بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » الشيخان سلمان العودة وناصر العمر يشاركان في مؤتمر نصرة الشعب العراقي

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 17-12-2006, 09:15 PM   #15
العصفور الأنيق
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Jun 2006
المشاركات: 140
أخي راعي بريدة

تحياتي لك
وأسأل الله أن يشفي والدتك ووالدتي وجميع مرضى المسلمين


الحديث عن هذه القضية حديث متشعب وله تفاصيل كثيرة ، ولا أحب الخوض فيه ، ولعل هذه الكلمات المقتنصة القليلة تفي بالأمر ، مقدرا لك تحاورك بأدب



إن لجوء المسلم في الضرورات إلى كافر يحميه أو يجيره أو يرد مظلمته وينصره من كافر آخر، أو لدفع صائل فاجر لا يردعه ولا يرهبه إلا ذلك ،، في ظل عدم وجود سلطان وشوكة لشرع الله فليس هو أصلا من التحاكم في شيء ..

ولقد قدمنا لك مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم لحلف الفضول مع أنه كان حلفاً جاهلياً أسسه كفار وقد شهده النبي صلى الله عليه سلم وهو غلام وقال: (فما أحب أن لي حُمر النعم وأني أنكثه) وفي رواية: (لو دعيت به في الإسلام لأجبت).
وقد كانت صورته بأنه تجمع عشائري في الجاهلية تعاقد على إغاثة الملهوف ونصرة المظلوم ورد الحقوق إلى أهلها بقوتهم وشوكة تجمعهم، وكان ذلك في وقت لم يكن فيه للإسلام سلطان ولا دولة وقبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وفي جاهلية جهلاء فهو مؤسسة من مؤسسات الجاهلية…

فمدح النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الحلف يقتضي عدم الحرج على المستضعف إذا ما لجأ إليه أو إلى مثله من الكفار الذين يقدرون على دفع الظلم عنه أو عن عرضه أو ماله، أو تحصيل بعض حقوقه بقوتهم وشوكتهم وسلطانهم، من كفار ظلمة آخرين في ظل عدم وجود سلطان للشريعة… ولو كان في ذلك أدنى حرج، فضلاً عن الحرمة أو الكفر ، لبينه النبي صلى الله عليه وسلم في معرض مدحه له، فهو صلى الله عليه وسلم أتقى الأمة وأورعها، ولم يدع شراً إلا وحذرها منه.

فهذا الإستنصار وذلك التحاكم بصورته وتأويلاته المذكورة هو الذي ندفع عنه وننكر تكفير أهله…

وحذار من تقويلنا ما لم نقله من تجويز التحاكم إلى الكفار والطواغيت وقوانينهم مطلقاً… أو الاستنصار بهم على المسلمين الموحدين أو محاكمتهم إليهم وإلى قوانينهم الكافرة في الخصومات، فهذا لم نقل به في يوم من الأيام، فالمسلم عنده من وازع التقوى والورع والإيمان ما يردعه ويقوده إلى النزول على حكم الله تعالى والتسليم له دون رهبة شوكة أو أطر سلطان، ومن كان حاله كذلك فأبى خصمه إلا محاكمته إلى قوانين الكفر وهو يعرف أن بمقدوره تحصيل حقه دون ذلك، فقد تحاكم إلى الطاغوت مختاراً، ودخل في نظير صورة سبب النزول.

ومن دُعي إلى حكم الله وحكم كتابه متى تيسرت إقامته وأمكن حلّه للخصومات وفصله في النزاعات من ظالم أو مظلوم فأبى وامتنع، فهو من الذين قال الله تعالى فيهم: ((وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدّون عنك صدوداً )) (النساء: 61).
وقال: (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما )) (النساء: 65).

هذا، ولقد بالغ بعض المتعنتين في الإنكار على عوام المسلمين، وضيّقوا عليهم، وحمّلوهم ما لا يطيقون، حتى أنكروا عليهم مجرد مثولهم أمام هذه المحاكم أو الحكومات أو شرطتها ومخافرها، ولو للدفع عن أنفسهم حين يُطلبون، وألزمهم البعض بالامتناع عن ذلك وبالفرار وإلا كانوا كفاراً….

ومعلوم أن ذلك لا يستطيعه ويقدر عليه كل أحد، خصوصاً في واقع الاستضعاف..
وأن الناس يتفاوتون في تحمل الأذى والضرورات ، ألا ترى تجويز الفقهاء في المخمصة للضعيف والشيخ الكبير ما لم يجيزوه لغيرهم وتوسيعهم عليهم بما هو أوسع مما أجازوه للقوي القادر المعافى ، وأن الناس يختلفون في حد الإكراه . أن لكل حال ومقام مقال .

ولذلك فقد قدر إبراهيم عليه السلام الذي تحدى قومه ولم يبال بنارهم المؤججة في وقت من الأوقات ،رغم أنه كان وحيدا فريدا ؛ قد قدر في ظرف آخر أنه وزوجه مستضعفان ومضطران لأن يلبيا طلب الكافر حين استدعى سارة .. بل أدرج البخاري ذلك في ( كتاب الإكراه ) .. وأعني بذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم : " هاجر إبراهيم بسارة ، دخل بها قرية فيها ملك من الملوك – أو جبار من الجبابرة – فأرسل إليه أن أرسل إلي بها ، فأرسل بها ، فقام إليها ، فقامت تتوظأ وتصلي فقالت : اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك فلا تسلط علي الكافر ، فغط حتى ركض برجله " وبوب له البخاري في كتاب الإكراه " باب إذا استكرهت المراة على زنا فلا حد عليها "
فعد ذلك إكراها ولا ملامة على ابراهيم أو على زوجه في خلوتها مع ذلك الكافر كونها كانت مكرهة ، كما أورد الحافظ ابن حجر في أقوال أهل العلم .. ولم يلاما أو يعاتبا على عدم الفرار ولا ألزمهم به أحد .. فهما أعلم بظرفهما وحالهما في ذلك المقام ..

