[يرموك]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
كاتب المقال : وحيد بحزني، سلمه الله .


أشكرُ لك طرحك لهذه الظاهرة، وائذن لي بالولوج في هذا الأمر، وسأجعل مداخلتي مفقّرة (على فقرات)، والله الموفق .

أولا : لا نختلف أن الإمامة والأذان من أعظم الأمانات التي تحملها ابن آدم، وفضلهما غير خاف على أحد.

ثانيًا : أُس المشكلة -كما أرى- في : إهمال المؤذن أو الإمام، وإذا حددنا جوهر المشكلة، استطعنا أن نضع لها حلولا عملية -بإذن الله-.
وحين أقول : إهمال؛ فإن هذا قيد يخرج ما لا اختيار فيه للإنسان، كالمرض، والنسيان، وغيرها، فهذا لعله خارج النزاع، وإذًا : فيكون نقاشنا حول الإهمال الذي لا عذر معه، وهذا القيد مهم جدًا؛ لأنه يحرر لنا الأمر، ويخرج ما نتفق على خروجه، وإن لم نصرح بذلك .


ثالثًا : كنتُ أسمع في السابق عن إهمال بعض الأئمة والمؤذنين -وفقهم الله-، لكني لم أشأ الجزم بذلك؛ حتى وقفت على أشياء يحزن لها قلب المؤمن، ويتحقق فيها قول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيح من حديث أبي هريرة : إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة.
قال : كيف إضاعتها؟ قال : إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة.
ولستُ أشك في وقوع هذا في هذا الزمن، وإهمال بعض الأئمة والمؤذنين مما يظهر فيه كلام المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.

وكوني أصلي مأمومًا = فقد رأيت هذا الإهمال واقعًا، بل رأيت بعض الأئمة والمؤذنين لا يتورع في هذه الأمانة، فترك المسجد يومًا أو يومين أمر عادي لا شيء فيه، وأقول هذا وقد جربت الإمامة والائتمام كلاهما.

رابعًا : أحب مناقشة بعض ماورد في صدر مقالك -وفقك الله- .
فأقول :
1.بالنسبة لتحديد الوقت؛ فالأمر يرجع إلى الإمام، ولكن مادام هناك نظام فالأصل أن يكون العمل عليه، ولكن لا بأس أن يؤخر أو يقدم في بعض الأحيان، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل هذا، فقد روى عنه جابر -رضي الله عنه- كما في الصحيحين في وقت صلاة العشاء : أنه كان إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا أبطئوا أخّر.
ويستثنى من هذا ما إذا كان التأخير يشق على المأمومين.

2.ذكرتَ أن من أسباب هذا الإهمال : "صغر سن أكثر الأئمة والمؤذنين ..."، ولعلي أخالفك في هذا؛ فليس كون الإمام أو المؤذن صغيرًا يلزم منه الإهمال، وأعرف من هم آباء كبار، ومع ذلك لديهم هذا الإهمال، وقد يقال إن الصِغَر مظنة الإهمال، لكن ليس مطلقًا، وكما قلت :"هذا لايخفي أنه يوجد أئمة ومؤذنين صغار وتجدهم ماشاء الله تبارك الله".

3.وذكرت من ضمن الأسباب :"مسؤلية هذه الوظيفة أكبر منهم بمراحل"، قلت : ليست المسؤولية تقاس بالسن، وإلا لرفعنا الرعاية من كثير من الآباء، ولكن الأمر منوط بالأقرأ كما هي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويكفينا أن عمر بن سلِمة كان يصلي بقومه وعمره سبع سنين.

4.وذكرت ضمن الأسباب :"إنعدام الذمة عند أكثرهم"، وفي هذا نظر من وجوه :
- أولا : التعميم، كما تدل عليه صيغة : أكثر .
- ثانيًا : أن إطلاق حكم كهذا؛ يحتاج إلى تحرٍّ ونظر، وإن كان مستفيضًا بين الناس، لأن أحكام الناس تدخلها الأهواء والرغبات والظلم وغيرها.
- ثالثًا : في إطلاق لفظ "انعدام" نظر، فلنا أن نقول "ضعف، قلة، .." لكن الانعدام ليس من خلق المؤمن، بل لعله من صفات المنافق؛ فإنه إذا اؤتمن خان.

5.وذكرت ضمن الأسباب :"استغلالهم لعدم وجود رقابة على المساجد"، وهذا كسابقه، وهو داخل به ضمنًا، فاستغلال غياب الرقيب= من ثمرات انعدام الذمة، ويَرِد عليه ماورد على سابقه.


والأمر واقع وموجود، ويحتاج لآليات تحل هذا الأمر ، ومنها :

1.تذكير الأئمة والمؤذنين بعظم هذه الأمانة، وأنهم مسؤولون أمام الله -تعالى- عنها، كيف فعلوا بها ؟ وماذا قدموا لجماعتهم؟ والله المستعان.

2.إعانتهم على أداء هذه الأمانة، وهذا يكون بأمور منها : أن لانكون أعوانًا للشيطان عليهم، بالنيل منهم، والدعاء عليهم، وإشاعة مساوئهم أمام الناس، ومنها : الدعاء لهم، ومنها : الإعانة المباشرة؛ كالصلاة والأذان عنهم، والاتصال عليهم قبل الإذان لمن يتيسر له ذلك.

3.اختيار المسجد المناسب، من ناحية المكان، والمسافة، والجماعة، فكل هذا مما يعين على القيام بهذا الحق العظيم .

4.استشعار فضل الإمامة والأذان، وهذا -بحمد الله- مبثوث في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما في معاوية : المؤذنون أطول أعناقًا يوم القيامة. أخرجه مسلم .
وحديث أبي هريرة : لو يعلم الناس مافي النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا. متفق عليه.


أسأل الله أن يعين الأئمة والمؤذنين على أداء هذه الأمانة، والأمر يحتاج لصدق وعزيمة وإخلاص، وتجرد لله تعالى، ويحتاج من قبل الجهات المسؤولة إلى الحزم لردع المستاهل، ولله الأمر من قبل ومن بعد.