بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » ياطلبة العلم ...استفيدوا من امام دار الهجرة

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

 
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 19-12-2008, 02:56 AM   #1
أبونكتل
عـضـو
 
صورة أبونكتل الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
البلد: الرياض
المشاركات: 62
ياطلبة العلم ...استفيدوا من امام دار الهجرة

سوف نتكلم في امام من أئمة العلم الا وهو عالم المدينه "مالك بن أنس بن مالك"
بسم الله الرحمن الرحيم
سيرة الإمام مالك بن أنس
كان بالمدينة حلقة يعقدها إمام يحف به فيها طلاب الحديث وطلاب الفقه وقد اختار أن تكون حلقته في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، واختار المجلس الذي كان يجلس فيه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليفصل فيه في شؤون المسلمين، ويدبر فيه شؤون الدولة... فكان الداخل إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في النصف الثاني من القرن الثاني، يجد شيخا مسنون اللحية، أشقر الوجه، طوالا فيه سمت ومهابة، ومن يحفون به يغضون الطرف من مهابته، ذلكم هو .إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه
بشارة النبي صلى الله عليه وسلم به


عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " يوشكعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم، فلا يجدون أحداً أعلم من عالم المدينة "، رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح.
قال العلماء: وعالم المدينة هو مالك بن أنس وهو الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية: "ليضربن الناس أكباد الإبل في طلب العلم فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة".
وفي لفظ: "يأتي علي الناس زمان يضربون أكباد الإبل"، وفي لفظ :"يوشك أن يضرب الناس آباط الإبل يلتمسون العلم"، وفي لفظ "من عالم بالمدينة"، وفي لفظ "أفقه من عالم المدينة". وقد رواه النسائي، عن أبي هريرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يضربون أكباد الإبل فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة"، وفي رواية: "يخرج ناس من المشرق والمغرب في طلب العلم فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة"، ويروى عن ابن عيينة قال: كنت أقول: هو سعيد بن المسيب حتى قلت كان في زمانه سليمان بن يسار وسالم بن عبد الله وغيرهما، ثم أصبحت اليوم أقول: إنه مالك لم يبق له نظير بالمدينة.
قال القاضي عياض: هذا هو الصحيح، عن سفيان رواه عنه ابن مهدي وابن معين وذؤيب بن عمامه وابن المديني والزبير بن بكار وإسحاق بن أبي إسرائيل كلهم سمع سفيان يفسره: "بمالك" أو يقول وأظنه أو أحسبه أو أراه، أو كانوا يرونه.
وذكر ابو المغيره المخزومي أن معناه ما دام المسلمون يطلبون العلم لا يجدون أعلم من عالم بالمدينة فيكون على هذا سعيد بن المسيب ثم بعده من هو من شيوخ مالك ثم مالك ثم من قام بعده بعلمه وكان أعلم أصحابه، قلت: كان عالم المدينة في زمانه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه زيد بن ثابت وعائشة ثم ابن عمر ثم سعيد بن المسيب ثم الزهري ثم عبيد الله بن عمر ثم مالك، وعن ابن عيينة قال: مالك عالم أهل الحجاز وهو حجة زمانه، وقال الشافعي: وصدق وبر، إذا ذكر العلماء فمالك النجم.
قال الزبير بن بكار في حديث "ليضربن الناس أكباد الإبل": كان سفيان بن عيينة إذا حدث بهذا في حياة مالك، يقول: أراه مالكا، فأقام على ذلك زمانا ثم رجع بعد، فقال: أراه عبد الله بن عبد العزيز العمري الزاهد. قال ابن عبد البر وغير واحد: ليس العمري ممن يلحق في العلم والفقه بمالك، وإن كان شريفا سيدا عابدا.
قال أحمد بن أبي خيثمة: قال سفيان: نرى هذا الحديث أنه هو مالك .
ولم يكن بالمدينة عالم من بعد التابيعن يشبه مالكا في العلم والفقه والجلالة والحفظ، فقد كان بها بعد الصحابة مثل سعيد بن المسيب والفقهاء السبعة والقاسم وسالم وعكرمة ونافع وطبقتهم ثم زيد بن أسلم وابن شهاب وأبي الزناد ويحيى بن سعيد وصفوان بن سليم وربيعة بن أبي عبد الرحمن وطبقتهم فلما تفانوا اشتهر ذِكر مالك بها وابن أبي ذئب وعبد العزيز بن الماجشون وسليمان بن بلال وفليح بن سليمان والدراوردي وأقرانهم فكان مالك هو المقدم فيهم على الإطلاق والذي تضرب إليه آباط الإبل من الآفاق رحمه الله تعالى.
... قال أبو عبد الله الحاكم وذكر سادة من أئمة التابعين بالمدينة كابن المسيب ومن بعده، قال: فما ضربت أكباد الإبل من النواحي إلى أحد منهم دون غيره حتى انقرضوا وخلا عصرهم، ثم حدث مثل ابن شهاب وربيعة ويحيى بن سعيد وعبد الله بن يزيد بن هرمز وأبي الزناد وصفوان بن سليم وكلهم يفتي بالمدينة، ولم ينفرد واحد منهم بأن ضربت إليه أكباد الإبل حتى خلا هذا العصر فلم يقع بهم التأويل في عالم أهل المدينة، ثم حدث بعدهم مالك، فكان مفتيها، فضربت إليه أكباد الإبل من الآفاق واعترفوا له، وروت الأئمة عنه ممن كان أقدم منه سنا كالليث عالم أهل مصر والمغرب وكالأوزاعي عالم أهل الشام ومفتيهم والثوري وهو المقدم بالكوفة وشعبة عالم أهل البصرة إلى أن قال: وحمل عنه قبلهم يحيى بن سعيد الأنصاري حين ولاه أبو جعفر قضاء القضاة فسأل مالكا أن يكتب له مئة حديث حين خرج إلى العراق ومن قبل كان ابن جريج حمل عنه.
مولده ونسبه ونشأته
أرجح الروايات على أنه ولد عام 93هـ، وقد ولد بالمدينة المنورة من أبوين عربييأرجح الروايات على أنه ولد عام 93هـ، وقد ولد بالمدينة المنورة من أبوين عربيين من قبائل يمنية. فأبوه ينتهي إلى قبيلة يمنية، وهي قبيلة ذي أصبح، واسمه أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي(من سلالة أمير حميري)، وأمه تنتهي إلى قبيلة الأزد، واسمها العالية بنت شريك الأزدية.
وقـد نزل جد مالك بالمدينة المنورة عندما جاءها متظلما من بعض ولاة اليمن، فاتخذها مستقرا ومقاما. وقد أصهر إلى بني تيم بن مرة القرشيين، ثم عاقدهم على أن يكون ولاؤه لهم ونصرته عليهم. وإن بيت مالك بعد أن انتقل إلى المدينة، انصرف كثيرون منه إلى العلم ورواية الحديث وآثار الصحابة وفتاويهم. وكان جد مالك من كبار التابعين، روى عن عمر الخطاب وعثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله وعائشة أم المؤمنين. وقد روى عن مالك بنوه، ومنهم أنس أبو إمام دار الهجرة، ونافع المكنى بأبي سهيل، وكان أبو سهيل هذا أكثرهم عناية بالرواية، ولذلك عد من شيوخ ابن شهاب الزهري، وإن كان مقاربا له في السن. وقد جاء في فتح الباري لابن حجر ما نصه: (أبو سهيل نافع بن أبي أنس بن مالك بن أبي عامر شيخ إسماعيل ابن جعفر. وهو من صغار شيوخ الزهري بحيث أدركه تلامذة الزهري. وقد تأخر أبو سهيل في الوفاة عن الزهري).
نشأ إمامنا إذن في بيت كان يتجه إلى العلم ورواية الحديث ـ وإن كان أبوه لم يبلغ شأو جده في الرواية، ولا شأو عمه أبي سهيل ـ فلم يكن غريبا أن يتجه في أول نشأته إلى العلم والرواية، فلم يتجه إلى حرفة يحترفها؛ بل اتجه إلى العلم يصبو إليه، وكذلك كان أخ له طلب الحديث من قبل اسمه النضر، كان ملازما للعلماء من التابعين يأخذ عنهم. ولما اتجه مالك إلى الرواية كان يعرف بأخي النضر لشهرة أخيه، فلما ذاع أمره بين شيوخه صار أشهر من أخيه، وصار يذكر النضر بأنه أخو مالك.
ولقد كانت البيئة العامة، مع البيئة الخاصة توعز إليه بالاتجاه إلى العلم وطلبه. فقد كانت بيئة مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومهاجره الذي هاجر إليه، وموطن الشرع، ومبعث النور، ومعقد الحكم الإسلامي الأول، وقصبة الإسلام في عهد أبي بكر وعمر وعثمان. وكان عهد عمر هو العهد الذي انفتقت فيه القرائح الإسلامية تستنبط من هدي القرآن والرسول أحكاما تصلح للمدنيات والحضارات التي أظلها الإسلام بسلطانه.
وقد استمرت المدينة في العهد الأموي موئل الشريعة ومرجع العلماء. وكان عبد الله بن عمر يستشار من عبد الله بن الزبير ومن عبد الملك بن مروان، فكتب إليهما: (إن كنتما تريدان المشورة فعليكما بدار الهجرة والسنة): وقد كان عمر بن عبد العزيز يكتب إلى الأمصار يعلمهم السنن، ويكتب إلى أهل المدينة يسألهم عما مضى ويعمل بما عندهم.
هذه هي المدينة وقت نشأة مالك، وفي ظلها وظل بيئته الخاصة التي توجهه إلى العلم نشأ إمام دار الهجرة.
طلبه العلم


اتجه الإمام مالك إلى حفظ القرآن الكريم فحفظه . وقد اقترح على أهله أن يحضاتجه الإمام مالك إلى حفظ القرآن الكريم فحفظه . وقد اقترح على أهله أن يحضر مجالس العلماء، كعمه وأخيه من قبل، ليكتب العلم ويدرسه. وقد أجابوا طلبه، وكانت أشد عناية أمه، إذ ذكر لأمه أنه يريد أن يذهب ليكتب العلم ـ كما يحكي مالك عن نفسه ـ، فألبسته أحسن الثياب وعممته ثم قالت له: " اذهب فاكتب الآن "... بل لم تكتف بالعناية بمظهره، فكانت تختار له ما يأخذه عن العلماء، فقد كانت تقول له: "اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه". وربيعة هذا فقيه اشتهر بالرأي بين أهل المدينة، ولهذا التحريض من أمه جلس إلى ربيعة الرأي، فأخذ عنه فقه الرأي ـ وهو حدث صغير ـ على قدر طاقته، حتى لقد قال بعض معاصريه: "رأيت مالكا في حلقة ربيعة وفي أذنه شنف(الشنف: ما يعلق في أعلى الأذن للأطفال الذكور)".
ولقد أخذ من بعد ذلك يتنقل في مجالس العلماء، كالطير تتنقل بين الأشجار تأخذ من كل شجرة ما تختار من ثمرها. ولكن لا بد من شيخ يخصه بفضل من الملازمة، ويجعل منه موقفا وهاديا ومرشدا. وقد اختار ذلك الشيخ، وهو ابن هرمز، فلازمه. ولقد كان التلميذ الشاب معجبا بشيخه، محبا له، مقدرا لعلمه. وقال رضي الله عنه في شيخه: "جالست ابن هرمز ثلاث عشرة سنة في علم لم أبثه لأحد من الناس". قال: "وكان من أعلم الناس بالرد على أهل الأهواء، وبما اختلف فيه الناس"، وكان يتأدب بأدبه، ويأخذ بحكمته، ولقد قال في ذلك: "سمعت ابن هرمز يقول: "ينبغي للعالم أن يورث جلساءه قول لا أدري"، حتى يكون ذلك أصلا في أيديهم يفزعون إليه . فإذا سئل أحدهم عما لا يدري، قال: "لا أدري". قال ابن وهب(تلميذ مالك): "كان مالك يقول في أكثر ما يسأل عنه لا أدري".
جده في طلب العلم


