بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » `·.¸¸.·¯`··._.· ( مـَــعـْــرَكـَـة ذات الصـَّــواري ) `·.¸¸.·¯`··._.·

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 10-08-2006, 08:57 PM   #1
آسر
عـضـو
 
صورة آسر الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2003
المشاركات: 1,739
`·.¸¸.·¯`··._.· ( مـَــعـْــرَكـَـة ذات الصـَّــواري ) `·.¸¸.·¯`··._.·

^

^

^


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..


عودة بعد غيبة ..


في البداية .. بحثت كثيراً عن وصف دقيق لمعركة ذات الصواري الإسلامية البحرية .. حيث كان محور ما سأتطرق إليه في درسي برحلة نادينا الصيفي إلى أبها ..
فلم أجد ما تطمح إليه نفس المشتاق .. وروح المتلهف .. وصبوة العاشق .. واندفاع المتحمس ..
فأضناني التعب وأخذ مني كل مأخذ ..
إلى أن وجدت رابطاً صوتياً لمحاضرة الشيخ .. ناصر الأحمد .. باسم ( معركة ذات الصواري )
سارعت بتحميل الملف ..
مبتهجاً مسروراً ، وكنت أتمنى أن أجده نصاً مكتوباً ولكن ( شيء أفضل من لاشيء ) ..
قمت بتشغيل المقطع .. وأدخل النص كتابة بجهازي مباشرة .. فكتبت كل ما قاله شيخنا ( تقريباً ) في هذا الشريط ..
وبعد أن ألقيت الدرس .. وحاز على الإعجاب .. قلت ، ولم لا ننقله للأحبة .. لعلّ الله أن يكتب لي ما قدمته في موازين الأعمال .. بعدد ما استفاد قارئ أو ناسخ أو سامع ..
فهاكموها كاملة دون نقص .. واعذرونا على التقصير ، ولا تنسوا أخوكم الفقير إلى ربه بالدعاء فإنه بأمسّ الحاجة ..
نص المحاضرة :



سوف نقف وإياكم أحبتي لنتداول بعضاً من مواقف معركة ذات الصواري البحرية ..
حيث انتقل المسلمون الفاتحون حديثو العهد في البحر وحروبه إلى معارك بحرية جعلت فيما بعد البحر الأبيض المتوسط بحراً إسلامياً .. لقد تحول البحر المتوسط بعد ما كان بحراً رومياً خاضعاً لسطوة وطول باع أسطول الروم في البحار ، ولضخامة عدد سفنه وخبرته وفنون الإبحار أصبح البحر المتوسط إسلامياً تتيه فيه السفن الإسلامية حصل ذلك كله بعد معركة ذات الصواري ..

