بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » العاطفة والعدل، مقال لشيخ يوسف الغفيص {{ منقول من موقع الشيخ سلمان العودة}}

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 19-03-2002, 03:31 PM   #1
الناصح
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2002
المشاركات: 104
العاطفة والعدل، مقال لشيخ يوسف الغفيص {{ منقول من موقع الشيخ سلمان العودة}}

العاطفـة والعدل(1/2)
يوسف بن محمد الغفيص 20/12/1422
04/03/2002
أحياناً نبالغ في تقدير مفهوم بعض الأشياء ، فنعطيها مساحة واسعة من التأثير في تفكيرنا وتصرفنا , وربما إصدار الأحكام , ورسم منهج التعامل .
وبسبب نوايانا الطيبة ، والسعي إلى إنتاج المصلحة وتحصيلها ؛ نتصرف بهذا التصرف ، ونشعر مع أنفسنا بمصداقية وكثير من السعادة والغبطة ؛ لأننا نلاحظ أن هذا التقدير منحناه لمعنى مهم ، قد يكون مفهوماً فاضلاً ، أو يتجاوز هذا إلى كونه يمثل مفهوماً مبدئياً .
إن المشكل يتحدد هنا حينما نتصور - ربما بشكل تلقائي - أن كون تصرفنا أو تفكيرنا يقع تحت تأثير مفهوم معين أقرّته الشريعة ؛ فإن هذا يعني بأن لدينا شرعية التصرف والتفكير الذي نقوم به !! .
وتحت هذا التركيب والواقع ، لا نبالي كثيراً بتقدير الأشياء ، وحساب المواقف والتصرفات ؛ لأننا – أحيانا ً- نحاول التأكد فقط من كون المفهوم الذي يحرك تأثيرنا له مصداقية ، دون أن نتمتع بإدراك لحدود هذا المفهوم وضوابطه، وموقعه حسب اقتضاء قواعد المنهج الشرعي الوسطي المركب من أكثر من مفهوم مؤثر في العمل ومنهج التعامل .
حينما نحاول أن نعرف جذر هذه المشكلة فربما يكون من الرسم المُقرِّب له : أنه ربما يصعب علينا أن نستوعب التفكير والتصرف تحت تأثير أكثر من مفهوم ، إننا كثيراً ما نألف الحركة والتفكير تحت تأثير مفهوم واحد ؛ لأننا نشعر بأننا أكثر تلقائية ، ووضوحاً ، وأسرع في حسم المواقف وإصدار الأحكام .
ولبساطة التحرك تحت تأثير مفهوم واحد أصبح العامة وغير العارفين بمفصّل مقاصد وأدلة الشريعة يشاركون بشكل فعّال في إصدار الأحكام ، والخوض في جوابات الشريعة التي تُتناول بها أحداث أو أحوال قائمة .
حينما نأخذ هذين المفهومين ( العاطفة والعدل ) ندرك أنهما من المفاهيم الجادة في التأثير على واقع العمل , والتعامل الذي نتحدث عنه أو نقوم به ، وحتى رسم نظام التفكير لدينا .
إن هذين المفهومين ( العاطفة والعدل ) من المفاهيم الفاضلة ، و من غير الصحيح أن يكون هناك جدل حول صواب أو أثر هذين في العمل والتعامل .
إن العاطفة كلمة لم يصرح بها كمفهوم للتعامل في نصوص الشريعة ، لكنها داخلة تحت ( الرحمة ) وهي من الصفات التي عظمتها الشريعة ، وامتدحتها ولهذا جاء في صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن لله مائة رحمة , أنـزل منها رحمة واحدة , بها يتراحم العباد ، وبها تعطف الوحش على ولدها ، وأبقى تسعاً وتسعين يرحم بها عباده يوم القيامة )) ، كما هي أيضا مرتبطة ( بالولاء ) وهو من مفاهيم الشريعة ومقاصدها . فعن هذين ( الرحمة ، الولاء ) تتكون العاطفة في الجملة ، وهنا تكون العاطفة ممتدحة من حيث الأصل .
إن العمل والتعامل , بل حتى التفكير يفترض أن يكون متأثراً بقدرٍ ما من العاطفة التي هي تكوين من ( الرحمة والولاء ) لكن جوهر التصحيح يقع في تقدير الحد المفتـرض , والكشف عن مؤثرات أخرى تحظى بنفس الأهمية والمصداقية تحت صورة من التوازن بين هذه التعددية من المفاهيم المعتبرة في مراد الشريعة .