ومعلوم كذلك أنه ليس كل مثول أو مراجعة للكفار أو محاكمهم أو مخافرهم يعد تحاكماً للطاغوت أو كفراً…
أضف إلى هذا أن كثيرا من التهم والشكايات، تحل وتدفع بمجرد المراجعة والمثول وإزالة الإشكال، وقد تحل بصلح أو نحوه من التحكيم الذي لا حرج فيه وليس من التحاكم المكفر في شيء ، فقد قال تعالى عن الصلح : ((والصلح خير)) ، وقال فيما استثناه من النجوى الجائزة بين الناس : (( أو إصلاح بين الناس )) ، وقال في شأن القتال والنزاع بين طوائف المسلمين : (( فأصلحوا بينهما وأقسطوا )) ..

ويروى من حديث أبي هريرة وغيره من الصحابة مرفوعاً: (الصلح جائز بين المسلمين) وهو مروي عند أبي داود والحاكم والبيهقي.

وكان عمر رضي الله عنه يأمر برد الخصوم حتى يصطلحوا ، ولذلك استحب الفقهاء للقاضي محاولة الصلح بين الخصوم في جميع الدعاوي التي لا يكون المطلوب فيها حقا من حقوق الله ، إذ الدعاوي والقضايا تنقسم إلى ماكان حقا لله خالصا ، أو حقا للعباد ، أو حقا مشتركا يغلب فيه طرف ، وفي ذلك تفصيل معروف من حيث جواز الصلح والتنازل في حقوق العباد ، وفي عدم جواز ذلك في حقوق الله . أنظر أعلام الموقعين ( 1/107-108).

والصلح الجائز عام بين الناس ، وليس خاصا بالزوجين بل يكون بين الشريكين والخصمين والطائفتين المختلفتين أو المقتتلتين وغير ذلك ..
فكما أنّ الخصومة بين الزوجين يجوز أن يحكم فيها بالصلح ويجتهد الحكمان فيها، بأن يتنازل أحد الزوجين عن بعض حقوقه في سبيل الإصلاح الذي هو خير من الفراق والشقاق ؛ فهكذا الأمر في كثير من النزاعات والخصومات، يجوز أن تحل بالصلح وتراضي الأطراف أو تنازل بعضهم عن شيء من حقوقهم، فالصلح عقد رضائي تجيزه الشريعة ولا يرد عليه قيد إلا أن يحل حراما أو يحرم حلالا .

قال الحافظ في الفتح عند حديث رقم (2961) : ( والصلح أقسام صلح المسلم مع الكافر ، والصلح بين الزوجين ،والصلح بين الفئة الباغية والعادلة .. والصلح في الجراح كالعفو على مال ،والصلح لقطع الخصومة إذا وقعت المزاحمة إما في أملاك أو في المشتركات كالشوارع ..) أهـ .

وهذا مما وسع الله تعالى فيه، وليس هو من التشريع الكفري بحال، ولا هو من الحكم بغير ما أنزل الله أو التحاكم إلى الطاغوت، وقد قال الفاروق رضي الله عنه: (إذا وسع الله فأوسعوا…) رواه البخاري.

وبعض الناس لا يعجبهم التوسيع على عباد الله ، ويحسبون أن الحق دوما مع التشديد ، وأنزع الناس إلى ذلك الخوارج ؛ ولذلك فقد ضاقت أذهانهم عن فهم هذا، وضعفت عقولهم عن إدراكه، فاعترضوا على ما كان من السعي في الصلح والتحكيم بين معاوية وعلي، وما كان من قصة الحكمين… فاعتبروه حكماً بغير ما أنزل الله، خصوصاً عندما رأوا علياً قد تنازل لأجل الإصلاح عن بعض الأمور التي اعترض عليها أهل الشام في كتاب الصلح كتسميته أمير المؤمنين، وما جرى بين أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص… فقالوا: حكّمتم الرجال (ومن لم يحكم بما أنزل الله فؤلئك هم الكافرون) فكان مما ناظرهم فيه ابن عباس ، وينسب لعلي أن ذكرهم بما تنازل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية .. وقال: (يقول الله في كتابه في رجل وامرأته: ((وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما))، أفيجوز ذلك في امرأة ورجل ولا يجوز في أمة محمد؟) أو (فأمة محمد أعظم دماً وحرمة من امرأة ورجل…؟). فثاب ورجع منهم من رجع وأصر آخرون كما سيأتي..

قال الشاطبي في الاعتصام (2/264-265) وهو يبين علامات وخواص فرق أصحاب البدع والأهواء: (الخاصية الثانية هي التي نبه عليها قوله تعالى: ((فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه)) الآية… فبينت الآية أن أهل الزيغ يتبعون متشابهات القرآن، ومعنى المتشابه: ما أشكل معناه، ولم يبين مغزاه، [سواء] كان من المتشابه الحقيقي كالمجمل من الألفاظ… أو من المتشابه الإضافي؛ وهو ما يحتاج في بيان معناه الحقيقي إلى دليل خارجي، وإن كان في نفسه ظاهر المعنى لبادي الرأي. كاستشهاد الخوارج على إبطال التحكيم بقوله: ((إن الحكم إلا لله)) فإن ظاهر الآية صحيح على الجملة، وأما على التفصيل فمحتاج إلى البيان، وهو ما تقدم ذكره لابن عباس رضي الله عنهما، لأنه بيّن أن الحكم لله تارة بغير تحكيم ،لأنه إذا أمرنا بالتحكيم، فالحكم به حكم الله) أهـ باختصار يسير.

فمن جنس التحكيم المشروع الصلح بين الأزواج وبين الناس عموماً بالتنازل أو أداء بعض ما يصطلحون عليه ونحوه، وكذلك من جنسه ما وسّع الله فيه على الحاكم أو الإمام أو أمير الحرب من التخيير في أهل الحرب وأموالهم إذا فتحت بلادهم عنوة بين قتل المقاتلة و الاسترقاق أو المن أو الفداء… ومن هذا الباب تحكيم سعد بن معاذ في بني قريظة لما نزلوا على حكمه، فحكم بأن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد حكمت فيهم بحكم الله) والحديث متفق عليه .

