بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » *ـ*ـ*ـ*ـ*ـ( يــومـــيـــات مــومـــيــــاء )ـ*ـ*ـ*ـ*ـ*

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 14-09-2007, 06:47 PM   #1
خوي السرور
عـضـو
 
صورة خوي السرور الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2005
البلد: بريدة ـ الاسكان 4 شرق مسجد كعب الإحبار <<< ييزي ؟
المشاركات: 8,848
*ـ*ـ*ـ*ـ*ـ( يــومـــيـــات مــومـــيــــاء )ـ*ـ*ـ*ـ*ـ*

يوميات مومياء / ترجمة عاصم السعيدي

قبل أن ابدأ أو أن أشير إلى أن هذا الموضوع منقول مع بعض التصرف ..

لنقرأ ونرى ..


السرد يحكي عن الأيام الأخيرة لشخص انتحر جوعًا .. بكل التفاصيل المحزنة التي وجدت مدونة في

كتيب بقرب هذه المومياء .


مـــســــاهـيـــكو شـــمادا !
__________________
في بريدة ستي .. كانت لنا أيام :

http://www.buraydahcity.net/vb/showthread.php?t=262111

( قلب حب 1 )
خوي السرور غير متصل  


قديم(ـة) 14-09-2007, 06:47 PM   #2
خوي السرور
عـضـو
 
صورة خوي السرور الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2005
البلد: بريدة ـ الاسكان 4 شرق مسجد كعب الإحبار <<< ييزي ؟
المشاركات: 8,848
اليوم الأخير من يناير من العام 1999 عند الساعة الثانية بعد الظهر .

كان أحد عمال تعليب اللحوم خارجًا لاصطياد الأرانب في الجانب الثلجي الرطب من كوشايرو بمدينة

هوكايو , توغل أكثر من المعتاد ليصل إلى ما يشبه الكوخ البلاستيكي المتهالك .

قرر تناول وجبة الغداء حيث رأى أنه البقعة الأمثل ونادى مترددًا وهو يقحم رأسه للداخل :

هل من أحد هنا ؟

ليفاجأ بنزيل غير متوقع ( مومياء ممددة على أريكة , مغطاة بالقش , خدرها البرد ودثرها الصقيع ولم

يظهر منها إلا القديد وحذاء جلدي معتم .

وعينان غائرتان في محجر , بالإضافة إلى لحية كثة وشريط من

العفن الأبيض على الشفة السفلى وجوف متكهف تمامًا )

الجثة قاومت التحلل وبوضوح نتلمس أنها حفظت بعملية تجفيف متقنة حيث فقدت كثير من وزنها قبل

الموت .

أشياء صغيرة تناثرت حول أريكة القش : قلامة أظافر , بليطة , أعقاب , شموع , وعاء بلاستيكي ,

مغسلة ملئت برماد أوراق محروقة , حقيبة , بعض الملابس , ومذياع !



ما الذي كان يحدث هنا ؟؟
__________________
في بريدة ستي .. كانت لنا أيام :

http://www.buraydahcity.net/vb/showthread.php?t=262111

( قلب حب 1 )
خوي السرور غير متصل  
قديم(ـة) 14-09-2007, 06:48 PM   #3
خوي السرور
عـضـو
 
صورة خوي السرور الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2005
البلد: بريدة ـ الاسكان 4 شرق مسجد كعب الإحبار <<< ييزي ؟
المشاركات: 8,848
بين ساقي المومياء , حشر دفتر صغير , لقد تصدقت المومياء بتفسير متكامل لكيفية موتها .. وقد حاول الكاتب أن يكون مخلصًا لمعارج الموت وأغواره .

كان الموت انتحاراً بالتجويع , هذا ما جاء في يوميات المومياء وهذا ما أكده خبراء الطب الشرعي

وكذلك المحققون الذين عاينوا الجسد على أن دوافع الموت بقيت غامضة .

قدر عمر الفقيد بأربعين عاماً , طوله 173 سم , ووزنه 35 كغ , وقد توفي منذ مائة يوم أو أكثر ولا

علامات تدل على اسمه أو وظيفته أو شكله قبل الموت وقد فشلت كل المحاولات لمعرفة أي شيء .

ولم يفتقده أو يبحث عنه أي شخص !!

نسيه العالم ولم يبق منه إلا هيكل عظمي متقدد وفصيلة دمه وبصماته وخط يده .. كان هو على يقين أن

لا أحد سيفتقده أو يفقده ... فلا رسالة لأم أو لحبيبة أو لصديق !!

هذه يومياته كاملة ...
__________________
في بريدة ستي .. كانت لنا أيام :

http://www.buraydahcity.net/vb/showthread.php?t=262111

( قلب حب 1 )
خوي السرور غير متصل  
قديم(ـة) 14-09-2007, 06:48 PM   #4
خوي السرور
عـضـو
 
صورة خوي السرور الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2005
البلد: بريدة ـ الاسكان 4 شرق مسجد كعب الإحبار <<< ييزي ؟
المشاركات: 8,848
اليوم الأول ... السابع من أغسطس 1998

تخليت عن الطعام ..

آخر ما تناولته كان لقيمات من السوشي في أحد مطاعم المدينة . رغم أنها كانت وجبتي الأخيرة لكنني

لم أستطع تناول أكثر مما اعتدت عليه , كانت وجبة رخيصة وبالتالي بقي لدي مبلغ جيد من المال .

كل ما سأحتاجه للموت كان في حقيبتي , ولكنني فكرت أن أتوقف في أحد المحلات لشراء أشياء ربما

دعت الحاجة إليها لاحقًا , قمع , شريط صمغي , كولونيا , مقلمة أظافر , قطن , محارم مبللة , مسكن

آلام , دواء للمعدة , مغسلة صغيرة , أكياس بلاستيكية وأغراض أخرى .

