بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » الإخوة المثقفين . . وآخر التقليعات المضحكة :) !

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

 
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 28-01-2010, 09:20 PM   #2
كاره الظلم
عـضـو
 
صورة كاره الظلم الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Feb 2008
المشاركات: 353
بسم الله الرحمن الرحيم

مصطلح الآخَر ...من تحركات المعنى إلى احتكار اللّقب!

(الآخر) مصطلحٌ قديم معروف، ولم يكن وليد هذه الظروف، فقد خاض فيه الفلاسفة والمفكرون والمثقفون، بل حتى الأدباء في أدبهم ونقدهم، وكثيراً ما يختلف المقصود بالآخر تحديداً باختلاف هُوِيّة المتكلم وفكره وانتمائه، ومهما يكن فإن الآخر يُطلق على كلِّ ما يقابل الذات أو الـ(أنا)، فالآخر يعني المخالف في المذهب، أو الفكر، ويعني الغرب أحياناً، وأحياناً يُقصد به الكافرُ.
لقد ظل هذا المصطلح زمناً طويلاً لا يُسمع إلا في خطابات النخبة، يتداوره المثقفون والمفكرون في أروقتهم وأُطروحاتهم الخاصة، فجاءت أحداث 11 سبتمبر لتبعث المصطلح بعثاً جديداً، فتُفيض فيه الصحف والقنوات، ويدخل كل بيت، ويصل أسماع العامة، فيتعارفون عليه بينهم، ويتساءلون عن دِلالاته، يحسبه بعضهم أن هذه هي نشأته الأولى.
وتعالت بيننا أصوات المطالبة بحقوق الآخَر، وما يتطلبه ذلك من وجوب إعادة النظر في بعض أساليب التربية والتعليم، التي تغذّي فكر الإقصاء، والقطعيَّة في الآراء. وكان الصوت الليبرالي أعلاها صوتاً، مطالباً بحقوقه تحت مظلة حقوق (الآخَر) في تحريك للمعنى نحوه.
وتحرّك معنى المصطلح مما يقتضيه اختلاف انتماء المتكلم وسياق الخطاب ومكانه، ولا بأس بذلك، فيكون معنى (الآخَر) حيناً هو المخالف في الرأي أو المذهب، ويكون حيناً آخَر هو المخالف في العقيدة، فكلاهما (آخَر) له قدره من الحقوق، وإن كان كافراً، فكلهم ذو حقوق؛ غير أنها متفاوتة بما تفرضه مسلّمات العقيدة. فلا بأس إذاً أن يتحرك المعنى حسب السياق، ما دام أن تحرّكه في مساحة العموم الذي يدلّه اللفظ، و لم يتحرّك تحرّك الاحتكار، ويُلغِ التحركات الأخرى. أمّا أن تحتكر فئةٌ "ما" لقبَ (الآخَر) ، فتصبح حقوق الآخر هي حقوقها فحسب، وما سواها فليس من (الآخَر) الذي له حقوق، فهذا هو أشد ما ينقض الدعوة إلى مراعاة حقوق الآخر ويناقض المطالبة بها.
إن أشد من يمارس هذا الاحتكار لحقوق الآخَر، فيجعلها حِكراً على نفسه، هم من وجدناهم أعلى الناس صوتاً وأكثرَ إلحاحاً بالمطالبة بها من أتباع الليبرالية في بلادنا، رأينا هذا الاحتكار ماثلاً في تعاملهم مع مخالفيهم من الإسلاميين وغيرهم، والذين هم بمنزلة (الآخَر) بالنسبة لهم؛ إذ يمارسون معهم أشد الإقصاء والإلغاء، بلْه التأليب والإيذاء. فلا نفهم من ممارستهم هذه والمصاحِبة -عجباً- لتلك المطالبة بحقوق (الآخَر) إلا اختزالاً لِلّقب في أنفسهم، واحتكاراً للمصطلح، وكأنه ليس لهم آخَر، له حق عليهم يؤدونه له!
وهذا (الآخَر) الذي ينقم على غيره مجاوزة نقد الرأي إلى لَمْز قائله والطعن في نيته، هو من يفعل الشيء نفسه مع مخالفيه من الإسلاميين، ولو في مسألة يسوغ فيها الخلاف، ولا يزعُه ورع ولا أدب أن يصف من يخالفه منهم بأنه (ظلاميّ)، أو (طالبانيّ)، أو (إرهابيّ)...إلخ. وهو الذي ابتدع لنا تهمة (المنهج الخفي)؛ ليوسّع عريضة الاتهام بالتطرّف والإرهاب كي تطال بُرآءَ نبذوا التطرف بطرَفَيْه: الغالي والجافي.
هذا (الآخَر) الذي يطالب غيره بالتثبت في الأخبار هو من أبعد الناس تثبّتاً فيها؛ بل قد يتعدى التساهل في النقل إلى تعمّد قلب الحقائق وتزوير الأخبار، فيزيد فيها، أو يُنشئها من عالم خياله إنشاءً، ويتخذ من الكذب مادةً للإثارة وترويج البضاعة، ولو على المؤسسات الشرعية الرسمية.
وإذا كان قبيحاً أن يفعل شيئاً مما سبق شابٌ حدَثُ السن يعيش مرحلة المراهقة، فأقبح منه أن يقع من مثقفٍ يحسب نفسَه على النخبة، دعاة التحضر وتنوير الفكر.
هذا (الآخَر) يتهم غيره بأنه يسيء فهمه للخطاب، ويُحمّل الكلام ما لا يحتمل، فكأنما يعني بهذا الاتهام نفسَه، فإنْ أنت قلت: هذا الفعل كفرٌ. قال عنك: أنت (تكفيريّ)، تكفِّر الناس. ويجعل من لازِم تكفير الفعل تكفير الفاعل. وإن أنت قلت: البراءة من الكفار من أصول الإسلام، جعل من لازِم قولك أنك تبيح ظلمَ الكافر، والاعتداءَ عليه، وتسوِّغ قتله بكل حال.
وقد نكون نحن في نظر هذا (الآخر) آخر، ولكن آخر من نوعٍ آخر...آخر بلا كرامة ولا حقوق، وشأنُنا في عينه كما كان يقول أهل الكتاب -في شأنهم مع العرب-: (ليس علينا في الأميين سبيل).
فإن يشأ هذا أن يذكِّرنا بحقوق (الآخَر) ويطالبنا بها، فإننا نذكّره بأن حقيقة هذه المطالبة مطالبةٌ لنفسه قبل أن تكون مطالبة لغيره؛ فلنفسه (آخَرُ) يجب أن يحملها على أداء حقه، كما كان يرى نفسه (آخَرَ) بالنسبة لغيره، يطالبه بحقه. لكأنما هؤلاء يتحسّسون أدواءَهم ليذكِّرونا بأدوائنا! فهل يعطيك الشيءَ فاقدُه؟!

سامي بن عبد الله الماجد 21/3/1426
30/04/2005

المرجع : موسوعة البحوث والمقالات العلمية، حوالي خمسة آلاف وتسعمائة مقال وبحث، جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة: علي بن نايف الشحود.

آخر من قام بالتعديل كاره الظلم; بتاريخ 28-01-2010 الساعة 09:22 PM. السبب: تنسيق
كاره الظلم غير متصل  
 

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 02:30 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)