ومثله حديث بريدة الذي يرويه الإمام أحمد ومسلم في صحيحه وغيرهما في وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لأمراء الجيوش وفيه قوله: (وإذا حاصرت أهل حصن وأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله أم لا).
وإنما قال ذلك، لأن هذا النوع من الحكم مما يسع الأمير أو الحاكم فيه الاختيار والاجتهاد بين أمور…

ومن باب (التحكيم والصلح) أيضاً ما رواه أبو داود والنسائي والبخاري في الأدب المفرد عن أبي شريح أنه لما وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه سمعهم يكنونه بأبي الحكم، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( إن الله هو الحكم وإليه الحكم فلم تكنى بأبي الحكم ؟ ) فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضى كلا الفريقين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما أحسن هذا ) ثم كناه بأكبر أولاده… وهذا كان يفعله في الجاهلية قبل إسلامه ولذلك عُد من حكام الجاهلية … ومع هذا فقد استحسنه النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان من الحكم بغير ما أنزل الله، لأنكره ولما استحسنه بحال، فهذا كله يدل على أن الصلح جائز ، وأنه ليس من التحاكم إلى الطاغوت أو الحكم بغير ما أنزل الله ، ولو أشرف عليه كافر ارتضاه الخصمان ما دام لا يحل حلالا ولا يحرم حراما ..

ويؤيد هذا قوله تعالى في الصلح بين الزوجين : (( فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما )) ومعلوم أن للزوجة أن تختار الحكم الذي تثق به من أهلها ، وأنها لو كانت كتابية لها ان تختاره من أهل دينها ..

وقال الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ : ( أما بالنسبة لما انتهى عند قضاة العشائر فإن كان ذلك عن طريق الصلح ولم يتضمن هذا الصلح تحليل محرم أو تحريم حلال فالصلح صحيح ، وإن كان ذلك بطريق الحكم فذلك غير صحيح ، لأن المعروف عن مشايخ العشائر الجهل وعدم العلم بالأحكام الشرعية ، فالتحاكم إليهم من باب التحاكم إلى الطاغوت ) أهـ . من فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن ابراهيم (12/292) .
فعلم من هذا أنه ليس كل مثول بين يدي أعداء الله أو محاكمهم يعد من التحاكم المكفر .

-أضف إلى هذا، أنه إذا تغيب المرء أحيانا عن المثول، أو فرّ لغير ضرورة أو داعٍ فقد تتعقد أموره وتتضاعف عقوبته، وتثبت التهمة عليه بالباطل… خصوصاً وأن أحكامهم الغيابية عادة ما تكون أشد من الحضورية، والمسلم مطالب بدفع أعظم المفسدتين عن نفسه باحتمال أدناهما. وهذا باب عظيم ترد عليه كثير من التأويلات والإجتهادات ..
وفي خلاف ذلك ما الله به عليم من التشديد والتضييق على عباد الله وإيقاعهم في الحرج الذي رفعه الله عنهم دون ضرورة… فليس هذا من التحاكم إلى الطواغيت بل هو من جنس دفع المعتدي والصائل ورد التهمة بحسب الإمكان.

ومما يصلح الاحتجاج به في هذا المقام قصة مثول جعفر وأصحابه المهاجرين إلى الحبشة بين يدي النجاشي قبل إسلامه، ودفعهم عن أنفسهم بحسب الإمكان، لما جاء مبعوثا قريش يطلبانهم، وعدم امتناع أحد منهم من المثول أو تحرجه من ذلك، وعدم إنكار النبي صلى الله عليه وسلم لذلك وقد ذكر القصة الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية عن ابن إسحاق وأبي نعيم في الدلائل والبيهقي في الدلائل أيضاً وغيرهم بأسانيد جوّد بعضها وصحح وقوى البعض الآخر انظرها (3/69) فصاعداً وفيها أن النجاشي أمّنهم ونصرهم وأبى تسليمهم لقريش..

ويصلح في هذا الباب أيضاً، الاستدلال بقول يوسف عليه السلام لما اتهمته امرأة العزيز بقولها: ((ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم)) .
((قال هي راودتني عن نفسي، وشهد شاهدٌ من أهلها… الآيات)) وفيه دفعه عن نفسه بين قوم كفار وشهادة بعضهم ودفاعهم عنه وتبرئته.

وأظهر من ذلك ما فعله في السجن؛ حين (( قال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك…)) فلم يمنعه كفر ملك مصر في ذلك الوقت وكونه له تشريعه ودينه المخالف لدين الله ، من أن يبعث إليه يعلمه أنه مظلوم قد زج به في السجن من غير ذنب، لعله يفرّج عنه ويرفع عنه الظلم ويبري ساحته من التهمة التي حبس من أجلها … ولا منعه ذلك أيضاً من أن يدفع عن نفسه ويسعى في إظهار براءته عند ما طلبه الملك بعد ذلك، فقال للرسول: ((ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم)) فها هو يشكو مظلمته أو قل يذكرها عند الملك الكافر ليظهر براءته ؛ فأين المتنطع المكفر لعوام المسلمين المستضعفين من هذا ؟؟؟.

وهذا كله فعل نبي معصوم، والحفاظ على جناب التوحيد وإخلاصه مما بعث به الأنبياء كافة، واتفقت دعواتهم جميعاً عليه كما هو معلوم في دعوة الأنبياء والمرسلين.. فما كان لنبي الله يوسف أن يخالف ذلك أو يناقضه أو يخرج عن ملة آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب ولو قيد أنملة… كيف وقد نزهه الله تعالى وأعاذه مما هو دون ذلك فقال: ((كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء )) ثم قال: (( إنه من عبادنا المخلصين).
فيظهر من هذا كله أن لا حرج على الموحد أصلا في مثله.

