بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » دمعة وداع

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 12-06-2008, 12:53 AM   #1
د. صالح التويجري
إمام وخطيب جامع الروّاف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2004
البلد: السعودية
المشاركات: 261
دمعة وداع

بسم الله الرحمن الرحيم
أبي لا تسافر
د. صالح بن عبد العزيز التويجري
6/5/1427هـ
الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير، أحمده سبحانه وهو للحمد أهل، وأشكره وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيراً .
هند فتاة صغيرة، تحب الحياة، يلفعها الحياء وتكسوها الحشمة، متعلقة بوالدها الذي ملأ عليها الدنيا، أخوتها صالحون، متفوقة في دراستها، وفي أيام امتحاناتها خطف سمعها تلك الأخبار السيئة التي تلوكها فتيات أضعن الحياء والحشمة يتحدثن: متى تنتهي الاختبارات حتى ينطلق بنا آباؤنا إلى بلاد الشرق والغرب نلقي عنا الحجاب ونلبس أضيق الثياب ونحضر أرقى الحفلات والسهرات، وتسمع هند بعض الهمسات من فتيات بائسات يتحدثن عن آبائهن ممن يسافر في الإجازات لا يلوي على رعية أو ذرية يقترفون أنواع المحرمات من الفجور والمسكرات، حتى إذا عادوا لم يستتروا بستر الله بل جاهروا. وكلكم معافاً إلا المجاهرون. وفي أول أسبوع من الإجازة إذا بها تسمع جهاز الهاتف رفعت لتسمع: السيد فلان رحلتك على الدولة الفلانية مؤكدة ومقعدك محجوز. هالها ما سمعت، وأعيدت على أسماعها كلمات تلك الفتيات البائسات اللاتي تحدثن عما يقترفه آباؤهن.
هرولت هند إلى غرفة أبيها، قرعت الباب ليخرج أبوها وقد لبس لباساً غريباً، وهو يبتسم ابتسامة صفراء حيية، أهلاً هند .. أبشرك أني سأعود قريباً لن أتأخر. هند: إلى أين يا أبي؟ أبوها: عندي سفر ضروري مع بعض أصدقائي. هند: تنهمر دموعها، وتقول: أبي. اذكرني هناك فالأعراض محرمة. يذهب والدها. وتمسك هند بعتبة الباب فتذرف دموعاً بريئة ويتقطع قلبها حسرات.
لماذا تسافر؟ وإلى أين ستذهب؟ وكم تصرف من وقت ومال؟ ومن يصحبك في سفرك؟ وكيف تستفيد من الخبرات السابقة ممن سافروا إلى البلدان التي ستسافر إليها؟
أيّها المسلمون: وفي زَحمة التطلُّعات المتطاولةِ، وفي ظلِّ التّواصل الكونيّ السّريع الموّاجِ بألوانِ السّلوك والطّبائع، وعلى حين فُسحةٍ مِن الوقت ووفرةٍ وانعِطافِ الرّوح, إلى جِبِلَّة التبسُّط المشروع تسعى النّفوس الكالّةُ من نمطيّة الأعمال اليوميّة ورتابَة المسؤوليّات الوظيفيّة إلى البَحث عن مواطن الإخلاد إلى الهَدأة والسّكون وارتيادِ مجالَي الاعتبار والادِّكار، إجمامًا للنّفوس واستبضاعًا لقوّتها ومتناهِي نشاطِها. وزيادة معارف المسافر وعلومه، قال الخليفة المأمون: " لا شيء ألذ من السفر في كفاية، إنك كل يوم تحلّ محلة لم تحلها، وتعاشر قوماً لم تعاشرهم ".
تغرب عن الأوطان تكتسب العلا
وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفريج هـمٍّ واكتسـاب معيشـة
