بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » الولاء والبراء

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 10-03-2011, 09:28 PM   #1
أسد الجزيرة
Registered User
 
تاريخ التسجيل: Jan 2011
البلد: بريدة
المشاركات: 100
الولاء والبراء

ومنزلة عقيدة الولاء والبراء من الشرع عظيمة ومنها :
أولاً : أنها جزء من معنى الشهادة ، وهي قول : ( لا إله ) من ( لا إله إلا الله ) فإن معناها البراء من كل ما يُعبد من دون الله .
ثانيًا : أنها شرط في الإيمان ، كما قال تعالى : ( ترى كثيرًا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه اتخذوهم أولياء ولكن كثيرًا منهم فاسقون ) .
ثالثًا : أن هذه العقيدة أوثق عرى الإيمان ، لما روى أحمد في مسنده عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله ) .
يقول الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب - رحمهم الله - : ( فهل يتم الدين أو يُقام عَلَم الجهاد أو علم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بالحب في الله والبغض في الله ، والمعاداة في الله ، والموالاة في الله ، ولو كان الناس متفقين على طريقة واحدة ، ومحبة من غير عداوة ولا بغضاء ، لم يكن فرقانًا بين الحق والباطل ، ولا بين المؤمنين والكفار ، ولا بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ) .
رابعًا : أنها سبب لتذوق حلاوة الإيمان ولذة اليقين ، لما جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( ثلاث من وجدهن وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يرجع إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار ) [ متفق عليه ] .
خامسًا : أنها الصلة التي يقوم على أساسها المجتمع المسلم ( إنما المؤمنون إخوة ) .
سادسًا : أنه بتحقيق هذه العقيدة تنال ولاية الله ، لما روى ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : ( من أحب في الله وأبغض في الله ، ووالى في الله وعادى في الله ، فإنما تنال ولاية الله بذلك ) .
سابعًا : أن عدم تحقيق هذه العقيدة قد يدخل في الكفر ، قال تعالى : ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) .
ثامنًا : أن كثرة ورودها في الكتاب والسنة يدل على أهميتها .
يقول الشيخ حمد بن عتيق - رحمه الله - : ( فأما معاداة الكفار والمشركين فاعلم أن الله سبحانه وتعالى قد أوجب ذلك ، وأكد إيجابه ، وحرم موالاتهم وشدد فيها ، حتى أنه ليس في كتاب الله تعالى حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( إن تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله يقتضي أن لا يحب إلا لله ، ولا يبغض إلا لله ، ولا يواد إلا لله ، ولا يُعادي إلا لله ، وأن يحب ما أحبه الله ، ويبغض ما أبغضه الله ) .
ومن صور موالاة الكفار أمور شتى ، منها :
1- التشبه بهم في اللباس والكلام .
2- الإقامة في بلادهم ، وعدم الانتقال منها إلا بلاد المسلمين لأجل الفرار بالدين .
3- السفر إلى بلادهم لغرض النزهة ومتعة النفس .
4- اتخاذهم بطانة ومستشارين .
5- التأريخ بتاريخهم خصوصًا التاريخ الذي يعبر عن طقوسهم وأعيادهم كالتاريخ الميلادي .
6- التسمي بأسمائهم .
7- مشاركتهم في أعيادهم أو مساعدتهم في إقامتها أو تهنئتهم بمناسبتها أو حضور إقامتها .
8- مدحهم والإشادة بما هم عليه من المدنية والحضارة ، والإعجاب بأخلاقهم ومهاراتهم دون النظر إلى عقائدهم الباطلة ودينهم الفاسد .
9- الاستغفار لهم والترحم عليهم .
قال أبو الوفاء بن عقيل : ( إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان ، فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع ، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك ، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة ، عاش بان الراوندي والمعري - عليمها لعائن الله - ينظمون وينثرون كفرًا ، وعاشوا سنين ، وعُظمت قبورهم ، واشتُريت تصانيفهم ، وهذا يدل على برودة الدين في القلب ) .
وعلى المسلم أن يحذر من أصحاب البدع والأهواء الذين امتلأت بهم الأرض ، ولْيتجنَّب الكفار وما يبثون من شبه وشهوات ، وليعتصم بحبل الله المتين وسنة نبيه الكريم . وعلى المسلم أن يفطِن إلى الفرق بين حسن التعامل والإحسان إلى أهل الذمة وبين بُغضهم وعدم محبتهم . ويتعيَّن علينا أن نبرهم بكل أمر لا يكون ظاهره يدل على مودات القلوب ، ولا تعظيم شعائر الكفر . ومن برهم لتُقبل دعوتنا : الرفق بضعيفهم ، وإطعام جائعهم ، وكسوة عاريهم ، ولين القول لهم على سبيل اللطف معهم والرحمة لا على سبيل الخوف والذلة ، والدعاء لهم بالهداية ، وينبغي أن نستحضر في قلوبنا ما جُبلوا عليه من بغضنا ، وتكذيب نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - .
اللهم وفقنا للعمل بكتابك وسنة نبيك - صلى الله عليه وسلم - والسير على هداهما ، وحب الله ورسوله والمؤمنين وموالاتهم وبغض الكفار والمشركين ومعاداتهم .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أسد الجزيرة غير متصل  


قديم(ـة) 10-03-2011, 09:43 PM   #2
عطشــانة دم !
Registered User
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
البلد: .
المشاركات: 761
موضوع رائع لكن ياليت فيه تنسيق والله نتعب بالقراءة
جزاك الله خير
عطشــانة دم ! غير متصل  
قديم(ـة) 11-03-2011, 11:31 AM   #3
غربة غريب
عـضـو
 
صورة غربة غريب الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2011
البلد: في حي ( الساحة المفتوحة ) من مدينة ( بريدة ستي )
المشاركات: 2,272
قال تعالى: {تَرَىٰ كَثِيراً مّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِى ٱلْعَذَابِ هُمْ خَـٰلِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالْلهِ والنَّبِىّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـٰكِنَّ كَثِيراً مّنْهُمْ فَـٰسِقُونَ} [المائدة:80، 81].

يقول شيخ الإسلام في توضيح هذه الآية: "فذكر جملة شرطية تقتضي أنه إذا وجد الشرط وجد المشروط بحرف (لو) التي تقتضي مع الشرط انتفاء المشروط، فقال: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالْلهِ والنَّبِىّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء}، فدل على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده، ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب، ودل ذلك على أن من اتخذهم أولياء، ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه"


أحسنت أخي على التنبيه على هذه العقيدة التي تكاد مغيبه في نفوس كثير من أبنائنا
__________________
غربة غريب غير متصل  
قديم(ـة) 11-03-2011, 03:04 PM   #4
أنا المسلم
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2011
البلد: السرداب
المشاركات: 3
اقتباس
المشاركة الأساسية كتبها {أليس الله بكاف عبده}
قال تعالى: {تَرَىٰ كَثِيراً مّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِى ٱلْعَذَابِ هُمْ خَـٰلِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالْلهِ والنَّبِىّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـٰكِنَّ كَثِيراً مّنْهُمْ فَـٰسِقُونَ} [المائدة:80، 81].

