الله ولا لبيناته ، ويشتغل بدنياه عن البحث عن الحقيقة فهذا لا يعذر ، هذا كافر . قال الله تعالى جل وعلا: ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها . وقال الله جل وعلا : والذين كفروا عما أنذروا معرضون . وقال الله تعالى: وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير . النوع الثاني: الذي منشئ جهلة هو عدم العلم ، أو التأويل و نحو ذلك فهذا هو الذي يعذر مع التغليط عليه في تفريطه ، أو في جهله . لأننا نلاحظ كثيراً من الناس ، إذا أراد أن يُتاجر أو يبيع أو يشتري عرف مداخل ذلك والمخارج ، وإذا أراد أن يعبد الله لا يفهم من ذلك شيئاً ، وينبغي التغليظ في هذه القضية لأن هذا أصل الدين . 112- بعض المتأخرين لا يرى إطلاق هذه الصفة (( رب الأرباب )) ولكن الصحيح أنه لا مانع من ذلك جاءت في كلام الأكابر أمثال الإمام ابن القيم وابن عبد الهادي وجماعة من علماء نجد والله جل وعلا قال: أأرباب متفرقون خير رب هؤلاء هو الله جل وعلا. 113- قال تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به لا: نافيه ، والنفي أبلغ من النهي لأن النفي يتضمن النهي وزيادة ، يتضمن النهي عن الشرك ويقتضي عدم مغفرة من أشرك معه إله آخر ولهذا أخبر الله جل وعلا عن المشركين أنهم حصب جهنم ، وأنهم أصحاب السعير وأنهم الظالمون ، وأنهم في جهنم خالدون تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون أي: عابسون وقال تعال: إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار . [ الشريط الثالث عشر ] 114- الشرك مغاير للكفر عند طائفة من أهل العلم فكل مشرك كافر وليس كل كافر مشركاً وقالت كائفة أخرى: بعدم المغايرة وأنهما مترادفان . والقول بالتغاير قول قوي جداً فإن من سب الله أو سب الرسول أو أنكر البعث فإن كافر ومن دعا غير الله أو سجد للصنم أو طاف على القبور أو ذبح لغير الله أو نذر لغير الله فإنه مشرك . يدل على هذا قوله تعالى: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين . الله جل وعلا غاير بين الكفر وبين الشرك ، يدل على هذا أيضاً الآية التي بعدها إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم . الله جل وعلا غاير بين الكفر وبين الشرك ، لأن الشرك مأخوذ من التسوية وقد تقدم أن الشرك هو تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائص الله ، وكلاهما في النار ، لا فرق في النتيجة وفي النهاية ، المشرك مخلد في النار والكافر مخلد في النار . لكن يسمى من سب الله أو سب الرسول سباً صريحاً يسمى هذا كافراً ، ومن دعا غير الله يسمى مشركاً ، ولذلك يسمى اليهود والنصارى كفاراً . 115- التوبة تأتي بمعنى الرجوع وهذه تكون لله ولغيره ، ومنه قول عائشة رضي الله عنها كما في البخاري وفي غيره ( أتوب إلى الله ورسوله ) حين قالت: (( ماذا أذنبت )) . 116- من القواعد المهمة في باب الأحكام الشرعية أن من الأقوال والأفعال ما هو صريح الدلالة على الكفر ، وهذه القاعدة تصلح لهذه المسألة- مسألة الحلف بغير اسمه تعظيما - ولما قبلها كما تقدم في السجود أن من الأقوال والأفعال ما هو صريح الدلالة على الكفر . فحينئذٍ يكفر المرء بذلك . فإن من قال أو فعل ما هو كُفر كَفَر بذلك ، فإذا سب الإنسان الله جل وعلا أو سب الرسول سباً صريحاً فإنه كافر بذلك ، لا يشترط بذلك الجحد أو نسأله عن الاعتقاد أو ماذا تقصد ، بل تقدم أن سب الله عز وجل وسب رسول الله ولا يتصور فيه الجهل ، وأن السب الصريح لا يتصور فيه ولا التأويل فيكفر بذلك مطلقاً وهذا من الأشياء الصريحة . وكذلك من الأشياء الصريحة التي يكفر بها المرء إلقاء المصحف في القاذورات فهذا مرتد عن الدين ، هذا من الشيء الصريح الذي لا نزاع فيه ، ولا يشترط أن يقصد بذلك أشياء أخرى . فالكفر تختلف أنواعه ، ولكن يكفر بشيء واحد منها فقد يكفر الإعتقاد وقد يكفر بالجحد ، وقد يكفر بالاستحلال ، وقد يكفر بالفعل ، وقد يكفر بالترك ، وقد يكفر بمجموع هذه الأمور أو ببعضها . فمن الكفر بالأقوال سب الله عز وجل أو سب الرسول وكالحلف بالمخلوق تعظيماً له ، ومن الكفر بالأفعال السجود للأصنام والطواف على القبور ومن الكفر بالاعتقادات من اعتقد أن حكم غير النبي أحسن من حكمه ، ومن الكفر بالجحد كأن يجحد أمراً مجمعاً عليه ومن الكفر بالاستحلال أن يستحل أمراً متفقاً عليه ، ومن الكفر بالترك كترك الصلاة ، لأن ترك الصلاة بالكلية كفر بالإجماع ، لا نزاع في ذلك ، كما نقل الإجماع الإمام عبد الله بن شقيق ونقل الإجماع المَروَزِي ، ونقل الإجماع إسحاق ، ونقل الإجماع الإمام ابن حزم وغيرهم من أهل العلم رحمهم الله تعالى ، والإجماع مجزى ، صحيح في هذه القضية أن الصحابة ليس بينهم خلاف في كفر تارك الصلاة . فقول أهل الإرجاء أو قول غلاة المرجئة ، لأن المرجئة أقسام غلاة وغير غلاة ، لأن بعض المرجئة وهم غير الغلاة يقولون يكفر بهذه الأمور لكن ليست مكفرة بذاتها ، ولكن لأنها دلالات على عدم التصديق لكن غلاة المرجئة يقولون: لا يكفر إلا بالجحد . وهذا ليس له أصل في الكتاب ولا في السنة، والإجماع منعقد على خلاف هذا القول الشاذ الذي لا يدل عليه لا كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا عقل . الأدلة كلها دالة على خلاف هذا القول الباطل ، هذا النوع الأول من الألفاظ والأقوال الصريحة . النوع الثاني: منه ما هو محتمل الدلالة فلابد حينئذٍ من تبيِّن من قصد الفاعل ، لكن ينبغي التنبه ليس هذا مطَّرداً من كل مسألة من ذلك السجود كما تقدم فقد يسجد لغير الله تعبَّداً فيخرج عن الإسلام . وقد يسجد تحية فيكون آثماً بالاتفاق ولكن لو سجد للصنم متجهاً لغير القبلة لكان كافراً مرتداً ، لأن هذا غير محتمل ، فهناك فرق بين أن يسجد للصنم ، الصنم لا يمكن أن يسجد للصنم تحية هذا كفر غير محتمل ، لكن السجود للرجل الكبير قد يتصور أن يسجد تحية فهذا يختلف عن هذا . فإن هذا السجود ـ أي السجود للصنم ـ على هذا الوجه غير محتمل وهذا لا إشكال فيه . ومن المحتمل أيضاً إلقاء المصحف في النار ، تقدم أن إلقاء المصحف في القاذورات كفر بالإجماع وهذا كفر غير محتمل . من الكفر المحتمل أن يلقي المصحف في النار فهذا محتمل ، يحتمل أنه مستخف بالمصحف قرينة ذلك أن يكون غلاف المصحف جيداً . فماذا يعني أن يلقيه في النار ، هذا مستخف . النوع الثاني: أن يكون المصحف قد بليت أوراقه وأراد أن يحرِّقه فقد يحتمل هذا بناء على أن عثمان أمر بتحريق وحرَّق المصاحف . فقد يكون عندي مصحف قد بَليت أوراقه فأردت أن أضعه في النار إذاً لا يمكن التكفير بِأَن من ألقى المصاحف في النار فنقول هذا مستهين بالمصحف ، فقد يريد أن يحرقه لئلا يمتهن ولئلا يُداس في الأرض ، ولئلا تطأه الأقدام وقرينة ذلك أن يكون المصحف قد بليت أوراقه فهذا لا يكفر بإجماع المسلمين . ولكن ينبغي التنبه والتركيز على قضية ما كان محتمل وبين ما لم يكن محتملاً . لأن بعض الناس يقول كل عبادة ثبتت لله جل وعلا فصرفها لغير الله على وجه التعبد شرك أكبر ، وماعدا ذلك شرك أصغر وهذا باطل ، لأن هذا صحيح أنه شرك أكبر ، لكن لا يعني أن ما لم يُفعل على وجه التعبد يكون شركاً أصغر . فإن الإنسان لو أُستأجر على أن يسجد لهذا الصنم فسجد طمعاً في المنصب والمال ، طبعاً ما عبد الصنم عبادةً يقصر التعبد له ألا يكفر بذلك ؟! يكون مرتداً بهذا العمل . فإذا أتى المسؤول وأمر من تحتِ يده أن يسجد لهذا الصنم على أن يُعَينه على المرتبة الفلانية ... ؟! أو على أن يصرف له معاشه فنقول في هذه الحالة: مشرك الشرك الأكبر ، ولو قال أنا ما عبدت الصنم. 117- إذا قال العبد : إن سب الله وسب رسوله كفر ، وإن الطواف حول القبور كفر وإن السجود للأصنام كفر ، لأن هذا دلالة على عدم التصديق . نقول هذا من المرجئة . وإذا قال : إن سب الله وسب رسول الله لا يكفر ما لم يستحل . فنقول هذا من غلاة المرجئة . [ الشريط الرابع عشر ] 118- الظن يطلق على معاني: يطلق على اليقين كقوله تعالى: الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم أي يستيقنون أنهم ملاقوا ربهم ، ويصلح إطلاق اليقين هنا على معنى العلم ، أي يعلمون علم اليقين أنهم ملاقوا ربهم . ويطلق الظن على تجويز أمرين أحدهما أقوى من الآخر . ويأتي بمعنى الشك وهو التردد في الشيء كالذي يظن أي يشك أن الرب لا يسمع له أو يستيقن أن الرب لا يسمع له . فهذا قد ظن بالله ظن السوء ، وهذا الظن كفر لأنه إنكار لسمع الله . وإنكار لقدرة الله ، بل هذا الظن يتضمن ثلاث مفاسد : المفسدة الأولى: نفي صفات الكمال المطلق عن الله . المفسدة الثانية: أنه يناقض أسماء الله وصفاته . المفسدة الثالثة: أنه تنقص لمقام الألوهية والربوبية . 119- المعتزلة فإنهم يقولون: إن الله عليم بلا علم ، سميع بلا سمع ، بصير بلا بصر ، وهذا باطل ولا يصح تصوره في العقل ، لأنه لا يمكن أن يقال إن الله سميع بلا سمع ، ولا عليم بلا علم ، فكيف كان عليم إذا كان بلا علم ولا رحيم بلا رحمة ، ولا بصير بلا بصر ، هذا لا يمكن أن يقال به . والكتاب والسنة يردان هذا القول أي يبيِّنان بطلانه . فإن الله جل وعلا سميع ويسمع ، بصير ويبصر ، عليم ويعلم وعلمه أحاط بكل شيء . وهو العليم أحاط علماً بالذي في الكون من سرٍ ومن إعلان وبكلِ شيءٍ علمه سبحانه فهو العليم وليس ذا نسيان 120- الأمثال المذكورة في القرآن لا يعقلها إلا العالمون ، كما قال تعالى: في سورة العنكبوت وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون وقد كان بعض السلف يبكي إذا قرأ مثلاً ولم يفهمه ويقول لست من العالمِين . وقد ذكر الله في القرآن بضعةً وأربعين مثلا ، والمقصود من هذه الأمثال تأكيد معنى أو بيان غاية ، وتقريب الشيء من الشيء والمعقول من المحسوس أو أحد المحسوسين من الآخر أو غير ذلك . والناس يتفاوتون في معرفة الأمثال والمقصد من المثل ، وفوائد المثل ، على حسب علومهم وفهومهم وإيمانهم ، وعنايتهم بهذا الشيء ، فإن العبد إذا جعل من نفسه عناية بهذا العلم تحصل له شيء كثير عظيم ولاسيما الأمثال في القرآن . وللإمام ابن القيم شرح على الأمثال في القرآن وهو مطبوع في كتاب مستقل (( الأمثال في القرآن )) وابن القيم ما ألفه كتاباً مستقلاً ولكن استخرج فيما بعد ووضع في كتاب مستقل ، فحريٌ بطالب العلم أن يقرأ هذا الكتاب وأن يتأمل فيه ، وأن ينظر فيه ليعقل عن الله أمره . 