وعلم وآداب وصحبـة مـاجد
قال الثعالبي: من فضائل السفر، أن صاحبه يرى من عجائب الأمصار، ومن بدائع الأقطار ومحاسن الآثار ما يزيده علماً بقدرة الله تعالى. ويدعوه شكراً على نعمه. وقال أبو الحسن القيرواني: كتب إلي بعض إخواني: مثل الرجل القاعد كمثل الماء الراكد، إن ترك تغير، وإن تحرك تكدر.
عباد الله: ولئِن كانت أعلامُ الإجازة الصيفيّة قد رفرفت وبنودُها قد خفقَت, وتفاوَتَ النّاس في اغتنامِ هذه الفرصةِ الذهبيّة بين ظالمٍ لنفسه وهم كثير, ومقتصدٍ وسابِق بالخيرات بإذن الله، أن يكون السفر في حدود بلاد الإسلام المحافظة، أما أن يكون إلى بقاعٍ وضيعة، ومستنقعاتٍ محمومة، وأماكن مشبوهة فلا. ما لم يكن ثَم ضرورة، مع المحافظة على شعائر الإسلام، لاسيما الصلاة، وهل يلقى بالحمل الوديع في غابات الوحوش الكاسرة، والسباع الضارية؟! وقد ذكر أهل العلم شروطاً ثلاثة لجواز السفر إلى بلاد غير المسلمين: أن يكون عند الإنسان دينٌ يدفع به الشهوات. وعلمٌ يدفع به الشبهات. والضرورة الشرعية كعلاجٍ ونحوه.
فجديرٌ أيّما جدارةٍ بالمسلم الضَّنين بدينِه الشَّحيح بعمره وهو يقابل برامجَ الحياة بين الفراغ والانشغال أن تستوقفَه هذه الدرَّة النفيسة من دُرَر جوامع كلمِه، وأن تكونَ نصبَ عينَيه وملءَ روحه وشعوره، ألا وهي قوله: صلى الله عليه وسلم: " اتَّق الله حيثما كنتَ، وأتبع السيِّئةَ الحسنة تمحُها، وخالقِ الناسَ بخلُقٍ حسن" أخرجه الترمذي وغيره بسند صحيح.
أيها المسافر: لا تسافر مع الذين أترعت قلوبهم بحب الشهوات، ولا ترافق الذين خلت أفئدتهم من مراقبة رب الأرض والسماوات: ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً ﴾ [النساء:27]. ولكن رفيقاً يكون موافقاً في الطبع، راغباً في الخير، إن نسي رفيقه ذكّره، وإن ذكر أعانه، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " إذا سافرتم فاصحبوا ذوي الجود واليسر ". وقال الأوزاعي: " لا يكون الرفيق فظاً غليظاً ضيق الأخلاق، أو بخيلاً شحيحاً ".
أخي المسافر: ماذا يحدث منك هناك؟ إن الكثير من السائحين يكون فتنةً للقوم الكافرين، يرون منه ضعف دين، ودناءة نفس، وسوء تصرُّفات ما يُزهِّدهم في دينه، ويصدَّهم عن اعتناقه والدخول فيه، وأصبح بعض المسافرين لا يهمُّه إلاَّ إشباع غرائزه الثائرة، وشهواته الهائجة، بما حرَّم الله عليه من خمورٍ ومخدرات، ورقصٍ ومجونٍ، وخلاعة وفنونٍ، وتعرٍّ وسفور، وكأنما الله تعالى يُعبَدُ في وطنٍ دون وطن، وفي زمنٍ دون زمنٍ! فحسبنا الله .. فيمن شوَّهَ دينه ، وأضاعَ عِرضه ، وأذهل عقله، ونكَّس رأسه، وفرَّط في عقيدته، وأساء إلى أمَّته! ألم يتأمل مثل هذا ماذا يحدث بعده، أهله وأولاده، إخوته وأخواته. زوجه ومن يعول؟!
متى يستشعر المسافر أنه صورة تعبر عن بلده ومجتمعه ودينه وأسرته، من خلال تصرفه وتعامله. متى يجسد الأخلاق السامية التي يتميز بها دين الإسلام ويتحلى بها مجتمعه. متى يصبح المسافر داعية إلى الله بقوله وفعله، ويستشعر أنه على ثغر من ثغور الإسلام.
