بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » المرأة في الشعر????????

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 12-09-2002, 04:03 PM   #1
saaaaad
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2002
البلد: بريدة
المشاركات: 175
المرأة في الشعر????????

[c] المرأة في الشعر

إن شاعرات عربيات مبدعات كالخنساء وليلى الأخيلية وعاتكة وغيرهن كثيرات ممن اشتملت كتب الأدب على ذكرهن وذكر أشعارهن ، هي نماذج أنثوية مميزة ورائعة وتدلل على المرأة كعامل فاعل منتج دللت على تلك العلاقة بين المرأة وبين الشعر وتركت بصمات بقيت إلى عصرنا هذا لبنات جنسهن حاديا ودليلا أيضا . وإذا كنا قد وجدنا المرأة كموضوع في الشعر العربي هي ركن قصيدة الغزل المكين ، فما هو موقع أقدامها كفاعل وما هي موضوعات شعرها ؟



إن الخنساء وهي تتصدر عصرين معا بقصيد الرثاء ، تلك القصائد البديعة المبكية لكل من قرأها في كل عصر وأوان سواء في الجاهلية وهي ترثي أخاها صخرا أو حتى في صدر الإسلام وهي ترثي أبناءها الشهداء الذين قالت عنهم : الحمد لله الذي شرفني بشهادتهم جميعا . وهذا الموضوع الإنساني النبيل يلتقي حقا مع المخزون العاطفي الكبير الذي تختزنه المرأة ويرد على من تقول بعكس ذلك من جهة ، ويدلل على قدرتها الفذة على التحكم في هذه العواطف بل وتحويلها إلى إبداعات مجلية .



أعينيَّ جودا ولا تجمــــدا ... ألا تبكيان لصخر الندى

ألا تبكيان الجريء الجميل ...... ألا تبكيان الفتى السيــدا

طويل النجاد رفيع العماد ...... فتى ساد عشيرته أمردا



وقولها :



يا صخرُ ورّادَ ماءٍ قد تناذرهُ .... أهلُ المياهِ وما في ورده ِ عارُ

وان صخراً لوالينا وسيدنــــا .... وان صخراً إذا نشتــو لنحّـــارُ

وان صخراً لتأتــمُ الهداةُ بــه ِ ... كأنـــهُ علــم ٌ في رأســه ِ نار ُ



حتى تراها وقد ضجت بعواطفها إلى أبلغ ما يمكنها بقصيدتها التي استهلتها بعد طول بكائها ونحيبها تلوم عينيها اللتين ربما تلكأتا قليلا عن الاستمرار في البكاء :



قذى بعينيك ِ أم بالعين عوّارُ ..... أم ذرفت مذ خلت من أهلها الدارُ



لقد برعت الخنساء في شعرها أيما براعة وقد وقفت يوما بعكاظ باكية مبكية بشعرها الأخاذ أمام النابغة الذبياني صادحة بقصيدتها السابقة وبهذا البيت مستهلة فما كان منه إلا أن يقول : لولا أن أبا بصير (ويعني بذلك الأعشى) قد أنشدني قبلك ِ لقلتُ انك أشعرُ من بالسوق . وقد أورد أيضا صاحبُ جواهر الأدب السيد أحمد الهاشمي في هذا الموضع قول جرير لما سئل من أشعر الناس ؟ قال: أنا لولا الخنساء ، قيل ففيم فضلتك ؟ قال بقولها :



إن الزمان (وما يفنى له عجب ٌ ) ..... أبقى لنا ذنَبا ً واستؤصلَ الرأسُ

إن الجديدين في طول ِ اختلافهما ..... لا يفسدان ِ ولكن يفســـدُ النــاسُ



وقد أورد أيضا في ذات الموضع أن الرسول عليه السلام كان يعجبه شعرها ويستنشدها ويقول : ( هيهه ِ يا خناس ) ويومئ بيديه . فماذا تبقى أكثر من ذلك ليدلل على تفوق هذه المرأة النموذج ؟