121- قال تعالى: يا أيها الناس ضرب مَثلٌ فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً... الآية قال الشارح : وهذه المثل عظيم ، وهو من أعظم الأمثلة الواردة في القرآن لقطع عروق الشرك ، فحقيق على كل إنسان أن يتأمل هذا المثل ، ويتدبره ، ويعيه ويعرف معناه فإنه مبطل لكل شرك . فالآلهة التي يعبدها المشركون من دون الله لن تقدر على خلق ذباب واحد ولا تقدر على مقاومته لو سلبها شيئاً من الذي عليها من الطيب ونحوه . وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله تعلى عن هذا المثل وقال: وهذا المثل من أبلغ من ما أنزله الله سبحانه في بطلان الشرك ، وتجهل أهله وتقبيح عقولهم والشهادة على أن الشياطين تتلاعب بهم أعظم من تلاعب الصبيان بالكره . قوله ( ضعف الطالب والمطلوب ) :- الطالب: هو الصنم ، والمطلوب: الذباب وهذا قول ابن عباس وطائفة من المفسرين ، وقيل الطالب : العابد ، والمطلوب: الصنم ونحوه . والصحيح أن اللفظ يتناول هذا وذاك ، فعاجزٌ متعلق بعاجز ، ففيه تسوية بين العابد والمعبود الباطل ، أو بدون حق في الضعف والعجز ولهذا قال جل وعلا ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز . [ الشريط الخامس عشر ] 122- أهل العلم يختلفون في تقعيد أسباب الضلال: وقد يقال بأن هذه الأمور نسبية ، قد يكون من أسباب الضلال عند القدرية كذا وكذا ، ولكن يكون من أسباب الضلال عند الأشاعرة كذا وكذا مغايراً لأسباب الضلال الموجودة عند القدرية . ولكن في الجملة أسباب الضلال عند كل طائفة لا تختلف طائفة عن أخرى ، هي عدة أمور: الأمر الأول: قلة الفهم لكلام الله عز وجل وكلام رسوله . الأمر الثاني: تعظيم الرأي ، وتعظيم العقل حيث يعطى فوق قدراته وفوق طاقته كما صنعت المعتزلة والأشاعرة حين قدموا العقل على النقل . ونحن نعلم أن العقول تتفاوت يتفاوت إدراكُها ، يتفاوت تنظيرها بتفاوت فهمها ، ولو لم تتفاوت العقول ما اختلف البشر . الأمر الثالث: الهوى ، فإنه يصد عن الحق ، وهو من أعظم أسباب الضلال و الانحراف في الأمور العقدية وغيرها . وهذه الأمور تقل عند أُناس وتكثر عند آخرين ، ولا يمكن تطبيقها على كل فرد ، أو إتهام كل فرد منحرف بمثل هذه الأمور ، لكن هي في الجملة من أسباب الضلال والانحراف . وقد يرجع ضلال هؤلاء وانحرافهم إلى الأمرين اللذين ذكرهما المؤلف الأول: ظنهم بالله ظن السوء ، فمقلٌ من ذلك ومستكثر . الثاني: أنهم لم يقدروا الله حق قدره كما قال الله جل وعلا: ما قدروا الله حق قدره إن الله لقويٌ عزيز , وكما قال تعالى: وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطوياتٌ بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون . 123- الجهمية ينفون محبة الله ، ويقولون: بأن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً ، ولم يكلم موسى تكليما . زعم ذلك إمامهم الجعد بن درهم ، وحين اشتهرت مقالته في الآفاق ، انتدب لرد كيده وضلاله أئمة الهدى ومصابيح الدجى فبيَّنوا هذا الضلال وهذا الانحراف ، وحين لم يجدي فيه هذا الأمر وكابر فيما دلت عليه الأدلة السمعية وتجاوبت معه الفطر ، قام عليه خالد القسري ، وقام في الناس خطيبا وقال: (( يا أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم ، فإني مضحٍ بالجعد بن درهم ، فإنه زعم أن الله ما اتخذ إبراهيم خليلاً ولا كلم موسى تكليماً )) وإلى هذا المعنى أشار ابن القيم رحمه الله في نونيته بقوله: وقد ضحـى بجعد خالـد الــ قسـري يـوم ذبـائح القـربـانِ إذ قـال إبـراهيم لـيـس خليله كـلا ولا موسـى الكليم الــدانِ شـكر الضحية كل صاحـب سنةٍ لله درك مــن أخــي قـربـانِ وأسانيد قتل خالد القسري للجعد بن درهم فيها جهالة ، غير أن هذه الحكاية مشهورة ، وقد رواها بالإسناد الإمام الدرامي رحمه الله في الرد على الجهمية ، وهو قريب العهد من ذلك ، وتارة الشهرة والاستفاضة وتلقي الحفاظ لمثل هذه الأمور مغني عن الأسانيد . 124- قال المؤلف : (ولا قدره حق قدره من قال: إنه رفع أعداء رسوله وأهل بيته ، وجعل فيهم الملك ، ووضع أولياء رسوله وأهل بيته ، وهذا يتضمن غاية القدح في الرب ، تعالى الله عن قول الرافضة . وهذا مشتق من قول اليهود والنصارى في رب العالمين إنه أرسل ملكاً ظالماً فادعى النبوة وكذب على الله ومكث زمناً طويلاً يقول أمرني بكذا ونهاني عن كذا ويستبيح دماء أنبياء الله وأولياءه وأحبابه والرب تعلى يظهره ويؤيده ويقيم الأدلة والمعجزات على صدقه ويقبل بقلوب الخلق وأجسادهم إليه ويقيم دولته على الظهور والزيادة ويذل أعداءه أكثر من ثمان مئة عام . فوازن بين قول هؤلاء وقول إخوانهم من الرافضة تجد القولين سواء . ) قال الشارح : ومشابهة الرافضة لليهود لا تقتصر على هذا الموضع ، ولا على هذا التشابه ، فالأمر أكبر من ذلك ، وأوجه التشابه كثيرة جداً . ولا عجب في ذلك فالمذهب الرافضي أو الدين الرافضي قد وضعه اليهود ومن أوجه التشابه أن الرافضة يضاهون اليهود الذين قذفوا مريم بنت عمران بالفاحشة بقذف عائشة أم المؤمنين المبرأة في كتاب الله ومن ذلك اليهود ينسبون الندم والحزن إلى الله وأن الله لا يعلم ما سيؤول إليه الأمر ، والرافضة ينسبون البدء لله وهو عقيدة من عقائدهم وهذا يقتضي نسبة الجهل لله تعالى . وأوجه التشابه بين هذا المذهب الملعون وبين قول اليهود واضح . 125- قوله تعالى : أن لا تعبدوا الشيطان قيل بمعنى: أن لا تطيعوا الشيطان فالعبادة هنا بمعنى الطاعة كما قال تعالى: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له . اتخذوا أحبارهم بحيث يطيعونهم في تحليل الحرام وتحريم الحلال ويتابعونهم على ذلك . : ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم ... وقد أمرهم الله جل وعلا بطاعته وتوحيده فاجتالتهم الشياطين عن ذلك فأطاعوهم في تحليل الحرام وتحريم الحلال . وقال تعالى: قل يا أيها الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون . وقد فسرت هذه الآية أن لا تعبدوا إلا الشيطان بأن العبادة حقيقية وقد شهد على ذلك الواقع . فمنذ بضعة أعوام وُجِد في بعض البلاد العربية ، وذكرت ذلك الصحف ، ونشر عبر وسائل الإعلام أن هناك ، جماعات يعبدون الشيطان حقيقة فيتصورونه ويتمثلونه ويعبدونه . فهذا يبين لنا أن الآية تشمل النوعين . فقولـه: أن لا تعبدوا الشيطان بمعنى أن لا تطيعوا الشيطان وبمعنى أن لا تعبدوه بحيث تستجيبون لأمره وتركعون له وتسجدون وتذبحون له ، وتنذرون له وتتخيلونه وتتصورونه وتجعلونه إلهاً دون الله أو مع الله . [ الشريط السادس عشر ] 126- الأمر في كلام الله للوجوب والأمر في كلام الرسول للوجوب ، والأمر في كلام عامة الناس للالتماس والطلب . وفي المراقي قال: وافعل لـدى الأكثر للـوجـوب وقـيـل للـنـدب أو المطلـوب وقـيـل للوجـوب أمـر الرب وأمـر مـن أرسـلـه للـنـدب 127- العبادة تطلق على التوحيد وتطلق على الدين ، ومن أجمع ما قيل في تعريف العبادة أنها اسم جامعٌ لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة . وأركان العبادة اثنان: الركن الأول: غاية الحب الركن الثاني: الذل وعبادة الـرحمـن غـايـةُ حـبه مـع ذل عـابـده همـا قطـبـان وعليهما فلك العـبادة دائـــرٌ مــا دار حـتى قامــت القطبان ومـداره بالأمـر أمــر رسوله لا بالهــوى والنفـس والشيـطان ومن وجه آخر يقال أركان العبادة ثلاثة: الحب والخوف والرجاء . فمن عبد الله بالخوف وحده فهو حروري ، ومن عبد الله بالرجاء وحده فهذا مرجئ ، ومن عبد الله بالحب وحده فهو زنديق ، ومن عبد الله بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد . وشروط العبادة اثنان : الشرط الأول: الإخلاص لله رب العالمين ، والإخلاص هو إرادة وجه الله ، قال تعالى: إنما نطعمكم لوجه الله ، وقال تعالى: وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين . الشرط الثاني: المتابعة ، فمن أخلص لله ولم يتابع نبيه فعمله مردود ، ومن تابع نبيه ظاهراً ولم يخلص لله رب العالمين فعمله باطل . 128- وصى النبي معاذ بن جبل فقال: ( يا معاذ ، والله أني أحبك فلا تدع أن تقول في دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ). وهذا الحديث رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي ، والحاكم وصححه ، وابن حبان وصححه من طُرق . عن المقرئ قال حدثنا حيوة بن شريح قال سمعت عقبة بن مسلم التُجيببي يقول حدثني أبو عبد الرحمن الحُبُلي عن الصُنابحي عن معاذ بن جبل وهذا إسنادٌ صحيح . 129- قوله : (( يا معاذ والله إني أحبك )) فيه جواز الحلف على الأمور المهمة ، بل يؤخذ من هذا مشروعية الحلف على الأمور المهمة ، وفيه جواز الحلف من غير استحلاف .و قوله : (( إني أحبك )): فيه أن من أحب أخاه فليعلمه وليقل له أخوه أحبك الله الذي أحببتني فيه . 130- قوله : (( فلا تدع أن تقول في دبر كل صلاة )) أي فلا تترك أن تقول في دبر كل صلاة ، يحتمل هذا أحد معنيين: المعنى الأول: أن يقول بعد السلام ، فيطلق الدبر على ما بعد الشيء وهذا قول طائفة من فقهاء الشافعية والحنابلة وغيرهم . المعنى الثاني: أن دبر الشيء هو آخر جزء منه ، فإن دبر الحيوان آخر جزء منه ولم يفارقه ، وحينئذٍ يقول هذا الدعاء بعد التشهد قبل السلام ، وهذا اختيار أبي العباس شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله والصواب هو القول الثاني في المسألة . 131- ذكر ابن القيم رحمه الله في المدارج عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: قال: (( تأملت انفع الدعاء فإذا هو سؤال العون على مرضاته ثم رأيته في فاتحه الكتاب إياك نعبد وإياك نستعين )) . 132- قال تعالى: كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا أي منقوصا قاله قتادة وغيره ، وقال الحسن وغيره أي ممنوعا . 133- جاء في مسند الإمام أحمد من حديث علي بن علي الرفاعي عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري أن النبي قال: ( ما من مسلم يدعو بدعاء ليس فيه إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بإحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته ، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها يدخرها له إلى يوم يلقاه قالوا: (( إذاً نكثر )) قال: (( الله أكثر )) . فإن قيل ما الجمع بين قوله : ( ما من مسلم يدعو بدعاء ليس فيه إثم ولا قطيعة رحم ) وبين قول المؤلف (( وأبغض خلقه إليه إبليس ومع هذا أجاب سؤاله وقضى له حاجته ؟!)) فالجواب: أن إبليس سأل الإنظار وهذا ليس حراماً ، فمن سأل الله أمراً مباح فأجيب لا يعني أن هذا فيه خيرٌ له وتوفيق وسداد ، فقد يكون هذا عوناً على معصيته . وتركاً لطاعته وزيادةً في غيه . فلا تنافي بين قوله وبين أن الله جل وعلا أجاب إبليس فمن دعا الله بإثم لا يستجاب دعاؤه ولكن قد يلح على الله في أمرٍ مباح فيستجيب الله جل وعلا له ذلك ، ولا يكون هذا سبباً للخير ولا زيادة في الطاعة . 