أيها المسافر: إن كنت أباً فلك ذرية، وإن كنت زوجاً فلك زوجة، وإن كنت ابناً فلك أماً، وإن كنت أخاً فلك أخوات وقريبات. فهل استشعرت قيمة الأعراض وقد أصبح واقعاً أن الاعتداء على العرض دين يقضى من عرض المعتدي. ألم تهزك تلك الكلمة الصادقة التي خرجت من فيّ ابنتك المكلومة حين تقول: يا أبت اذكرني هناك الأعراض محرمة.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية: الحمد لله على إحسانه وأصلي وأسلم على نبينا محمد وآله وإخوانه وأتباعه أما بعد:
عباد الله: الترفيه لا يعني الإخلال بالقيم والثوابت ولا الخروج على مسلّمات الدين والأعراف، فهناك الاستجمام والانبساط وهناك الإهمال والضياع، فاختر لنفسك موقعاً يليق بك.
ولا يعني تهيئة عوامل الترفيه والترف ترك التوجيه والمتابعة، فليس الترفيه والمرح بديل عن التربية، واليقضة لفوضى العلاقات الاجتماعية وانفلات القيود والضوابط التي تحكم الأسرة.
عباد الله:تذكروا من عاد من سفره وقد علِقت به الأمراض، ودبَّت في بدنه الأسقام. وربما يرجع أحدهم وقد أدمن المسكرات، ووقع في المخدرات. وكم من أناسٍ عادوا في التوابيت، موتى لا حراك لهم! وعلى أيِّ حالٍ كانت نهايتهم؟ وبأي عملٍ خُتم لهم؟ وعلى أيِّ أمر طويت صحائفهم؟
إنَّ السعيدَ لهُ في غيره عِظةٌ
وفي الحوادثِ تحكيمٌ ومعتبرُ
أيها الأخ المبارك: وقد وقفت الإجازةُ على الأبواب ومهما بالغت في وسائل الترفيه والترويح فسوف تمل النفس وتتوق إلى البدائل، إذاً فالترفيه ليس آخر المشوار ولا منتهى المطالب، فهل رسمت لنفسك وأهلك الأهداف الحقيقية والطرق الموصلة؟ وهل شاركتهم في صناعة الهدف وصحبتهم إليه؟ قال السيوطي: تعليم الصبيان القرآن أصل من أصول الإسلام فينشئون على الفطرة وتسبق إلى قلوبهم أنوار الحكمة قبل تمكن الأهواء منها، وتسويدها بأكدار المعصية والضلال. ثمة مناشط على الأبواب عسى أن تفرد بخطبة لاحقة تشخيصًا وإشادة وسائل ومحاذير تجاوز أو تحجيم .
وصلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير أنقذ الله به من اتبعه من عذاب السعير. اللهم صل عليه وعلى آله وصحبه الأخيار ما تعاقب الليل والنهار.
اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا، وأصلح ذات بيننا واجمع شملنا، اللهم احفظ بلادنا من كل سوء ومكروه، اللهم استعملنا في طاعتك وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين اللهم أصلح ولي أمرنا وانفع به البلاد والعباد، واجعله نصرة لدينك عونا لأوليائك آخذا على أيدي السفهاء، اللهم ارحم أمواتنا واشف مريضنا واقض ديوننا، واهد ضالنا، وثبت هداتنا، وأقم الصلاة فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
المراجع/
إلى أين السفر عبداللطيف الغامدي
أحكام السفر المباح ناصر الأحمد
شبابنا والإجازة عبدالرحمن السديس
السفر وآدابه محمد العرا
الوقت والإجازة صالح التويجري
__________________
1) الملاحظات.
2) اقتراح موضوع خطبة مع دعمه بوثائق أو مراجع.

