[النمر الأرقط]

كالعادة : صمت عربي واستنكار دولي

شتان بين الموقف العربي المسلم والموقف العالمي ، فبالرغم أن القادة العرب هم المعنيون بالدرجة الأولى من هذه الحرب إلا أن مواقفهم كانت تتميز بلامبالاة عجيبة . وياليت الموقف العربي تميز بالسكوت والخضوع إلا أنه أبى كعادته إلا أن تكون له مواقف تثير الاشمئزاز ، وليس هذا بغريب ، فجنين ستكون رمزاً لبطولات وتضحيات ومن شأن هذه أن يتحطم حلم كثير من القادة بالتبرك بمصافحة شارون وبيريز من خلال صُلْح وسِلْم مع دولة بني صهيون ، ولهذا فإن القضاء على جنين سيكون هو الطريق المؤدي إلى تلك الأمنية ، وما علم هؤلاء أن جنين ستلد ألف جنين جديدة بإذن الله الواحد الأحد . وقد بينت الأيام صدق هذا التوقع .

ففي مصر حصر المشير حسين طنطاوي وزير الدفاع الجهود المصرية بالتهدئة وحصر المشاكل فقط ؛ حيث أطلع رجال الجيشين الثاني والثالث على طبيعة الموقف الراهن والتطورات التي تمر بها المنطقة والجهود المكثفة والصادقة والمستمرة التي تبذلها مصر من أجل أمن واستقرار المنطقة ، وباستخدام كل الطرق والوسائل على المستويين الإقليمي والدولي ، كما قامت مصر بتدعيم قوات الشرطة بطول الحدود مع غزة ومنطقة معبر رفح الحدودي تحسباً لمنع أي فلسطيني من الهروب من القتل أو كما زعموا أن هذا من أجل منع التهجير الجماعي من قِبَل إسرائيل تجاه الشعب المقهور ، وقال مصدر أمنى مصري في مدينة العريش إنه تمت زيادة أعداد قوات الشرطة المصرية المتمركزة في منطقة الحدود وتغطية المناطق ذات الحراسات القليلة بأعداد من قوات الأمن المركزي لإحكام السيطرة على المنطقة ومنع أي حالات تسلل.

وأضاف أن هناك سيارات شرطة مصفحة تقف الآن في منطقة معبر رفح ، كما بدأ بعض جنود الأمن المركزي ينتشرون في مناطق عديدة على الأسلاك الشائكة التي تفصل بين الحدود المصرية وغزة.

وحتى لا يصيب إسرائيل أي أذى من مجاهد مصري فقد عززت الحراسة أكثر ، والسبب كما قال مصدر أمن مصري : من أجل منع المصريين من الاقتراب من منطقة الحدود لاستفزاز الجنود الإسرائيليين ، والجدير بالذكر أنه استشهد ثلاثة مسلحين في اشتباك مع قوات الاحتلال الصهيوني على الحدود المصرية الفلسطينية في رفح جنوب قطاع غزة.

وقد أشار مركز الإعلام الفلسطيني وفقا لمصادره الأولية أن ثلاثة مقاتلين يعتقد أنهم فلسطينيون قادمون من مصر اجتازوا الحدود مع مصر ، واقتحموا منطقة داخل الكيان الصهيوني على بعد حوالي خمسين كيلو مترا شمال مدينة إيلات ، ووقع بينهم وبين الصهاينة اشتباك مسلح استمر لأكثر من ساعة و نصف مع ما يسمى الوحدات الخاصة الصهيونية مما أسفر عن استشهاد الثلاثة بحسب مصادر الاحتلال فيما أصيب جنديان صهيونيان بجراح متوسطة.

وفي لبنان قام الجيش اللبناني باحتجاز فلسطينيين لقيامهما بإطلاق قنبلة تعمل بالدفع الصاروخي على شمال إسرائيل ، وقالت هذه المصادر : أن الرجلين واللذان لم تكشف هويّاتهما بعد أطلقا قذائف آر بي جي ليلا في القطاع الغربي للحدود اللبنانية الإسرائيلية.