جد مالك في طلب العلم من كل نواحيه، ومن كل رجاله، وبذل الجهد في طلبه، جد مالك في طلب العلم من كل نواحيه، ومن كل رجاله، وبذل الجهد في طلبه، ولم يدخر وسعا في مال أو نفس ... فكان يتحمل في سبيله كل مشقة، ويبذل أقصى ما يملك، حتى كان يبيع سقف بيته ليسمر في طلبه، قال ابن القاسم: "أفضى بمالك طلب العلم إلى أن نقض سقف بيته فباع خشبه..."
وكان يتحمل حدة الشيوخ، ويذهب إليهم في هجير الحر، وقر البرد . ولقد قال رضي الله عنه: " كنت آتي نافعا نصف النهار، وما تظلني الشجرة من الشمس أتحين خروجه، فإذا خرج أدعه ساعة كأني لم أُرده، ثم أتعرض له فأسلم عليه وأدعه، حتى إذا دخل البلاط أقول له: كيف قال ابن عمر في كذا وكذا؟ فيجيبني، ثم أحبس عنه، وكان فيه حدة؛ وكنت آتي ابن هرمز بكرة، فما أخرج من بيته حتى الليل".
وكان مالك يقود نافعا من منزله إلى المسجد، وكان قد كف بصره، فيسأله فيحدثه، وكان منزل نافع بناحية البقيع. قال مالك: "كنت آتي نافعا مولى ابن عمر، وأنا يومئذ غلام ومعي غلام، فينزل إلي من درجة له فيقعد معي، فيحدثني".
ونافع هذا هو مولى عبد الله بن عمر، وناقل علمه وروايته عن النبي صلى الله عليه و سلم، وعمل الصحابة، وخصوصا أباه الفاروق أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه.
ونرى من هذا كيف كان يصبر، ثم يتوقى حدة الشيخ، ويتجنب الإثقال عليه، حتى لا يمل من لجاجة الطلب، فينتظره الأمد الطويل، وبعد ذلك يسأله حتى يأخذ عنه علم عبد الله بن عمر.
وكان حريصا على أن يأخذ عن ابن شهاب الزهري، فقد كان يحمل علم سعيد ابن المسيب وكثير من التابعين، وكان بذكائه يختار أن يكون لقاءه بابن شهاب في هدوء، فيذهب إليه حيث يتوقع فراغه، ليكون التلقي في جو هادئ حيث لا يسمع صخبا لجماعة.
وقد روي عن مالك أنه قال: "شهدت العيد فقلت: "هذا اليوم يوم يخلو فيه ابن شهاب"، فانصرفت من المصلى حتى جلست على بابه، فسمعته يقول لجاريته: أنظري من على الباب، فنظرت فسمعتها تقول: مولاك الأشقر مالك. فقال: أدخليه، فدخلت، فقال: ما أراك انصرفت بعد إلى منزلك؟ فقلت: لا. قال: هل أكلت شيئاً؟ قلت: لا. قال: فاطعم، قلت لا حاجة لي فيه. قال: فما تريد؟ قلت: تحدثني، فحدثني سبعة عشر حديثاً ثم قال: وما ينفعك إن حدثتك ولا تحفظها؟ قلت: إن شئت رددتها عليك، فرددتها عليه.
وفي رواية: قال لي: هات، فأخرجت ألواحي، فحدثني بأربعين حديثاً. فقلت: زدني. فقال لي: حسبك، إن كنت رويت هذه الأحاديث فأنت من الحفاظ، قلت: قد رويتها، فجبذ الألواح من يدي، ثم قال: حدّث، فحدثته بها، فردها إلي وقال: قم فأنت من أوعية العلم، أو قال: إنك لنعم المستودع للعلم.
وروي عنه أن قال: حدثي ابن شهاب بأربعين حديثاً ونيف، منها حديث السقيفة فحفظتها، ثم قلت: أعدها علي، فإني نسيت النيف على الأربعين فأبى، فقلت: أما كنت تحب أن يعاد عليك؟ قال: بلى. فأعادها، فإذا هو كما حفظت.
ابتدأ مالك ـ كما نرى ـ بعلم الرواية، وهو علم أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، والعلم بفتاوى الصحابة وتتبعها وبذلك أخذ الدعامة التي بنى عليها فقهه، وقد كان يحترم أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم منذ صباه، حتى إنه كان يمتنع عن أن يروي الأحاديث واقفا وقد جاء في ترتيب المدارك للقاضي عياض أنه: " سئل مالك، أسمع من عمرو بن دينار؟ فقال: رأيته يحدث، والناس قيام يكتبون، فكرهت أن أكتب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قائم". و مر مرة بشيخه أبي الزناد، وهو يحدث، فلم يجلس إليه، فلقيه بعد ذلك، فقال له: ما منعك أن تجلس إلي؟ قال: "كان الموضع ضيقاً فلم أرد أن آخذ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قائم".
جلوس مالك للدرس

جلس الإمام مالك للدرس ورواية الحديث بعد أن تزود من زاد المدينة العلمي، واستوثق لنفسه، واطمأن إلى أنه يجب أن يعلم بعد أن تعلم، وأن ينقل للناس أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواها من الثقات، وأن يفتي ويخرج، ويرشد المستفتين. ويظهر أنه قبل أن يجلس للدرس والإفتاء استشار أهل الصلاح والفضل. وقد قال في ذلك: "ليس كل من أحب أن يجلس في المسجد للحديث والفتيا جلس، حتى يشاور أهل الصلاح والفضل والجهة من المسجد، فإن رأوه لذلك أهلا جلس، وما جلست حتى شهد لي سبعون شيخا من أهل العلم أني موضع لذلك".
بعد هذه الشهادة التي لا تعدلها شهادة، جلس الإمام مالك للدرس والإفتاء، ولم تعرف سنه على وجه اليقين، ولكن مجموع أخبار حياته يدل على أنه قد بلغ من السن حد النضج، وأنه ما جلس حتى بلغ أشده. قال سفيان بن عيينة: "جلس للناس وهو ابن سبع عشرة سنة، وعرفت له الإمامة وبالناس حياة إذ ذاك".
والرواة يقولون: أنه مع شهادة السبعين عالما له، ما جلس إلا بعد أن اختلف مع ربيعة. قال سفيان بن عينية: "دارت مسألة في مجلس ربيعة، فتكلم فيها ربيعة فقال مالك: ما تقول فيها يا أبا عثمان؟ قال ربيعة: أقول فلا تقول، وأقول إذ لا تقول، وأقول فلا تفقه ما أقول، ومالك ساكت، فلم يجب بشيء وانصرف، فلما راح إلى الظهر جلس وحده وجلس إليه القوم، فلما صلى المغرب اجتمع إلى مالك خمسون أو أكثر، فلما كان من الغد اجتمع إليه خلق كثير".
وقد ذكر هذا الخلاف في رسالة الليث بن سعد إليه، فقد جاء فيها: "وكان خلاف ربيعة لبعض ما قد مضى مما قد عرفت وحضرت وسمعت قولك فيه وقول ذوي الرأي من أهل المدينة: يحيى بن سعيد، وعبيد الله بن عبد الله ابن عمر، وكثير بن فرقد، وغير كثير ممن هو أسن منه، حتى اضطرك إلى ما كرهت من ذلك إلى فراق مجلسه. وذاكرتك أنت وعبد العزيز بن عبد الله بعض ما نعيت به على ربيعة من ذلك، فكتبها من الموافقين فيما أنكرت، تكرهان منه ما أكره. ومع ذلك ـ بحمد الله ـ عند ربيعة خير كثير، وعقل أصيل، وفضل مستبين وطريقة حسنة في الإسلام، ومودة صادقة لإخوانه عامة، ولنا خاصة، رحمه الله وغفر له، وجزاه بأحسن من عمله".
وإذا كان ربيعة قد توفي عام 136هـ ، فقد توفي ومالك قد بلغ الثالثة والأربعين، فإذا كان الأمر كذلك فإنه يتصور مخالفة مالك له، وهو في سن ناضجة كاملة، وهو المعقول
صفات الإمام مالك

