[مهندس بريداوي]

خاطـــــــــــــــرة...

عندما صحوت آخر السحر..والفجر الصادق قد لاح في الأفق.. وصوت المؤذن يعلو كل الأرجاء..ينادي القلوب السليمة بقوله حي على الفلاح.. نفضت غطاء الكسل قبل أن أنفض لحافي.. توضأت وأنا أستشعر أني أرى ذنوبي تسبق قطرات الماء إلى الأرض..ثم نطق لساني بذكر الشهادتين فكأني بأبواب الجنة قد فتحت أمامي أختار من أيها أشاء لكي أدخل..

ارتديت ثوبي وشماغي الذي لم تزل به رائحة العود منذ البارحة..تفوق رائحته شذى الزهور..
مشيت بخطى ملؤها الخشوع والسكينة في ظلام دامس.. قد اختلطت به بعض الأضواء النائية..
وكأني وأنا أسير أرى النور التام الذي أعده الله لي يوم القيامة جزاء لسيري في هذه الظُلم..
اقتربت من باب المسجد.. مقاربا ما بين الخطى لأنال الحظ الأكبر من التكفير للخطايا..قدمت الرجل اليمنى عند الدخول وأنا أتمتم بدعاء دخول المسجد..عمدت إلى الصف الأول وعند المحراب أخرجت سواكا رطبا أستاك به تطبيقا لسنة الحبيب صلى الله عليه وسلم..رفعت يدي مكبرا مقبلا على الله مفتتحا صلاة النافلة.. صليتها بطمأنينة ثم سلمت وأنا أشعر أني قد حزت خزائن الدنيا بهاتين الركعتين..
تلوت ماشاء الله لي من القرآن وتدبرت آيات كأني لم أكن أقرأها من قبل..

أتى الإمام يخطو بوقار وسمت وقام المؤذن ليعلن النداء الأخير.. ثم استوى الصف وكبر الإمام..
رفعت يدي مكبرا وهتفت .. الله أكبر.. اقشعر جسدي مع التكبير.. وابتدأت أبسمل وأقرأ وكأني أرى نفسي ذليلا صاغرا قد وقفت أمام ملك الملوك أرجو بهذه الصلاة ثوابه سبحانه..فلا أكاد أسهو وكيف لي بذلك وأنا بين يدي جبار السماوات والأرض..قرأ الإمام سورة الفاتحة وأتبعها بآيات عن اليوم الآخر(( ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله...)) في هذه اللحظة تلاشت الدنيا تماما من عيني حتى كأني لم أكن بها .. وكأني أعيش بعالم الأرواح فطارت روحي وتخيلت تلك الأهوال حين يساق أهل النار وحين يعاتبون فأستعيذ بالله أن أكون منهم..وتمر آيات ذكر المؤمنين الذين يساقون إلى الجنة زمرا كأنها الثلج على القلب.. فيعظم بي جوانحي الرجاء .. وأسأل الله من فضله وكرمه..صدقت ذلك الخشوع دموع ملئت بها عيناي اجلالا وتعظيما..وخوفا وطمعا..

بعدها ركع الإمام وركت حانيا ظهري.. ألهج بتعظيم ربي جلا في علاه..ثم رفعنا وحمدنا الله حمدا يليق بمقامه سبحانه وبحمده.. حمدت الله معترفا له بجميع أفضاله ونعمه علي..سجد الإمام وأقبلت بكل صدق لأسجد لخالقي.. فوضعت جبيني على الأرض تقربا إلى الله.. فسبحت ربي ونزهته ولم أنس حظي من الدنيا.. فطلبت ربي ما أريد من خيري الدنيا و الآخرة..وأنا أدعو بكل إلحاح مستشعرا قربي من الرزاق الذي عنده خزائن السماوات والأرض..

أتم الإمام الصلاة كاملة..بكل سكينة ووقار..بعد أن صلينا على خاتم المرسلين .. سلمت على اليمين واتبعتها بأخرى على الشمال..فكأني بالستار يغلق..وينقطع الوقوف بين يدي الله..

أستغفر الله..كانت أول عبارة تحرك لها لساني..أستغفره لجبر الخطأ سبحانه هو أهل الغفران..
أتممت الذكر وقرأت الورد الصباحي.. بعدها اتجهت الى البيت سائلا الله من فضله عند الخروج..

خرجت من المسجد.. وكأني أحمل في قلبي سعادة الدنيا.. وأحس أنه لا أحد غيري يمتكلك هذه السعادة..
كأني قد سلبت سعادة الدنيا كلها..

خطوت بكل سكينه .. فؤادي يكاد يطير من الفرح.. وصلت .. أدرت المزلاج .. ثم ولجت وأنا أشعر بكل الرضى عن نفسي .. تغشاني النعاس.. وكان آخر علمي حيني وضعت الغطاء على رأسي..

بعدها استيقظت بكل حيوية ونشاط .. متجها لفعل الأسباب لطلب الرزق.. ويقيني أن الله سبحانه هو الرزاق ذو القوة المتين..