|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
02-12-2010, 02:33 PM | #1 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Nov 2005
البلد: المملكة العربية السعودية
المشاركات: 115
|
أيها الشيخ :: ( لا تقم فيه أبداً )
كثير من المسلمين اليوم قطَعوا العلائق مع كتاب ربهم الخالق، ولو تدبَّروا آياتِه لأبصروا عجبًا، وفي القرآن أوصافٌ وأحوال خالية من ذكر الأعيان إلا ما نَدَر، حتى تعُمَّ كلَّ زمن، وينتفِعَ بها المؤمن أينما كان، ولو أردتَ في خِضَمِّ هذه الجعجعة والفتَنِ المُدْلَهِمَّة أن تتدبر كتاب الله، لرأيتَ أنَّ كثيرًا من الآيات كأنما أنزلت لحوادث اليوم والساعة واللحظة.
فليست الفجوة بين الزمان الذي أنزل فيه القرآن وزماننا، ولكن الفجوة بين القرآن وأفهامنا وقلوبنا التي استحكم عليها الرَّان. وقد يتأمل المؤمن القرآن فلا يملك إلا أن يسبِّح في مواضِعَ كُثُر؛ لما يجده من تطابق الوصف الرباني مع الحال المعايَش، والأمثلة على هذا تطول، ولعل منها هذا الدرس المسطور في سورة الفاضحة (التوبة) التي فضحت المنافقين، وما أحوجَنا لها اليوم! لطغيان الموجة النفاقية باسم الليبرالية التعيسة، أو العلمانية الصرفة البئيسة... أو غيرهما، فتختلف المسميات ببهرج أهل النفاق، وقدرتهم على التلون وركوب الصعب والذلول؛ لأجل إيهام المؤمنين بالبعد عن الجوهر، وهو (النفاق). كان في المدينة قبل مقدم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لها رجلٌ يقال له: أبو عامر الراهب، الذي سمَّاه النبيُّ بعد ذلك بأبي عامر الفاسق، ولما جاء النبي للمدينة شرق هذا الرجل بدعوة الإسلام وظهوره، فخرج فارًّا للمشركين، وألَّبهم على النبي والمسلمين، حتى جاؤوا في معركة أحد. وتقدَّم أبو عامر في أول المبارزة إلى قومه من الأنصار، فخاطبهم واستمالهم إلى موافقته، فقالوا: (لا أنعم الله بك عينًا، يا فاسق، يا عدو الله) ونالوا منه وسبُّوه، فرجع يقول: (والله لقد أصاب قومي بعدي شر!). وقام أبو عامر بحفر الحفائر فيما بين الصفين، حتى وقع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في إحداهن، فشُجَّ رأسُه، وكُسرت رَبَاعِيَتُه. ثم لما ازداد ظهور الإسلام بعد هذه المعركة، ذهب أبو عامر لهِرَقْل عظيم الروم، يستنصره على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فوعده ومَنَّاه، وأرسل لمنافقي قومه في المدينة يعدهم ويمنِّيهم. وأَمَرَهم أن يتخذوا مقرًّا لأجل التواصل واستلام الرسائل، فشرعوا في بناء مسجد مجاور لمسجد قباء، وأرادوا أن يصلِّيَ فيه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ليقرَّهم فيه، وذَكَروا أنهم بَنَوْه للضعفاء والمساكين. فعصَم اللهُ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - من الصلاة فيه؛ لانشغاله بالسفر إلى تبوك، وحين العودة نزل عليه الوحي يأمره بأمر عظيم، فأرسل مَن ينفذ هذا الأمر، وأثبت الله هذا الحال والوصف؛ ليكون دليلاً للمهتدين إلى يوم الدين، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ * أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 107 - 110] الوقفة الأولى - وهي المقصودة -: أن بعض الأفاضل المحسوبين على أهل العلم والدعوة، لا يتنبه لكثير من المحافل النفاقية التي هي نسخة من (مسجد الضرار)، فيُدْعى لها لأجل إضفاء الشرعية عليها وعلى جهودها، وربما امتدحها وأثنى على أهلها! وتخونه في مثل هذه المواقف فِطنتُه وكياسته التي لا تحتاج إلى كثير تدقيق، فإن أمر مثل هذه المحافل ظاهر، وكما يقال: (الكتاب يظهر من عنوانه)، ومسارعته لمثل هذه المحافل ليست ذات ضرر قاصر، بل هي جناية على الأمة، وغش للمسلمين وشهادة زور. الوقفة الثانية: أن هذا الداعية وطالب العلم قد يَتوهم مصلحةً راجحةً، ولكن المصلحة كل المصلحة هي في اتباع