بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » أخـــبـــار بــريــــدة » السجن والرؤيا والغياب للشيخ / سلمان العودة

أخـــبـــار بــريــــدة كل ما يهم مدينة بريدة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 10-05-2010, 12:01 PM   #1
هيلة بنت محمد
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: May 2010
البلد: الرياض
المشاركات: 1
السجن والرؤيا والغياب للشيخ / سلمان العودة

"يوسف"!

الكاتب: فضيلة الشيخ/ سلمان بن فهد العودة




يوسف..!
السجن والرؤيا والغياب

في ذمّة الله من أهوى وإن بانا وإن أسر لي الغدر الذي بانا

وفي سبيل الهوى عهداً تحمله قلب يرى حفظه "الأيمان" إيمانا

يا ظاعناً لم أكن من قبل فرقته أهوى ربوعاً ولا أشتاق أوطانا

لم يُبقِ بينُك عندي يا منى أملي للشوق قلباً ولا للدمع أجفانا

-السلام عليكم

-وعليكم السلام ، مرحباً وأهلاً يا أبا ...

-أبو سلمان

هذه كنيتي ، سوف أسمي ابني عليك ، وسوف يتبعني في طريقك ، اسمي (ع.ع.ع) .

-ما شاء الله ، من بريدة ؟

-من قلب بريدة من "الجردة" عند مبيعة الخضار ، أحبك في الله ، وأفديك بنفسي وما أملك .

-مشكور ، وما قصرت ، حفظ الله نفسك وما تملك ، وأبقاك لي.

-أمنيتي أن أكون عندك ومعك ، أدرس على يديك ، أصحبك في سفرك ، أعمل مع الشباب في مكتبك ، حتى لو تريدني " صباب قهوة " فهذا يكفيني !

-أنت أكبر من ذلك ، ومرحباً بك بقلبي قبل مكتبي .

هذا اللقاء السريع كان الورقة الأولى في علاقة روحية؛ تأخذ طولاً من أيام الاحتساب الارتجالي والحماس الشبابي، مروراً بسني يوسف.. وأيام الحرية .. وتمتد عرضاً من المسجد المكتظ بشباب في مثل عمره أو يزيدون ليستمعوا إلى شيخهم، إلى البيت الذي فاض فأغرق الشوارع المجاورة بالناس في أحاديث الربيع, وكان صاحب السني السبع عشرة هذا أحدهم .. إلى غرفة لا تركض فيها الخيل .. وحتى لقاء حديث يجمعهما كما هو الميعاد في "جلسة" مجهورٍ بها غير خلسة!

يغيب الوجه الغض في الزحام ، ولكنه لا يغيب عن الذاكرة ، فتى كثّ الشَّعر فاحمه ، في عزّ المراهقة ، بهي الطلعة ، عذب القسمات ، صافي الابتسامة ، شديد الملاحة ، خفيف الظل ، مألوف ، يتحدث بيديه قبل شفتيه ، يتوقد حماساً ، يمتاز بالذكاء والجراءة ، ويمتلك روح المغامرة .

تذكر كل تلك الأوصاف واللقاءات والأحاديث والمشاعر الانطباعية الإيجابية والتوقعات المستقبلية التي برقت في خياله حيال شاب يلفت الأنظار كهذا ، وتداعت في وجدانه أحاسيس هي مزيج من الاغتباط والحزن ، وهو يسمع الصوت ذاته غير أنه ازداد عاماً مع أعوامه السبعة عشر يصيح من بوابة إحدى الغرف في جناح (2) ، وينادي شيخه :

يا مَن وَهَبتُ لَهُ روحي تملكها وَرُمتُ تَخليصَها مِنهُ فَلَم أُطِقِ

أَدرك بَقيةَ روحٍ منك قَد تَلِفَت قَبل المَمات ، فَهذا آخر الرَمَقِ

وَلَو مَضى الكُلُّ مِنها لَم يَكُن عَجَباً وَاِنَّما عَجَبي لِلبَعضِ .. كَيفَ بَقي!

فيجيبه بصوت مرتل بالتحية والشوق, بينما الرقيب يشير إلى فمه بالصمت!