كانت مصر قبيل الفتح إحدى الولايات التابعة للدولة الرومانية استولى عليها الروم سنة أربعين قبل الميلاد فجعلوها تمدهم بما يحتاجون من الغلال ورافق ذلك انحطاط في العلم وإغلاق أبواب المناصب العالية أمام سكان مصر الأصليين ، وزادت عليهم الضرائب بشكل كبير شملت كل إنسان في مصر حتى أنها وصلت الأشخاص والأشياء فكانت تجبى على الرؤوس والصناعات وعلى الماشية والأراضي ولم تكن مقصورة على أنواع خاصة من البضائع بل كانت تجبى الضرائب على المارة رجالاً ونساءً تجاراً وغير تجار ومن صناع السفن ومن زوجات الجنود وعلى أثاث المنازل ولم تقتصر الضرائب على الأحياء بل تعداها إلى الموتى حتى كان لا يسمح في مصر بدفن الميت إلا بعد دفع ضريبة معينة كما ألزم المصريون بإيواء من يمر بهم من الموظفين الملكيين والعسكريين من الرومان ، وتقديم ما يلزمهم من الحاجات وتوفير أسباب الراحة لهم في حلهم وترحالهم ولو أرهقهم ذلك أو كان فوق طاقتهم ، والحق أن ذلك كله جعل الشعب المصري في ضنك من العيش حتى وصل الظلم في النهاية إلى إلزام الشعب بأن يقوم بغذاء الجنود كلهم فأدى هذا إلى أعباء مرهقة أضعفت الشعب المصري وبالتالي جعلته يسخط على الحكم الروماني الظالم المستبد الذي ركز على جباية المال وامتصاص خيرات مصر ومواردها بأي شكل ..
أما الخلافات الدينية .. فلا يستهان بها فمسيحيو مصر كانوا من الأرثادوكس بينما بينما كانت عاصمة الدولة الرومانية كاثوليكية فقام خلاف كبير وخطير بين المصريين والرومان فلا عجب إذا أصبح سكان مصر في ضيق وبغض إلى حاكمهم الظالم المستبد الذي ما فكر في إصلاح أو خير وجعل المصريين في تيه فكري بسبب الخلافات الدينية مع فقر وحاجة لذلك فرح المصريون بظفر المسلمين في اليرموك وبانهزام الروم وانسحابهم من سوريا وكان سرورهم أعظم عندما سمعوا عن معاملة المسلمين الفاتحين للشعوب فعلموا علم اليقين أن المسلمين ليسوا كغيرهم من الفاتحين .. قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الجابية قرب دمشق سنة 18هـ فأتاه عمرو بن العاص – رضي الله عنه وأرضاه – وكان أحد القادة الأربعة الذين ندبهم الصديق رضي الله عنه لفتح الشام وفلسطين ، وكان من نصيب عمرو بن العاص فتح فلسطين التي كان واليها من قبل الروم أرطبون ، وقد قال عمر بشأن عمرو وأرطبون : ( قد رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب فانظروا عما تنفرج ) فانفرج الموقف عن فتح فلسطين كلها على يد عمرو بن العاص –رضي الله عنه وأرضاه – قال عمرو بن العاص لأمير المؤمنين عمر – رضي الله عنه - : ( ائذن لي بالمسير إلى مصر إنك إن فتحتها كانت قوة للمسلمين وعوناً لهم .. تردد عمر – رضي الله عنه – في الأمر فقد أشفق على المسلمين أن يصيبهم إرهاق من حرب يتلوها حرب وخصوصاً أن عددهم قليل !! إذ لم يتمكن عمرو أن يجمع لفتح مصر جيشاً كاملاً في عَدَدِهِ وعُدَدِه وذلك لتفرق جند المسلمين بالشام والجزيرة وفارس وغيرها ، لقد تعددت الجهات وتوسعت رقعة البلاد فانتشر الجند .. أضف إلى ذلك خشية عمر –رضي الله عنه – من التوسع في الفتح دون أن ترسخ أقدام المسلمين وتثبت في البلاد المفتوحة فالهدف من الفتح نشر الإسلام بإظهار حسن المعاملة وحسن السيرة وكرم الخلق وأرقى مراتب التربية ، لكن عمرو على الرغم من ذلك هون الأمر على عمر خصوصاً أنه وقف على أحوالها في الجاهلية عند قدومه إليها تاجراً عدة مرات .. إنه عالم بمسالكها وبتبرم أهلها من حاكمهم الرومي ركز عمرو في إقناعه لعمر على أن فتح وتحرير مصر معناه تثبيت فتوحات الجنوب العربي وأن بقاء مصر في يد الروم يعرض سيادة المسلمين في بلاد الشام لخطر وهجوم من الغرب وما زال عمرو بعمر حتى أذن له بقصدها وعقد له اللواء فسار عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه باتجاه مصر ومعه أربعة آلاف رجل فقط .
سار عمرو إلى مصر عابراً فلسطين من شمالها إلى جنوبها اخترق الجيش صحراء سيناء سنة 18 هـ ففتح العريش من غير مقاومة تذكر لأن حصونها لم تكن من المتانة بحيث تقف في وجه المسلمين المجاهدين زمناً طويلاً ، ولعدم وجود حامية رومية بها .. ثم غادر عمرو بعد ذلك العريش سالكاً الطريق الذي سلكه في تجارته إلى مصر لم يشتبك عمرو مع جند الروم في قتال حتى وصل إلى مدينة (الفرماء) وهي مدينة ساحلية قديمة ذات حصون قوية ، وكان لها ميناء على البحر يصل إليها جدول ماء عذب من النيل هدمت أسوارها أيام الغزو الفارسي ثم رمم الروم ما هدمته الفرس فعادت أسوارها منيعة على المغيرين فحاصرها المسلمون أكثر من شهر فوقف عمرو يحمس الجمع ويبث فيهم روح التضحية كي لا يقف طويلاً أمام هذه المدينة تم الفتح بحمد الله تعالى في أول المحرم سنة 19 هـ تابع بعد ذلك عمرو بن العاص السير حتى وصل إلى مدينة (بلبيس) فوجدها محصنة وفيها أرطبون الروم ، وقد فر من فلسطين والتجأ إلى مصر قبيل تسليم بيت المقدس وخلال شهر لم تنقطع فيه الاشتباكات استطاع عمرو بن العاص رضي الله عنه أن يفتح (بلبيس) رغم مقاومة أرطبون ومن معه .. طلب عمرو بن العاص المدد من الفاروق عمر رضي الله عنه فأرسل له أربعة آلاف مجاهد من قوات المسلمين بالشام وعلى رأسهم الزبير بن العوام والمقداد بن عمرو وعبادة بن الصامت ومسلمة بن مخلد .. كما بعث إليه بكتاب يقول له فيه : " إني قد أمددتك بأربعة آلاف رجل على كل ألف رجل منهم مقام الألف الزبير بن العوام والمقداد بن عمرو وعبادة بن الصامت ومسلمة بن مخلد ، واعلم أن معك اثني عشر ألفاً ولن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة ". هؤلاء الذين كان واحدهم بألف ماضيهم العريق في الإسلام يشهد لهم أن ذخيرتهم طيبة ، وعمر على كل حال خبير بمعادن الرجال يعرفهم بحاسة لا تخطئ لقد عرف ما بقلوب هؤلاء من إيمان ويقين فقيمهم وهو الخبير بهم فكان واحدهم بألف رجل فهل سيحققون شيئا في فتح مصر .. هذا ما سيتضح بعد قليل ..