وأن هذا التوجيه وذلك العلم، ينبعث أول ما ينبعث من صفات الشخص، ثم من شيوخه بالتوجيه، ومن عصره بالجو الفكري الذي يتغذى منه، ثم بجهوده: فالمقوم لشخصيته(صفاته الذاتية) هي الأصل وغيرها فروع تغذى منها كما تتغذى الجذع من الأغصان، وإن كانت لا وجود لها بغير قيامه وامتداد جذوره في باطن الأرض حيث يتكون من الخصب والماء.
لقد آتاه الله حافظة واعية، وحرصا شديدا على الحفظ وصيانة ما يحفظ من النسيان. وقد سمع من ابن شهاب الزهري واحدا وثلاثين حديثا .. لم يكتبها، ثم أعادها على شيخه، فلم ينس منها إلا حديثا واحدا وإنه كان ينمي الحفظ وشدة الوعي في عصر مالك الاعتماد على الذاكرة في ذلك الزمان.
فما كان العلم يؤخذ من الكتب، بل كان يتلقى من أفواه الرجال وكانت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير مدونة في كتاب مسطور، بل كانت في القلوب ومذكرات خاصة للشيوخ، لا يتداولها التلاميذ، وإنما يتلقون ما احتوته من أفواه كتابها.
ولا شك أن الحافظة القوية أساس للنبوغ في أي علم، لأنها تمد العالم بغذاء عقله يكون أساسا لفكره. وكان مالك بهذه الحافظة القوية المحدث الأول في عصره، حتى لقد فال الشافعي: "إذا جاء الحديث فمالك النجم الثاقب، وقال فيه شيخه ابن شهاب إنه "وعاء العلم".
ومع هذه الغزارة في الأحاديث التي حفظها، كان لا يحدث إلا بما يرى في التحديث به مصلحة. قيل له: عند ابن عيينة أحاديث ليست عندك، فقال: "إذن أحدث بكل ما سمعت، إني إذن أحمق، إني أريد أن أضلهم إذن، ولقد خرجت مني أحاديث لوددت أني ضربت بكل حديث منها سوطا ولم أحدث بها".
وكان مالك مع هذه القوة العقلية الواعية، ذا جلد وصبر ومثابرة، فكان يغالب كل المعوقات التي تقف في سبيل طلبه للعلم: عالج شظف العيش وهو يشدو في طلبه، وعالج حدة الشيوخ، وصبر على حر الهجيرة كما صبر على قارس البرد، وهو يسعى إلى الشيوخ متنقلا إليهم في القر والحر. وكان يحث تلاميذه على الصبر على طلب العلم، ويقول: "من طلب هذا الأمر صبر عليه" وقال لهم في أحد مجالسه: "لا يبلغ أحد ما يريد من هذا العلم، حتى يضر به الفقر ويؤثره على كل حال".
أعطته هذه الصفة قوة إرادة وعزيمة جعلته يواجه مشكلات الحياة بإرادة صارمة، وجعلته يستولي على أهوائه وشهواته، فما سيطر عليه هو جامح، ولا ضعف أمام ذي سلطان. وذلك فوق ما تمكن بها من طلب العلم من كل نواحيه.
والصفة التي أشرق بها قلبه بنور الحكمة هي الإخلاص. أخلص في طلب العلم، فطلبه لذات الله، ونقى نفسه من كل شوائب الغرض والهوى. وأخلص في طلب الحقيقة، واتجه إليها من غير عوج ولا أمت. والإخلاص يضيء الفكر فيسير على خط مستقيم، وهو أقرب الخطوط للوصول إلى الحق، كما هو أقرب الخطوط بين نقطتين. وإنه لا شيء يعكر صفو الفكر أكثر من الهوى، فإنه يكون كالغيم على الحقائق فيمنع العقل من رؤيتها.
ولقد دفعه الإخلاص لأن يقول ويقرر أن نور العلم لا يؤنس إلا من امتلأ قلبه بالتقوى، فهو يقول: "العلم نور لا يأنس إلا بقلب تقي خاشع".
ولإخلاصه في طلب العلم كان يبتعد عن شواذ الفتيا، ولا يفتي إلا بما هو واضح نير، وكان يقول: "خير الأمور ما كان ضاحيا نيرا، وإن كنت في أمرين أنت منهما في شك، فخذ بالذي هو أوثق".
وكان يتأنى في الفتوى ولا يسارع إلى الإجابة. وقد قال ابن عبد الحكم: "كان مالك إذا سئل عن المسألة، قال للسائل: انصرف حتى أنظر، فينصرف، ويتردد فيها. فقلنا له في ذلك فبكى، وقال: إني أخاف أن يكون لي من المسائل يوم وأي يوم". وما كان يعتبر في الفتاوى خفيفا وصعبا، بل يعتبرها كلها أمرا صعبا ما دام يترتب تحليل أو تحريم على قوله. سأله سائل وقال له: مسألة خفيفة فغضب، وقال: "مسألة خفيفة سهلة!! ليس في العلم شيء خفيف. أما سمعت قول الله تعالىسنلقي عليك قولا ثقيلا)، فالعلم كله ثقيل، وخاصة ما يسأل عنه يوم القيامة".
وكان لإخلاصه لا يقول هذا حرام أو هذا حلال، إلا إذا كان ثمة نص صريح. أما ما يكون استنباطا بوجه من وجوه الرأي، فإنه لا يقول حلال وحرام، بل يقول: أكره وأستحسن. وكثيرا ما كان يعقب على ذلك بقوله مقتبسا من القرآن: (إن نظن إلا ظنا . وما نحن بمستيقنين).
وقد دفعه إخلاصه لأن يبتعد عن الجدل في دين الله، ويدعو إلى ألا يجادل أحد في دين الله .. لأن المجادلة نوع من المنازلة، ودين الله تعالى أعلى من أن يكون موضع منازلة بين المسلمين، ولأن الجدل يدفع في كثير من الأحيان إلى التعصب للفكرة من غير أن يشعر المجادل، والتعصب يجعل نظر المتعصب جانبيا لا يرى إلا من ناحية واحدة. ثم كان يرى أن الجدل لا يليق بكرامة العلماء لأن السامعين ينظرون إليهم، وهم يتغالبون في القول، كما ينظرون إلى الديكة وهي تتنافر. ولقد جابه بهذه الحقيقة الرشيد، وأما يوسف صاحب أبي حنيفة، عندما قال الرشيد له: "ناظر أبا يوسف". فقال له: " إن العلم ليس كالتحريش بين البهائم والديكة".
ولكراهيته للجدل أكثر من النهي عنه، فكان يقول: "الجدال يقسي القلب، ويورث الضغن". ويقول: "المراء والجدال في الدين يذهب بنور العلم من قلب العبد". وقيل له: رجل له علم بالسنة أيجادل عنها؟ فقال: "لا، ولكن ليخبر بالسنة، فإن قبل منه، وإلا سكت". وكان يرى أن الجدل يبعد المتجادلين عن حقيقة الدين، وقال في ذلك: "كلما جاء رجل أجدل من رجل تركنا ما نزل به جبريل".
ومع نهيه عن الجدل كان يناظر بعض العلماء المخلصين ليبين لهم الدليل، ويناقشهم فيه ويناقشونه.
وقد دفعه إخلاصه للدين لئلا يكثر من التحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأن ينتقي ما يحدث به الناس، وقد أشرنا إلى ذلك، كما كان يقلل من الإفتاء، ولا يفتي إلا فيما يقع بين الناس.


فراسة مالك

وقد كان مالك ذا فراسة قوية تنفذ إلى بواطن الأمور، وإلى نفوس الأشخاص، يعرف ما يخفون في نفوسهم من حركات جوارحهم، ومن لحن أقوالهم.
وإن الفراسة صفة تتكون في الشخص من قوة إحساسه، وشدة يقظته العقلية والنفسية، ونفاذ البصيرة، والتتبع الشديد لحركة الأعضاء، والتجارب الكثيرة لعقل قوي أريب .. وذلك كله يهبه العليم الخبير، والتربية تنميه وتقويه.
وقال الشافعي في فراسة مالك: "لما سرت إلى المدينة ولقيت مالكا وسمع كلامي، نظر إلي ساعة ـ وكانت له فراسة ـ ثم قال: ما اسمك؟ قلت محمد. قال يا محمد اتق الله، واجتنب المعاصي، فإنه سيكون لك شأن من الشأن".
والفراسة النافذة إلى نفوس الأشخاص التي تكشف كنه أمورهم، من الصفات التي يعلو بها كل من يتصدى لإرشاد الناس وتعليمهم، فإنه يستطيع أن يعرف خبايا أمراضهم، فيعطيهم الدواء الشافي والغذاء الصالح الذي تقوى على هضمه، ويتم به شفاء النفس وسلامتها وقوتها.
هيبة مالك

اتفقت الروايات على أن مالكا ـ رضي الله عنه ـ كان مهيبا، حتى أنه ليدخل الرجل إلى مجلسه فيقرئ السلام للحاضرين، فما يرد أحد إلا هممة وبصوت خفيض، ويشيرون إليه ألا يتكلم. فيستنكر عليهم القادم ذلك، ولكنه ما أن يملأ العين من مالك وسمته، ويقع تحت تأثير نظراته النافذة حتى يأخذ مأخذهم، ويجلس معهم، كأن على رأسه الطير مثلهم.
وكان يهابه والي المدينة حتى أنه لا يحس بالصغر إلا في حضرته،ويهابه أولاد الخلفاء، حتى إنه ليروى أنه كان في مجلس أبي جعفر المنصور، وإذا صبي يخرج ثم يعود، فقال المنصور: أتدري من هذا، قال: لا، قال: هذا ابني، إنما يفزع من شيبتك .. بل يهابه الخلفاء أنفسهم، إذ يروى أن المهدي دعاه ـ وقد ازدحم الناس بمجلسه، ولم يبقى موضع لجالس ـ حتى إذا حضر مالك تنحى الناس له، حتى وصل إلى الخليفة، فتنحى له عن بعض مجلسه، ورفع إحدى رجليه ليفسح لمالك المجلس .. وهكذا كان شيخ فقهاء المدينة مهيب، حتى كان له نفوذ أكبر من نفوذ الولاة، وله مجلس أقوى تأثيرا من مجلس السلطان من غير أن يكون ذا سلطان، وقد قال فيه بعض شعراء عصره:
يأبى الجواب فما يراجع هيبـة والسائلون نـواكس الأذقـان
أدب الوقار وعز سلطان التقـى فهـو المطاع وليس ذا سلطان

وما سر هذه الهيبة؟ إنه مهما يكن للشخص من صفات عقلية وجسمية لا نستطيع أن نسند المهابة إليها وحدها. وإن من الناس من تتوافر فيهم هذه الصفات، ولا يكون لهم هذه المهابة، ولذا نقول في سبب هذه المهابة إنه قوة الروح، فمن الناس رجال قد آتاهم الله تأثيرا روحيا في غيرهم يجعل لهم سلطانا على النفوس، فيكون لكلامهم مواضع في النفس، وكأنما يخطون في النفوس خطوطا حين يتكلمون. وقد أعطى الله تعالى مالكا هذه القوة الروحية.
وكانت حياته كلها تزيدها وتنميها، وتظهرها وتجليها ... فحياة عقلية متسعة الأفق والمدى، وعلم غزير، وضبط للنفس، ونفاذ بصيرة، وسمت حسن، وقلة في القول ـ فإنه لا يذهب المهابة أكثر من لغط الكلام وكثرته التي تدفع إلى السقط، إذ كل سقطة في القول تذهب بشطر من المهابة ـ ومع هذا كله قد بعد مالك عن الملق والرياء، والتزم التقوى، وصدق القول.
مظهر الإمام مالك

وكانت له عناية بالمظهر، فكان يعنى بأثاث منزله وبملبسه، يلبس أجود الثياب، ويعنى بنظافتها وتنسيقها. وقد أوتي بسطة في الجسم، فكان له مظهر جسمي ممتاز.
وقد قال أحد تلاميذه في وصفه: " كان طويلا جسيما، عظيم الهامة، أبيض الرأس واللحية، شديد البياض(أشقر)، أعين(واسع العين)، (أزرق العينين)، حسن الصورة، أشم الأنف، عظيم اللحية تبلغ صدره،( أصلع)، ذات سعة وطول. وكان يأخذ أطراف شاربه ولا يحلقه، ولا يحفيه، ويرى حلقه من المثلة، ويترك له سبلتين طويلتين، ويحتج بفتل عمر لشاربه إذا أهمه أمر"،(انظر الديباج المذهب لابن فرحون).
قال عيسى بن عمر: "ما رأيت قط بياضا ولا حمرة أحسن من وجه مالك ولا أشد بياض ثوب من مالك"
وقال أبو عاصم: "ما رأيت محدثا أحسن وجها من مالك"
وقال أبو مصعب: "كان مالك من أحسن الناس وجها وأجلاهم عينا وأنقاهم بياضا وأتمهم طولا في جودة بدن"
وقال محمد بن الضحاك الحزامي: "كان مالك نقي الثوب رقيقه يكثر اختلاف اللبوس"
وقال الوليد بن مسلم: "كان مالك يلبس البياض ورأيته والأوزاعي يلبسان السيجان"
وقال خالد بن خداش: "رأيت على مالك طيلسانا وثيابا مروية جيادا"
وقال مصعب: "كان يلبس الثياب العدنية ويتطيب"
قال أشهب: "كان مالك إذا اعتم جعل منها تحت ذقنه ويسدل طرفها بين كتفيه"
وقال أشهب: "كان مالك إذا اعتم جعل منها تحت حنكة وأرسل طرفها خلفه وكان يتطيب بالمسك وغيره"
قال بشر بن الحارث: "دخلت على مالك فرأيت عليه طيلسانا يساوي خمس مئة وقد وقع جناحاه على عينيه أشبه شيء بالملوك"
وقال ابن وهب: "رأيت مالكا خضب بحناء مرة"
قال الواقدي: "كان ربعه لم يخضب ولا دخل الحمام"
وقال أشهب: "كان إذا اجتحل للضرورة جلس في بيته".(أنظر ترتيب المدارك للقاضي عياض السبتي)
وهكذا كانت صفاته الجسمية والعقلية، وأخلاقه وأحواله، من شأنها أن تربي المهابة منه وقد بلغت هيبته حدا أعلى من هيبة الملوك ... دخل عليه بعض أهل الأندلس، فقال بعد أن رآه: "ما هبت أحدا هيبتي من عبد الرحمن بن معاوية(أي عبد الرحمن الداخل)، فدخلت على مالك فهبته هيبة شديدة صغرت معها هيبة ابن معاوية".