مع حداثة سنّه، تمكن من توطيد العلاقة مع العلماء الكبار ، فجلس إلى الشيخ ابن باز ، وتحدث مع الشيخ صالح اللحيدان وجادله ، وامتدت صلاته مع المشايخ والدعاة والناشطين في أنحاء البلاد ، يمنحونه بالاً واهتماماً ؛ فحضوره في المجلس مميز ، وليس رقماً عادياً .

قائد ميداني مبكر يحشد حوله العديد من أقرانه ونظرائه ، ويتبادل معهم المهمات ، في جولات على جوامع القرى والأطراف ، وحملات لجمع التبرعات ، وتحريك للرأي العام تجاه بعض المتغيرات .

كل ما يحيط به أصبح يساعده على تحقيق دوره ، فهو شديد الجاذبية ، سريع التأثير ؛ هيئته تدل على الانتماء لعائلة عريقة منعّمة ، ومراهقته متجهة صوب الدعوة والمسجد والحلقة والمحاضرة .. وكل تلك السمات عوامل جذب ، ووسائط متعددة تتقدم بين يديه لتقدمه بشكل أقرب للتأثير على المتحدثين إليه.

لا غرابة حين وقعت أحداث الكويت وما تلاها ، وبدأت سخونة الأجواء في بلده أن يكون مشاركاً فعالاً بكوكبته المختارة من الرفاق تحت العشرين !

ها هو الآن وجهاً لوجه أمام سجل حافل ، وأسئلة محددة لا يستطيع الخلاص منها ، لأنها لم تكن تتم في الخفاء ، ولا تحدث على انفراد .

سنه وشكله تشفع له في التخفيف ، ويظل القيد حرماناً وعذاباً لا يحتمله إلا القلة ، لا يطيق أن يسمع من أحدهم حديثاً غير إيجابي عن شيخه ، وإذا حدث هذا فلا يتردد في التفنيد والدفاع المستميت ، أو ينطوي على نفسه مردداً بصوت مسموع :

وَإِذا أَتَتكَ مَذَمَّتي مِن ناقِصٍ فَهِيَ الشَهادَةُ لي بِأَنِّيَ كامِلُ !

إعجابٌ لحد الانبهار ، وعاطفةٌ متوقدة متفلتة تزداد مع البعد اشتعالاً ، حين يلتقي به مصادفة في أحد الممرات أو المعابر يهجم بعناق حار ، ودموع غزار ، وينسى نفسه ومن حوله ، ويصر على اغتنام الفرصة السريعة كأحسن ما يكون ، بعد فاصل زمني صعب تجاوز الشهور إلى السنوات .

يبعث إليه شيخه برسالة تثبيت وسلوان ، ويبثّه بعض مشاعر الحب والعرفان ، ويواعده ومن معه على صحبة الأبد :

" إن الذي تنطوي عليه الجوانح ، وتكنه القلوب منذ أمدٍ ليس بالقصير أن يكون هذا المضيق الزماني والمكاني والنفسي شاهداً على عقد الأخوة الصادقة ، وموقعاً على ميثاق الصحبة الأبدية ، تتصافح فيه القلوب والعيون والأيدي ، لغتها واحدة ، تقول :

نعم . الصحبة الصحبة ، لا نقيل ولا نستقيل .."

وقعت الكلمات وقوع المطر على الأرض الظمأى ، فاهتزت وربت وأنبتت جميل العبارات ، وطيب التحيات ، رزمة من الأوراق المخفية تنيف على الثلاث عشرة بخطها الدقيق ، وألفاظها التي تكاد أن تضيء ، ولو لم تمسسها نار ، قطعة أدبية جميلة ، مزدانة بغرر القصائد المنتقاة من الشعر الفصيح ، ودرر النثر المتأنق الرقيق ممتنة من " كتابك الذي جاء ليجلي أحزاني ، ويسلي جناني ، فقرأته عشراً حتى حفظته ، وكيف لا .. وهو من .. غالٍ وعزيز على قلبي :

وافى الكتاب فأوجب الشكرا فضممته ولثمته عشرا

وفضضته وقرأته فوجدته أغلى كتابٍ في الورى يقرا

فمحاه دمعي من تحدره شوقاً إليك فلم يدع سطرا !

" مشاعرك الفياضة ، وعواطفك الجياشة ، وأحاسيسك المرهفة قد حلقت بي فوق الغمام ..".

