[ابن عساكر]

منتدى الكتّاب> مقالات عامة > يوسف أبا الخيل

سوريا في مواجهة مجلس الأمن

التاريخ: الثلاثاء 2004/09/21 م


كما قلت في بداية المقالة هذه بأني لا أهدف منها أن أطالب سوريا بالانسحاب من لبنان ،والعكس صحيح أيضاً بأن لا أطالبها بتأبيد مواطئ أقدامها هناك ، وإنما كان مقصودها تحديداً هو تحليل الموقف الدولي والإقليمي والداخلي اللبناني على ضوء مستجدات السياسة الدولية المتكئة أساساً على نظرية صراع المصالح التي لاتنتج حالة خصام دائم أوصداقة مستمرة بقدرما تدورالعلاقة خلالها طردياً مع تلون وتغيرهذه المصالح، ولعل أبرز إشارة لذلك في موضوع التواجد السوري في لبنان هوالتقاء الرغبة الفرنسية الأمريكية على طاولة واحدة مثل مالم تكن منذ زمن طويل أحسبه منذ قرارمجلس الأمن حيال حرب الخليج الثانية التي تولت إخراج القوات العراقية من الكويت عام 1991م وبعدها توازت العلاقات الفرنسية الأمريكية كل يغني على وقع وترمصالحه التي كانت فرنسا تحاول النأي بها بعيداً عن الشأن الأمريكي منذ أن وجد الفرنسيون أنفسهم مثقلين بعبئ النعمة الأمريكية بعيد الإنزال الأمريكي على شاطئ النورماندي الفرنسي عام 1944م الذي حررها من جحيم الاحتلال النازي وبعث حريتها وفلسفة تنويرها من مرقدها مرة أخرى ليحرص الفرنسيون بعدها وهم يرون أنفسهم أنهم مبعث التنويرالأوروبي الذي شع نوره على العالم الغربي حرية وديمقراطية ومساواة وعدالة على أن لايكتفوا بلعب دورعربة مسيرة لامخيرة في مسيرة الحصان الأمريكي الجامح ،وأن لايلتقوامع الولايات المتحدة الأمريكية على قرارواحد إلا إذا كان يصب في خانة المصلحة الفرنسية بشكل كامل وهوماتحقق على ما يبدو في موضوع التواجد السوري في لبنان.
أحسب من ثم أن معطيات ومضامين وظروف إصدارالقرارالمذكوريجب أن تعطي سوريا إحساساً بضرورة إعادة تقييم علاقاتها الخاصة بلبنان على قاعدة جديدة ورهان جديد يستجيب لمتطلبات الظروف الدولية الراهنة التي صيغت فيما يتعلق بموضوع تواجدها في لبنان على آلية مصلحية جديدة ، إذ أن الذين كانوا يغضون الطرف عن ذلك التواجد أويشجعونه سابقاً استجابة لرهانات سابقة كانت تستجيب لظروف وتداعيات الحرب الباردة هم أنفسهم من يراهنون اليوم على ضده ويجتمعون على طاولة أعلى الهيئات الدولية في العالم لإصدارقرارأممي يستجيب لتداعيات العهد الجديد.
من الناحية الأخرى لايستطيع المراقب أن يتجاهل أن لبنان يشكل بعداً سياسياً واستراتيجياً لسوريا ومن ثم بالضرورة فهو يشكل ورقة سياسية ضاغطة وفعالة في أي مفاوضات سلام في المستقبل والعكس صحيح بالنسبة للبنان ــ نسبياً على الأقل ــ فيما يتعلق بتوافره على ورقة سياسية ذات قوة نسبية سيحتاج لها مستقبلاً عندما تهب رياح مفاوضات مع إسرائيل مستقبلاً لاسيما وأرضه لاتزال محتلة من قبلها ممثلة في مزارع شبعا في الجنوب ، إلا أن ذلك لايعني الإصرارعلى الخيارالقديم، إذ أعتقد أن صدورقرارمجلس الأمن المذكورقد حدد المراحل بكونها تشكل مفاصل تاريخية لما قبل القرارولما بعده ، ولابد في رأيي أن يتعامل السوريون واللبنانيون وفق قاعدة ومتطلبات المرحلة الجديدة بإعادة صياغة العلاقة الخاصة بينهما بالطريقة التي تستجيب فيها لاستحقاقات المرحلة الجديدة.