معيشته ورزقه

لم تبين كتب المناقب والأخبار موارد رزق مالك أيام طلبه للعلم، ولا موارد رزق أسرته، ببيان كامل موضح . ولكن جاءت أخبار منثورة يكشف مجموعها عن موارد رزقه، وإن لم يكن كشفا واضحا بينا.
ولقد ذكر العلماء أن أباه كان يصنع النبال، ولكن لم ينشأ ابنه على هذه الصناعة، بل اتجه إلى رواية الحديث، كما صنع أعمامه وأخوه، ومع أن أخاه قد كان من طلاب الحديث ورواته، قالوا: إنه كان من تجار الحرير، وإن مالكا كان يعينه في تجارته، وإن ذلك لم يمنعه من اشتغاله بالعلم . وإن الذي يرجحه العلماء أن مالكا كانت له تجارة، وقد قال تلميذه ابن القاسم: "إنه كان لمالك أربعمائة دينار يتجر فيها، فمنها كان قوام معيشته".
ومهما يكن من تلك الأخبار فإنه من المؤكد أن مالكا في أثناء طلبه للعلم، كان يعيش في قل من المال، حتى إذا استوى في مكانه من العلم، واتصل أمر علمه بالخلفاء والولاة . وذاع فضله، آتاه الله بسطة من العيش، إذ كان يقبل عطاء الخلفاء، ولا يقبله ممن دونهم وقد سئل عن الأخذ من مال السلاطين، فقال: "أما الخلفاء فلا شك(يعني أنه لا بأس به)، وأما من دونهم ففيه شيء".
ولقد كان بعض الناس يستكثر قبوله الهدايا، أو يستكثر ذات الهدايا ... حتى أنه يروى أن الرشيد أجازه بثلاثة آلاف دينار، فقيل له: يا أبا عبد الله، ثلاثة آلاف دينار تأخذها من أمير المؤمنين!! فقال: "لو كان إمام عدل فأنصف أهل المروءة، لم أر به بأسا".
وإن هذا يفيد أنه ما كان ليقبلها إلا لإنصاف أهل المروءة، وحفظ مروءتهم من أن يتدلوا إلى ما لا يليق بأمثالهم . وقد كان يسد بها حاجة المحتاجين، وينفقها على طلاب العلم الذين يلوذون به ... فقد كانت طائفة من تلاميذه تأوي إلى كنفه وتعيش في ظله، ومنهم الشافعي رضي الله عنه، فقد عاش في كنفه نحو تسع سنين . وكان بعض الصحابة من قبله يأخذون من الخلفاء حتى كان بعضهم إذا سئل عن أخذها يقول: "عليهم المأثم ولنا المطعم".
إن للعلماء حقا في بيت المال، لأنهم حبسوا أنفسهم لخدمة العلم، ولإرشاد الناس، فكان على بيت المال أن يرزقهم ما يكفيهم وأسرهم بالمعروف، ومع أن الإمام مالكا كان يأخذ هدايا الخلفاء، كان ينهى غيره ... لأنه يحتسب نية لا يحتسبها غيره، ولأنه يأخذها في مقابل عمل يقوم به لخدمة الإسلام والمسلمين، وغيره قد يقبلها هدية من غير عمل . ولكنه كان لا يتكلم في هذا لأنه لا يميل إلى الجدل . وقد قال لبعض من سأله عن ذلك: "لا تأخذها"، فقال له: "أنت تقبلها"، فقال له: "أتريد أن أبوء بإثمي وإثمك".
وإن مالكا رضي الله عنه ـ بعد أن أعطاه الله تعالى رزقا حسنا، وأسبغ عليه رافع العيش ـ قد بدت عليه آثار النعمة في كل مظهر من مظاهر حياته، في مأكله وملبسه ومسكنه، إذ كان يقول: "ما أحب لامرئ أنعم الله عليه ألا يرى أثر نعمته عليه، وخاصة أهل العلم".
إن مأكله كان موضع عنايته، لا يأكل جاف العيش، ولا يكتفي بأدنى معيشة منه، بل يطلب جيده غير مجاوز حده. وكان حريصا على أن يأكل لحما بدرهمين في كل يوم، وذلك قدر ليس بالقليل لرخص اللحم في عهده . وكان له ذوق في الطعام، يحسن تخير الطيب من ألوانه، وكان يعجبه الموز، ويقول فيه: "لا شيء أكثر شبها بثمر أهل الجنة منه، ولا تطلبه في شتاء ولا صيف إلا وجدته". قال الله تعالى: "أكلها دائم وظلها".
وكان يعنى بملبسه، وكان يختار البياض، وكان يختار الثياب الجيدة؛ وقد جاء في ترتيب المدارك: "كان مالك يلبس الثياب العدنية والخراسانية والمصرية الغالية الثمن". وكان يعنى بنظافة ثيابه كما يعنى بتخييرها.
وعنى بمسكنه، فقد اشتمل على أثاث جيد فيه كل أسباب الراحة، و به نمارق مصفوفة ومطروحة يمنة ويسرة في نواحي البيت، يجلس عليها من يأتيه من قريش والأنصار ووجوه الناس:
وكان في كل حالة يظهر بمظهر حسن، كان يتطيب، ويتجمل بالمظهر اللائق دائما . ولقد جاء في ترتيب المدارك للقاضي عياض السبتي، أنه ما كان يظهر على الناس بلبسه المبتذل أبدا. فقد قال: "كان مالك إذا أصبح لبس ثيابه وتعمم، ولا يراه أحد من أهله ولا أصدقائه إلا متعمما، وما رآه أحد قط أكل أو شرب حيث يراه الناس".
وقد يقول قائل: إن هذه العيشة الناعمة لا تتفق مع ما عرف عن رجال الدين من الزهادة والانصراف عن ملاذ الحياة، وإنها لا تتفق أيضا مع ما ينبغي لرجل الدين من العناية بالقلوب والحقيقة، والعمل بدل المظهر والملبس . وإن هذه الحياة أقرب ما تكون إلى حياة السلاطين والأمراء، لا حياة العلماء ورجال الدين الذين جعلوا كل غايتهم المعنى لا المادة، والروح لا الجسم.
وهذا كلام يبدو بادي الرأي صحيحا، ولكن النظرة الفاحصة لحياة مالك رضي الله عنه، وما أحاط بها يجعلنا نستبين أنه ما قصد بهذه الحياة الزخرف أو الاستعلاء أو التكبر، بل قصد بها علو النفس، والبعد عن سفاسف الأمر وقصد بها الاستعانة على الحياة العقلية والارشادية.
ذلك: لأن الرجل الذي لا يستوفي عناصر التغذية من غير إفراط لا تكون أعصابه سليمة، بل يكون مضطرب النفس، مضطرب الفكر، وكثيرا ما يكون سوء التفكير من سوء التغذية . وإن الله أمرنا ألا نحرم ما أحل الله، وإن الزينة في ذاتها أمر حسن ما لم تكن استكبارا، ولقد قال تعالى: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق).
وأن أزهد الزهاد محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم كان يتخير الطعام الطيب من غير حرص على طلبه، ولا شهوة في ابتغائه.
ويجب أن يلاحظ أن مالكا، مع هذا العيش الرافغ كان ينفق كل ما يصل إلى يده من وظيفة مقررة له، أو من مورد رزقه أيام كان يكتسب، أو من جوائز الخلفاء، حتى أنه كان يسكن بكراء وليس له دار يملكها، ولعله كانت له دار في أول حياته ورثها، ثم باعها.
:

في العلم وطلبه

عن ابن وهب قال: "قيل لمالك: ما تقول في طلب العلم؟ قال: "حسن جميل لكن انظر الذي يلزمك من حين تصبح الى أن تمسي فالزمه
. وكان يرحمه الله يقول: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون منه دينكم
." ويروى عنه في الأثر المشهور أنه قال: "ما أحب لامرىء أنعم الله عليه أن يُري أثر نعمته عليه و خاصة أهل العلم
وعن مالك قال: "لا يؤخذ العلم عن أربعة: سفيه يعلن السفه وإن كان أروى الناس، وصاحب بدعة يدعو إلى هواه، ومن يكذب في حديث الناس وإن كنت لا أتهمه في الحديث، وصالح عابد فاضل إذا كان لا يحفظ ما يحدث به
وحدث ابن وهب فقال: "قال لي مالك: "العلم ينقص ولا يزيد، ولم يزل العلم ينقص بعد الأنبياء والكتب"".
قال إسماعيل بن أبي أويس: سألت خالي مالكا عن مسألة فقال لي: "قر"، ثم توظأ ثم جلس على السرير ثم قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، وكان لا يفتي حتى يقولها".
وأخبر الحارث بن مسكين عن ابن القاسم أنه قال: "قيل لمالك: لم لم تأخذ عن عمرو بن دينار؟ قال: أتيته فوجدته يأخذون عنه قياما، فأجللت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آخذه قائما".
وسمع أبو يوسف أحمد بن محمد الصيدلاني، محمد بن الحسن الشيباني يقول: "كنت عند مالك فنظر إلى أصحابه فقال: "أنظروا أهل المشرق فأنزلوهم بمنزلة أهل الكتاب، إذا حدثوكم فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، ثم التفت فرآني، فكأنه استحيى فقال: "يا أبا عبد الله، أكره أن تكون غيبة، هكذا أدركت أصحابنا يقولون..." وهذه الحكاية رواها الحاكم عن النجاد عن هلال بن العلاء عن الصيدلاني.
وذكر ضمرة أنه سمع مالكا يقول: "لو أن [لي] سلطانا على من يفسر القرآن لضربت رأسه، يعني تفسيره برأيه".
وعن مالك قال: "جنة العالم: لا أدري فإذا أغفلها أصيبت مقاتله".
قوله: "لا أدري"

قال الهيثم بن جميل: "سمعت مالكا سئل عن ثمان وأربعين مسألة، فأجاب في اثنتين وثلاثين منها بـ: "لا أدري".
وعن خالد بن خداش قال: "قدمت على مالك بأربعين مسألة، فما أجابني منها إلا في خمس مسائل".
وقال ابن وهب إن مالكا سمع عبد الله بن يزيد بن هرمز يقول: "ينبغي للعالم أن يورث جلساءه قول: "لا أدري"، حتى يكون ذلك أصلا يفزعون إليه".
في الكلام

رحم الله مالكاً حيث يقول‏:‏ "من عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه"‏.‏
قال ابن وهب: سمعت مالكا يقول: "أعلم أنه فساد عظيم ان يتكلم الإنسان بكل ما يسمع".
وعن مالك رحمه الله: "كلما كان رجل صادق لا يكذب في حديثه (أي مطلق حديث) إلا مُتِّعَ بعقله ولم يصبه مع الهرم آفة و لا خرف".