يقول شيخ الإسلام في توضيح هذه الآية: "فذكر جملة شرطية تقتضي أنه إذا وجد الشرط وجد المشروط بحرف (لو) التي تقتضي مع الشرط انتفاء المشروط، فقال: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالْلهِ والنَّبِىّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء}، فدل على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده، ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب، ودل ذلك على أن من اتخذهم أولياء، ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه"


أحسنت أخي على التنبيه على هذه العقيدة التي تكاد مغيبه في نفوس كثير من أبنائنا

طيب ما فيه شي منا والا منا يخلينا نتولاهم مع وجود الإيمان بالقلب

دور لنا منفذ يا شيخ لا نخرج من الايمان مرة
أنا المسلم غير متصل  
قديم(ـة) 12-03-2011, 05:28 PM   #5
أنا المسلم
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2011
البلد: السرداب
المشاركات: 3
اقتباس
اقتباس
المشاركة الأساسية كتبها أسد الجزيرة
ومنزلة عقيدة الولاء والبراء من الشرع عظيمة ومنها :
أولاً : أنها جزء من معنى الشهادة ، وهي قول : ( لا إله ) من ( لا إله إلا الله ) فإن معناها البراء من كل ما يُعبد من دون الله .
ثانيًا : أنها شرط في الإيمان ، كما قال تعالى : ( ترى كثيرًا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه اتخذوهم أولياء ولكن كثيرًا منهم فاسقون ) .
ثالثًا : أن هذه العقيدة أوثق عرى الإيمان ، لما روى أحمد في مسنده عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله ) .
يقول الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب - رحمهم الله - : ( فهل يتم الدين أو يُقام عَلَم الجهاد أو علم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بالحب في الله والبغض في الله ، والمعاداة في الله ، والموالاة في الله ، ولو كان الناس متفقين على طريقة واحدة ، ومحبة من غير عداوة ولا بغضاء ، لم يكن فرقانًا بين الحق والباطل ، ولا بين المؤمنين والكفار ، ولا بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ) .
رابعًا : أنها سبب لتذوق حلاوة الإيمان ولذة اليقين ، لما جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( ثلاث من وجدهن وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يرجع إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار ) [ متفق عليه ] .
خامسًا : أنها الصلة التي يقوم على أساسها المجتمع المسلم ( إنما المؤمنون إخوة ) .
سادسًا : أنه بتحقيق هذه العقيدة تنال ولاية الله ، لما روى ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : ( من أحب في الله وأبغض في الله ، ووالى في الله وعادى في الله ، فإنما تنال ولاية الله بذلك ) .
سابعًا : أن عدم تحقيق هذه العقيدة قد يدخل في الكفر ، قال تعالى : ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) .
ثامنًا : أن كثرة ورودها في الكتاب والسنة يدل على أهميتها .
يقول الشيخ حمد بن عتيق - رحمه الله - : ( فأما معاداة الكفار والمشركين فاعلم أن الله سبحانه وتعالى قد أوجب ذلك ، وأكد إيجابه ، وحرم موالاتهم وشدد فيها ، حتى أنه ليس في كتاب الله تعالى حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( إن تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله يقتضي أن لا يحب إلا لله ، ولا يبغض إلا لله ، ولا يواد إلا لله ، ولا يُعادي إلا لله ، وأن يحب ما أحبه الله ، ويبغض ما أبغضه الله ) .
ومن صور موالاة الكفار أمور شتى ، منها :
1- التشبه بهم في اللباس والكلام .
2- الإقامة في بلادهم ، وعدم الانتقال منها إلا بلاد المسلمين لأجل الفرار بالدين .
3- السفر إلى بلادهم لغرض النزهة ومتعة النفس .
4- اتخاذهم بطانة ومستشارين .
5- التأريخ بتاريخهم خصوصًا التاريخ الذي يعبر عن طقوسهم وأعيادهم كالتاريخ الميلادي .
6- التسمي بأسمائهم .
7- مشاركتهم في أعيادهم أو مساعدتهم في إقامتها أو تهنئتهم بمناسبتها أو حضور إقامتها .
8- مدحهم والإشادة بما هم عليه من المدنية والحضارة ، والإعجاب بأخلاقهم ومهاراتهم دون النظر إلى عقائدهم الباطلة ودينهم الفاسد .
9- الاستغفار لهم والترحم عليهم .
قال أبو الوفاء بن عقيل : ( إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان ، فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع ، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك ، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة ، عاش بان الراوندي والمعري - عليمها لعائن الله - ينظمون وينثرون كفرًا ، وعاشوا سنين ، وعُظمت قبورهم ، واشتُريت تصانيفهم ، وهذا يدل على برودة الدين في القلب ) .
وعلى المسلم أن يحذر من أصحاب البدع والأهواء الذين امتلأت بهم الأرض ، ولْيتجنَّب الكفار وما يبثون من شبه وشهوات ، وليعتصم بحبل الله المتين وسنة نبيه الكريم . وعلى المسلم أن يفطِن إلى الفرق بين حسن التعامل والإحسان إلى أهل الذمة وبين بُغضهم وعدم محبتهم . ويتعيَّن علينا أن نبرهم بكل أمر لا يكون ظاهره يدل على مودات القلوب ، ولا تعظيم شعائر الكفر . ومن برهم لتُقبل دعوتنا : الرفق بضعيفهم ، وإطعام جائعهم ، وكسوة عاريهم ، ولين القول لهم على سبيل اللطف معهم والرحمة لا على سبيل الخوف والذلة ، والدعاء لهم بالهداية ، وينبغي أن نستحضر في قلوبنا ما جُبلوا عليه من بغضنا ، وتكذيب نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - .
اللهم وفقنا للعمل بكتابك وسنة نبيك - صلى الله عليه وسلم - والسير على هداهما ، وحب الله ورسوله والمؤمنين وموالاتهم وبغض الكفار والمشركين ومعاداتهم .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

د. عبد الله بن محمد القرني ا لمقدمة :