الرجاء التواصل عبر البريد الإلكتروني:
saleh31@gmail.com

حفظكم الله ...
د. صالح التويجري غير متصل  


قديم(ـة) 12-06-2008, 01:00 AM   #2
د. صالح التويجري
إمام وخطيب جامع الروّاف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2004
البلد: السعودية
المشاركات: 261
حريق الشائعات

بسم الله الرحمن الرحيم
عنوان الخطبة: ( الشَّائِعَاتُ: أَسبَابٌ وَآثَارٌ وَعِلاجٌ )
5/8/1423هـ
د. صالح بن عبد العزيز التويجري
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحابته أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً .. أما بعد:
أيُّها المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، والعمل بما يحبه ويرضاه، ألا وإن من تقوى الله مراقبة النفس، والتعرّف على دوافعها حين الفعل وحين التّرك، فكم جرَّ الهوى إلى الهوان، وقد يجتهد الإنسان بصناعة المعاذير والتفلّت من المحاسبة والعقاب، والله تعالى يعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور.
عباد الله: جعل الله الأمة الوسط شاهداً على أحوال الناس، فالعدول الخيار من هذه الأمة هم المؤتمنون على تقويم المجتمعات، ومدى قربها من الحق وبعدها منه، وفي الوقت نفسه قد تجد من ينصب نفسه طبيباً معالجاً وليست لديه أدنى مقوّمات التشخيص والعلاج.
قال الخبراء النَّصَحة إن الخواء الفكري والفراغ النفسي وإهمال التربية الصحيحة، والانسياق وراء شبهات العقل، وشهوات النفس، واعتياد الناس على اللهو واللعب وعدم الجدّ في الأمور جعلهم فريسة للشائعات، ومرتعاً خصباً لمروجي الأكاذيب، ودعاة التهويل والتضليل والتلاعب بالمشاعر حين كانت معظم مجالسنا وكالات أنباء غير موثّقة، فلا ضوابط للإلقاء ولا للتلقي، فشحنت النفوس بكل خبر مثير أو قصة غريبة، وقام البعض من المجلس كل يمارس أسلوبه في النشر والإضافة والحذف دون تروٍّ أو تبين وتثبت، وقد قال الله تعالى: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً}. قال ابن كثير رحمه الله: "إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحققها فيخبرُ بها، ويفشيها وينشرها، وقد لا يكون لها صحَّة، ثم ذكر ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع"، وهل علم المفتري بالوعيد الشديد كما في حديث سمرة بن جندب عند البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو يقصُّ حديث الرؤيا الطويل: "أما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنه الرجل يغدوا من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق" أخرجه البخاري.
عباد الله: ولكم أن تتساءلوا ما أسباب مرض الشائعات وما هي عوامل انتشاره؟ وما هي آثاره وجناياته، وما الطرق المثلى لعلاجه والتخلُّص منه، فأقول عن الأسباب ما يلي:
أولاً: ضعف الإيمان حتى بلغ الحال بأناس يفترون الكذب ويقتحمون سور الفجور، وإنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون؛ بل هي أقبح صفات المنافقين "إذا حدّث كذب" متفق عليه، كما هو الوصف المعصوم لحقيقتهم.
ثانياً: الحرمان من وسائل التعبير سواء الإعلامية أو الخطابية، فحين لا يجد الإنسان وسيلة آمنة يعبر بها عما يريد فإنه يلجأ إلى التنفيس عن نفسه وما صور الكتابة في شبكات الإنترنت أو الحيطان أو حمامات المساجد أو رسائل الجوال إلا نماذج يتنفّس من خلالها المحرومون من التعبير، وإن كنا لا نوافقهم على كل ما يقولون ولنا عليهم بعض المؤاخذات .
ثالثاً: الحجر على العقول والتحفظ على معلومات تهم الناس أو الشخص، والتعتيم على الحقائق، فهذا التكتم يحمل الناس على البحث عن وسائل لاستخراج المعلومات، ومنها التكهّن والاتصالات والشائعات، بحثاً عن إجابات تطمئنه على أهم ما يتعلق به أمناً أو خوفاً، غنىً أو فقراً، صحةً أو مرضاً، وهكذا حتى يتخبّط الناس في أمرمريج وحينها يضطر صاحب القرار أو راعي الدار إلى الإعلان عن حقيقة الأمر، ولكن بعد فوات الأوان وتعلق الناس بالأوهام التي لا تنقشع إلا بعد لأي، وطول عناء.