وصل هذا المدد بقيادة فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام إلى عين شمس فسار عمرو لاستقباله ليكسب شرف استقبال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن قائد الروم تقدم في عشرين ألفاً ليضرب المسلمين ضربة قاصمة قبل وصول المدد إليهم ، ولكن عمرو تنبه إلى هذا الأمر فوضع كميناً في الجبل الأحمر شرقي العباسية وآخر على النيل ، ولاقاه ببقية الجيش ، ولما نشب القتال بين الفريقين خرج الكمين الذي كان في الجبل وانقض على الروم فاختل نظامهم واضطرب قائدهم فتراجع لينظم قواته فقابله الكمين الآخر فأصبح هو وجيشه بين جيوش المسلمين من ثلاث جهات فحلت بهم الهزيمة فركب بعضهم في النيل وفرّ إلى حيث لا يدري وفر قسم كبير منهم إلى حصن بابليون فقويت الحامية في هذا الحصن لم يبق أمام عمرو بن العاص إلا حصن بابليون فإن فتح فتحت مصر كلها ، ولكن طال بجيش عمرو بن العاص المكوث في أرض مصر ، وطالت وقفتهم أمام حصن بابليون ، وانتظر الفاروق أنباء الفتح ولكنها تأخرت في هذه المرة فليس من عادة جيش المسلمين تأخره في فتح البلاد لذلك غضب الفاروق أشد الغضب وخشي أن تكون الدنيا غيرت نفوس وقلوب الفاتحين فكتب إلى عمرو يقول له : " أما بعد .. فقد عجبت لإبطائكم في فتح مصر تقاتلونهم منذ سنتين وما ذاك إلا لما أحدثتم وأحببتم من الدنيا ما أحب عدوكم ، وإن الله تبارك وتعالى لا ينصر قوماً إلا بصدق نياتهم ، وقد كنت وجهت إليك أربعة نفر وأعلمتك أن الرجل منهم مقام ألف رجل على ما كنت أعرف إلا أن يكون غيرهم ما غيرهم .. فإن أتاك كتابي هذا فاخطب الناس وحضهم على قتال عدوهم ، ورغبهم في الصبر والنية ، وقدم أولئك الأربعة في صدور الناس ، ومُرِ الناس جميعاَ أن يكون لهم صدمة كصدمة رجل واحد ، وليكن ذلك عند زوال يوم الجمعة فإنها ساعة تنزل الرحمة فيها ووقت للإجابة وليعجّ الناس إلى الله ويسألوه النصر على عدوهم" وصل هذا الخطاب .. فقرأه عمرو بن العاص رضي الله عنه فحاصر بمن معه عام 20 هـ حاصر حصن بابليون وكان ذلك وقت فيضان النيل مما أعاق إحراز النصر فطال الحصار ، ومع ذلك فالحصار باق على الحصن والمئونة تتناقص في داخله فأحرج ذلك موقف المقوقس في داخل الحصن ، وأعجب بالمسلمين وبشجاعتهم وصبرهم فخرج مع نفر من قومه بسفن ، ولحقوا بجزيرة ( الروضة ) وكتب إلى عمرو : [ إنكم قد وليتم بلادنا ، وألححتم في قتالنا ، وطال مقامكم في أرضنا ، وإنا أنتم عصبة يسيرة ، وقد أظلتكم الروم ، وجهزوا إليكم ومعهم من العدة والسلاح ، وقد أحاط بكم هذا النيل ، وإنما أنتم أسارى في أيدينا فابعثوا إلينا رجالاً منكم نسمع من كلامهم فلعله أن يأتي الأمر بيننا وبينكم على ما تحبون ونحب ، وينقطع عنا وعنكم القتال قبل أن تغشاكم جموع الروم فلا ينفعنا الكلام ولا نقدر عليه ، ولعلكم أن تندموا إن كان الأمر مخالفاً لمقصدكم ورجاءكم فابعثوا إلينا رجالاً من أصحابكم نعاملهم على ما نرضى نحن وهم به من شيء ] فلما أتت عمرو رسل المقوقس حبسهم عنده يومين وليلتين حتى خاف عليهم المقوقس فقال لأصحابه : [ أترون أنهم يقتلون الرسل ؟؟ ويحبسونهم ويستحلون ذلك في دينهم ؟؟ ] لقد ستقبل عمرو رسل المقوقس كما تستقبل وتحترم الوفود ولكنه رضي الله عنه أراد أن يطلع هؤلاء الرسل على حال جند الإسلام ، وكيف حياتهم ؟؟ كيف محبة بعضهم لبعضهم الآخر ؟؟ كيف صلاتهم ؟؟ كيف يتعاملون ؟؟ وكيف يَحتَرِمونَ ويُحتَرَمون ؟؟ إن إبقاء الرسل عند المسلمين لمدة معينة خطة متبعة في الفتوحات الإسلامية وهي خطة تحقق أكثر من هدف .. إنها تعطي فكرة عملية برؤية العين فتصبح الفكرة يقيناً في نفس المشاهد عن حياة المسلمين فيعظمون في نفوس أعدائهم خصوصاً إذا رأى الرسل الوفد التواضع والمحبة والتكاتف والتضامن والرحمة والإيمان والتقوى ومحبة الجند للقائد ، ومحبة القائد لجنده .. جمع متمثل بواحد ، وواحد يمثل جمع .. بنيان مرصوص .. يشد ويكمل بعضه بعضاً ، وعند عودة الوفد يحدث بما رأى حتماً فيحطم من حيث لا يدري معنويات قومه فتهبط معنوياتهم إلى دون الصفر ، وبذلك سيدخلون حرباً يعلمون أن معنويات النصر ليست إلى جانبهم وصالحهم ، ولا سبيل للمقارنة بين جيش يدخل الحرب وعدوه في عينه عظيم كبير متماسك ، وبين جيش متأكد من سبيل النصر ، وأن النصر من عند الله جل وتعالى وهم جند الله سبحانه عز وجل ، ولما رد عمرو رسل المقوقس قال لهم : ( إنه ليس بيني وبينكم إلا إحدى ثلاث خصال .. إما أن دخلتم في الإسلام فكنتم إخواننا وكان لكم مالنا وعليكم ما علينا ، وإن أبيتم فأعطيتم الجزية عن يد وأنتم صاغرون ، وإما أن جاهدناكم بالصبر والقتال حتى يحكم الله بيننا وبينكم وهو خير الحاكمين )
فلما جاءت رسل المقوقس إليه .. قال : [كيف رأيتم القوم ؟؟] قالوا : رأينا قوماً الموت أحب إلى أحدهم من الحياة ، والتواضع أحب إليهم من الرفعة ، ليس لأحدهم في الدنيا رغبة ولا نهمة ، وإنما جلوسهم على التراب وأكلهم على ركبهم ، وأميرهم كواحد منهم ما يعرف رفيعهم من وضيعهم ، ولا السيد من العبد ، وإذا حضرت الصلاة لم يتخلف عنها منهم أحد يغسلون أطرافهم بالماء ويخشعون في صلاتهم .. فقال المقوقس عند ذلك :[والذي يحلف به لو أن هؤلاء استقبلوا الجبال لأزالوها ، وما يقوى على قتال هؤلاء أحد ، ولئن لم نغنم صلحهم اليوم ، وهم محصورون بهذا النيل لم يجيبوننا بعد اليوم إذا أمكنتهم الأرض وقووا على الخروج من موضعهم] فرد عليهم المقوقس رسله يقول لهم : [ابعثوا إلينا رسلاً منكم نعاملهم ونتداعى عندهم إلى ما عساه أن يكون صلاح لنا ولكم ] فبعث عمرو بن العاص عشرة نفر أحدهم عبادة بن الصامت رضي الله عنه وكان رجلاً طويلاً وأمره عمرو على هؤلاء العشرة ، وأن يكون هو المتكلم ، وأن لا يجيبهم إلى شيء دعوه إليه إلا إحدى الخصال الثلاث معللاً ذلك بقوله : ( فإن أمير المؤمنين قد تقدم إليّ في ذلك وأمرني أن لا أقبل إلا خصلة من هذه الخصال الثلاث ) ، وكان عبادة رضي الله عنه أسود البشرة فلما ركبوا السفن إلى المقوقس ، ودخلوا عليه تقدم عبادة رضي الله عنه فهابه المقوقس لسواده ، وقال : [ نحّو عني هذا الأسود ، وقدموا غيره يكلمني ] فقالوا جميعاً : ( إنّ هذا الأسود أفضلنا رأياً وعلماً ، وهو سيدنا وخيرنا والمقدم علينا ، وإنما نرجع جميعاً إلى قوله وإلى رأيه ، وقد أمّره الأمير دوننا بما أمره وأمرنا أن لا نخالف رأيه وقوله ) فقال المقوقس :[ وكيف رضيتم أن يكون هذا الأسود أفضلكم ؟ وإنما ينبغي أن يكون هو دونكم !!] قالوا : ( كلا ، إنه وإن كان أسود كما ترى فإنه من أفضلنا موضعاً وأفضلنا سابقةً وعقلاً ورأياً ، وليس ينكر السواد فينا ) فقال المقوقس لعبادة :[ تقدم يا أسود ، وكلمني برفق ] ..
