بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » يوسف أباالخيل يكتب عن ضرورة محاربة جذورالإرهاب الفكرية

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

إضافة رد
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 22-09-2004, 11:07 AM   #1
ابن عساكر
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2003
المشاركات: 47
يوسف أباالخيل يكتب عن ضرورة محاربة جذورالإرهاب الفكرية

منتدى الكتّاب> مقالات عامة > يوسف أبا الخيل

محاربة الإرهاب بمحاربة جذوره الفكرية

التاريخ: الأربعاء 2004/09/22 م


من المعلوم كقاعدة اجتماعية ضرورية مجربة أن الإرهاب المسلح الذي يصل بمجترح سيئاته إلى إزهاق الأرواح البريئة والأنفس المعصومة ويعيث فساداً في الأرض ويهلك الحرث والنسل لا يعمل في فراغ، بمعنى أن من يتلبس هذا الفعل الآثم فإنه لا يتلبسه فجأة من تلقاء نفسه بلا مقدمات، لا بل إنه وصل إليه من قناعة تامة قادته إلى أن ما يفعله مبرر نتيجة لحيف المغدور به أو لزيغه أو لزندقته أو لكفره أو سواها من مفردات الإقصاء، والإقصاء نفسه الذي انبنت عليه فلسفة الإرهاب انطلاقاً من قناعة أن الأرض لا تتسع إلا لحق مطلق واحد يمثل إحدى حلقات الوسط في سلسلة التعصب التي تبدأ باحتكار الرأي وتنتهي بانتحار صاحبه، واحتكار الرأي نفسه وفرضه على الآخرين بدعوى مطلقية صلاحيته إنما ينطلق من مسلّمة قاطعة لدى من أطلق أو تماهى مع وثوقيته مفادها بالضرورة فساد آراء الآخرين وعدم توافرها على حد أدنى من نسبية صواب مثلما أن الرأي المطلق لا يتوافر حسب رأي صاحبه على أي نسبة من الخطأ باعتباره مقدساً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه يتم تقديمه والمنافحة عنه بأرثوذكسية متينة تخترق حجب الزمان وجغرافية المكان، وبالمناسبة فهذه المفردة (الأرثوذكسية) لا تعني عند الحديث عنها في سياق تفكيك الآليات الفكرية للإرهاب ذلك المذهب المسيحي المعروف الذي ينتشر أتباعه في عموم روسيا ويوغوسلافيا والحبشة ومصر، إذ أن هذا المذهب نفسه قد انتحلها لنفسه بعدما ادعى مطلقية ووثوقية ما يدعو إليه، إذ أن أصل هذا المصطلح كلمة لاتينية تعني "صحيح العقيدة" أو "المذهب الحق الوحيد" ولهذا فقد انتحل هذا المصطلح وصار علامة على كل مذهب أو رأي متشدد متزمت يدعي جزافاً قصر الحقيقة على مذهبه أو طائفته وفساد ما سواها ومن ثم فقد عرف تاريخ الأديان والمذاهب ماضياً وحاضراً تشدد وانغلاق من تسمى بهذا المصطلح أو أطلق عليه إذ هي لا تقتصر على المسيحيين وحدهم حيث إن هناك أيضاً طائفة يهودية متشددة أيضاً تعرف باسم طائفة اليهود الأورثوذكس يصل عددهم في إسرائيل وحدها إلى نحو نصف مليون شخص ويعرفون بتشددهم الديني المبالغ فيه إذ تتحدث التقارير عن قيام حاخامات هؤلاء الطائفة المتشددة بتحريم المخترعات الحديثة على أتباعهم من قبيل التلفزيون والانترنت والكمبيوتر اعتقاداً منهم أن الدخول في عالم التقنية الحديثة سيجرّ ما لا تحمد عقباه على العقيدة اليهودية في نفوس أتباعها وشددوا على أن استخدام الشبكة العنكبوتية بالذات لا يجوز مطلقاً إلا في أضيق نطاق لمن يحتم عمله ذلك فقط وتحت إشراف أحد حاخامات هذه الطائفة مع تحريم إدخال هذه التقنية للمنازل قطعاً خوفاً من تأثير موادها وما تعرضه من مواضيع على نفوس الناشئة اليهود في البيوت.
وبالتالي فإن إطلاق هذا المصطلح لا يخص طائفة دينية ولكنه ينصرف إلى كل من يتماهى مع عقيدته وتفسيراته لنصوص ديانته ورؤاه الدينية بشكل عام باعتبارها حقاً قطعياً مطلقاً لا مراء فيها ولا جدال وبنفس الوقت يبطل استدلالات غيره ورؤاه وتنظيراته المخالفة لما يعقد عليه قلبه.
لابد لنا إذاً ونحن في سياق محاربة الإرهاب المسلح الذي شذ عن صراطنا المستقيم أن نركز على إصلاح ما انعقدت عليه قلوب كثيرين ممن شبُّوا وشابوا على اكتناه ما نفث في روعهم وما عُلموا إياه بأن من ضرورات صلاح المعتقد وصفاء العقيدة نفي الآخر وتضليله والحجر عليه حيال إبداء ما يراه حقاً اعتماداً على آليته الخاصة في استنباط المعنى من نفس النصوص التي يوردها ونتعامل معها.