بدا لي أن ذلك كل شئ . فبعثرت بقية النقود في لعبة " الكرة والدبابيس "

هنا وفي هذه البقعة الندية من كوشايرو , سأقوم بتنفيذ خطتي دون أن يقاطعني أحد , ما من شيءبعينه

يربطني بكوشايرو أو هوكايدو , كل ما في الأمر أنني قدمت إليها عندما كنت طالبًا وفكرت يومها بأنه

المكان المناسب والملائم للموت .

بعد مسيرة ساعة من الجادة الدائرية , قررت أن أنصب كوخي هنا في هذه البقعة المستترة , كل ما

أحتاج إليه هو مأوى صغير لأتمم فيه ما جئت من أجله .

جذعت بعض الفروع الغليظة وشابكتها بين أربع شجيرات , ثم غطيتها بثلاث طبقات من البلاستيك .

الشكل الأولي كان جاهزًا مع حلول الغسق , فجمعت بعد ذلك على عجل شيئًا من القش وأعواد القصب

وفرشتها على الأرض .

هاجمتني جحافل بعوض عطشى , فأشعلت نارًا لأطردها بالدخان , وعلقت الرائحة في ملابسي .
__________________
في بريدة ستي .. كانت لنا أيام :

http://www.buraydahcity.net/vb/showthread.php?t=262111

( قلب حب 1 )
خوي السرور غير متصل  
قديم(ـة) 14-09-2007, 06:49 PM   #5
خوي السرور
عـضـو
 
صورة خوي السرور الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2005
البلد: بريدة ـ الاسكان 4 شرق مسجد كعب الإحبار <<< ييزي ؟
المشاركات: 8,848
اليوم الثاني ... الثامن من أغسطس

لا أعراض خارج المألوف , الأرض منقبضة وخشنة , لا تغطيها سوى طبقة واحدة من القش . بنيت

لنفسي سريرًا ببعض الفروع والأغصان , ومن على السرير ركبت رفًا يكون في متناول اليد لأضع عليه

كتبي وأشيائي الصغيرة .

في المساء كنت أتحرق لشئ من الطعام , شربت ماء كثيرًا .. ليتني أستطيع تناول قطعة حلوى .


اليوم الثالث ... التاسع من أغسطس

استمعت لمعزوفة باخ , فأخذ جوعي يتلاشى مع النغمات ..

في المساء .. تحركت أمعائي .. وقضيت حاجتي وكأنها المرة الأخيرة : غسيل القولون كما يسمونه !!
__________________
في بريدة ستي .. كانت لنا أيام :

http://www.buraydahcity.net/vb/showthread.php?t=262111

( قلب حب 1 )
خوي السرور غير متصل  
قديم(ـة) 14-09-2007, 06:50 PM   #6
خوي السرور
عـضـو
 
صورة خوي السرور الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2005
البلد: بريدة ـ الاسكان 4 شرق مسجد كعب الإحبار <<< ييزي ؟
المشاركات: 8,848
اليوم الرابع .. العاشر من أغسطس


لا أشعر بالجوع مطلقًا , يقولون بأن الإنسان يستطيع البقاء لأسبوع دون ماء , ولشهر بماء .

لكن الأشياء ستكون أكثر صعوبة بلا ماء , لذا جلبت معي لترًا من المياه المعدنية , لكنني لكزته بحادث عرضي فانسكب الماء على الأرض .


اليوم الخامس .. الحادي عشر من أغسطس

تمطر السماء منذ الصباح , ببعض الأماليد المنحنية أبقيت الأكياس البلاستيكية مفتوحة , وجمعت المياه المنهمرة من السماء .

عندما تمطر , تكون الأصوات من حولي وكأنني أعيش في برميل .. ولا أستطيع الاستماع للمذياع .

سأضع المزيد من القش عندما يتوقف المطر وسأقرأ طوال النهار !



اليوم السادس .. الثاني عشر من أغسطس

أمعائي تتحرك مجددًا , لابد أن معدتي قد فرغت تمامًا ...


اليوم السابع .. الثالث عشر من أغسطس

هاجمني صداع وانقباض معوي , حاولت الالتهاء بالاستماع للراديو ولموزارات حتى غفيت .

رأيت في منامي عدد من النسوة الجميلات يتحلقن حولي , وأنا بينهن أدق الأرض بعصاي , عندما

استيقظت كنت قد تبللت وبدأت أشعر بثقل جسمي مباشرة .
__________________
في بريدة ستي .. كانت لنا أيام :

http://www.buraydahcity.net/vb/showthread.php?t=262111

( قلب حب 1 )
خوي السرور غير متصل  
قديم(ـة) 14-09-2007, 06:51 PM   #7
خوي السرور
عـضـو
 
صورة خوي السرور الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2005
البلد: بريدة ـ الاسكان 4 شرق مسجد كعب الإحبار <<< ييزي ؟
المشاركات: 8,848
اليوم الثامن .. الرابع عشر من أغسطس

الوقت يمضي مملاً وثقيلاً .. أطيل النظر إلى ساعتي , فتبدو الثواني كالساعات .. أما من آلة غير هذه لحساب الزمن ؟

أريد أن أحمله وأعدو به للأمام .


اليوم التاسع .. الخامس عشر من أغسطس

أصبحت أستمع للموسيقا الكلاسيكية المنبعثة من الإذاعة من الساعة الثانية وحتى الرابعة بعد الظهر , تطل صوت مذيعة كأنه رنين الأجراس !

الإنسان الوحيد الذي يشغلني هو نفسي التي أحادثها كثيرًا .

