|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
![]() |
#21 |
كاتب مميّز
تاريخ التسجيل: Feb 2006
البلد: في مكتبتي
المشاركات: 1,537
|
الوقفة الثامنة عشرة : بعضٌ من صفات أهل النفاق : من المعلوم أن سورة التوبة جاءت فاضحةً للمنافقين , وبياناً لكثير من صفاتهم الدنيئة ومواقفهم السيئة تجاه الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين , ولعلي أشير هنا بإيجاز إلى صفتين اتصفوا بهما يعضد بعضهما بعضاً : الصفة الأولى : أهل النفاق جُبَناء . قال الله تعالى : {وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ} (57) سورة التوبة . تتحدثُ الآيتان الكريمتان عن صفة خسيسة في المنافقين , وهي الخوف والجبن , فهم يحلفون بالله إنهم لَمِنَ المؤمنين , ولكنَّ الله تعالى يبين أنهم ليسوا منكم أيها المؤمنون , بل هم قوم جبناء ( يَفْرَقُون ) عند حدوث المعضلات والخروج للقاء العدو , ويخافون من المشركين فيتظاهرون بالإسلام تقِيّةً . ومعنى ( يَفْرَقُون) أي : يخافون , والفَرَق : هو الخوف , وجاء التعبير بالمضارع ( يفرَقون ) لبيان أن الخوف متجدد معهم في كل حالة , ومستمر معهم في حياتهم , فالمضارع أخذ من الفعل التجدد , ومن الاسم الاستمرارية , فدل على الأمرين . ثم بيَّنَ تعالى أنهم لو يجدون مكاناً يختبئون فيه إما ملجأ , أو مغارة , أو نفقاً يندسون فيه ( مدخلاً ) لأسرعوا إليه لا يلوون على شيء , و( هم يجمحون ) أي يسرعون . وفي الآية تبكيتٌ لأهل النفاق وبيان أنهم جبناء , وليسوا مثل المؤمنين الصادقين المتصفين بالشجاعة والإقدام , وهكذا هم أهل النفاق على مر الأزمان والعصور , لا يستطيعون مواجهة الأزمات لخوفهم الذي يأكل قلوبهم , فيتركون التصدي للمثلاتِ لأهل الإيمان الشجعان . الصفة الثانية : مشابهة النساء والاقتداء بهنّ : قال الله تعالى : {وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ (86) رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ} (87) سورة التوبة سورة التوبة . فبيّنَ الله تعالى أنَّه إذا أمر المؤمنون بالجهاد في سبيل الله جاء أهل الثراء والطَّوْل والسعة من أهل النفاق يستأذنونه بعدم الجهاد , وقالوا : ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ لنحمي الديار بعدكم , ولكنهم كانوا كاذبين , وإنما رضوا أن يكونوا مع النساء والقَعَدَةِ من ضَعَفَة المسلمين , وهذا من أكبر الإهانة لهم والتبكيت , لأنك إن كنتَ رجلاً فكيف ترضى أن تقعد كالنساء ؟ قد يقول قائل : من أين أتيتَ بكلمة النساء , ولا ذكر لها في الآية ؟ فالجواب : من قوله : الخوالف , والخَوالِفُ : جمع خَالِفَة , وهي المرأة تخلف الرجل في بيته [ مفردات الراغب الأصفهاني : 296 ( خلف ) , لأن فواعل جمعٌ لفاعِلَة كما تقول : قاعدة وقواعد , وفائدة وفوائد , ناعسة ونواعس , جارية وجواري . وهذه الصفة لهم ( الجلوس مع النساء ) ترجع إلى الصفة الأولى وهي الجبن والخوف , فأي صفتين ذميمتين فضح الله بهما أهل النفاق ؟؟ ونستنتج من قوله سبحانه : ( الخوالف ) أن النساء لا تخرج للقتال مع الرجال , بل تتخلف عنهم في ديارهم , لا كما يدعي بعض المتعالمين أن النساء كنّ يشاركن الرجال في المعارك في بدء الإسلام , وإن حصل موقف أو موقفان فليسا حجة أو سنة دائمة , بل على قدر الحاجة والضرورة . وقد أعاد الله تعالى هذا المعنى مع الأغنياء من المنافقين , وبين أنهم يرضون بالدنية في دينهم , فيجلسون متخلفين كالنساء , قال تعالى : {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاء رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} (93) سورة التوبة . وهذا الرضا بهذا الصنيع كان نتيجته أن طبع الله على قلوبهم فلا يستقبحون قبيحاً , ولا يأنفون من مسبة أو مذمة . نعوذ بالله من النفاق وأهله , ونستجير بالله من الجبن والخوف . ولو استعرضنا سورة التوبة لوجدنا صفاتٍ للمنافقين كثيرة , ولكن أكتفي بهذا القدر من الوقفة الرمضانية , وأسأل الله تعالى أن يَعلِّمَنا ما ينفعنا , وأن ينفعنا بما علَّمَنا إنه سميعٌ مجيب. وصلى الله على نبينا محمد , وعلى آله وصحبه أجمعين . 18 / 9 / 1431هـ
__________________
وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ [ محمود سامي البارودي ]
|
![]() |
الإشارات المرجعية |
|
|