|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
![]() |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
|
![]() |
#1 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
.
تاريخ التسجيل: Jul 2007
البلد: .
المشاركات: 3,309
|
أي قامةٍ أحسـن الله إليك .. ما أراك إلا استسمنت ورمًا واستعظمت صغيرا .. ومشاركاتي لاتساوي شيئًا أمام ماتكتبون .. ! أسأل الله أن يوفقك ويزيدك رشداً وتوفيقا .. وقد شدني ماكتبت في الوقفة الثالثة :
فتذكرت كلامًا للشيخ المحدث عبدالعزيز الطريفي _ حفظه الله ... عندما جاء إلى بريدة قبل رمضان الحالي , وذلك في شرحه لآيات الصيام في جامع محمد بن عبدالوهاب .. فعقّب على الآية السابقة بنحو ماذكرتَ , وتطرق للناحية الحديثيّة وأقوال بعض العلماء من حيث استحباب الدعاء للصائم .. فقال وهاك المقطع اقتبسته من الدرس الثاني / للتحميل من هنا .
__________________
آخر من قام بالتعديل أبو ريّـان; بتاريخ 16-08-2010 الساعة 07:39 AM. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() |
![]() |
#2 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Feb 2006
البلد: في مكتبتي
المشاركات: 1,537
|
الوقفة السابعة : تداوُل الانتصارات .
قال الله تعالى : {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ , وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} (140_141) سورة آل عمران الآيتان الكريمتان جاءتا في سياق الحديث عن غزوة أحد التي أصيب فيها المسلمون , وقتل منهم الشهداء , وابتلي المؤمنون ابتلاء عظيماً . وعند التأمل في هاتين الآيتين نجد أن الله تعالى يبين لنا أسباب تدوال الناس الانتصارات , فتارة ينتصر هذا المعسكر , وتارة ينتصر الآخر , حسب سنة الله تعالى . بدأت الآية الأولى بحرف الشرط ( إنْ ) الدال على عدم تأكيد الشرط في الغالب , بخلاف ( إذا ) الدالة على تأكيد وقوع الشرط , فإذا قلتَ : ( إن زرتني أكرمتك ) فإن الزيارة غير مؤكدة , وإذا قلت : ( إذا زرتني أكرمتُك ) فالزيارة مؤكدة . فإن يمسسكم قرح : فالبداءة بإن دليل على أن هذا المسّ الذي أصابكم أيها المؤمنون خلاف ما وعد الله به نفسه من نصرته لكم , ولكنه أتى به لحكمة يريدها بينها في آخر الآية . والقَرح : أَلَمُ الجِراح , ويجوز ضم القاف : القُرْح . وقد نَسَبَ المسّ إلى القَرْح جريا على السنة القرآنية في نسبة المصائب إلى غير الله , وإن كانت من عند الله قطعاً , ولكن من باب التأدب مع الخالق جل جلاله وتربية لعباده بتنزيه الله عن الشرور كما قال تعالى : " {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} (10) سورة هود ( فنسب النعماء إليه , ونسب المس إلى الضراء ) , وقال تعالى : " {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} (36) سورة الروم ( فنسب الرحمة إليه سبحانه , ونسب الإصابة إلى السيئة ) , وقال تعالى : { وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ} (48) سورة الشورى , وهذه مثل تلك . والأمثلة على ذلك من القرآن كثيرة . ثم بيّن سبحانه أنه إن كان مسكم قرحٌ فقد مسّ القومَ الآخرين وهم كفار قريش قرح مثله , وذلك في غزوة بدر الكبرى , ثم جاءت القاعدة العظيمة : (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ) والمراد بالأيام هنا المعارك والحروب , وهذا معنى خاص , ومنه أيام العرب , والمعنى العام : هو الانتصارات بشتى الميادين . وهذه سنة الله تعالى حيث جعل الناس يتداولون القوى العظمى على هذه الأرض , ولا تكون لأمة وحدها تسيطر على الناس , لئلا تفسد الأرض , ولهذا جعل سبحانه على مدار التأريخ مناوئين ومحاربين لكل أمة مسيطرة , لئلا تفسد الأرض بسيطرة أمة واحدة , حتى ولو كانت هذه الأمة