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد أوجب الله الموالاة بين المؤمنين، والبراءة من الكافرين، وجاءت نصوص كثيرة في تقرير هذا الأصل، وتحذير المؤمنين مما وقع فيه المنافقون من موالاة الكافرين.
ومن الأصول التي لا تحتمل الخلاف أن موالاة الكفار بمحبتهم أو نصرتهم لأجل دينهم كفر مخرج من الملة، وأنه يستحيل ثبوت الإيمان وأصل البراءة من الكفار مع حصول الموالاة للكفار بهذا المعنى، إذ لا يتصور اجتماع الإيمان مع محبة دين الكفار أو نصرتهم لأجل دينهم، لكون ذلك من اجتماع النقيضين. وهذا الأصل لا إشكال فيه.
لكن حصل الإشكال في أصل آخر، وهو ما يتعلق بحكم موالاة الكفار لمجرد غرض دنيوي، حين ظن من ظن أنه يلزم أن يكون حكم موالاة الكفار لغرض دنيوي كحكم موالاتهم على دينهم، وأنه لا فرق بين الحالين.
وأصل الإشكال في عدم التفريق بين موالاة الكفار بهذين المعنيين ما يظن من دلالة الآيات الواردة في التكفير بموالاة الكفار على التكفير بمطلق الموالاة لهم، وأن النصرة إذا كانت داخلة في مطلق الموالاة فيلزم أن تكون تلك الآيات دالة على التكفير بمطلق مظاهرة الكفار على المسلمين، دون نظر إلى الحامل على نصرة الكفار، بحيث لا يفرق بين أن تكون نصرة الكفار لأجل دينهم أو لمجرد غرض دنيوي .
وقد ترتب على الخلط في هذا الباب الوقوع في الغلو، والتكفير بما تدل النصوص الشرعية على عدم التكفير به، وتأويل النصوص الدالة على عدم الكفر بمظاهرة الكفار لغرض دنيوي بما يناقض دلالتها الظاهرة، والتجاوز في ذلك بالحكم على دول وجماعات بالكفر بمجرد الظن واتباع المتشابه، مع وجود النصوص المحكمة الواضحة الدلالة في الفرق بين الحالين .
ويستند التفريق بين موالاة الكفار على دينهم وبين موالاتهم لغرض دنيوي إلى أساسين :
أحدهما: حقيقة أصل الولاء والبراء، وما يقتضيه بيان تلك الحقيقة من التفريق بين ما ينافي أصل الولاء والبراء وما ينافي كماله، وأنه كما لا يلزم من مطلق معاداة المؤمن للمؤمن انتفاء أصل الموالاة بينهما، فإنه لا يلزم من مطلق موالاة المؤمن للكفار انتفاء أصل البراءة منهم، وأنه إذا كانت موالاة المؤمن للمؤمنين لا تنتفي إلا بما ينافي أصلها، بحيث تكون عداوة المؤمن للمؤمن لأجل إيمانه، فإن البراءة من الكفار لا تنتفي أيضاً إلا بما ينافي أصلها، بحيث تكون موالاة المؤمن للكفار لأجل دينهم، وجميع الآيات الواردة في التكفير بموالاة الكفار فإنما تفهم وفق هذا الأصل، فلا يصح الاستناد إلى دعوى دلالة تلك الآيات على التكفير بمطلق الموالاة مع ذلك.
وأما الأساس الثاني للدلالة على التفريق بين موالاة الكفار على دينهم وموالاتهم لمجرد غرض دنيوي فيستند إلى دلالة النصوص على أن موالاة الكفار لغرض دنيوي ليست كفراً لذاتها، ويكفي في الدلالة على ذلك ما جاء في قصة حاطب –رضي الله عنه- ، وما حصل منه من مكاتبة المشركين، ومظاهرتهم على رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وعدم تكفير النبي –صلى الله عليه وسلم- له، لما بين أن الحامل له على مظاهرتهم كان هو حماية أهله وماله بمكة، لا رضى بالكفر وردة عن الإسلام.
وقد كان هذا البحث في تقرير الدلالة في هذين الأساسين، وبيان اتفاق نصوص الكتاب والسنة في الدلالة عليهما ، ونقل أقوال العلماء المحققين في بيان وجه دلالة النصوص عليهما ، والرد على شبهات من يدعون دلالة النصوص على التكفير بمطلق موالاة الكفار. والحرص في ذلك كله على الاعتدال والتوسط، والبراءة من الغلو والجفاء في هذا الباب العظيم .
والله أسأل أن يجعل هذا البحث خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به إنه سميع مجيب.