" لقد غابت بعدكم بهجة القلب ، وغاضت مسرة النفس ، وانعدم بهاء الأيام ، ولن ينتزع أشواك الحزن من قلبي إلا الاجتماع بكم ..".

" في اليوم الذي أسمع فيه صوتك الندي الشجي أطير فرحاً ، وأظل سعيداً يومي ذاك كله ..".

" هل رأيت إنساناً تخلى عن قلبه النابض أو روحه المتوقدة ؟ أنت قلبي وروحي ، والتخلي عنك تخلٍ عن الحياة ذاتها ، واستسلام للموت الناجز البغيض ..".

لن تطمر الأحداث في ذاكرته ذلك اليوم : (السبت ، الأول من شوال ، لسنة 1417هـ) ، في العاشرة وتسع وثلاثين دقيقة من صباح عيد الفطر ، كان كل ما يحلم به ذاك الفتى هو النقلة إلى غرفة (115) في الجناح الثاني حيث يكون الشيخ ، لقد تجمعت فيها كل أمانيه .

ويعزز هذا حلم منامي رأى صاحبه أن شيخه أجازه برواية الحديث النبوي عنه بإسناده على طريقة العلماء المسندين ، وكتب له الإجازة بالحنّاء !

-تفاءل بالرؤيا حسناً .. وتساءل في أعماقه عن سر الحنّاء .. هل هو رمز خفي عليه فهمه ؟ أم هو الرائحة الطيبة .. والاستخدام صديق البيئة !

يتسلل ثانية عبر رسالة قصيرة تحكي سلام الوالدين والزوار ، و" رقية " الصغيرة ورؤيا رآها في شيخه " رأيتك في أحسن صورة ، النور يشع من وجهك ، والابتسامة تعلو محياك ، وقد زرتنا في منزل جميل وواسع ، وفرشنا السجاد الجديد ، واحتفلنا بمقدمك السعيد ، ثم حانت منك التفاتة لأخي الأصغر (ع) فابتسمت وقلت :

-والله إن هذا الغلام سيكون له شأن عظيم !

يجتمعون بعد فراق طويل ، ونزف العواطف لا يتوقف ، وكأنه ينتقم من أيام الصد والبعد ، ويعجز اللسان أحياناً أو يخجل ، فتنوب الرسائل المسطورة في نقل المشاعر .

والقصيد هذه المرة مبتكر ، وليس بالمنقول المستطر :

لا يـا حـبـيبي لست عاشق صورةٍ

لا أعـرف الـحب الذي خفقت به

لا يـا "طـبـيبي" لست باكي غربة

حـبـي تـلـبـسني فليس مفارقي

هو مسمعي ، هو أضلعي ، هو أدمعي

سـيـقـول عني الخدن .. ضل سبيله

كـل الـذي أشـكـوه أنـي مـرةً

فـذهـبـت طـالـب طبّه من حِبه

فـفـقـدت بـيـن يديه قلبي كله

فـأنـا أعـيـش بـلا فـؤادٍ طاوياً

فـاشـفـع إلـيه يرد بعض حشاشة




















أو والـهـاً يـجـتاح مهجته الهوى

فـي الـدهـر أفـئدة أضر بها الجوى

طـال الـفـراق عـليه وامتد النوى

مـا بـيـنـنا هوت المعالم والصُّوى

هـو مـصرعي ، لا أبتغي فيه الدوا !

مـا ضـل صاحبك السبيل وما غوى

أحـسـسـت أن بخافقي جمراً كوى

مـسـتـرحماً ، ولكل قلبٍ ما نوى

فـلـديـه ضيعت الفؤاد وما حوى

وحدي ، أبِيْتُ ، وإن أَبَيتُ على الطوى

مـسـتـدركـاً روحاً بعهدته ذوى




(الخميس 17/12/1417هـ - الحاير).

يُتمّ حفظ القرآن ، ويقرأ المطولات ، ويراجع ألفية ابن مالك في توثب وطموح وهمة, لا يضعفها إلا أقاويل الإفراج ، وحكايات الخروج ، وشائعات العفو التي تحققت أخيراً ؛ ليجد طريقه إلى الحرية والأسرة والحياة الجديدة بعد أربع سنوات مثقلات !

