[غربة الخاطر]

لست أدري لما بعد كل هذه المدة قررت كتابة هذه القصة

يمكن أن يكون بسبب القهر الذي أشعر به عندما أشاهد تشويهات لغوية للغة هي أعظم لغة على مر العصور

ويا للأسف من الذي شوهها .. شوهها بنوها وبناتها

شوهوها ظنا منهم أن ما يفعلونه هو نوع من البرستيج في الحياة.

سأذكر لكم قصة ، حقيقية ، عشتها بنفسي مع إحدى أخواتي في الله :

بدأت القصة عندما جاءت إلي الأخت الفاضلة ( المشرفة التعليمية ) وقالت :

أخبارك بالإنجليزية؟ قلت جيدة نوعا ما.. لما السؤال؟

قالت : عندنا الآن في الإدارة إحدى الأخوات الأعجميات وصعب علينا التفاهم معها ،

فإن أمكنك مساعدتنا نكون مشكورين.

قلت : والله أقدم ما أستطيع فعله بإذن الله. وسألت الله أن يفتح علينا وعليها.

سرت معها نحو الإدارة وإذا بها جالسة بعباءتها ومعها ابنتها في عمر أربع سنوات.

استقبلتني بابتسامة جدا جذابة وقد مدت يدها نحوي ،صافحتها ورحبت بها وإذا بها تنطلق في الكلام معي بالإنجليزية.

أخبرتني بأنها ستجلس في بريدة أربعة أشهر فقط وأنها تريد لابنتها النفع والفائدة خلال وجودهم هنا.

وسألتني عن فصول التمهيدي وعن الشروط وغيرها

أهم نقطة عندها كانت : ما جنسية مدرسة القرآن ؟ قلت مستغربة : لماذا؟

قالت : أريد لابنتي مدرسة سعودية أو يمنية لتضبط ابنتي نطق حرف الضاد والذال .

لأن بعض الأخوات العربيات ينطقن الذال زا ، فكلمة الذين ينطقنها : الزين. وأنا لا أريد هذا.

أريد لابنتي أن تتعلم نطق الحروف نطقا صحيحا.

والله لا أكذب عليكم خـنـقـتـني العبرة مع أني لست من النوع الذي يتأثر بسهولة

ولكن حرص أختي الأعجمية على نطق العربية نطقا صحيحا بينما بعض أبناء اللغة يشوهونها كان له الأثر في نفسي.

قلت : تفضلي معي لأوصلك إلى مديرة التمهيدي وتسألينها عن المناهج والشروط وغيره .. و(تتفرجين) على قسم التمهيدي.

فقالت : هذا ما أريده بالضبط..

عندما وصلنا في الدور الأول قسم التمهيدي ، قالت : أريد أن أرى ( الله يكرمكم ) دورات المياه.

قلت : من هنا. فاطلعت عليها وقالت : أهم شيء أن الحمامات تكون نظيفة والصابون موجود فلا أريد لابنتي أن تمرض.

قلت : ابشري . لن تجدي إلا ما يرضينا ويرضيك بإذن الله.

ثم عرفتها على مديرة التمهيدي وتم الاتفاق على كل شيء.

فقالت لي : هناك نقطة أيضا مهمة . قلت : مه؟

قالت : رأيت في الساحة عدة أولاد ، سؤالي : هل البنات والأولاد يدرسون في نفس الفصول؟ أنا لا أريد لابنتي أن تختلط مع الأولاد.

طمأنتها بقولي : لا عليك .. الأولاد في الروضة ، والتمهيدي للبنات فقط.

قالت : هناك شيء آخر . قلت : ما هو ؟ قالت : لا أريد لابنتي أي تطعيمات من أي نوع وهذا رقمي يكون التواصل بيننا وبينكم قائما في أي وقت ولأي ظرف كان.


المهم أن المرأة دفعت الرسوم وتقيدت بجميع الشروط وظلت تتواصل معي ومع الإدارة

وأحيانا ترسل بعض اللعب والهدايا مع ابنتها لمن هم معها في الفصل

وكان تعاملها راقيا جدا

وما أسرع أن انقضت تلك الشهور ، وجاءني اتصال منها :

سلمت عليها فقالت : أريد رؤيتك ، أنا في الساحة .

تركت ما في يدي وذهبت إليها مسرعة أرى ما الخبر

فقالت : اليوم آخر يوم لابنتي معكم بعد يومين سنسافر إلى بلادنا

تمنيت لها الخير ووالله وددت أن لا أتـرك يدها وضممتها بكل حب

فقالت لي : أريد منك طلب واحد.

قلت : تفضلي . قالت :

أريدك أن تدعي لابنتي أن تكبر وتكون داعية.

وقتها لا أدري ما كان شعوري بالضبط

هل أبكي أم أصرخ .. أعرف عن نفسي أني لست حساسة .. فما تلك المشاعر التي اجتاحتني .. لست أدري.

والله أن كلماتها ما زالت ترن في أذني ( آسك الله ماي دوتر كيم بي داعية )

مع أنه قد مضت أشهر كثيرة على مغادرتها ، ألا إني أعجز عن نسيان ملامحها هي وابنتها.

أسأل الله تعالى أن كما جمعني بها في الدنيا أن يجمعني بها في جنة الفردوس الأعلى.

على فكرة الأب والأم كلاهما مدرسان في مدرسة اللغات.

أسأل الله أن يجعلهم وأمثالهم مباركين أينما حلوا وكانوا.

غربة الخاطر.