بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » بيان المثقفين الثاني ، هل يكذب الراسخون في العلم مقال جديد للكاتب المتميز :لويس عطيةا

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 23-03-2003, 12:28 AM   #1
أبو السعود الأول
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2002
البلد: في مدغشقر
المشاركات: 51
بيان المثقفين الثاني ، هل يكذب الراسخون في العلم مقال جديد للكاتب المتميز :لويس عطيةا

هذ مقال للكاتب المتميز لويس عطية الله ..

==

السلام عليكم ..

الصليبيون يواجهون مقاومة عنيفة في العراق، لا تشكوا في ذلك ، وخططهم تبدو فاشلة في أولها لا أشك في هذا والتخبط والارتباك واضح على محيا رامسفيلد .. والتجهم باد على وجه مايرز .. حربهم فاشلة بإذن الله وجمعهم منهزم ، وكثير مما ينشرونه أكاذيب لا تصدقوها ولا تحبطكم ..
أهم شيء في هذه الحرب أن يصمد العراقيون ، صمودهم هو عين النصر .. والمعركة الكبرى لم يحن وقتها بعد لذا لا تستعجلوا في التحليلات ولا في قراءة الوقائع حتى يمر الأسبوع الأول لأنه بانتهاء الأسبوع الأول سوف تتضح معالم الحملة العسكرية الصليبية على العراق ومصيرها..

الذي يجب أن نهتم به في هذه المرحلة أن نقاوم الذين يقومون باسم الدين وباسم الاسلام بتجريدنا من أهم مقومات رجولتنا وإسلامنا .. أعني الجهاد .. رغم أنهم شيوخ ورغم أن لبعضهم ماض مشرف .. لكن .. لا داعي لما بعد لكن .. اقرأ المقال فقط




بين يدي المقال والحرب على العراق :
ربما يستغرب الإخوة القراء أن أتحدث عن بيان المثقفين الأخير والذي يسميه البعض ( بيان الجبهة ) في خضم الحرب الشرسة التي تخاض ضد العراق هذه الأيام ، ولهم العذر في ذلك فالمفروض أن يكون معظم الجهد الآن منصبا على مقاومة الصليبيين حسب الأولويات وأولها هذه الأيام الدفع عن العراق وأهله ، لكن في نظري والعلم عند الله أن هناك خللا فكريا وفسادا في النظر للأمور بحيث يصبح من الصعب تجاوزه إلى غيره دون تبيينه ، ومن هذا البيان الأخير الذي ظهر لمجموعة من أهل العلم وتحدثوا فيه عن الجبهة الداخلية ، فمثل هذا البيان يمثل أحد عوارض المرض الذي تعاني منه أمتنا الإسلامية أعني مرض التخذيل ومرض الهزيمة والعياذ بالله . ولأن عددا ممن وقع على البيان ما زال يحتفظ برصيد من الاحترام عند بعض من يتبعه ومايقولون وما يكتبون سيشكل في النهاية مظهرا من مظاهر هزيمتنا فكان لزاما ابطال هذا الفكر المعوق والمخذل لعلم الجهاد .. ونستغرب حقا أنه بقي في الأمة من يحمل مثل هذه الأفكار البالية رغم وضوح وانكشاف كل شيء تقريبا حيث ظهر البيان والحرب الأمريكية على العراق على وشك البدء ، وقد بدأت الان ورغم مضي عدة أيام إلا أن هذا لا يعفيني من كتابة هذا الرد ولو في خضم المعركة لأن المعركة لا يمكن أن نكسبها طالما كان فينا من لا زال يعاني من أوهام الخوف والخذلان والعياذ بالله ، وهذه من الضروريات لأن معركة العراق مازالت في البداية وسيأتي الدور على غيرها من بلاد الاسلام فكان من الضروري ابطال هذا الباطل قبل كل شيء .