وإذا كانت الخنساءُ علما في شعر المراثي ، فان ليلى الأخيلية كانت أيضا علما في شعر الرثاء وهناك من قام بتفضيلها على الخنساء ولا أرى ذلك قطعا ، وان كانت ليلى في رثائها لتوبة العقيلي قد أجادت أيضا وأغنت ربما جوانب أخرى قصائد الرثاء ، فان مبعث كلتيهما مختلف تماما ، كما أن رثاء الخنساء قد امتد حتى أصبح أعمق ما فيها من ملامح وشهد لها بذلك كثير من العرب ، أما ليلى فمختلف على مكانتها في قصيدة الرثاء . ومن قول ليلى المشهور في رثاء توبة :





أعيني ألا فابكي على ابن حميِّر ٍ ... بدمع ٍ كفيض ِ الجدول ِ المتفجِّــرِ

كأنَّ فتى الفتيان ِ توبة َ لم يُنـــخ ْ ... بنجد ٍ ولم يَطلــــع مع المتغــــوِّرِ





وإذا كانت ليلى الأخيلية قد انتهت راثية باكية لتوبة بن حميّر فإنها لم تكن قد قصرت على شعر الرثاء جهدها ولا أقامت عليه صومعتها ، بل إن كثيرا من الأشعار قد وردت في غير هذا الموضع وخاصة ما أورده الجاحظ في كتابه المحاسن والأضداد من مماحاكاتها الشعرية مع أبي نواس وغيرهم من الشعراء المتهتكين ، ولكن مصادر أخرى تنفي عن ليلى هذا تماما والثابت في كتب الأدب أنها جابهت توبة يوم أن ظنت أنه ربما أراد بها ريبة بقولها الفصل :





وذي حاجة قُلنا له لا تبح بها ... فليس إليها مـــا حييت َ سبيل ُ

لنا صاحبٌ لا ينبغي أن نخونه ... وأنت لأخرى صاحب ٌ وخليلُ





ومن شعر ولادة وهي غير ولادة بنت المستكفي الأندلسية نلقى هذه الأبيات :



لولا اتقاءُ الله ِ قمتُ بمفخر ٍ ... لا يبلغُ الثقلان ِ فيــــه ِ مقامي

بأبوة ٍ في الجاهلية ِ سادة ٍ ... بزوا العلا أمراءَ في الإسلام ِ

قومٌ إذا سكتوا تكلم مجدهم ... عنهم فأخرس َ دون َ كل كلام ِ





أما علية فلقد لاقت من عشقها ما حرصت أن لا يبوح به شعرها ولكنها لم تستطع أن تكتم ما تعانيه كثيرا حتى صدحت أخيرا بقولها :



قد كان َ ما كُلِّفته ُ زمنــــا ... يا طلُّ من وجد ٍ بكــم يكفي

حتى أتيتكَ زائراً عجلا ً ... أمشي على حتف ٍ إلى حتفي





وإذا كان ذلك من موقع الشعر فان المرأة الناقدة أيضا كان لها بصمة واضحة فيما سبق من عصور ومما وصل إلينا من قصص كثيرة تدلل على هذا الدور وقد أورد صاحب الكامل في اللغة والأدب العلامة المبرد نماذج من هذه القصص كما أورد أيضا أبو علي القالي البغدادي عددا آخر في كتابه ألأمالي في لغة العرب .