في ذم الجدل

قال القاضي عياض: قال أبو طالب المكي: "كان مالك رحمه الله أبعد الناس من مذاهب المتكلمين، وأشد نقضا للعراقيين".
وحَدَّثَ حرملة عن ابن وهب أنه قال: سمعت مالكا يقول: "ليس هذا الجدل من الدين بشيء".
وعن مالك قال: "الجذال في الدين ينشئ المراء ويذهب بنور العلم من القلب ويقسي ويورث الضغن".
وقال القاضي عياض: قال معن: "انصرف مالك يوما فلحقه رجل يقال له أبو الجويرية، متهم بالإرجاء، فقال: اسمع مني؛ قال: "أحذر أن أشهد عليك"؛ قال: والله ما أريد إلا الحق، فإن كان صوابا فقل به أو فتكلم، قال: "فإن غلبتني؟" قال: اتبعني. قال: "فإن غلبتيك؟" قال: أتبعتك؛ قال: "فإن جاء رجل فكلمنا فغلبنا؟" قال: اتبعناه؛ فقال مالك: "يا هذا، إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بدين واحد، وأراك تتنقل".
في علاقته بالحكام

كان مالك يُسِرُّ النصيحة إلى ولي الأمر، بحيث لا يحرجه أمام الرعية، ويصوغها بحيث تقع موقعا حسنا.
فقد رأى أحد الخلفاء يذهب الى الحج في موكب فخيم والترف باد عليه فقال له: "إن عمر بن الخطاب على فضله ينفخ النار تحت القدر حتى يخرج الدخان من لحيته وقد رضي الناس منك بدون هذا".
وقال لآخر: "افتقد أمور الرعية، فإنك مسؤول عنهم، فإن عمر ابن الخطاب قال: "والذي نفسي بيده، لو هلك جمل بشاطئ الفرات ضياعا لظننت أن الله يسألني عنه يوم القيامة".
وكتب لخليفة آخر: "احذر يوما لا ينجيك فيه إلا عملك وليكن لك أسوة بمن قد مضى من سلفك، وعليك بتقوى الله".
وروى الذهبي في سبر أعلام النبلاء أن مالكا كان يقول: "والله ما دخلت على ملك من هؤلاء الملوك حتى أصل إليه إلا نزع الله هيبته من صدري"
وحكى ابن وهب عن مالك قوله: "دخلت على المنصور، وكان يدخل عليه الهاشميون فيقبلون يده ورجله، عصمني الله من ذلك".
وسمع هارون بن موسى الفروي، مصعبا الزبيري يقول: "سأل هارون الرشيد مالكا وهو في منزله ومعه بنوه أن يقرأ عليهم، فقال مالك: "ما قرأت على أحد منذ زمان وإنما يقرأ علي"؛ فقال: أخرج الناس حتى أقرا أنا عليك"، فقال: "إذ منع العام لبعض الخاص لم ينتفع الخاص"؛ وأمر هارون الرشيد معن ابن عيسى فقرأ عليه.
وذكر إبراهيم بن حماد الزهري أنه سمع مالكا يقول: "فال لي المهدي: ضع يا أبا عبد الله كتابا أحمل الأمة عليه، فقلت: يا أمير المؤمنين، أما هذا الصقع، وأشرت إلى المغرب، فقد كفيته، وأما الشام ففيهم من قد علمت، يعني الأوزاعين وأما العراق فهم أهل العراق".
وحدث محمد بن عمر قال: سمعت مالكا يقول: "لما حج المنصور دعاني فدخلت عليه، فحادثته وسألني فأجبته، فقال: عزمت أن آمر بكتبك هذه، يعني الموطأ، فتنسخ نسخا ثم أبعث إلى كل مصر من أمصار المسلمين بنسخة، وآمرهم أن يعملوا بما فيها، ويدعوا ما سوى ذلك من العلم المحدث، فإني رأيت أصل العلم رواية أهل المدينة وعلمهم. قلت: "يا امير المؤمنين، لا تفعل؛ فإن الناس قد سيقت إليهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورووا روايات، وأخذ كل قوم بما سيق إليهم، وعملوا به، ودانوا به من اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وإن ردهم عما اعتقدوه شديد، فدع الناس وما هم عليه، وما اختار أهل كل بلد لأنفسهم، فقال: "لعمري لو طاوعتني لأمرت بذلك". وفي رواية: "فقلت: قد رسخ في قلوب أهل كل بلد ما اعتقدوه وعملوا به، ورد العامة عن مثل هذا عسير".
في نفسه

قال ابن وهب: سمعت مالكا يقول: "ما تعلمت العلم إلا لنفسي، وما تعلمت ليحتاج الناس إلي".
وعن مطرف بن عبد الله قال: حدثنا مالك قال: "لما أجمعت التحويل عن مجلس ربيعة جلست أنا وسليمان بن بلال في ناحية المسجد، فلما قام ربيعة عدل إلينا فقال: "يا مالك تلعب بنفسك، زفنت وصفق لك سليمان، بلغت إلى أن تتخذ مجلسا لنفسك ارجع إلى مجلسك".
وعن مطرفقال: قال لي مالك: "ما يقول الناس في؟" قلت: أما الصديق فيثني وأما العدو فيقع، فقال: "مازال الناس كذلك، ولكن نعوذ بالله من تتابع الألسنة كلها".
وذكر أحمد بن سعيد الرباطي أنه سمع عبد الرزاق يقول: سأل سندل مالكا عن مسألة فأجابه، فقال: أنت من الناس أحيانا تخطئ واحيانا لا تصيب. قال: "صدقت، هكذا الناس"؛ فقيل لمالك: لم تدر ما قال لك؟ ففطن لها وقال: "عهدت العلماء ولا يتكلمون بمثل هذا وإنما أجيبه على جواب الناس".
وقال ابن وهب: سمعت مالكا وقال له ابن القاسم: "ليس بعد أهل المدينة أحد أعلم بالبيوع من أهل مصر، فقال مالك: "من أين علموا ذلك؟ قال: "منك يا أبا عبد الله"، فقال: "ما أعلمها أنا فكيف يعلمونها بي".
وقال إسماعيل القاضي: سمعت أبا مصعب يقول: "لم يشهد مالك الجماعة خمسا وعشرين سنة" فقيل له ما يمنعك قال: "مخافة أن أرى منكر فأحتاج أن أغيره".

من أقواله في اتباع السنة

عن مطرف بن عبد الله قال: سمعت مالكا يقول: "سن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وولاة الأمر بعده سننا، الأخذ بها اتباع لكتاب الله، واستكمال بطاعة ال،له وقوة على دين الله، ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها، ولا النظر في شيء خالفها، من اهتدى بها فهو مهتد، ومن استنصر بها فهو منصور، ومن تركها اتبع غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا".
وقال الحلواني سمعت إسحاق بن عيسى يقول قال مالك: "أكلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم لجدله".
وقال أبو ثور سمعت الشافعي يقول: كان مالك إذا جاءه بعض أهل الأهواء قال: "أما إني على بينة من ديني، وأما أنت فشاك، اذهب إلى شاك مثلك فخاصمه".
وعن ابن وهب سئل مالك عن الداعي يقول: "يا سيدي" فقال: "يعجبني دعاء الأنبياء: "ربنا ربنا"".
في العقيدة

النظر إلى الله
قال ابن وهب: قال مالك: "الناس بنظرون إلى الله عز وجل يوم القيامة بأعينهم".
قال القاضي عياض في سيرة مالك، قال ابن نافع وأشهب، وأحدهما يزيد على الآخر، قلت: يا أبا عبد الله: (وجوه يومئذ ناضرة)، ينظرون إلى الله؟ قال: "نعم، بأعينهم هاتين" قلت: فإن قوما يقولون ناظرة بمعنى منتظرة إلى الثواب، قال: "بل تنظر إلى الله؛ أما سمعت قول موسى (رب أرني انظر إليك) أراه سأل محالا، قال الله: (لن تراني) في الدنيا، لأنها دار فناء، فإذا صاروا إلى دار البقاء نظروا بما يبقى إلى ما يبقى، قال تعالى: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون).
خلق القرآن
قال يحي ابن خلف الطرسوسي، وكان من ثقات المسلمين، كنت عند مالك فدخل عليه رجل فقال: يا أبا عبد الله، ما تقول فيمن يقول: القرآن مخلوق، فقال مالك: "زنديق، اقتلوه"، فقال: يا أبا عبد الله، إنما أحكي كلاما سمعته، قال: "إنما سمعته منك" وعظم هذا القول.
وقال ابن أبي أويس: سمعت مالكا يقول: "القرآن كلام الله، وكلام الله منه، وليس من الله شيء مخلوق".
و روى ابن نافع عن مالك: "من قال القرآن مخلوق يجلد ويحبس"، وفي رواية بشر بن بكر عن مالك قال: "يقتل ولا تقبل له توبة".

القدرية
وحدث ابن وهب قال: سمعت مالكا يقول لرجل سأله عن القدر: نعم، قال الله تعالى: (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها).
وقال سعيد ابن عبد الجبار: سمعت مالكا يقول: "رأيي فيهم أن يستتابوا، فإن تابوا وإلا قتلوا"، يعني القدرية.
وسئل مالك عن الصلاة خلف أهل البدع القدرية وغيرهم فقال: "لا أرى أن يصلي خلفهم"، قيل: فالجمعة؟ قال: "إن الجمعة فريضة، وقد يذكر عن الرجل الشيء وليس هو عليه"، فقيل له: أرايت إن استيقنت أو بلغني من أثق به أليس لا أصلي الجمعة خلفه؟ قال: "إن استيقنت"، كأنه يقول إن لم يستيقن ذلك فهو في سعة من الصلاة خلفه.
وقال أشهب: قال مالك: "القدرية لا تناكحوهم ولا تصلوا خلفهم".

الرافضة
روى الخلال عن أبي بكر المروذي قال: سمعت أبا عبد الله يقول: قال مالك: "الذي يشتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ليس لهم اسم، أو قال: نصيب في الإسلام".
وقال ابن كثير عند قوله سبحانه وتعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار..)
قال: "ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك رحمة الله عليه في رواية عنه، بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة رضي الله عنهم، قال: لأنهم يغيظونهم ومن غاظ الصحابة رضي الله عنهم فهو كافر لهذه الآية، ووافقه طائفة من العلماء رضي الله عنهم على ذلك).
وقال القرطبي: (لقد أحسن مالك في مقالته وأصاب في تأويله، فمن نقص واحداً منهم أو طعن عليه في روايته فقد رد على الله رب العالمين وأبطل شرائع المسلمين).

الاستواء على العرش
عن جعفر بن عبد الله قال: كنا عند مالك فجاءه رجل فقال: "يا أبا عبد الله (الرحمن على العرش استوى) كيف استوى؟ فما وجد مالك من شيء ما وجد من مسألته فنظر إلى الأرض، وجعل ينكت بعود في يده حتى علاه الرحضاء، ثم رفع رأسه ورمى بالعود، وقال: "الكيف منه غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وأظنك صاحب بدعة وأمر به فأخرج". وفي رواية: قال للسائل: "إني أخاف أن تكون ضالا".
وقال ابن وهب: كنا عند مالك، فقال رجل: يا أبا عبد الله (الرحمن على العرش استوى) كيف استواؤه؟ فأطرق مالك وأخذته الرحضاء ثم رفع رأسه فقال: "(الرحمن على العرش استوى)، كما وصف نفسه، ولا يقال له كيف، وكيف عنه مرفوع، وأنت رجل سوء صاحب بدعة، أخرجوه".
وفي رواية ذكرها القاضي عياض: "فناداه الرجل يا أبا عبد الله، والله لقد سألت عنها أهل البصرة والكوفة والعراق فلم أجد أحدا وفق لما وفقت له".

الله في السماء
وروى عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب الرد على الجهمية له، قال: قال مالك: "الله في السماء وعلمه في كل مكان لا يخلو منه شيء".

الإيمان قول وعمل
قال القاضي وقال غير واحد عن مالك: "الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص وبعضه أفضل من بعض"، وقال ابن القاسم: "كان مالك يقول: "الإيمان يزيد" وتوقف عن النقصان".

