.
.
- رمز العروبة هو تقديس الأعراض لا امتهانها :
فما الذي كان في ذلك اليوم حتى كتبت عنه هذا الكلام ؟ كان أن دمشق التي عرفناها تستر بالملاءة البنت من سنتها العاشرة شهدت يوم الجلاء بنات السادسة عشرة وما فوقها يمشين في العرض بادية أفخاذهن ، تهتز نهودهن في صدورهن ، تكاد تأكلهن النظرات الفاسقة , وشهدت بنتا جميلة زينت بأبهى الحلل ، وألبست لباس عروس ، وركبت السيارة المكشوفة وسط الشباب ,قالوا : إنها رمز الوحدة العربية , ولم يدر الذين رمزوا هذا الرمز أن العروبة إنما هي في تقديس الأعراض لا في امتهانها ، وكان في العرض مناظر كثيرة من أمثال هذا المنظر , قالوا : إنها لوحات حية تعبر عن الفرح والسرور .
وأخذت صور هذا كله فنشرت في الجرائد ، وعرضت في السينمات ، فازدادت جرأة الناس على نقض عرى الأخلاق ، حتى رأينا صور ناس من كبارنا مع نساءهم عراة على سيف البحر منشورة في المجلات .
قالوا إنه يوم النصر يجوز فيه ما لا يجوز في غيره وكذبوا فيما قالوا ؛ فإن المرأة التي تزل يوم العيد ، كالتي تزل يوم المأتم ، والناس يزدرونها من غير أن يسألوا عن تاريخ زلتها .
وكان مما كتبت في « الرسالة » : ألا من كان له قلب فليتفطر اليوم أسفا على الحياء , من كانت له عين فلتبك اليوم دما على الأخلاق , من كان له قلب فليفكر بعقله ، فما بالفجور يكون عز الوطن وضمان الاستقلال ، ولكن بالأخلاق تحفظ الأمجاد وتسمو الأوطان .
فإذا كنتم تحسبون أن إطلاق الغرائز من قيد الدين والخلق ، والعورات من أسر الحجاب والستر ،إذا ظننتم ذلك من دواعي التقدم ولوازم الحضارة وتركتم كل إنسان وشهوته وهواه ، فإنكم لا تحمدون مغبة ما تفعلون ، وستندمون ولا ساعة مندم ، إذا ادلهمت المصائب غدا ، وتتالت الأحداث ، وتلفتم تفتشون عن حماة الوطن ، وذادة الحمى ، فلم تجدوا إلا شبابا رخوا ضعيفا، لا يصلح إلا للرقص والغناء والحب , فالله الله للأمة والمستقبل ! إننا خرجنا من هذا الجهاد بعزائم تزيح الراسيات ، وهمم تحمل الجبال ، فلا تضيعوا هذه العزائم ، ولا تذهبوا هذه الهمم ، ولا تشغلكم لذات نفوسكم عن حماية استقلالكم ، فمن نام عن غنمه أكلتها الذئاب , إن هذا الجلاء نعمة من نعم الله ، فتلقوها بالشكر والطاعة واحفظوها بالجد والأخلاق فبالشكر تدوم النعم ، وبالإخلاص تبقى الأمم ،وبالمعاصي تهلك وتبيد .
...((( يتبع )))...
.