أما في العصور التي تلت ذلك فغير بعيد عنا شاعرات عربيات مبدعات من أمثال باحثة البادية السيدة ملك حفني ناصف والشاعرة عائشة عصمت تيمور في مصر وفدوى طوقان في فلسطين ونازك الملائكة في العراق وغيرهن ممن قد لا يتسع المجال لذكرهن جميعا ، وإذا كانت أغراض الرثاء والفخر والغزل قد غلبت على أغراض شاعراتنا العربيات فيما سبق ، فان شاعراتنا المحدثات جميعا قد انطلقن إلى قضايا أكثر إلحاحا وأعلى منزلة بما يتجاوز الهموم الذاتية إلى الهموم العامة رغم أن كثيراً منهن أو جلهنَّ قد بدأن الشعر رومانسياً وغنائيا إلى حد كبير قبل أن يتحولن إلى أطر أعمق وأكبر مثل هموم الجماعة وهموم الأوطان وقضايا التحرر والتقدم الإنساني والعربي الإسلامي بخاصة ، وهكذا برهنت هؤلاء في هذه الموضوعات على أن للمرأة ما يسمو عن عواطفها المباشرة وحدتها المسكونة بالتكوين إلى أرحب من ذلك بكثير وأرقى منه بدرجات إذا ما نضجت تجربتها واتسعت آفاق مداركها واقتربت من السؤال الحقيقي وإجاباته الوجودية الزاخرة . وإذا كانت هذه النماذج قد سبقت فان نماذج أخرى هي لا تزال في طور التشكيل الإبداعي الخاص بها من أمثال الشاعرة سعاد الصباح في الكويت وثريا العريض في السعودية من الجيل التالي لهن ، ناهيك عن شواعر أخرى من الجيل الشاب الذي ما فتأ يدق باب الخزان بقوة ....... ومنهن قرأنا لشاعرة إحداهن عراقية هي الشاعرة أمل الجبوري والأخرى فلسطينية هي أماني بسيسو وغيرهن كثيرات .



لقد صدحت باحثة البادية تحث النساء في بلدها على الجد والحكمة والحشمة والفضيلة وتراقب ما طرأ على أحوال المرأة من تغيير :



سيري كسيرِ السُّحب ِ لا .. تـــــأنــيْ ولا تتعجَّــــلي

لا تكنسي أرض الشوا .. رع ِ بالإزار المسبــــــل ِ

أما السفورُ فحكمـــــه ُ .. في الشرع ِ ليسَ بمعضل ِ

ليسَ النقابُ هو الحجابُ .. فقصـــــــِّري أو طوِّلــــي

فإذا جهلت ِ الفرق بينهما .. . فدونـــــك ِ فاســـــــألي

لا أبتغــي غير َ الفضيلةِ ... للنســـــــاء فـــأجملــــــيِ





وإذا كانت قضية باحثة البادية هي النساء وحالهن في مجتمعنا العربي بعد أن حلَّ به ما حل من متغيرات وما يتعرض له من تأثيرات عديدة الأمر الذي كان شغلا شاغلا ليس فقط للنساء والأديبات منهن على وجه الخصوص بل كذلك حتى للشعراء العرب من عمالقة عصر التجديد في تلك الفترة ، ويحضرنا قصيدة شاعر النيل حافظ إبراهيم بك والتي ألقاها في مدرسة بور سعيد والتي كانت نداءا للمرأة وتوجيها للمجتمع أيضا وقد ذهب بعض أبياتها مثلا ونذكر منها هذه الأبيات :



أنا لا أقول دعوا النساء سوافراً .. بين الرجال يجلنَ في الأسواق ِ

يدرجنَ حيثُ أردنَ لا من وازع ٍ .. يخشيـن رقبتــــهُ ولا من واق ِ

ربوا النساءَ على الفضيلة ِ والتقى .. فالشرُّ في التقييــــد ِ والإطلاق ِ

فالأمُّ مدرسةٌ إذا أعددتــــــــها .. أعددت َ شعبا ً طيب َ الأعـراق ِ



إن هذا لعمري دليلٌ واضح على تفاعل المرأة الشاعرة والمرأة الأديبة مع ملحات عصرها وقضايا بني جنسها وما يمكن أن يتهدد أخطر قضايا الأمة. وربما لم نقف هنا على شعر عائشة كثيرا لانصرافها فترة طويلة في رثاء ابنتها توحيدة والتي ماتت شابة في مقتبل العمر إلا أن لها شعراً أيضا كثيرا في موضوعات الأخلاق والحث عليها.