صالحة , لأن عدم المنازعة يجعلها تركن للدعة والضعف والخور , وهذا تفسير لقوله تعالى : " { وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (251) سورة البقرة. ثم بيّن سبحانه الحكمة من مداولة الانتصارات بين المسلمين وغيرهم , وحَصَرها في الأمور التالية : 1. لكي يعلم الله المؤمنين إيماناً حقيقياً , فلا يرتدون على أدبارهم بسبب هزيمتهم في معركة واحدة , بل يثبتون على دينهم , أما المنافقون وضعيفو الإيمان فهم الناكصون على أدبارهم والشاكّون بوعد الله تعالى وأنه حق , قال تعالى : " وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ " أي آمنوا إيماناً حقيقاً بالله تعالى ووعده الحق بالنصرة , حتى وإن اعترى طريقَ الحق بعض الانكسارات , فوعد الله آتٍ , ومثله قوله تعالى في نفس السياق والسورة : {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ , وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ } (166_167) سورة آل عمران , وهاتان الآيتان واضحتان في الدلالة على ما ذكرنا . وفي سورة الأحزاب توكيد آخر لموقف المؤمنين والمنافقين , وأن مواقف الشدة تكشف حقيقة الإيمان من عدمه . 2. أن الله تعالى أراد أن يكرم بعض عباده بالشهادة العظيمة في سبيله , وأي درجة ورفعة أعظم من الشهادة في سبيل الله " وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء " , وذكر الزمخشري معنى آخر للشهادة هنا لا أراه بعيداً حيث قال : " وليتخذ منكم من يصلح للشهادة على الأمم يوم القيامة بما يبتلي به صبركم من الشدائد من قوله تعالى " { لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ } " الكشاف : 1 / 420 . ثم قال تعالى : " وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ " وهذه الجملة اعتراض بين بعض التعليل وبعض , ومعناه : والله لا يحب من ليس من هؤلاء الثابتين على الإيمان المستحقين للشهادة , لأنهم قد ظلموا أنفسهم بالشك بوعد الله تعالى . انظر كلام الزمخشري 1 / 420 . 3. أراد سبحانه أن يطهر عباده المؤمنين من ذنوبهم بما يصيبهم من البلاء , وهذا تمحيص لهم " وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ " والتمحيص : التطهير . 4. العلة الرابعة من مداولة الانتصارات أن يمحق الكافرين , وهذه لها معنيان عند أهل التفسير , إما أن يمنحهم الانتصار فيغتروا بأنفسهم ويكون ذلك سببا لمحقهم وزيادة عذابهم بما يفعلونه من كوارث وطغيان ( تفسير ابن كثير ) , وإما أن الله تعالى يجعل الدولة للمؤمنين فيمحق الكافرين ويستأصل شأفتهم بأي المؤمنين ( تفسير الزمخشري ) , ولعل القولين مقصودان , فلا مضادة بينهما , فإن كانت الدولة للمؤمنين كان المحق حقيقيا في الدنيا , وإن كانت الدولة للكافرين كان المحق معنوياً في الدنيا تمهيداً لعذاب الآخرة . والله تعالى أعلم 7/ 9 / 1431 هـ
__________________
وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ [ محمود سامي البارودي ]
|
![]() |
![]() |
#3 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Feb 2006
البلد: في مكتبتي
المشاركات: 1,537
|
الوقفة الثامنة : حفظ جناب الأعراض :
قال الله تعالى : {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً } (15) سورة النساء . تتحدث الآية عن أحكام النساء الزواني , ومصيرهن في شرع الله , وللعلماء كلام طويل في هذه الآية , وهل هي منسوخة في آية النور أم لا ؟ يراجعُ في مظانِّه من كتب التفسير والأحكام , وقصدي هنا أن أستنبط بعض الفوائد والدلالات . الآية افتُتِحَتْ باسم الموصول ( اللاتي ) وهو دالٌّ على جمعٍ مؤنَّث , ومُفْرَدُه ( التي ) , ومثله : ( اللائي ) كما قال تعالى : " {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ } (4) سورة الطلاق . ويجوز أن يُنْطَقا بحذفِ الياء ( اللاتِ واللاءِ ) , والاسم الموصول في أصل وضعه يدل على العموم . ( يأتين الفاحشة ) فعل مضارع ونون النسوة فاعله , والفاحشة مفعوله , والفاحشة هنا يقصد بها الزنا قطعاً , والجملة صلة الموصول , وفيها دلالتان : الدلالة الأولى : أن النساء هُنَّ اللاتي تَعَمَّدْنَ فِعْلَ الفَاحِشَة , ولم يُكْرَهْنَ عليها . الدلالة الثانية : أن فيها شبه إثبات لعملية الفاحشة , بمعنى أن النساء قد وقعن فيها فعلاً , فما العمل ؟ جاء الجواب بما بعده : " فاستشهدوا عليهن أربعة منهن " أي فاطلبوا الشهادة والبينة على إثبات وقوع الحادثة بأربعةٍ من الشهود الرجال , والدليل أنهم رجال قوله : " منكم " فالضمير المذكر يدل على تذكير الشهود , ويدل أيضاً على إن الشهود مسلمون ؛ إذ لا يؤخذ بقول شهادة كافرٍ على مسلم في مثل هذا { وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} (141) سورة النساء . فهذا السياق يدلنا على حرص الشريعة على حفظ جَنَابِ عِرْضِ المسلم , وخاصة النساء اللاتي قد يقعن في الفاحشة , ولكن لا يمكن معاقبتهن إلا ببينة مغلظة قوامها أربعة شُهَداء . فنلحظ أنه في أول الآية أنه استخدم الاسم الموصول الدال على إثبات الحدث , ولكنه ليس إثباتاً قطعياً ؛ لأن الاسم الموصول فيه نسبة تعليق كالشرط , ولكنه ليس شرطاً , فالتعبير بالموصول ليدل على نسبة وتناسب في إثبات الحدث من عدمه , ولو كان التعبير بلفظ الشرط ك ( إنْ ) أو ( مَنْ ) لكان التعليق قطعياً . ثم قال سبحانه : ( فإنْ شَهِدوا ) صدّرَ الشرط بلفظ ( إنْ ) , وهو لا يدل على الجزم بوقوع الشرط , بل يدل على الاحتمال , بخلاف ( إذا ) الدالة على الجزم , وفي هذا دلالة على أن الشهود قد يشهدون فعلاً على وقوع الحادثة وقد لا يشهدون , وعدم شهادتهم أقرب للواقع كما هو معروف عند أهل العلم . ثم بين سبحانه وتعالى عقوبة النساء الزواني بعد أن تثبت عليهم البينة , وهي الحبس في البيوت ( فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ ) , وفي هذا دلالة على أن المرأة لا تحبس في بيتها دائما , بل يسوغ لها الخروج لأغراضها وشؤونها , ولا تُحبسُ إلا لعقوبة أخلاقية كما في هنا . فأين مَنْ يحبسون نساءهم في دورهن غير إخراج ؟ , ظنا منهم أنهم يطبقون قوله تعالى : {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } (33) سورة الأحزاب , ناسين أن ( قَرْنَ ) أمر بالقرار الدائم الذي يجلب الطمأنينة النفسية لها , وليس الحبس وعدم الخروج , فالقَرار في البيت لا ينافي الخروج للحاجة , هذا على القول بعموم الآية الأخيرة وأنه ليس مقصوراً على نساء الرسول صلى الله عليه وسلم . فإن سأل سائل عن معنى : "يتوفاهن الموت" , والوفاة والموت شيء واحد ؟ فقد أجاب الزمخشري – رحمه الله على ذلك بقوله : " يجوز أن يرادَ حتى يتوفاهن ملائكة الموت كقوله : " الذين تتوفاهم الملائكة " " قل يتوفاكم ملك الموت " , أو حتى يأخُذَهُنَّ الموتُ ويستوفي أرواحهنّ " [ الكشاف : 1 / 487 ] . ( أو يجعل الله لهن سبيلاً ) إما بالزواج , وإما ببيان الحد عليهن الذي نزل بعد ذلك في سورة النور . من خلال هذا العرض السريع للآية تبيّن لنا كيف حرصت الشريعة على حفظ جناب الأعراض , وأنه لا يصح أن نأخذ النساء بالظِنة والشك , ولا يكفي غلبة الظن والقرائن , بل يجب أن يكون هناك بينة قاطعة , , لأن الحدود تدرأ بالشبهات . والله أعلم . الأربعاء 8 / 9 / 1431 هـ
__________________
وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ [ محمود سامي البارودي ]
|
![]() |
![]() |
#4 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Aug 2010
البلد: في غرفتي
المشاركات: 398
|
جَزَاكَ الله خَيْرَآ ..