134- من تأمل في الآيات والأحاديث الواردة في القدر عَلِمَ هذه الأسرار العظيمة وفهم هذا الباب فهماً عميقاً . قال : ( فما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف ) . قال تعالى: ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير أي من قبل أن نخلقها . وقال تعالى: قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا . وليس معنى هذا الاستسلام للقدر ، فالمؤمن الذي يدفع القدر بالقدر ، يدفع حرارة الشمس بإتقاءها ، ويدفع برودة الشتاء بإتقاءها ، ويدفع الموت بالاتقاء عنه ، ويدفع النار بالابتعاد عنها ، يدفع السقوط من مكانٍ عالي بالتحرز ، يدفع القدر بالقدر . أما الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي فهذا ضلال عظيم عـنـد مـراد الله تفـنى كميتٍ وعند مـراد النفس تسجي وتلحمُ وعند خـلاف الأمر تحتج بالقضاء ظهيراً علـى الرحمـن بالجبر تزعمُ 135- روى أهل السنن من حديث ذر عن يُسيع الحضرمي ويقال الكندي عن النعمان بن بشير أن النبي قال: ( الدعاء هو العبادة ) وقرأ وقال ربكم أدعوني أستجب لكم . .وورد في الحديث الآخر (( الدعاء مخ العبادة )) رواه أحمد وغيره وفي إسناد عبد الله بن لهيعة وهو سيء الحفظ . و ( الدعاء هو العبادة ) أعم وأشمل معنى . 136- قوله تعالى : فأما الإنسان إذا ما ابتلاه : الـ(ما) هنا ، صلة تسمى عند النحاة زائدة ، وليس معنى الزائد عند النحاة الذي لا قيمة له ولا فائدة من وجوده كما يتصوره ذلك بعضهم ، فهذا غلط لا يقوله أحدٌ من النحاة ولا من غيرهم . ودائماً تعرب (( ما )) بعد (( إذا )) بالصلة أي زائد . يا طالـب العلم خـذ فـائـده مــا بــعــد إذا زائــده 137- الحديث المشهور أن النبي قال: ( إن الله قسم بينكم أخلاقكم ، كما قسم بينكم أرزاقكم ، وإن الله يعطي المال من يحب ومن لا يحب ، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب ) . رواه الحاكم ورواته ثقات ، وقد أُعل بالوقف ، وهذا قول الإمام الدار قطني رحمه الله في كتابه العلل . فقد صحح وقفه على عبد الله بن مسعود . 138- الأصول التي تبنى عليها السعادة هي ثلاثة لكل واحدٍ منها ضد: الأول: التوحيد وضده الشرك . الثاني: السنة وضدها البدعة . الثالث: الطاعة وضدها المعصية . 139- السعادة الدنيوية والأخروية جمعت في آية واحد إياك نعبد وإياك نستعين . وقد قال ابن القيم رحمه الله تعالى في المدارج (( وسر الخلق والأمر والكتب والشرائع والثواب والعقاب انتهى إلى هاتين الكلمتين وعليهما مدار العبودية والتوحيد ، حتى قيل: أنزل الله مائة كتاب وأربعة كتب جمع معاينها في التوراة والإنجيل والقرآن ، وجمع معاني هذه الكتب الثلاثة في القرآن وجمع معاني القرآن في المفصل ، وجمع معاني المفصل في الفاتحة في إياك نعبد وإياك نستعين )) . وهذا اجتهاد منه رحمه الله ، ولم يثبت في الأدلة الصحيحة عدد الكتب وبعض هذا الكلام استنباط ، والمقصود بيان ما تضمنته هاتان الكلمتان من عظيم المعاني وكبير الفوائد ، وقد دلت الآية على أصول السعادة كما تقدم توضيحها . [ الشريط السابع عشر ] 140- القدر قال عنه الإمام أحمد رحمه الله تعالى: (( هو قدرة الرحمن )) ومعنى قدرة الرحمن أي لا يمنع من قدر الله شيء . وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في نونيته:- وحقيقة القدر الـذي حـار الورى في شـأنـه هـو قـدرة الـرحمن واستحسن ابـن عقيل ذا من أحمدٍ لما حكـاه عـن الـرضـا الربـاني وقال الإمـام شفى القلـوبَ بلفظةٍ ذات اختصار وهـي ذات بـيـانِ 141- من ثمرات الإيمان بالقدر :- 1- أنه طريق التخلص من شرك المجوس ، وأنه يزيد في الإيمان ويكتسب في ذلك قوةً وثباتاً وشجاعةً وإقداماً على الحق ، لأنه يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطئه لم يكن ليصيبه . 2- والقدرة على مواجهة الصعاب والابتعاد عن الجزع.3- اكتساب التوكل واليقين ، ومن كان إيمانه بالقدر خيره وشره أتم كان توكله ويقينه أكمل .4 - الإخلاص لله رب العالمين لأنه يعلم ما قُدِّر له سوف يأتيه ، وأن التطلع إلى مدح الآخرين لا يجدي ولا يغني عن صاحبه شيئا . 5- أنه طريق التخلص من أمراض القلوب من الحسد وغيره.6- عدم اليأس من مواجهة الصعاب والإيمان بانتصار الحق ولو تكالب عليه الأعداء ، فإن وعد الله حق ، ومهما تمهدت سُبل الضلال ومهما قويت شوكته وعلت أصوات أهله ، فإن الحق سوف ينتصر وسوف يكسر شوكة أهل الباطل ، وسوف يذل أهل الفساد ويرغم أنوفهم . 7- إحسان الظن بالله جل وعلا وقوة الرجاء وفيه غير ذلك . 142- قول ابن عباس رضي الله عنهما: (( الإيمان بالقدر نظام التوحيد فمن آمن بالله وكذَّب بقدره نقض تكذيبه توحيد )) . رواه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب السنة ، والآجري واللالكائي وابن بطه في الإبانة ، وغيرهم من طريق سفيان الثوري عن عمر بن محمد رجل من ولد عمر بن الخطاب عن رجل عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وهذا إسناد فيه إبهام ولا يصح . 143- صح عند أبي داوود وابن ماجه وأحمد وغيرهما من طريق أبي سنان عن وهب ابن خالد عن ابن الديلمي فيما يرويه عن ابن مسعود وأُبي بن كعب أن النبي قال: ( لو أنفقت مِثل أحدٍ ذهباً في سبيل الله ما قبله الله تعالى منك حتى تؤمن بالقدر ، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك ). 144- المؤلف يقول (( ولو توكل العبد على الله حق توكله في إزالة جبل عن مكانه لأزاله )) ولفظ الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في المدارج: (( ولو توكل العبد على الله حق توكله في إزالة جبل عن مكانه كان مأموراً بإزالته لأزاله )) والفرق بين المعنيين واضح وظاهر . فالمؤلف رحمه الله تعالى حذف لفظه (( كان مأموراً بإزالته )) ، والإمام ابن القيم رحمه الله تعالى ذكرها ، وبدونها يتغير المعنى بل ويفسد ، لأن ليس من التوكل على الله في شيء أن يحاول إزالة ما لا يمكن إزالته إلا إذا كان مأموراً بإزالته ، أو مما يمكن في دنيا الواقع إزالته . فابن القيم يقول: (( وكان مأموراً بإزالته )) أي: مما يجوز إزالته ، ومما يساعد على ذلك الأمر الواقع . قال الناظم: ومكلف الأيام ضـد طـباعها متطلب في المـاء جــذوة نــار وهذا القيد (( وكان مأموراً بإزالته )) أهمله المؤلف وهو ضروري في صحة المعنى ويحتمل قول ابن القيم رحمه الله تعالى: (( وكان مأموراً بإزالته )) معنى آخر ، وأن المأمور يقصد به المشروع ، وهذا يشمل غير معنى أيضاً . 145- سئل الإمام أحمد رحمه الله تعالى عن التوكل فقال: (( التوكل عمل القلب )) وقد قال العلماء بأن التوكل لا ينقسم إلى أقسام لأنه عمل القلب ، فلا يصح التوكل إلا على الله جل وعلا ، ولا يصح أن تقول للمخلوق (( توكلت عليك )) بل تقول: (( وكَّلْتُك )) لأن التوكل هو التفويض والاعتماد وهذا على وجه الإطلاق لا يصح إلا لله الواحد القهار . قال تعالى: وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين وقال تعالى: ومن يتوكل على الله فهو حسبه وقال تعالى: وتوكل على الحي الذي لا يموت .وقد منع غير واحد من العلماء أن تقول: (( توكلت على الله ثم عليك )) لأن التوكل عمل القلب ولا يصح في هذا الباب الإتيان بـ(( ثم )) المقتضية للترتيب والتراخي . ولا بأس أن تقول (( ما شاء الله ثم شئت )) ، والمشيئة تختلف عن التوكل لأن التوكل عمل القلب ولا يصح إلا الله ، وفيه من أجاز هذه المسألة وأجاز أن تقول: (( توكلت على الله ثم عليك )) وهذا فيه نظر ، لأن التوكل عمل القلب ، فلا يصح التوكل على المخلوق ، فلا يصرف التوكل إلا لرب العالمين ، وهذا من الخصائص التي لا يَشْرَكه فيها المخلوق ولو أتى بـ(( ثم )) . وعلى أقل تقدير في هذا الباب فالأحوط الامتناع عن هذه اللفظة والابتعاد عنها تحقيقاً لمقام التوحيد ، وتأدباً واستبراءً للسان والقلب مما يؤثر عليهما من الألفاظ التي قد تكون غير مقصودة للمتكلم والمتحدث ، ولكن مراعاة ذلك أمرٌ مطلوب ، والتأدب بالألفاظ أمرٌ مطلوب . 146- التقوى الحقيقية تمنع وتقي من فعل المعاصي وتأمر بفعل الطاعات حين قال بعض العلماء المتأخرين إن الناس كَثير فيهم الإرجاء . استدرك عليه آخرون وقالوا: هذا ليس بصحيح ، لأن الإرجاء فرقة كسائر الفرق بالنسبة لأهل السنة أقل كفرق الأشاعرة وهذا فيه نظر . الصواب: الكلام الأول هو الصواب ، لأن الإرجاء موجود حتى عند كثير من العامة ، فحين يلازمون المعاصي ويدعون بعض الطاعات ويقول: التقوى هاهنا ؟! كأنهم يشيرون إلى أن الإيمان هو مجرد اعتقاد وهذا غلط وعلى أقل تقدير يكون الغلط لفظياً ، وهذا يعتبر إرجاء لفظياً ، وعلى أقل تقدير نجعله بمنزلة إرجاء الفقهاء ، إذاً في العامة شيء من الإرجاء على هذا الاعتبار . وأمرٌ آخر: حين يفعل المعاصي ويحتج بالتقوى بأنها في القلب هذا هو مذهب المرجئة الذين يقولون لا يضر مع الإيمان ذنب ، كأنه يقول: لا يضر هذا العمل ، ولا تضر هذه المعصية لأن التقوى هاهنا ؟! مادام فيه تقوى هاهنا فإن هذا الذنب لا يضر ، طيب أي تقوى هاهنا ؟! فإن حقيقة التقوى أن تفعل المأمور وتجتنب المحظور ، أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجوا ثواب الله ، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله ، هذه حقيقة التقوى . ومنه نعرف أن كثير من العامة فيهم إرجاء . 147- قوله تعالى : ومن يتق الله التقوى: فعل المأمور واجتناب المحظور ومن يتقِ الله فعل الشرط ، يجعل له مخرجا قال ابن عباس: (( ينجيه من كل كرب في الدنيا والآخرة )) ولكن لا يتأتَّى جواب الشرط إلا بتأتِّي فعل الشرط . 148- قال النبي : ( إذا استعنت فاستعن بالله ) رواه الترمذي وغيره من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وإسناده صحيح . [ الشريط الثامن عشر ] 149- من أحب أن يمدح لا يمدح ومن أخلص لله مدح ، وحقٌ على الله أن لا يرتفع شيء من أمر الدنيا إلا وضعه الله . ومن هنا كان أئمة السلف كانوا يحرصون على الإخلاص ولا يراؤون الناس بأعمالهم لأن الرياء نوع من النفاق ، قال تعالى: يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً وفي الأدلة الثابتة عن الصحابة أروع الأمثلة في هذا الباب . وتأمل هذا في حال أئمة التابعين ومن جاء بعدهم إلى يومنا هذا من المخلصين الورعين . عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى ورد عنه أنه قال: (( وددت أن الخلق أطاعوا الله وأن لحمي قد قُرِّضَ بالمقاريض )) . ويُروى عن الإمام الشافعي أنه قال: (( وددت أن الناس أخذوا عني هذا العلم ولم ينسب إليَّ منه شيء )) . وفي صحيح الإمام مسلم أن حصين بن عبد الرحمن قال: (( أما إنِّي لم أكن في صلاة ولكني لُدِغت )) ، حين قيل له: (( أيكم رأى الكوكب الذي انقضَّ البارحة ؟! )) . قال حصين بن عبد الرحمن: (( أنا أما إني لم أكن في صلاة )) نفى عن نفسه توهم العبادة لئلا يُمدح بما ليس فيه . تأمل في حال عبد الله بن المبارك حين وُضع مالٌ كثير لمن قتل رئيس وقائد الكفار فتلثَّم عبد الله بن المبارك وقتله ولم يعلم به أحد سوى من رآه وناشده الله أن يكتم عليه ولم يُعلم بذلك حتى مات . وتأمل في حال عبد الله بن المبارك حين فقد أحد طلبته فسأل عنه ، فقيل: إنه محبوس في دين ، فذهب إلى غريمه وقضى عنه دينه وناشده أن يكتم عليه ولا يخبر بذلك أحد ، وكان المال أكثر من عشر آلاف درهم ، وحين خرج فسأل عنه عبد الله ، قال: أين أنت ؟! قال: كنت محبوساً في دين فأتى رجل صالح فقضى ذلك عني ، قال: ألا تدلنا عليه لنكافئه ونجازئه ، قال: لا أعرفه . 