سب النبي
وقال ابن وهب: قال مالك" "لا يستتاب من سب النبي صلى الله عليه وسلم من الكفار والمسلمين".

الصفات
وقال ابن القاسم: سألت مالكا عمن حدث بالحديث الذين قالوا إن الله خلق آدم على صورته والحديث الذي جاء إن الله يكشف عن ساقه وأنه يدخل يده في جهنم حتى يخرج من أراد"، فأنكر مالك ذلك انكارا شديدا ونهى أن يحدث بها أحد.
والمشهور والمحفوظ عن مالك رحمه الله، أنه سئل عن أحاديث الصفات فقال: "أمرها كما جاءت بلا تفسير".

الخلفاء الراشدين
قال ابن القاسم: سألت مالكا عن علي وعثمان فقال: "ما أدركت أحدا ممن اقتدى به إلا وهو يرى الكف عنهما" قال ابن القاسم: يريد التفضيل بينهما، فقلت فأبو بكر وعمر؟ فقال: "ليس فيهما إشكال، إنهما أفضل من غيرهما".
نصائح ووصايا
قال ابن وهب سمعت مالكا يقول: "ما أكثر أحد قط فأفلح".
"من لم يكن فيه خير لنفسه لم يكن فيه خير لغيره".
وكان يحرجه أن يرفض استقبال أحد، وله أصدقاء كثر. واستخلص العبرة من كل حياته الماضية وأفضى بنصيحة الى أحد تلاميذه ليبثها في الناس من بعده فقال: "إياكم ورق الأحرار".
فسأله تلميذه: "ما رق الأحرار؟"قال الإمام مالك «كثرة الإخوان.. فإن كنت قاضيا ظلمت أو اتهمت بالظلم، وإن كنت عالما ضاع وقتك".
هو إمام يقتدى به


شهد علماء السلف والخلف، من كل المذاهب لمالك أنه بلغ رتبة الإمامة في الدين والعلم، وذكروا أثره في حفظ العلم من الضياع ، لا سيما الحديث والفقه، فمن ذلك:
قول عبد الله بن المبارك: "ما رأيت أحدا ممن كتب عنه علم رسول الله أهيب في نفسي من مالك، ولا أشد إعظاما لحديث رسول الله من مالك، ولا أشح على دينه من مالك، لو قيل: اختر للأمة إماما، لاخترت لها مالكا".
وقال رجل لسفيان بن عيينة: "يا أبا محمد، رجل أراد أن يسأل عن مسألة رجلا من أهل العلم ليكون حجة بينه وبين الله"، فقال سفيان: "مالك ممن يجعله الرجل حجة بينه وبين الله".
وسمع الحارث بن مسكين، ابن وهب يقول: "لولا أني أدركت مالكا والليث لضللت".
وقال هارون بن سعيد، سمعت ابن وهب ذكر اختلاف الحديث والروايات فقال: "لولا أني لقيت مالكا لضللت".
وقال أحمد القطان: "هو إمام يقتدى به".
وقال ابن معين: "مالك من حجج الله على خلقه".
قال ابن وضاح: قال لي يحيى بن معين: على علم مالك تعتمد؟ قلت على علم مالك. قال: حسبك به.
وقال أسد بن الفرات: "إذا أردت الله والدار الآخرة فعليك بمالك".
قال الشافعي: "رأيت المغيرة وابن أبي حازم، والدراوردي، يذهبون مذهب مالك".
وذكر عبد العزيز بن الماجشون مسألة، اختلف فيها قول أبيه وقول مالك فقال: "وبقول مالك أقول، وأميل مع مالك حيثما مال، فإنه كان موفقاً".
قال أبو إسحاق الفزاري: "مالك حجة رضى كثير الإتباع للأثار".
قال التستري: قال أبو عبد الله الزبيري بن أحمد الزبيري، ونحن نتذاكر المذاهب: "يستغنى بمذهب مالك عن مذهبهم، ولا يستغنى بمذهب أحد منهم عن مذهبه".
وقال أبو إسحاق الجبنياني: "إنما المذهب مذهب أهل المدينة، مذهب مالك".
قال سعيد بن الحداد: "كان مالك من الراسخين في الإسلام"، فقال له أبو طالب يوما: "ففي العلم يا أبا عثمان؟ قال: "كان والله أرسخ في العلم من الجبال الراسيات".

مالك أمان لمن أخذ عنه من الأنام


وعن الليث أنه قال: "علم مالك علم تقى، علم مالك نقي، مالك أمان لمن أخذ عنه من الأنام".
قال سعيد بن منصور: "رأيت مالكاً يطوف وخلفه سفيان الثوري يتعلم منه كما يتعلم الصبي من معلمه، كلما فعل مالك شيئاً، فعله سفيان يقتدي به".
وقال سفيان ابن عيينة: كان مالك سراجاً؛ حج الثوري فطفت معه فلم يكن معه كبير أحد، وقدم مالك فطاف فضاق الطواف بالناس، يعني لكثرتهم، يأتمون به".
وقال يحيى: قال الشافعي: "أفطرت بالمدينة عند مالك، فخرج إلى العيد وصلى، ثم انصرف ونظر إلى الناس عند بيت النبي، صلى الله عليه وسلم، وهو على باب المسجد، فقال ما لهم؟
قالوا: انصرفوا يسلمون على النبي، صلى الله عليه وسلم.
فرجع في الرحبة إلى الحظيرة التي يطعَم فيها المساكين في رمضان، وترك أن يدخل المسجد، فرأيت الناس قد خرجوا من المسجد يتبعون أين سلك".
وقال عتيق بن يعقوب: "ما أجمع أهل المدينة على أحد بعد النبي، صلى الله عليه وسلم، إلا على أبي بكر وعمر، ومات مالك ولم نعلم أن أحداً من أهل المدينة قبل موته إلا وقد أَجمع عليه".
قال حميد بن الأسود: قال مالك: "كان إمام الناس عندنا بعد عمر ابن الخطاب، رضي الله عنه، زيد بن ثابت، وإمام الناس بعد زيد بن ثابت عبد الله بن عمر".
وقال حميد بن الأسود: "ما تقلد أحد من أهل المدينة بعد قول زيد بن ثابت كما تقلدوا قول مالك".
قال ابن أبي أويس: "حضرت الاستسقاء بالمصلى، فلما حول الإمام رداءه، قام مالك يحول ساجا عليه، فقام الناس فحولوا أرديتهم؛ فلما انصرف مالك قيل له: أمن سنة الاستسقاء إذا حول الإمام، أن يقوم الناس فيحولوا أرديتهم؟ قال: "ليس عليهم قيام، ويحولون قعوداً، وإنما قمت لأن ساجي كان تحتي، فلم أقدر على تحويله حتى قمت"".
وقال داود بن مهران: "لما أتيت المدينة حضرت جنازة، فلم يبق أحد من بني هاشم ومن قريش والناس إلا حضرها، فلما أخرجت الجنازة، قام مالك وقام الناس لقيامه، فمضى ماشياً بين يديها، وتبعه الناس، فما رأيت أحداً خلف الجنازة، ومالك أمامهم".
قد جاء العاقل


قال سفيان بن عينية: "إن بالمدينة من بورك له في عقله"، يعني مالك.
وقال عبد الرحمن بن مهدي: "دخلت المدينة سنة أربع وأربعين ومائة، ومالك أسود الرأس واللحية، والناس حواليه سكوت لا يتكلم أحد منهم هيبة له، ولا يفتي أحد في مسجد رسول الله غيره، فجلست بين يديه فسألته فحدثني، فاستزدته فزادني، ثم غمزني بعض أصحابه فسكت".
وقال: "ما رأيت أثبت عقلا من مالك. وقال: ما أدركت أحدا من علماء الحجاز إلا معظما لمالك. وإن الله لا يجمع أمة محمد في حرمه وحرم نبيه إلا على هدى".
قال ابن مهدي: "أئمة الناس في زمانهم أربعة: الثوري ومالك والأوزاعي وحماد بن زيد"، وقال: "ما رأيت أحدا أعقل من مالك".
وعن ابن مهدي قال: "ما رأيت أحدا أهيب ولا أتم عقلا من مالك ولا أشد تقوى".
وكان شيخه ربيعه إذا رآه قال: "قد جاء العاقل".
وقال ابن لهيعة قلت لأبي الأسود: "من للرأي بعد ربيعه بالمدينة؟ قال: "الغلام الأصبحي".
قال شعبة: "دخلت المدينة سنة سبع عشرة بعد موت نافع بسنة، وفي بعضها سنة ثمان عشرة، وهو أصح، فرأيت مالكاً له حلقة، فإذا اختلف الناس في شيء نظروا إليه ما يقول".
قال القاضي محمد بن أحمد البصري: "وفي هذه السنة سمع شعبة من مالك، وسن مالك إذ ذاك نيف وعشرون سنة".
عالم العلماء ومفتي الحرمين


قال عبد الله والد مصعب الزبيري: "لَمالك بن أنس سيد المسلمين".
قال البهلول بن راشد: "ما رأيت أنزع من مالك بن أنس بآية من كتاب الله".
قال مطرف: "كان مالك إذا سئل عن مسألة نزلت فكأنما نبي نطق على لسانه".
روي عن الأوزاعي أنه كان إذا ذكر مالكا يقول: "عالم العلماء ومفتي الحرمين".
وذكره الأوزاعي فقيل له: كيف رأيت مالكاً؟ قال: "رأيت رجلاً عالماً".
وقال أشهب: "سألت المغيره بن عبد الرحمن عن مالك وابن الماجشون فرفع مالكا، وقال: "ما أعتدلا في العلم قط"".
وقال علي بن المديني: "لم يكن بالمدينة أعلم بمذاهب تابعيهم من مالك".
وقال النسائي: "وما أحد عندي بعد التابعين أنبل من مالك بن أنس ولا أجل، ولا آمن على الحديث منه".
وقال النسائي: أمناء الله على وحيه: شعبة، ومالك، ويحيى بن سعيد القطان، وما أحد عندي بعد التابعين أفضل من مالك، ولا أجل ولا أوثق، ولا أحد آمن على الحديث منه.
وقال سفيان بن عينية: ما نحن عند مالك؟ إنما كنا نتبع آثار مالك، وننظر الشيخ إن كان كتب عنه مالك، كتبنا عنه."
وقال: إن المدينة، أو ما أرى المدينة إلا ستخرب بعد مالك، قال: ومالك سيد أهل المدينة، وقال مالك سيد المسلمين، وقال: مالك إمام، وقال: مالك عالم أهل الحجاز، وقال: كان مالك سراجاً، ومالك حجة في زمانه".
وقال لبعضهم: "أتقرنني بمالك؟ ما أنا وهو إلا كما قال جرير:
وابن اللبون إذا ما بز فـي قـرن لم يستطيع صولة البزل القناعيس
ثم قال: ومن مثل مالك متبع لآثار من مضى، مع عقل وأدب".
وقال الشافعي: "لولا مالك وسفيان ـ ابن عينية ـ ذهب علم الحجاز". ويروى لما عرف العلم بالحجاز.
ثم قال يونس: سمعت الشافعي يقول: "مالك وابن عيينه القرينان، ولولا مالك وابن عيينه لذهب علم الحجاز". وقال: مالك وسفيان قرينان، ومالك النجم الثاقب الذي لا يلحق. وقال: "إذا جاء الأثر فمالك النجم" وفي لفظ آخر: "إذا ذكر العلماء فمالك النجم".
وقال ابن أبي عمر العدني سمعت الشافعي يقول: "مالك معلمي وعنه أخذت العلم".
وكان الشافعي دهره إذا سئل عن الشيء يقول: "هذا قول الأستاذ"، يريد مالكا.ً وقال فيه: "وما أحد أمن علي من مالك، وإنما أنا غلام من غلمان مالك، وجعلت مالكاً حجة بيني وبين الله تعالى". وذكر الأحكام والسنن فقال: "العلم يدور على ثلاثة: مالك والليث وابن عيينة".
قال الشافعي: "قال محمد بن الحسن: "أقمت عند مالك ثلاث سنين وكسرا وسمعت من لفظه أكثر من سبع مئة حديث"، فكان محمد إذا حدث عن مالك أمتلأ منزله، وإذا حدث عن غيره من الكوفيين لم يجئه إلا اليسير ".
وقال الشافعي: "ذاكرت محمد بن الحسين يوماً فقال لي: صاحبنا أعلم، يعني أبا حنيفة، من صاحبكم، يعني مالكاً.
فقلت له: الإنصاف تريد أم المكابرة؟ قال الإنصاف.
قلت له: نشدتك بالله الذي لا إله إلا هو، من أعلم بكتاب الله وناسخه ومنسوخه؟ قال: اللهم صاحبكم.
قلت له: فمن أعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: اللهم صاحبكم.
قلت له: فمن أقوال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: اللهم صاحبكم.
قلت: فلم يبق إلا القياس.
قال: صاحبنا أقيس.
قلت: القياس لا يكون إلا على هذه الأشياء، فعلى أي شيء يقيس؟ ونحن ندعي لصاحبنا ما لا تدعونه لصاحبكم.
وفي بعض الرواية عنه:
فقلت له: وصاحبنا لم يذهب عليه القياس، ولكنه يتوقى ويتحرى، يريد: يتأسى بمن تقدمه".


