[مقارف]

عبارتان كنت أضعهما كلوحة على جبيني في الجامعة هما : ( خل العيب منهم ولا منك ) وأخرى ( مش حالك عشان تعدي ) , لقد كانتا كالراحلة في العهد القديم , وكالسيارة في العهد المعاصر , بهما أسير حثيث الخطوات , و لا ألوي على شيء بعدهما , فكلما هاجت الأحزان في قلبي تمثلت بهما , وكلما لقيت من الجامعة ومن فيها من العناء والعنت ؛ أزلت اللوحة عن الجبين لستعرضها عيناي متأملة ما كتبت فيها .


عزيزي الطالب ؛ لقد كنت كمن يواصل الليل بالنهار رعبًا ورهبًا من المستقبل المجهول , كنت أقول : وماذا لو لم أتعين ؟ وماذا لو لم أكن في الطريق الصحيحة ؟ وماذا لو لم أكن في التخصص الذي أجد نفسي لها فيه موضعًا ؟ أتراني أمرر على هذه الجامعة كمن مرَّ عليها مرور الكرام ؟ بدأها شابًا غضًا ولـمَّا ينعتق من رواسب الثانوية العالقة بفكره بل وجسده . . . كنت أقول حتى ذهبت بي الأقوال كل مذهب .


أخي الطالب ؛ مناك أن تجمع بين التعلُّم والوظيفة , فلا تجعل أحدًا يعيب عليك إن تذمرت من شبح عدم التعيـين , كلانا كان يفكر بذات الشعور , وكلانا يروم رزقًا كما يطلبه التاجر بل الراعي في غنمه , فلو كان الفقر رجلاً لقتلته كما قيل , وما كان طلب الرزق الحلال بمعاب في حين من الأحايين , بل لطالبه الأجر , أرأيت إن طلبه في الحرام ؟ أليس عليه إثم من فعله ؟ كذلك حين يكون المرء باحثًا عن الحلال كما النكاح الحلال .


صديقي العزيز ؛ إياك ثم إياك أن تجعل من المعوقات والحواجز والمتاريس حججًا في تقصيرك , أو رسوبك , أو طي قيدك , فلو علمت ما كان لطلاب العلم الأسلاف لعددت تلك المنغصات حبة رمل من كثبان منغصاتهم , نعم ؛ إنهم يجوبون القفار , والصحاري اليباب , ويتحملون المشاق وقلة اليد , فكان جلُّ همهم أن ينقلوا علمًا درسوه , وفقهًا اجتهدوا به , فلا تعتقد أن طلب العلم يؤخذ بالتململ , أو التهاون والكسل , وإنما بالاهتمام , وهل شيء أنت مطالب به أكثر من الاهتمام ؟ !


أيها الغالي ؛ لست بقليل الذكاء وإن كان هناك فروقًا فردية , وإنما ذكاؤك حريٌ بأن تستعمله كما استعملته في المرحلة الثانوية , فتنشط كما لو أنك لم تنشط للمذاكرة من قبل , فتزيد الجرعات جرعات تفوق السابقات , وتحرص كما حرص محب المال في جمعه , تراه يزداد في الجمع , ويحرص على إنمائه , فلو كان له جبل منه لابتغى ثانيًا .


رعاك الله أخي الطالب , فستأتي عليك أيام تعد أيام الجامعة من الأيام الخوالي , فاحرص أن تكون أيامًا قد حرصت على ما ينفعك فيها , فلعك تكون معيدًا في ذات القسم , ثم لا تلبث كثيرًا حتى تكون ممن يحملون الدارسات العليا , وتذكَّر أني لو كنت فيها لكنت شفيعك .

[الــنــهــيــم]

ما تقصر يا غالي ،!
مقال جميل ورائع ، وحروف سلسلة سهله ، ماتعة شائقة رائعة !
دامت أناملك سالمة يا مُقارف الخيرات .. !

[أبو هشام]

شكراً على كلماتك النيرة وحروفك الوضائة
أدام الله أناملك

عزيزي لكـ وافر تحياتي