وفي الكويت فقد عارض الوفد الكويتي المشارك في اجتماعات منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في كوالالمبور المقترح الذي تقدمت به العراق وأيدته إيران حول مبدأ استخدام ورقة النفط كسلاح لمعاقبة الدول التي تدعم إسرائيل ولوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية الحالية ضد الفلسطينيين ، حيث قال أحد ممثلي دولة الكويت "من المستحيل القيام بذلك . كيف يمكننا مساندة أشقائنا الفلسطينيين إذا لم نملك المال الكافي لذلك؟".

وتابع: "يجب علينا أن نكون واقعيين عندما نتحدث عن سلاح النفط، إن الموضوع قضية ذات حدين ستؤذي مصدري النفط أكثر من الولايات المتحدة على المدى القريب والبعيد".

وفي السعودية فقد صرح وزير نفطها باستعداد بلده بتعويض أي نقص يحصل في السوق النفطية ملمحاً إلى تهديد العراق وإيران ، أما سفيرها لدى أمريكا الأمير بندر بن سلطان فقد شجب العمليات الإرهابية الفلسطينية ضد المدنيين الإسرائيليين ، كما وحمّل عرفات المشاركة في الإرهاب الحاصل في فلسطين .

وأما في الأردن فقد صرح عاهلها أنه لن يسمح لأي مظاهرة تزعزع الأمن في بلده ؛ حتى ولو كانت من أجل فلسطين . كما نفى مسئولون أردنيون نفياً قاطعاً أنهم يفكرون في قطع علاقاتهم مع إسرائيل، وبرروا ذلك بأغرب حجة يمكن أن تقال في هذا المجال ، حيث ذكر مسئول وصف بأنه رفيع المستوى لصحيفة يديعوت أحرونوت اليهودية : أن بلاده تريد الحفاظ على علاقاتها مع إسرائيل من أجل التأثير على سياستها ، وقال المسئول الرفيع : أن القرارات التي ستتخذ في هذا الشأن ستكون على درجة عالية من الحذر ..

وأما في اليمن فقد قرر الرئيس علي عبد الله صالح أن يمتنع عن الحديث للإعلام احتجاجاً على صمت العرب إلا أنه بعد ثلاثة أيام فقط قرر أن يتكلم مرة أخرى لأنه من الصعب عليه أو على أمثاله أن يدع الحديث دائما حيث يجيد هو وإخوته الأقوال أكثر من الأفعال ، وازداد الأمر سوءاً بعد أن وجه دعوة إلى نظيره المصري يطلب فيها أن يتم تفعيل العلاقة بين مصر و إسرائيل لصالح وقف العدوان على الفلسطينيين ، و قد أثار هذا الطلب العجيب دهشة عدد من المراقبين ، فالرئيس اليمني يتبنى دائما في مثل هذه المواقف اتجاها ساخناً يدعو فيه إلى القتال و فتح الحدود ، و قد حدثت مشادة إعلامية بينه و بين الرئيس المصري في بداية الانتفاضة الحالية عندما كرر أكثر من مرة الطلب من مصر أن تفتح حدودها للمجاهدين ، و هو ما دفع الرئيس المصري إلى الرد عليه ساخرا : " إن كان يريد أن يقاتل فليأت و نفتح له الحدود " ..و كان الرئيس اليمني قد طالب قبل ذلك بتجميد العلاقات مع إسرائيل ، و اتخاذ موقف حاسم في هذا المجال ، و هو ما يزيد من حجم الدهشة لدعوته الأخيرة إلى توظيف العلاقة بدلا من تجميدها أو قطعها ... و كانت وكالة الأنباء اليمنية قد نقلت عن علي صالح قوله خلال اتصال هاتفي مع الرئيس المصري أنه طالب مبارك باعتباره رئيس أكبر دولة عربية، توظيف علاقات مصر وإمكاناتها من أجل إيقاف العدوان الإسرائيلي وإنقاذ الشعب الفلسطيني ، كما أبرز الرئيس اليمني أهمية التحرك المصري الفعال لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ...