أصبحت أنام لفترات طويلة , وعندما أستيقظ , أعاني من الدوار والغثيان . أتبول أكثر من المعتاد , مرهقة رحلة الخروج للتبول هذه .

هذا الكوخ أصبح كبيوت الأشباح , ليت أحدهم يأتي لينقذني !!


اليوم العاشر ... السادس عشر من أغسطس


السماء تمطر ثانية .. أستطيع الشرب , ربما لم يحن وقت الموت , أستطيع شرب مياه المطر الندية .

صوت المطر لا يتوقف , عندما أغمض عيني أسمعه كوقع الأقدام , لا ليست خطوات رسول الموت , ولكن متى أبدأ الانتقال للعالم الأخروي , لا يهمني من القادم , المهم أن يحادثني !


اليوم الحادي عشر .. السابع عشر من أغسطس

ثلاثة أصدقاء من احدى المدارس الثانوية بطوكيو انتحروا غرقًا , والدوافع خفية , هكذا تحدث المذيع قبل أن يعطي الفرصة لمن يعرفهم ليتحدث عنهم .
__________________
في بريدة ستي .. كانت لنا أيام :

http://www.buraydahcity.net/vb/showthread.php?t=262111

( قلب حب 1 )
خوي السرور غير متصل  
قديم(ـة) 14-09-2007, 06:52 PM   #8
خوي السرور
عـضـو
 
صورة خوي السرور الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2005
البلد: بريدة ـ الاسكان 4 شرق مسجد كعب الإحبار <<< ييزي ؟
المشاركات: 8,848
اليوم الثاني عشر ... الثامن عشر من أغسطس

دم يخرج من البول , ولكن ذهني صافي وجسدي بليد .. بدأت أقضي المزيد من الوقت ممددًا .. منحت

المذياع قسطًا من الراحة , ثم تناولت كتاب " احتضار مالون " .

أشعر بالانتماء لهذا الكتاب .. كتاب كهذا لا يمكن احتواءه إلا بالصوم .


اليوم الثالث عشر .. التاسع عشر من أغسطس

فقدت الكثير من وزني , وجهي يبدو كوجوه الأموات , يتحسن شكله قليلاً عندما أحلق .


اليوم الرابع عشر ... العشرون من أغسطس

هبت عاصفة .. شعرت كأن كوخي يقتلع من مكانه بفعل الريح والمطر ..

بعد الظهر هدأت العاصفة قليلاً , فخرجت لجمع بعض الأغصان أدعم بها كوخي ..

كانت عملية قاسية .. فقد بدأ جسدي يتمرد علي ويعصي أوامري .. إنه يتشبث بالحياة !!
__________________
في بريدة ستي .. كانت لنا أيام :

http://www.buraydahcity.net/vb/showthread.php?t=262111

( قلب حب 1 )
خوي السرور غير متصل  
قديم(ـة) 14-09-2007, 06:53 PM   #9
خوي السرور
عـضـو
 
صورة خوي السرور الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2005
البلد: بريدة ـ الاسكان 4 شرق مسجد كعب الإحبار <<< ييزي ؟
المشاركات: 8,848
اليوم الخامس عشر .. الحادي والعشرون من أغسطس

أمضيت خمسة عشرة ساعة وأنا نائم , حلمت بأني ألعق عجينة باستا .. عندما أدرت المذياع , كان يبث مباراة في البسبول ...

شربت شيئًا من مياه الأمطار المحملة برائحة الغابات ..

جسمي يؤلمني بالكامل , وكأن لحمي ينبري من الداخل .. ألم لا يحتمل !!


اليوم السادس عشر ... الثاني والعشرون من أغسطس

العاصفة من جديد .. والرعد أسمع صداه في جوانب رأسي .. ليت الصواعق تضرب هذا الكوخ !!

في الليل , قررت الاستماع للإذاعة لأنني أفقد الإحساس بالمكان عندما أبقى ممددا هكذا , لو أمكنني

التجاوب مع كل كلمة تخرج من المذياع فلن أفقد نفسي , ولعبرت الزمن بشكل أسرع .

على كل حال .. أضع أصبعي بشكل دائم على مفتاح التشغيل متحفزًا لاغلاقه ما أن يداهمني النوم .


اليوم السابع عشر .. الثالث والعشرون من أغسطس

بدأت أعمل تفكيري .. هؤلاء الناس ما يريدون من الدنيا وحطامها ؟!

أشعر أني كلما اقتربت من العالم الآخر .. أستمع إلى البث القادم من الأرض !!

الصوم معسكر شاق ,, المزيد من الدم يخرج مع البول . مع حلول الليل شعرت بوخز حاد في معدتي ,

تكورت على نفسي صاكًا بطني على ركبتي . حاولت سماع احدى أغاني إنكا الشهيرة ولكن ذلك جعل الحال أسوأ .


اليوم الثامن عشر ... الرابع والعشرون من أغسطس

اختفت اللحوم تماما عن جنبي وظهري , أبدو كالعظام المغسولة بمسحوق مبيض .. ووجهي اختفت

ملامحه ولكن عيني تبرقان .. لو رآني أحدهم لامتلأ رعبًا وفزعا .. وولى هاربًا !!

لم أعد أشعر برغبة في الأكل , وكأن الأعصاب المسؤولة عن نقل الاحساس بالجوع قد تلفت وتعطلت ,

عندما يذهب الجوع إلى مداه , تتحول فكرة الطعام إلى ألم في المعدة , ربما مت صعقًا الآن لو التهمت

طبق نودلز أو أرزا بالمرق .. لأن أمعائي بعد اليوم ستلفظ الطعام .. أي طعام كما تلفظ الجراثيم أو الأجسام الغريبة .