رابعاً: ومن أسباب الشائعات القضايا الكيدية سواء بين الشركات أو الأشخاص والمؤسسات، فتلك الشركة تشيع عيباً في مصنوعات شركة أخرى منافِسة أو مؤسسة غذائية تدعي أن غذاءً معيناً يسبب مرضاً أو منتهِ الصلاحية، أو شخص يكنّ لآخر بنشر الشائعات حوله وسوء الظن بمقاصده وأهدافه، ويضلُّ المجتمع ألعوبةً لهذا الاستفزاز، ومطيةً لنقل جراثيم الخصومات، "وبئس مطية الرجل زعموا" أخرجه أحمد وأبو داود.
خامساً: ومن أسباب الشائعات، الحماسُ غير المنضبط لقضية من القضايا، فتتحوَّل الأماني والآمال والطموحات إلى شائعات، وحبُّ الشيء يعمي ويصمّ، ويحول بين الإنسان واستجلاء الحقائق، فكم هي أخبار المعارك وحصائد الحروب، وكم هي الأماني والمكتسبات حين ينجلي الضباب، وهي مهرب نفسي أمام واقع لا يرضاه الإنسان ولا يستريح له.
سادساً: ومن أسبابها الولع بالغرائب والشعور بالنقص إذ هناك من ضعاف النفوس والعقول من يعشق رواية الغريب حتى ولو نفرت منه العقول، وهو حين ينقل ذلك يجد له مكاناً عند بعضنا ممن يزجّون أوقاتهم سخية بها نفوسهم لاستماع هذا النمط من الحديث الملفق، وهو في الحقيقة استهانة بالعقول، وتجرئة للسفهاء بتصدر المجالس بالكذب والزور، ومن تتبع غرائب الأخبار كُذِّب، "ومن حدَّث بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" أخرجه أحمد. بارك الله لي ولكم في القرآن ونفعني وإياكم بما فيه من الهدى المستقيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
أيُّها المسلمون: فبحكم اختلاط المجتمع الإسلامي بطوائف مختلفة المستويات في الإيمان والولاء والتربية والتعليم والمقاصد والأهداف راجت كثيرٌ من الشائعات، وساهم بعضنا في نشرها عن وعي وبغير وعي أحياناً. فماذا حصدنا من الشائعات وما هي الصور القاتمة التي انعكست على المجتمع جرَّاء التمكين لها ولأهلها.
إن تضليل الآخرين ولبس الحقائق يعرض صاحبه للويل واللعن، فكم هم الذين مُنوا بخيبة أمل عند إفلاس الوعود، وصحاح الأخبار معالم على طريق السالكين، ولعن الله من غيَّر منار الأرض. أما فقد الثِّقة بين الناس، والشك في مصادر المعلومات حملهم على رد الصحيح لكثرة الأخبار الملفَّقة، ومن جرَّب الناس عليه كذباً فلن يكون محلاً للثقة بعد. ومن شؤم الشائعات القلق والريبة وعدم الاستقرار، فإن مشاعر الناس وعواطفهم تحوَّلت إلى سوق رائجة، فهم مرة يرهبون بالحروب الوهمية أو الأمراض الفتاكة أو الفقر، وأخرى بالوعود الكاذبة والأماني الطائلة، وهكذا. وكما قيل: وخوف الفقر فقر، كما أن خوف الموت موت، وكلمة واحدة أو فلتة لسان تجر على الشخص ذاته أو على أمته عواقب لا تخطر له على بال.
عباد الله: ومن مفاسد الشائعات على المجتمعات أنها تشوِّه المجتمع، وتجني على مقدَّرات الأمة وحقوق الأشخاص، ولا تسأل عن الصور التي تركتها الشائعات عن بلد أو شخص، وإن زالت الشبهة بعد ذلك، ونحن في زمن تطورت فيه أساليب النشر والتواصل وعن طريق مفتاح واحد لجهاز الإنترنت تنشر في العالم كله وفي لحظة واحدة ما تريد عن بلد أو شخص، أو قضية، وهذا مجال واسع للأدعياء في نشر كيدهم، وتشويه المجتمعات المسلمة بتصويرها على غير ما هي عليه.
ومن ذلك خلخلة الصفِّ، وتفريق الكلمة، وذهاب الوحدة والقوة، وهذا من شأن سعاة الفتنة من المنافقين بين المسلمين في المحن والأزمات، قال تعالى: {لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ}، والإيضاع هو الإسراع في نقل الكلام على جهة الإفساد، فكم تثبطت الهمم، وقتلت العزائم، وفُرقت الصفوف بسبب المسارعة في نشر الشائعات .
ومن حصائد الشائعات الندم والحسرة، فيا ترى ما هي حال الذين سارعوا في نشر الإفك، وكان يسعهم الظن الحسن بالمؤمنين، {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ}، وقـال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}، وكل منا يسأل نفسه، وليكن صريحاً هل كنت يوماً ناقلاً متعجِّلاً، وما مقدار ندمك حين تكشف الأمر بخلاف ما تقول أو تظن، ومن هم الذين خسرتهم من رصيدك وهم أوفياء ولا زالوا على الولاء، وقد كسرت جسر التواصل معهم لوحشة ما نقلت:
فَلا تَقُلْ القَولَ ثم تُتبِعَهُ