فتقدم إليه عبادة بن الصامت رضي الله عنه فقال : ( قد سمعت مقالتك ، وإني فيمن خلّفت من أصحابي ألف رجل كلهم مثلي وأشد سواداً مني وأفظع منظراً ، ولو رأيتهم لكنت أهيب لهم مني وأنا قد وَلّيت وأدبر شبابي وإني مع ذلك بحمد الله ما أهاب مائة رجل من عدوي لو استقبلوني جميعاً وكذلك أصحابي ) فلما سمع المقوقس منه قال لمن حوله : [ هل سمعتم مثل كلام هذا الرجل قط !! لقد هبت منظره ، وإن قوله أهيب عندي من منظره ، إنّ هذا وأصحابه أخرجهم الله لخراب الأرض ، وما أظن ملكهم إلا سيغلب الأرض كلها ] ثم أقبل المقوقس على عبادة بن الصامت رضي الله عنه فقال : [ أيها الرجل الصالح .. قد سمعت مقالتك ، وما ذكرت عنك وعن أصحابك وقد توجه إلينا لقتالكم من جمع الروم ما لا يحصى عدده قوم معروفون بالنجدة والشدة ممن لا يبالي أحدهم من لقي ولا من قاتل ، وإنا لنعلم أنكم لن تقووا عليهم ، ولن تطيقوهم لضعفكم وقلتكم ، وقد أقمتم بين أظهرنا أشهراً ، وأنتم في ضيق وشدة من معاشكم وحالكم ، ونحن نرق عليكم لضعفكم وقلتكم ، وقلة ما بأيديكم ونحن تطيب أنفسنا أن نصالحكم على أن نفرض لكل رجل منكم دينارين ولأميركم مائة دينار ولخليفتكم ألف دينار فتقبضوها وتنصرفوا إلى بلادكم قبل أن يغشاكم ما لا قوة لكم به ] فقال عبادة : ( يا هذا لا يغرنّ نفسك ولا أصحابك .. أما ماتخوفنا به من جمع الروم وكثرتهم وعددهم وأن لا نقوى عليهم فلعمري ما هذا بالذي تخوفنا به ولا بالذي يكسرنا عما نحن فيه ، وما منا رجل إلا يدعو ربه صباحاً ومساءً أن يرزقه الشهادة ، وأن لا يرده إلى بلده ولا إلى أرضه ، ولا إلى أهله وولده ، وليس لأحد منا فيما خلفه ، وقد استودع كل واحد منا ربه وأهله وولده ، وإنما همنا ما أمامنا ، وإن أبيتم فليس بيننا وبينكم إلا المحاكمة للسيف حتى نموت عن آخرنا أو نصيب ما نريد منكم هذا ديننا الذي ندين الله جل وتعالى به ولا يجوز لنا فيما بيننا وبينه غيره فانظروا لأنفسكم ) .. فقال المقوقس بعد ما سمع هذا الكلام :[ هذا لا يكون أبداً .. هذا لا يكون أبداً .. إلا أن تتخذوننا عبيداً ما كانت الدنيا ] فقال عبادة : ( هو ذلك فاختر ما شئت ) فقال المقوقس : [ أفلا تجيبوننا إلى خصلة غير هذه الخصال الثلاث ؟؟] فقال عبادة وقد رفع يديه : ( ولا ورب السماء ، ورب هذه الأرض ، ورب كل شيء مالكم عندنا خصلة غيرها فاختاروا لأنفسكم ) فقال المقوقس وقد التفت إلى أصحابه : [ قد فرغ القوم .. فما ترون ؟؟ ] فقالوا : [ أويرضى أحد بهذا الذل ؟!! أمّا ما أرادوا من دخولنا إلى دينهم فهذا لا يكون أبداً أفنترك دين المسيح وندخل في دين لا نعرفه ؟؟ وأما ما أرادوا أن يسبوننا ويجعلوننا عبيداً فالموت أيسر من ذلك لو أرادوا أن نضعف لهم ما أعطيناهم مراراً كانَ أهونَ علينا ] فقال المقوقس لعبادة :[ قد أبى القوم فما ترى ؟!! فراجع صاحبك على أن نعطيك في مرتكم هذه ماتمنيتم وتنصرفون ] فقام عبادة وأصحابه فبعد ما قاموا التفت المقوقس إلى أصحابه وإلى قومه فقال لهم : [ أطيعوني .. وأجيبوا القوم .. إلى خصلة واحدة من هذه الثلاث فوالله مالكم بهم من طاقة ولئن لم تجيبوا إليهم طائعين لتجيبنهم إلى ما هو أعظم كارهين] فقالوا : [ وأيّ خصلة نجيبهم إليها ؟ ] قال : [ إذن أخبركم .. أما دخولكم في غير دينكم فلا آمركم به .. وأما قتالهم فأنا أعلم أنكم لن تقووا عليهم ، ولن تصبروا صبرهم ولا بد من الثالثة ] قالوا : [ فنكون لهم عبيداً أبداً ] قال : [نعم .. تكونون عبيداً مسلطين في بلادكم آمنين على أنفسكم وأولادكم وجواريكم خير لكم من أن تموتوا من آخركم ، وتكونوا عبيداً تباعون وتمزقوا في البلاد أنتم وأهليكم وذراريكم ] قالا : فالموت أهون علينا !! ]
وكان لرسالة عمر إلى عمرو أثر كبير في نفس الزبير بن العوام رضي الله عنه فقال : ( إني أهب نفسي لله جل وتعالى وأرجوا أن يفتح الله بذلك للمسلمين فوضع سلماً طويلاً إلى جانب الحصن ثم صعد وأمرهم إذا سمعوا تكبيرة يجيبونه جميعاً فما شعروا إلا والزبير على رأس الحصن يكبّر ومعه السيف لقد جلجل الفضاء في سكون الليل بصوت فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعلى الأبراج وهو يهتف صائحاً من أعماقه : ( الله أكبر .. الله أكبر ) ويصيح وقد لفّ رأسه بعمامة صفراء علامة حبّ الموت أو النصر واستفاق الروم من سكرات الفزع على قفزات جريئة مروعة ابتدأها الزبير رضي الله عنه إلى داخل الحصن وتحامل الناس على السلم حتى نهاهم عمرو بن العاص خوفاً أن ينكسر بهم ذلكم السلم ومن داخل الحصن كبر الزبير تكبيرة فأجابه المسلمون من خارج الحصن بصوت واحد : ( الله أكبر ) أجابوه بنشيدهم في اليرموك وهتافهم في القادسية وترنيمتهم المحببة في نهاوند .. الزبير بن العوام داخل الحصن عند بابه من الداخل يزيح الحراس عن الباب ، وهو يكبر ، والمسلمون يكبرون من خارج الحصن فلم يشك أهل الحصن أن المسلمون قد اقتحموا جميعاً داخل حصنهم وتمكن الزبير أن يفتح الباب واقتحم المسلمون حصن بابليون ، ولما خاف المقوقس علة نفسه ومن معه سأل عمرو بن العاص الصلح ، ودعاه إليه فأجابه عمرو إلى ذلك ، وهكذا تحققت فراسة الفاروق رضي الله عنه في تقييم الرجال .. ومعايير البطولة وطابت نفسه بالنصر فالدنيا لم تغير معادن من رباهم الرسول صلى الله عليه وسلم وطابت المدينة بهذا النصر الحاسم الذي سطره ابن العوام وحده وكان حقاً بألف رجل ، وممن شهد فتح مصر من الصحابة مع عمرو بن العاص الزبير بن العوام كما ذكرنا ، و عبدالله بن عمرو بن العاص ، وخارجة بن حذامة العدوي ، و عبدالله بن عمر بن الخطاب ، وقيس بن أبي العاص السهمي ، و المقداد بن الأسود ، وعبدالله بن سعد بن أبي سرح العامري ، ونافع بن عبد قيس الفهري ، وأبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعدبالرحمن وربيعة ابنا شرحبيل بن حسنة ، و وردان مولى عمرو بن العاص وكان حامل اللواء ، وكان فتح مصر في يوم الجمعة مستهل المحرم سنة 20 هـ ..