كانت الليلة جميلة ومقمرة .. كم وددت لو أقضي في مثل هذه الليلة , ولكني أفضل أن أموت في وضح

النهار والشمس في كبد السماء .. يرعبني الموت في الظلام .
__________________
في بريدة ستي .. كانت لنا أيام :

http://www.buraydahcity.net/vb/showthread.php?t=262111

( قلب حب 1 )
خوي السرور غير متصل  
قديم(ـة) 14-09-2007, 06:55 PM   #10
خوي السرور
عـضـو
 
صورة خوي السرور الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2005
البلد: بريدة ـ الاسكان 4 شرق مسجد كعب الإحبار <<< ييزي ؟
المشاركات: 8,848
اليوم التاسع عشر ... الخامس والعشرون من أغسطس

مغص وصداع طوال اليوم ، زائر استثنائي بعد الظهيرة .. أم أربعة وأربعين تزحف على سريري .. لا

رغبة لي بالتهامها، تذكرتُ قصة ذلك الطفل الذي حبسه والداه في حجرة ضيقة ولم يطعماه فأكل

الحشرات ، وفأرا حاول أن يقضم أذنه .. أولئك الذين يعتدون على الأطفال ويعاملونهم بقسوة ينبغي أن

يُحكم عليهم بالصوم لفتراتٍ طويلة .



اليوم العشرون .. السادس والعشرون من أغسطس
غرقتُ لوهلة في عرق زيتي بعد أن استيقظتُ من النوم ، شعرتُ برغبة في التقيؤ بالرغم من خواء

معدتي .

عند الظهيرة رجعت لي آلام المعدة التي اعتدتُ عليها .. ما زلتُ أستطيع العودة لو تتبعتُ خطاي التي

أوصلتني إلى هنا لتمكنتُ من الرجوع إلى الحياة ، ولكن الأمطار محت الآثار .

لعلي أصادف أحدًا لو مشيت ساعة من هنا ، لن أشعر بالخجل لستُ من أولئك المطلوبين من الأمن أو

المطاردين من الياكوزي ، ولن يسيئني أن يكون اسمي على الألسن أو على قوائم المفقودين ، فقط

سأقول لهم الصوم ليس جريمة ..

وسيعود وزني كما كان خمسًا وستين كغ التي فقدتُ أكثرها الآن ، ولكن لا .. هيهات لن أعود لأعيش

كما كنتُ أعيشُ سابقًا .. لا أحب الحياة الفانية التي لا تأثر ولا تأثير ، أنا متلهفٌ للعالم الآخر .. لا شيء

يربطني بهذه الحياة ، أريدُ أن أصوم لأصل إلى هناك فلربما استطعت أن أتعقب ضالة حياتي بالطريقة

التي اصطفيتها.. تمامًا كطقوس ( السوبوكو ) في عالم الساموراي ، عندما كان الواحد منهم يبقر بطنه

بصورة احتفالية كي لا يكون نسيًا منسيّا .

إن لم نستطع أن نكون سوى حجر عثرة في طريق الآخرين فلم لا نمجّد أنفسنا في لحظاتنا الأخيرة ..

أولئك هم المخدوعين .. السذّج ، أولئك هم الذين ضلّوا السبيل فهم لم يجدوا متسعا في حياتهم ليعبروا

عما يختلج في ذواتهم ، فلنمنحهم الاحترام ولو لوهلة قبل الموت ، هذا ما تقوم عليه طقوس السوبوكو

الفعل الذي يذهب بجميع مهانات العالم .. لو بقر الروائي ميشيما يوكيو بطنه بتلك الطريقة كان نصفه

يحاكي طقوس السامراي والنصف الآخر يسخر من المجتمع الياباني ، لذا آثرتُ الموت بالصيام .

بدأت الشكوك تراودني منذ عشرين يومًا وأنا صائم ولم أمت ولكنني نصف ميت تداهمه الآلام كل وقت ..

يبدو أنني سأقضي ليلة رذاذية .



اليوم الحادي والعشرون .. السابع والعشرون من أغسطس

بالأمس كتبت وصيتي , ولم يعد لدي ما أكتبه .. آلام معدتي بلغت ذراها .

سرير القشّ الذي أنام عليه مبلّل بالكامل ،أخرجته إلى الشمس ليجفّ أقل حركة أقوم بها تزيد من

صعوبة تنفسي .. والخفقان يزداد سوءاً . مسحت جسدي بمنشفة مبللة ، جسدي لم يعد يفرز أي عرق

أو زيت . يبدو أن جسدي توقف عن التأيض ، وعن جميع العمليات البيولوجية التي كانت تؤمن له

الحياة.

لطالما تساءلت ماذا لو عثر علي أحدهم قبل أن يأتيني الموت؟

هل سأتنازل عن صيامي ، أم أطالبه بالرحيل عني ؟

في الليل تصلني أصوات الحشرات الليلية : لستَ وحيدًا !!
__________________
في بريدة ستي .. كانت لنا أيام :

http://www.buraydahcity.net/vb/showthread.php?t=262111

( قلب حب 1 )

آخر من قام بالتعديل خوي السرور; بتاريخ 14-09-2007 الساعة 06:58 PM.
خوي السرور غير متصل  
قديم(ـة) 14-09-2007, 07:00 PM   #11
خوي السرور
عـضـو
 
صورة خوي السرور الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2005
البلد: بريدة ـ الاسكان 4 شرق مسجد كعب الإحبار <<< ييزي ؟
المشاركات: 8,848
اليوم الثاني والعشرون ... الثامن والعشرون من أغسطس

بطني منتفخة كأولئك الأطفال الإثيوبيين اللاجئين الذين شاهدتهم ذات زمن على الشاشة .

لماذا كل هذا الألم في أحشائي ؟ ألم شديد .. كل هذا الألم فقط لأني لم أتناول أي شئ ؟!