المبحث الأول: حقيقة أصل الولاء والبراء
الوَلْيُ في اللغة يأتي على أصل واحد هو القرب. قال ابن فارس: (الواو واللام والياء أصل صحيح يدلّ على قرب. من ذلك الوَلْيُ: القرب. يقال: تباعد بعد ولي أي قرب. وجلس مما يليني، أي: يقاربني) (1). وذكر بعض المعاني التي تعود إلى هذا الأصل، والشواهد عليها، ثم قال: (والباب كله راجع إلى قرب) (2).
وجاء في الصحاح: (الوَلْيُ: القرب والدنو، يقال: تباعد بعد وَلْيٍ) (3). (والوليّ ضد العدو) (4). (والموالاة ضد المعاداة) (5). (والمولى الحليفُ) (6). (والوِلاية بالكسر: السلطان. والوَلاية والوِلاية: النصرة. يقال: هم عليَّ وِلاية أي: مجتمعون في النصرة) (7).
وأمّا &artshow-86-9576.htm#171; برأ » فيأتي في اللغة على أصلين: (أحدهما: الخلق ... والأصل الآخر: التباعد من الشيء ومزايلته) (8).
وحاصل ما سبق من معنى الولاية والموالاة في اللغة أن القربَ هو الأصل الجامع لمعناها. وأنّ نقيض ذلك من التباعد والمعاداة هو براء وبراءة. والقرب إذا كان في الدّين فمنشؤه المحبّة بين المتواليين، لما بينهما من الاتفاق في الدين، وضدّ ذلك ما يكون من البراء في الدّين، فمنشؤه البغض والكراهية. وعلى هذا يكون أصل الموالاة المحبة، وأصل البراءة البغض والكراهية، وإنما يوالي المؤمن المؤمنين لمحبته لهم لإيمانهم، كما أنه إنما يبرأ من الكفار لبغضه لهم لكفرهم، فمن حقق المحبة للمؤمنين لما هم عليه من الإيمان فقد حقق أصل الموالاة لهم، ومن حقق الكراهية والبغض للكفار لما هم عليه من الكفر فقد حقق أصل البراءة منهم .
وفي تقرير أصل الولاء والبراء، وما يلزم عنه، وبيان الصلة بين المعنى اللغوي والحقيقة الشرعية للولاء والبراء يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (أصل الموالاة هي المحبة، كما أن أصل المعاداة البغض، فإن التحاب يوجب التقارب والاتفاق، والتباغض يوجب التباعد والاختلاف، وقد قيل: المولى من الولي، وهو القرب، وهذا يلي هذا، أي يقرب منه. والعدو من العدواء، وهو البعد، ومنه العدوة، والشيء إذا ولي الشيء ودنا منه وقرب إليه اتصل به، كما أنه إذا عدي عنه ونأى عنه وبعد منه كان ماضياً عنه .
فأولياء الله ضد أعدائه، يقربهم منه ويدنيهم إليه ويتولاهم ويتولونه ويحبهم ويرحمهم، ويكون عليهم منه صلاة، وأعداؤه يبعدهم ويلعنهم، وهو إبعاد منه ومن رحمته، ويبغضهم ويغضب عليهم ، وهذا شأن المتوالين والمتعادين) (9).
وفي نفس المعنى يقول الإمام الشوكاني: (أصل الولاية المحبة والتقرب، كما ذكره أهل اللغة، وأصل العداوة البغض والبعد) (10).
وفي نفس المعنى أيضاً يقول الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ:
(وأصل الموالاة الحب، وأصل المعاداة البغض، وينشأ عنهما من أعمال القلوب والجوارح ما يدخل في حقيقة الموالاة والمعاداة، كالنصرة والأنس والمعاونة، وكالجهاد والهجرة، ونحو ذلك من الأعمال) (11).
وعلى قدر تحقيق الولاء والبراء في الباطن يكون أثره في الظاهر، وحقوق المسلم على المسلم إنما ترجع إلى تحقيق الموالاة بينهم، والنهي عن مشايعة الكفار وموافقتهم ونصرتهم إنما ترجع إلى تحقيق البراءة منهم، فمن أخل بشيء مما يجب عليه من حقوق إخوانه المسلمين فقد نقص ولاؤه لهم بقدر ما أخل به من حقوقهم ، ومن فعل شيئاً مما نهي عنه من موالاة الكفار في الظاهر فقد نقصت براءته من الكفار بقدر ذلك، وما لم يكن الإخلال بالولاء والبراء متعلقًا بأصل الولاء والبراء فإن الإيمان ينقص بحسب ذلك ، حتى إذا حصل الإخلال بأصل الولاء والبراء فإن الإيمان حينئذٍ ينتفي بالكلية، ولا يبقى منه شيء .
وإذا كانت المحبة هي أصل الموالاة، والنصرة تابعة لها ، فإنه لا يلزم من مجرد القدح في النصرة انتفاء المحبة التي هي أصلها . فلا يلزم من مجرد النقص في النصرة الواجبة للمؤمن على المؤمن، أو من مجرد المعاداة الظاهرة من المؤمن للمؤمن انتفاء أصل الموالاة بينهما، وكذلك ما قد يكون من المؤمن من مجرد مظاهرة الكفار وإعانتهم على المسلمين، فإنه لا يلزم منه لذاته انتفاء أصل البراءة من الكفار.
وأما أصل الولاء والبراء فلازم للإيمان، بحيث لا يتصور الإيمان إلا مع ثبوت أصل الولاء والبراء، وذلك أن المؤمن لا يكون مؤمناً إلا مع رضاه بإيمانه ومحبته له، وكراهيته لكل ما يناقضه وينافيه .
واتفاق المؤمنين في إيمانهم يستلزم لذاته تحقق الموالاة بينهم، بحيث يستحيل ألا تكون عند المؤمن المحبة للمؤمنين لإيمانهم، كما أن ما عليه الكفار من الكفر يناقض إيمان المؤمن، فيستحيل أيضاً ألا تكون عند المؤمن الكراهية والبغض لما يناقض إيمانه. وعلى هذا يكون تصور ثبوت الإيمان مع عدم الولاء للمؤمنين والبراءة من الكافرين من قبيل تصور اجتماع النقيضين .
وإنما قيل إن الإيمان لا يثبت إلا مع ثبوت أصل الولاء والبراء خاصة دون مطلق الولاء والبراء؛ لأنه لا يلزم من منافاة مطلق الولاء والبراء منافاة أصل الولاء والبراء. والإيمان لا ينتفي إلا بما ينافي أصل الولاء والبراء، وأما ما ينافي مطلق الولاء والبراء مما يدخل في عموم المعاداة للمؤمنين والموالاة للكفار، دون أن ينافي أصل الولاء والبراء فإنه وإن نقص به الإيمان إلا أنه لا ينافيه بالكلية .
وإذا كان قتل المؤمن للمؤمن لا ينافي لذاته أصل الموالاة والأخوة الإيمانية بينهما، فما دون ذلك من العداوة أحرى ألا ينافي أصل الموالاة بين المؤمنين، وإن كانت تلك العداوة منافية لمطلق الموالاة بينهم، فما ينافي مطلق الموالاة بين المؤمنين لا يلزم أن ينافي الموالاة المطلقة لهم، وإنما تنتفي موالاة المؤمن للمؤمنين بعداوتهم وكراهتهم لأجل إيمانهم، لاستحالة حصول ذلك مع ثبوت الإيمان للمؤمن .
وكما أن موالاة المؤمن للمؤمنين لا تنتفي إلا إذا كانت عداوته وكراهيته لهم لأجل إيمانهم، فإن براءة المؤمن من الكفار لا تنتفي إلا إذا كانت محبته لهم ونصرته لهم لأجل كفرهم . فثبوت أصل البراءة من الكفار مع ما قد يكون من الموالاة الظاهرة لهم لمجرد غرض دنيوي هو من قبيل ثبوت أصل الولاء للمؤمنين مع ما قد يحصل بين المؤمنين من العداوة الظاهرة. وإذا لم تكن عداوة المؤمن للمؤمن في الظاهر كفراً لذاتها ما لم تتضمن أن تكون عداوته لأجل إيمانه، فكذلك موالاة المؤمن للكافر في الظاهر، لا تكون كفراً لذاتها، ما لم تتضمن أن تكون تلك الموالاة للكافر لأجل دينه، لا لمجرد غرض دنيوي .