وأنه ليس كل تعامل مع الكفار والطواغيت وسجانيهم أو شرطتهم أو محاكمهم يلزم أن يكون من التحاكم إلى الطاغوت المناقض للتوحيد… ولا كل مراجعة لهم أو مثول بين أيديهم يلزم أن يكون كذلك.

وأن التفصيل في ذلك واجب ومهم فمن ذلك ما قد يندرج تحت الإسنتصار وفيه التفصيل المتقدم ،ومنه ما قد يدخل في أبواب الصلح وقد علمت جوازه ، ومنه ما قد يدخل في باب دفع المفاسد عن النفس ، أو دفع أعلاهما باحتمال أدناهما ، وأنه باب من أبواب الاجتهاد . وأن منه ما قد يكون من التحاكم إليهم ؛ فيجب النظر في نوعه هل هو من التحاكم الطاغوتي المكفر ، أم في الأمور الإدارية التي وسع الله فيها .

كما يجب النظر في حال المتخوض في ذلك مكره هو أم غير مكره ، والنظر في تأويلاته ومراعاة استضعاف الأمة وعدم وجود سلطان لحكم الإسلام ..

هذا والمسلم بعد ذلك أعرف بما ينفعه أو يضره في أمثال تلك المراجعات التي لا تندرج تحت التحاكم أو الركون المحظور… ففي الحديث الذي يرويه مسلم عن أبي هريرة مرفوعا : (…احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان).

فالواجب عليه أن يجتهد ويُقدّر الأمور بقدرها غير باغ ولا عاد ، وينظر في المصلحة ويوازن بين المفاسد، فإن قدّر أن في مراجعته أو مثوله بين أيديهم تسليط لأعداء الله على دينه، أو تحميل لنفسه من البلاء ما لا يطيقه، فلا ينبغي للمسلم أن يذل نفسه ويسلمها لهم في مثل هذه الحال، وفي الفرار منجاة في كثير من الأحيان… وكل مسلم أعرف بأحواله ونوازله، وضروراته، وهو يقدّر المفسدة والمصلحة في المقام الذي هو فيه ، فإن لكل مقام مقال، ويدفع الضرر عن نفسه ما استطاع ، إلى أن يجعل الله لهذه لأمة فرجاً.

وفي صحيح البخاري (كتاب الجهاد والسير) "باب هل يستأسر الرجل؟ ومن لم يستأسر" وذكر فيه حديث سرية عاصم بن ثابت الأنصاري، وفيه اجتهاد الصحابة ما بين مستأسر نازلٍ على عهد الكفار وميثاقهم ، وغير مستأسر رافض عهدهم وذمتهم حتى قتل.. (3045) وشرحه الحافظ في المغازي (4086) .

وفيه أيضاً في (كتاب الإيمان) (باب من الدين الفرار من الفتن) وذكر فيه حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر، يفرّ بدينه من الفتن)
*



*


*
__________________
لا ينظرون وراءهم ليودعوا منفى

فأمامهم منفى

لقد ألفوا الطريق ...

( محمود درويش )

آخر من قام بالتعديل العصفور الأنيق; بتاريخ 17-12-2006 الساعة 09:20 PM.
العصفور الأنيق غير متصل  
قديم(ـة) 17-12-2006, 09:49 PM   #16
بدون مجاملة
Guest
 
تاريخ التسجيل: Apr 2006
المشاركات: 131
..........

قال :

( ولقد قدمنا لك ) انتبه .. قدمنا ... قدمـ نا

( وحذار من تقويلنا ما لم نقله ) انتبه ... تقويلــ نا .... نــ قله

..........

يا سلام أنا مستانس ... تعالم و تزييف و استدلال خاطئ

أعانك الله يا العصفور الأنيق فيبدو أن مكانك هناك بين الأدباء

وليس في مسائل خطيرة هي من صميم العقيدة

وقديما قيل : من تكلم فيما لا يعلمه أتى بالعجائب

..........

أنا أنتظر رد راعي بريدة

فهذه المواضيع تستهويني

.........
بدون مجاملة غير متصل  
قديم(ـة) 18-12-2006, 11:36 AM   #17
بدون مجاملة
Guest
 
تاريخ التسجيل: Apr 2006
المشاركات: 131
للرفع
بدون مجاملة غير متصل  
قديم(ـة) 18-12-2006, 01:44 PM   #18
راعي بريدة
عـضـو
 
صورة راعي بريدة الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2005
البلد: في أرضِ الله...
المشاركات: 548
والله يا أخي ( العصفور الأنيق ) لن أدخل معك في نقاش .. فأغلب ماكتبته أنت لادخل له في موضوعنا .. وماكان له دخل فيه فهو حجة عليك إذ أنك تقرر أنه إذا خالفت الأحكام الشريعة فلايجوز التحاكم اليها وانظر في حال المحاكم الدولية ودعك من التنظير المطول ... مع أن التحاكم الى المحاكم الكفرية والوضعية أمرٌ منهىً منه ..

..

(بدون مجاملة )

شكرا لك
__________________
::
قال الإمام عبدالله عزام ـ رحمه الله ـ :


" تظنون المبادئ لعبة أو لهوا أو متاعاً، يبلغها إنسان بخطبة منمقة مرصعة بالألفاظ الجميلة، أو يكتب كتاباً يطبع في المطابع ويودع في المكتبات، لم يكن هذا أبداً طريق أصحاب الدعوات!! إن الدعوات تحسب دائماً في حسابها أن الجيل الأول الذين يبلغون؛ هؤلاء يُكبّرون عليهم أربعاً في عداد الشهداء "
::
راعي بريدة غير متصل  
قديم(ـة) 18-12-2006, 08:38 PM   #19
قبون
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 105
اقتباس
المشاركة الأساسية كتبها العصفور الأنيق
أخي راعي بريدة

تحياتي لك
وأسأل الله أن يشفي والدتك ووالدتي وجميع مرضى المسلمين


الحديث عن هذه القضية حديث متشعب وله تفاصيل كثيرة ، ولا أحب الخوض فيه ، ولعل هذه الكلمات المقتنصة القليلة تفي بالأمر ، مقدرا لك تحاورك بأدب



إن لجوء المسلم في الضرورات إلى كافر يحميه أو يجيره أو يرد مظلمته وينصره من كافر آخر، أو لدفع صائل فاجر لا يردعه ولا يرهبه إلا ذلك ،، في ظل عدم وجود سلطان وشوكة لشرع الله فليس هو أصلا من التحاكم في شيء ..

