[أبـو العبـــاس]

،


طُردنا إليها ، وسُجِنّا فيها ، وجُعلتْ لنا مستقرًا بعد هناءِ مُستقرِّنا ، ومثوى بعد كرمِ مثوانا ، السوداءُ المنكرَة ، الخَدوعُ الملعونة ! .
ألبسناها ثيابًا نُسجَتْ من دمائنا ، وزيّنّاها بمادّةِ عقولنا ، وقلّدناها جماجم أبنائنا ، ثم أقمناها قُدّامنا وسجدنا - جميعا - لها !

عجبًا لنا ! ما تزاد عنا إلا بُعدا ، وما نزداد لها إلا حبًا . فُطرتْ على تكديرنا ، فذَلّلنا فطرتنا لتنقاد إليها ، وتخضعَ بين يديها ، وتلعقَ قيحها ، وتفتخرَ بهبائها !
هذه المُكَدِّرة التي ما فتئت تنغص عيشنا ، وترهق قلوبنا ، وتزيد من وهننا ، وإذلالنا . ما بال كدرها لا ينقضي ، وألمِها لا يزول ؟ ما بالها تنتزع الملاذّ واحدةً واحدةً حتى ما بقي في العيش من لذّة إلا غُبّراتٍ توشك أن تنقضي ؟
أمَا لألمكِ من آخر ؟ أما لبؤسكِ من نهاية ؟

أتؤذنينَ بِبَينِ صاحبي وهو روحُ القلب ، وسوادُ العين ، وأُنسُ الروح ، وملاذُ الهم ، وموئل المحبة ، وصافي الود ، وجسدُ البر ؟ أما تذكرين حُسنَ عشرته ، ودوام محبته ، وأُنسيَ به ، أيامَ كُنّا في غمرة الصِّبا نلهو ، ونلعب . نبْتَدرُ الأحاديثَ أحاديثَ كالسِّحر يجري في البدن ، كجري جداول الزرع .

ألا رعايةً لحق صحابته ، ودوام وفاءه ، وكرم مغرسه ، ونبل شمائله ؟

اللهم لا حول إلا حولُك ، ولا طَول إلا طولُك . لا عز لعبد إلا بنصرك ، ولا بِشْر إلا بفضلك ، ولا تيسير إلا بمعونتك ، ولا سداد قول إلا بتثقيفك . أسألك ردّ الضَّالة ، ولم الشعث ، ورأب الصَّدع ، وتأليف القلوب ، وإزالة الوَغَر ، ودفع البين ، وحسن اللقاء ، مع حسن البلاء . إنّك واسع العطية ، مجزل مثوبة .


أبو العباس


،