هناك ولاشك هواجس سورية مستريبة من نتائج سلبية متوقعة من قبلها فيما لوتغيرالرئيس اللبناني الحالي لاسيما وهي ـ سوريا ـ تعيش تداعيات الجوارالأمريكي الجديد لها منذ الغزو الأمريكي للعراق وبالتالي خشيتها من أن لاتكون الورقة اللبنانية جاهزة بفاعليتها وقت الحاجة لها لاسيما وأرضها ممثلة بالجولان لاتزال محتلة ولن تُسترد على ما يبدو إلا بواسطة طاولة مفاوضات تتوافرفيها على قاعدة عريضة من أوراق اللعب القوية التي يمكن لها أن تناورمن خلالها بما يمكنها من فرض ما تستطيع من أجندتها وبدون هذه الأوراق ـــ وعلى رأسها الورقة اللبنانية بالطبع ـــ لن تستطيع سوريا وفق رؤيتها الخاصة على الأقل أن ترمي بثقل له اعتبارمعقول على طاولة مفاوضات منتظرة مستقبلاً إذ تخشى أن تجد نفسها عندما تتغيرالتوجهات السياسية في لبنان مع تغيرالرئيس وقد جُرِّدت من أهم ورقة ثقيلة الحمل التفاوضي ، وهذا هوالسبب الرئيس في النظرة الخاصة التي تنظربها سوريا لموضوع تواجدها في لبنان ، إلا أن الظروف الدولية الجديدة أولِنُسمها مرحلة ما بعد قرارمجلس الأمن الأخيرتتطلب تعاملاً خاصاً وحنكة سياسية ورؤية إستراتيجية متطورة من قبل السوريين بالذات إذ ربما تنقلب هذه الورقة مع الإصرارعلى التعامل معها وكأن الاتحاد السوفيتي وبقية دول المعسكرالشرقي قائم بشخوصه إلى نقطة ضعف ومدخل سهل لقوى الصراع الدولي الجديد لإثبات أن سوريا غيرمتجاوبة مع قرارات مجلس الأمن وأنها محتلة للبنان ومن ثم تسريع الخطوات الأخرى اللاحقة التي أثبت سيناريوالمشهد الدولي الراهن أنها تسيرعلى نسق واحد محدد الخطوات كل خطوة تتلوسابقتها وتعتمد على نوعية تجاوب الطرف المعني بالأمروهاهوكشاهد حاضرجديد قرارمجلس الأمن الدولي بشان الحظرالنفطي على السودان يصدربأغلبية ساحقة إذ صوت عليه إثناعشرعضواً ثلاثة منهم دائموالعضوية وهم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا التي لاتجد بداً من المشاركة مرة أخرى في الأجندة الأمريكية بينما اكتفت الصين وروسيا بالامتناع عن التصويت ولم تتجرأ أي منها على ما يبدو على استخدام حق النقض (الفيتو) رغم استفادة الصين من نفط السودان وهوما دعاها لأن تطلب عدة تعديلات على نص القرارقبل التصويت عليه إلاأن التعديلات الطفيفة التي أدخلت عليه لم تحقق على ما يبدو حداً أدنى من المطالب الصينية وإلالما امتنعت عن التصويت ، وهوما يعطي مؤشراً قوياً آخرعلى الاتجاه الجديد التي بدأت السياسة الدولية ـ خصوصاً الغربية منها ـ تنتهجه ممثلاً في أبرزدلالاته وآلياته في انضمام فرنسا للركب الأمريكي المتجه نحوفلسفة العلاقات الدولية برؤى ومطالب وخيارات لاتتفق بالتأكيد مع أجندات كثيرة حول العالم خصوصأ منه العالم الثالث وبالأخص العالم العربي والإسلامي المثقل بتداعيات واستحقاقات الحادي عشر من سبتمبرالمشؤومة!!! وبالتالي فالوضع يتطلب رؤية سورية أخرى تكون مكافئة في تحليلها للوضع الدولي وللتداعيات المترتبة عليه لما تتطلبه ظروف ومتطلبات سوق السياسة الدولي الجديد.
مرة أخرى أؤكد أنني لاأقصد من ذلك دعوة سوريا للانسحاب من لبنان إذ أن الانسحاب نفسه يجب أن يخضع لمنطق المصلحة التي انبنى عليها هذا التواجد بالأساس ، ولكني فقط أقرأ منطق السياسة الدولية الجديدة خصوصاً لما بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق وأدعومن ثم سوريا لإعادة تقييم منطق تواجدها في لبنان بما يحقق الحد الأدنى ـ وليس الأمثل ـ من المصلحة السورية خصوصاً وأن التذمراللبناني من الطريقة التي تم بها تمريرالتعديل الدستوري قد بلغ شأناً بعيداً.

[حفيد اعقيل]

يكفي يايوسف نشرها في الجريدة , فلماذا تنشرها هنا ,,؟؟