وكما أنه لا دليل على أن شيئاً مما قد يحصل من المؤمن من العداوة الظاهرة للمؤمنين تكون كفراً لذاتها، فكذلك لا دليل أيضاً على أن شيئاً مما قد يحصل من المؤمن من الموالاة الظاهرة للكفار تكون كفراً لذاتها، بل إعانة الكفار ومظاهرتهم على المسلمين هي في ذاتها من قبيل العداوة المباشرة من المؤمن للمؤمن، من حيث إنه لا فرق بينهما من جهة انتفاء حكم الكفر عنهما لذاتهما، وإنما يلزم الكفر فيهما بأن تكون عداوة المؤمن للمؤمن لأجل إيمانه، ومظاهرة المؤمن للكفار لأجل دينهم . ومن تأمل هذا المعنى حق التأمل اتضح له أصل المسألة وحقيقة مناط الكفر بموالاة الكفار .
وحاصل الأمر أن من التزم التكفير بمطلق الموالاة للكفار لزمه التكفير بمطلق المعاداة للمؤمنين، وأما التكفير بمطلق الموالاة للكفار دون مطلق المعاداة للمؤمنين، مع منافاتها لمطلق الموالاة لهم فتناقض محض .
وحينئذٍ يمكن أن تجتمع للمؤمن شعبة من شعب الموالاة للكفار مع ثبوت أصل البراءة منهم، حتى إذا أحب المؤمن الكفار أو أعانهم ونصرهم على المسلمين لأجل دينهم انتفى أصل البراءة من الكفار فانتفى إيمانه .
وعلى هذا المعنى تحمل الآيات الواردة في التكفير بموالاة الكفار، وأن المقصود بها التكفير بموالاة الكفار لأجل دينهم لا التكفير بمطلق الموالاة لهم، وأن هذه الآيات لا تحتاج في بيان دلالتها على هذا المعنى إلى نصوص أخرى تقيدها، لأن دلالتها عليه محكمة، فمن ادعى في هذه الآيات الدلالة على التكفير بمطلق الموالاة فقد خالف دلالتها.
وبناءً على هذا نص الشيخ الشنقيطي –رحمه الله-ٍٍِِ على أن ظواهر الآيات الواردة في التكفير بموالاة الكفار إنما تدل على التكفير بموالاة الكفار رغبة فيهم وفي دينهم، وقد أورد جملة من الآيات في حكم موالاة الكفار، ثم نصّ على ما تتفق عليه تلك الآيات فقال: (يفهم من ظواهر هذه الآيات أن من تولى الكفار عمداً واختياراً ، رغبة فيهم، أنه كافر مثلهم) (12).
وقال في موطن آخر في نفس المعنى إن الله تعالى قد بين (أن الذي يتولى الكفار اختياراً ، رغبة فيهم وفي دينهم، أنه منهم) (13).
والمهم فيما ذكره الشيخ الشنقيطي هنا أنه لم يقصد تفسير آية بعينها، وإنما أراد بيان قاعدة ترجع إليها الآيات في حكم موالاة الكفار، وحاصل ما قرره هنا من اشتراط الرغبة في الكفار وفي دينهم للحكم بموالاة الكفار يقتضي أن من كانت موالاته للكفار دون ذلك، بحيث لم تكن موالاته للكفار لأجل دينهم، وإنما كانت لمجرد غرض دنيوي فإنه لا يكفر، لأن من يوالي الكفار لغرض دنيوي مع ثبوت أصل البراءة من الكفار عنده لا يقال إن حاله كحال من والاهم رغبة فيهم وفي دينهم، وإذا كان الحكم بالكفر بموالاة الكفار مقيداً بمن والاهم رغبة في دينهم لم يكن من والاهم لمجرد رغبة في الدنيا مع يقينه بدينه وعدم رغبته عنه كذلك .
وقد قرر شيخ الإسلام ابن تيمية الفرق بين ما ينافي أصل الولاء والبراء وما ينافي مطلق الولاء والبراء، وبين أن الكفر بموالاة الكفار إنما يكون بما يستحيل معه ثبوت أصل الولاء والبراء، وأن ما دون ذلك مما قد يحصل من المؤمن من معاداة المؤمنين وموالاة الكفار لا يكون حكمه كذلك.
وفي تقرير الاستدلال للتنافي بين الإيمان وموالاة الكفار يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (وقال تعالى : فيما يذم به أهل الكتاب … "تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ" [المائدة:80-81]. فبين –سبحانه وتعالى- أن الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه مستلزم لعدم ولايتهم، فثبوت ولايتهم يوجب عدم الإيمان، لأن عدم اللازم يقتضي عدم الملزوم .
وقال سبحانه : "لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ" [المجادلة:22].
فأخبر سبحانه أنه لا يوجد مؤمن يواد كافراً، فمن واد الكفار فليس بمؤمن) (14).
ومع ما قرره هنا شيخ الإسلام من التنافي بين الإيمان وبين موادّة الكفار وموالاتهم إلا أنه قد نص على أن تلك الموالاة إذا كانت لغرض دنيوي فإنها لا تكون كفراً . وفي ذلك يقول: (إذا قوي ما في القلب من التصديق والمعرفة والمحبة لله ورسوله أوجب بغض أعداء الله ، كما قال تعالى: "وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ" [المائدة :81]. وقال : "لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ" [المجادلة:22].
وقد تحصل للرجل موادتهم لرحم أو حاجة فتكون ذنباً ينقص به إيمانه،
ولا يكون به كافراً، كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين ببعض
أخبار النبي –صلى الله عليه وسلم-، وأنزل الله فيه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ" [الممتحنة:1] (15).
وإذا كانت الآيات التي استند إليها شيخ الإسلام ابن تيمية في الحكم باستحالة ثبوت الإيمان مع موالاة الكفار هي نفسها الآيات التي ذكر أنه لا يلزم منها التكفير بموالاة الكفار لمجرد غرض دنيوي، فلا بد أن يكون مراده بالموالاة المكفرة ما تكون لأجل دين الكفار، لا لمجرد غرض دنيوي، لأنه إذا لم يصح التكفير بالموالاة التي لا تكون على الدين لم يبق في التكفير بالموالاة إلا ما تكون على الدين.
وعلى هذا الأساس فرق الشيخ عبدالرحمن بن سعدي في تفسيره للآيات الواردة في حكم موالاة الكفار بين الموالاة التامة وما دونها، وبين أن الكفر بموالاة الكفار لا يكون إلا بالموالاة التامة، وأن ما دون ذلك من الموالاة للكفار لا تكون كفراً، وإن دخلت في عموم موالاة الكفار .
ومن ذلك قوله عند تفسير قول الله تعالى: "إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" [الممتحنة:9]، (ذلك الظلم يكون بحسب التولي، فإن كان تولياً تاماً كان ذلك كفراً مخرجاً عن دائرة الإسلام، وتحت ذلك من المراتب، ما هو غليظ وما هو دونه) (16).
وقال أيضاً في تعليل الحكم بالكفر في موالاة اليهود والنصارى في قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ" [المائدة:51]: (لأن التولي التام يوجب الانتقال إلى دينهم، والتولي القليل يدعو إلى الكثير، ثم يتدرج شيئاً فشيئاً حتى يكون العبد منهم) (17).
وتأمل كيف فرق بين التولي التام الذي يوجب الكفر المخرج من الملة، وبين ما دونه من التولي، وأنه ليس بكفر، وإن كان داخلًا في عموم تولي الكفار، فعلم أن الكفر بموالاة الكفار لا يكون بمطلق الموالاة لهم ، وإنما هو مقيد بالموالاة التامة المطلقة، وإنما تكون الموالاة تامة إذا كانت لأجل دين الكفار، لا لمجرد غرض دنيوي، مع ثبوت أصل الولاء والبراء .
وتكرار الشيخ ابن سعدي –رحمه الله-ٍٍِِ لنفس الحكم في الآيتين السابقتين، وتأكيده على التفريق بين الموالاة التامة وما دونها دليل على أن هذا التفريق أصل عنده في حكم موالاة الكفار، وأن ما جاء من النصوص في هذا الباب فإنما يفهم وفق ذلك الأصل.