العذاب الأكبر لو عاودتني تلك الأحلام بالطعام .. في أحد الأحلام رأيت أني أسرق الطعام من أحدهم , منذ ذلك الحين والآلام تلازمني .. فالتفكير في الطعام يحرك

أمعائي ويجلب الألم .



اليوم الثالث والعشرون .. التاسع والعشرون من أغسطس

لم أعد أتحمل المزيد من الألم ..

تناولت مسكنًا ودواءً للمعدة , من السخف تناول الدواء عند الموت .

في المساء نظفت أذني .


اليوم الرابع والعشرون ... الثلاثون من أغسطس

أتجرع الماء ولا أكاد أستسيغه , كأن رزمة من الأشواك تنجر من من حلقي إلى أحشائي .

بالرغم أنه فصل الصيف , إلا أنني أرتجف من البرد .. أمضيت وقتي في القراءة عن " الجحيم " وعذاب الإله .

وانا أقرأ كتاب " الجحيم " كنت أفكر في من سيكون أول من سيتلقاني بعد الموت .. قرأت كثيرًا حتى

سئمت القراءة , فأدرت المذياع ليضيئني صوت أنثوي يقول :

" سيدي هل قضيت يومًا جميلاً مرة أخرى ؟"

آآآآه لو تستقبلني إمرأة كهذه في العالم الآخر !


اليوم الخامس والعشرون ... الحادي والثلاثون من أغسطس

الأشياء تبدو أسهل مما كانت عليه بالأمس , تسوكت وحلقت , ثم بدأت السماء تمطر , كنت مبتهجًا ,

خلعت ثيابي وخرجت من الكوخ لأغسل شعري وجسدي .

كنت موقنًا أن البشر يفضلون أن أترك لهم جثة نظيفة !!
__________________
في بريدة ستي .. كانت لنا أيام :

http://www.buraydahcity.net/vb/showthread.php?t=262111

( قلب حب 1 )
خوي السرور غير متصل  
قديم(ـة) 14-09-2007, 07:01 PM   #12
خوي السرور
عـضـو
 
صورة خوي السرور الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2005
البلد: بريدة ـ الاسكان 4 شرق مسجد كعب الإحبار <<< ييزي ؟
المشاركات: 8,848
اليوم السادس والعشرون ... الأول من سبتمبر

ساقاي وذراعاي ضمرا بشكل مرعب .. وجهي تقلص كثيرًا , لدرجة أنه من الممكن احتواءه براحة

الكف .. لم يبق من جسدي إلا تجاويف وكهوف .. وغطاء جلدي على هيكلي العظمي .. أكاد لا أعرف

نفسي , وزني انخفض إلى قرابة النصف ومع ذلك أشعر أن جسمي ثقيل لا أكاد أحمله .

مع آلام المعدة والصداع اللذين عانيت منهما , بدأت أشعر بالخدر في أطرافي , وعيني على وشك

الانطفاء مما صعب عملية القراءة .

بدأت خطوط الحياة في باطن طفي تتثلم بشكل أفقي .. هل هو بشير الموت ؟

أنا أرحب بالموت ولكن جسدي يرغب بالحياة , وهو يتشبث جاهداً بها !



اليوم السابع والعشرون .. الثاني من سبتمبر

لسعتني بعوضة في عنقي .. اي شقاء قادها لجسمي ؟ أشعر بوخز اللسعة .. اتحسسها وأتمتم :

" اللهم احفظها " .. يبدو أن قلبي أصبح رقيقًا .



اليوم الثامن والعشرون .. الثالث من سبتمبر

بدا وكأنه حادث عرضي ليلة البارحة حين نمت دون أن أطفئ المذياع . داهمتني سلسلة أحلام , في

البدء رأيت، فيما يرى النائم، مخدع معلقين في إحدى مباريات محترفي البيسبول, و المدرب ناكاشيما

كان يثرثر بشكل فاتن : ( يا للروعة، أرتالٌ من البشر على أبواب الجحيم. هناك من يبيع النقانق

والكولا. ولكن لو ابتعت منها ستواجهك المتاعب لاحقاً. تحتاج روحاً جائعة لليوم الآخر. أنا أيضاً تُركت

طويلا في مثل هذه الأرتال بعد انتحاري. والآن أصبحت معلِقاً في هذا المخدع الأخروي... ولكن... كيف

أستطيع أن أقول هذا...الموت يسلب الشجاعة أيضاً.... أليس كذلك؟ ) .

كانت كلماته مبهجة ومعزية.

رأيت كذلك قطاراً أحمراً , فاقع اللون ينسج طريقه في حديقة يزدهر فيها أقزام تحولوا إلى خضروات.

ثمار الموز تتناثر من نوافذ القطار.

و في حلم آخر كان جسدي يتمدد ويتثنى ويتلوى إلى أن يتحول أخيرا إلى معكرونة طُهيت على عجل.

عقلي هو الجزء الوحيد الفاعل هنا.


اليوم التاسع والعشرون: الرابع من سبتمبر:

أشعر بالبرد. أمضيت النهار متدثراً. الدم لا يصل إلى أطرافي.

قد أصل الجادة المستديرة لو مشيت بعض الوقت ,أعلم أن هذه فرصتي الأخيرة للحصول على

المساعدة، وبالرغم من ذلك لم أحرك ساكنا ولم أنثن عن عزيمتي. فكرت بأنني أكره الموت على

الطريق , شعرت بارتياح عندما فكرت بأن السبيل الوحيد لي هو الموت. أستطيع التمدد هنا. أستطيع

تحريك النصف الأعلى من جسدي بشكل مرض؛ رغم الوهن الذي أصاب الجزء الأسفل .