|
![]() |
![]() |
#5 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Aug 2010
البلد: بريدة
المشاركات: 484
|
الله يعطيك العافيه و يجزاك خير و ينفع فيك الأمة
__________________
يا قلبي ليس بيدي حيلة لأخلصك من الهموم التي يوم بعد يوم تزداد ثقلا عليك ،،، قلبي سأقوم بأقصى ما بوسعي لأمحي همومك بيدي هاتين،، فأفتح لي باباَ يسعهما،،، حللون وأنتم بألف مليون حل أنا غلطت بحقكم أرجوا من المنتدى بأعضاءه يحللن أودعكم بلا رجعة بلا رجعة بلا رجعه وإدعولي:( |
![]() |
![]() |
#6 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Jan 2010
البلد: في بريده
المشاركات: 1,792
|
وفقك الله وجزاك الله خير
__________________
ادعـــــوووولي ان الله يحقق اللي في بالي ويحقق اللي في بالكم[/U]) |
![]() |
![]() |
#7 |
Registered User
تاريخ التسجيل: Aug 2010
البلد: بريده
المشاركات: 83
|
مشكور والله يجعله في موازين حسنتاتك ! |
![]() |
![]() |
#8 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Feb 2006
البلد: في مكتبتي
المشاركات: 1,537
|
الوقفة الخامسة : كرامة المسلم . قال الله تعالى : {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } (262) سورة البقرة تتحدث الآية الكريمة عن فضيلة الإنفاق في سبيل الله , وأن المنفق أجره على الله , وموعود بالأمن والطمأنينة عند الله بشرطين أساسيين : الشرط الأول : ألا يُتْبِعَ نفقَتَه مَنّاً على الْمُنفَق عليه . الشرط الثاني : ألا يُتْبِعَ نفقتَه أذىً يلحق المنفَقِ عليه . قال تعالى : " ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى " والْمَنُّ : أن يعتد على من أحسنَ إليه بإحسانه . والأذى : أن يتطاولَ عليه بسببِ ما أنفقَ عليه . والتنصيص على نفي هذين الخلقين الذميمين في حال الصدقة , وأن عدمهما شرط لقبولها فيه رفعة لكرامة المسلم أو الإنسان بشكل عام , فالشارع الحكيم يحث الناس على عدم المساس بكرامة الآخَر , ولو كان هذا الآخَرُ قد أخذ منك صدقة ما . وأي جُرْحٍ لِلْكَرَامَةِ حين يتصدق عليك شخص ثم يمن بها عليك ويعيرك بها , أو يؤذيك بسببها , وقديما قالت العرب : إذا صنعتم صنيعةً فانسوها , وقال شاعرهم : وإنَّ امرءاً أسدى إلَيَّ صنيعةً ,,, وذكّرنيها مرةً لَلَئيمُ وقالت العربُ أيضاً : صِنْوانِ من منحَ سائلَهُ ومنّ , ومن منعَ نائله وضَنَّ . أي أن من أعطى مع المَنّ , مثل الذي منع السائل وبخِل . والصِّنْوان : مثنى صِنْو , وهو المِثل , أي أنهما متماثلان ليس بينهما فرق , والضنّ : البخل . وفائدة الإتيان ب( ثم ) في قوله : ثم لا يُتبعون ما أنفقوا ... : التراخي في نفي المن والأذى مع طول الوقت , أي يدومون على تناسي الإحسان , وعلى ترك الاعتداد به والامتنان , ولا يمكن أن يعودوا إليهما في أي زمن وتحت أي ظرف . انظر : حاشية كشاف الزمخشري لأحمد بن المنير 1 / 311 . وقد بين الله تعالى أن المن والأذى سبب لبطلان الصدقة : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى } (264) سورة البقرة . وقد جاءت السنة الكريمة بالوعيد الشديد على من أتبعَ نفقته مَنّاً