وقد حكى الإمام ابن الجوزي عن أهل التفسير التفريق بين موالاة الكفار لأجل دينهم وبين موالاتهم فيما دون ذلك فقال: قوله تعالى: "وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ" [المائدة:51] فيه قولان :
أحدهما : من يتولهم في الدين فإنه منهم في الكفر، والثاني: من يتولهم في العهد فإنه منهم في مخالفة الأمر) (18).
وما ذكره ابن الجوزي عن أهل التفسير في معنى الآية يقتضي التفريق بين موالاة الكفار على دينهم وأنها كفر . وبين الموالاة في مجرد العهد مع الكفار وأنها مخالفة للأمر، أي فلا تكون كفراً . وبذلك يكون قد جمع فيما حكاه في هذين القولين بين بيان الحكم وبيان علة الحكم. فذكر أن الكفر بموالاة الكفار مقيد بموالاتهم في الدين، وأن موالاة الكفار في مجرد العهد والتحالف لا تعدو أن تكون معصية ومخالفة للأمر، فلا تكون كفراً لذاتها، لكونها ليست موالاة للكفار على دينهم، ومعلوم أن موالاة الكفار في العهد والتحالف داخلة في عموم نصرتهم، ولو لم تكن كذلك ما حرص الكفار على أن يكون بينهم وبين المسلمين موالاة بهذا المعنى، فعلم أن عدم التكفير في هذه الحال منوط بكون هذه الموالاة مع الكفار مما يكون من المسلمين لأجل غرض دنيوي، وأنها وإن كانت مخالفة للأمر إلا أنها لا تكون كفراً لذاتها، لعدم تحقق مناط الكفر بموالاة الكفار فيها، وهو موالاتهم لأجل دينهم .
وبذا لا يكون للعهد والتحالف مع الكفار حكم مطلق في جميع الأحوال، بل يختلف حكمه بحسب الحامل عليه، فيكون كفرًا إذا كان الحامل عليه نصرة الكفار لأجل دينهم، ويكون مخالفة للأمر وذنباً عظيماً دون أن يصل إلى حدّ الكفر إذا كان لمجرد غرض دنيوي، وقد يكون جائزًا أو متعينًا بحسب ما يكون فيه من المصلحة للمسلمين، وقد عاهد النبي –صلى الله عليه وسلم- الكفار وقبل حلفهم في بعض الأحوال، كقبوله حلف خزاعة، ومعاهدته لقريش في صلح الحديبية.
ووجه الأهمية في نص الإمام ابن الجوزي على الحكم وعلته في الآية هو ما يقتضيه ذلك من بيان أن هذه العلة عامة في حكم موالاة الكفار، لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فلا يكون ما ذكره خاصاً بمعنى هذه الآية، وإنما يكون تقريراً للتفريق في حكم موالاة الكفار بين ما يكون لأجل دينهم وبين ما يكون لغير ذلك .
وقد نصّ الشيخ صالح الفوزان على أن مناط الكفر بمظاهرة الكفار هو مظاهرتهم لأجل دينهم، وأن مظاهرتهم على غير الدين لا تكون كفراً، وذكر أقسام مظاهرة الكفار فقال: (ومظاهرة الكفار على المسلمين تحتها أقسام :
القسم الأول: مظاهرتهم ومعاونتهم على المسلمين، مع محبة ما هم عليه من الكفر والشرك والضلال، فهذا القسم لا شك أنه كفر أكبر مخرج من الملة، فمن ظاهرهم وأعانهم وساعدهم على المسلمين مع محبة دينهم، وما هم عليه، والرضى عنهم، وهو مختار، غير مكره، فإنه يكون كفراً مخرجاً من الملة، على ظاهر قوله تعالى: "فَإِنَّهُ مِنْهُمْ" [المائدة:51].
القسم الثاني: أن يعاونهم على المسلمين، لا مختاراً بل يكرهونه على ذلك بسبب إقامته بينهم ، فهذا عليه وعيد، ويخشى عليه من الكفر المخرج من الملة …
القسم الثالث : من يعين الكفار على المسلمين، وهو مختار غير مكره، مع بغضه لدين الكفار، وعدم الرضا عنه، فهذا لا شك أنه فاعل لكبيرة من كبائر الذنوب، ويخشى عليه من الكفر) (19). وذكر أقساما أخرى.
والحاصل مما تقدم أن تقييد الكفر بموالاة الكفار بأن تكون الموالاة لأجل دين الكفار إنما يستند إلى حقيقة الولاء و البراء، وأن له أصلًا وكمالًا ، وأنه لا ينتفي إلا بما ينافي أصله، وأن أصل الولاء والبراء لا ينتفي إلا بمعاداة المؤمنين لإيمانهم، أو موالاة الكفار لكفرهم، وأن ما دون ذلك من معاداة المؤمنين أو موالاة الكفار لا يكون كفراً مخرجاً من الملة، وإن كان قادحاً في كمال الولاء والبراء .
وهذا معنى ما قرره العلماء في النقول السابقة عنهم، على اختلاف عباراتهم، ويبين استنادهم إلى هذا الوجه ، وكونه كافيا عندهم في الدلالة على تقييد الكفر بموالاة الكفار لأجل دينهم أنهم لم يذكروا في مستند تقييدهم للموالاة أنه قد وردت نصوص أخرى تقيد الإطلاق في الآيات الواردة في الحكم بالكفر بموالاة الكفار، وأهمية ذلك أن يعلم أنه ولو لم يستدل بالنصوص الدالة على عدم الكفر بموالاة الكفار لمجرد غرض دنيوي فإن مجرد العلم بحقيقة الولاء والبراء، والتفريق بين ما ينافي أصله وبين ما ينافي كماله فيه الدلالة الكافية على أن الكفر بموالاة الكفار ليس مطلقاً، بحيث يشمل كل موالاة لهم، وإنما هو مقيد بموالاتهم لأجل دينهم .
وعلى هذا الوجه يفهم اشتراط الإمام ابن جرير للكفر بموالاة الكفار أن تكون موالاتهم على دينهم، ونقله عن جماعة من السلف؛ وذلك عند تفسيره لقول الله تعالى: "لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً" [آل عمران:28].
وفي تفسيره للآية يقول: (معنى ذلك لا تتخذوا أيها المؤمنون الكفار ظهراً وأنصاراً توالونهم على دينهم، وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين، وتدلونهم على عوراتهم، فإنه من يفعل ذلك "فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ" [آل عمران:28] يعني بذلك: فقد برئ من الله، وبرئ الله منه، بارتداده عن دينه، ودخوله في الكفر) (20).
وهذا الذي ذكره الإمام ابن جرير من اشتراط الموالاة في الدين للكفر بموالاة الكفار قد ذكره عن جماعة من السلف في تفسير الآية، فقد ذكر بسنده إلى ابن عباس –رضي الله عنهما- أنه قال في تفسير الآية، (نهى الله سبحانه المؤمنين أن يلاطفوا الكفار أو يتخذونهم وليجة من دون المؤمنين، إلا أن يكون الكفار عليهم ظاهرين، فيظهروا لهم اللطف ويخالفونهم في الدين) (21).
ونقل عن قتادة أنه قال في تفسيرها: (نهى الله المؤمنين أن يوادوا الكفار، أو يتولوهم من دون المؤمنين، وقال الله : "إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً" [آل عمران:28] الرحم من المشركين، من غير أن يتولوهم في دينهم، إلا أن يصل رحما من المشركين) (22).
ونقل عن الحسن البصري في معنى قوله تعالى : "إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً" [آل عمران:28] أن معناها (صاحبهم في الدنيا معروفاً، الرحم وغيره، فأما في الدين فلا) (23).
ونقل عن السدي أنه قال في معنى قوله تعالى: "لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ" [آل عمران:28] أي (فيواليهم في دينهم، ويظهرهم على عورة المؤمنين، فمن فعل هذا فهو مشرك، فقد برئ الله منه، إلا أن يتقي منهم تقاة، فهو يظهر الولاية لهم في دينهم والبراءة من المؤمنين) (24).