فتحت مصر وأمضى الطرفان الصلح ، وكتب عمرو كتاب أمان : ( بسم الله الرحمن الرحيم .. هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وبرهم وبحرهم لا يدخل عليهم شيء من ذلك ولا ينقص ) ترك المسلمون الأرض لأهلها مشجعين الزراعة وأخذوا على عاتقهم حمايتها مع تأمين السكان على أنفسهم ونسائهم وأطفالهم وما يملكون فشعروا براحة نفسية كبيرة لم يعهدوها من قبل حتى إن نص العهد صريح في حال أن الجزية تخفض في حال شحّ النيل أبعد هذه الرحمة من رحمة ؟؟ أعاد المسلمون الأمن والنظام إلى مصر ، وقاموا بإصلاحات عظيمة .. كتنظيمهم للإدارة ، وتنصيب القضاة ليأخذ الضعيف حقه ، ولنصرة المظلوم ، ورسموا خطة جباية ، وعنوا عناية خاصة بهندسة الري مع تنظيف الترح وبناء المقاييس وإنشاء الجسور والأحواض .. فتحسنت أحوال الأقباط ، وزادت ثروتهم بعد ألم وفقر أيام العهد الروماني كبرت آمال المسلمين وتوسعت آفاقها على نغمات النصر وأصداء الفتوح وأصبح كل فرد منهم لا يعبأ بالمال على وفرته وأصبح هم الجميع أن تعمّ كلمة التوحيد أقطار الدنيا حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله وهكذا أصبحت مصر أيام عثمان بن عفان رضي الله عنه منطلق الجيوش إلى شمال أفريقيا حتى بحر الظلمات كما بدأ المسلمون في بناء السفن ليتم لهم بناء الجيش القوي المكتمل براً وبحراً ..
ولما ولي معاوية بن أبي سفيان الشام ألح على عمر الفاروق في غزو البحر ، وذلك لقرب الروم من السواحل العربية ، ومما كتبه معاوية لعمر : ( إنّ قرية من قرى حمص ليسمع بنباح كلابهم وصياح دجاجاتهم ) ومعاوية يعني جزيرة أرواد القريبة من الساحل ، واحتار عمر وشغل قلبه أيسمح للناس بركوب البحر ، وما ركبوه من قبل مجاهدين فيه أمام هذه الحيرة كتب عمر إلى عمرو بن العاص واليه على مصر : ( صف لي البحر وراكبه ؟؟ فإن نفسي تنازعني عليه ) فكتب عمرو إلى الفاروق عمر مجيباً على رسالته : ( إني رأيت خلقاً كبيراً يركبه خلقٌ صغير .. ليس إلى السماء والماء إن ركد خرق القلوب ، وإن تحرك أزاغ العقول ، يزداد فيه اليقين بالنجاة قلة ، والشك كثرة .. هم فيه كدود على عود إن مال غرق وإن نجا برق ) قرأ عمر الفاروق كتاب عمرو بن العاص وأرسل قراره الذي اتخذه إلى واليه على الشام معاوية قائلاً : ( والذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق .. لا أحمل فيه مسلماً أبداً .. وبالله لمسلم واحد أحب إليّ مما حَوَتِ الروم !! )
نتساءل .. لماذا يقف عمر هذا الموقف ؟؟!! وهل يعقل أن تبنى دولة عالمية دون أسطول بحري ؟!! عمر .. العبقرية المتميزة .. في كل شيء .. بحنكتها ، وسعة أفقها وروعة اجتهادها ، وعظمة قلبه رضي الله عنه هل يعقل أنه وقف موقفه هذا لمجرد وصول رسالة عمرو بن العاص من مصر ؟!!
وقف عمر رضي الله عنه موقفه هذا لأسباب :
من ذلك خوفه على أرواح المسلمين ، حيث إنهم ما عهدوا ركوب البحر .. مقاتلين فيه وأسطولهم فتيّ حديث ودولة الروم دولة عريقة في علوم البحار وفنونه تسيطر بأسطولها القوي .. متكئة على خبرة طويلة ورصيد كبير من التجارب على البحر المتوسط فهو منع من الغزو في البحر شفقة عليهم ، ولما غزا العلاء بن الحضرمي الذي كان على البحرين من قبل عمر في البحر ، وقد نهاه عن ذلك فأصيب المسلمون هناك على ساحل فارس المقابل للبحرين ، واستطاع القائد الفارسي أن يوقع خسارة كبيرة بجند العلاء فصار عمر لا يأذن لأحد في ركوب البحر غازياً مجاهداً ، ولكن عمر لم يعارض في بناء أسطول حربي فهو يعلم أن أسطولاً يبنى في سواحل بلاد الشام في عكا خصوصاً ، وآخر يبنى في مصر فهو لم يعارض هذا العمل فعمر رضي الله عنه أوسع أفقاً ، وليس المهم أن يغزوا وإنما المهم كسب وتأمين أسباب النصر ، وسيحين موعد انطلاق البحر فلكل أجل كتاب ، ولما تولى عثمان بن عفان رضي الله عنه الخلافة بعد عمر كتب إليه معاوية رضي الله عنه يستأذنه في غزو البحر ، وبعد أن استكمل معاوية الاستعدادات ، وافق عثمان على طلبه ، ولكنه اشترط عليه شروطاً وكتب إليه لا تنتخي بالناس ، ولا تقرع بينهم .. خيرهم .. فمن اختار الغزو طائعاً فاحمله وأعنه ، وبالفعل سار معاوية على شرط عثمان وانتهجه .. لقد بنى أسطولاً بأيد إسلامية فكانت مراكبه نواة الأسطول الإسلامي الذي جعل البحر الأبيض المتوسط فيما بعد بحراً إسلامياً استعمل معاوية على البحر .. عبدالله بن قيس الجاسي فاستطاع فتح قبرص ، وكان في هذا الجند .. أبو ذر وعبادة بن الصامت وزوجته أم حرام ، وأبو الدرداء رضي الله عن الجميع ، ولما فتحت قبرص ، وتم الصلح بكى أبو الدرداء رضي الله عنه فسأله جبير بن نفير ما يبكيك في يوم أعزّ الله فيه الإسلام وأهله فقال جبير : (فضرب منكبي بيده ، وقال : " ما أهون الخلق على الله .. ما أهون الخلق على الله .. إذا تركوا أمره بينما هي أمة ظاهرة قاهرة للناس لهم الملك إذ تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى )، وفي هذه الغزوة ماتت أم حرام بنت ملحان زوج عبادة بن الصامت الأنصارية رضي الله عنها ألقتها بغلتها فاندقت عنقها فماتت وتحققت نبوءة الرسول صلى الله عليه وسلم حيث أخبرها أنها أول من يغزو في البحر من أمة الإسلام بعد أن عزل عمرو بن العاص عن مصر ولي عليها عبدالله بن سعد بن أبي سرح سنة 27 هـ فكر عبدالله في غزو أفريقيا