مالك وعاء العلم


قال ابن هرمز يوماً لجاريته: من بالباب؟ فلم تر إلا مالكاً، فذكرت ذلك له، فقال: "دعيه؛ فإنه عالم الناس".
وقال ابن شهاب: "أنت من أوعية العلم"، أو "إنك لنعم مستودع العلم".
وقيل لأبي الأسود، شيخ مالك بمصر سنة إحدى وثلاثين ومائة، من للرأي بعد ربيعة بالمدينة؟ فإن يحيى بن سعيد بالعراق، فقال: "الغلام الأصبحي".
أما صاحبه الليث بن سعد الذي صاحبه عمرا طويلا، وراسله، ووصله بالمال والهدايا، واختلف معه آخر الأمر، فقد قال عنه أثناء الخلاف وعلى الرغم من الخلاف: «مالك وعاء العلم.»
وذكره الليث فقال: مالك، مالك، يرفع من قدره.
وقال الليث: "إني لأدعو لمالك في صلاتي، وذكر من حاجة الناس في الفتيا".
قال الليث: "لقيت مالكاً بالمدينة، فقلت له: إني أراك تمسح العرق عن جبينك.
قال عرفت مع أبي حنيفة، إنه لَفقيه يا مصري، ثم لقيت أبا حنيفة فقلت: ما أحسن قول ذلك الرجل فيك.
فقال: "والله ما رأيت أسرع منه بجواب صادق وزهد تام"".
قال محمد ابن عبد الحكم: "إذا انفرد مالك بقول لم يقله من قبله، فقوله حجة توجب الاختلاف؛ لأنه إمام".
فقيل له الشافعي؟ قال: لا.
قال الحكم: "دخلت المسجد فسألت جماعة ممن في المسجد: من أعلم من في المسجد وأفضل؟ فقالوا: هذا القائم يركع، يريدون مالكاً".
وذكر أحمد بن حنبل مالكا فقدمه على الأوزاعي والثوري والليث وحماد والحكم في العلم، وقال: "هو إمام في الحديث وفي الفقه".
وسئل عن الثوري ومالك إذا اختلفا في الرواية وفي طريق أيهما أفقه؟ فقال: "مالك أكبر في قلبي".
قيل له: فمالك والأوزاعي إذا اختلفا في الرواية؟ قال: "مالك أحب إلي وإن كان الأوزاعي من الأئمة".
قيل: فمالك والليث؟
قال: "مالك".
قيل: مالك والحكم وحماد؟
قال: "مالك".
قيل: مالك والنخعي؟
قال: "ضعه مع أهل زمانه"، وقال: "مالك سيد من سادات أهل العلم، وهو إمام في الحديث والفقه، ومن مثل مالك متبع لآثار من مضى مع عقل وأدب؟".
وقال ابن حنبل: "مالك أتبع من سفيان".
قال عبد السلام بن عاصم قلت لأحمد بن حنبل: "يا أبا عبدالله، رجل يريد أن يحفظ حديث رجل بعينه"، فقال أحمد: "يحفظ حديث مالك"، وفي رواية قال: "حديث مالك، فإنه حجة بينك وبين الله تعالى". وقاله أيضاً لرجل سأله: أي شيء أكتبه من الحديث؟
قيل له: فيريد ينظر في الرأي، رأي من ترى ينظر؟ قال: "رأي مالك"، وقال: "يرحم الله مالكاً، كان من الإسلام بمكان". وقال: "لا يترك عن مالك حديث ولا كلام إلا كتب".
قال علي بن المديني: أخذ عن زيد أحد وعشرون رجلا ممن كان يتبع رأيه ويقوم به: قبيصة، وخارجة بن زيد، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ابن مسعود، وعروة بن الزبير، وأبو سلمة، والقاسم بن محمد، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وسالم، وسعيد بن المسيب، وأبان بن عثمان، وسليمان بن يسار.
ثم صار علم هؤلاء كلهم إلى ثلاثة: ابن شهاب، وبكير بن عبد الله ابن الأشج، وأبي الزناد.
وصار علم هؤلاء كلهم إلى مالك بن أنس. وكان ابن مهدي يعجبه هذا الإسناذ ويميل إليه.
وقال: "حسبك مالك وابن عينية حفظاً وإتقاناً إذا اتفقا".
وقال بعضهم: سمعت بقية بن الوليد في جماعة ممن يطلب الحديث، ومشيخة من أهل المدينة يقول: "ما بقي على ظهرها ـ يعني الأرض ـ أعلم بسنة ماضية ولا باقية منك يا مالك".
وقال أبو يوسف: "ما رأيت أعلم من أبي حنيفة ومالك وابن أبي ليلى".
قال ابن عبد الحكم أفتى مالك مع نافع وربيعة.
وقال ابن مهدي:
"مالك أفقه من الحكم وحماد"، وقال: "أئمة الحديث الذين يقتدى بهم أربعة، سفيان بالكوفة، ومالك بالحجاز، والأوزاعي بالشام، وحماد بن زيد بالبصرة".
وسئل: من أعلم؟ مالك أو أبو حنيفة؟
فقال: "مالك أعلم من أستاذي أبي حنيفة". وقال: "الثوري إمام في الحديث وليس بإمام في السنة، والأوزاعي إمام في السنة وليس بإمام في الحديث، ومالك إمام فيهما".
وقال: "ما بقي على وجه الأرض آمن على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من مالك".
وقال: "ما أقدم على مالك في صحة الحديث أحداً"، وقال: "لم أر أحداً مثل مالك، وحماد بن زيد، كانا يحتسبان في الحديث".
وقال وهيب بن خالد: ـ وكان من أبصر الناس بالحديث ـ "قدمت المدينة فلم أجد أحداً إلا ويعرف وينكر، إلا مالكاً ويحيى بن سعيد"، وكان وهيب لا يَعْدِل بمالك أحداً.
وقال يعقوب بن سفيان:
إلى مالك والثوري وابن عيينة تنتهي الإمامة في العلم والفقه والإتقان.
قال ابن أبي حازم: قال لي عبد العزيز بن الماجشون: "اغتنم مالكاً، فلم يبق من أدرك الناس غيري وغيره".
وقال سعيد بن داود: "لم يذكر في عصر مالك أحد أرفع عند أهل المدينة من مالك".
وقال غيره: "ما رأيت أحدا أحسن على الكشْف من مالك، كلما كشفته ازددت فيه رغبة".
قال أبو مصعب: "كانوا يزدحمون على باب مالك حتى يقتتلوا من الزحام، وكنا إذا كنا عنده لا يلتفت ذا إلى ذا قائلون برؤوسهم هكذا وكانت السلاطين تهابه، وكان يقول: "لا ونعم"، ولا يقال له من أين قلت ذا".
وقال مصعب بن عبد الله في مالك:


قال ابن كثير رحمه الله :" أحد الأئمة الأربعة؛ أصحاب المذاهب المتبوعة" ثمَّ قال: "ومناقبه كثيرة جداً، وثناء الأئمة عليه أكثر من أن يحصر في هذا المكان".
وقال ابن العماد في"شذرات الذهب": "إمام دار الهجرة" ثمَّ قال :"شهير الفضل".
وقال فيه العلامة ابن خلدون: "الإمام مالك ـ رضي الله عنه ـ إمام دار الهجرة، وشيخ أهل الحجاز في الحديث والفقه غير منازع، والمقلد المتبوع لأهل الأمصار وخصوصا أهل المغرب

لا يفتي الناس إلا مالك


قال حماد بن زيد: "دخلت المدينة، ومناد ينادي: "لا يفتى في مسجد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ويحدث إلا مالك"".
قال ابن وهب: حججت سنة ثمان وأربعين ومئة، وصائح يصيح بالمدينة: "لا يفتي الناس إلا مالك وابن أبي ذئب"، وفي رواية عنه: "وابن الماجشون " مكان ابن أبي ذئب.
وقال عبد الله بن الماجشون: كان يخرج رسول الوالي أيام الحج (وينادي): "لا يفتي الناس إلا عبيد الله بن عمر ويحيى بن سعيد، ومالك بن أنس". وذكر نحوه ابن كاسب.
وقال حسين بن عروة: سمعت المنادي ينادي أيام الموسم: "لا يفتي الناس إلا مالك، وابن أبي الزناد، والداروردي".
وقال المسيبي: بلغني أن ولاة المدينة كانوا لا يأذنون لأحد أن يفتي إلا مالكا، وابن أبي الزناد.
قال القاضي أبو عبد الله التستري: يشبه أن تكون هذه الأخبار في زمن بعد آخر، والله أعلم؛ لاختلاف طبقات من قرن فيها مع مالك، رضي الله عنه.
مالك أمير المؤمنين في الحديث