والذي ذكره الإمام ابن جرير في تفسير الآية إنما أخذه من مجموع هذه الأقوال، وعبارته قريبة من عباراتهم، ونص على اشتراط الموالاة في الدين في تفسير الآية كما نصوا .
وهذا يدل على أن الإمام ابن جرير يرى التلازم بين التكفير بموالاة الكفار وبين أن تكون موالاتهم لأجل دينهم، فحين جاء في الآية قوله تعالى : "وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ" [آل عمران:28] وهو ظاهر الدلالة على الكفر بالموالاة اشترط في الموالاة في الآية أن تكون لأجل الدين، وإذا كان اشتراط الموالاة على الدين في التكفير بموالاة الكفار غير منصوص عليه في الآية، وإنما غاية ما فيها التكفير بموالاة الكفار من دون المؤمنين، فلا بد أن يكون ما اشترط الإمام ابن جرير من الموالاة على الدين معلوماً عنده بالنظر إلى حقيقة الولاء والبراء، والفرق بين أصله وكماله، وأنه لا يلزم من مطلق موالاة الكفار منافاة أصل البراءة منهم، ما لم تكن موالاتهم لأجل دينهم، وكما أن هذا هو ظاهر هذه الآية عند الإمام ابن جرير فهو أيضاً مقتضى اعتبار دلالة النصوص الأخرى في المسألة.
ولهذا ذكر الإمام ابن جرير في فقه قصة حاطب –رضي الله عنه- وما حصل منه من مظاهرة المشركين على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن فيها الدلالة على أن من دل الكفار على عورات المسلمين ولم يتكرر منه، كالذي حصل من حاطب –رضي الله عنه- ، فإنه لا يقتل ، وإنما يقتل عنده من تكرر منه ذلك، دفعاً لشره، وهذا لا يقال فيما يكون به الكفر، وإنما يكون فيما هو معصية(25).
والإمام ابن جرير أبعد من أن يقرر في معنى آية ما يعلم أن في نصوص أخرى ما يناقض ذلك المعنى، وإنما يقرر ما تتفق عليه النصوص عنده وإن لم يذكرها.
ويؤكد ما سبق بيانه من أن الكفر بموالاة الكفار مقيد بموالاتهم لأجل دينهم أن أكثر الآيات التي قد يظن أن فيها الدلالة على التكفير بمطلق الموالاة للكفار إنما جاءت في الحكم على المنافقين وبيان حالهم، وتحذير المؤمنين من مشابهة أولئك المنافقين حيث اتخذوا الكفار أولياء من دون المؤمنين .
فدل سياق هذه الآيات على تقييد الكفر بموالاة الكفار بأمر باطن، وهو موالاة الكفار على دينهم، لا بمطلق موالاتهم، لأن المنافقين لو أظهروا من موالاة الكفار ما يكون كفراً لذاته لحكم بردتهم في الظاهر، كحال من يظهر أي ناقض من نواقض الإسلام الظاهرة، ولما لم يكن ذلك علم أن الحكم بكفرهم مقيد بما تحقق من كفرهم في الباطن، لا بمجرد ما يكون من موالاتهم للكفار في الظاهر.
ومن تلك الآيات التي يدل سياقها على معناها، وأن الكفرفيها مقيد بموالاة الكفار على دينهم قول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" [المائدة:51] فقد جاء الحكم بالكفر بموالاة الكفار في قوله تعالى: "وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ" [المائدة:51] في سياق نهي المؤمنين عن موالاة اليهود والنصارى وبيان حال المنافقين في موالاتهم لليهود والنصارى. حيث وصفهم الله تعالى بقوله : "فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ" [المائدة:52] (أي : يبادرون إلى موالاتهم ومودتهم في الباطن والظاهر، يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ" [المائدة:52] أي : يتأولون في مودتهم وموالاتهم أنهم يخشون أن يقع أمر من ظفر الكفار بالمسلمين، فتكون لهم أياد عند اليهود والنصارى، فينفعهم ذلك) (26). وهذا من سوء ظنهم بالله تعالى ودينه، ثم قال تعالى: "فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ" [المائدة:52]. وقد كان ذلك، حيث جعل الله الدائرة للمسلمين ، فأصبح أولئك المنافقون على ما أسروا في أنفسهم من غش للإسلام وأهله نادمين.
ثم كان السياق بعد ذلك في بيان تعجب المؤمنين من حال أولئك المنافقين، وكيف أنهم قد أقسموا بالله الأيمان المغلظة أنهم مع المؤمنين، مع أنهم في الحقيقة موالون لأهل الكتاب من دون المؤمنين، وأنه بسبب ذلك حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين.
ثم حذر الله المؤمنين عن مشابهة المنافقين وأنه من يرتد من المؤمنين كما فعل أولئك المنافقون فسوف يأتي الله بخير منهم ، ثم ختم السياق بالتأكيد على أنه ينبغي أن تكون ولاية المؤمن لله ورسوله والمؤمنين، والتحضيض على البراءة من الكفار.
والمقصود أن سياق هذه الآيات هو في نهي المؤمنين عن مشابهة المنافقين في موالاتهم لليهود والنصارى. فيكون غاية ما يدل عليه قوله تعالى : "وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ" [المائدة:51] أن من حصلت منه الموالاة التي دلت الآيات على حصولها من المنافقين فإنه يكفر بذلك، والمنافقون لم يكفروا بمطلق الموالاة لأهل الكتاب، وإنما كفروا لأنهم رضوا بدين الكفار، وتمنوا علو الكافرين لكفرهم على المؤمنين لإيمانهم.
وقد فسر الإمام ابن جرير هذه الآية بما يدل على أن المراد بالموالاة فيها ما كان لأجل الدين، بحيث لا يمكن أن تكون الموالاة من مؤمن، وإنما تكون من منافق يرضى بدين من والاهم، ويتولاهم على دينهم .
وفي ذلك يقول الإمام ابن جرير: (يعني تعالى ذكره بقوله : "وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ" [المائدة:51] ومن يتول اليهود والنصارى دون المؤمنين "فَإِنَّهُ مِنْهُمْ" [المائدة:51] يقول: فإن من تولاهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى متولٍ أحداً إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راض، وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه، وصار حكمه حكمه، ولذلك حكم من حكم من أهل العلم لنصارى بني تغلب في ذبائحهم ونكاح نسائهم وغير ذلك من أمورهم بأحكام نصارى بني إسرائيل، لموالاتهم إياهم، ورضاهم بملتهم، ونصرتهم لهم عليها، وإن كانت أنسابهم لأنسابهم مخالفة …، وأصل دينهم لأصل دينهم مفارقاً) (27).
وتأمل ما ذكره الإمام ابن جرير عن نصارى بني تغلب، وأن العلماء الذين أباحوا نكاح نسائهم، وحل ذبائحهم، لموالاتهم للنصارى، ورضاهم بملتهم، ونصرتهم لهم عليها، وإن كان أصل دينهم لأصل دين النصارى مفارقاً كما قال ، فتبين بذلك أن الإمام ابن جرير لا يعتبر الموالاة التي حكم فيها على الموالي بما يحكم به على من والاه إلا إذا كانت مع الرضى بدين من والاه، أو أن ينصره لأجل دينه، ومعنى ذلك أن الموالاة لا تكون تامة عند الإمام ابن جرير إلا إذا كانت لأجل الدين.
وهذا يفسر ما ذكره الإمام ابن جرير في أول كلامه، حيث قال: فإنه لا يتولى متول أحداً إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راض » فإنه إنما أراد الموالاة التامة، لا مطلق الموالاة، فيكون مراده إنه لا تتم الموالاة التي يكون بها الكفر إلا من هذا الوجه، وهو أن يرضى المتولي بدين من والاه، لا أن كل ولاية لكافر لا بد أن تتضمن الرضى بدينه، فإن هذا كما أنه مخالف للواقع فهو مخالف أيضاً لكلامه السابق .