ولقد قدمنا لك مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم لحلف الفضول مع أنه كان حلفاً جاهلياً أسسه كفار وقد شهده النبي صلى الله عليه سلم وهو غلام وقال: (فما أحب أن لي حُمر النعم وأني أنكثه) وفي رواية: (لو دعيت به في الإسلام لأجبت).
وقد كانت صورته بأنه تجمع عشائري في الجاهلية تعاقد على إغاثة الملهوف ونصرة المظلوم ورد الحقوق إلى أهلها بقوتهم وشوكة تجمعهم، وكان ذلك في وقت لم يكن فيه للإسلام سلطان ولا دولة وقبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وفي جاهلية جهلاء فهو مؤسسة من مؤسسات الجاهلية…

فمدح النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الحلف يقتضي عدم الحرج على المستضعف إذا ما لجأ إليه أو إلى مثله من الكفار الذين يقدرون على دفع الظلم عنه أو عن عرضه أو ماله، أو تحصيل بعض حقوقه بقوتهم وشوكتهم وسلطانهم، من كفار ظلمة آخرين في ظل عدم وجود سلطان للشريعة… ولو كان في ذلك أدنى حرج، فضلاً عن الحرمة أو الكفر ، لبينه النبي صلى الله عليه وسلم في معرض مدحه له، فهو صلى الله عليه وسلم أتقى الأمة وأورعها، ولم يدع شراً إلا وحذرها منه.

فهذا الإستنصار وذلك التحاكم بصورته وتأويلاته المذكورة هو الذي ندفع عنه وننكر تكفير أهله…

وحذار من تقويلنا ما لم نقله من تجويز التحاكم إلى الكفار والطواغيت وقوانينهم مطلقاً… أو الاستنصار بهم على المسلمين الموحدين أو محاكمتهم إليهم وإلى قوانينهم الكافرة في الخصومات، فهذا لم نقل به في يوم من الأيام، فالمسلم عنده من وازع التقوى والورع والإيمان ما يردعه ويقوده إلى النزول على حكم الله تعالى والتسليم له دون رهبة شوكة أو أطر سلطان، ومن كان حاله كذلك فأبى خصمه إلا محاكمته إلى قوانين الكفر وهو يعرف أن بمقدوره تحصيل حقه دون ذلك، فقد تحاكم إلى الطاغوت مختاراً، ودخل في نظير صورة سبب النزول.

ومن دُعي إلى حكم الله وحكم كتابه متى تيسرت إقامته وأمكن حلّه للخصومات وفصله في النزاعات من ظالم أو مظلوم فأبى وامتنع، فهو من الذين قال الله تعالى فيهم: ((وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدّون عنك صدوداً )) (النساء: 61).
وقال: (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما )) (النساء: 65).

هذا، ولقد بالغ بعض المتعنتين في الإنكار على عوام المسلمين، وضيّقوا عليهم، وحمّلوهم ما لا يطيقون، حتى أنكروا عليهم مجرد مثولهم أمام هذه المحاكم أو الحكومات أو شرطتها ومخافرها، ولو للدفع عن أنفسهم حين يُطلبون، وألزمهم البعض بالامتناع عن ذلك وبالفرار وإلا كانوا كفاراً….

ومعلوم أن ذلك لا يستطيعه ويقدر عليه كل أحد، خصوصاً في واقع الاستضعاف..
وأن الناس يتفاوتون في تحمل الأذى والضرورات ، ألا ترى تجويز الفقهاء في المخمصة للضعيف والشيخ الكبير ما لم يجيزوه لغيرهم وتوسيعهم عليهم بما هو أوسع مما أجازوه للقوي القادر المعافى ، وأن الناس يختلفون في حد الإكراه . أن لكل حال ومقام مقال .

ولذلك فقد قدر إبراهيم عليه السلام الذي تحدى قومه ولم يبال بنارهم المؤججة في وقت من الأوقات ،رغم أنه كان وحيدا فريدا ؛ قد قدر في ظرف آخر أنه وزوجه مستضعفان ومضطران لأن يلبيا طلب الكافر حين استدعى سارة .. بل أدرج البخاري ذلك في ( كتاب الإكراه ) .. وأعني بذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم : " هاجر إبراهيم بسارة ، دخل بها قرية فيها ملك من الملوك – أو جبار من الجبابرة – فأرسل إليه أن أرسل إلي بها ، فأرسل بها ، فقام إليها ، فقامت تتوظأ وتصلي فقالت : اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك فلا تسلط علي الكافر ، فغط حتى ركض برجله " وبوب له البخاري في كتاب الإكراه " باب إذا استكرهت المراة على زنا فلا حد عليها "
فعد ذلك إكراها ولا ملامة على ابراهيم أو على زوجه في خلوتها مع ذلك الكافر كونها كانت مكرهة ، كما أورد الحافظ ابن حجر في أقوال أهل العلم .. ولم يلاما أو يعاتبا على عدم الفرار ولا ألزمهم به أحد .. فهما أعلم بظرفهما وحالهما في ذلك المقام ..

ومعلوم كذلك أنه ليس كل مثول أو مراجعة للكفار أو محاكمهم أو مخافرهم يعد تحاكماً للطاغوت أو كفراً…
أضف إلى هذا أن كثيرا من التهم والشكايات، تحل وتدفع بمجرد المراجعة والمثول وإزالة الإشكال، وقد تحل بصلح أو نحوه من التحكيم الذي لا حرج فيه وليس من التحاكم المكفر في شيء ، فقد قال تعالى عن الصلح : ((والصلح خير)) ، وقال فيما استثناه من النجوى الجائزة بين الناس : (( أو إصلاح بين الناس )) ، وقال في شأن القتال والنزاع بين طوائف المسلمين : (( فأصلحوا بينهما وأقسطوا )) ..