150- أفاد الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه الفوائد حين تحدث على قول الله جل وعلا: وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ، أفاد أن هجران القرآن أنواع بخلاف ما يتخيَّله الكثير بأن من قرأ حروفه فقد أدى واجبه ، ومن أهمل قراءة حروفه فهذا هو الذي هجر القرآن حق الهجر . هجران القرآن أنواع:- النوع الأول: هجران تلاوته . النوع الثاني: هجران العمل به ، وهجران العمل به أعظم من هجران تلاوته ، فكم من قارئ للقرآن والقرآن يلعنهُ ، يقرأ ألا لعنة الله على الظالمين الكاذبين وهو يكذب ويظلم ويفتري الكذب على الله وعلى الرسول . النوع الثالث: هجران التحاكم إليه . النوع الرابع: هجران التشافي به ، وفيه غير ذلك . 151- روى الإمام مسلم في صحيحه من طريق عبد الله بن جعفر الزهري عن سعد بن إبراهيم عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها أن النبي قال: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) .وجاء في الصحيحين من طريق إبراهيم بن سعد عن أبيه عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي قال: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) . والبدعة: هي الإحداث في الدين بدون دليل ، ويقال: هي عبارة عن طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه . ومن القواعد في هذا الباب: كل أمر انعقد سببه في عهد النبي أو في عهد الصحابة ولم يفعلوه مع إمكانية فعله فعمله بدعة ، سواء كان وسيلة أو غاية . فإن قيل يلزم من هذا أن تكون وسائل الدعوة توقيفية ، فيقال: إن وسائل الدعوة نوعان: 1- نوع توقيفي . 2- نوع غير توقيفي . فمن أطلق القول فقال بأن وسائل الدعوة توقيفية فقد غلط ، ومن أطلق القول فقال: إن وسائل الدعوة غير توقيفية فقط غلط . والصواب في هذا التفصيل فيقال:- النوع الأول: إذا كانت هذه الوسيلة وجد سببها في عهد النبي ووجد مقتضاها فلم يفعلها مع القدرة على فعلها وتركها فحينئذ يجب تركها والعمل بهذه الوسيلة يعتبر بدعة ، لأنه إحداث في الدين بدون دليل . النوع الثاني: أن تكون هذه الوسيلة لم يقم مقتضاها ولم يرد سببها فحينئذ لا تكون هذه الوسيلة توقيفية كمكبرات الصوت والأشرطة الدينية وغير ذلك . وقد يرد سببها ويقوم مقتضاها ولا يمكن فعلها يدخل في ذلك الأشرطة الدينية ومكبرات الصوت وغير ذلك . 152- مسألة ، فهل يثاب المبتدع على بدعته ؟ أطلق القول في ذلك جماعة من العلماء فقالت طائفة: بأن المبتدع لا يثاب بدعته . وقرأت كلاماً لبعض المتأخرين فقال: بأن المبتدع يثاب على بدعته . والصواب: لا هذا ولا ذاك ، الصواب التفصيل في هذه القضية فيقال: إن العمل لا يثاب عليه أحد لأنه عمل مبتدع ، والبدعة لا يثاب عليها صاحبها ولكن قد يُثاب ، وهذا الثواب يكون على الاجتهاد لا على البدعة ولكن هل هذا يتأتى في حق كل أحد ؟ الجواب: لا ، لأنه لا بد أن يكون اجتهاده ناتجاً عن استقرار للأدلة وعن بذل الوسع لأن الاجتهاد هو بذل الوسع ، أما إذا كان عن إعراض عن الشرع وإعراض عن الأدلة ومصادمة للنصوص فهذا مأزور غير مأجور ، واجتهاده باطل ويُرد عليه اجتهاده ، لأن هذا ليس أهلاً للاجتهاد . يثاب على الاجتهاد من كان أهلاً للاجتهاد واستفرغ وسعه وطاقته في الوصول إلى الحق فهذا الذي يَقْدر عليه فيثاب على هذا الاجتهاد ولا يثاب على هذه البدعة . 153- قال بعض العلماء: خلق الله جل وعلا أقواماً لطاعته وناره وهم المراءون بأعمالهم حيث يعملون وإلى النار ، وخلق الله أقواماً لطاعته وجنته وهؤلاء الرسل وأتباعهم إلى يوم الدين ، وخلق الله أقواماً لا لطاعته ولناره وهذا كإبليس وأشباهه ، وخلق الله أقواماً لا لطاعته ولجنته وهؤلاء أطفال المسلمين والذين أسلموا وقتلوا قبل أن يعملوا كالأصيرم واسمه عمرو بن ثابت حين شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله قُتل فدخل الجنة ، قال : ( عَمِلَ قليلاً وأُجِر كثيرا ) الحديث رواه أحمد وغيره بسند جيد. 154- قال ابن مسعود : (( كم من مريد للحق لم يصبه )) رواه الدارمي وغيره بسند قوي. 155- من جميل كلام الإمام أحمد رحمه الله: (( من دعاك إلى غير الزواج فقد دعاك إلى غير الإسلام )) وقال رحمه الله تعالى: (( ليست العزوبة من الإسلام في شيء )). 156- القتال للمغنم فيه تفصيل: إذا كان لا يقاتل إلا من أجل المغنم فقط فهذا لا أجر له ، فإن النبي قال: ( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ) حين سُئل الرجل يقاتل للذكر والرجل يقاتل للمغنم والرجل يقاتل ليُرى مكانه ، أي ذلك في سبيل الله ؟! أتى النبي بجواب جامع فقال: ( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ) متفق على صحته من حديث أبي موسى الأشعري . وأما من قاتل لأجل الله جل وعلا ومن أجل المغنم فهذا ينقص ثوابه ولا يبطل بالكلية وعليه يُحمل الحديث المشهور الذي رواه مسلم من طريق أبي عبد الرحمن الحُبلي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي قال: ( ما من غازية تغزوا في سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم وبقي لهم الثلث ، وإن قاتلوا ولم يغنموا تم لهم أجرهم ) فهذا محمول على من قاتل وله قصد في المغنم لأن التشريك في ذلك لا بأس به ولكنه يُنَقِّص الثواب . وأما من قاتل لتكون كلمة الله هي العُليا ونال بعد ذلك شيئاً من الغنيمة فلا ينقص أجره أبداً ، هذا الصحيح في هذه المسألة الخلافية . [ الشريط التاسع عشر ] 157- جاء في حديث حماد بن سلمه عن ثابت البناني عن أنس أن النبي قال: ( لقد أوذيت في الله وما يُؤْذى أحد وأخفت في الله وما يخاف أحد ، ولقد أتت عليّ ثلاث ما بين يوم وليلة وما لي ولعيالي طعام إلا ما يواري إبط بلال ) رواه الإمام أحمد وغيره بسند صحيح . 158- قال تعالى: يرفع الله الذين أمنوا منكم والذين أُتوا العلم درجات يرفعهم في الدنيا بالذكر الجميل وفي الآخرة بالأجر العظيم. 159- لله در بشرٍ الحافي حين قال: (( لأن أطلب الدنيا بدف ومزمار أحب إليّ من أن أطلبها بالدين)). 160- جاء عن سعيد بن المسيب بسند صحيح عند البيهقي وغيره: (( أنه رأى رجلاً يكثر من الصلاة بعد طلوع الفجر فزجره سعيد عن ذلك وخوفه بالله جل وعلا فقال الرجل: أيعذبني الله على الصلاة ؟! قال: لا يعذبك على الصلاة ولكن يعذبك على مخالفة السنة )) . 161- تواتر النقل عن الصحابة والتابعين وتتابعت كلماتهم يقولون: (( اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم )) . 162- روي عن النبي أنه قال: ( أفضل الأعمال أحمزها ) أي أصعبها وأشقها . يقال: حَمُزَ الرجل: من باب ظَرُفَ أي أشتد . وهذا الأثر لا أصل له عن النبي وقد أشار إلى ذلك المؤلف في قوله: (( ليس له أصل )) وهذا قول ابن القيم رحمه الله تعالى في مدارج السالكين. 163- روي عن النبي أنه قال: ( من حج ولم يزرني فقد جفاني ) وهذا خبر موضوع على رسول الله والأدلة الصحيحة تخالف هذا وتناقضه . 164- روي عن رسول الله أنه قال: ( لو حسَّنَ أحدكم ظنه بحجر لنفعه ذلك ) وهذا الأثر مروي في الكتب الموضوعة وجاء في كتب غلاة الصوفية بدعوى التعلق بالله وحسن التوكل ونحو ذلك ، وهذا شرك برب العالمين . 165- الأصل أن المرأة عورة كما في حديث ابن مسعود عند الترمذي بسند صحيح: (( المرأة عورة )). 166- رواية: (( سفعاء الخدين )) هذه رواية جاءت في صحيح الإمام مسلم من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر . بينما الحديث رواه الإمام مسلم من طريق ابن جريح عن عطاء عن جابر بدون لفظه (( سفعاء الخدين )) (( امرأة من سطة الناس )) . وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله تعالى أيهما أرجح في عطاء ابن جريج أم عبد الملك ؟! فقال: ابن جريج إذاً رواية عبد الملك شاذة والحديث الذي جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس بدون هذه اللفظة . 167- حديث عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن حسان ابن عطية عن أبي منيب الجرشي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال: ( بعثت بالسيف حتى يُعْبَدَ الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي ) رواه الإمام أحمد رحمه الله تعالى بسند لا بأس به وقد قال عنه شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في الاقتضاء إسناده جيد . 168- من جميل ما قاله الإمام مالك وغيره (( إن قوماً ابتغوا العبادة وأضاعوا العلم فخرجوا على أمة محمد بأسيافهم )) .وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: (( ما يفسده الجاهل أكثر مما يصلحه )) . 169- لفظ العارف لم يكن مستعملاً في عصر الصحابة والتابعين وإنما شاع استعماله حين كثُر المتصوفة في العالم الإسلامي وتلقى ذلك عنهم بعض العلماء ، ولا مشاحة في الحقيقة في الاصطلاح وفي صياغة اللفظ حتى يُفهم المعنى فنميز بين ما هو حق وبين ما هو باطل ، وإن كنت أرى الابتعاد عن هذا اللفظ حيث ما يقال عن العالم أو عن الزاهد بأنه عارف ، لأن للصوفية مغزى حول هذا اللفظ ولاسيما أن الله جل وعلا أغنانا بلغتنا وبالاصطلاحات الشرعية الموجودة في عصر الصحابة وعصر السلف نتعامل بها أولى من التعامل بالألفاظ الصوفية . 170- النبي قال: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ) رواه أهل السنن بسند صحيح . 171- حديث أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي قال: (( كان يصلي أربعاً قبل العصر )) وهذا إسناده جيد . 172- جاء في حديث محمد بن عمرو عن علقمة بن وقاص الليثي عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي قال: ( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة وسوف تفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ) . وجاء في حديث عبد الرحمن بن زياد الأفريقي حين سُئل النبي عن هذه الفرقة قال: (( هم من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي )) وهذه الرواية ضعيفة ولكن معناها صحيح . وجاء في حديث معاوية عند أبي داود وغيره قبل من هم يا رسول الله قال (( الجماعة )). 