- بداية التغيير والتغريب في المدارس :
ثم بدأ الصدع في الجدار ، والشق في الثوب ، ثم اتسع الخرق على الراقع ، وامتد الصدع حتى كاد يهدد الجدار .
وفي سنة 1949 كان أخي أنور العطار رحمه الله ، يدرس الأدب العربي لطالبات الثانوية الأولى للبنات ، ودار المعلمات ، فنقل وسط السنة المدرسية إلى وزارة المعارف ، وكلف أن يجد من يحل محله ، وإلا فقد الوظيفة الجديدة ، التي كان يسعى إليها ، ويتمنى الحصول عليها ، فلجأ إلي فقبلت ، ولم يكن في المدرسة كلها على كبرها ، وعلى أنها المدرسة الأولى في دمشق إلا نساء : مدرسات وطالبات ، ولم يكن فيها من الرجال إلا البواب على الباب ، والأستاذ أنور الذي حللت محله وشيخنا الشيخ محمد بهجت البيطار ، وهو والدنا وأستاذنا ، وقد ارتفع بدينه وسنه وسيرته فوق الشبهات.
ووجدت الطالبات يغطين رؤوسهن في درسي ودرس الشيخ بالخمار « الإيشارب » وإن كان منه ما لا يستر إلا ربع الرأس ، وما كنت أختلط بالمدرسات ،بل أعتزلهن أنا والشيخ ، إلا مرات قليلة لم يكن لنا فيها بد من الاجتماع بهن ، وما خرجت في هذه الاجتماعات وفي دروسي مع الطالبات عن موضوع البحث أو الدرس إلا مرة واحدة .. واستمرت الحال لا أنكر منها شيئا ، حتى سمعت يوما وأنا ألقي درسي أصواتا ألتفت بلا شعور إلى مصدرها ، فإذا أربعون من الطالبات في درس الرياضة وهن يلبسن فيه ما لا يكاد يستر من نصفهن الأدنى إلا أيسره ، وكن في وضع لا أحب أن أصفه فهو أفظع من أن يوصف ، فذهبت بعد الدرس إلى شيخنا الشيخ بهجة البيطار وخبرته, فقررنا أن نترك التدريس ، وكان قد بقي إلى الامتحان ونهاية العام نحو عشرة أيام .
(( جاءت مرة وكيلة ثانوية البنات المدرسة سافرة ، فأغلقت دمشق حوانيتها ، وخرج أهلوها محتجين متظاهرين ، حتى روعوا الحكومة فأمرتها بالحجاب ، وأوقعت عليها العقاب ، مع أنها لم تكشف إلا وجهها، ومع أن أباها كان وزيرا وعالما جليلا ، وكان أستاذا لنا . ومرت الأيام ، وجئت هذه المدرسة ألقي فيها دروسا إضافية ، وأنا قاضي دمشق ، سنة 1949 . وكان يدرس فيها شيخنا الشيخ محمد بهجة البيطار فسمعت مرة صوتا من ساحة المدرسة ، فتلفت أنظر من النافذة ، فرأيت مشهدا ما كنت أتصور أن يكون في ملهى ، فضلا عن المدرسة ، وهو أن طالبات أحدا لفصول ، وكلهن كبيرات بالغات ، قد استلقين على ظهورهن في درس الرياضة ورفعن أرجلهن ، حتى بدت أفخاذهن عن آخرها وكتبت في إنكار ذلك مقالة ،وعرضت له في أحاديثي في الإذاعة ، واجتمع رأي الشيخ ورأيي على أن بقاءنا في المدرسة بعد هذا لا يجوز ، وكان ذلك آخر يوم من السنة المدرسية فلم أعد إليها السنة التي بعدها . ذكريات
في اللقاء القادم سوف يكون الحديث عن
(( مسيرة الانحدار في مدارس البنات ))