يؤذي به كرامة أخيه المنفَقِ عليه . قال صلى الله عليه وسلم : " ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُم الله يَومَ القِيامَةِ ولا يَنْظُر إِليهِمْ ولا يُزَكِّيهِم ولَهُم عَذَابٌ أليم : المنّانُ بِما أَعْطَى , والمسْبِلُ إِزَارَه , والمنفِقُ سِلْعَتَه بِالْحَلِفِ الكَاذِب " رواه مسلم . فعل رأيتم حفظاً لكرامة الإنسان وكرامة المسلم أعظم من هذه الكرامة حين يشدد الشارع الحكيم على عدم الإساءة لمن أنفقتَ عليه بالامتنان والأذية ؟؟؟ بقيت مسألة واحدة , وهي أن الله تعالى قال في نفس السياق : {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} (263) سورة البقرة فأتى هنا بذكر الأذى فقط , ولم يرد ذكرٌ للمَنّ , مع وروده في الآية التي قبلها وهي : {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } (262) سورة البقرة , والآية التي بعدها وهي : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى } (264) سورة البقرة . فلماذا جاء ذكر المن في الأولى والثالثة , ولم يرد في الثانية ؟؟ بحثتُ فلم أجد جواباً شافياً فاستعنتُ الله تعالى في إنعام النظر هنا , ولعل قارئاً يكون أوسع إدراكاً فيفيدنا بعلم أكثر . قلتُ – والعلم عند الله - : أن الآية الأولى كانت الصدقة فيها عامة ( ما أنفقوا ) و ( ما ) موصولية تعم جميع الصدقات , فجاء الشرط هنا مستقصى بذكر المن والآذى , وفي الآية الثالثة كذلك جاء لفظ : الصدقات جمعاً , فناسب ذكر المحذور مفصلاً . أما في الآية الثانية فجاء لفظ الصدقة مفرداً ( خير من صدقةٍ .. ) فأُتبعتْ باحترازٍ مفرد يناسب لفظها , وكان المفرد أحد لفظين ( المن والأذى ) , فاختير أعم اللفظين وهو الأذى , لأن الأذى يشمل المن وغيره من أنواع الأذى , فكلُّ مَنٍّ أذى وليس العكس . أمرٌ ثانٍ : وهو أن الآية الأولى في سياق بيان الثواب للمنفق , وبيان الشرط الأساسي لقبول الصدقة وهو خلوها من المن والأذى فناسب أن يؤتى بالشرط مُفَصَّلاً , وفي الآية الثالثة جاءت الآية بسياق النهي والتحذير فانسب أيضاً أن يجيء النهي عما يبطل الصدقة مفصلا ( منا وأذى ) , أما في الآية الثانية فكانت مقارنة بين حالتين : قول معروف ومغفرة ,, وصدقة متبوعة بأذى , فلم يكن للتفصيل هنا مكان , فناسب الإتيان بلفظ عام يشمل الاثنين . أمر آخر : وهو أن الآية الثانية فيها توازن في المعادلة – إن صح التعبير – فقد جاءت المقارنة بين شيئين مكونين من شيئين : قول معروف + مغفرة في مقابل : صدقة + أذى , فتمت المعادلة هنا , وجاءت الخيرية للأول . ولو ذُكِرَ لفظ ( المنّ ) مع الثاني لكانت المعادلة : صدقة + مَنّ + أذى , وحينئذ يختل توازن المعادلة لأنها تصبح ثلاثة ف مقابل اثنين , ويختل النظم القرآني العظيم . والله تعالى أعلم وأحكم , وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
__________________
وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ [ محمود سامي البارودي ]
|
![]() |
![]() |
#9 |
عضو فعّال
تاريخ التسجيل: Nov 2007
البلد: في فؤآدٍ يهوآني ق1
المشاركات: 6,538
|
وقفاتٌ مبهرة ~
متابع إن شاء الله ..