أما هناكَ في فلسطين السليبة فان لشاعرتنا فدوى طوقان هما أكبر هو قضية الوطن والشعب والإنسان في عمق هذه القضية الكبرى ، وفدوى ما فتأت تقدم إبداعاتها الشعرية الفذة في سبيل هذه القضية بل والقضية القومية العامة ثم وفي سبيل حرية وكرامة هذا الشعب المقاتل وان كانت قد بدأت شعرها رومانسياً ذاتيا ، كما وان كانت قد تلقت جزءا لا بأس به من تعهد أخيها الشاعر الأديب إبراهيم طوقان بأدبها ورعايته له وحرصه على أن يخرج كأبهى ما يكون ومما هو لا شك فيه أيضا أن مساندة إبراهيم لها لم تقف عند حد الأدب ، بل انه لا بد من الإشارة لدوره الكبير في غرس الوعي الوطني والاستجابة الوطنية بأعلى درجاتها أيضا لدى شقيقته الشاعرة الناشئة وإبراهيم أحد شعراء فلسطين وقضيتها الذين يشار إليهم بالبنان في حقبة المواجهة الأولى مع المشروع الصهيوني في فلسطين ، وأذكر هنا أيضا أن لفدوى إعجابا شديدا بشعر وشخصية أحد شعراء فلسطين الأوائل أيضا في تلك الفترة عوضا عن شقيقها إبراهيم هو الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود ، شهيد معركة الشجرة في فلسطين وربما كان أيضا هذا من العوامل التي ساهمت في تشكيل تجربة فدوى الشعرية لاحقا .



ونعلم فيما نعلم أن فدوى قد بدأت بشعرها مبكرة عموديا ثم انتقلت إلى الشعر المستحدث (شعر السطر الشعري) لاحقا أصدرت دواوينها بدءا من وحدي مع الأيام الرومانسي الصبغة مرورا بأمام الباب المغلق ذي الطابع المرمز وحتى الليل والفرسان المنطلق باتجاه قضيتها الأم ، وقد يصبح من نافلة القول أن نسم شعر الشواعر العربيات حينما كتبن يوما ما القصيدة العمودية بأنه لا يتسم بسمات الصنعة المتقنة مقارنة بما عرفناه عن شعر العربيات السابقات كما سلف الإشارة ، ولكن شعرهن الذي كتينه على هيئة السطر الشعري كان بلا شك أكثر نضوجا وقوة من جهة وحاملا لسمات إبداع مرتقب لا يلبث أن يصبح أكثر رسوخا وتحققا مع الارتقاء الزمني ومراكمة التجارب .



لقد كتبت فدوى في اتجاهات قومية متعددة ولم تقف عند قضية شعبها وان كانت نظرتها وتفاعلاتها القومية دائما من منطلق إيمانها بتعانق القومي والوطني دائما وأنه لا انفكاك من ذلك ، وربما من هنا نلمس الصدق الواضح يوم أن رثت بشعرها زعيما قوميا كالراحل عبد الناصر ، ولعل مقارنة بين رثاء من سبق كالخنساء وليلى ورثاء فدوى يدلل على ما ذهبنا إليه آنفا من نوعية ما طرأ على اهتمام الشاعرة العربية ومذهبها في تأطير الأولويات والتزام ما يترتب على هذا الترتيب .



وربما اكتفينا هنا بإيراد بعض من اسطر فدوى الشعرية والتي تظهر ألق التصميم ومرتبة الرقي في شعرها وهي قصيدة تعكس واقع التشتيت القهري واللجوء القصري الذي تعرض إليه شعب فلسطين اثر اغتصابها وتحكي لكم بلسان حال شيخ مسن وقف على بعد أمتار قليلة من بوابة وطنه الذي ابعد عنه :