الحلقة الأولى
الجواب على على عنوان المقال ( هل يكذب الراسخون في العلم ؟!) محرج ، ولكن يزول الحرج إذا عرف من هم الراسخون في العلم .
لقد صدر قبل أيام بيان المثقفين الثاني ، غير أن موقعيه الذين وصفوا أنفسهم بالراسخين في العلم تناقصوا من أكثر من مائة موقع في البيان الأول إلى ثلاثين موقع في البيان الثاني ، وجاء البيان بعنوان ( الجبهة الداخلية أمام التحديات المعاصرة رؤية شرعية ) وفي ظل الظروف المتأزمة وقبيل الهجوم الصليبي على إخواننا في العراق ، وفي ظل سعار آل سلول في ملاحقة المجاهدين في سبيل الصليب ، يأتي البيان برؤية غير شرعية ويتحدث من وصفوا أنفسهم بالراسخين في العلم بكلام يراد منه إضعاف المقاومة الجهادية ضد العدو الصائل ، وقد فرح البعض بهذا الطرح ونشروه عبر الشبكة ، وسوف نتناول في هذه الحلقة الكلام عن فقرتين في بيانهم ، وسوف نبين من خلال الحديث أمرين الأول : إخفاقهم في القدرة على إنزال النصوص على الواقع ، والثاني : الكذب والتحريف في النقل عن السلف وهذا ما يستغرب منهم ، ونقف مع فقرتين إحداها :
( أن الجهاد هو ذروة سنام الإسلام، ماضٍ إلى قيام الساعة، ولا تزال طائفة من أمة محمد –صلى الله عليه وسلم- ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، وأن إقامته واجبة على الأمة ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً "انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله"، على أنه لا بد من استيفاء أسبابه وتحقيق شروطه، وأن يتم النظر فيه من قبل أهل الرسوخ في العلم ) .
والفقرة الثانية أورودوا كلاماً للعز بن عبد السلام لتأكيد التخذيل للأمة فقالوا ( وقد ذكر العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام (95):"أن أي قتال للكفار لا يتحقق به نكاية بالعدو فإنه يجب تركه؛ لأن المخاطرة بالنفوس إنما جازت لما فيها من مصلحة إعزاز الدين، والنكاية بالمشركين، فإذا لم يحصل ذلك وجب ترك القتال لما فيه من فوات النفوس وشفاء صدور الكفار وإرغام أهل الإسلام، وبذا صار مفسدة محضة ليس في طيها مصلحة" ) .
ونناقش الفقرتين بقولنا :
إن من المتفق عليه عند أهل العلم قاطبة ، أن الجهاد نوعان : جهاد دفع وجهاد طلب ، وعلماء الإسلام يفرقون في كلامهم بين النوعين ، إذ أن كل نوع من نوعي الجهاد يختص بأحكام دون الآخر ، ولم يُعرف عن الأئمة المحققين أنهم خلطوا بين النوعين في الأحكام ، ومن خلط بينهما فلا تحقيق عنده ولا تدقيق نسأل الله لنا وله الفقه في الدين .
ومن المؤسف أن ينتزع طالب العلم مسألة أو حكماً مختصاً بجهاد الطلب ثم ينزله على جهاد الدفع ! والكلام الآنف في فقرته الأولى كلام بعضه حق إلا أنه يختص بجهاد الطلب لا الدفع ، وجهادنا اليوم هو من جهاد الدفع .
فقولهم أن الجهاد ماض إلى قيام الساعة صحيح ولا إشكال فيه ، ولكن قولهم ( على أنه لا بد من استيفاء أسبابه وتحقيق شروطه ، وأن يتم النظر فيه من قبل أهل الرسوخ في العلم ) كلام لا ينطبق على جهاد الأمة اليوم .