جنوب ليبيا .. فاستأذن عثمان فأذن له بعد أن أرسل إليه جيش من المدينة فيه أعيان الصحابة انقطعت أخبار هذا الجيش عن عاصمة الخلافة فأرسل عثمان عبدالله بن الزبير لموافاته بأخبار جنده وصل ابن الزبير إلى مواقع الجيش جنوب صحراء ليبيا فلم ترق له الخطة التي كان عليها ابن أبي سرح فاستلم القيادة وشرع في تنفيذ خطة جديدة رأى ابن الزبير قتال المسلمين كل يوم من الفجر إلى الظهر فإذا أذن الظهر عاد كل فريق إلى خيامه فقال إن أمرنا يطول مع هؤلاء بهذه الطريقة وهم في أمداد متصلة وبلاد هي لهم ونحن منقطعون عن المسلمين وعن بلادنا ورأيت أن نترك غداً جماعة صالحة من أبطال المسلمين في خيامهم متأهبين ونقاتل عند الروم في باقي العسكر إلى أن يضجروا ويملوا فإذا رجعوا إلى خيامهم ورجع المسلمون ركب من كان في الخيام من المسلمين ولم يشهدوا القتال وهم مستريحون ونقصدهم على غرة فلعل الله أن ينصرنا عليهم وهذا ما كان وحقق ابن الزبير النصر ، وأنهى المعركة في يوم واحد وقُتِل قائد الروم وعاد إلى المدينة يحمل أنباء النصر مما سبق نرى أن الروم قد أصيبوا بضربة حاسمة في أفريقيا ، وأصيبوا في سواحلهم بعد سيطرة الأسطول الإسلامي على سواحل البحر المتوسط فجمع قسطنطين بن هرقل أسطولاً بناه الروم من قبل .. فخرج بألف سفينة ليضرب المسلمين ضربة يثأر بها لخسارته المتوالية في البر فأذن عثمان بن عفان رضي الله عنه للمسلمين بالغزو في البحر فأرسل معاوية مراكب الشام بقيادة بشر بن أرطأة ، واجتمع مع عبدالله بن سعد بن أبي سرح في مراكب مصر ، وكانت كلها تحت إمرته ، ومجموعها مائتي سفينة فقط !! مقابل ألف سفينة !! سار هذا الركب وفيه أشجع المجاهدين المسلمين ممن أبلوا في الحروب السابقة بلاء حسناً لقد انتصر هؤلاء على الروم من قبل في معارك عديدة فشوكة عدوهم في أنفسهم محطمة لا يخشونهم ولا يهابونهم على الرغم من قلة عدد سفنهم إذا ما قيست بعدد سفن عدوهم خرج المسلمون إلى البحر وفي أذهانهم أنهم سيجعلون الروم يحسبون للقوة الإسلامية البحرية الفتية ألف حساب .. فوقعت معركة ذات الصواري .. والسؤال الذي لم يجد له المؤرخون جواباً موحداً هو .. أين وقعت هذه المعركة البحرية الشهيرة بالضبط !!؟ التي كانت عام 31هـ الأقرب والله أعلم أنها كانت على شواطئ الإسكندرية قال مالك بن أوس بن الحدثان أحد التابعين : ( كنت في ذات الصواري فالتقينا في البحر فنظرنا إلى مراكب ما رأينا مثلها قط !! وكانت الريح علينا .. أي لصالح مراكب الروم فأرسينا ساعةً وأرسوا قريباً منا ، وسكنت الريح عنا فقلنا للروم : ( إن أحببتم ننزل إلى الساحل فنقتتل حتى يكتب لأحدنا النصر ، وإن شئتم فالبحر ).. قال مالك بن أوس : فنخروا نخرة واحدة وقالوا : [ بل الماء .. الماء ] ) وهذا يظهر لنا ثقة الروم بقدرتهم البحرية ، وأملهم في النصر لممارستهم أحواله وفنونه فطمعوا في النصر فيه خصوصاً أنهم يعلمون حداثة عهد المسلمين به ..
بات الفريقان تلك الليلة في عرض البحر ، وموقف المسلمين موقف حرج فقال القائد المسلم لأصحابه : ( أشيروا عليّ ) فقالوا : ( انظر الليلة بنا لنرتب أمرنا ، ونختبر عدونا ) فبات المسلمون يصلون ، ويدعون الله عز وجل ويذكرونه ويتهجدون فكان لهم دوي كدوي النحل على أصوات تلاطم الأمواج بالمراكب أما الروم فباتو يضربون النواقيس في سفنهم .. أصبح القوم ، وأراد قسطنطين أن يسرع في القتال ، ولكن عبدالله بن سعد بن أبي سرح لما فرغ من صلاته إماماً بالمسلمين لصلاة الصبح استشار رجال الرأي والمشورة فاتفق معهم على خطة رائعة يمكنهم أن يجعلوا المعركة برية على الرغم من أنهم في عرض البحر فكيف تم ذلك لهم أمر عبدالله جنده أن يقتربوا من سفن أعدائهم فاقتربوا حتى لامست سفنهم سفن عدوهم فنزل الفدائيون أو رجال الضفادع البشرية في عرفنا الحاليّ إلى الماء وربطوا سفنهم بسفن الروم ربطوها بحبال قوية متينة فصار ألف ومائتي سفينة في عرض البحر كل عشرة أو عشرون متصلة مع بعضها فكأنها قطعة أرض ستجرى عليها المعركة وصف عبدالله بن سعد المسلمين على نواحي السفن يعظهم ويأمرهم بتلاوة القرآن خصوصاً سورة الأنفال لما فيها من معاني الوحدة والثبات والصبر بدأ الروم بالقتال فهم في رأيهم قد ضمنوا النصر عندما قالوا :[ بل الماء .. الماء ] وانقضوا على سفن المسلمين بدافع الأمل بالنصر مستهدفين توجيه ضربة أولى حاسمة يحطمون بها شوكة الأسطول الإسلامي فنقض الروم صفوف المسلمين المحاذية لسفنهم وصار القتال كيفما اتفق وكان قاسياً شديداً قوياً على الطرفين وسالت الدماء غزيرة فاصطبغت لها صفحة الماء فصار أحمراً وترامت الجثث في الماء وتساقطت فيه وضربت الأمواج السفن حتى ألجأتها إلى الساحل وقتل من المسلمين الكثير ، وقتل من الروم مالا يحصى حتى وصف بعض المؤرخين هذه المعركة بأنها كانت يرموكاً ثانياً على الروم حاول الروم أن يغرقوا سفينة القائد المسلم عبدالله كي يبقى جند المسلمين دون قائد فتقدمت من سفينته سفينة رومية ألقت إلى سفينة عبدالله السلاسل لكي تسحبها إليها ، ولكن علقمة بن يزيد الغطفي أنقذ السفينة والقائد وذلك بأن ألقى بنفسه على هذه السلاسل .. فقطعها بسيفه ، وصمد المسلمون رغم كل شيء وصبروا كعادتهم في معاركهم فكتب الله عز وجل لهم النصر بما صبروا ، واندحر ما تبقى من الأسطول الرومي ، وكاد الأمبراطور قسطنطين أن يقع أسيراً في أيدي المسلمين لكنه تمكن من الفرار لما رأى قواه تنهار ، وجثث جنده على سطح الماء تلقي بها الأمواج إلى الساحل ،، لقد رأى أسطوله البحري الذي تأمل منه خيراً ونصراً يغرق قطعة بعد أخرى ففر مدبراً والجراحات في جسمه ، والحسرة تأكل فؤاده يجر خيبة وفشلاً فوصل فوصل إلى جزيرة صقلية فسأله أهلها عن أمره فأخبرهم بما حصل لهم فقالوا : [ أهلكت النصرانية وأفنيت رجالها لو دخل المسلمون لم نجد من يردهم ] ثم أدخلوه الحمام وقتلوه وتركوا من كان معه في المركب .. نختم معاشر الأحبة أخبار هذه المعركة بوقفات سريعة ..