ويروى من حديث أبي هريرة وغيره من الصحابة مرفوعاً: (الصلح جائز بين المسلمين) وهو مروي عند أبي داود والحاكم والبيهقي.

وكان عمر رضي الله عنه يأمر برد الخصوم حتى يصطلحوا ، ولذلك استحب الفقهاء للقاضي محاولة الصلح بين الخصوم في جميع الدعاوي التي لا يكون المطلوب فيها حقا من حقوق الله ، إذ الدعاوي والقضايا تنقسم إلى ماكان حقا لله خالصا ، أو حقا للعباد ، أو حقا مشتركا يغلب فيه طرف ، وفي ذلك تفصيل معروف من حيث جواز الصلح والتنازل في حقوق العباد ، وفي عدم جواز ذلك في حقوق الله . أنظر أعلام الموقعين ( 1/107-108).

والصلح الجائز عام بين الناس ، وليس خاصا بالزوجين بل يكون بين الشريكين والخصمين والطائفتين المختلفتين أو المقتتلتين وغير ذلك ..
فكما أنّ الخصومة بين الزوجين يجوز أن يحكم فيها بالصلح ويجتهد الحكمان فيها، بأن يتنازل أحد الزوجين عن بعض حقوقه في سبيل الإصلاح الذي هو خير من الفراق والشقاق ؛ فهكذا الأمر في كثير من النزاعات والخصومات، يجوز أن تحل بالصلح وتراضي الأطراف أو تنازل بعضهم عن شيء من حقوقهم، فالصلح عقد رضائي تجيزه الشريعة ولا يرد عليه قيد إلا أن يحل حراما أو يحرم حلالا .

قال الحافظ في الفتح عند حديث رقم (2961) : ( والصلح أقسام صلح المسلم مع الكافر ، والصلح بين الزوجين ،والصلح بين الفئة الباغية والعادلة .. والصلح في الجراح كالعفو على مال ،والصلح لقطع الخصومة إذا وقعت المزاحمة إما في أملاك أو في المشتركات كالشوارع ..) أهـ .

وهذا مما وسع الله تعالى فيه، وليس هو من التشريع الكفري بحال، ولا هو من الحكم بغير ما أنزل الله أو التحاكم إلى الطاغوت، وقد قال الفاروق رضي الله عنه: (إذا وسع الله فأوسعوا…) رواه البخاري.

وبعض الناس لا يعجبهم التوسيع على عباد الله ، ويحسبون أن الحق دوما مع التشديد ، وأنزع الناس إلى ذلك الخوارج ؛ ولذلك فقد ضاقت أذهانهم عن فهم هذا، وضعفت عقولهم عن إدراكه، فاعترضوا على ما كان من السعي في الصلح والتحكيم بين معاوية وعلي، وما كان من قصة الحكمين… فاعتبروه حكماً بغير ما أنزل الله، خصوصاً عندما رأوا علياً قد تنازل لأجل الإصلاح عن بعض الأمور التي اعترض عليها أهل الشام في كتاب الصلح كتسميته أمير المؤمنين، وما جرى بين أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص… فقالوا: حكّمتم الرجال (ومن لم يحكم بما أنزل الله فؤلئك هم الكافرون) فكان مما ناظرهم فيه ابن عباس ، وينسب لعلي أن ذكرهم بما تنازل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية .. وقال: (يقول الله في كتابه في رجل وامرأته: ((وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما))، أفيجوز ذلك في امرأة ورجل ولا يجوز في أمة محمد؟) أو (فأمة محمد أعظم دماً وحرمة من امرأة ورجل…؟). فثاب ورجع منهم من رجع وأصر آخرون كما سيأتي..

قال الشاطبي في الاعتصام (2/264-265) وهو يبين علامات وخواص فرق أصحاب البدع والأهواء: (الخاصية الثانية هي التي نبه عليها قوله تعالى: ((فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه)) الآية… فبينت الآية أن أهل الزيغ يتبعون متشابهات القرآن، ومعنى المتشابه: ما أشكل معناه، ولم يبين مغزاه، [سواء] كان من المتشابه الحقيقي كالمجمل من الألفاظ… أو من المتشابه الإضافي؛ وهو ما يحتاج في بيان معناه الحقيقي إلى دليل خارجي، وإن كان في نفسه ظاهر المعنى لبادي الرأي. كاستشهاد الخوارج على إبطال التحكيم بقوله: ((إن الحكم إلا لله)) فإن ظاهر الآية صحيح على الجملة، وأما على التفصيل فمحتاج إلى البيان، وهو ما تقدم ذكره لابن عباس رضي الله عنهما، لأنه بيّن أن الحكم لله تارة بغير تحكيم ،لأنه إذا أمرنا بالتحكيم، فالحكم به حكم الله) أهـ باختصار يسير.

فمن جنس التحكيم المشروع الصلح بين الأزواج وبين الناس عموماً بالتنازل أو أداء بعض ما يصطلحون عليه ونحوه، وكذلك من جنسه ما وسّع الله فيه على الحاكم أو الإمام أو أمير الحرب من التخيير في أهل الحرب وأموالهم إذا فتحت بلادهم عنوة بين قتل المقاتلة و الاسترقاق أو المن أو الفداء… ومن هذا الباب تحكيم سعد بن معاذ في بني قريظة لما نزلوا على حكمه، فحكم بأن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد حكمت فيهم بحكم الله) والحديث متفق عليه .