لأن جهاد الدفع لا يشترط له شروط جهاد الطلب ، فكل شروط جهاد الطلب تسقط في حال جهاد الدفع – أي إذا داهم العدو بلاد المسلمين - ، وإليك نقولات تدل على سقوط الشروط بالإجماع :
قال الكاساني في بدائع الصنائع 7/97 " فأما إذا عم النفير بأن هجم العدو على بلد فهو فرض عين يُفترض على كل واحد من آحاد المسلمين ممن هو قادر عليه لقوله سبحانه وتعالى  انفروا خفافاً وثقالاً  ، قيل : نزلت في النفير ، وقوله سبحانه وتعالى  ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه  ، ولأن الوجوب على الكل قبل عموم النفير ثابت ، لأن السقوط عن الباقين بقيام البعض به ، فإذا عم النفير لا يتحقق القيام به إلا بالكل ، فبقي فرضاً على الكل عيناً بمنزلة الصوم والصلاة فيخرج العبد بغير إذن مولاه ، والمرأة بغير إذن زوجها ، لأن منافع العبد والمرأة في حق العبادات المفروضة عيناً مستثناه عن ملك المولى والزوج شرعاً ، كما في الصوم والصلاة ، وكذا يباح للولد أن يخرج بغير إذن والديه ، لأن حق الوالدين لا يظهر في فروض الأعيان كالصوم والصلاة والله سبحانه وتعالى أعلم " .
قال القرطبي في تفسيره 8/151 " إذا تعين الجهاد بغلبة العدو على قطر من الأقطار أو بحلوله بالعُقر ، فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافاً وثقالاً ، شباباً وشيوخاً ، كل على قدر طاقته ، من كان له أب بغير إذنه ومن لا أب له ، ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج ، من مُقل أو مكثر ، فإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم ، كان على من قاربهم وجاورهم أن يخرجوا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة ، حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم ومدافعتهم ، وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم ، لزمه أيضاً الخروج إليهم ، فالمسلمون كلهم يد على من سواهم ، حتى إذا قام بدفع العدو أهل الناحية التي نزل العدو عليها واحتل بها ، سقط الفرض عن الآخرين ، ولو قارب العدو دار الإسلام ولم يدخلوها لزمهم أيضاً الخروج إليه ، حتى يظهر دين الله وتحمى البيضة وتحفظ الحوزة ويخزى العدو ، ولا خلاف في هذا " .
قال شيخ الإسلام بن تيمية في الفتاوى الكبرى ( الاختيارات ) 4/520 " وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعاً ، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه ، فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم " وقال " وإذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب ، إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة ، وأنه يجب النفير إليه بلا إذن والد ولا غريم ونصوص أحمد صريحة بهذا " .
فإذا كان جهاد الدفع لا يلزم فيه إذن إمام لو وجد الإمام ، ولا يلزم فيه إذن والدين ولا غريم ، ولا أي شرط من شروط الجهاد السبعة وهي كما قال ابن قدامة في الغني 9/ 163 " ويشترط لوجوب الجهاد سبعة شروط الإسلام والبلوغ والعقل والحرية والذكورية والسلامة من الضرر ووجود النفقة " .
فهذه الشروط وما تفرع عنها لا تشترط في جهاد الدفع بل يجب على كل مسلم أن يدفع حسب الإمكان ، وهو ما نقلنا آنفاً الإجماع عليه ، ونصوص أهل العلم لا تكاد تحصر على أن جهاد الدفع لا يشترط له شرط .
فإن تحقق سبب من أسباب تعين الجهاد فقد وجب بلا شروط ، وقد اتفق العلماء على ثلاثة أسباب يتعين فيها الجهاد هي :
قال صاحب المغني 9/163 " ويتعين الجهاد في ثلاثة مواضع أحدهما إذا التقى الزحفان وتقابل الصفان حرم على من حضر الانصراف وتعين عليه المقام ... ثم قال ... الثاني إذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالهم ودفعهم ، الثالث إذا استنفر الإمام قوما لزمهم النفير معه " .
وزاد بعض العلماء على هذه الثلاثة سبباً رابعاً وهو إذا أسر مسلم أو مسلمة وجب النفير إليها على الأعيان لتخليصها من أيدي الكافرين ، إذا عجزوا عن الفداء .