أما في فلسطين فلم يمهل ياسر عرفات أو حاشيته شعبهم أن يلتقطوا أنفاسهم في حربهم مع العدو ، فهو يقبض على المجاهدين أكثر من إسرائيل بل يقتلون في سجونه تعذيباً وتعزيراً ، وحكى المجاهدون عن التعذيب الذي نالوه في سجنه حتى صار سجن وتعذيب إسرائيل بالنسبة لهم نعمة ، وآخر هذه الجرائم ما قام به قائد جهاز الأمن الوقائي في الضفة الغربية (جبريل الرجوب) الذي قام بنقل مجاهدين فلسطينيين تابعين لحماس ومطلوبين لدى إسرائيل من مناطق مختلفة وتجميعهم في السجن منذ فترة ، ثم رفض كل الوساطات للإفراج عنهم في ظل تصعيد القصف الصهيوني لمقرات السلطة الفلسطينية خلال الأسابيع الماضية ضارباً بعرض الحائط طلب الجماهير الفلسطينية بضرورة الإفراج الفوري عن المعتقلين حتي لا يقعوا ضحية القصف الصهيوني الهمجي.

أما في كوالالمبور العاصمة الماليزية فقد افتتحت منظمة المؤتمر الإسلامي مؤتمراً إسلامياً كبيراً ، والذي شارك فيه وزراء خارجية 57 دولة من أعضاء المنظمة لمناقشة الإرهاب ، وقد دعا رئيس وزراء ماليزيا ماهتير محمد الدول الأعضاء إلى اتفاق بشان مغزى الإرهاب، وطالب أن يوصم كل اعتداء ضد المدنيين، سواء هجمات الحادي عشر من سبتمبر الماضي أو العمليات العسكرية الإسرائيلية أو العمليات الفلسطينية الاستشهادية كعمل إرهابي.

وتابع ماهتير محمد،- والذي تصفه CNN بأنه وهو حليف إستراتيجي للولايات المتحدة في حربها على الإرهاب- ، أن يتبنى القرار في ختام الاجتماعات التي ستستغرق 3 أيام لتشكل اللبنة الأساسية للولايات المتحدة في تحديد الإرهاب وإدانة منفذيه.

وحث رئيس الوزراء الماليزي المسلمين كافة إلى إدانة العنف، بعد إيجاد صيغة لتعريفه، وقال: "قد نكون نشعر بالغضب والمرارة، إلا أنه يجب علينا أن نبرهن للعالم أن المسلمين أناس متعقلون عندما نحارب من أجل حقوقنا ولا نرتكب أي من أنواع الإرهاب"

وأدان ماهتير العمليات الاستشهادية الفلسطينية ووصفها بالإرهاب، إلا أنه حث وفي ذات الوقت العالم لتفهم الإحباط الذي يؤدي إلى مثل هذا النوع من الهجمات، وقال: "لا أعتقد أن هناك أناساً تقوم بمثل هذا العمل لمجرد متعة القيام به".

أما الموقف عالميا فقد كان مشرفاً للفلسطينيين ومخزياً للعرب فقد هددت بلجيكا بسحب سفيرها من تل أبيب ؛ بل وكادت أن تقطع علاقاتها الاقتصادية مع الدولة الصهيونية

أما الاتحاد الأوروبي فقد كانت الدعوات فيه جيدة نسبياً فقد صرح جراهام واتسون رئيس الكتلة الليبرالية بالبرلمان الأوروبي للقناة الخامسة الفرنسية عصر أمس بأن شارون مجرم حرب وعلى محكمة الجنايات الدولية أن تحاكمه بعد ميلوسيفيتش، فقد رأينا في مخيم جنين وفي رام الله فظائع يندى لها جبين الإنسانية.

ومعلوم أن واتسون يمثل مجموعة الأحزاب الليبرالية في كامل أوروبا ومفوض للحديث باسم هذه الأحزاب.

ومن ناحية أخرى قرر البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ الأربعاء فرض عقوبات تجارية على إسرائيل، احتجاجًا على عملياتها في المناطق الفلسطينية. وقد اتخذ القرار بغالبية أصوات 269 نائبًا، مقابل معارضة 208، وامتناع 22 نائبًا.

كما دعا البرلمان الأوروبي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ـ 15 دولة ـ إلى تعليق اتفاقية الشراكة الاقتصادية مع إسرائيل، التي تشمل اتفاقية التبادل التجاري الحر واتفاقية العلاقات الدبلوماسية بين الأطراف. كما صوت البرلمان الأوروبي على قرار يدعو إلى فرض حظر بيع الأسلحة لإسرائيل وللسلطة الفلسطينية.