هدي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهل استنكر أحد من المؤمنين هَدْم ذلك المسجد، واستحسن أن يُستغل بعد إزالة سطوة المنافقين عليه؟! كلا، بل مفاصلة ومفارقة تامة للنفاق وأهله وسبله، وما بُني على باطل فهو باطل. الوقفة الثالثة: أنَّ مِن أعظم المقدَّسات في نفوس المسلمين: بيوتَ الله، تلك المساجد التي يرفع فيها ذكر الله، وفي الحال السابق استهدف المنافقون أقدس ما لدى المسلمين؛ ليتدثروا به، ويُخفوا سخيمة صدورهم، ومع هذا جاء الأمر (بالهدم)! فلا يستعظم مسلم اليومَ أن يقوم مركز هنا أو هناك ليتسمى باسم صحابي أو صحابية، وهو بؤرة نفاق، أو يُعقد مؤتمر هنا أو هناك، ويتسمى بأسماء برَّاقة؛ كيوم المرأة أو الأم، أو أشباه هذا، فالحكم على الحقائق لا على المسميات. الوقفة الرابعة: أن أبا عامر الفاسق المنافق كان يحفر الحُفَر للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ويتقصده بالإطاحة والإسقاط الحسي الحقيقي في معركة أحد، وكان المنافقون يحفرون الحفر أيضًا للإطاحة والإسقاط المعنوي المنهجي في بناء مسجد الضرار ودعوته للصلاة فيه. ولا يَغفل المؤمن - وهو كيِّسٌ فَطِن - أن للمنافقين اليوم حُفَرًا يريدون بها إسقاط الدعاة والعلماء، ومَن حضر صلاتهم في مؤتمراتهم فقد سعى لحتفه، وجنى على نفسه! الوقفة الخامسة: أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وإن سقط في إحدى هذه الحفر وتأذَّى حسيًّا ومعنويًّا، إلا أنه واصل الجهاد، ولم يتزحزح عن المنهج القويم، والصراط المستقيم، ولم تكن له رِدَّاتُ فعل تحرفه عن هذا المسلك والسبيل، إما إفراطًا أو تفريطًا. الوقفة السادسة: أن المنافقين يَسعون سعْيًا حثيثًا للاستقواء بالخارج متى ما عُدِمَ النصير في الداخل، أيًّا كان الخارج (ولو على ظهر دبابة) كما قال أحدهم! الوقفة السابعة: أنهم يسعون كذلك لإنشاء المراكز والمؤتمرات والندوات؛ لإدارة العمل النِّفاقي، وتنسيق الجهود، وقد سبق أنهم لم يتحرَّجوا من استخدام المسجد كعباءة وغطاء، وهو مقدَّس ديني، فغَيْره أولى. الوقفة الثامنة: أن تنسيق الجهود بين منافقي الداخل والخارج قائم، يَجمعه الحقْد الدفين، والبغض للدين وأهله. الوقفة التاسعة: هي في قوله تعالى: ﴿وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [التوبة : 107]، فهم لا يزعمون الديانة والوسطية والإسلام المعتدل والنصيحة للمسلمين فقط، بل يحلفون على هذا، يعلمون أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي بيْن أَظْهُرِهم متَّصِلٌ بالوحي، والله قادر على إكذابهم، (والله يشهد إنهم لكاذبون)، ومع ذلك يحلفون! فكيف اليوم وقد انقطع الوحي ولا نبوة؟! الوقفة العاشرة: أن المجتمع المؤمن له موقف صارم موحَّد تجاه المنافقين ودَعاويهم، فالحق أبلج والباطل لجلج، وهو - بعلمه وإيمانه - حصين منيع من الاقتحام ومحاولات الإرجاف واختراق الصفوف، فمقولة الجماعة المؤمنة: (لا أنعم الله بك عينًا يا فاسق، يا عدو الله)، والغَواية المتناهية الطاغية على البصيرة تجعل المنافق مختلَّ الموازين فيما يتعلق بالحق والباطل، والحسرةُ باديةٌ على مواقفه وردة فعله تجاه هذا الاتحاد المنهجي الصارم (والله لقد أصاب قومي بعدي شر!). وهل هناك فرق بين أبي عامر الذي حرض المشركين لغزو المؤمنين بالأمس، وبين من حرض الغرب الكافر لغزو المؤمنين واحتلالهم اليوم، وسوغ لهم وهاجم المؤمنين الذين يقاومونهم، وقال كأبي عامر: (لقد أصاب قومي من التخلف ما جعلهم يقاومون دعاة الحضارة وفرسان الحرية)؟! الوقفة الحادية عشرة - وهي الأخيرة خوفًا من الإطالة -: أن أمر المؤمنين في ظهور، وأمر المنافقين في خَسَار؛ ﴿لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة : 110]، فنفاقهم في قلوبهم حتى تتقطع ويهلكوا، ودين الله قائم، فليُبْشِر المؤمن. |
الإشارات المرجعية |
|
|