هذه هي الأسباب التي قال العلماء بتعين الجهاد إن تحققت ، ولا نظن عاقلاً اليوم يقول بعدم تحقق الثاني منها في أي بلد من بلاد المسلمين ، فكل بلاد المسلمين دخلها العدو عنوة سوء بالقتال أو بدونه ، فإذا تحقق سبب من هذه الأسباب فقد تعين الجهاد ، وقد نص أصحاب البيان المذكور على تحقق سبب من أسبابها في بيانهم بقولهم ( فإن الأمة اليوم تواجه تحالفاً على العدوان والبغي تقوده حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، ويظاهرها فيه أشد الناس عداوة من اليهود والصليبين، وتمارس عدوانها الظالم بمعايير انتقائية، وحجج داحضة، كمكافحة الإرهاب، ونزع أسلحة الدمار الشامل، ويعيش المسلمون محنة هذا الاعتداء في فلسطين والأفغان والعراق إضافة إلى مصائبهم الأخرى في الشيشان وكشمير والسودان وغيرها ) .
فإذا تعين الجهاد فلا يشترط له شرط ، وكل شروطه تسقط بالإجماع ، ومن قال بوجوب أو استحباب توفر الشروط في الجهاد إذا تعين فهو مخالف لإجماع أهل العلم ومخالف لأصول الشريعة ، والعجب أنهم يقرون بمداهمة العدو الصائل لبلاد المسلمين ثم يضعون شروطاً للمدافعة لم يسبقهم إليها أحد من الأئمة ! .
أما قولهم ( وأن يتم النظر فيه من قبل أهل الرسوخ في العلم ) نعم يمكن أن تعتبر هذه العبارة في جهاد الطلب على خلاف في تفاصيلها وصفة أهل العلم الذين قال عنهم شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى 4/609 ( الواجب أن يعتبر في أمور الجهاد برأي أهل الدين الصحيح الذين لهم خبرة بما عليه أهل الدنيا ، دون أهل الدنيا الذين يغلب عليهم النظر في ظاهر الدين فلا يؤخذ برأيهم ولا برأي أهل الدين الذين لا خبرة لهم في الدنيا ) ولا شك أن أول من يخرج بهذا القيد هم أهل الدين الذين لا يعرفون من الجهاد إلا الاسم ، أما أن توضع هذه العبارة كشرط لجهاد الدفع فلا ، فإن جهاد الدفع لا يشترط له شرط البتة ويدفع حسب الإمكان ، فدفع العدو الصائل تكليف من الله لا ينتظر فيه نظر إمام ولا راسخ في العلم
أما استدلالهم على ما أوردوه من تعويق للجهاد بكلام العز بن عبد السلام ، فهذا أمر شنيع لا يقبل من طالب علم فضلاً عن قبوله ممن يدعي أنه من أهل الرسوخ في العلم ، فلم يقتصروا على سوء فهم كلام العز فقط وإنزاله في غير بابه ، بل أشنع منه وأبشع أنهم حرفوا كلام العز وأضافوا عليه ونقصوا منه ليوافق رأيهم ، وهذا لم نعرفه إلا عن الرافضة ، الذين يضعون الأكاذيب عن علي رضي الله عنه وعن الصادق وغيرهم ليوافق معتقدهم الفاسد ، وفي الحقيقة لقد دهشنا أن يصدر هذا الفعل الشنيع ممن يزعم أنه راسخ في العلم ، أو يزعم أنه صاحب بعد نظر وتحقيق في مسائل العقيدة والجهاد ، فعندما تستعرض نقلهم عن العز بن عبد السلام ، وتستعرض كلام العز من نفس المصدر الذي عزوا إليه نقلهم ، تشك هل أنت أمام مقال لأحد الرافضة أو بين يديك بيان لمن يزعم الرسوخ في العلم والتحقيق فيه ، فقد نتصور أن يخطئ العالم ويسهو ، ولكن لا نتصور أبداً أن يتواطأ أكثر من ثلاثين للكذب على السلف ليوافق ما أرادوا !.