ويا ليت العرب اقتدوا بالسفير البريطاني لدى إسرائيل في شجاعته وتحمسه لقضايا دينه وبلده ، ولو كانت ستضره فقد خاطر بإثارة أزمة دبلوماسية عندما عرض مساعدته على السلطات العسكرية لتحسين صورتها المهلهلة في الخارج. وقال السفير شيرارد كاوبر كولز إن على الإسرائيليين أن يقلدوا تكتيكات الجيش البريطاني في حربه مع الجيش الجمهوري الايرلندي في ايرلندا الشمالية، وقال في حديث مع صحيفة جيروزالم بوست: أتمنى تقديم مزيد من العون لجهود العلاقات العامة الإسرائيلية واشعر أحيانا أن بإمكان إسرائيل أن تعرض قضيتها بصورة أفضل.

وأوصى بأن يقوم الجيش الإسرائيلي بنقل صورة خاصة به من مسرح الأحداث بأعداد أكبر وسرعة أكثر. وكما اعتبر الجيش البريطاني من تجربته المريرة في حربه ضد الإرهاب في شمال ايرلندا فإنك إذا لم تبادر بتزويد وسائل الإعلام بالصور فإن العدو سيفعل ذلك وأردف يقول: كلما حدثت حادثة عليك تفويض متحدث رسمي، ويفضل أن يكون شابا وسيما ليعطي صورة جيدة لجيش الدفاع الإسرائيلي، وقد تلقى كافة الضباط في ايرلندا الشمالية تدريبا بخصوص كيفية التعامل مع وسائل الإعلام، ومن الأفضل الاستعانة بضباط يافعين خيرا من الجنرالات الكبار الصارمين. وقال إن وجهة النظر الإسرائيلية أصبحت أصعب قبولا لدى الحكومة البريطانية خلال الـ 18 شهرا الماضية، نظرا لأن الطبقات الثرثارة في بريطانيا قد تحولت ضد الدولة العبرية. ولكنه أصر على أن بالإمكان إصلاح الصورة، واستشهد ببرنامج وثائقي لهيئة الإذاعة البريطانية حول أنشطة وحدة مختارة من الجيش الإسرائيلي. لقد أظهرت جيش الدفاع الإسرائيلي في أفضل صورة ممكنة وقال يمكنك ملاحظة الشجاعة والكفاءة التي يتحلى بها جيش الدفاع الإسرائيلي.

ويا ليت العرب طلبوا صورة ومعلومة عن ذلك الياباني الذي أحرق نفسه حزناً على ما أصاب هذا الشعب المضحي ، فقد أحرق ذلك الناشط الياباني والذي يعمل من أجل حقوق الفلسطينيين نفسه حتى الموت في أحد متنزهات العاصمة اليابانية، طوكيو، احتجاجًا على العمليات العسكرية التي تنفذها إسرائيل في مناطق السلطة الفلسطينية. هذا قاله أحد زملائه للنشاط السياسي.

وقد سكب تاكو هيموري (54 عاما) على نفسه وقودا مساء يوم السبت، وقال الناطق بلسان الشرطة إن "المتنزهين الذين جاؤوا لرؤية نوار أشجار الكرز، شاهدوا فجأة اشتعال نار بين الأشجار واستدعوا الشرطة".

وقال صديق هيموري، إن الإطفائية وصلت إلى المكان وقاموا بإطفاء النار وسألوه إذا ما قد حرق نفسه. وحسب أقوال صديقه فقد "رد متمتمًا، وبعد ذلك لفظ أنفاسه الأخيرة".

يذكر أن هيموري هو عضو في منظمة فويس وشارك في إضراب عن الطعام ومظاهرات احتجاج تأييدًا للشعب الفلسطيني .

وياليت قادتنا تأسوا بالمجموعات الأوروبية للسلام والتي تخندقت في بلدات فلسطين وجعلوا حياتهم تبعاً لحياة الفلسطينيين وتوزعوا في القرى والمدن .