173- مما يروى عن الإمام الشافعي أنه قال:- اصبر على مُـر الجـفا مـن معلم فإن رسـوب العلم في نـفـراتـه ومـن لم يـذق مُـر التعلم ساعةً تجـرع ذل الجهل طـول حـياتـه ومـن فـاتـه التعليم وقت شبابه فكـبر علـيـه أربـعـاً لـوفاته وذات الفـتى والله بالعلم والتقـى إذا لم يكـونا لا اعـتـبار لـذاتـه [ الشريط العشرون ] 174- قوله ( الخلق عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله ) هذا الخبر رواه أبو يعلى في مسنده والبزار وغيرهما من طريق يوسف بن عطية قال حدثنا ثابت عن أنس بن مالك أن النبي قال ، وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جداً ويوسف بن عطية متروك الحديث وقد حكي الاتفاق على ضعف هذا الخبر ، وهذا الصواب ، فإنه لا خلاف بين أهل الحديث في نكارة هذا الخبر . 175- قال : (فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ) هذا جزء من حديث رواه أبو داود والترمذي وغيرهما من طريق عاصم بن رجاء بن حيوه عن داود بن جميل عن كثير بن قيس عن أبي الدرداء وهذا إسنادٌ ضعيف وفيه اختلاف . ولكن لا ريب أن العالم أفضل من العابد ، وهذا ليس لكل عالم ، إنما هو للعالم العامل الذي جمع مع العلم العبادة 176- قال النبي : ( الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ) والحديث متفق على صحته ، وقد احتج به الإمام أحمد رحمه الله تعالى على أن الجهاد قائم إلى أن تقوم الساعة ولا ينقطع الجهاد أبداً إلا حين العجز عن تطبيقه والعمل بمقتضاه . 177- قال : ( إن الله وملائكته يصلون معلمي الخير ) هذا الخبر رواه الترمذي رحمه الله من طريق سلمة بن رجاء قال حدثنا الوليد بن جميل قال حدثنا القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة عن النبي ، وهذا خبر لا يصح فيه عدة علل ، وقد قال الإمام أبو حاتم رحمه الله تعالى الوليد يروي مناكير عن القاسم ، والقاسم مختلفٌ فيه . 178- قال : ( إن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في البحر والنملة في جحرها ) هذا الحديث رواه الترمذي رحمه الله تعالى من طريق محمد بن يزيد الواسطي قال حدثنا عاصم بن رجاء بن حيوه عن قيس بن كثير ويقال كثير بن قيس ـ عن أبي الدرداء وأعله الترمذي بالانقطاع ، ورواه أبو داود وابن حبان وجماعة من طريق عاصم بن رجاء عن داود بن جميل عن كثير بن قيس عن الدرداء وفي داود بن جميل وكثير بن قيس كلام والخبر ضعيف قد جاء في إسناده اضطراب . 179- من جميل ما ذكره الشيخ عبد العزيز الجرجاني رحمه الله تعالى أنه قال: يقـولـون لي فيك انقباض وإنما رأوا رجلاً عن موقف الذل أحجما أرى الناس مـن داناهم هان عندهم ومـن أكـرمته عـزة النفس أكرما ومـا زلت منحازاً بعرضـي جانباً مـن الـذم أعـتـد الصيانة مغنما إذا قيل هـذا مشرب قلت قد أرى ولكـن نـفـس الحـر تحتمل الظما ومـا كـل بـرق لاح لي يستفزني ولا كل أهـل الأرض أرضاهم منعما ولم أقـض حق العلم إن كان كلما بـدا طـمـع صـيرتـه لي سلَّما ولم أبتذل في خـدمة العلم مهجتي لأخـدم مـن لاقيت لكن لأُخـدما أأشقـى بـه غـرساً وأجنيه ذلـةً إذاً فإتـباع الجـهـل كان أحـزما ولـو أن أهل العلم صانـوه صانهم ولـو عظموه في الـنـفوس لعظما ولكن أذلـوه جـهـاراً ودنـسوا مُحَيَّاهُ بالأطـمـاع حـتى تجـهَّما وهذه الأبيات توجد في معجم الأدباء لياقوت الحموي رحمه الله . 180- وبالجملة فالعلم أفضل من العبادة ، فعالم عابد أفضل من عابد جاهل وهذا بإجماع المسلمين ولا خلاف بينهم في ذلك ، ولكن ينبغي أن نتعرف على صفات العالم ، أذكر جملةً من صفات العالم:- الصفة الأولى: أن تتمثل فيه حقيقة العلم من المعرفة والإدراك والفهم ، والناس يتفاوتون في العلم ، منهم المتخصص في علم من العلوم ، ومنهم من الذي له إدراك في أكثر العلوم الشرعية . الصفة الثانية: أن يعمل بعلمه على قدر استطاعته ، فعلم بلا عمل كالشجر بلا ثمر ، وقد قال بعض السلف: (( من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود ومن فسد من عُبادنا ففيه شبه من النصارى )) . الصفة الثالثة: أن يدعو إلى هذا الحق الذي يحمله وإلى هذا العلم الذي يحفظه ، فإن الدعوة إلى الله جل وعلا وهي مهمة الرسل وأتباعهم إلى يوم الدين . الصفة الرابعة: أنهم يخُشون ربهم سراً وعلانية فلا يقولون على الله غير الحق ولا يتحدثون بالباطل ، إن عجز أحدهم عن قول الحق وخاف على نفسه سكت ولم ينطق بالباطل . ومن صفات هؤلاء العلماء: الذين جاء الثناء عليهم في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسول الله ، وقرن الله جل وعلا شهادتهم بشهادة الملائكة وشهادة الملائكة بشهادته جل وعلا ، أنهم لا يخونون الله ولا يخونون الرسول ولا يخونون أماناتهم بل يبذلون جهدهم وطاقتهم في حماية هذا الدين في الذب عن أهله ويحملون هذا العلم ويذبون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين . ومن صفات هؤلاء العلماء: أنهم لا يحسدون أحداً على ما آتاهم الله من فضله ولا يراءون الناس بأعمالهم ولا يحبون أن يحمدوا عالم يفعلوا . ومن صفات هؤلاء العلماء: أنهم يتحدثون بالحق وقت الحاجة ويرون أن المهمة في هذه الأوقات أكبر من غيرها . ومن صفات هؤلاء العلماء: أنهم يبلغون العلم إلى من لا يعلمه . ومن صفات هؤلاء العلماء: أنهم لا يكتمون الحق وهم يعلمون . ومن صفات هؤلاء العلماء: أنهم يتواضعون لربهم فالتواضع سمة من سماتهم . ومن صفات هؤلاء العلماء: أنهم لا ينافسون الناس على دنياهم ، ولا يبيعون ذمتهم للسلاطين ولا لغيرهم من أجل دنيا فانية ، فإن العالم يجره علمه إلى أن يعلم أن القليل يكفيه للتزود إلى الآخرة وليس بحاجة إلى الملايين إلا إذا اكتسبها بحق وأنفقها في مرضاة الله فحينئذٍ يجمع بين العلم والعمل كما صنع ذلك عبد الرحمن بن عوف وجماعة من الصحابة . ومن صفات العلماء: أنهم لا يعتدون على الأبرياء ولا يستعلون بمناصبهم على الآخرين . ومن صفات العلماء: أنهم يواجهون الانحرافات في المجتمع بعزيمة الصادقين وتحمل المتقين . ومن صفات هؤلاء العلماء: أنهم لا يداهنون في دين الله ولا يخلطون بين المداهنة وبين المداراة . ومن صفات هؤلاء العلماء: أنهم لا يبررون جرائم أهل الطغيان ويجعلون من المفسدين في الأرض مصلحين ودعاةً ناصحين . ومن صفات هؤلاء العلماء: أنهم يصلحون بواطنهم وظواهرهم . هذا هو العالم الذي تتطلع إليه الأنظار وتعقد عليه الآمال ، وهذا هو العالم الذي يستحق أن يقتدى به وينظر لقوله وفعله فحين يتحدث عن المسائل الشرعية يتحدث عنها بتدين وصلاح وتقوى لرب العالمين وينظر ما يرضي الله وما يرضي رسول الله . 181- في حالة الخوف يجوز ترك إتمام الصلاة وفي حالة الخوف يجوز قصر الصلاة في أصح قولي العلماء .قال بعض العلماء: في صلاة الخوف بأن الصلاة لا تقصر إلا في السفر . وقال بعض العلماء: بأنه يجوز قصر الصلاة في الحضر ، وهذا الذي تدل عليه الأدلة كحديث ابن عباس رضي الله عنهما في مسلم حين فرض النبي صلاة الخوف ركعة واحدة ، حمله الإمام أحمد رحمه الله تعالى على ما إذا التقى الجيشان ولم يستطع أن يؤدي الصلاة فإنه حينئذٍ يصليها قصراً . 182- الجهاد يكون باللسان ويكون باللسان ويكون بالمال ويكو بالنفس في سُنن أبي داود والنسائي من طريق جماد بن سلمه عن حميد الطويل عن أنس قال : ( جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم ) وهذا على قدر طاقة كل واحدٍ منا . 183- حين يُناصر بعض المنسوبين للمسلمين أعداء الله لقتال المسلمين فهذه ردة عن الإسلام ، فكل دولة وكل فرد قاتل مع الأمريكان ضد إخواننا المسلمين في أفغانستان أو في الشيشان فإنه مرتد عن هذا الإسلام وكافر بالله العلي العظيم لأن الله جل وعلا يقول: ومن يتولهم منكم فإنه منهم ذكر ذلك الإمام ابن جرير في تفسيره على هذه الآية ، وذكر ذلك الإمام ابن حزم وقال لا يختلف في ذلك اثنان ، وذكر ذلك شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في نواقض الإسلام العشرة قال في أحدها: مظاهرة المشركين على المسلمين ، ولا عذر لأحد في ذلك . ودعوى الإكراه في ذلك غير صحيحة ، لأنه ليس من الإكراه أن تبقى نفسك على حساب غيرك ، وليس من الإكراه أن تبقى على منصبك في ذهاب دولة إسلامية ، الله جل وعلا يقول: إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان وهؤلاء يتجاوبون مع الكفار قبل أن يقع الإكراه عليهم ، يتجاوبون مع الكفار في التحالف معهم في تعطيل شعائر الإسلام وفي قتال المسلمين تحت غطاء الإرهاب ، ما هو هذا الإرهاب ؟! لا نعرف إرهاب في العالم إلا إرهاب الأمريكان الذين يقتلون أبناء المسلمين ويستولون على ديارهم . نعلم ضربهم للسودان وحصارهم لليبيا والآن يدعمون الروس لقتال الشيشان والحصار على العراق وقتل الأبرياء في فلسطين ودعم المجرم شارون في الاستيلاء على بلاد المسلمين أليس هذا إرهاباً ؟! 184- جاء في الصحيحين من طريق مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري أن النبي قال: ( إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن ) وهذا على وجه الاستحباب عند الجمهور وقال جماعة بأنه واجب والسنة أن تقول مِثَل ما يقول المؤذن فإذا فرغ المؤذن من الجملة تتابعه بعد ذلك إلا في الحيعلتين ، في الصحيح أن تقول: (( لا حول ولا قوة إلا بالله )) لحديث عمر في صحيح الإمام مسلم فيحمل المطلق على المقيد كما قال في المراقي: وحمـل مطلقٍ علـى ذاك وجـب إنْ فيهما اتحـد حـكـمٌ والسـبب وقال بعض العلماء: يقول هذا تارة ويقول هذا تارة . وإذا فرغ المؤذن من آذانه يستحب أن تقول: (( اللهم رب هذا الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وأبعثه مقاماً محموداً الذي وعدته )) فقد جاء في البخاري قال: حدثنا علي بن عياش قال حدثنا: شعيب ابن أبي حمزة عن ابن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن النبي قال: (( من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وأبعثه مقاماً محموداً الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة )) . [ الشريط الحادي والعشرون ] 185- قال أبو الدرداء : (( من فقه الرجل أن يقبل على صلاته وقلبه فارغ )) رواه البخاري في صحيحه معلقاً والإسناد صحيح . 186- الصلاة هي أفضل العبادات البدنية ، كما أن التقرب لله بالذبح هو أفضل العبادات المالية ، وقد قرن الله عز وجل بينهما في مواضع كقوله تعالى: قل إن صلاتي ونسكي وكقوله تعالى: فصل لربك وانحر وغير ذلك من الأدلة . 187- جاء في الصحيحين من حديث ابن مسعود قال سُأل رسول الله : ( أي العمل أفضل؟ ) قال: ( الصلاة لوقتها ... ) الحديث . وقد اختلف العلماء في معنى قوله : (( الصلاة لوقتها )) فقيل المعنى أداء الصلاة في الوقت سواءٌ كان في أوله أو في أوسطه أو في آخـره ، المقصود أن تؤدي الصلاة في الوقت فلا تؤخرها إلى آخر وقتها أو بحيث يخرج وقتها قال تعالى: فويلٌ للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون أي يأخرونها عن وقتها . وقال طائفة من العلماء: الصلاة لوقتها أي في أول وقتها واستدلوا بأدلة: الدليل الأول: ما جاء عند الترمذي أن النبي قال: ( الصلاة في أول وقتها ) غير أن هذه الرواية ضعيفة شاذة لا يمكن الاعتماد عليها . واستدلوا أيضاً : بأن النبي أمر وشرع وندب إلى الإبراد ، واستدلوا بأن النبي أمر بالإبراد في شدة الحر فَعلم من هذا أنه لو لم يكن فيه حرَّ أن المبادرة إلى أداء الصلاة في أول وقتها أفضل ، واستدلوا أيضاً بأن النبي كان يبادر بصلاة المغرب ، وإذا أخر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما صلاة المغرب إلى أن تشتبك النجوم نحر بدنه تكفيراً لهذا العمل ، واستدلوا أيضاً بعمل الصحابة حيث كانوا يبادرون بأداء صلاة الظهر وبأداء صلاة العصر والمغرب والفجر في أول وقتها ، بخلاف العشاء فإن النبي أخرها إلى شطر الليل وقال: ( إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي ) . والصحيح في قول النبي : ( الصلاة لوقتها ) أي أداء الصلاة في الوقت ونأخذ أفضلية أول الوقت من الأدلة الأخرى . 188- النبي همَّ بتحريق بيوت المتخلفين عن صلاة الجماعة والحديث متفق على صحته قال أبو هريرة قال النبي قال: ( لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلاً فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم ) . وقد جاء في رواية مسند الإمام أحمد رحمه الله (( لولا ما فيها من النساء والذرية )) وهذا الرواية ضعيفة شاذة لا تصح . 189- تدبر القرآن منه ما هو واجب ومنه ما هو سنة مؤكدة ، والفائدة من تدبر القرآن فهم المعاني وخشية الرب والانتفاع ومعرفة الأوامر والنواهي وحصول الفهم وانتفاع القلب. 190- جاء في الموطأ من رواية مالك عن زياد ابن أبي زياد عن طلحة بن عُبيد الله بن كريز أن النبي قال: ( أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة ، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له ) وهذا حديث مرسل ولا يصح إلا مرسلاً ، وله شاهد عند الترمذي من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ولا يصح أيضاً . 191- جاء في البخاري من طريق شعبة عن سليمان عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي قال: ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله تعالى من العمل في هذه (( أي العشر )) ، قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟! قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء ) وظاهر الأحاديث والأدلة أن العمل في أيام عشر ذي الحجة أفضل من العمل في العشر الأواخر من رمضان ، وهذه المسألة اختلف فيها الفقهاء على أقوال: القول الأول: هذا القول بأن العمل في عشر ذي الحجة أفضل من العمل في العشر الأواخر من رمضان. القول الثاني: أن العمل في العشر الأواخر من رمضان أفضل . القول الثالث: التفصيل وهو أن العمل في ليالي العشر من رمضان أفضل من العمل في ليالي العشر من ذي الحجة والعمل في نهار عشر ذي الحجة أفضل من العمل في نهار العشر الأواخر من رمضان وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وهذا فيه نظر أيضاً لأن النبي قال: ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله تعالى من العمل في هذه ) ، فإن قال قائل في العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر ، وقد قال تعالى: ليلة القدر خير من ألف شهر أي خير من عبادة ثلاثة وثمانين عاماً وبضعة أشهر فكيف تفضلون عشر ذي الحجة على العشر الأواخر من رمضان وفي ذلك ليلة القدر ؟ فالجواب: أن هذا هو مقتضى النصوص ، وما جاء من تفضيل ليلة القدر فيقال عن ذلك إن ليالي العشر من ذي الحجة والنهار أفضل من ليالي العشر والنهار من الأواخر من رمضان وليلة القدر فيمن وافقها هي أفضل من أيام عشر ذي الحجة فالتفضيل واقع على من وافق ليلة القدر لأن التفضيل جاء بخصوصها ، ما جاء التفضيل بعموم الليالي ، وهذا قاله جماعة من أهل العلم وهو الصواب في هذه القضية وحينئذٍ الأفضل في أيام عشر ذي الحجة أو أن أيام عشر ذي الحجة أفضل من العشر الأواخر من رمضان ومن وافق ليلة القدر فإن هذه الليلة هي أفضل من عشر ذي الحجة 192- الروايات الواردة في الإكثار فيهن – أي عشر ذي الحجة - من التكبير والتهليل والتحميد لا يصح منها شيء وحديث أبي هريرة وفيه يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر هذا رواه الترمذي وغيره وفي صحته نظر ، هذا الخبر ضعيف ولا يصح ، والمحفوظ في الباب حديث ابن عباس المتقدم . 193- الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان أفضل من العمرة وذلك لوجوه :- الوجه الأول: أن هذا هو هدي النبي . الوجه الثاني: أن هذا هو هدي الصحابة وزوجات النبي . الوجه الثالث: أن هذا أكثر مشقه ، والأجر على قدر المشقة لأن المشقة غير مطلوبة لذاتها ولكن إذا كان يعمل عملاً هذا وضعه وفيه مشقة فهو أفضل من غيره . الوجه الرابع: أن قوله ( عمرة في رمضان تعدل حجة ) والحديث في الصحيحين لم يقله النبي ابتداءً وإنما قاله للمرأة التي فاتها الحج فقال لها: (( إن عمرة في رمضان تعدل حجة )) فكان هذا دليلاً على أن من فاته الحج وكان حريصاً على أداءه فإنه يعتمر في رمضان فتعدل عمرته حجة ولا يمكن أن نأخذ منه مشروعية العمرة في رمضان مطلقا ، أو أن العمرة في رمضان تعدل حجة مطلقاً وذلك لأمور: الأمر الأول: أن النبي لم يعتمر في رمضان الأمر الثاني: أن الصحابة لم يفهموا من هذا الخبر العموم وإلا لبادروا إلى العمل ، وفهم الصحابة للنصوص ، من الضروري أن نتعامل معه في الدلالة والتطبيق ونحو ذلك ، حيث ننظر فهم الصحابة وعملهم بالأدلة لأنهم حين لم يطبقوا هذا كأنهم فهموا الخصوصية في من فاته الحج . الأمر الثالث: أنه لو قيل بأن العمرة في رمضان مشروعة كما هو قول طائفة من العلماء كالبخاري وجماعة بناءً على الأخذ بعموم هذا الخبر وأنه لا يختص بالمرأة فيقال أن الاعتكاف في العشر أفضل من العمرة لأن النبي قدم الاعتكاف على العمرة 194- العمرة في رمضان فيها ثلاثة مذاهب لأهل العلم: المذهب الأول: أنها كبقية الشهور وهذا قول طائفة من فقهاء الشافعية وغيرهم . المذهب الثاني: أن العمرة في رمضان مشروعة وفيها فضل خاص وأنها تعدل حجة للحديث المتفق على صحته المتقدم وهذا قول الجمهور . المذهب الثالث: أن العمرة في رمضان مشروعة لمن فاته الحج ، وإلى هذا أشار ابن تيميه رحمه الله قال في الفتاوى ولم يكن قـولـه صريحاً في هذه المسألة . 195- جاء في الصحيحين من طريق ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن النبي قال ( حق المسلم على المسلم خمس .... ) ومنها عيادة المريض وإتباع الجنائز ، وقوله حق المسلم على المسلم هذا على الوجوب ويحتمل أنه على الأعيان ، ويحتمل أنه على الكفاية ، وقد يقال بالتفصيل: فإن كان أخوك المسلم ممن له حق عليك ويتطلع إلى زيارتك وإلى رؤيتك ويأنس بذلك وقد تكون زيارتك سبباً لشفاءه وإدخال السرور عليه وعلى أهله فتكون عيادته من فروض الأعيان وإلا فيقال بالوجوب الكفائي إذا قام بعيادته وزيارته بعض المسلمين سقط هذا الإيجاب عن الآخرين . 196- الحق لا بد له من ابتلاء واختبار وامتحان ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب . والحـق منصـور وممتحـن فـلا تعجـب فـهـذي سـنة الرحمـن وقد أُوذي النبي في ذات الله وحبس في الشعب ثلاثة أعوام وجاء في حديث حماد بن سلمه بن ثابت عن أنس قال : ( لقد أُوذيت في الله وما يُؤذى أحد وأُخفت في الله وما يخاف أحد ، ولقد أتت عليَّ ثلاث ما بين يوم وليلة وما لي ولعيالي طعام إلا ما يواري إبط بلال ) رواه الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح . 197- ( المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ) هذا لفظ حديث رواه الترمذي وغيره من طريق شعبة عن سليمان الأعمش عن يحيى بن وثاب عن شيخ من أصحاب النبي أن النبي قاله . قال الذهبي كان شعبة يرى أن هذا الشيخ هو ابن عمر رضي الله عنهما ، وقد جاء مصرحاً به عند ابن ماجه والطبراني . 197- قوله (( تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة )) ، رواه الترمذي وغيره من حديث ابن عباس وإسناده صحيح . 198- هذا الحديث روي عن طريق عبد الغني بن أبي عقيل ثنا يغنم بن سالم عن أنس بن مالك قال: (( كان رسول الله جالساً في جماعة من أصحابه فقال من صام اليوم ؟ قال أبو بكر: أنا .. الخ )) وهذا الطريق موجود في التمهيد للإمام ابن عبد البر رحمه الله تعالى . وهذا الإسناد متروك قال الإمام ابن حبان رحمه الله تعالى: يغنم بن سالم كان يضع الحديث على أنس وقال ابن يونس حَدَّث عن أنس فكذب ، وجزم بضعفه أبو حاتم وابن عدي وجماعة . فلو وقف المؤلف على حديث أبي هريرة في مسلم لاستغنى به عن هذا الطريق الواهي وعن الاشتغال بذكر بعض الطرق الواهية . 199- قال المؤلف : (ويغنم بن سالم وإن تُكلم فيه لكن تابعه سلمة بن وردان ) قال الشارح : ويجاب عن هذا من وجوه ، الوجه الأول: أن يغنم بن سالم فيه كلام عظيم وليس الكلام في يغنم من حيث سوء الحفظ أو أن الخلاف فيه يسير الكلام فيه عظيم فهو متهم بالوضع بل قال ابن حبان رحمه الله: كان يضع الحديث على أنس . قوله: أيضاً (( لكن تابعة سلمة بن وردان )) وهو الوجه الثاني: سلمة أيضاً فيه كلام فلا تغني متابعته . الوجه الثالث: أن متابعة سلمة جاءت في مسند أحمد رحمه الله تعالى وجعل القائل (( أنا )) هو عمر ولم يجعله أبا بكر ولهذا ذكر هذا الخبر في مسند أحمد في فضائل عمر وهذا غلط من سلمه بن وردان وقد أخطأ فيه لأن الصواب أنه أبو بكر جاء صريحاً في مسلم من حديث أبي هريرة ، وقد تقدم ، وسلمة لا يحتج بخبره إذا تفرد فكيف إذا خالف . 200- من جميل كلام سفيان رحمه الله تعالى أنه قال: ( إن استطعت أن لا تحك رأسك إلا بأثر فافعل) . [ الشريط الثاني والعشرون ] 201- قال النبي : ( إنه من يعش منك فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة ) الحديث رواه أهل السنن وغيرهم من حديث العرباض بن سارية وإسناده جيد . 