إن العاطفة ليست مفهوماً طارئاً في نفوسنا نكتسبه من أصله ، بل هي ماهية موجودة في الإنسان طبعاً .
وهنا يكون من العبث العقلي كما هو من المخالف الشرعي أن نحاول التصرف أو حتى التفكير دون مصاحبة وتأثير العاطفة .
إننا حين نكتشف أن العاطفة ظهرت سبباً في خطأ تصرفنا أو تفكيرنا ؛ فمن غير المنطقي أن نحاول المراجعة والتصحيح تحت مفهوم رفض العاطفة أو التجرد منها في المحاولة الثانية التي نقصد منها الاستدراك والتصحيح . إننا بمثل هذا التصرف كثيراً ما نخلق ردود أفعال ، أو نهيئ الأجواء لردود أفعال قد يمارسها طرف آخر سنكون على خلاف معه لكن لم ندرك أننا شاركنا في صناعة موقفه هذا .
إن تقدير سبب الفشل في محاولة ما كثيراً ما يكون صعباً ؛ لكن حين نتأكد من كون العاطفة سبباً مباشراً في صناعة الخطأ ؛ فمن الضروري أن ندرك أن هذا السبب تولّد عن سوء تقديرنا لحدود العاطفة والمساحة المفترضة لها .
ومع ذلك فإن العاطفة قد تكون مسؤولة عن صناعة كثير من المواقف والتصرفات المتجردة من العلم والاعتدال، وهذا شكل آخر فحينما تكون العاطفة ليست التي صنع الموقف أو التصرف لكنها تكون مسؤولة عن تطوير الموقف ليتحول من شكله الأول المعتدل إلى تجاوز للعدل والوسطية ، وربما كان الموقف غلطاً من الأصل لكن العاطفة شاركت في ترسيم هذا الخطأ وتعقيد محاولة التصحيح .
إن الخطأ هنا تكوّن حينما نقدّر نحن حد العاطفة الذي نستصحبه في تصرف أو تفكير ما ، والحق أن تقدير هذا الحد هو قضاء للشريعة ، وليس خياراً مفتوحاً لنا .
قد يكون التعرف على مدى تحقيقنا للقدر الشرعي المطلوب من العاطفة يشكل لدى البعض مشكلة في التصور ، فهو بمجرد الشعور بالنية الطيبة أو الهدف الفاضل يتصور أنه موافق للشريعة ، أو على أقل تقدير أنه معذور في الشريعة !!
إن تقدير الحد المطلوب المناسب للمقام هو نوع من الفقه في دين الله , وهذا محل تفاضل بين أهل الإسلام ؛ لأن أثر العاطفة في التصرف والتفكير يجب أن يكون متنوعاً ومختلفاً نظراً لاختلاف الأحوال والمناسبات . قد يكون من الصعب رسم حد لهذا المقدار , لكنه اعتبار شرعي لا بد من فقهه وضبطه بميزان الشريعة ، وهو دور يقوم به أهل العلم وأساتذة الدعوة معتبرين وسطية الشريعة وشمولية مقاصدها في مخاطبة الجماهير ، ويفترض أن تكون الجماهير مستعدة استعداداً مناسباً للاستماع والتعامل مع هذا التوجيه ، وإذا كانت جماهير كثيرة - ولا سيما بعد مرحلة الانفتاح الإعلامي والتقني في المجتمعات الإسلامية – تريد أن تستمتع بشيء من الحرية والاختيار فمن الضروري أن تؤمن بمنح هذه الحرية لقراء الشريعة من أهل العلم ورجال الدعوة .
وهنا يمكن أن نشير إلى صور يعرف من خلالها وجود الخلل في تقدير وضبط مفهوم العاطفة كمثال ضمن سلسة من المفاهيم الصحيحة التي كثيراً ما لا نستوعب الجمع بينها ، والتوازن في تداولها وقراءتها :
1- حينما نتحرك دائماً تحت مفهوم واحد في منهج التفكير والعمل والتعامل ، فهذا نوع من الخلل .
2- حينما نتصور صورة من التضاد , أو الإشكال بين مفهومين من المفاهيم الشرعية الفاضلة , فهذا – أيضا ً- نوع من الخلل وقلة الفقه .
3- حينما نتباعد عن الحديث أو البحث , في مفهوم شرعي آخر غير المفهوم الذي رسمنا تصرفنا أو تفكيرنا تحته؛ لأننا ندرك أن نظرنا في مفهوم شرعي آخر سيتحصل عنه تغيير في التصرف والتفكير الذي نقوم به. وقد لا يقع شكل من التباعد لكن لا يكون لنا قصد في مدى توافق التصرف أو التفكير الذي نقوم به مع المفهوم الثاني .