بِلَيتَ مَا قُلتُ كنتُ لم أَقُلِ

عباد الله: ومهما قلنا عن مقاصد مروجي الشائعات ووسائلهم التي يستخدمونها فإن المجتمع المكون مني ومنك يتحمل جزءاً من المسؤولية عن ذلك، وله دور في محاربة وتقليل نشر الشائعة، فهل تصنع ما فعله عمر رضي الله عنه حين بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم طَّلق نساءه جميعاً، فجاء حتى دخل المسجد فوجد الناس يقولون ذلك، فلم يصبر حتى استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فاستفهمه: أطلقت نساءك؟ فقال: لا، فقال: الله أكبر ". أخرجه مسلم. فنـزلت الآية: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً}، قال عمر: فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر. وهو استخراجه من معادنه. كما قال ذلك ابن كثير رحمه الله.
ومن وسائل محاصرتها مطالبة الراوي، وناقل الخبر بالمصدر الذي نقل عنه فإن جهالة المصدر مُسقط لقيمة الخبر، وتلحق الناقل معرّة الكذب، ولئن استساغ بعضهم السِّرعان من الناس اختلاق الشائعات فإن عليك أخي المسلم أن ترفض جعل نفسك راحلةً لنقلها، ومن مآسي الناس في هذا الشأن كون أحد رجال السند أو نقلة الخبر ثقةً أو وسيطاً صالح، وهذا لا يعطي الشائعة حقاً في القبول؛ بل لا بد من معرفة المصدر الذي نشأت فيه وولد الخبر منه، لئلا تفقد المصداقية، أو تفجع الناس بأخبار يشمت بها المتصيّدون ويفرح بها من شرِق بالصحوة، أو أن نضع في فم كاشح حجة.
ومن دورنا في درء كارثة الشائعة الاعتراف بالخطأ، وهي أولى خطوات تجاوز الأزمة، فإن المغالطة والتمويه تكرس تجديدها، وتزيد من تفاعلها فالمسؤول مع زملائه، والأب مع أولاده، والزوجة مع زوجها، وكل في مجاله، يُرغب إليه في مواجهة الحقيقة، والتخلص من قلق المغالطة، "فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة" أخرجه أحمد والترمذي، وبهذا نقطع الطريق على الظنون ونسج الخيال حول التصرفات، ولئن وجدت النفوس سلوتها في تكذيب ما لا يروق لها واختلاق الشائعات حوله إلا أنها في النهاية ترضخ لسلطان الحقيقة القاهر وحيلة التملَّص من مواجهة الحقائق، فاربأ بنفسك عن فاحشة الكذب التي حرَّمها الإسلام، وأنف منها مشركو العرب.
فهذا يخفي سفراً مباحاً، وذلك يقطع مكالمة بريئة، والآخر يتكتّم على معلومات قابلة للنشر وعلاقات شريفة. ومن ذلك الوضوح في تصرفاتنا، وفتح الفرصة لمن حولنا ليعبروا عما بداخلهم وهم مطمئنون من المصادرة أو التشنيع لنكتشف الخطأ قبل استفحاله، ونعالج المرض قبل انتشاره، فإن القمع والإرهاب يحملان المحيطين بك على ممارسة الكذب والتمويه خوفاً من البطش، وينسجون الشائعات لتخفى حقائق التصرفات.
والمجتمع الواعي لا يسمع لمرضى القلوب أن يعبثوا بطمأنينة واستقراره، وإنها المأساة أن نحاصر الصراحة مع مجتمعنا وأهلنا، وتظل الخواطر والمشاعر حبيسة النفوس ثم نفاجأ بها نزيفاً يُكتب على ورقات الاعتراف في السجون أو المحاكم أو دور الإصلاح أو الارتماء إلى الخصوم، قال المتنبي :
طوى الجزيرة حتى جاءني خبر

فزعت فيه بآمالي إلى الكذب

حتى إذا لم يدع لي صدقه أملاً

شرقت بالدمع حتى كاد يشرقُ بي

وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللهم صلِّ وسلِّم وزد وبارك على نبينا محمد، وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار. اللهم ارزقنا اتباعه ظاهراً وباطناً، اللهم توفنا على ملته، واحشرنا في زمرته، وأدخلنا في شفاعته، واسقنا من حوضه، واجمعنا به في جنات النعيم. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين. اللهم أصلح ولاة أمرنا، وارزقهم البطانة الناصحة الصالحة.
__________________
1) الملاحظات.
2) اقتراح موضوع خطبة مع دعمه بوثائق أو مراجع.