202- جاء في حديث محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي عن أبي سلمه عن أبي هريرة أن النبي قال: ( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة وسوف تفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار ) في رواية عبد الرحمن بن زياد حين سُئل النبي من هم قال: ( هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي ) وهذه الرواية شاذة . وعبد الرحمن بن زياد ضعيف الحديث . وفي رواية معاوية عند أبي داود وغيره (( هم الجماعة )) والسند صحيح ، والجماعة هم من كان على مثل ما عليه النبي وعليه الصحابة . وقد طعن في هذا الخبر كثير من المتأخرين لأن النبي قال: ( كلها في النار ) فهؤلاء اعتقدوا أن المقصود التخليد في النار وحين أنكروا هذا الخبر وكذَّبوا بما لم يحيطوا به علماً ، وهذا خطأ من وجوه: الوجه الأول: أنه لا يصح تضعيف الأحاديث الصحيحة بمثل هذه الطرق . الوجه الثاني: أن من جهل شيئاً لا ينبغي أن يجعل جهله حجةً على علم غيره . الوجه الثالث: أن هذا الخبر صحيح ، وقد صححه الأكابر من الحفاظ ومعناه يتوافق مع المعاني الأخرى في كتاب الله وفي سنة رسول الله . 203- ما عندهم عـنـد التناظـر حجة أنى بهـا لمـقـلـدٍ حــــيران لا يفـزعـون إلى الـدلـيل وإنما في العـجـز مفـزعهم إلى السلطان 204- قال رافع بن خديج (( نهانا رسول الله عن أمرٍ كان لنا نافعاً وطواعية الله ورسوله أنفع لنا )) هذا الخبر رواه مسلم في صحيحه . 205- إقامة تعزيرات على أهل البدع والمنحرفين الذين يشوشون على الناس عقائدهم وأفكارهم أمر مطلوب شرعاً كما صنع عمر بن الخطاب مع صبيغ فإن أمير المؤمنين عمر جَلَد صبيغاً ، والنبي يقول في مانع الزكاة: ( إنا آخذوها وشطر ماله عزْمةً من عزْمات ربنا ) ولهذا يقاتل ما نع الزكاة مع أن الضرر قد لا يتجاوزه ويتجاوز نفراً يسيراً ، فكيف بهذا المبتدع الذي يتجاوز ضرره الآلاف من البشر ، وقد ذهب الإمام مالك وأحمد في رواية عنهما أن المبتدع يُقتل أن المبتدع إذا ثبتت عليه البدعة ويدعوا إليها فإن يقتل تخلصاً من بدعته وشره وحفظاً لعقائد المسلمين وأفكارهم أما إذا لم يدعوا إلى بدعته فهذا له حكم آخر ، لكن يجب مناصحته وتوجيهه ودعوته ، وطبعاً الذي يقيم الحدود هو السلطان فليس لآحاد في الناس أن يقيم الحد دون السلطان لما يسببه هذا من الفوضى في المجتمع ولما يسببه هذا الأمر من دعوى الابتداع في كل شخص فهذا يقيم الحد وهذا يقيم الحد فيحصل فوضى وفساد عظيم لا تُحمد عقباه . 206- قال المصنف : ( فلو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم ، ولو رحمهم لكانت رحمته لهم خيراً لهم من أعمالهم ) قال الشارح : هذا جزء من حديث رواه أبو داود وغيره من طريق سفيان عن أبي سنان عن وهب بن خالد عن ابن الديلمي عن أُبي بن كعب عن النبي وسنده جيد . 207- إذا تـعارض نـص لفـظٍ واردٍ والعقل حـتى لـيـس يلـتـقيان فالعقل إما فاسـدٌ ويظنه الـرائي صـحـيحاً وهــو ذو بطـلان أو أن ذاك الـنص ليس ثـابـتٍ ما قالـه المعصــوم بالبرهــان لا يمكن لنص صحيح من كلام النبي أن يعارض كتاب الله جل وعلا إلا في أحد أمور: أن يكون النص غير ثابت إذاً لا حجة في هذا النص حيث نجعله معارضاً للقرآن أو أن هذا النص ثابت فحينئذٍ نتهم العقل وأن هذا العقل فاسد ويظنه الرأي صحيحاً وهو ذو بطلان ، وإذا تعارض فيما يظهر للشخص وطالب العلم آية من كلام الله وحديث من حديث رسول الله فلا بد أن هناك جمعاً بينهما يدل عليه العقل والنقل ، وإنما يتأتى التعارض في تصور بعض الناس لا في حقيقة الشيء لأن الله جل وعلا يقول عن السنة إن هو إلا وحي يوحى الذي يقوله النبي أو يفعله إن هو إلا وحي يوحى فلا يمكن أن يكون هناك تعارض بين الكتاب والسنة ولا يكون هناك تعارض بين أدلة الكتاب ، وقد قال غير واحد من الأكابر منهم ابن خزيمة وغيره: (( لا تأتوني بنصين متعارض ـ أي في الظاهر ـ إلا واستطعت أن أؤُلف بينهما )) وقـد صـنـف العلماء ومصنفات في اختلاف علـوم الحـديث الأحاديث المتعارضة في الظاهر فكيف بدعوى تعارض القرآن والسنة أو بتعارض القرآن بعضه مع بعض وإنما ينتج التعارض والاضطراب في الفهوم لا في حقائق الأمور . [ الشريط الثالث والعشرون ] 208- التصوف أنواع منه ما هو منسوب إلى لبس الصوف ولبس الشيء الخشن وتارة ينسب بعض العباد والزهاد إلى التصوف . وقد نسب إلى التصوف بعض أئمة الهدى ومصابيح الدجى حيث جاء عصر من العصور ينسب إلى التصوف من عُرف بالزهد والورع ولبس الشيء الخشن . الصنف الثاني من كان متصف ببدعة وهذه البدعة لا تخرجهم عن الإسلام ، فيصح حينئذٍ إطلاق من صوفية الإسلام أي المنسوبين إلى الإسلام أو الذين هم من جملة المسلمين لأن النسبة قد تكون صحيحة وقد تكون غير صحيحة . ومن الصوفية الغلاة غلاة في الأسماء والصفات غلاة في العبادات حيث يعبدون القبور ويعبدون أصحابها ويلجئون إلى الأولياء ، وطوائف منهم يزعمون سقوط التكاليف إذا وصل إلى مرحلة من العلم والمعرفة ، وطوائف منهم يزعمون أن العبادة رياضة كصنيع هؤلاء الذين يقولون هذا القول وذلك لتستعد النفوس للمعارف العقلية والإلهامات وللفيض الحاصل لها من هذا الصنيع وفيهم غير ذلك . وبالجملة فلفظ التصوف لم يكن معروفاً في عصر النبي ولا في عصر الصحابة وحين وجد بعد ذلك لزم التفصيل فمنه ما هو حق ومنه ما هو باطل وهذا الحق الأولى الإعراض عن تسميته بالتصوف لأن هذا اللفظ لا أصل لـه عن السلف ولاسيما أن هذا اللفظ أصبح وصفاً لأهل البدع والضلال والمنحرفين . وإذا كان إطلاق التصوف باعتبار أن في الإسلام تصوف كما أن في الإسلام صلاة ، كما أن في الإسلام عبادة ، كما أن في الإسلام ذكر فهذا الإطلاق غلط ، وإذا كان هذا الإطلاق باعتبار أن هؤلاء من جملة المسلمين فهذا صحيح إذا كان التصوف لا يخرجهم عن حيِّز الإسلام إلى حيِّز الكفر فالتصوف منه ما هو كفر ومنه ما هو دون ذلك . 209- قضية النقد فحين يريد طالب العلم أو العالم نقد الآخرين لا بد أن تتوفر فيه عدة أمور: الأمر الأول: أن يفهم المقصود من الكلام حتى لا يُسئ إلى نفسه ويظلم غيره ، كما صنع كثير ممن يعلق على مدارج السالكين وعلى بعض كتب أئمة الهدى . الأمر الثاني: العلم ، والعلم بواقع الحال وبتصور المسألة على حقيقتها وبتنزيل الأدلة منازلها فلا تضع الدليل في غير موضعه ولا الهدى في محل الباطل ولا الباطل في مكان الهدى ، ولاسيما حين يريد نقد الأكابر ممن آتاهم الله علماً وفهما فمن الضروري أن تبذل جهدك فتستفرغ طاقتك في البحث ومحاورة الآخرين لتصل إلى نتيجة إيجابية وأما مجرد المبادرة برد الأقوال دون تمعنها وفهمها واستيعابها فهذا ضرب من الجهل . ومن صنف أو كتب فقد عرض عقله على الآخرين ، فلينظر الإنسان ماذا يعرض ؟! وأما بالنسبة بالردود على الآخرين فهذا يشترط فيه شروط: الشرط الأول: العلم . الشرط الثاني: الإخلاص . الشرط الثالث: العدل . الشرط الرابع: الإنصاف . الشرط الخامس: الرحمة: حيث ترحم الآخرين ولا يكن قصدك التشفي وإشباع النفوس وهواها . 210- من جميل ما قاله الإمام الشافعي رحمه الله تعالى قال: (( الإيمان قول وعمل ونية ولا يجزئ واحد دون الآخر )) وحكى على ذلك إجماع الصحابة والتابعين وأهل السنة من بعدهم. [ الشريط الرابع والعشرون ] 211- من قدم قول غير الرسول على قول الرسول أو قدم قول هذا العالم على قول الرب جل وعلا فهذا يُخاف عليه وهذا من الضلال والانحراف قال تعالى: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينا وقد قال النبي : (( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قالوا: يا رسول الله ومن يأبى !! قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى )) رواه البخاري من حديث فليح بن سليمان عن هلال بن علي عن عطاء عن أبي هريرة . وقد قال ابن عباس لمن عارضه برأي أبي بكر وعمر وهما هما في العلم والدين ، قال: (( والله ما أراكم منتهين حتى يعذبكم الله ، أقول قال رسول الله وتقولون قال أبو بكر وعمر )) رواه الإمام أحمد والخطيب وجماعة . وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: (( عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأى سفيان والله تعالى يقول: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنه أو يصيبهم عذابٌ أليم أتدري ما الفتنة ؟! الفتنة: الشرك ، لعلة إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك )). 212- الذين يتعصبون لمذهب أبي حنيفة يحتفظون بقول بعض أقوال الأئمة: (( بأن الناس عيال على أبي حنيفة في الفقه )) وهذا ليس عذراً ولا مسوِّغاً لمثل هذا التعصب الأعمى وهذا الضلال البعيد . وأتباع المذهب المالكي يتعصبون لمذهب مالك ، هذا ليس للجميع إنما هذا للبعض وفئة من الناس فبعض المنتسبين لمذهب مالك يتعصبون لمذهب مالك بحجة أن مالكاً هو الذي عُني بقوله : ( يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل ولا يجدون عالماً أعلم من عالم المدينة ) رواه الإمام أحمد والترمذي من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي ، وقد رجح الإمام أحمد رحمه الله تعالى وقف هذا الخبر . وأتباع الإمام الشافعي يحتجون بأن الشافعي مُطَّلِبي وأن الله جل وعلا جمع له بين الفقه والحديث ، ويستدلون بحديث: (( قدِّموا قرشياً ولا قدموها )) وهذا الخبر ضعيف وأحاديث كثيرة يحتجون بها في هذا الخبر ، ليست في محل النزاع . وأتباع الإمام أحمد يقولون بأن الإمام أحمد من أعلم الناس بالحديث وبعلله ، جمع الله له بين الفقه والحديث ويحفظ من الأحاديث ما لا يحفظه هؤلاء الأئمة . وهذه التعللات لا تفيد فقد يكون الحق مع أحمد وقد يكون الحق مع الشافعي وقد يكون مع مالك وقد يكون الحق مع أبي حنيفة . فحين تنظر في مسألة مس المرأة فنحن نعلم أن الأئمة الأربعة مختلفون في هذه القضية فقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى بأن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً سواء كان بشهوة أو بغير شهوة . بينما قال الإمام الشافعي بأن مس المرأة ينقض الوضوء مطلقاً بشهوة وبدون شهوة . بينما قال الإمام مالك إن مس بشهوة انتقض وضوءه وإلا فلا ينتقض الوضوء وعن أحمد رحمه الله تعالى روايات ثلاث توافق مذهب كل واحد من هؤلاء الأئمة والصواب في هذه القضية مع أبي حنيفة رحمه الله تعالى . وحين نأخذ بهذه القضية في مذهب أبي حنيفة لا يمنع في المسألة الأخرى أن نأخذ بالقول الراجح الذي قد يوافق مذهب أحمد كقضية نقض الوضوء من أكل لحم الجزور فنأخذ في هذه القضية في مذهب أحمد، وإن كنا لا ننتسب لمذهب معين ولا نتعصَّب لمذهب معين ، فندور مع الحق حيثما دار، وكون الإنسان يعيش في بلد يغلب عليه التمذهب لا يعني هذا بأنه ينتسب إليهم أو أنه يقلد ، فنحن لا ننتسب لمذهب ولا نتعصب لمذهبٍ على آخر ، إنما ندور مع الحق حيثما دار على حسب القدرة وعلى حسب الاجتهاد وعلى حسب البحث في النصوص . فكما أنه لو قام رجلٌ الآن وأراد أن يجمع أقوال أبي بكر وينشئ مذهباً لقام عليه الكثير وأنكروا عليه وهو أبو بكر ، ولو أن رجلاً الآن جمع أقوال علي وحشدها ونظَّر عليها واستخرج الأوجه منها وجعل هذا مذهباً أتصور أن الناس يقولون عنه رافضي أو يقولون عنه بأنه شيعي وهو علي بالعلم والقدر والجلالة فكيف حينئذٍ نسوِّغ للناس أو نأمر الناس بتِّباع هذه المذاهب وإلزام الناس بها ، والذي لا يتبعها قد نعتبره ضالاً أو جاهلاً أو مشوشاً أو غير ذلك من الأعذار 213- العامي صحيح أنه ليس له مذهب ، مذهبه مذهب مفتيه ، لكن طالب العلم الذي توفرت فيه آلة الاجتهاد والقدرة على استخلاص المسائل من مظَّانها ، وعنده حفظ أكبر قدر ممكن من الأحاديث ومعرفة بالفقه وأصوله ومعرفة باللغة وتوابعها فهذا يجتهد ولا يقلِّد أحداً ، وإن انتسب لبعض المذاهب فلا يقلدهم . 