وإليك ما نقلوه من كلام العز بن عبد السلام ، ثم نعقب عليه بما قاله العز حقيقة ليتبين لك حجم الكذب الشنيع :
نقلوا عن العز بن عبد السلام قوله في قواعد الأحكام (95):"أن أي قتال للكفار لا يتحقق به نكاية بالعدو فإنه يجب تركه؛ لأن المخاطرة بالنفوس إنما جازت لما فيها من مصلحة إعزاز الدين، والنكاية بالمشركين، فإذا لم يحصل ذلك وجب ترك القتال لما فيه من فوات النفوس وشفاء صدور الكفار وإرغام أهل الإسلام، وبذا صار مفسدة محضة ليس في طيها مصلحة".
ونعوذ بالله من هذا التحريف للكلام الذي يراد منه تدعيم الآراء دون خوف من الله تعالى ، ولتفهم مراد الإمام العز بن عبد السلام لابد من نقل الكلام كاملاً دون تحريف ولا نقص أو زيادة لتفهم المسألة التي يقررها ، ولا يجوز إخراج كلامه عن مراده ، وإنزاله في غير ما قيل ، فهو يقرر مسألة خاصة فكيف يبتر نصه ليوضع في سياق آخر يفيد خلاف ذلك وإليك كلامه :
قال العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام في مصالح الأنام 1/95 " المثال الاربعون : التولى يوم الزحف مفسدة كبيرة لكنه واجب إذا علم انه يقتل في غير نكاية في الكفار ، لأن التغرير بالنفوس إنما جاز لما فيه من مصلحة إعزاز الدين بالنكاية في المشركين فإذا لم تحصل النكاية وجب الانهزام لما في الثبوت من فوات النفوس مع شفاء صدور الكفار وإرغام أهل الإسلام وقد صار الثبوت ههنا مفسدة محضة ليس في طيها مصلحة " .
هذا هو النص الذي قصدوه بل حرفوه ، ونحن نسأل من أين جاءوا بهذه العبارات من كلام العز ، وليراجع من شاء كلام العز من طبعة دار المعرفة في نفس الصفحة التي نقلوا منها .
من أين لهم قول العز ( أن أي قتال للكفار لا يتحقق به نكاية بالعدو فإنه يجب تركه لأن المخاطرة بالنفوس )
ومن أين لهم هذه العبارة المطلقة المخلة بالمعنى ( فإذا لم يحصل ذلك وجب ترك القتال ) .
وتلاحظ أن هذه العبارات تعبر عن منهجهم تجاه الجهاد على أرض الواقع ، وهي بالفعل ما أرادوه من هذا البيان ، فهنا يضعون عبارات لم يقلها العز ويكذبون بها على العز لتوافق شيئاً في نفوسهم ، وقد يقول قال نعذرهم في هذا ، نقول يمكن أن يعذر العالم بخطأ أو بسهو ، ولكن أن يعذر بتلفيق الكلام على الأئمة والكذب في النقل عن علم ، فهذا لا يمكن أن يكون ، أين أمانة العلم ؟ أين الخوف من الله تعالى ؟ هؤلاء الذين وقعوا على هذا البيان ليسوا ثلاثة رجال بل هم أكثر من ثلاثين ممن يزعم العلم والرسوخ فيه ، فبقية الموقعين بين أمرين إما أنهم جهال ولا يعرفون تحقيق الأقوال ولا يميزون كلام السلف ولا يعرفون الإطلاق والتقييد ، أو أنهم متواطئون في هذا الكذب والنقل الفاحش ، فهم بين أمرين أحلاهما مر ، وإذا كان هذا شأنهم فليسوا أهلاً بأن يوثق في نقولهم أو يؤخذ منهم ميراث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فهم لم يحترموا العلم ، وكل نقل لهم عن أحد من أهل العلم لابد أن يرجع إلى مضانه ليتم التأكد من صحة نقلهم وعدم وجود التحريف والكذب منهم ، وهذا شأن الرافضة ، وإذا وصل التعامل مع الناقل لهذه المرحلة ، فيجب أن يطرح نقله وفي نقل غيره غنية عنه ، فهو الذي أبى إلا أن يسقط نفسه ولو بالكذب الشائن والعياذ بالله .