ومثله حديث بريدة الذي يرويه الإمام أحمد ومسلم في صحيحه وغيرهما في وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لأمراء الجيوش وفيه قوله: (وإذا حاصرت أهل حصن وأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله أم لا).
وإنما قال ذلك، لأن هذا النوع من الحكم مما يسع الأمير أو الحاكم فيه الاختيار والاجتهاد بين أمور…

ومن باب (التحكيم والصلح) أيضاً ما رواه أبو داود والنسائي والبخاري في الأدب المفرد عن أبي شريح أنه لما وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه سمعهم يكنونه بأبي الحكم، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( إن الله هو الحكم وإليه الحكم فلم تكنى بأبي الحكم ؟ ) فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضى كلا الفريقين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما أحسن هذا ) ثم كناه بأكبر أولاده… وهذا كان يفعله في الجاهلية قبل إسلامه ولذلك عُد من حكام الجاهلية … ومع هذا فقد استحسنه النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان من الحكم بغير ما أنزل الله، لأنكره ولما استحسنه بحال، فهذا كله يدل على أن الصلح جائز ، وأنه ليس من التحاكم إلى الطاغوت أو الحكم بغير ما أنزل الله ، ولو أشرف عليه كافر ارتضاه الخصمان ما دام لا يحل حلالا ولا يحرم حراما ..

ويؤيد هذا قوله تعالى في الصلح بين الزوجين : (( فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما )) ومعلوم أن للزوجة أن تختار الحكم الذي تثق به من أهلها ، وأنها لو كانت كتابية لها ان تختاره من أهل دينها ..

وقال الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ : ( أما بالنسبة لما انتهى عند قضاة العشائر فإن كان ذلك عن طريق الصلح ولم يتضمن هذا الصلح تحليل محرم أو تحريم حلال فالصلح صحيح ، وإن كان ذلك بطريق الحكم فذلك غير صحيح ، لأن المعروف عن مشايخ العشائر الجهل وعدم العلم بالأحكام الشرعية ، فالتحاكم إليهم من باب التحاكم إلى الطاغوت ) أهـ . من فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن ابراهيم (12/292) .
فعلم من هذا أنه ليس كل مثول بين يدي أعداء الله أو محاكمهم يعد من التحاكم المكفر .

-أضف إلى هذا، أنه إذا تغيب المرء أحيانا عن المثول، أو فرّ لغير ضرورة أو داعٍ فقد تتعقد أموره وتتضاعف عقوبته، وتثبت التهمة عليه بالباطل… خصوصاً وأن أحكامهم الغيابية عادة ما تكون أشد من الحضورية، والمسلم مطالب بدفع أعظم المفسدتين عن نفسه باحتمال أدناهما. وهذا باب عظيم ترد عليه كثير من التأويلات والإجتهادات ..
وفي خلاف ذلك ما الله به عليم من التشديد والتضييق على عباد الله وإيقاعهم في الحرج الذي رفعه الله عنهم دون ضرورة… فليس هذا من التحاكم إلى الطواغيت بل هو من جنس دفع المعتدي والصائل ورد التهمة بحسب الإمكان.

ومما يصلح الاحتجاج به في هذا المقام قصة مثول جعفر وأصحابه المهاجرين إلى الحبشة بين يدي النجاشي قبل إسلامه، ودفعهم عن أنفسهم بحسب الإمكان، لما جاء مبعوثا قريش يطلبانهم، وعدم امتناع أحد منهم من المثول أو تحرجه من ذلك، وعدم إنكار النبي صلى الله عليه وسلم لذلك وقد ذكر القصة الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية عن ابن إسحاق وأبي نعيم في الدلائل والبيهقي في الدلائل أيضاً وغيرهم بأسانيد جوّد بعضها وصحح وقوى البعض الآخر انظرها (3/69) فصاعداً وفيها أن النجاشي أمّنهم ونصرهم وأبى تسليمهم لقريش..

ويصلح في هذا الباب أيضاً، الاستدلال بقول يوسف عليه السلام لما اتهمته امرأة العزيز بقولها: ((ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم)) .
((قال هي راودتني عن نفسي، وشهد شاهدٌ من أهلها… الآيات)) وفيه دفعه عن نفسه بين قوم كفار وشهادة بعضهم ودفاعهم عنه وتبرئته.

وأظهر من ذلك ما فعله في السجن؛ حين (( قال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك…)) فلم يمنعه كفر ملك مصر في ذلك الوقت وكونه له تشريعه ودينه المخالف لدين الله ، من أن يبعث إليه يعلمه أنه مظلوم قد زج به في السجن من غير ذنب، لعله يفرّج عنه ويرفع عنه الظلم ويبري ساحته من التهمة التي حبس من أجلها … ولا منعه ذلك أيضاً من أن يدفع عن نفسه ويسعى في إظهار براءته عند ما طلبه الملك بعد ذلك، فقال للرسول: ((ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم)) فها هو يشكو مظلمته أو قل يذكرها عند الملك الكافر ليظهر براءته ؛ فأين المتنطع المكفر لعوام المسلمين المستضعفين من هذا ؟؟؟.

وهذا كله فعل نبي معصوم، والحفاظ على جناب التوحيد وإخلاصه مما بعث به الأنبياء كافة، واتفقت دعواتهم جميعاً عليه كما هو معلوم في دعوة الأنبياء والمرسلين.. فما كان لنبي الله يوسف أن يخالف ذلك أو يناقضه أو يخرج عن ملة آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب ولو قيد أنملة… كيف وقد نزهه الله تعالى وأعاذه مما هو دون ذلك فقال: ((كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء )) ثم قال: (( إنه من عبادنا المخلصين).
فيظهر من هذا كله أن لا حرج على الموحد أصلا في مثله.

وأنه ليس كل تعامل مع الكفار والطواغيت وسجانيهم أو شرطتهم أو محاكمهم يلزم أن يكون من التحاكم إلى الطاغوت المناقض للتوحيد… ولا كل مراجعة لهم أو مثول بين أيديهم يلزم أن يكون كذلك.