ضحكت عندما فكرت لوهلة بأنني أحتاج إلى بعض التمارين الرياضية.


اليوم الثلاثون .. الخامس من سبتمبر

آلام معدتي لم تكن أكثر حدةً مما هي عليه اليوم. تناولت مسكناً. ربما أموت غدا. أكملت شهراً اليوم.


اليوم الحادي والثلاثون .. السادس من سبتمبر

أتألم: ما زلت حياً.
__________________
في بريدة ستي .. كانت لنا أيام :

http://www.buraydahcity.net/vb/showthread.php?t=262111

( قلب حب 1 )
خوي السرور غير متصل  
قديم(ـة) 14-09-2007, 07:02 PM   #13
خوي السرور
عـضـو
 
صورة خوي السرور الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2005
البلد: بريدة ـ الاسكان 4 شرق مسجد كعب الإحبار <<< ييزي ؟
المشاركات: 8,848
اليوم الثاني والثلاثون.. السابع من سبتمبر

صوت المذياع يخبو ويبتعد شيئاً فشيئاً. آن للصحبة بيننا أن تنتهي ! . صوته كصوتي ناعب وأجش .

شهر كامل لم أتناول شيئاً وما زلت حياً !! ولكن بمجرد أن تنفد مُدخرات هذه الآلة، لن تقوى على

رفقتي .

لا أستطيع التوقف عن الارتجاف رغم المعطف والجوارب والقفازات. لو استمرت الأمور هكذا فسأموت

برداً لا جوعاً , حتى لو فكرت بالخروج وإشعال النار لأصطلي فإنني لن أملك القوة على جمع الحطب.

سأكون في النعيم لو تناولت كوباً من الشاي على موقد شتوي.


اليوم الثالث والثلاثون .. الثامن من سبتمبر

آلام معدتي تتناوب علي كينابيع المياه الحارة التي تطلق حممها بين حين وآخر. بدأ جسدي يتناغم مع

الأعماق.

لا أقوى على التفكير عندما يداهمني الألم , وعندما يهدأ أستطيع أن أكتب خواطري بهذه الطريقة.

يحق للزاهدين تحمل الآلام والجوع والبرد، ما من شك في أن إيمانهم أوصلهم إلى نهاية الطريق ,

ولكن ما معني كل ذلك لغير المصدقين أمثالي ! كنت سأموت على الفور لو أنني شنقت نفسي أو

ارتميت من جٌرف؛ لكنني أمضيت شهراً كاملاً أحاول متعمداً أن أجرب كل درجات وأنواع آلام الموت .

رغم العبث المحيط بكل شيء، لا أستطيع التراجع الآن , لا حبل لأشنق نفسي، ولا أقوى على السير إلى

أي جرف.

أستطيع قضاء النهار بسكينة تامة طالما لا أشعر بالألم , ولكن إذا أضواني الليل، فإن كل شيء

يوجعني .. الظلمات توجعني .

صوت المذياع أصبح كطنين البعوض, بقيت لدي ثلاث شمعات,سأبقي عليها لليالي التي لن أستطيع فيها

النوم.

اليوم الرابع والثلاثون ..التاسع من سبتمبر

تحول البرد في الليلة المنصرمة إلى ألم , كأن إبراً تُغرس فيما تبقى من جسدي, أشعلت احدى الشمعات

وأمضيت الليلة بصحبتها. . نبضي يتسارع بشكل مرعب. .أشعر بخفقان قلبي وهو يضخ الدم في عروقي

محاولاً رفع حرارته, جسدٌ مسعوريعض على البقاء بشكل همجي !

قضيت نهاراً رذاذياً. اعتدل مزاجي بزقزقة الطيور وصرير الجنادب والصراصير. أشعر بوجود أحد !

ناديت: أنا هنا .. أردت الذهاب إلى نهر ستايكس ولكن قدماي تتمردان علي وتعصيان أمري .

مملٌ أن أفكر بالموت طوال اليوم، حتى وإن صمت أصلاً لأراقب مدارج موتي . لكن وبينما كنت أستمع

ببلادة وخمول إلى أصوات العصافير، فكرت بأنني قد مت منذ اليوم الأول لصيامي , هذه الفكرة أراحتني

قليلاً , نعم لقد قطعت شوطا طويلاً .



اليوم الخامس والثلاثون.. العاشر من سبتمبر

لفظ المذياع نفسه الأخير، فبدأ الليل يرعبني , اختفي في قعر الظلمات.

أتمطى، أرمش، أفك فمي، أُخرج لساني , أفعل أي شيء كي أشعر بوجودي لكني لست هنا ! لا شيء

هنا ولا أحد.. لا أفعال ولا فاعلون.. لا أسماء ولا صفات. لا أزمنة هنا , لا أين ولا كان ولا سوف. فقط

أفكارٌ تعبر رأسي بشكل دائري. أفكار لم تتشكل كما ينبغي , لا كيف لها ولا حدود. لكن عليها البقاء بأي

ثمن لتخفف ألم الشعور بعدم وجودي. لو استيقظت في الليل فلن أستطيع العودة للنوم حتى مطلع الفجر.

ولو توقفت عن التفكير سأفقد الإحساس بوجودي، ولبكيت ألماً.

بكائي باح ونكر. هذه الظلمات تسممني وتسمم كل شيء. عندما تبدأ الشمس بالشروق من جهة قدمي،

أستطيع نسيان الموت.

فرحة الشروق لا تدوم طويلاً فأنا هنا لأموت. لمَ لم أمت بعد؟ هذه الفكرة تؤلمني كما تؤلمني معدتي في

الليالي , النهار ألم الموت والليل ألم الحياة.