ولو صدق نقلهم عن العز بن عبد السلام ، فكلام العز الآنف لا ينطبق على ما أرادوه من تعويق جهاد الدفع ، لأن العز في سياق كلامه في نفس الصفحة يتحدث عن التولي يوم الزحف إذا كان العدو أكثر من ضعف المسلمين لنص الآية قال العز في قواعد الأحكام في مصالح الأنام 1/95 في نفس الصفحة التي نقلوا منها وقبله بفقرتين فقط " المثال السابع والثلاثون انهزام المسلمين من الكافرين مفسدة لكنه جائز إذا زاد الكافرون على ضعف المسلمين مع التقارب تخفيفا عنهم لما في ذلك من المشقة ودفعا لمفسدة غلبة الكافرين لفرط كثرتهم على المسلمين وكذلك التحرف للقتال والتحيز إلى فئة مقاتلة بنية أن يقاتل المتحيز معهم لأنهما وإن كانا من الفرار إلا أنهما نوع من الإقبال على القتال " .
فمن قرأ كلام العز كاملاً علم أن الإمام لا يتحدث عما أرادوا من تعطيل جهاد الدفع أو تقييده ، بل بترهم للنص وتحريفهم للكلم عن مواضعه هو الذي أحال الكلام لخلاف ما أراده العز ، ولكن سياق كلامه يتحدث عن مسألة التولي يوم الزحف فقط ، والتولي أيضاً يكون في جهاد الطلب لا في جهاد الدفع ، لأن جهاد الدفع قد قدمنا أنه لا يشترط له شرط أبداً وهذا موطن اتفاق بين العلماء وسيأتي كلام شيخ الإسلام على هذا ، علماً أن مسألة الانهزام من أمام العدو إذا بلغ العدو ضعف المسلمين ليست مسألة متفق عليها بين العلماء ، بل هناك من قال بخلاف ما قاله العز في هذه المسألة ، فالعز يوجب الفرار إذا كان العدو ضعفهم ، إلا أن بعض العلماء لا يوجب ذلك بل يجيز البقاء أو الفرار ، والبعض يوجب البقاء مع غلبة الظن بالغلبة ، ولسنا بصدد تحقيق المسألة ، ولكننا نقول بأن كلام العز على هذه المسألة ليس مسلماً على الإطلاق ، فكلام العلماء المجرد يستدل له ولا يستدل به على الإطلاق ، رغم أنه لابد أن يقصر كلام العز على نفس الباب الذي ورد فيه ، ولا يتعدى به إلى باب آخر لا علاقة له بالمسألة ، وهذه بعض النصوص من العلماء تفيد خلاف كلام العز في مسألة الفرار من الزحف إذا كان العدو ضعف المسلمين ، وتبين أن كلام العز في بابه غير مسلم له .
قال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى 4/609 " يتعين الجهاد بالشروع فيه وعند استنفار الإمام لكن لو أذن الإمام لبعضهم لنوع مصلحة فلا بأس ، وإذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة وأنه يجب النفير إليه بلا إذن والد ولا غريم ونصوص أحمد صريحة بهذا ، لكن هل يجب على جميع أهل المكان النفير إذا نفر إليه الكفاية كلام أحمد فيه مختلف وقتال الدفع مثل أن يكون العدو كثيرا لا طاقة للمسلمين به لكن يخاف إن انصرفوا عن عدوهم عطف العدو على من يخلفون من المسلمين فهنا قد صرح أصحابنا بأنه يجب أن يبذلوا مهجهم ومهج من يخاف عليهم في الدفع حتى يسلموا ، ونظيرها أن يهجم العدو على بلاد المسلمين وتكون المقاتلة أقل من النصف فإن انصرفوا استولوا على الحريم فهذا وأمثاله قتال دفع لا قتال طلب لا يجوز الإنصراف فيه بحال ".