××××××××××××××××××××××××××××××××

أولاً : سميت هذه المعركة بذات الصواري لأن صواري السفن ربطت بعضها مع بعض المسلمة والرومية والصواري جمع صار وهو الخشبة المعترضة وسط السفينة .
ثانياً : كانت ذات الصواري أول معركة حاسمة في البحر خاضها المسلمون أظهر فيها الأسطول الفتي الصبر والإيمان والجلد والفكر السليم بما تفتق عنه الذهن الإسلامي خطة جعلت المعركة صعبة على أعدائهم فاستحال عليهم اختراق صفوف المسلمين بسهولة كما استخدم المسلمون خطاطيف طويلة يجرون بها صواري وشرع سفن الأعداء .. الأمر الذي أنهى بكارثة بالنسبة للروم .
ثالثاً : كانت ذات الصواري حداً فاصلاً في سياسة الروم إزاء المسلمين فأدركوا فشل خططهم في استرداد هيبتهم أو استرجاع مصر أو الشام وانطلق المسلمون في عرض هذا البحر الذي كان بحراً روميا ، وانتهى اسم بحر الروم إلى الأبد ، واستطاع المسلمون فتح قبرص وسردينيا وصقلية وجزر الباليار ، ووصلوا إلى مرسيليا .
رابعاً : كان في جند المسلمين بعض من غررت بهم أفكار وسموم عبدالله بن سبأ اليهودي ، ومع كونهم اثنين فقط لكنهم شكلوا طابوراً خامساً تنبه له المسلمون خصوصاً عندما حاولوا بذر سمومهم فقالوا : كيف يولي عثمان عبدالله بن سعد ، وفي الجند من هو أفضل منه ،
لقد تحققت فراسة عثمان به لقد أحرز نصراً وقاد الجند بحكمة ، ولا يعيب على عثمان توليته قريباً له ما دامت أهلية القيادة متوفرة فيه فلا تمنع القرابة حق القيادة لمن هو أهل لها ..
لقد أثبت فارس بني عامر بن لؤي عبدالله بن سعد أنه قائد في البر وأنه قائد في البحر .. فقد كان على ميمنة عمرو بن العاص لما فتح مصر ، وفي حروبه كلها وقد دعى في آخر حياته اللهم اجعل خاتمة عملي الصلاة فصلى الصبح رضي الله عنه ثم توفي رحمه الله رحمة واسعة .
خامساً : الإعداد الروحي قبل المعركة أو ما يسمى التوجيه المعنوي في أيامنا هذه له قيمة في تحقيق النصر حيث تتجه الروح إلى الله عز وجل بصدق فهذا المؤمن الذي بات ليلة في تهجد وذكر ودعاء .. يستمد العون من الله من عظمته ، من عزته .. بعد أن هيّأ الأسباب يلقى الأعداء بروح عالية لا يهاب الموت .
سادساً : أصبح البحر المتوسط بحراً إسلامياً وصار الأسطول الإسلامي .. سيد مياه البحر الأبيض المتوسط ، وهذه السطوة ليست للتسلط والقرصنة بل للتحرير فأينما حلوا حلّ العلم والخير ، والرفاهية والعدالة الإنسانية .
بعدها عكف المسلمون على دراسة العلوم البحرية ، وصناعة السفن ، وكيفية تسليحها ، وأسلوب القتال من فوقها وعلوم الفلك المتصلة بتسييرها في البحار ومعرفة مواقعهم عن المصورات البحرية المختلفة فعرفوا البوصلة الفلكية وطوروها إلى المدى الذي استفاد منه بعد ذلك البحارة الغربيون في اكتشافاتهم .
سابعاً : صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدداً من الأحاديث في فضل الغزو في البحر من ذلك حديث أم حرام بنت ملحان في صحيح البخاري .. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه ، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعمته وجعلت تفلي رأسه فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ وهو يضحك قالت : فقلت : وما يضحكك يا رسول الله قال : ( ناس من أمتي عرضوا عليّ غزاة في سبيل الله يركبون سبج هذا البحر مثل الملوك على الأسرة ) قالت : فقلت يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم .. فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ثم وضع رأسه ثم استيقظ وهو يضحك قالت : فقلت : وما يضحكك يا رسول الله قال : (ناس من أمتي عرضوا عليّ غزاة في سبيل الله ... ) كما قال في الأول قالت : فقلت يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم .. قال : ( أنتِ من الأولين ) فركبت البحر في زمان معاوية بن أبي سفيان فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر .. فهلكت ..
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا ) ثم قال : (أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم ) رواه البخاري ..
وعن يعلى ابن شداد عن أم حرام عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( المائد في البحر الذي يصيبه القيء له أجر شهيد ، والغرِقُ له أجر شهيدين ) رواه أبو داود وهو حديث صحيح ..
وقال صلى الله عليه وسلم : ( غزوة في البحر خير من عشر غزوات في البر ومن أجاز البحر فكأنما أجاز الأودية كلها و المائد فيه كالمتشحط في دمه ) صححه الإمام الألباني رحمه الله تعالى في صحيح الجامع ..
والحمد لله أولاً و آخراً وظاهراً وباطناً وأصلي وأسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ..