------------------

أتغصب أرضي؟



أيسلب حقي وأبقى أنا حليف التشرد أصبحت ذلة عاري هنا



أأبقى هنا لأموت غربياً بأرض غريبة



أأبقى ؟ ومن قالها؟ سأعود لأرضي الحبيبة



سأنهي بنفسي هذه الرواية



فلا بد ، لا بد من عودتي



كان بعينه يرسب شيء



ثقيل كآلامه مظلم



لقد كان يرسب سبع سنين



انتظار طواها بصبر ذليل



تخدره عصبة المجرمين



وترقد تحت حلم ثقيل



أهوى على أرضه في انفعال يشم ثراها



يعانق أشجارها ويضم لآلي حصاها



ومرغ كالطفل في صدرها الرحب خداً وفم



وألقى على حضنها كل ثقل سنين الألم



وهزته أنفاسها وهي ترتعش رعشة حب



وأصغى إلى قلبها وهو يهمس همسة عتب



رجعت إلي



وكانت عيون العدو اللئيم على خطوتين



رمته بنظرة حقد ونقمة



كما يرشق المتوحش سهمه



ومزق جوف السكوت المهيب صدى طلقتين





إذا هنا نستطيع أن نقول أن شاعرة كفدوى أمكنها أن تقول كامرأة قضية هي جوهر قضية شعبها بلا شك أنها معاناة الحرمان والظلم والإحساس بالاستلاب .





وذا كانت فدوى وغيرها من شاعرات العرب المحدثات قد وجدن ضالتهن في القصيدة المحدثة ، فان الفضل يعود بشكل أساس إلى شاعرة مبدعة كانت أول من كتب وحدد المعالم الحقيقية لهذا النوع من الشعر من بنات جنسهن ، إنها نازك الملائكة ، ولا يمكن أن نتجاهل أن نازك نفسها قد نظمت القصيدة العمودية أيضا وبدأت بها ومن ثم كتبت السطر الشعري مفتتحة هذا اللون عبر قصيدة الكوليرا عام 1947 ، وان تحقق أن بدر شاكر السياب كان أول من كتب هذا اللون سواء في أزهار ذابلة أم قبل هذا الديوان أم بعده ، فانه لا شك أن لنازك الريادة فيه على بنات جنسها ، وهذا مما لا يرتقي إليه مراء على الإطلاق .



ولعل قضية فدوى الوطنية كانت أكثر إلحاحا وأقرب زمنا مما أدى إلى انتقالها سريعا من الرومانسية إلى قضايا الالتزام الوطني مما هو الحال لدى نازك التي استغرقها الأمر وقتا أطول بكثير من عاشقة الليل والشظايا وشجرة القمر ومأساة الحياة والملحمة الشعرية وغيرها من المجموعات الشعرية إلى أن نصل أخيرا إلى للصلاة والثورة وبعد هذا ما تبقى.



إن دراسة نازك للفنون الموسيقية قد ألقى بظلاله بلا شك على درجة رعايتها للمنظومة الموسيقية في القصيدة المستحدثة ولدرجة انشغالاتها بالحرص على النسق الفني المبدع فيها ، كما أن دراساتها للأدب الغربي ونيلها درجة الماجستير عام 1959من وسكونسن قد أثرى اطلاعاتها الأدبية ومهد لكي نشهد توظيفات أدبية من نوع مميز في قصيدة السطر الشعري المستحدثة من جهة ، وأدى من جهة أخرى لخلق نوع من التوافق والتصالح الداخلي بين افتراضات الشعر المستحدث ومبرراته وبين بعض من الأدوات التي أمكن دمجها واستخدامها عبر الرمز والانفتاح على تجارب الآخر .





ولقد رأينا أن ننقل هنا بعضا من أبيات نازك العمودية من قصيدة الخطوة الأخيرة والتي يتضح منها حرصها على الموسيقى العالية كسمة من سمات شعرها في نوعيه وقد عمدت إلى التنويع في القافية خلال القصيدة على نمط الثنائيات وهو لون كان معروفا حتى منذ عصور أقدم من ذلك والقصيدة طبعا مغرقة في الرومانسية ربما الحائرة :