ما الجدوى من كل هذه الآلام؟ سيكون الموت أسهل بكثير لو أنني بقرت بطني، تناولت السم، ارتميت

من جرف أو من على احدى البنايات، تدليت من مشنقة، تسممت بالغاز. لو فعلت شيئاً كهذا لبدا الموت

كنزهة في حديقة. سيكون الموت أسهل بكثير لو كان كانتحار جاسوسٍ حقير من أولئك الذين يحملون

زجاجة سمٍ في جيوبهم للحظات الطارئة. لكن موتي لم يكن لحظة طارئة. لا ينبغي لي أن أموت

كالجواسيس.

تعددت أسباب الموت، وبقي الصيام أكثرها تفردا ومواجهةً. لكنه أكثرها عبثية وأقلها جدوى كذلك. يجب

الشعور بالفخر, تحملت ما لا يُحتمل لخمسة وثلاثين يوما وفعلت ما لا يستطيع أحد أن يحاكيني فيه.


اليوم السادس والثلاثون .. الحادي عشر من سبتمبر

بينما كنت أعبث بالمذياع متسلياً ، استمعت إلى شيء من الموسيقا سبق وأن استمعت إليها في زمن

غابر , ربما استعادت المدخرات شيئاً من طاقتها. تمكنت من الاستماع لمدة ساعة تقريباً. استعاد جسدي

حيويته، واستعدت الشجاعة للموت.
__________________
في بريدة ستي .. كانت لنا أيام :

http://www.buraydahcity.net/vb/showthread.php?t=262111

( قلب حب 1 )
خوي السرور غير متصل  
قديم(ـة) 14-09-2007, 07:03 PM   #14
خوي السرور
عـضـو
 
صورة خوي السرور الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2005
البلد: بريدة ـ الاسكان 4 شرق مسجد كعب الإحبار <<< ييزي ؟
المشاركات: 8,848
اليوم السابع والثلاثون .. الثاني عشر من سبتمبر

تمطر بشكل متقطع .. للحياة عالَمان: عالمٌ بماء وعالم بلا ماء. يستطيع البشر خلق عوالم متشابكة في

أذهانهم , حتى ونحن أحياء نستطيع أن نستحضر عوالم الموت, أراها مزيّة مزعجة , كل ما أريده الآن

هو أن أموت، دون أن أفكر بأي شيء آخر. الآن أستطيع أن أفهم القتل الرحيم للذي يأتيه الموت من

كل مكان وما هو بميت، والذي يطالب به المصابون بالأمراض المفضية إلى الموت.


اليوم الثامن والثلاثون ..الثالث عشر من سبتمبر

لم تنفد طاقتي بعد , أتنفس بشكل متقطع. .الموت قريب جداً، أستطيع مصافحته لو مددت يدي,الآلام

المتبلدة في ركبتي وظهري تسير من سيئ إلى أسوأ. يبدو بأن الروح تحتاج إلى طاقة كبيرة لتغادر

الجسد , الروح تقتات على الجسد وتخزن طاقتها بعد حين ستتمكن من المغادرة. بدأنا العد التنازلي معا.


اليوم التاسع والثلاثون .. الرابع عشر من سبتمبر

أواجه صعوبة في تذكر رسم الحروف و خط يدي يتغير .

أتساءل إن كانت الحياة الأخرى ممتعة ؟


اليوم الأربعون.. الخامس عشر من سبتمبر

توقعت أن أموت اليوم , لا أقوى على تحمل المزيد, أفكر في الأمر: بالصيام تعلم بوذا كيف يعيش.. صام

موسى أربعين يوماً قبل أن يستلم الوصايا من الرب. وصام عيسى لأربعين يوما قبل أن يتمكن من

مقاومة وساوس الشيطان . . لقد وصلت إلى مراتب أولئك الصالحين من حيث عدد الأيام , هل أنا الآن

على نفس درجة نقائهم ؟

لا بد أنهم كانوا أشد مني قوة وعزماً , صاموا لأربعين يوماً وعادوا سيراً على الأقدام إلى قومهم. لم

أعد أقوى على السير لخطوة واحدة , كل ما أقدر عليه هو الانتظار إلى أن أتحول إلى جثة.

ما كانت لدي الرغبة في أن أكون قديسا أو شيئاً كهذا في يوم من الأيام , كل ما في الأمر أنني أتمنى لو

مرنت قدميّ بشكل أفضل . كنت أفاخر أترابي بالصحة التي تمتعت بها. لم أمرض يوما ولم أدخل

مستشفى في حياتي سوى مرة واحدة .. عندما كسرت ساقي وأنا ألعب البيسبول في الحارة .

كنت سأصمم حماماً مختلفاً لو تنبأت بأنني سأصبح رهين الفراش هكذا.. وضعت قمعاً تحت السرير

وأوصلته بأنبوب وأوصلته إلى الخندق الذي حفرته حول الكوخ .


اليوم الحادي والأربعون ..السادس عشر من سبتمبر

ليلة الأمس أشعلت شمعة وتذكرت باحترام الذين تحملوا ألم الصيام لأربعين ليلة. كانت روحي عاليةً

رغم الآلام .. شعرت بقرب أولئك الصالحين وأحببتهم .


اليوم الثاني والأربعون..السابع عشر من سبتمبر

قدماي تهالكتا تماما، أما ذهني فيعمل بشكل جيد. ربما لا يستهلك الذهن الكثير من الطاقة ,أحلام كثيرة

طوال النهار.


اليوم الثالث والأربعون.. الثامن عشر من سبتمبر
يوم رائع .. لم يكن نومي متقطعا .. لم أستيقظ ولو لمرة واحدة طوال الليل , ما زلت أشعر بالبرد والألم.