هنا قد يتشاكل أمر ما على من لم يتسامر بعد على هذه الآلية الجديدة في النظرة للمخالف من قبيل اعتقاده بأن ذلك يعني ابتداءً عدم جواز الرد على المخالف وتركه يدور مع الباطل حيثما دار، وفي الحقيقة فليس ثمة شيء من هذا القبيل يقصده من يروم تدشين وتوطيد أرضية للتسامح مع المخالف إذ أن ادعاء ذلك يتناقض ابتداء مع أهم آلية ترتكز عليها هذه الدعوى وأعني بها حرية التعبير التي لا غنى عنها متى ما اقتنعنا بجدوى وأهمية التسامح باعتباره دواءً ناجعاً من أهم وأصلح أدواء مكافحة الإرهاب، الأمر ببساطة يعني أن للآخر حرية إبداء ما يراه حقاً من غير حجر ولا تسفيه ولا تضليل وقبل ذلك وبعده أن يكون من غير إرهاب سواء كان إرهاباً فكرياً وهو ما يعني الحجر على أفكار هذا المخالف أو إرهاباً مادياً بالدعوة إلى ايذائه بأي وسيلة كانت، وهذا هو أسّ الإسلام وأحد رؤوس سنامه متمثلاً في الحرية الدينية المكفولة بالنص القطعي الخالد، ولا يمكن تصور حرية دينية بدون حرية تعبير، ولا يمكن تصور حرية تعبير بمصاحبة حجر وتسفيه أو إرهاب من أي نوع كان، على أن هذه الحرية بالطبع مقيدة بقيود عدم التعدي على الثوابت الدينية القطعية عند كافة طوائف المسلمين فيما يتصل على الأقل بحرية التعبير بين المذاهب الإسلامية وكذلك هي مقيدة بقيد أصيل آخر عام هو الالتزام التام بالمصلحة والوحدة الوطنية.
بالتالي فإن إصلاح ما في النفوس يأتي أولاً وأساسياً لإصلاح ما خرب من ثقافتنا التي أنتجت تالياً وضرورياً كنتيجة لمقدمة سبقتها، هذا الفحيح الإرهابي العدمي من كل شيء إلا من تدمير للوطن ومقدراته وإزهاق الأنفس معصومة، وهذا يأتي أولاً بالتصالح مع الذات بأن لا ندعي نقاءً مبهرجاً وصلاحاً كاملاً بل لابد من الاعتراف بالخلل ومكامنه وعندها يأتي العلاج سهلاً وميسوراً، إذ أن الثقافة شأنها شأن أي مفردة اجتماعية تتعرض للخلل والمرض والانفصام عن واقعها مما يدعو بالتالي إلى علاج مرضها سواء كان باطناً وهو الأهم في المسيرة أو ظاهراً وهو ما يأتي تالياً بشكل تراتبي ضرورة.
لو نظرنا لواقع الدعوة الإسلامية إبان إشراق لحظاتها الأولى لوجدنا آلية التدرج في الإصلاح فيها واضحة وجلية، فالرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه لم يبدأ دعوته بمحاربة ظواهر الخلل في المجتمع وإنما بدأ بإصلاح الباطن أولاً بالتركيز على الدعوة لتوحيد الله والانقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك وكان يمر بأصحابه الخلص وهم يعذبون ولا يطلب إلا الصبر وانتظار الفرج ولم يطلب منهم أو من غيرهم الإغارة على أصنام قريش لتكسيرها أو إحراقها بل بدأ بإصلاح القاعدة أو البنية التحتية التي تنتج الظواهر واستمر على هذا النسق طوال عشر سنين في مكة وعندما أينعت الثمرة وآتت أكلها وصلح الباطن وتحرر القلب والجنان من المعتقدات الباطلة سهل عليه وعلى أصحابه ازالة الظواهر وكان على رأسها الأصنام التي كانت تترى تكسيراً بين يديه عند فتح مكة ويومها كان صلاح الباطن دليلاً ومعرفاً لإصلاح الظاهر، لابد لنا إذاً من نقد ومن ثم إصلاح باطن ثقافتنا التي أنتجت ثلة من العدميين الذين لا يجدون ذاتهم إلا حيث تنثال احشاؤهم على قارعة الطريق ظناً منهم أنها تسبقهم إلى جنات عدن وما الأمر بذلك بقدر ما هو الأخسرون أعمالاً الذين ظل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً وغير ذلك سنظل ندور مع الساقية حيث تدور مع تغير الوجوه فقط لأن ذاتنا متورمة ولا نريد أن نعترف بأنها مريضة
ابن عساكر غير متصل   الرد باقتباس


إضافة رد

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 03:03 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)