|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
18-03-2003, 06:48 PM | #1 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Jan 2002
البلد: السعودية
المشاركات: 239
|
إن أمريكا علت في الأرض
بسم الله الرحمن الرحيم
إن أمريكا علت في الأرض فرعون رمز للطغاة ومشرب للطغيان، وقدوة للمستكبرين الذين يسعون لإهلاك الحرث والنسل في سبيل خلو الأرض من معارض أومفند لدعاواهم، فيشيعون الرعب والدمار، ويُقدمون على الاجراء تلو الآخر، وعلى الحرب تلو الأخرى، من أجل إرساء قسمات عالم يروق لمزاجهم، وكتل بشرية تسبح بحمدهم، وتقر بنعمتهم! وأمنهم! وبسط نفوذهم. وقد حدثنا القرآن ملياً عن هذه العقلية بما يجعل المطلع والمتأمل في سيرة هذا العُتل، ومن سار على خطاه واسترشد بـهداه!، يستخلص الدرس بعد العبرة، والسُّنة بعد العلة من تقلب الحال لما أحدثته تلك السياسات العرجاء التي سنها الفراعنة على مر العصور، وحملوا البشر عليها بقوة الحديد والنار، ثم نـهاية المعقد والمآل لتلك الملاحم الملونة بدم الأبرياء والذين نذروا أنفسهم دروعاً مقاومة للظلم، ونصرة للمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً. * * * والحكمة التي يكشف عنها القرآن في تشابه أفعال الفراعنة والطغاة على مر العصور والدهور على الرغم من اختلاف الأزمنة والأمكنة هي عقلية الطغيان، أو "جينات" الاستكبار إذا جاز لنا ذلك، التي يحملها ذاك النوع من البشر الذي يعتبر نفسه خلقاً غير عادي "Super Human" (( كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون، أتواصوا به بل هم قوم طاغون )) [الذاريات:52-53]. فذاك القول النتـن، وتلك الأفعال المستهجنة التي تصدر إنما هي نتاج العلو، والتكبر في الأرض، وليست فرماناً أتيح لأولئك الطغاة –بعد جمعهم على صعيد واحد!- استصداره في اجتماع لهم في غرف مغلقة، ثم طلعوا به في شكل وثيقة أذاعوها على رؤوس الأشهاد بعد انفضاض المجلس واختتام التداول والنقاش ليتعاهدوا فيما بعد علىتوارثها ثم تطبيق بنودها في جميع المراحل والأمصار. * * * فادعاء الألوهية، ثم استخدام سياسة العصا والجزرة، ومصادرة حريات الناس وتسفيه آرائهم وازدرائها، مع العمد إلى تفسيق الناس ليسهل سوقهم كالهوام التي لا تفكر إلا في اتباع الشهوات والتقاط الشبهات وما حام حول حماها، كلها سياسات واجراءات جربت من قبل المتكبرين، وفي حال عدم اتيانـها للثمار التي يرومونـها وتحقيقها للنهايات التي يتطلعون إليها، فلم يعد بعد ذاك إلا السحق للمقاوم بأي طريقة كانت وتحت أي عذر أو مبرر كان. وهذا عين الحمق الذي يرتكبه من يسوسون العالم في البيت الأبيض، فمن ليس معهم قلباً وقالباً بعد حمل العالم على "أجندة" مكافحة "الإرهاب" فهو مع "الإرهابيين" أو منتظماً معهم في "محور الشر"، ومن يحددون بأنه خطر على "الأمن" و "السلام" العالميين، [أي أمنهم وسلامهم هم لا غير] فيسلقنونه درساً تحت مطية الحرب الاستباقية التي يجب أن يعلم الكل أن الحركات والهمسات بل وتمتمات النفس وهمساتـها في ظلها معدودة، وتحت دثار ردائها، صاحبها متابع ومحاسب، حتى لا تسول له نفسه في يوم من الأيام بأنه أو من سيخرج من صلبه سيكون قادراً على قض مضاجع العرش الذي اعلتوه، والمكانة العالمية التي تبوؤها، والتي تجعل منهم بمثابة الذي لا يسأل عما يفعل، ولا يجب أن يرى الناس إلا ما يراه، ويتبعوا ثم يهتدوا بما يقرره هو ويمليه (( يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد)) [غافر:29]. * * * ويا له من تطابق بين أفعال "الفرعون" المذكور في القرآن، وبين صنيع أسلافه الذين يسوسون العالم الآن. فلقد سن "طيب ذكرهم" قانون قتل ذكور بني إسرائيل الذين قيل له بأن حتفه سيكون على يد فتى منهم على إثر المنام الذي رآه، فبدأ يستبقي النساء ويحصد الأولاد دفعاً لذلك الحذور واحترازاً من النذر المشؤوم!