اشهدي أيتها الأشجارُ أنّي .. لن أُرى ثانيةً تحتَ الظلال ِ

ها أنا أمضي فلا تبكي لحزني .. لا يعذِّبك ِ اكتئابي وابتهالي



خطواتي في الدجى لا تحسبيها .. إنها آخرُ ما أخطـــو هنــــا

إنها رجعُ أغـــان ٍ لن تعيـــــها .. سوفَ تذوي مثلما أذوي أنا



سوفَ أُلقي العودَ في الظلِّ وأمضي .. أيُّ معنىً ، بعدُ ، للعود ِ الرقيق ْ

سوفَ أحيا يا سمائي فوقَ أرضي .. سوفَ أطوي النور َفي قلبي العميق ْ



آهِ يا أشجارُ ، لا ، لا تذكرينــــــي .. فأنا تمثــــالُ يأس ٍ بشـــــــريِّ

ليسَ عندي غيرُ آثـــــــار ِ حنيني .. وبقايــــــا من شقـــائي الأبديِّ





إن نازك كشاعرة رومانسية وقفت شعرا كثيرا على مناجاة القمر والأشجار والنهر والليل وغير ذلك من مفردات ولوازم الطبيعة ورومانسيتها ، وربما كانت هذه القصيدة حقا خير مفتاح لفهم ما كان عليه شعرهن وما ربما لا زال عليه شعر بعض من شاعرات العرب المحدثات .



وإذا كنا قد وقفنا على نماذج من جيل الرائدات المستحدثات ، فإننا بلا شك لا بد لنا من الإشارة إلى جيل تلى ذلك الجيل من شاعرات مجدات ومنطلقات إلى آفاق أوسع في تجاربهن الشعرية والأدبية مستفيدات قطعا من تجارب من سبقهن من جيل الرائدات وعاملات بجد على تطوير تجاربهن الخاصة وأدواتهن المميزة ، وهنا يمكن الإشارة وبقوة إلى سعاد الصباح من الكويت والتي ما فتأت تتعهد شعرها بكثير من الرعاية والاهتمام الجادين ، وإذا كان هذا من باب الشكل الفني المحض فان هموم هؤلاء الشاعرات من أمثال سعاد الصباح في الكويت وحنان عواد وثريا العريض وسعيدة الفارس وغيرهن مما قد لا يتسع المجال أمام الإشارة إليهن جميعا أو إلى تجاربهن الشعرية ونصوصهن بشكل مفصَّل ، ولكن لا بد من التأكيد على أن همهن العام قد أتم دورة كاملة ليستشف عمقا قوميا خلاقا من باب قضية القضايا في فلسطين ، وبالقطع إن لكل منهن سمات خاصة وربما قضايا وطنية أو ثقافية متعددة داخل إطار القطر الواحد ، إلا أننا كنا بصدد الإشارة إلى مدى ما اقتحمته الشاعرة العربية من عوائق ومدى ما وصلت إليه من وعي قومي ونضوج فكري وشفافية إنسانية عالية عبر هذا الباب وهذه النصوص التي آثرنا هنا إيرادها .



إن سعاد الصباح التي تسعدك بشعرها الجريء كما في قصيدتها سيمفونية الأرض قد استطاعت أن تغلق الهامش بين الهم القومي ولحظة الحقيقة وما يترتب على تعانقهما معا ، إن النصوص التي نحن بصددها قد كتبت خلال انتفاضة فلسطين الأولى والتي امتدت بين الأعوام 1987-1993ولكنها لا زالت تحمل درجة عالية من الكثافة النوعية في الرسالة والاتجاه كما في التشابك الفني والاندماج معا ، باختصار إنها لا زالت تنبض بالحياة كما أنها لو كانت منذ دقائق ، ليس فقط لقدسية الموضوع أو لزمانيته المتجددة بل لتجذره الفني وصدقه العاليين .