المشاريع المؤجلة يجب أن تجد طريقها للتنفيذ ، التجارة التي يرضعها الأطفال هنا مع لبن أمهاتهم ، في محاولات دؤوبة يتأخر فيها النجاح ولكنها لا تمل ، والتجربة الفاشلة هي تلك التي عملناها ولم نستفد منها درساً ، والتجربة الناجحة هي تلك التي صنعت لنا الخبرة ، ومن سار على الدرب وصل .

الزواج والبيت الصغير في (جدة) والإنجاب ، ورؤية قطعة منك تتشكل في هيئة مصغرة منك لتمتد من خلالها اسماً ورسماً، كلما اقتربت منك زادتك شوقاً إليك حين تمشي أمام ناظريك ، وتحن إليك ، وتقعد في حجرك ، وتبكي حين لا تجدك .

هذه هي تحولات الحياة وسنتها الجميلة.

يُفرَض على شيخه مرة أن يتدخل غير راغب ، فيتكلم بلغة الأب القاسية معتمداً على الثقة و" الميانة " دون أن يراعي مشاعر الابن فتكون القاضية وينسكب الماء على عهود الصحبة ومواثيقها المدونة !

هل شيخه كان مخطئاً ، ربما كما حكى الله عن داود حين قال " لقد ظلمك .. " قبل أن يسمع من الطرف الآخر ! (وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ)(صّ: من الآية24)

ويغيب الوجه الصبوح ، ولكنه لا يغيب عن الذاكرة ، وتكبر الأسئلة ولكن لا سبيل إلى الجواب .

ينتظر الناس كثيراً في معظم الأحيان حتى يصفحوا عن الآخرين ، يجب أن تقدم الصفح كاملاً وسريعاً .

هل تعرف كيف تموت منتصراً ؟ توقّف عن تسجيل الأخطاء والمظالم التي وقعت لك ، وإذا كنت في خلاف مع شخص ما ؛ فاتخذ المبادرة ، وواجه المشكلة ، واطلب الصفح .

في روايته " عاصمة العالم " كتب " آرنست همنجواي " قصة الابن " باكو " مع والده .

عاشا في إسبانيا ، وتوترت علاقاتهما ، ثم تحطمت ، وغادر الابن المنزل ، الأب يبحث طويلاً .

أخيراً وضع الأب إعلاناً في الجريدة : " ابني .. قابِلْني غداً ظهراً أمام مكتب الجريدة ، لقد صفحت عن كل شيء ، إنني أحبك !

في اليوم التالي كان هناك (800) شاب ، كلهم يحمل اسم " باكو " مصطفين أمام مكتب الجريدة يطلبون الصفح .

السؤال يكبر عن (ع.ع.ع) وعن أخيه الأصغر الذي تنبأ في المنام أن سيكون له شأن ، أي شأن .

هو لا يريد من فتيان يحملون ذات الرموز والأسماء أن يصطفوا لطلب الصفح ، بل يحب أن يعلن عن حبه ، ويقف مع خط ممتد من الآباء يطلبون الصفح ونسيان الماضي والعودة من جديد إلى حيث كانوا .. يحب أن يطمئن على أرواح عرفها وعايشها وأكل معها وتنفس حبها .. أنها ما زالت بخير ..

يـطـل مـن خاطري المكسور غُيّاب

يـا للخطى .. كيف لم تقلق دروبك يا

هـم لـقنوا الكرم سر الخمر وانصرفوا

خـطـوا مـلامحهم في الماء واكتشفوا

يـا غيثهم كيف لم تطفئ لظى ظمئي

أبـكـي وأطرق باب الذكريات سدى










كـأنـجـم فـي مسام الليل تنساب

حـلـمـاً يـهدهد روحي كلما آبوا

فـعـاتـبـتـهـم عناقيد وأنخابُ !

أنـا كـمـا تـدعينا الكرم أحباب

لـم يَـعـذُب الـمـاء لولا أنهم ذابوا

لم يفتحوا .. فاستحى من دمعي البابُ !




(يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف:87)
هيلة بنت محمد غير متصل  


قديم(ـة) 10-05-2010, 01:00 PM   #2
ابوولعf
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: May 2009
البلد: ناقد بدون رحمه
المشاركات: 5,371
مشكوره على الكلام المفيد
__________________
التوقيع مخالف
ابوولعf غير متصل  
موضوع مغلق

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 07:55 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)