، وها هي ذي أمريكا تسن قانون الحرب الاستباقية لتبدأ في تطبيقها على العراق حذراً من الخطر الذي تشكله عصابات صدام بزعمهم، التي كانوا وراء التمكين لها في بغداد، أو أن تسقط أسلحة الدمار الشامل، التي يزعمون أيضاً أنه يملكها أو قادر على انتاجها، من أن تقع في يد "الإرهابيين"، وما أدراك ما "الإرهابيون"؟ و ما الأرض الخصبة التي يترعرعون فيها؟ والعرق البشري الذي يكثرون فيه ويتناسلون؟! قال الحق جل في علاه: (( إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين، ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ، ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون)) [القصص:4-6]. فرعون بعد أن بلغ الطغيان به والعلو مبلغه اهتدى إلى هذه السياسة ظناً منه ومن البطانة التي تدفعه أن هذا الأمر يقطع دابر "الفتنة" و "الفساد"، أي مقاومة غطرسته وجبروته التي كانت على يد موسى عليه السلام والعصبة المؤمنة التي كانت معه من بني إسرائيل، فقسم الناس إلى طوائف وفرق: فريق الخير!! الذي يدور في فلكه ويأتمر بأمره ويبارك مسعاه ومبتغاه، وفريق الشر!! الذي يعارض كبرياءه ويستهجن صنيعه، فللأول القربى والزلفى، وللثاني الخسف والخطف، وتجفيف المنابع وقطع دابر الإمدادت المادية والمالية وتشويه السمعة والرمي بكل نقيصه لتنفير الناس مما لدى المعارض من حجج وبراهين. وهذا ما تفعله أمريكا اليوم تحت غطاء حربـها على "الإرهاب"، فالعالم انقسم إلى قسمين وصار فريقين؛ فريق الخير، وهم المباركون للخطى والمقدمون للقرابين، والمطاطئون للرؤوس الذين: لا يسألون أخاهم حين يندبـهم في النائبات على ماقال برهانا وفريق الشر، الذين يتمحكون، ويتململون، بل ويتساءلون لما كل هذا العسف؟ والحيف؟ والظلم في تعميم سياسات قيل إن المستهدف من ورائها هم "الإرهابيون"؟، ليجد العالم بعد ذلك نفسه أمام جهة مستهدفة في كل شيء، حتى في حكامها الذين أساموها سوء العذاب، بوضع أيديهم في يد هذا "الفرعون" الجديد، وتقديم كل ما يريد، ومع ذلك فهو غير راض، ولا مقتنع إلا بالاستسلام التام، أو السحق المستضام. فالملايين من البشر التي خرجت في مسيرات مليونية مدوية لم يشهد العالم المعاصر لها مثيلاً، في أكثر من سبعين دولة وستمائة مدينة، لتعبر عن رفضها لهذا المنطق الأعرج، ولهذا الحمق الأهوج، لا تستحق من "الفرعون" وملئه النظر إلى رسالتها، والالتفات إلى حججها، لأنـها رعناء، حسب منطقه، ولا تقدر العواقب، ولا تدرك الخطر الذي يشكله صدام ومن كان على شاكلته، وفوق ذلك لا تدرك تلك الجماهير، ولا الشخصيات السياسية أو المثقفة التي خرجت معها مدى الخير العميم الذي سيحل بالعراق وشعبه، ومدى الحريات والتوزيع العادل للثروات بعد وضع مقدرات البلد البترولية تحت إمرة الأيادي البيضاء الأمنية. أما الاعتراض الفرنسي أو الألماني، وإن كان لا يقدم أو يؤخر، في نـهاية المطاف كما حدث في مناسبات سابقة، فإن أمريكا تصف ذلك بنعقة من