|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
10-12-2008, 06:42 PM | #1 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 176
|
الحب وعلاماته من طوق الحمامة لابن حزم ( رائع جدا جدا )
بسم الله الرحمن الرحيم الحب وعلاماته من كتاب طوق الحمامة وظل الغمامة في الألفة والألاف للإمام ابن حزم رحمة الله عليه هذا الكتاب لم أرَ مثله في بابه فهو كتاب ممتع لأبعد الحدود ، ذكر فيه مؤلفه أمورا هي ألذّ من الطعام قال رحمه الله : (الحب أوله هزل وآخره جد ، دقت معانيه لجلالتها عن أن توصف ، فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة . وهو اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة في هذه الخليقة في أصل عنصرها الرفيع . ومما يؤكد هذا أننا علمنا أن المحبة ضروب . فأفضلها : محبة المتحابين في الله عز وجل ؛ إما لاجتهاد في العمل ، وإما لاتفاق في أصل النحلة والمذهب ، وإما لفضل علم يُمنحه الإنسان ومحبة القرابة ، ومحبة الألفة والاشتراك في المطالب ، ومحبة التصاحب والمعرفة ، ومحبة البر يضعه المرء عند أخيه ، ومحبة الطمع في جاه المحبوب ، ومحبة المتحابين لسر يجتمعان عليه يلزمهما ستره ، ومحبة بلوغ للذة وقضاء الوطر ، ومحبة العشق التي لا علة لها إلا ما ذكرنا من اتصال النفوس ، فكل هذه الأجناس منقضية مع انقضاء عللها وزائدة بزيادتها وناقصة بنقصانها ، متأكدة بدنوها فاترة ببعدها . حاشا محبة العشق الصحيح الْمُمَكَّن من النفس فهي التي لا فناء لها إلا بالموت . وإنك لتجد الإنسان السالي بزَعْمِه ، وذا السن المتناهية ، إذا ذكَّرْته تذكَّر وارتاح وصبا ، واعتاده الطرب واهتاج له الحنين . ومن الدليل على هذا أيضاً أنك لا تجد اثنين يتحابان ، إلا وبينهما مُشاكلة واتفاق الصفات الطبيعية لا بد من هذا وإن قلَّ ، وكلما كثرت الأشباه زادت المجانسة ، وتأكدت المودة ، فانظر هذا تراه عياناً ، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكده : ( الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ) والحب داء عيَّاء ، وفيه الدواء منه على قدر المعاملة ، ومقامٌ مستلذٌّ ، وعلة مشتهاة لا يود سليمُها البرءَ، ولا يتمنى عليلُها الإفاقة ، يُزَيِّنُ للمرء ما كان يأنفُ منه ، ويُسهل عليه ما كان يصعب عنده ، حتى يُحيل الطبائع المركبة والجبلة المخلوقة . وللحب علامات يقفوها الفَطِن، ويهتدي إليها الذكي : فأولها إدمان النظر، والعين باب النفس الشارع ، وهي المنقِّبة عن سرائرها ، والمعبِّرة لضمائرها ، والمعربة عن بواطنها ، فترى الناظرَ لا يَطْرف ، يَتَنَقَّلُ بتنقل المحبوب ، ويَنْزَوِي بانزوائه ، ويميل حيث مال كالحرباء مع الشمس . ومنها الإقبال بالحديث ، فما يكاد يُقبل على سوى محبوبه ولو تعمد ذلك ، وإن التكلُّف ليستبينُ لمن يَرمقُه فيه ، والإنصات لحديثه إذا حدّث ، واستغراب كل ما يأتي به ولو أنه عين المحال وخرق العادات ، وتصديقه وإن كذب ، وموافقته وإن ظلم ، والشهادة له وإن جار ، واتباعه كيف سلك ، وأي وجه من وجوه القول تناول . ومنها الإسراع بالسير نحو المكان الذي يكون فيه، والتعمد للقعود بقربه والدنو منه ، واطراح الأشغال الموجبة للزوال عنه ، والاستهانة بكل خطب جليل داع إلى مفارقته ، والتباطؤ في الشيء عند القيام عنه . ومنها بهت يقع وروعة تبدو على المحب عند رؤية من يحب فجأة وطلوعه بغته . ومنها اضطراب يبدو على المحب عند رؤية من يشبه محبوبه أو عند سماع اسمه فجأة ومنها أن يجود المرء ببذل كل ما كان يقدر عليه ممّا كان ممتنعاً به قبل ذلك، كأنه هو الموهوب له والمسعي في حظه ، كل ذلك ليبدي محاسنه ويرغب في نفسه ، فكم بخيل جاد ، وقطوب تطلق ، وجبان تشجع ، وغليظ الطبع تطرب ، وجاهل تأدب ، وتفل( الذي يترك استعمال الطيب ) تزين ، وفقير تجمل ، وذي سنٍّ تفتى ، وناسك تفتك ، ومصون تبذل وهذه العلامات تكون قبل استعار نار الحب وتأجج حريقه وتوقد شعله واستطارة لهبه . فأما إذا تمكن وأخذ مأخذه فحينئذ ترى الحديث سراراً ، والإعراض عن كل ما حضر إلا عن المحبوب جهاراً . ومن علاماته وشواهده الظاهرة لكل ذي بصر الانبساط الكثير الزائد ، والتضايق في المكان الواسع ، والمجاذبة على الشيء يأخذه أحدهما ، وكثرة الغمز الخفي ، والميل بالاتكاء ، والتعمد لمس اليد عند المحادثة ، ولمس ما أمكن من الأعضاء الظاهرة ، وشرب فضلة ما أبقى المحبوب في الإناء ، وتحري المكان الذي يقابله فيه . ومن علاماته أنك تجد المحب يستدعي سماع اسم من يحب، ويستلذ الكلام في أخباره ويجعلها هِجِّيراه، ولا يرتاح لشيء ارتياحه لها ، ولا ينهه عن ذلك تخوّف أن يفطن السامع ويفهم الحاضر ، وحبك الشيء يعمي ويصم ، فلو أمكن المحب ألا يكون حديث في مكان يكون فيه إلا ذكر من يحبه لما تعداه ، ومن علاماته حب الوحدة والإنس بالانفراد، ونحول الجسم دون حد يكون فيه ولا وجع مانع من التقلب والحركة والمشي ، دليل لا يكذب ومخبر لا يخون عن كلمة في النفس كامنة . ومن علاماته أنك ترى المحب يحب أهل محبوبه وقرابته وخاصته ، حتى يكونوا أحظى لديه من أهله ونفسه ومن جميع خاصته والبكاء من علامات المحب ولكن يتفاضلون فيه ، فمنهم غزير الدمع هامل الشؤون ، تُجِيبُه عينه وتحضره عبرته إذا شاء ، ومنهم جَمُودُ العين عديم الدمع . ومن آياته مراعاة المحب لمحبوبه ، وحفظه لكل ما يقع منه، وبحثه عن أخباره حتى لا تسقط عنه دقيقة ولا جليلة ، وتتبعه لحركاته ، ولعمري لقد ترى البليد يصير في هذه الحالة ذكياً ، والغافل فطناً ). أ . هـ باختصار من الفصل الأول (( رحمك الله يابن حزم ما أشدّ ذكاءك ، وأعرفك بمداخل النفوس ))
|
الإشارات المرجعية |
أدوات الموضوع | |
طريقة العرض | |
|
|