وربما كان هذا التباعد أو عدم القصد إليه نوعاً من الهوى الخفي - الذي كما يقرر شيخ الإسلام ابن تيمية - : يعرض لكثير من أهل الفقه والزهد والعبادة ممن لم يحقق - قصداً وحالاً - ابتلاء أمره على قضاء الله ورسوله ، وعن هذا يقع كثير من النـزاع والاختلاف .
ومن المعاني الفاضلة التي عني شيخ الإسلام بتقريرها في مثل هذا المقام : أن موافقة الشريعة من وجه ، لا تستلزم موافقتها من الأوجه الأخرى التي قضت الشريعة باعتبارها كلها , وليس باعتبار أحدها أو بعضها .
حين نرجع إلى موضوع الورقة ( العاطفة والعدل ) وقد تحصل لنـا أن المفهوميـن ( العاطفة والعدل ) كلاهما مفهوم فاضل ، باعتبار الشريعة للعاطفة المكوّنة من ( الرحمة والولاء ) أما العدل فإن العلم باعتبار الشريعة لهو من العلم الضروري .
فهنا من المهم أن نتصور أن حركة التفكير والعمل والتعامل بين أهل الإسلام يجب أن تكون مبنية على الموازنة بين هذين المفهومين ، وهذه الموازنة تعني تقدير بناء الحكم أو العمل عليهما مع المحافظة على تصديق كل مفهوم منها للآخر .
أحياناً تبدو الموازنة أمراً واضحاً ، لكن في الأحداث الشمولية التي تتسم بتعقيدٍ في التكوين والأسباب والمحركات ، وسرعةٍ في النتائج يقع - كثيراً - نوع من التحيّز إلى مفهوم واحد ، وكثيراً ما يتشكل خطان من التعامل , هذا يقع تحت وحي العاطفة ، والآخر تحت شعار العدل .
إن التضاد في الرؤية والمواقف كثيراً ما يكون مرتبطاً بهذا التأثير , حين يبالغ طرف في مفهوم واحد من هذين المفهومين , سيكون على حساب المفهوم الآخر ، ويأخذ الطرف الآخر المفهوم الآخر بنفس المنهج , وهذا تجاوز لمفهوم ومنهاج الوسطية الذي من أخص مدلولاته اعتبار سائر ما اعتبرته الشريعة من المفاهيم والجمع بينها على هدي النبوة .
وحين نراجع هذا الطرف وذاك ؛ نجد بأن لديهما موافقة لوجه اعتبرته الشريعة , وهذا الوجه له حُسن مناسب باعتبار الاتصال بحكم الشريعة ، لكنه يتضمن أثراً سلبياً باعتبار أن هذا الشكل من الموافقة لمفهوم شرعي معين يوجد صعوبة لدى كثيرين في استيعاب خطئهم والتحول عنه، لكن الموقف ضرورة لن يكون شرعياً باعتباره حكماً وقضاءً هو مراد الشريعة في هذا المقام ؛ ولهذا مثل هؤلاء يقع لهم نوع من الحمد والمدح بما قصدوا فيه موافقة الشريعة , ونوع من الذم لما فارقوه من مقام الفقه والجمع لمعتبرات الشريعة في هذا المقام , وهذا هو الغالب على من قَصُر نظرُه من أهل الإسلام ، ويقع في هذا المقام من يكون من أهل الذم المطلق والتأثيم ممن اعتبر وجهاً من معتبرات الشريعة , وأعرض عن غيره , ولم يقصد إلى موافقة هدي النبوة , وهذا هو الذي وقع فيه قوم من أهل الكتاب , الذين آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض , كما في قوله تعالى ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ)(البقرة: من الآية85) , ومما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية : أن هذا الخُلُق من أخلاق أهل الكتاب المبدلين لكتابهم يعرض لأعيان في هذه الأمة , ممن لهم مقام في العلوم والمعارف والأحوال .







والله أكبر والعزة للإسلام
__________________
الناصح غير متصل  


موضوع مغلق

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 09:22 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)