فدل كلام شيخ الإسلام هنا على أن مسألة التولي معلقة بجهاد الطلب وليس الدفع ، فإن كان الجهاد جهاد دفع فقد قال لا يجوز الانصراف بحال ، ويحمل عليه جميع كلام العلماء في هذا الباب .
قال ابن قدامه في المغني 9/309 : وإذا كان العدو أكثر من ضعف المسلمين فغلب على ظن المسلمين الظفر ، فالأولى الثبات لما في ذلك من المصلحة ، وإن انصرفوا جاز لأنهم لا يأمنون العطب ، والحكم علق على مظنته ، وهو كونهم أقل من نصف عدوهم ، ولذلك لزمهم الثبات إذا كانوا أكثر من النصف ، وإن غلب على ظنهم الهلاك فيه ، ويحتمل أن يلزمهم الثبات إن غلب على ظنهم الظفر لما فيه من المصلحة ، وإن غلب على ظنهم الهلاك في الإقامة والنجاة في الانصراف فالأولى لهم الانصراف ، وإن ثبتوا جاز لأن لهم غرضاً في الشهادة ويجوز أن يغلبوا أيضاً ، وإن غلب على ظنهم الهلاك في الانصراف والإقامة ، فالأولى لهم الثبات لينالوا درجة الشهداء المقبلين على القتال محتسبين فيكونون أفضل من المولين ولأنه يجوز أن يغلِبوا أيضاً " .
وجاء في مغني المحتاج 4/219 قول الخطيب الشربيني عن حديثه عن هجوم الكفار على بلد مسلم بغتة : …وإلا بأن لم يمكن أهل البلدة التأهب لقتال بأن هجم الكفار عليهم بغتة ، فمن قُصد من المكلفين ولو عبداً أو امرأةً أو مريضاً أو نحوه ، دفع عن نفسه الكفار بالممكن له إن علم أنه إن أُخذ قُتل ، وإن جوّز المكلف لنفسه الأسر كان الأمر يحتمل الخلاف ، هذا إن علم أنه إن امتنع من الاستسلام قُتل وإلا امتنع عليه الاستسلام .
قال السيوطي في شرح السير الكبير 1/125 : لا بأس بالانهزام إذا أتى المسلم من العدو ما لايطيقه ، ولا بأس بالصبر أيضاً بخلاف ما يقوله بعض الناس إنه إلقاء بالنفس إلى التهلكة ، بل في هذا تحقيق بذل النفس في سبيل الله تعالى ، فقد فعله غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم ، منهم عاصم بن ثابت رضي الله عنه حمي الدبر – أي الذي حمته الدبابير - ، وأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، فعلمنا أنه لا بأس به .
ولنا وقفات أخرى بإذن الله تعالى مع بقية المسائل التي عرضوا لها وتجاوزوا في الألفاظ الشرعية ، وأطلقوا القول فيها دون دليل ، وليس الهدف من ردنا إلا بيان الحق وأن كل من زعم زعماً لا يقبل منه حتى يدلل عليه من الكتاب والسنة ، والله تعالى أعلم فما كان من صواب فمن الله تعالى وما كان من خطأ فمن أنفسنا والشيطان ، نسأل الله تعالى أن يعفوا عنا وعن إخواننا الذين سبقونا بالإيمان

منتدى الإصلاح
http://194.8.231.7:8888/vboard/showt...threadid=62353
أبو السعود الأول غير متصل  


موضوع مغلق

الإشارات المرجعية

أدوات الموضوع
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 05:51 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)