وأن التفصيل في ذلك واجب ومهم فمن ذلك ما قد يندرج تحت الإسنتصار وفيه التفصيل المتقدم ،ومنه ما قد يدخل في أبواب الصلح وقد علمت جوازه ، ومنه ما قد يدخل في باب دفع المفاسد عن النفس ، أو دفع أعلاهما باحتمال أدناهما ، وأنه باب من أبواب الاجتهاد . وأن منه ما قد يكون من التحاكم إليهم ؛ فيجب النظر في نوعه هل هو من التحاكم الطاغوتي المكفر ، أم في الأمور الإدارية التي وسع الله فيها .

كما يجب النظر في حال المتخوض في ذلك مكره هو أم غير مكره ، والنظر في تأويلاته ومراعاة استضعاف الأمة وعدم وجود سلطان لحكم الإسلام ..

هذا والمسلم بعد ذلك أعرف بما ينفعه أو يضره في أمثال تلك المراجعات التي لا تندرج تحت التحاكم أو الركون المحظور… ففي الحديث الذي يرويه مسلم عن أبي هريرة مرفوعا : (…احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان).

فالواجب عليه أن يجتهد ويُقدّر الأمور بقدرها غير باغ ولا عاد ، وينظر في المصلحة ويوازن بين المفاسد، فإن قدّر أن في مراجعته أو مثوله بين أيديهم تسليط لأعداء الله على دينه، أو تحميل لنفسه من البلاء ما لا يطيقه، فلا ينبغي للمسلم أن يذل نفسه ويسلمها لهم في مثل هذه الحال، وفي الفرار منجاة في كثير من الأحيان… وكل مسلم أعرف بأحواله ونوازله، وضروراته، وهو يقدّر المفسدة والمصلحة في المقام الذي هو فيه ، فإن لكل مقام مقال، ويدفع الضرر عن نفسه ما استطاع ، إلى أن يجعل الله لهذه لأمة فرجاً.

وفي صحيح البخاري (كتاب الجهاد والسير) "باب هل يستأسر الرجل؟ ومن لم يستأسر" وذكر فيه حديث سرية عاصم بن ثابت الأنصاري، وفيه اجتهاد الصحابة ما بين مستأسر نازلٍ على عهد الكفار وميثاقهم ، وغير مستأسر رافض عهدهم وذمتهم حتى قتل.. (3045) وشرحه الحافظ في المغازي (4086) .

وفيه أيضاً في (كتاب الإيمان) (باب من الدين الفرار من الفتن) وذكر فيه حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر، يفرّ بدينه من الفتن)
*



*


*



راعي بريدة

هل ترى أن الكلام الماضي خارج عن موضوعك ؟

س / ضع مأخذك هنا لنتبين ماتريد بالضبط
قبون غير متصل  
قديم(ـة) 18-12-2006, 08:41 PM   #20
قبون
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 105
اقتباس
المشاركة الأساسية كتبها بدون مجاملة
..........

قال :

( ولقد قدمنا لك ) انتبه .. قدمنا ... قدمـ نا

( وحذار من تقويلنا ما لم نقله ) انتبه ... تقويلــ نا .... نــ قله

..........

يا سلام أنا مستانس ... تعالم و تزييف و استدلال خاطئ

أعانك الله يا العصفور الأنيق فيبدو أن مكانك هناك بين الأدباء

وليس في مسائل خطيرة هي من صميم العقيدة

وقديما قيل : من تكلم فيما لا يعلمه أتى بالعجائب

..........

أنا أنتظر رد راعي بريدة

فهذه المواضيع تستهويني

.........

انفخ ..... انفخ
فقد ذكرتنا بنار إبراهيم !!!!
قبون غير متصل  
قديم(ـة) 19-12-2006, 12:18 AM   #21
بدون مجاملة
Guest
 
تاريخ التسجيل: Apr 2006
المشاركات: 131
..........

أخي قبون ( العصفور الأنيق )

أعتذر إليك في أنني سببت لك حرجا

ولم أكن أتوقع أن راعي بريدة سينهي الحوار بهذه الطريقة وهذه السرعة

لو كنت أعلم أنه سيفعل ذلك لما نفخت في النار التي

ستحرق كل من دعا للتحاكم للمحاكم الدولية ومن دافع عنهم

جاء في الخطاب ما نصه
( .... وتقديم المسئولين عنها إلى المحاكم الدولية )

أعوذ بالله من الخذلان
.............

أسأل الله أن يجنبنا جميعا قول الزور

قال تعالى : ( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع و البصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا )


..........
بدون مجاملة غير متصل  
قديم(ـة) 19-12-2006, 01:11 AM   #22
راعي بريدة
عـضـو
 
صورة راعي بريدة الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2005
البلد: في أرضِ الله...
المشاركات: 548
اقتباس
المشاركة الأساسية كتبها قبون
راعي بريدة

هل ترى أن الكلام الماضي خارج عن موضوعك ؟

س / ضع مأخذك هنا لنتبين ماتريد بالضبط

نعم أرى أغلب الكلام السابق لادخل له في موضوع التحاكم الى المحاكم الدولية الكفرية الوضعية التي لايشك مسلم أنها تحكم بغير ما أنزل الله بل وتسعى إلى إطفاء نور الله في الأرض ..

ما أريده أن تنزل التنظير على الواقع وترى هل يجوز لسلمان العودة والشيخ ناصر العمر الدعوة الى التحاكم الى هذه المحاكم أم لا .؟؟



وأرجو أن لاتستجرني الى حوار ونقاش لأني لا أريد ذلك
__________________
::
قال الإمام عبدالله عزام ـ رحمه الله ـ :


" تظنون المبادئ لعبة أو لهوا أو متاعاً، يبلغها إنسان بخطبة منمقة مرصعة بالألفاظ الجميلة، أو يكتب كتاباً يطبع في المطابع ويودع في المكتبات، لم يكن هذا أبداً طريق أصحاب الدعوات!! إن الدعوات تحسب دائماً في حسابها أن الجيل الأول الذين يبلغون؛ هؤلاء يُكبّرون عليهم أربعاً في عداد الشهداء "
::
راعي بريدة غير متصل  
موضوع مغلق

الإشارات المرجعية

أدوات الموضوع
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 08:51 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)