214- حديث شعيب ابن أبي حمزة عن ابن المنكدر عن جابر قال: (( كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار ... )) وهذا الخبر معلول ، أعله أبو حاتم وأبو داود وابن حبان وجماعة ، وحكموا عليه بأنه مختصر . الصواب: أن النبي أكل من كتف شاة ولم يتوضأ . 215- ظهر في كثير من المتعصبين والمقلدة ، وقد وجد فيهم من يستبيح دماء من خالفه ، ووجد فيهم من يسعى فيه إلى السلطان لحبسه وضربه فحين عجز هؤلاء عن إقامة الحجة على الآخرين وعن مجاراة الآخرين بالحجة ، وقرع الحجة بالحجة لجئوا إلى السلطان ولجئوا إلى القوة . ما عندهـم عـنـد التناظر حجة أنى بهـا لمـقـلـد حــــيران لا يفزعــون إلى الـدليل وإنمـا في الـعجـز مفـزعهم إلى السلطان فهذا المقلد الذي يُقِّر بجواز الخطأ على غير المعصوم ، ولكن يعتذر عن إتِّباع السنة وعن قبول الحق بعدم العلم أو عدم الفهم أو عدم إعطاء آلة الفقه في الدين ، والاحتجاج بالأشباه والنظائر أو بأن ذلك المتقدم كان أعلم بمراد الرسول فهذا مبطل ، وجمع مع هذه الأمور استحلال عرض من خالفه أو انتقل من هذا إلى عقوبته والسعي في أذاه فهو من المتعدين ونواب المفسدين . وقد عانى كثير من الأئمة بمثل هؤلاء المقلدة والحساد ، وقد أشار إلى هذه القضية ابن القيم رحمه الله تعالى في النونية قال: فصل في حال العدو الثالث أو حاسـدٍ قـد بات يغلي صدره بعـداوتي كالمـرجـل المـلآن لو قلت هـذا البحـر قال مكذباً هـذا الـسـراب يكـون بالقيعان أو قلت هذي الشمس قال مباهتاً الشـمـس لم تطـلّـع إلى ذا الآن أوقلـت قـال الله قـال رسـوله غضـب الخـبيث وجـاء بالكتمان أو حـرف القرآن عـن موضوعِهِ تحـريـفَ كـذابٍ علـى القرآن وحين أفتى ابن تيمية رحمه الله تعالى بأن طلاق الثلاث واحده وأفتى بأن الرحال لا تشد إلى قبر النبي وأن هذا بدعة ، لأن الرحال لا تشد إلا إلى ثلاث مساجد ، ومع ذلك لا تشد الرحال إليها أي إذا كانت بقعة تقصد لذاتها ، قام عليه أعداءه وخصوصه وسعوا به إلى السلطان وجرت بينهم وبين ابن تيمية مناظرات ومكاتبات ، وحين انتصر سلطان الحق لجئوا إلى السلطان وإلى الحكام وإلى السب والشتم ، وهذا لا يعجز عنه أحد وفي عصرنا هذا ألوان وألوان من هذا القبيل حين يعجزون عن مجاراة أهل الحق وعن إقامة الحجة على الآخرين يلجئون إلى السب والشتم والثلب واستحلال الأعراض بأنه خارجي أو بأنه يُشوش أو بأنه مفسد أو يقولون عنه بأنه جاهل لأن الكلام رخيص سعره ، والهذيان بمثل هذا لا يعجز عنه أحد ، وحين يعجزون عن إقامة مثل هذه الأمور في دنيا الواقع ، وحين يعجزون عن إقناع الناس بمثل هذه الأمور يسعون به إلى السلطان بأنه يُألب الناس عليك ، وقد يقولوا بأنه لا يدعوا لك ، أو قد يقولون له بأنه يُكفرك ويستحل عرضك ، وقد يقول بأنه لا يرى لك بيعه وغير ذلك من حجج نواب إبليس في الأرض . 216- الإيمان عند أهل السنة قول وعمل ، قول القلب ، واللسان وعمل القلب واللسان والجوارح . وقال بعض أهل السنة بأن الإيمان قولٌ وعمل ونية ، وقال بعض أهل السنة بأن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالجنان وعملٌ بالأركان ، ولا تنافي بين هذه الأمور ، فهي ترجع إلى أن الإيمان قول وعمل . إلا أن قول من قال أن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان فيه شيء من القصور حيث أخرج أعمال القلوب . 217- اتفق الصحابة والتابعون ومن بعدهم من علماء السنة على أن الأعمال من الإيمان ، واتفقوا على أن تارك جنس العمل مطلقاً كافر فلا يجرئ التصديق بالقلب والنطق باللسان حتى يكون عملٌ بالجوارح وقد حكى الشافعي رحمه الله إجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممن أدركهم أن الإيمان قولٌ وعمل ونية فلا يجرئ واحدٌ من الثلاثة من الآخر أي فلا يجزي جنس القول عن جنس الإعتقاد ولا يجزئ جنس الإعتقاد عن جنس عمل الجوارح فإذا اختل جنس واحد من هؤلاء يصبح الرجل كافراً لا مسلماً . وذكر الخلال في السنة عن الإمام الحميدي رحمه الله قال: (( أُخبرت أن قوماً يقولون: إن من أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج ولم يفعل من ذلك شيء حتى يموت أو يصلي مسند ظهره مستدبر القبلة حتى يموت فهو مؤمن ما لم يكن جاحداً إذا علم أن تركه ذلك في إيمانية إذا كان يُقر بالفروض واستقبال القبلة . فقلت: هذا الكفر بالله الصُراح وخلاف كتاب الله وسنة رسوله ، وفعل المسلمين قال الله جل وعلا: حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة . قال حنبل قال: الإمام أحمد رحمه الله تعالى: (( من قال هذا فقد كفر بالله ورد على الرسول ما جاء به )) وقال سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى: (( المرجئة سمو ترك الفرائض ذنباً بمنزله ركوب المحارم )) وليس سواء لأن ركوب المحارم متعمداً من غير استحلال معصية ، وترك الفرائض من غير جهل ولا عذر هو كفر وبيان ذلك في أمر آدم وإبليس وعلماء اليهود الذين أقروا ببعثه النبي بلسانه ولم يعملوا بشرائعه . وقال إسحاق: (( غلت المرجئة حتى صار من قولهم: إن قوماً يقولون من ترك الصلوات المكتوبات ، وصوم رمضان ، والزكاة ، والحج وعامة الفرائض من غير جحود الله ، لا نكفره ، يرجى أمره إلى الله إذا هو مقرٌ )) فهؤلاء الذين لا شك فيهم أنهم مرجئة . 218- ترك الأعمال منها ما ينافي أصل الإيمان كترك الصلاة ، وقد أجمع الصحابة على كفر تارك الصلاة حكى إجماعهم العقيلي وإسحاق وجماعة من الأئمة ومن الأعمال ما ينافي تركه الإيمان الواجب ولا ينافي أصل الإيمان كترك بر الوالدين وصلة الأرحام ونحو ذلك مما يعتبر كبيرة من الكبائر . 219- ختم المؤلف الكتاب بقوله: (( والحمد لله وحده )) بدليل قوله تعالى وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين وقال تعالى في آخر سورة الصافات: سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين فَيشُرع خَتْمُ الأعمال بالحمدله . 220- الصحابي: هو من لقي النبي مؤمناً به ومات على ذلك ، ولو تخللت رده في أصح قولي العلماء . وبهذه الفائدة انتهى انتقاء الفوائد من هذا الشرح النفيس الماتع النافع والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ،،، وكتبه / أبو المهنـد القصيمي في صبيحة الأحد 15 / 3 / 1429هـ في الساعة 6.23 Saleh1427@hotmail.com لتحميل الفوائد بملف وورد http://www.ahlalhdeeth.com/vb/attach...5&d=1207029510
__________________
كلما زاد نصيبك من (اقرأ) زادت عليك التبعة في (أنذر) آخر من قام بالتعديل قناص الفوائد; بتاريخ 01-04-2008 الساعة 11:11 AM. |
01-04-2008, 12:20 PM | #2 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Jun 2007
البلد: في زمن الغربة
المشاركات: 836
|
جهد مبارك جعلنا الله وإياك مباركين أينما كنا جاري الطباعة وإكمال القراءة
__________________
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(سيأتي على الناس سنوات خداعات : يصدق فيها الكاذب ، ويكذب فيها الصادق ، ويؤتمن فيها الخائن ، ويخون الأمين ، وينطق فيها الرويبضة . قيل : وما الرويبضة ؟ قال : الرجل التافه يتكلم في أمر العامة) صحيح الجامع ( 3650 ) |
01-04-2008, 03:18 PM | #3 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Mar 2003
البلد: كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
المشاركات: 7,209
|
ما شاء الله تبارك الله جهد كبير وعظيم بارك الله فيك وجعل ذلك في ميزان حسناتك
__________________
يــــارب يــــارب يــــارب اشـفـي والـدتـي عـاجـلاً غـيـر آجـل |
01-04-2008, 11:01 PM | #4 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: May 2006
المشاركات: 1,081
|
جهد مشكور ، وعمل ماجور إن شاء الله .
هل الشرح موجود في أشرطة كاسيت؟ وفي أي جهة ؟
__________________
قال حذيفة رضي الله عنه : ( أتقوا الله يا معشر العلماء ، وخذو طريق من كان قبلكم ، فلعمري لإن اتبعتموه لقد سبقتم سبقاً بعيدا ، ولئن تركتموه يمينا ً وشمالاً لقد ضللتم ضلالا بعيدا) أخرجه البخاري 7282 وابن عبدالبر واللفظ له في الجامع 1809 |
01-04-2008, 11:44 PM | #5 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Aug 2004
البلد: جزيره العرب
المشاركات: 2,443
|
جزاك الله خير
ونسئل الله إن يفك آسر الشيخ وجميع آسرى المسلمين في كل مكان .
__________________
|
02-04-2008, 01:07 AM | #6 | |||||||||||||||||||||||
عـضـو
تاريخ التسجيل: Mar 2003
البلد: !!!!
المشاركات: 961
|
آمين وبارك الله فيكـ أخي الأعمش على إطلالتك البهية ..
__________________
كلما زاد نصيبك من (اقرأ) زادت عليك التبعة في (أنذر) |
|||||||||||||||||||||||
02-04-2008, 01:08 AM | #7 | |||||||||||||||||||||||
عـضـو
تاريخ التسجيل: Mar 2003
البلد: !!!!
المشاركات: 961
|
الله يوفقك ويجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم .,,
__________________
كلما زاد نصيبك من (اقرأ) زادت عليك التبعة في (أنذر) |
|||||||||||||||||||||||
02-04-2008, 12:36 PM | #8 | |||||||||||||||||||||||
عـضـو
تاريخ التسجيل: Mar 2003
البلد: !!!!
المشاركات: 961
|
بارك الله فيكـ .. نعم الشرح موجود في أشرطة كاسيت ولكن لا تجدها تباع مبثوثة بين طلاب الشيخ وليست عندي هي وإنما موجودة عندي على سيدي وانظر هنا تجدها : http://www.islamway.com/?iw_s=Schola...series_id=2821 وهنا صفحة الشيخ الصوتية http://www.islamway.com/?iw_s=Schola...scholar_id=245 وهنا تجد كثير من مؤلفات الشيخ http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=74383
__________________
كلما زاد نصيبك من (اقرأ) زادت عليك التبعة في (أنذر) |
|||||||||||||||||||||||
04-04-2008, 06:37 PM | #9 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Mar 2003
البلد: !!!!
المشاركات: 961
|
قمر دين
بورك فيكـــ
__________________
كلما زاد نصيبك من (اقرأ) زادت عليك التبعة في (أنذر) |
الإشارات المرجعية |
أدوات الموضوع | |
طريقة العرض | |
|
|