وقد استند الإمام ابن جرير في تفسيره للموالاة بهذا المعنى إلى سياق الآية، وأنها نزلت في بيان حال المنافقين . وبيان ذلك أن الإمام ابن جرير ابتدأ تفسيره للآية بحكاية الاختلاف في المعني بها، وفيمن نزلت، وذكر في ذلك ثلاثة أقوال، لكنه حكم بعد حكايتها بأنه (لم يصح بواحد من هذه الأقوال الثلاثة خبر تثبت بمثله حجة) (28)، ثم قال بعدما ذكر أن العبرة بعموم الآية : (غير أنه لا شك أن الآية نزلت في منافق كان يوالي يهوداً أو نصارى، خوفاً على نفسه من دوائر الدهر، لأن الآية التي بعد هذه الآية تدل على ذلك، وذلك قوله تعالى: "فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ" [المائدة:52] (29).
وإذا كان الإمام ابن جرير يخص الموالاة في الآية بما يكون من المنافقين فلا بد أن تكون الموالاة عنده مقيدة بموالاة الكفار لأجل دينهم، لأن تلك هي حقيقة حال المنافقين . ولهذا عقب محمد رشيد رضا على قول الإمام ابن جرير في تفسير هذه الآية، بقوله : (وقد قيد ابن جرير الولاية بكونها لأجل الدين، كما كانت الحال في ذلك العصر، إذ قام المشركون وأهل الكتاب يعادون المسلمين ويقاتلونهم لأجل دينهم) (30).
وتقدمت حكاية ابن الجوزي لأقوال المفسرين للآية(31)، وأن الموالاة فيها تحتمل الموالاة في الدين والموالاة في مجرد العهد، وأن الكفر بموالاة الكفار مقيد بموالاة الكفار لأجل دينهم، وأن موالاة الكفار فيما دون ذلك مما يكون مخالفة للأمر مع ثبوت البراءة منهم ليست كفرًا لذاتها، وأن ما حكاه ابن الجوزي عن أهل التفسير من التفريق بين هذين الحالين، وبيان حكم كل حالة، وبيان مناط حكمها، يقتضي اطراد الحكم، بحيث لا تكون موالاة الكفار كفرًا إلا إذا كانت لأجل دينهم، والمهم هنا أن حمل الموالاة في الآية على الموالاة المكفّرة مقيد بموالاة الكفار في دينهم، لا على مطلق الموالاة لهم، وأن من موالاة الكفار ما ليس بكفر لذاته.
وعلى هذا يكون الإطلاق في قوله تعالى : "وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ" [المائدة:51] أشبه بالإطلاق في قول النبي –صلى الله عليه وسلم- : ( (من تشبه بقوم فهو منهم )) (32). وإذا كان معلوماً أن مطلق التشبه بالكفار ليس كفرًا ما لم يكن التشبه بما هم عليه من الكفر، فكذلك مطلق الموالاة لا تكون كفراً ما لم تكن على ما عليه الكفار من الدين، ومن التزم الإطلاق في الآية لزمه الإطلاق في الحديث، وإلا كان متناقضاً .
ومن الآيات التي يدل سياقها على أن المراد بموالاة الكفار فيها موالاتهم على دينهم قول الله تعالى: "بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً" [النساء:138-139].
ففي هاتين الآيتين بيان حال المنافقين، وأنهم يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين لما يظنون أن تكون لهم به العزة .
وقد ذكر الله بعد ذلك بعض صفات المنافقين، كمجالستهم للكفار، ورضاهم بما يسمعونه منهم من الاستهزاء بآيات الله، وحكم الله بأن من فعل ذلك فهو مثل الكفار في كفرهم، وأن الله يجمعهم معهم في جهنم .
ثم ذكر الله من صفاتهم أيضاً ما جاء في قوله تعالى: "الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ" [النساء: 141] ومعنى ذلك (أنهم يتربصون بالمؤمنين دوائر السوء، بمعنى ينتظرون زوال دولتهم وظهور الكفر عليهم وذهاب ملتهم) (33)، وأنهم يظهرون الميل إلى الكافرين أو المؤمنين بحسب ما يرونه من مصلحتهم العاجلة.
ثم نهى الله عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، لأن ذلك لا يفعله إلا أهل النفاق، وعاقبة أهل النفاق في الآخرة أنهم في الدرك الأسفل من النار، إلا من تاب منهم توبة نصوحاً، فهو مع المؤمنين في الجنة .
والمقصود هنا أن النهي عن موالاة الكافرين جاء في سياق أنه من صفات المنافقين، الذين لم يحققوا الإيمان الباطن وإن أظهروا الإسلام، ومع أن كفر المنافقين باطن فقد ذكر الله من موالاتهم للكفار ما هو من الموالاة الظاهرة لهم، كقعودهم معهم وهم يستهزئون بآيات الله، ونصرتهم للكافرين، حتى أمكن أن يقولوا لهم ما ذكره الله عنهم أنهم قالوا للكفار "أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ" [النساء:141]، وجاء في وصفهم كما في السياق السابق من سورة المائدة قوله تعالى: "فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ" [المائدة:52] قال الإمام ابن جرير : (يعني بمسارعتهم فيهم مسارعتهم في موالاتهم ومصانعتهم) (34).
ومقتضى ذلك ألا يكون في مجرد ما يظهرونه من موالاة الكفار ما يدل لذاته على كفرهم في الظاهر، ولذا كان كفرهم باطناً لا ظاهراً، وإذا كان الكفر بما يظهره المنافقون من موالاة الكفار مقيداً بالباطن أمكن أن تحصل الموالاة للكفار في الظاهر ممن يضعف إيمانه من المؤمنين، دون أن يلزم من ذلك الكفر، لا في الظاهر ولا في الباطن، فيمكن على هذا أن تحصل من المؤمن المظاهرة للمشركين وإعانتهم على المسلمين، لمجرد غرض دنيوي، مع ثبوت أصل البراءة من الكفار .
وإذا كان الكفر قد يكون باطناً دون أن يكون عليه دليل في الظاهر، كحال المنافقين، وقد يكون ظاهراً، بحيث يمكن العلم به من حال المعين، مما يظهر منه من قول أو فعل، فإنه لا يجوز الحكم على معين بالكفر لمجرد ما يظن أنه حقيقة حاله في الباطن، وإنما يحكم عليه بالكفر استناداً إلى ما يقتضي الحكم عليه بذلك في الظاهر، وإنما حصل اللبس على كثير ممن خالف في هذا الباب لعدم تفريقهم بين الكفر الباطن والظاهر، وأن الكفر الظاهر لا بد فيه من قول أو فعل ظاهر دل النص على أنه كفر.
وإنما لزم التنبيه على هذا الأصل هنا لأن بعض من يحصل منهم التجاوز في الحكم بالكفر في هذا الباب إنما يستندون إلى نصوص تدل على الكفر الباطن خاصة، وتبين حال المنافقين، وما يكون منهم من موالاة الكفار على دينهم، فيأتي من يدخل في ذلك ما هو من قبيل المخالفة في مطلق الولاء والبراء، وليس مخالفاً لأصل الولاء والبراء، فيحكم بأنه كفر مطلقاً، ثم يحكم على المعين بالكفر استناداً إلى ما ظنه حكماً عاماً على الظاهر والباطن .

الدكتور عبدالله علم من أعلام العقيدة , وهذا هو امتداد الفكر السلفي . قبِل من قبِل وغلا من غلا .

والله المستعان,,
أنا المسلم غير متصل  
موضوع مغلق

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 06:32 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)