الرجاء التواصل عبر البريد الإلكتروني:
saleh31@gmail.com

حفظكم الله ...
د. صالح التويجري غير متصل  
قديم(ـة) 12-06-2008, 06:32 AM   #3
مدحت شوقي بريده
.. وللشطوب نكهة و نكهة ..
 
تاريخ التسجيل: Feb 2002
البلد: هناك
المشاركات: 16,085


شكراً لشيخنا الفاضل الشيخ صالح ..
وجعل مايقدمه في موازين اعماله ..


سي يو ..
__________________
.
.
.

.. قلب البحطلة ينبض ..
ينبض ينبض ينبض ..







.
مدحت شوقي بريده غير متصل  
قديم(ـة) 12-06-2008, 06:35 AM   #4
بسمة تحدي
روضَةٌ مِن أشْجَار الرَبيعْ !
 
صورة بسمة تحدي الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Mar 2008
البلد: B U R A Y D A H
المشاركات: 3,358
جزاك الله خـــــــــــــير وجعله في موازين اعمالكــ ..!

__________________

العــــابرة!
سيبقى عهدكِ كامناً عمق القلوب ص1
لن أنساك مااحيت غفر الله لكِ ذنوبك جميعاً وجمعنا بكِ في جنة الفردوس أمين ص1.
بسمة تحدي غير متصل  
قديم(ـة) 12-06-2008, 07:38 AM   #5
ولد النور
عـضـو
 
صورة ولد النور الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
البلد: بيت الجيران
المشاركات: 192
مشكور ياشيخنا على ماذكرت
وجعله الله في ميزان حسناتك
__________________
من جامعة أوجاع دنياي خريج
بأحسن تخصص للألم عينوني
ذقت الألم دفعه ولاهو بتدريج
بأول سنه كل المآسي عطوني
والحين انا مدرس وعالم وخريج
أستاذ بالغــــربه وعلم الطعوني
ولد النور غير متصل  
قديم(ـة) 12-06-2008, 01:27 PM   #6
سامي بريدة
مشرف الساحة المفتوحة
 
صورة سامي بريدة الرمزية
 
تاريخ التسجيل: May 2004
البلد: بريدة
المشاركات: 5,346
جزاك الله خيرا شيخنا أبا عبدالله
وجعل ما سطرته في ميزان حسناتك
__________________
إذا مررت من هنا فتذكر

أن دعوة لأخيك بظهر الغيب سيكون لك مثلها

فلعل دعوة واحدة تسعدك بحياتك وبعد مماتك أنت ومن دعوت له
سامي بريدة غير متصل  
قديم(ـة) 12-06-2008, 02:36 PM   #7
وحـيــد الـجـزيـرة
عـضـو
 
صورة وحـيــد الـجـزيـرة الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Mar 2007
البلد: الـفـُّلـوجـه
المشاركات: 3,063
بارك الله فيك أخي .. وجعله في ميزان حسناتك ..

نثرت الحروف .. ورتبت الجمل .. وبها وصلت أعالي القمم

كم جفت الأقلام أمام قلمك .. !! فدمت لنا مبدعاً .. كاتباً رائعاً .. ولدين الله داعياً ..








محبك/ أبو عبدالله,,
__________________


سيجيءُ يومٌ حافلٌ بجهادِنا *** الخيلُ تصهلُ والصوارم تلمعُ
قدْ طالَ ليل الكفر لكني أرَى *** من خلفِه شمسُ العقيدة تسطعُ

موقع الشيخ حمود العقلا الشعيبي: http://www.al-oglaa.com/
وحـيــد الـجـزيـرة غير متصل  
قديم(ـة) 12-06-2008, 03:26 PM   #8
أبوعبدالملك
عـضـو
 
صورة أبوعبدالملك الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Dec 2007
المشاركات: 1,779
اقتباس
بارك الله فيك أخي .. وجعله في ميزان حسناتك ..

نثرت الحروف .. ورتبت الجمل .. وبها وصلت أعالي القمم

كم جفت الأقلام أمام قلمك .. !! فدمت لنا مبدعاً .. كاتباً رائعاً .. ولدين الله داعياً ..


جزاك الله خيراً شيخنا الفاضل....
أبوعبدالملك غير متصل  
موضوع مغلق

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 06:14 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)