__________________
|
![]() |
![]() |
#10 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Feb 2006
البلد: في مكتبتي
المشاركات: 1,537
|
الوقفة السادسة : التسمية الخالدة :
قال تعالى : {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (36) سورة آل عمران . عشت لحظاتٍ من التأمل حول هذه الآية الكريمة التي بينت لنا بجلاء قيمة المرأة منذ قديم الزمان , وأن لها عند الله تعالى أعلى المراتب , وتعجبت من حال مجتمعنا الذي يغمط المرأة حقها في كثير من الأحيان , وأكثر ما يغمطها اسمها الذي هو أخص خصائصها . فوقفت متأملاً قوله تعالى : " وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ " فوجدتُ فيه رفعة لشأن المرأة من ثلاثة أوجه : الوجه الأول : أن الله قص علينا هذه القصة في سياق المدح والثناء , لأنه أثنى في بداية الكلام على آل عمران : " {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} (33) سورة آل عمران . فأيُّ حَدَثٍ في هذه القصة إنما من قبيل القصص الحسن الذي يقتدى به , والذي ينزل بأعلى المراتب شرفاً لذكره في كتاب الله تعالى . الوجه الثاني : أن الْمُسَمِّي هنا امرأة , وهي امرأة عمران , فالذي قام بتسمية المولود ليس والدها , وإنما أمها رحمها الله : {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ,فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} سورة آل عمران . وحينئذ فأي شرف وأي رفعة للمرأة أن يقص الله علينا هذه الحادثة مبيناً أن المرأة هي من يسمي وليدها . تأملت هذا وأنا أرى بعض بني قومي يأنفون أن تسمي نساؤهم أطفالها , أو بعض أطفالها , وإن حصل أن سمت الأم طفلها باسمٍ تختاره , فإن الأب يكتم هذا أشد الكتمان عن أقاربه وذويه , ويتظاهر أمامهم أن الاسم من اختياره وقناعته , وكأن تسمية الأم لوليدها عيبٌ يوجب التستر منه !! الوجه الثالث : أن امرأة عمران أعلنتها صريحة مدوية بأن اسم طفلتها ( مريم ) ليعلم الناس كلهم باسم هذه الأنثى الصغيرة , في موقف يضرب العادات البالية عند بني قومي بالصميم ؛ إذ يرون اسم البنت عيباً لا يصح كشفُه , مكتفين بالتورية عنها في أي محفل : الوالدة , كريمتنا , أم فلان , البنت , الولية , المعزبة ... الخ من ألفاظ التعمية عن اسم المرأة وكأنه عار وشنار . ( مريم ) اسم عظيم خالد لامرأة عظيمة جاء ذكرها في القرآن في مواضيع كثيرة , وكانت أماً لرسول الله عيسى عليه السلام خامس أولى العزم عليهم السلام . ( مريم ) اسم بارز لامرأة صرّحتْ أمها بتسميتها , وجاء القرآن ليخبرنا قصة هذه التسمية دون عيب أو خجل , وهو ما فعله المصطفى صلى الله عليه وسلم حين مارس ذلك في حياته فعلاً : " عَلى رَسْلِكُما إِنِّها صَفِيَّة " " أحب الناس إليّ عائشة " " لو أن فاطمة بنت محمد ... " . فهل بعد هذا ثَمّ حُجَّةٌ لِمُتَحَجِّجٍ بِأنَّ اسمَ المرأةِ عَيبٌ عِندَ الأصْدقاءِ والخِلان ؟؟ علي الحامد 6 / 9 / 1431هـ
__________________
وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ [ محمود سامي البارودي ]
آخر من قام بالتعديل أبو سليمان الحامد; بتاريخ 16-08-2010 الساعة 07:39 AM. |
![]() |
![]() |
#11 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Feb 2009
البلد: في قلوب أحبائي
المشاركات: 135
|
الله يجزاك خير وينفع بك الإسلام والمسلمين، فائدة جميلة ووقفة رائعة.
|
![]() |
![]() |
#12 |
Registered User
تاريخ التسجيل: Feb 2008
البلد: alriyadh + buraydah
المشاركات: 3,889
|
جزيت خيرآ
|
![]() |
![]() |
#13 |
عضو فعّال
تاريخ التسجيل: Nov 2007
البلد: في فؤآدٍ يهوآني ق1
المشاركات: 6,538
|
رفع الله قدرَك وأعلى شأنَك
![]()
__________________
|
![]() |
![]() |
#14 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Feb 2006
البلد: في مكتبتي
المشاركات: 1,537
|
الوقفة السابعة عشرة : الكافي هو الله وحده لا شريك له . قال الله تعالى : {وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} (62) سورة الأنفال وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (64) سورة الأنفال . كلمة ( حَسْبُكَ ) معناها : يَكْفِيكَ , كما تقول العرب : حسبك درهم , أي يكفيك درهم , والكفاية هنا في الآيتين هي كفاية النصرة والتأييد والحفظ والتمكين , وهذه الكفاية خاصة بالله تعالى لا يشاركه فيها أحدٌ غيرُه سبحانه , ولذلك قال تعالى : ( فإنَّ حَسْبَكَ الله ) ولفظ الجلالة هنا خبر إنَّ وهو في الأصل مسند إليه , وتأخير المسند إليه يفيد الحصر , كما تقول : القادِمُ محمد , أي لا قادمَ إلا محمد , وكما قال تعالى : {إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} (196) سورة الأعراف , أي : لا ولِيَّ لي إلا الله تعالى . والحسْبُ ( بمعنى الكفاية ) جاء في القرآن مسنداً إلى الله تعالى وحده لا شريك له ؛ إذ لا كافي إلا الله , ولا ناصر إلا الله , وكفي بالله وليا وكفى بالله نصيراً , ومن ذلك قوله تعالى : {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (173) سورة آل عمران فالمؤمنون هنا : قالوا : حَسْبنا الله , ولم يُشركوا معه أحداً في الكفاية سبحانه , قال ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : ( حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلام حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالُوا : ( إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) . رواه البخاري . وقال تعالى : {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (129) سورة التوبة فالله تعالى يأمر نبيه أن يسلم أمره إلى الله وحده , وأن يعلن أنه لا كافي له ولا ناصر إلا الله تعالى ( فَقُلْ : حَسْبِيَ اللّهُ ) . وقال تعالى : {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} (38) سورة الزمر إعادة أخرى لتكرار هذه الكلمة العظيمة ( حسبي الله ) وهو وحده جل جلاله الكافي والنصير . وقال تعالى : { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } (3) سورة الطلاق , أي لا كافي له إلا هو جل جلاله . وهذا المعنى العميق بإسناد الكفاية والنصرة إلى الله تعالى وحده لا شريك له , يربي ربنا عباده عليه , ويذكرهم به وأنه لا ناصر لهم إلا الله , فيقول سبحانه : {إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (160) سورة آل عمران , بل ويعنف سبحانه المنافقين بعد غزوة تبوك حينما لم يسندوا الكفاية إلى الله وحده , ولم يرضوا بما قُسِمَ لهم فقال سبحانه : {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا آتَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ} (59) سورة التوبة . فتأمل معي – رعاك الله – كيف نسب العطاء والإيتاء إلى الله ورسوله مرتين : (مَا آتَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ ) (سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ ) ؛ لأن الله تعالى هو المعطي الحق , ورسوله صلى الله عليه وسلم القائم بأمر ربه , المعطي بما عنده من الله . أما الحسْبُ والكفاية فهي من الله تعالى وحده لا شريك له , ولذلك قال : (وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ ) . وهذا المعنى الذي قررناه هنا في إسناد الحسب والكفاية لله وحده يبين لنا وهْمَ بعض النحويين في إعراب قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (64) سورة الأنفال , فأعربوا : ( ومَنْ اتبعك ) بأنه معطوف على لفظ الجلالة , والمعنى أن الله سبحانه يكيفك , والمؤمنون كذلك يكفونك . وهذا المعنى غير صحيح إطلاقاً , فهو وإن صح نحوياً إلا أنه لا يصح معنىً كما قرره القرآن الكريم , والقرآن يفسر بعضه بعضاً , فالكافي هو الله تعالى وحده لا شريك , كما أسلفنا من الآيات البينات , وكما قال تعالى : {قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} (17) سورة الأحزاب . والإعراب الصحيح للآية : أن يكون ( مَنْ ) معطوفاً على ( الكاف في حسبك ) فيكون في محل خفض , أي حسبك الله وحسب من اتبعك , ولكن يعتري هذا الإعراب مشكلة نحوية أخرى , وهي مسألة عطف الظاهر على الضمير المجرور بدون إعادة الخافض , ويمكن أن نتلافى هذا الإشكال بأن يكون العطف من باب عطف الجمل , ويكون ( مَنْ ) مفعولاً به لفعل محذوف دل عليه ما قبله والتقدير : حسبك الله , ويكفي من اتبعك من المؤمنين . [ انظر : التبيان في إعراب القرآن للعكبري : 631 ] . وأي إعراب اخترنا فهو أحسن من أن نجعل ( مَنْ ) في محل رفع عطفاً على لفظ الجلالة ؛ لأن المعنى لا يستقيم كما أسلفنا , والإعراب فرعُ المعنى كما أن المعنى فرع الإعراب . ولا نقول بعد هذا إلا كما قال المؤمنون المتقون : حسبنا الله ونعم الوكيل , ولو طبقنا هذا المعنى العظيم في حياتنا , وفوضنا أمرنا إلى الله تعالى لأصبحنا من عباد الله المقربين , واقتدينا بعباد الله وأنبيائه : {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } (11) {وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ } (12) سورة إبراهيم . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . 17 / 9 / 1431 هـ
__________________
وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ [ محمود سامي البارودي ]
|
![]() |
![]() |
الإشارات المرجعية |
|
|