أخوكم / آســــــــــر
تلميذ الحياة ،،

حقوق النسخ غير محفوظة .. ولكن دعواتكم لمن ساهم في إخراج هذا العمل ..
__________________
×××××××××

هـــذا التــوقـيــــع :::: إهـــداء مـن أســتـــاذنـــا ( الرزيـــن ) وفـــقــــه الله ::::


آسر غير متصل  


قديم(ـة) 11-08-2006, 06:38 AM   #2
عطش الرمال
عـضـو
 
صورة عطش الرمال الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Feb 2002
البلد: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,223

السلام عليكم
مشكووووووووووور أخي آسر
جهد جبار من شخص كبير بمقامك
أنت
تم حفظه كمرجع




تحياتو
مسترعطوووووووووووووووش = أبوبريدة =
__________________
هذا التوقيع لي ولمن يريده من أعضاء المنتدى


أنتا يبقى قرقر مع أنا
atsh_alremal@hotmail.com
مافي قرقر كتير نفر
عطش الرمال غير متصل  
قديم(ـة) 11-08-2006, 09:12 AM   #3
S n a k e
عـضـو
 
صورة S n a k e الرمزية
 
تاريخ التسجيل: May 2004
البلد: ! The Island Of Ducks
المشاركات: 3,837

قرأتها كاملة واحتفظت بنسخة كذلك ..

معركة عجيبة ..

انتصار المسلمين مرهون بتوكلهم على الله والدعاء وفعل السبب ..

اللهم إنصر إخواننا المجاهدين يا رب العالمين

شكراً يا تلميذ الحياة
S n a k e غير متصل  
قديم(ـة) 11-08-2006, 09:34 AM   #4
عابق الذكرى
عـضـو
 
صورة عابق الذكرى الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
البلد: حبيبتي (بريده)
المشاركات: 2,621
جزاك الله خيرا ً أخي
وكثر من أمثالك

أذكر الله

دمت بخير
__________________
عابق الذكرى غير متصل  
قديم(ـة) 11-08-2006, 11:56 AM   #5
آسر
عـضـو
 
صورة آسر الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2003
المشاركات: 1,739


الأخ ( عطش الرمال )


الشكر موصول لك .. لا تنسى دعوة لأخيك بظهر الغيب .. فما علمت اليوم أحد أحوج منه للدعوة ..



==============×××××××××××××××××==================



الأخ ( S n a k e ) ..

مرور مشكور ..

أحيي فيك هذه العزيمة ..

ولو تمعنّا في كلام عمر لما تأخر فتح الحصن .. لعلمنا حق العلم مقدار تخلينا عن الصدق ..

إذ أنه قال لعمرو بن العاص في رسالته ( لقد أرسلت إليك أربعة رجال الواحد منهم مقالم الألف ... إلى أن قال إلا إن كان غيرهم ما غيرهم [من حبّ الدنيا ] )
فالله المستعان ..


==============×××××××××××××××××==================

الأخ ( الغشيم ) ..

شكراً لك على مرورك ..

أظل لك نعم الخليل المحب ..

==============×××××××××××××××××==================

والشكر للجميع لو لم يسجل رده ..


أخوكم / آســــــــر
تلميذ الحياة ،،
__________________
×××××××××

هـــذا التــوقـيــــع :::: إهـــداء مـن أســتـــاذنـــا ( الرزيـــن ) وفـــقــــه الله ::::


آسر غير متصل  
قديم(ـة) 11-08-2006, 06:53 PM   #6
سميّة بنت خياط
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2005
المشاركات: 237


حمداً لله على السلامة أيها الشاعر المُقِل هنا ...


الموضوع طويل ويحتاج إلى حفظ أو طباعة ليتم قراءته مع كأس من الشاي الأخضر لأستمتع بالفائدة ...


شكراً لك !
__________________

المرءُ بأصغريه ...قلبهِ ...ولسانه ...!
سميّة بنت خياط غير متصل  
قديم(ـة) 11-08-2006, 11:25 PM   #7
أبوفارس الخالدي
عـضـو
 
صورة أبوفارس الخالدي الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Feb 2005
البلد: واحة النجوم
المشاركات: 3,304
ما شاء الله
لله روحك الأبية
مقال روعته تكمن شيئين
1- فيه نتذكر أيام المجد
2- وكاتبه الآسر آسر
شكرا لك ألف ألف حبيبي
ونفع بما كتبت ومن ساعدك
في إخراجه (ول تبي تسويها دراما )
كل الود لك ومن أعانك
__________________
(يابني أركب معنا ) ..


لم أعد أكتب بمعرف [ أبوفارس الخالدي ]
وذلك لوجود من انتحل هذا الاسم في منتديات كثيرة وهو ليس لي
مع فائق الود والتحية .
أبوفارس الخالدي غير متصل  
قديم(ـة) 12-08-2006, 02:57 PM   #8
آسر
عـضـو
 
صورة آسر الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2003
المشاركات: 1,739






إلى ( سميّة بنت خياط وَ أبوفارس الخالدي ) ..



أقدر لكما عظيم مساندتكما لي ..



الشكر موصول لكما .. ولمن مرّ وقرأ ..






لكم وافر التقدير ..

آســـــــــر
تلميذ الحياة
__________________
×××××××××

هـــذا التــوقـيــــع :::: إهـــداء مـن أســتـــاذنـــا ( الرزيـــن ) وفـــقــــه الله ::::


آسر غير متصل  
موضوع مغلق

الإشارات المرجعية

أدوات الموضوع
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 06:36 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)