وقال يحيى بن معين: "مالك أمير المؤمنين في الحديث".
وقال يحيى بن معين: مالك نبيل الرأي، نبيل العلم، أخذ المتقدمون عن مالك ووثقوه، وكان صحيح الحديث، قال: وكان من حجج الله على خلقه، وقال: وكان إماما في الحديث، قال: وكان يقدمه على أصحاب الزهري. وقال: "ما رأيت أحداً أحفظ لحديث نفسه منه ومن سفيان".
وقيل له: الليث أرفع عندك أم مالك؟ قال: "مالك، وهو أعلم أصحاب الزهري، وأوثقهم، وأثبت الناس في كل شيء".
وقال: "مالك إمام من أئمة المسلمين، مجمع على فضله وتثبته في الحديث".
وقال: "مالك نجم أهل الحديث المتوقف عن الضعفاء، الناقل عن أولاد المهاجرين والأنصار".
وقال وهيب بن خالد: "أتينا الحجاز فما سمعنا حديثا إلا نعرف وننكر إلا حديث مالك".
وقال يحيى بن سعيد القطان: "ما في القوم أصح حديثاً من مالك، يعني الأوزاعي والسفيانيين، ومالك أحب إلي من معمر، ومالك إمام الناس في الحديث، وقال أيضاً: مالك أمير المؤمنين في الحديث"، وقال يحيى أيضاً: "كان مالك حافظاً"، وقال: "كان مالك إماما في الحديث".
وقال يحيى القطان: "ما في القوم اصح حديثا من مالك، كان إماما في الحديث".
وقال سفيان بن عينية: "مالك إمام في الحديث"، وقال: "حدثني مالك الصدوق".
وقال عبد الرحمن بن مهدي: "لا أقدم على مالك في صحة الحديث أحدا".
وروى علي بن المديني عن سفيان ابن عيينه قال: "رحم الله مالكا ما كان أشد انتقاده للرجال".
وعن ابن عيينه قال: "كان مالك لا يبلغ من الحديث إلا صحيحا، ولا يحدث إلا عن ثقة، ما أرى المدينة إلا ستخرب بعد موته" يعني من العلم .
وقال علي بن المديني: "ما أقدم على مالك أحداً في صحة الحديث، ومالك أمير المؤمنين في الحديث".
وقال: "إني أحدثك عمن لم تر عيناك، وفي رواية "عيناي" مثله، فحدثني عن مالك".
وقال: "لولا أن الله يبعث في كل زمان مثل مالك وشعبة والأوزاعي لكانوا قد أدخلوا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس فيه".
كان مالك ثقة مأموناً ثبتاً فقيهاً ورعاً حجة عالماً
قال الشافعي: "إذا ذكر العلماء فمالك النجم، ولم يبلغ أحد في العلم مبلغ مالك لحفظه وإتقانه وصيانته، ومن أراد الحديث الصحيح فعليه بمالك".
وعن الشافعي قال: "كان إذا شك في حديث طرحه كله".
وقال الشافعي: "إذا جاءك الأثر عن مالك فشد به يدك".
وقال أحمد بن حنبل: "مالك حافظ متثبت، من أثبت الناس في الحديث".
وقال ابن مهدي مرة لأصحابه: "أحدثكم عمن لم تر عيناي مثله، ثم قال: "حدثنا مالك"، وقال: "مالك أحفظ أهل زمانه، ومالك لا يخطىء في الحديث".
وقيل لابن هرمز: نسألك فلا تجيبنا ويسألك مالك وعبد العزيز فتجيبهما؟ فقال: "دخل علي في بدني ضعف، ولا آمن أن يكون قد دخل علي في عقلي مثل ذلك، وأنتم إذا سألتموني عن الشيء فأجبتكم قبلتموه، ومالك وعبد العزيز ينظران فيه، فإن كان صواباً قبلاه، وإن كان غيره تركاه".
وقال وكيع: "حدثني الثقة: مالك بن أنس". وروى مثله عن القاسم بن علي، وعن أحمد بن علي.
وقال محمد ابن سعد: "كان مالك ثقة مأموناً ثبتاً فقيهاً ورعاً حجة عالماً".
وذكر أبو قدامة: أن "مالكا أحفظ أهل زمانه".
وقال بكر بن أحمد بن مقبل: "مالك بن أنس الحجة القائمة".
وقال أيوب بن سويد: "مالك إمام دار الهجرة والسنة، الثقة الصدوق". وقال: "ما رأيت أحداً قط أجود حديثاً من مالك".
وقال أبو زرعة الرازي: وسئل عنه وعن أيوب وغيره في نافع، فقال: "مالك وإمامته".
وقال: "مثل مالك في الفقه كمثل الكريابوكة التي تدبر أمر البيت، وتعمل في كل شيء بما يصلحه".
قال سحنون: قرأ لنا ابن غانم كتاب الموطأ، فقال له رجل: "يعجبك هذا من قولة مالك؟" فألقى الكتاب من يده وقال: "أليس وصمة في عقلي وديني أن أرد على مالك قوله؟ ولقد أدركت العباد وأهل الورع والدين الذين يتورعون عن الذر فما فوقه: سفيان وذوي سفيان، فما رأيت بعيني أورع من مالك".
وقال الخليفة أبو جعفر المنصور للإمام مالك: "أنت أعلم أهل الأرض، أو أعلم الناس؟" فقال: "لا، والله". قال: "بلى، ولكنك تكتم ذلك".
وفي خبر آخر عنه: "لم يبق على وجه الأرض أعلم مني ومنك"، وقال أيضا، وأشار إليه: "لا يزال الناس بخير ما بقي هذا فيهم".
قال ابن سعد: "كان مالك ثقة تبثا حجة عالما ورعا".
وقال أبو علي بن أبي هلال: سئل النسائي عن معاوية، فقال: "الإسلام دار، والصحابةـ رضي الله عنهم ـ بابها، فمن تكلم في أحد منهم بسوء فإنما دخل الدار". قال أبو علي ابن أبي هلال: وأنا أقول: "ومالك حلقة الباب فمن مس الحلقة فإنما أراد الدار". رضي الله عنهم أجمعين.
قال ابن وهب: "ما أحداً آمن ولا أوثق من مالك".
وقال أيضا: "ما نقلنا من أدب مالك أكثر مما تعلمنا من علمه".
وقال الحسن بن علي:
كنا عند وهيب بن خالد، فحدث بحديث عن مالك وابن جريج، فقلت لرجل: اكتب ابن جريج ودع مالكاً؛ لأنه كان حيا يومئذ، فسمعها وهيب فقال: "تقول دع مالكاً! ما نعلم بين شرقها وغربها أحداً آمن عندنا من مالك على حديث".
قال أحمد بن صالح: "ثلث حديث مالك مسند، وليست هذه المنزلة لأحد من نظرائه".
قال أحمد بن صالح، وذكر الليث وسفيان فجعل يعظمهما، وقال: كل واحد منهما إمام. قيل له: فإذا اختلف سفيان ومالك في الزهري، أيهما أحب إليك؟ قال: مالك.
وقال البخاري، وأبو زرعة الرزاي، ومحمد بن عبد الحكم، وأبو عبد الله بن الربيع وغير واحد: "مالك بن أنس إمام".
قال أبو العباس السراج سمعت البخاري يقول: "أصح الأسانيذ: مالك عن نافع عن ابن عمر".
وقال ابن داود:
أصح حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: مالك، عن نافع، عن ابن عمر، ثم مالك، عن الزهري، عن سالم عن أبيه، ثم مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة.
لم يذكر شيئاً عن غير مالك.
وقال: مراسيل مالك أصح من مراسيل سعيد بن المسيب، ومن مراسيل الحسن، ومالك أصح الناس مرسلاً.
وقال سفيان: "إذا قال مالك بلغني فهو إسناد قوي".
وقال يحيى بن سعيد: "مرسلات مالك صحاح"، وقال يحيى: "كان بعض أصحابنا يقولون: مرسلات مالك إسناد". وقال ابن وهب: "مالك والليث إسناد وإن لم يسندا".
وقال إبراهيم الحربي: "مالك لا يرسل إلا عن ثقة".
وسئل أحمد بن حنبل عن حديث جعفر بن محمد، فقال: "ما أقول فيه وقد روى عنه مالك؟"
وسئل يحيى بن مَعين عن طلحة الأيلي وجماعة، فقال: "قد حدث عنهم مالك".
قال الأثرم: سألت أحمد بن حنبل، عن عمرو بن أبي عمرو ومولى المطلب، فقال: "يؤيد أمره مالك بن أنس، قد روى عنه، وقد ذكره البخاري في الصحيح وقال: "قد روى عنه مالك".
وكان سفيان الثوري إذا سئل عن شاذ الحديث، قال: "دعوه، فإن الحجازي نهاني عنه، يعني مالكاً".
قال مروان بن محمد: "ما ترك مالك الرواية عن أحد إلا ضُعِّف".
قال علي ابن المديني: إذا حدث مالك عن رجل من أهل المدينة ولا تعرفه فهو حجة، لأنه كان ينتقي. وقال علي: مالك أستاذي في أهل المدينة، ويحيى في العراق.
قال أبو الحسن الدار قطني:
لا نعلم أحداً تقدم أو تأخر اجتمع له ما اجتمع لمالك، وذلك أنه روى عنه رجلان حديثاً واحداً بين وفاتيهما نحو من مائة وثلاثين سنة: محمد بن شهاب الزهري شيخه، توفى سنة خمس وعشرين ومائة، وأبو حذافة السهمي، توفى بعد الخمسين ومائتين، رويا عنه جميعاً حديث الفُرَيْعَة بنت مالك في سكنى المعتدة.
وقال يحيى بن يحيى التميمي: أقمت عند مالك بن أنس بعد كمال سماعي منه سنة، أتعلم هيئته وشمائله، فإنها شمائل الصحابة والتابعين ونحو هذا.
وجاء نعي مالك إلى حماد بن زيد، فبكى حتى جعل يمسح عينيه بخرقة، وقال: يرحم الله مالكاً، لقد كان من الدين بمكان، لقد رأيت رأيه يتذاكر في مجلس أيوب.
وفي رواية ثم قال حماد: اللهم أحسن علينا الخلافة بعده.
وقال ابن عيينه: "وقد بلغه وفاة مالك: "ما ترك مثله". وروى القعنبي عن ابن عيينه: "قال ما ترك مالك على ظهر الأرض مثله".






وفاته رحمه الله تعالى
عاش ذلك الإمام الجليل مكرما، محفوفا بالمهابة والسكينة، لا يجيء أحد إلى المسجد النبوي، إلا عرج على مالك. يستمع إليه وينقل عنه أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويستفتيه فيما يقع له من أمور. وتجاوز سلطانه حدود درسه، حتى كأنه الرقيب على العدل في الرعية...
وقد عاش رضي الله عنه جزءا كبيرا من حياته عليلا، وما كان يعلم بعلته أحدا، فكان بعض الناس يظنون الظنون حول حاله، ولكنه لا ينطق بها. كان درسه بالمسجد النبوي، ثم جعله في بيته، خضوعا لحكم العلة، وشدة المرض، وكان يخرج إلى الجمع والأعياد، ويعود المرضى، ويشيع الجنائز...، ثم لزم بيته ولم يعد يخرج بسب مرضه. وإذا سئل عن مرضه يقول: "ليس كل الناس يذكر عذره". ولم يذكر مرضه إلا ساعة أن حضرته الوفاة، فعندئذ قال: "لولا أني في آخر يوم من أيام حياتي ما أخبرتكم. مرضي سلس البول، كرهت أن آتي مسجد رسول الله بغير وضوء كامل، وكرهت أن أذكر علتي فأشكو ربي".
وأما وفاته فالصحيح منه ما عليه الجمهور من أصحابه، ومن بعدهم من الحفاظ وأهل علم الأثر، ومن لا يعد كثرة: أنه توفى سنة تسع وسبع ين ومائة(179هـ). واختلفوا في أي وقت منها، فالأكثر على أنه في ربيع الأول.
وهكذا كان الإمام مالك رضي الله عنه، الرجل الكريم العالم الفاضل يعيش في مرض قد يتنافى مع كل ما كان يظهر به من تجمل، ولكن صبر صبرا جميلا، فكان صبره من غير أنين و لا شكوى ولا إعلام للناس، فرضي الله عنه وأرضاه ، وغفر له، وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنّة. آمين

آخر من قام بالتعديل أبونكتل; بتاريخ 19-12-2008 الساعة 03:25 AM.
أبونكتل غير متصل  


 

الإشارات المرجعية

أدوات الموضوع
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 12:12 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)