أعزي نفسي بأن هذه الأعراض هي أعراض جسد يتلاشى , جلدي كثمرة المشمش الجافة، وله رائحة

منفرة، أظنها رائحة الموت .. تنضّحت بشيء من ماء الكولونيا... عليّ أترك ورائي جثة عطرة .

مطرٌ ناعمٌ بعد الظهيرة.

مهمة التبول كل صباح وكل مساء أصبحت مهمة عسيرة .. ما زلت أتبول حتى وإن كنت لا أتناول سوى

جريعات من الماء. لا بأس طالما أصبحت هذه هي مهمتي الوحيدة .. كما أنني أصبحت كثيرا ما أدخل في

غيبوبة وتتم العملية دون أن أشعر بها. لا بد أن يتوقف قلبي في أية لحظة، وعلى إثره تحلق روحي.

اليوم الرابع والأربعون.. التاسع عشر من سبتمبر

لم أشعر بمثل هذه الآلام في أحشائي وهذا الصداع القاتل , فقدت وعيي مرتين، عند الظهيرة وعند

الثالثة مساءً , علي أن أحضّر كلماتي الأخيرة قبل الموت .

زالت هناك ثلاثة كتب لم أقرأها .


اليوم الخامس والأربعون ..العشرون من سبتمبر

امرأةٌ تقف قرب رأسي .. جاءت على حين غرة ومن حيث لا أحتسب .. بلوزة ممزقة، جوارب مليئة

بالثقوب وتنورة موحلة , لا أعرفها ولم أراها من قبل , لكني فقدت القدرة على الاندهاش بحضورها.

ظاناً بأنها من عالم الأموات أتت لاقتيادي، مددت يدي وناديت: خذيني حيث شئت , لم أعد أحتمل البرد

والألم .

قالت بلا مبالاة : لا مكان لدي أذهب إليه

- لكنك قادمة من العالم الآخر. أليس كذلك؟

- لا لم أصل هناك بعد.

- ما زلت حيةً إذا.

- لا أستطيع أن أجزم.

أدارت إليّ جانباً حزيناً: منذ زمن بعيد اغتصبني أحدهم وقتلني في الغابة. كان يرتدي قبعة رسامٍ، ويقف

كالفنانين. كنت أظن بأنه سيتم نقلي إلى العالم الآخر، ولكني انتظرت طويلا ولم يأت أحد ليصحبني إلى

هناك. فقررت السير وحدي. بطريقة ما استطعت أن أصل إلى نهر ستايكس، وأن أستقل قاربا ولكن....

- تقصدين بأنك لم تصلي مطلقاً للعالم الآخر؟

- كنت الراكب الوحيد. القبطان لا يصدقني. لا يؤمن باليوم الآخر.

- هراء.

- في البداية كنت أظن بأن القبطان يكذب علي .. توسلت إليه طويلاً أن يقلني إلى هناك , لكنه كان على

يقين .. كان يرفض مجرد فكرة التوسل إليه بالسير إلى هناك. لا يوجد هناك. سألت قبطاناً آخر كان يعبر

النهر، فأجاب نفس الإجابة.

- ماذا تفعلين الآن إذا ؟

- يأخذني القبطان إلى أماكن عديدة ورائعة .. أرخبيل الآمال الحسنة، آنتاركتيكا، البحر الميت، وبحيرة

باكل , يتعامل معي بشكل جيد. أصبحنا نعيش سوية.

-كيف أتيت إلى هنا؟

-عبر الأمازون.

-أين رفاقك؟

-هناك .. وأشارت إلى يخت صغير موحل يطفو فوق المستنقعات قبالة كوخي .

- وماذا يتوجب علي أن أفعل؟

غادرت الكوخ دون أن تجيب , وعندما ناديت ( انتظري ) كان الكوخ يمخر الليل , عندما ارتد إليّ سعيي

، وتفحصت المكان بناظري، لم يكن ما حسبته يختاً سوى أرنب , يا للفأل والنذير. قد تكون هذه هي

ليلتي الأخيرة .


اليوم السادس والأربعون .. الحادي والعشرون من سبتمبر

ما زلت حيا , ماذا سأفعل أن لم تكن هناك حياة أخرى؟ لا أريد أن أموت إذا كانت مواجع الليل والجسد

ستستمر إلى الأبد , ألن يكون الموت خلاصا؟ كلا. لا بد أنه الهذيان بسبب الإجهاد الذي أشعر به , وما

هذه إلا ضلالات تراودني لأني لم أكن من المؤمنين بالآخرة في يوم من الأيام.

فجأةً تذكرت كلمات ( الثمل المُنزَل من السماء ) أخذتني سنة من النوم، وحلمت بأنني هناك. حيث ,

النبيذ طيب والنساء جميلات .


اليوم السابع والأربعون .. الثاني والعشرون من سبتمبر

أرتجف بردا، خصوصا بعد أن أتبول .. وكأنني تنضحت بماء مثلج .. تهالكت ذراعاي وبدأت أفقد

الإحساس بهما .. أتقلب في الفراش وكأنني أحمل أذرعا آلية , و قلبي يخفق بشكل مسعور .



اليوم الثامن والأربعون .. الثالث والعشرون من سبتمبر

ليتني أصادف قبطانا جيدا على نهر ستايكس!.


اليوم التاسع والأربعون .. الرابع والعشرون من سبتمبر

روحي واهنة تماماً .. يبدو أنها لا تقوى على الرحيل .. أرحني من كل هذه الآلام .. أضلعي تتحطم ,

أشعر وكأنني جورب نتن ممزق ومفرغٌ من كل شيء.
__________________
في بريدة ستي .. كانت لنا أيام :

http://www.buraydahcity.net/vb/showthread.php?t=262111

( قلب حب 1 )
خوي السرور غير متصل  
موضوع مغلق

الإشارات المرجعية

أدوات الموضوع
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 08:49 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)