--------------

رائعٌ هذا المطر ْ

رائعٌ هذا المطر ْ

رائعٌ أن تنطق الأرضُ ،

وأن يمشي الشجر ْ

ها همُ ينمونَ كالأعشاب ِ في قلبِ الشوارعْ

ففتاةٌ مثلُ نعناع ِ البراري

وفتىً مثلُ القمر ْ

كعصافيرِ المزارع ~

ويعودونَ إلى خيمتهم دونَ أصابع ْ

فاتركوا أبوابكم مفتوحةً

طولَ ساعات ِ السَّحرْ

فلقد يأتي المسيح ًُ المنتظرْ

ولقد يظهرُ فيما بينهم ْ

وجهُ عليٍّ

أو عمر ْ

قاومي ..أيتها الأيدي الجميلة ْ

قاومي ..أيتها الأيدي التي بللها ماءُ الطفولة ْ

لا تبالي بأكاذيب ِ القبيلة ْ

لم نحرِّرْ نحنُ شبراً من فلسطينَ ....ولكن ْ

حرَّرتنا هذه الأيدي الرسولةْ





جزء من قصيدة سعاد ويمكن له أن يختصر فكرة عن تجربة شعرية مميزة ذات نكهة خاصة .



وإذا كانت تجربة سعاد الصباح الشعرية يمكن أن تدلل من باب واسع على تجربة بنات جيلها فان هنالك تجارب أخرى وأيضا ربما إن أمكن الإشارة في منطقة الخليج مثل تجربة ثريا العريض وغيرها من الشاعرات الخليجيات الأخر ولكن ربما بضوء أقل خفوتا وكثافة ، ربما ذلك لأن سعاد قد انصرفت بكلية جهدها الأدبي إلى الشعر قصدا بينما أقامت الأخريات أمام توزيع في الجهد ما بين الكتابة النثرية والصحافة وغيرها من الفنون والاتجاهات مما هو بلا شك قد حرمنا ربما من الوقوف على تجارب كانت ستغني المشهد الشعري النسوي أو بمعنىً أدق الأنثوي في هذه المنطقة هذا من جهة ، وأما من جهة أخرى فانه لا بد هنا من الإشارة إلى انطلاق بعض من شاعرات هذه المنطقة إلى شعر العامية أو ما يعرف هناك بالشعر النبطي وهو من الخصوصية التي لهذه المنطقة وربما لا ينهض لأن يعمم عليه على المستوى العربي العام لعوامل الاختلاف المعلومة بالضرورة هنا .



ولعل نصاً آخر أيضا لثريا العريض حول نفس الموضوع وفي ذات التوقيت هو قصيدة "لا نفتح الباب ..للصبح " ربما يصبح ملحا إلى حد بعيد ولو حتى لمجرد استشفاف بعض من الملامح والفروقات ربما إن لم يكن فنيا فعلى الأقل على هامش المحيطات والملامسات للتجربة ذاتها ، فبينما نلمس نوعا من الوضوح الشديد في نص سعاد الصباح ، يمكن لنا أن نستشف نوعا من الحشرجة الخفية في نص ثريا ، ربما حشرجة ما قبل الانكشاف النهائي ، كما نلمس في ذات الوقت أيضا بلا شك جرأة وقوة في طرح تقاطعات ربما ليست بالعادية فهي استثنائية قطعا .



----------

حين دقَّ الصباح على الباب

ما كان نبعُ الجفاف ِ نضب ْ

كان َ تحت َ سكون ِ الرماد ِ

حريقٌ بأضلعنا يلتهب ْ

قلتُ: يا سيدي

لا تضيء عندنا

أو تجيء بوعودكَ تبني لنا وطنا ً

هداياك َ مرفوضة...

إذ نعضُّ على وجع الأمس ِ

نبكي ..وأنت السبب !

لا نفتح ُ الباب للصبح !

وحدها نجمة الليل تبصر

كيف احتدام الغضب

وحدها نجمة الليل تسمع همس الجراح

ودمدمة الحزن حتى الصباح

......

.......

.......

لذا سيدي

لا نفتح الباب للصبح

نبقى على هامش الليل

في أرضنا نغتربْ



تحياتي للجميع

saaaaad
[/c]
saaaaad غير متصل  


موضوع مغلق

الإشارات المرجعية

أدوات الموضوع
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 05:43 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)