أوربا القديمة التي عفا عليها الزمن وأكل عليها الدهر وشرب، والتي لا تستحق أن يلتفت إلى صراخها وعويلها لأن أوربا "بلير" هي الواعدة وهي محل الثقة والاهتمام لأنـها سوقت لما تريد تحقيقه أمريكا أكثر من أمريكا نفسها، فعرابـها - بلير - قطع الفجاج واللجج لإنذار العالم من الشر المستطير ومن النذر العميم الذي يتهدد العالم إذا لم تدمر جميع أسلحة صدام المرعبة. أليس هذا الذي تصنعه أمريكا هو عين العلو الذي وقع فيه رمز الفراعنة على مر العصور، فهي لا تريد سماع إلا ما يطربـها، ولا تريد السماح بالعيش إلا لمن يقر بنعمتها عليه، فلا يحرك شاردة أو واردة إلا بعد إذنـها إذا كان من تلك الجهة التي بينت أفعال أمريكا وأقوالها أنـها مستهدفة من خلال هذه الحرب التي حملت ظلماً وزوراً اسم "مكافحة الإرهاب"، وقد كان ذاك "الفرعون" يفعل ما يشبه ذلك، ففي لحظة من الغضب والهيجان يقرر بكل كبر وعلو: (( ذروني أقتل موسى وليدع ربه )) [غافر:26]، وعندما يستجيب السحرة لنداء الحق بعد سقوط الأقنعة عن الزيف الذي كان يمارسه عليهم، قابلهم بكل عجرفة ونـهرهم بالأسلوب الذي اعتاد مخاطبتهم به: (( ءامنتم به قبل أن آذن لكم )) [الأعراف:123]، والحديث في هذا المجال يطول بذكر الصلف والغرور الذي تفوح بـها أفعال الطغاة على مر العصور لأن الملأ زين لهم، ولأن القوة والسلطة أغرتـهم، ولأن العلو والكبر ملأ سويداء قلوبـهم، فراحوا يضربون ذات اليمن وذات الشمال ظانين أن لا أحد يقف في طريقهم، ولا أحد يسلم من مكرهم وتدبيرهم، فيأتيهم الأمر من حيث لا يشعرون، ويدخل عليهم الخراب والدمار من حيث لا يحتسبون: (( فأتاهم من حيث لم يحتسبوا )) [الحشر:2]، (( ونري فرعون وهامان وجنودهما ما كانوا يحذرون )) [القصص:6]. * * * لقد أُتي فرعون من قبل الكبر والعلو من حيث لم يحتسب، بأن تربى موسى عليه السلام في قصره بعد أخذ الحيطة والحذر بالتدبير لقتل جميع الذكور الذين يولدون من بني اسرائيل، وكان حتفه على يديه بعد رعاية الله وتدبيره لكل هذا. ولا أظن أمريكا بصنيعها الظالم هذا ستفلت من هذا الأمر وستكون بدعاً عن سير الظالمين الهالكين. فمن رحم هذه الغطرسة ومن إزار تلك الكبرياء، ومن ثمار تلك السياسات الحمقاء ستتولد بذور المقاومة لهذا الطغيان، وستربو ثم تنمو وتثمر في وسط هذه الملاحم وعلى أنقاض تلك الأشلاء التي ستتطاير، والأرواح التي ستزهق بغير حق، دروع الشموخ التي ترفض أن تساق إلى المشنقة كالسوام، أو ترضى الاستبقاء تحت ظل حياة كيفما كان شكلها أو لونـها، فكم لله من حكم في استخراج النهار من الليل، والفجر من غسق الدجى، والميت من الحي، ومن إحياء الأرض بعد موتـها، ومن أخذ الظالمين رويداً رويداً إلى ارتكاب ما يظنون أنه ما نع لهم مما هم في حذر منه، أو دافع عنهم ما يقدرون حتفهم أو بدايته في طياته، غير أن الظلم والغطرسة والكبر تعمي وتصم، وأمر الله بالمرصاد، فإذا جاء لا راد لأمره ولا دافع لقضائه إلا ما أراده هو بمشيئته وحينها (( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون )) [الشعراء:227]، وعلى يد من سينالهم غضب الله، ويحل بـهم نكاله بعد أن يبثوا الرعب ويزهقوا الارواح، ويهلكوا الحرث والنسل ردحاً من الزمن كاف لأن يجعلهم يعيشون في سكرة "من أشد منا قوة"، ومن أكثر منا بأساً وبطشاً بمن يعترض سبيلنا ويقف في سبيل فرض قيمنا ..
__________________
|
الإشارات المرجعية |
|
|